خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بدأت الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إلى أبي بكر الصديق، فقالو: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فأنزل الله آية التيمم فتيموا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بركتكم يا آل أبي بكر، قال: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا
⦗١٢٨⦘
الْعِقْدَ تحته.
[٣٢٩، ٣٤٦٩، ٣٥٦٢، ٤٣٠٧، ٤٣٣١، ٤٣٣٢، ٤٨٦٩، ٤٩٥٢، ٥٥٤٣، ٦٤٥٢، ٦٤٥٣].
(بالبيداء أو بذات الجيش) موضعان بين مكة والمدينة، وقيل: البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة. (عقد) كل ما يعقد ويعلق في العنق. (التماسه) طلبه والبحث عنه. (وليسوا على ماء) ليس في المكان الذي أقاموا فيه ماء. (يطعنني) يضربني برؤوس أصابعه. (ما هي بأول بركتكم) ليس هذا أول خير يكون بسببكم، والبركة كثرة الخير.
أن النبي ﷺ قَالَ: (أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلى الناس عامة).
[٤٢٧، ٢٩٥٤].
(نصرت بالرعب) هو الخوف، يقذف في قلوب أعدائي. (مسيرة شهر) أي بيني وبينه مسيرة شهر. (المغانم) جمع مغنم، وهو الغنيمة، وهو كل ما يحصل عليه المسلمون من الكفار قهرا.
أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا فَوَجَدَهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ذلك لك وللمسلمين فيه خيرا.
[ر: ٣٢٧].
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ، فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ، وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: يَتَيَمَّمُ. وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ العصر بمربد فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، فَلَمْ يعد.
أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رد عليه السلام.
(من نحو بئر جمل) من جهة الموضع الذي يعرف ببئر جمل، وهو موضع قرب المدينة، وقيل هو الجرف.
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لعمر بن الخطاب: أما تذمر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا). فَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مسح بهما وجهه وكفيه.
[٣٣٢ – ٢٢٦، وانظر: ٣٣٨].
(فلم أصب الماء) لم أجده. (فتمعكت) تمرغت وتقلبت في التراب حتى يصيب جميع بدني. (ونفخ فيهما) تخفيفا للتراب المحمول بهما. (وكفيه) أي إلى الرسغين، وهو مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وعند غيره لا بد من المسح إلى المرفقين.
قَالَ عَمَّارٌ بِهَذَا، وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فيه، ثم مسح وجهه وكفيه.
وقال النصر: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَرًّا يَقُولُ: عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى. قَالَ الْحَكَمُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ ابْنِ عَبْدِ الرحمن، عن أبيه قال: قال عمار.
أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ، وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فأجنبنا. وقال تفل فيها.
قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: تَمَعَّكْتُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: (يَكْفِيكَ الْوَجْهَ والكفين).
شَهِدْتُ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: وساق الحديث.
قَالَ عَمَّارٌ: فَضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ الْأَرْضَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
[ر: ٣٣١].
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السبخة، والتيمم بها.
كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ – يُسَمِّيهِمْ أبو رجاء فنسي عرف – ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ،
⦗١٣١⦘
وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ بصوته النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، قَالَ: (لَا ضَيْرَ أَوْ لَا يَضِيرُ، ارْتَحِلُوا). فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ، وَنُودِيَ بالصلاة فصلى بالناس، فلما انفتل ممن صَلَاتِهِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مع القوم، قال: (ما معنك يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ). قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، قَالَ: (عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ). ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ ﷺ، فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا – كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ – وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: (اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ). فَانْطَلَقَا، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هذه الساعة، ونفرنا خلوف، قَالَا لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا، قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَا: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَتْ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فَانْطَلِقِي، فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ بإناء، ففرغ من أفواه المزادتين، أو سطيحتين، وأوكأ أفواهما، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ: اسْقُوا وَاسْتَقُوا، فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ: (اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ). وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ، لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ
⦗١٣٢⦘
النَّبِيُّ ﷺ: (اجْمَعُوا لَهَا). فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بين يديها، قال لها: (تعليمن مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هو الذي أسقانا). فأتت أهلها وقد احتسبت عَنْهُمْ، قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلَانِ، فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فوالله، إنه لأسحر الناس ممن بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ – وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ: تَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ – أَوْ إنه لرسول الله حقا. فكان المسلممون بَعْدَ ذَلِكَ، يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الْإِسْلَامِ؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام.
[٣٤١، ٣٣٧٨].
(أسرينا) من السري، وهو السير أكثر الليل، وقيل: السير كل الليل. (وقعنا وقعة) نمنا نومة. (فلان) ذكر البخاري في علامات النبوة أن أول من استيقظ أبو بكر، وقيل الثاني هوعمران، والثالث هو ذو مخبر. (ما يحدث له في نومه) أي من الوحي، ونخاف أن نقطعه بإيقاظه. (جليدا) ظاهر الجلادة، وهي القوة والصلابة. (لا ضير) لا ضرر. (برجل) هو خلاد بن رافع. (عليك بالصعيد) أي الزمه وتيمم به، والصعيد التراب أو سطح الأرض مطلقا. (فابتغيا) من الابتغاء وهو الطلب. (مزادتين) مثنى مزادة، وهي القربة الكبيرة، سميت بذلك لأنها يزاد فيها جلد آخر من غيرها، وتسمى أيضا سطيحة. (عهدي بالماء أمس) تركت الماء منذ أمس، وهو اليوم الذي قبل يومك. (هذه الساعة) في مثل هذه الساعة. (نفرنا) رجالنا. (خلوف) متخلفون لطلب الماء، وقيل: جمع خالف وهو المسافر، أي ذهبوا وخلفوا النساء وحدهن في الحي. (الصابئ) من صبأ، إذا خرج من دين إلى دين آخر. (أوكأ) ربط. (العزالي) جمع عزلاء، وهي فم المزادة الأسفل الذي يخرج منه الماء بكثرة. (وايم الله) اسم وضع للقسم، أصله أيمن الله، فحذفت النون تخفيفا، وربما وصلت همزته، وربما قطعت. (أقلع عنها) كف عنها. (أشد ملأة) ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان أولا. (دقيقة وسويقة) طحين الحنطة والشعير وغيرهما. (فجعلوهما) وضعوا الأشياء التي جمعوها. (قال لها) أي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَفِي رواية (قالوا لها) أي القوم، بأمره. (رزئنا) نقصنا. (احتبست عنهم) تأخرت. (وقالت بأصبعها) أشارت بهما. (الصرم) هو بيوت مجتمعة منقطعة عن الناس. (ما أرى) ظني وعلمي. (يدعونكم عمدا) يتركونكم عن قصد، لا غفلة منهم عنكم.
وَيُذْكَرُ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فَتَيَمَّمَ وَتَلَا: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ /النساء: ٢٩/. فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فلم يعنف.
إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ لَا يُصَلِّي؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا، كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا، يَعْنِي تَيَمَّمَ، وَصَلَّى. قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ عمر قنع بقول عمار.
كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ، حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: (كَانَ يَكْفِيكَ). قال: ألمم تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، كَيْفَ تَصْنَعُ بهذه الآية؟ فما ردى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ: إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا، لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ. فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا؟ قَالَ: نعم.
[٣٤٠، وانظر: ٣٣١].
كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيبا﴾. فقال عبد الله: لو رخص لهم فيهذا، لَأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصعيد. قلت: وإنما كرههم هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ الله فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِد الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: (إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا). فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِها ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثم مسح بها وَجْهَهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.
وَزَادَ يَعْلَى: عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وأبي وائل، فَقَالَ أَبُو مُوسَى:
⦗١٣٤⦘
أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ، فَأَجْنَبْتُ، فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فأخبرناه، فقال: (إنما كان يكفيك هذا). ومسح وجهه وكفيه واحدة.
[ر: ٣٣٨].
(تمرغت) تقلبت. (نفضها) هزها أو نفخ فيها تخفيفا للتراب. (ثم مسح بها وجهه) الظاهر أن المراد بـ «ثم» هنا الجمع وليس الترتيب، لما دلت عليه الروايات الأخرى. (لم يقنع) ووجه عدم اقتناعه أنه كان معه في تلك الحادثة ولم يتذكر أصلا.
[ر: ٣٣٧].