قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَمَّا فَرَغْتُ مِمَّا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ، وَلَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَهُوَ الَّذِي يَمُدُّ إلَيْهِ مَيِّتُكُمْ عَيْنَيْهِ إذَا حُضِرَ، فَأَصْعَدَنِي صَاحِبِي فِيهِ، حَتَّى انْتَهَى بِي إلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُقَالُ لَهُ: بَابُ الْحَفَظَةِ، عَلَيْهِ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، يُقَالُ لَهُ: إسْمَاعِيلُ، تَحْتَ يَدَيْهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ، تَحْتَ يَدَيْ كُلِّ مَلَكٍ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَلَكٍ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ- فَلَمَّا دُخِلَ بِي، قَالَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: (هَذَا) [٧] مُحَمَّدُ.
قَالَ: أَوَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا لِي بِخَيْرِ: وَقَالَهُ.
[٢] الْبَيْضَاء: عقبَة قرب مَكَّة تهبطك إِلَى فخ، وَأَنت مقبل من الْمَدِينَة تُرِيدُ مَكَّة، أَسْفَل مَكَّة من قبل ذِي طوى.
[٣] التَّنْعِيم: مَوضِع بِمَكَّة فِي الْجَبَل، وَهُوَ بَين مَكَّة وسرف على فرسخين من مَكَّة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ)
[٤] الأورق: الّذي لَونه بَين الغبرة والسواد.
[٥] البرقاء: الَّتِي فِيهَا ألوان مُخْتَلفَة.
[٦] يُرِيد أَن الْجمل كَانَ أول مَا لَقِيَهُمْ.
[٧] زِيَادَة عَن أ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: تَلَقَّتْنِي الْمَلَائِكَةُ حِينَ دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَلْقَنِي مَلَكٌ إلَّا ضَاحِكًا مُسْتَبْشِرًا، يَقُولُ خَيْرًا وَيَدْعُو بِهِ، حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا، وَدَعَا بِمِثْلِ مَا دَعَوْا بِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَضْحَكْ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ مَا رَأَيْتُ مِنْ غَيْرِهِ، فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْمَلَكُ الَّذِي قَالَ لِي كَمَا قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ وَلَمْ يَضْحَكْ (إلَيَّ)، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ مِنْ الْبِشْرِ مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْهُمْ [١]؟ قَالَ: فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: أَمَا إنَّهُ لَوْ ضَحِكَ إلَى أَحَدٍ كَانَ قَبْلَكَ، أَوْ كَانَ ضَاحِكًا إلَى أَحَدٍ بَعْدَكَ، لَضَحِكَ إلَيْكَ، وَلَكِنَّهُ لَا يَضْحَكُ، هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ [٢] النَّارِ [٣] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ، وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَكَانِ الَّذِي وُصِفَ لَكُمْ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ٨١: ٢١: أَلَا تَأْمُرُهُ أَنْ يُرِيَنِي النَّارَ؟ فَقَالَ:
بَلَى، يَا مَالِكُ، أَرِ مُحَمَّدًا النَّارَ. قَالَ: فَكَشَفَ عَنْهَا غِطَاءَهَا، فَفَارَتْ وَارْتَفَعَتْ، حَتَّى ظَنَنْتُ لَتَأْخُذَنَّ مَا أَرَى. قَالَ: فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ: يَا جِبْرِيلُ، مُرْهُ فَلْيَرُدَّهَا إلَى مَكَانِهَا. قَالَ: فَأَمَرَهُ، فَقَالَ لَهَا: اُخْبِي [٤]، فَرَجَعَتْ إلَى مَكَانِهَا الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ.
فَمَا شَبَّهْتُ رُجُوعَهَا إلَّا وُقُوعَ الظِّلِّ. حَتَّى إذَا دَخَلَتْ مِنْ حَيْثُ خَرَجَتْ رَدَّ عَلَيْهَا غِطَاءَهَا.
[٢] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «صَاحب» .
[٣] قَالَ السهيليّ بعد ذكر هَذَا الْخَبَر وَعدم ضحك مَالك إِلَى رَسُول الله ﷺ: «وَذَلِكَ أَنه لم يضْحك لأحد قبله، وَلَا هُوَ ضَاحِك لأحد، ومصداق هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى، قَالَ الله سُبْحَانَهُ:
عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ ٦٦: ٦. وهم موكلون بغضب الله تَعَالَى، فالغضب لَا يزايلهم أبدا. وَفِي هَذَا الحَدِيث مُعَارضَة للْحَدِيث الّذي فِي صفة مِيكَائِيل، أَنه مَا ضحك مُنْذُ خلق الله جَهَنَّم، وَكَذَلِكَ يُعَارضهُ مَا خرج الدارقطنيّ أَن رَسُول الله ﷺ تَبَسم فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا انْصَرف سُئِلَ عَن ذَلِك، فَقَالَ: رَأَيْت مِيكَائِيل رَاجعا من طلب الْقَوْم وعَلى جناحيه الْغُبَار، فَضَحِك إِلَى، فتبسمت إِلَيْهِ. وَإِذا صَحَّ الحديثان فَوجه الْجمع بَينهمَا أَن يكون: لم يضْحك مُنْذُ خلق الله النَّار إِلَى هَذِه الْمدَّة الَّتِي ضحك فِيهَا لرَسُول الله ﷺ، فَيكون الحَدِيث عَاما يُرَاد بِهِ الْخُصُوص، أَو يكون الحَدِيث الأول حدث بِهِ رَسُول الله ﷺ قبل هَذَا الحَدِيث الْأَخير، ثمَّ حدث بِمَا حدث بِهِ من ضحكه إِلَيْهِ»
[٤] خبت النَّار: زَاد لهيبها.
(وَ) [١] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ [٢] رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، رَأَيْتُ بِهَا رَجُلًا جَالِسًا تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَيَقُولُ لِبَعْضِهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَيُسَرُّ بِهِ، وَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيِّبٍ، وَيَقُولُ لِبَعْضِهَا إذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ: أُفٍّ، وَيَعْبِسُ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُ:: رُوحٌ خَبِيثَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ، فَإِذَا مَرَّتْ بِهِ رُوحُ الْمُؤْمِنِ مِنْهُمْ سُرَّ بِهَا. وَقَالَ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ خَرَجَتْ مِنْ جَسَدٍ طَيِّبٍ. وَإِذَا مَرَّتْ بَهْ رُوحُ الْكَافِرِ مِنْهُمْ أَفَّفَ [٣] مِنْهَا وَكَرِهَهَا، وَسَاءَ ذَلِكَ، وَقَالَ: روح خبيثة خرجت مِنْ جَسَدٍ خَبِيثٍ.
(صِفَةُ أَكَلَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى):
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ [٤] الْإِبِلِ، فِي أَيْدِيهمْ قِطَعٌ مِنْ نَارٍ كَالْأَفْهَارِ [٥]، يَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ، فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ. فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا.
(صِفَةُ أَكَلَةِ الرِّبَا):
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا لَهُمْ بُطُونٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ بِسَبِيلِ آلِ فِرْعَوْنَ [٦]، يَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ كَالْإِبِلِ الْمَهْيُومَةِ [٧] حِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ، يَطَئُونَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْ مَكَانِهِمْ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا.
[٢] كَذَا فِي ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «عَن» .
[٣] كَذَا فِي أ، ط: وأفف: قَالَ أُفٍّ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أنف» .
[٤] المشافر: جمع مشفر. ومشفر الْإِبِل: شفته.
[٥] الأفهار: جمع فهر، وَهُوَ حجر على مِقْدَار ملْء الْكَفّ
[٦] خص آل فِرْعَوْن، لأَنهم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ تَعَالَى أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ٤٠: ٤٦.
[٧] المهيومة: العطاش. وَكَانَ قِيَاس هَذَا الْوَصْف أَلا يُقَال فِيهِ (مهيومة) كَمَا لَا يُقَال معطوشة، إِنَّمَا يُقَال: هائم وهيمان، وَقد يُقَال: هيوم، وَيجمع على هيم.
وَلَكِن جَاءَ فِي الحَدِيث (مهيومة) كَأَنَّهُ شَيْء فعل بِهِ، كالمجمومة والمختونة.
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ ثَمِينٌ طَيِّبٌ، إلَى جَنْبِهِ لَحْمٌ غَثٌّ مُنْتِنٌ، يَأْكُلُونَ مِنْ الْغَثِّ [١] الْمُنْتِنِ، وَيَتْرُكُونَ السَّمِينَ الطَّيِّبَ. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ، وَيَذْهَبُونَ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُنَّ.
(صِفَةُ النِّسَاءِ اللَّاتِي يُدْخِلْنَ عَلَى الْأَزْوَاجِ مَا لَيْسَ مِنْهُمْ):
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ نِسَاءً مُعَلَّقَاتٍ بِثُدِيِّهِنَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ:
هَؤُلَاءِ اللَّاتِي أَدْخَلْنَ عَلَى الرِّجَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرٍو [٢]، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَأَكَلَ حَرَائِبَهُمْ [٣]، وَاطَّلَعَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ.
(عَوْدٌ إلَى حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ عَنْ الْمِعْرَاجِ):
ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا فِيهَا ابْنَا [٤] الْخَالَةِ: عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ صُورَتُهُ كَصُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا [٥] يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ. قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ فَسَأَلْتُهُ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: هَذَا إدْرِيسُ- قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا- قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ
[٢] هُوَ جَعْفَر بن عَمْرو بن أُميَّة الضمريّ الْمدنِي، وَهُوَ أَخُو عبد الْملك بن مَرْوَان من الرضَاعَة، روى عَن أَبِيه ووحش بن حَرْب وَأنس. وَعنهُ أَبُو سَلمَة وَأَبُو قلَابَة وَسليمَان بن يسَار وَأَخُوهُ الزبْرِقَان وَغَيرهم، وَمَات جَعْفَر فِي خلَافَة الْوَلِيد. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب وتراجم رجال) .
[٣] الحرائب: جمع حريبة، وَهِي المَال. يُرِيد أَن الْوَلَد إِذا كَانَ لغير رشدة نسب إِلَى الّذي ولد على فرَاشه فيأكل من مَاله صَغِيرا، وَينظر إِلَى بَنَاته من غير أمه، وَإِلَى أخواته ولسن بعمات لَهُ، وَإِلَى أمه وَلَيْسَت بجدة لَهُ، وَهَذَا فَسَاد كَبِير.
[٤] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ابْن» . وَهُوَ تَحْرِيف.
[٥] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «هُوَ» .
قَالَ: ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ آدَمُ [٢] طَوِيلٌ أَقْنَى [٣]، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. ثُمَّ أَصْعَدَنِي إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا كَهْلٌ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ إلَى بَابِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَرْجِعُونَ فِيهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لَمْ أَرَ رَجُلًا أَشْبَهَ بِصَاحِبِكُمْ، وَلَا صَاحِبُكُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إبْرَاهِيمُ. قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ بِي الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ فِيهَا جَارِيَةً لَعْسَاءَ [٤]، فَسَأَلْتهَا: لِمَنْ أَنْتِ؟ وَقَدْ أَعْجَبَتْنِي حِينَ رَأَيْتُهَا، فَقَالَتْ: لِزَيْدِ ابْن حَارِثَةَ، فَبَشَّرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمِنْ حَدِيثِ (عَبْدِ اللَّهِ) [٥] بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، فِيمَا بَلَغَنِي: أَنَّ جِبْرِيلَ لَمْ يَصْعَدْ بِهِ إلَى سَمَاءٍ مِنْ السَّمَوَاتِ إلَّا قَالُوا لَهُ حِينَ يَسْتَأْذِنُ فِي دُخُولِهَا: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُونَ:
أَوَقَدْ بُعِثَ [٦]؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُونَ: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَصَاحِبٍ! حَتَّى انْتَهَى بِهِ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، ثُمَّ انْتَهَى بِهِ إلَى رَبِّهِ، فَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ.
(مَشُورَةُ مُوسَى عَلَى الرَّسُولِ عليهما السلام فِي شَأْنِ تَخْفِيفِ الصَّلَاةِ):
(قَالَ) [٥]: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَأَقْبَلْتُ رَاجِعًا، فَلَمَّا مَرَرْتُ بِمُوسَى (بْنِ) [٥] عِمْرَانَ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ كَانَ لَكُمْ، سَأَلَنِي كَمْ فُرِضَ عَلَيْكَ مِنْ الصَّلَاةِ؟ فَقُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ ثَقِيلَةٌ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ ضَعِيفَةٌ، فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكَ وَعَنْ أُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُ
[٢] الآدم: الْأسود.
[٣] الأقنى: مَا ارْتَفع أَعلَى أَنفه واحدودب وَسطه وسبغ طرفه.
[٤] اللعس فِي الشفاه: حمرَة تضرب إِلَى السوَاد.
[٥] زِيَادَة عَن أ.
[٦] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «أوقد بعث إِلَيْهِ … إِلَخ» .
ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، كُلَّمَا رَجَعْتُ إلَيْهِ، قَالَ: فَارْجِعْ [٤] فَاسْأَلْ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إلَى أَنْ وَضَعَ ذَلِكَ عَنِّي، إلَّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ رَاجَعْتُ رَبِّي وَسَأَلْتُهُ، حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، فَمَا أَنَا بِفَاعِلِ.
فَمَنْ أَدَّاهُنَّ مِنْكُمْ إيمَانًا بِهِنَّ، وَاحْتِسَابًا لَهُنَّ، كَانَ لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ صَلَاةً (مَكْتُوبَةً) [٥] .
كِفَايَةُ الله أَمر المستهزءين
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُؤَدِّيًا إلَى قَوْمِهِ النَّصِيحَةَ عَلَى مَا يَلْقَى مِنْهُمْ مِنْ التَّكْذِيبِ وَالْأَذَى (وَالِاسْتِهْزَاءِ) [٥] . وَكَانَ عُظَمَاء المستهزءين، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ [٦]، عَنْ عُرْوَةَ [٧] بْنِ الزُّبَيْرِ، خَمْسَةَ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ وَشَرَفٍ فِي قَومهمْ.
[٢] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «رجعت» .
[٣] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَسَأَلت ربى. .. إِلَخ» .
[٤] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «فَارْجِع إِلَيْهِ فسل رَبك. .. إِلَخ» وَهُوَ تَحْرِيف.
[٥] زِيَادَة عَن أ.
[٦] هُوَ يزِيد بن رُومَان الْأَسدي أَبُو روح الْمدنِي مولى آل الزبير. روى عَن ابْن الزبير، وَأنس، وَعبيد الله وَسَالم ابْني عبد الله بن عمر وَغَيرهم. وَعنهُ هِشَام بن عُرْوَة، وَعبيد الله بن عمر، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار وَغَيرهم، وَتوفى يزِيد سنة ١٠٣ هـ، وَكَانَ عَالما كثير الحَدِيث ثِقَة. (رَاجع تَهْذِيب التَّهْذِيب) .
[٧] هُوَ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام بن خويلد بن أَسد، روى عَن أَبِيه وأخيه عبد الله وَأمه أَسمَاء وَغَيرهم، وَعنهُ أَوْلَاده: عبد الله، وَعُثْمَان، وَهِشَام، وَمُحَمّد، وَيحيى، وَابْن ابْنه عمر بن عبد الله بن عُرْوَة وَغَيرهم. مَاتَ سنة ٩٩، وَقيل سنة ١٠١ هـ، وَكَانَ عمره إِذْ ذَاك ٦٧ سنة.
مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ أَبُو زَمَعَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا بَلَغَنِي- قَدْ دَعَا عَلَيْهِ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُ مِنْ أَذَاهُ وَاسْتِهْزَائِهِ بِهِ، فَقَالَ: اللَّهمّ أَعْمِ بَصَرَهُ، وأثكله وَلَده.
(المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ):
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ ابْن زهرَة.
(المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ مَخْزُومٍ):
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ابْن مَخْزُوم.
(المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ سَهْمٍ):
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ: الْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْعَاصُ بْنُ وَائِل بن هَاشم بْنِ سُعَيْدِ بن سهم.
(المستهزءون بِالرَّسُولِ مِنْ خُزَاعَةَ):
وَمِنْ بَنِي خُزَاعَةَ: الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ [١] بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ (لُؤَيِّ بْنِ) [٢] مَلَكَانَ [٣] .
فَلَمَّا تَمَادَوْا فِي الشَّرِّ، وَأَكْثَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ الِاسْتِهْزَاءَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ١٥: ٩٤- ٩٦.
[٢] زِيَادَة عَن أ.
[٣] ملكان: هُوَ بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، أَو بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام. وَقيل: إِنَّه لَيْسَ فِي النَّاس ملكان (بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام) إِلَّا ملكان بن جرم بن ربان، وملكان بن عباد بن عِيَاض، وَغَيرهمَا ملكان بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون اللَّام، وَزَاد بَعضهم ملكان (بِفَتْح الْمِيم) فِي خُزَاعَة (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، فَقَامَ وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، فَرَمَى فِي وَجْهِهِ بِوَرَقَةِ خَضْرَاءَ، فَعَمِيَ. وَمَرَّ بَهْ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ.، فَأَشَارَ إلَى بَطْنِهِ، فَاسْتَسْقَى (بَطْنُهُ) [١] فَمَاتَ مِنْهُ حَبَنًا [٢] . وَمَرَّ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، فَأَشَارَ إلَى أَثَرِ جُرْحٍ بِأَسْفَلِ كَعْبِ رِجْلِهِ، كَانَ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِينَ [٣]، وَهُوَ يَجُرُّ سَبَلَهُ [٤]، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلًا لَهُ، فَتَعَلَّقَ سَهْمٌ مِنْ نَبْلِهِ بِإِزَارِهِ، فَخَدَشَ فِي رِجْلِهِ ذَلِكَ الْخَدْشَ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ، فَانْتَقَضَ [٥] بِهِ فَقَتَلَهُ.
وَمَرَّ بَهْ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، فَأَشَارَ إلَى أَخْمَصِ [٦] رِجْلِهِ وَخَرَجَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ يُرِيدُ الطَّائِفَ، فَرَبَضَ بِهِ عَلَى شُبَارِقَةٍ [٧]، فَدَخَلَتْ فِي أَخْمَصِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ فَقَتَلَتْهُ.
وَمَرَّ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ الطُّلَاطِلَةِ، فَأَشَارَ إلَى رَأْسِهِ، فَامْتَخَضَ [٨] قَيْحًا، فَقَتَلَهُ.