٦٢ – أبواب الجزية والموادعة

١ – باب: الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب.
وقول الله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ /التوبة: ٢٩/: أذلاء. و: ﴿المسكنة﴾ /البقرة: ٦١/. و/آل عمران: ١١٢/: مصدر المسكين، يقال: فلان أسكن من فلان: أحوج منه، ولم يذهب إلى السكون.
وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس والعجم.
وقال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح: قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشأم عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من قبل اليسار.


(أوتوا الكتاب) اليهود والنصارى. (الجزية) وهي جزء من المال يؤخذ على الرؤوس منهم كل سنة، مقابل حمايتهم وإقرارهم في بلاد المسلمين. (عن يد) عن قهر وغلبة. (صاغرون) ذليلون حقيرون مهانون، ولذا لا يجوز إعزازهم ولا رفعهم على المسلمين، ولا يسمح لهم بإظهار شعائرهم ولا إفشاء عقائدهم. (ولم يذهب ..) أي إن الذي قال: معنى أسكن أحوج، لم يذهب إلى أن مسكين ونحوه مشتق من السكون، الذي هو قلة الحركة، وإنما من المسكنة، التي هي الفقر والحاجة. (من قبل) أي من أجل غناهم.
٣ ‏/ ١١٥١
٢٩٨٧ – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال: سمعت عمرا قال:
كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس، فحدثهما بجالة سنة سبعين، عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة عند درج زمزم، قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عن الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أخذها من مجوس هجر.


(فرقوا ..) أي بين من كانت بينهما زوجية من المحارم. (المجوس) وهم عبدة النار. (هجر) اسم بلد في البحرين، يذكر فيصرف، وهو الأكثر، ويؤنث فيمنع من الصرف. [المصباح]].
٣ ‏/ ١١٥١
٢٩٨٨ – حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني عروة ابن الزبير، عن المسور بن مخرمة أنه أخبره: أن عمرو بن عوف الأنصاري، وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرا، أخبره:
أن رسول الله ﷺ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حين رآهم، وقال: (أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جَاءَ بِشَيْءٍ). قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: (فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم).
[٣٧٩١، ٦٠٦١]
أخرجه مسلم في أوائل كتاب الزهد والرقائق، رقم: ٢٩٦١. (فوافت) من الموافاة، أي أتوا وحضروا. (أجل) نعم. (تبسط) يوسع لكم فيها. (فتنافسوها) من التنافس، وهو الرغبة في الشيء والانفراد به، مأخوذ من الشيء النفيس الجيد في نوعه والذي يرغب فيه. (تهلككم) تجركم إلى الهلاك، بسبب التنازع عليها والركون إليها والاشتغال بها عن الآخرة.
٣ ‏/ ١١٥٢
٢٩٨٩ – حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عبْد اللهِ المُزَنيُّ وَزِيَادُ بْنُ جبير، عن جبير بن حية قال:
بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزان، فقال: إني مستشيرك في مغازي هذه، قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر: له رأس وله جناحان وله رجلان، فإن كسر أحد الجناخين نهضت الرجلان بجناح والرأس، فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس، فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس، فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.
وقال بكر وزياد جميعا: عن جبير بن حية قال: فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان

⦗١١٥٣⦘
بن مقرن، حتى إذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا، فقام ترجمان فقال: ليكلمني رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناس من العرب، كنا في شقاء شديد، وبلاء شديد، نمص الجلد والنوى من الجوع، ونلبس والبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرضين – تعالى ذكره، وجلت عظمته – إلينا نبيا من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا، رسول ربنا ﷺ: أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نَبِيُّنَا ﷺ عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم. فقال النعمان: ربما أشهدك الله مثلها مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يندمك ولم يخزك، ولكني شهدت القتال مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كان إذا لم يقاتل في أول النهار، انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات.
[٧٠٩٢]


(أفناء) نواحي. (الأمصار) جمع مصر وهي البلد الكبير. (الهرمزان) أحد ملوك العجم. (شدخ) كسر. (كسرى) لقب ملك الفرس. (قيصر) لقب ملك الروم. (فارس) اسم للعجم المعروفين بهذا الاسم في ذاك الوقت. (ترجمان) هو الذي ينقل الكلام من لغة إلى أخرى. (النوى) عجم التمر. (الوبر) هو شعر الإبل. (فقال النعمان) للمغيرة لما أنكر عليه تأخير القتال. (أشهدك) أحضرك. (مثلها) مثل هذه الوقعة. (يندمك) على التأني والصبر وفيما لقيت معه من الشدة. (ولم يخزك) من الإخزاء وهو الذل والهوان. (تهب الأرواح) جمع ريح. (تحضر الصلوات) يعني بعد زوال الشمس وذهاب شدة الحر، حتى يطيب القتال ويسهل على المقاتلين.
٣ ‏/ ١١٥٢
٢ – باب: إذا وادع الإمام ملك القرية، هل يكون ذلك لبقيتهم؟


(وادع) صالح على ترك الحرب والأذى. (ببحرهم) ببلدتهم.
٣ ‏/ ١١٥٣
٢٩٩٠ – حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ تبوك، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ ببحرهم.
[ر: ١١٤١]
٣ ‏/ ١١٥٣
٣ – باب: الوصايا بأهل ذمة رسول الله ﷺ.
والذمة: العهد، والإل: القرابة.


(الذمة .. الإل) يفسر البخاري رحمه الله تعالى هذين اللفظين الواردين في الآيتين (٨، ١٠) من سورة التوبة وهما: قوله تعالى: ﴿كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون﴾. وقوله تعالى: ﴿لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون﴾.
٣ ‏/ ١١٥٣
٢٩٩١ – حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حدثنا أبو جمرة قال: سمعت جويرية بن قدامة التميمي قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه:
قلنا: أوصنا يا أمير المؤمنين، قال: أوصيكم بذمة الله، فإنه ذمة نبيكم، ورزق عيالكم.
[ر: ١٣٢٨]


(رزق عيالكم) أي تأخذون منهم جزية وخراجا، فيكون ذلك كسبا ونفقة لكم ولعيالكم. والعيال من ينفق عليهم الرجل من الأهل والأولاد مأخوذة من العيلة وهي الفقر.
٣ ‏/ ١١٥٤
٤ – باب: ما أقطع النبي ﷺ من البحرين، وما وعد من مال البحرين والجزية، ولمن يقسم الفيء والجزية.
٣ ‏/ ١١٥٤
٢٩٩٢ – حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا زهير، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه قَالَ:
دَعَا النَّبِيُّ ﷺ الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا والله حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فقال: (ذاك لهم ما شاء الله على ذلك). يقولون له، قال: (فإنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني).
[ر: ٢٢٤٧]


(ذاك لهم) أي ذلك المال للمهاجرين. (يقولون له) يقول الأنصار لرسول الله ﷺ في شأنهم مصرين على ذلك، حتى قال رسول الله ﷺ: (فإنكم ..).
٣ ‏/ ١١٥٤
٢٩٩٣ – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم قال: أخبرني رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال لي: (لو قد جاءنا مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا). فلما قبض رسول الله ﷺ وجاء مال البحرين، قال أبو بكر: من كانت له عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عدة فليأتني، فأتيته فقلت: أن رسول الله ﷺ قد كان قال لي: (لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا). فقال لي: احثه، فحثوت حثية، فقال لي: عدها، فعددتها فإذا هي خمسمائة، فأعطاني ألفا وخمسمائة.
[ر: ٢١٧٤]
٣ ‏/ ١١٥٤
٢٩٩٤ – وقال إبراهيم بن طهمان، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس:
أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَالٍ من البحرين، فقال: (انثروه في المسجد). فكان أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا. قال:

⦗١١٥٥⦘
(خُذْ). فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فلم يستطع، فقال: مر بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ. قَالَ: (لَا). قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: (لَا). فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذهب يقله فلم يرفعه، فقال: فمر بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: (لَا). قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: (لَا). فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احتمله على كاهله، ثم انطلق، فما زال يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وثم منها درهم.
[ر: ٤١١]

٣ ‏/ ١١٥٤
٥ – باب: إثم من قتل معاهدا بغير جرم.
٣ ‏/ ١١٥٥
٢٩٩٥ – حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حدثنا الحسن بن عمرو: حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: (من قتل مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا توجد من مسيرة أربعين عاما).
[٦٥١٦]
(معاهدا) ذميا من أهل العهد، أي الأمان والميثاق. (لم يرح) لم يجد ريحها ولم يشمها. (مسيرة) مسافة يستغرق سيرها هذه المدة.
٣ ‏/ ١١٥٥
٦ – باب: إخراج اليهود من جزيرة العرب.
وقال عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (أقركم ما أقركم الله به).
[ر: ٢٢١٣]
٣ ‏/ ١١٥٥
٢٩٩٦ – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المسجد، خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: (انْطَلِقُوا إِلَى يهود). فخرجنا حتى جئنا بيت المدارس، فقال: (أسلموا تسلموا، واعلموا أَنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله).
[٦٥٤٥، ٦٩١٦]
(بيت المدارس) البيت الذي يدرسون فيه. (أجليكم) أخرجكم. (بماله) أي بدله، والمعنى: من كان له شيء لا يمكن تحويله فله أن يبيعه. (فاعلموا أن الأرض لله ورسوله) أي وقد أراد الله تعالى أن يورث أرضكم هذه للمسلمين، على يد رسوله ﷺ، فعليكم مفارقتها.
٣ ‏/ ١١٥٥
٢٩٩٧ – حدثنا محمد: حدثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول: سمع سعيد ابن جبير: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ:
يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، قلت يا أبا عباس: ما يوم الخميس؟ قال: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وجعه،

⦗١١٥٦⦘
فقال: (ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا). فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر استفهموه؟ فقال: (ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه). فأمرهم بثلاث، قال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم). والثالثة خير، إما أن سكتن عنها، وإما أن قالها فنسيتها. قال سفيان: هذا من قول سليمان.
[ر: ١١٤]


(بكتف) أي بعظم عكف، وهو عظم مسطح عريض يصلح لأن يكتب عليه.
٣ ‏/ ١١٥٥
٧ – باب: إذا غدر المشركون بالمسلمين، هل يعفى عنهم.
٣ ‏/ ١١٥٦
٢٩٩٨ – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قال: حدثني سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
لما فتحت خيبر أهديت لِلنَّبِيِّ ﷺ شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (اجْمَعُوا إلي من كان ها هنا من يهود). فجمعوا له، فقال: (إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عنه). فقالوا: نعم، قال لهم النبي ﷺ: (مَنْ أَبُوكُمْ). قَالُوا: فلان، فقال: (كذبتم، بل أبوكم فلان). قالوا: صدقت، قال: (فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عَنْهُ). فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: (من أهل النار؟). قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفونا فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (اخسؤوا فِيهَا، وَاللَّهِ لَا نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا). ثُمَّ قال: (هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عنه). فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: (هل جعلتم في هذه الشاة سما). قالوا: نعم، قال: (ما حملكم على ذلك). قالوا: أردنا إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيا لم يضرك.
[٤٠٠٣، ٥٤٤١]
(أهديت) المهدي امرأة يهودية اسمها زينب بنت الحارث، أخت مرحب اليهودي الذي قتل يوم خيبر، وقيل: قتل أيضا أبوها الحارث، وعمها بشار، وأخوها زبير، وزوجها سلام بن مشكم. (اخسؤوا) ابعدوا وانطردوا.
٣ ‏/ ١١٥٦
٨ – باب: دعاء الإمام على من نكث عهدا.
٣ ‏/ ١١٥٦
٢٩٩٩ – حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ: حدثنا عاصم قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه عَنْ القنوت، قال: قبل الركوع، فقلت: إن فلانا يزعم أنك قلت بعد

⦗١١٥٧⦘
الركوع؟ فقال: كذب، ثم حدثنا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قنت شهرا بعد الركوع، يدعو على أحياء بني سليم، قال: بعث أربعين – أو سبعين، يشك فيه – من القراء، إلى أناس من المشركين، فعرض لهم هؤلاء فقتلوهم، وكان بينهم وبين النبي ﷺ عهد، فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم.
[ر: ٩٥٧]


أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة، رقم: ٦٧٧. (ما وجد عليهم) أي مثل حزنه على القراء، أو مثل غضبه على الذين قتلوهم.
٣ ‏/ ١١٥٦
٩ – باب: أمان النساء وجوارهن.
٣ ‏/ ١١٥٧
٣٠٠٠ – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ:
ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ). فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: (مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ). فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ غصلى ثماني ركعات، ملتحفا في ثوب واحد، فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي، علي، أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هانئ). قالت أم هانئ: وذلك ضحى.
[ر: ٢٧٦]
٣ ‏/ ١١٥٧
١٠ – باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم.
٣ ‏/ ١١٥٧
٣٠٠١ – حدثني محمد: أخبرنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قال:
خطبنا علي فقال: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وما في هذه الصحيفة، فقال: فيها الجراحات وأسنان الإبل: (والمدينة حرم ما بين عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أو آوى فيها مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَمَنْ تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك، وذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك).
[ر: ١٧٧١]


(الجراحات) أي بيان أحكامها وما يجب فيها من قصاص أو دية وغير ذلك. (أسنان الإبل) التي تجب في الديات، أي بيان أعمارها.
٣ ‏/ ١١٥٧
١١ – باب: إذا قالوا صبأنا ولم يحسنوا أسلمنا.
وقال ابن عمر: فجعل خالد يقتل، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (اللَّهُمَّ إني أبرأ إليك مما صنع

⦗١١٥٨⦘
خالد).
[ر: ٤٠٨٤]
وقال عمر: إذا قال مترس فقد آمنه، إن الله يعلم الألسنة كلها. وقال: لا بأس.
[ر: ٢٩٨٩]


(مترس) كلمة فارسية معناها: لا تخف. (وقال) أي عمر بن الخطاب رضي الله عنه للهرمزان حين أتوا به إليه، قال له ذلك، فكان عهدا له وتأمينا.
٣ ‏/ ١١٥٧
١٢ – باب: الموادعة والمصالحة مع المشركين بمال وغيره، وإثم من لم يف بالعهد.
وقوله: ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ الآية /الأنفال: ٦١/.


(الآية) وتتمتها: ﴿وتوكل على الله إنه هو السميع العليم﴾. (جنحوا) مالوا أو طلبوا. (السلم) الصلح والمسالمة.
٣ ‏/ ١١٥٨
٣٠٠٢ – حدثنا مسدد: حدثنا بشر هو ابن المفضل: حدثنا يحيى، عن بشير ابن يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ:
انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في
دمه قتيلا، فدفنه ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النَّبِيِّ ﷺ، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: (كبر كبر). وهو أحدث القوم، فسكت فتكلما، فقال: (تحلفون وتستحقون قاتلكم، أو صاحبكم). قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: (فتبرئكم يهود بخمسين). فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار، فعقله النبي ﷺ من عنده.
[ر: ٢٥٥٥]


(يتشحط) يتخبط ويتمرغ ويضطرب. (تستحقون) يثبت حقكم عليه. (فتبرئكم) أي تبرأ إليكم من دعواكم. (بخمسين) يمينا يحلفونها. (فعقله) أدى ديته. (من عنده) من خالص ماله، أو من بيت مال المسلمين المعد لمصالحهم العامة.
٣ ‏/ ١١٥٨
١٣ – باب: فضل الوفاء بالعهد.
٣ ‏/ ١١٥٨
٣٠٠٣ – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أخبره: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ هِرَقْلَ أرسل إليه في ركب من قريش، كانوا تجارا بالشأم، في المدة التي ماد فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أبا سفيان في كفار قريش.
[ر: ٧]


(ماد) عاهد، يقال: ماد الفريقان إذا اتفقا على أجل للدين وضربا له زمانا.
٣ ‏/ ١١٥٨
١٤ – باب: هل يعفى عن الذمي إذا سحر.
وقال ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: سئل: أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه، وكان من أهل الكتاب.


(أهل العهد) أي الذمة. (ذلك) أي السحر. (من أهل الكتاب) أي اليهود، وهو لبيد بن الأعصم.
٣ ‏/ ١١٥٩
٣٠٠٤ – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قال: حدثني أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سحر، حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه.
[٣٠٩٥، ٥٤٣٠، ٥٤٣٢، ٥٤٣٣، ٥٧١٦، ٦٠٢٨]
(سحر) السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل، يجوز على النبي ﷺ، والذي ثبت أن هذا السحر لم يؤثر عليه في عقله ولم يغير عليه شيئا من الوحي، ولم يداخله شيء في أمر الشريعة بسببه، وإنما شيء اعتراه وأثر على ظاهره، فأصابه شيء من التخيل والوهم، ثم لم يتركه الله تعالى على ذلك بل تداركه بعصمته، وأعلمكه موضع السحر، وعلمه استخراجه وحله منه ودفع أثره وأذهبه، ولهذا لم يعاقب الذي فعله ﷺ.
٣ ‏/ ١١٥٩
١٥ – باب: ما يحذر من الغدر.
وقوله تعالى: ﴿وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله﴾ الآية /الأنفال: ٦٢/.


(الآية) وتتمتها: ﴿هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين﴾. (حسبك) كافيك وحده.
٣ ‏/ ١١٥٩
٣٠٠٥ – حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا عبد الله بن العلاء ابن زبر قال: سمعت بسر بن عبيد الله: أنه سمع أبا إدريس قال: سمعت عوف بن مالك قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم، فقال: (اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا).


(قبة) كل بناء مدور. (أدم) جلد مدبوغ. (اعدد ستا) من العلامات. (بين يدي الساعة) قدام قيامها ومن أشراطها القريبة منها. (موتان) موت كثير الوقوع، بسبب طاعون أو نحوه. (كقعاص الغنم) داء يصيب الغنم، فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. (استفاضة المال) كثرته وزيادته عن الحد المعتاد. (فتنة) تقاتل واضطراب في الأحوال. (هدنة) صلح. (بني الأصفر) هم الروم. (غاية) راية، سميت بذلك لأنها غاية المتبع، إذا وقفت وقف وإذا مشت مشى.
٣ ‏/ ١١٥٩
١٦ – باب: كيف ينبذ إلى أهل العهد.
وقوله: ﴿وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء﴾. الآية /الأنفال: ٥٨/.


(الآية) وتتمتها: ﴿إن الله لا يحب الخائنين﴾. (فانبذ) اطرح إليهم عهدهم وأخبرهم بنقضه. (على سواء) أي بحيث يصل الخبر إليهم ويستوون في معرفته.
٣ ‏/ ١١٦٠
٣٠٠٦ – حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرنا حميد بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة قال:
بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر. وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس: الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي ﷺ مشرك.
[ر: ٣٦٢]


(فنبذ أبو بكر إلى الناس) ألقى إليهم ما أمر به رسول الله ﷺ: من منع حج المشركين وأن لا يطوف بالبيت عريان.
٣ ‏/ ١١٦٠
١٧ – باب: إثم من عاهد ثم غدر.
وقوله: ﴿الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون﴾ /الأنفال: ٥٦/.


(الذين عاهدت منهم) أي عاهدتهم، وهم زعماء بني قريظة. (ينقضون عهدهم) يخونون. (مرة) معاهدة. (لا يتقون) لا يبالغون بعاقبة غدرهم.
٣ ‏/ ١١٦٠
٣٠٠٧ – حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عبد الله
ابن مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله ﷺ: (أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصا: من إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خصلة من النفاق حتى يدعها).
[ر: ٣٤]


(خلال) جمع خلة وهي الخصلة والصفة
٣ ‏/ ١١٦٠
٣٠٠٨ – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ:
مَا كتبنا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا القرآن وما في هذه الصحيفة، قال النبي ﷺ: (المدينة حرام ما بين عائر إلى كذا، فمن أحدث حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ

⦗١١٦١⦘
اللَّهِ والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ. وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ ولا عدل).
[ر: ١٧٧١]


(عائر) جبل معروف. (حدثا) منكرا وسوءا. (آوى محدثا) نصر جانيا أو مبتدعا، أو أجاره من خصمه. (عدل ولا صرف) فريضة ولا نفل، أو شفاعة ولا فدية. (وذمة المسلمين) عهدهم. (يسعى بها أدناهم) يتولى ذمتهم أقلهم عددا، فإذا أعطى أحد المسلمين عهدا لم يكن لأحد نقضه. (والى قوما) اتخذهم أولياء.
٣ ‏/ ١١٦٠
٣٠٠٩ – قال أبو موسى: حدثنا هاشم بن القاسم: حدثنا إسحاق بن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما؟ فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟ قال: إي والذي نفس أبي هريرة بيده، عن قول الصادق المصدوق، قالوا: عن ذاك؟ قال: تنتهك ذمة اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ ﷺ، فيشد الله عز وجل قلوب أهل الذمة، فيمنعون ما في أيديهم.


انظر مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات، رقم: ٢٨٩٦. (لم تجتبوا) من الجباية، أي لم تأخذوا من الجزية والخراج. (عن ذلك) عن أي شيء ينشأ ذلك. (تنتهك ذمة الله ورسوله) يرتكب ما لا يحل من الجور والظلم وإتيان المعاصي. (فيشد) يقويها وينتزع منها مهابتكم. (ما في أيديهم) مما وجب عليهم من الجزية وغيرها.
٣ ‏/ ١١٦١
٣٠١٠ – حدثنا عبدان: أخبرنا أبو حمزة قال: سمعت الأعمش قال:
سألت أبا وائل: شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حنيف يقول: اتهموا رأيكم، رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أرد أمر النبي ﷺ لرددته، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر تعرفه غير أمرنا هذا.


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: صلح الحديبية، رقم: ١٧٨٥. (صفين) اسم موضع على الفرات وقع فيه الحرب بين معاوية وعلي رضي الله عنهما، وهي موقعة مشهورة. (اتهموا رأيكم) يعظ الفريقين أن لا يقاتلوا، وأن يتهموا رأيهم في هذا القتال، لأن كلا منهما يقاتل عن رأي رآه واجتهاد اجتهده، فهو يحذرهم من هذا القتال لأنه قتال الإخوة في الإسلام، وكان سهل رضي الله عنه متهما بالتقصير في القتال، فأخبرهم أنه لا يقصر في نصرة الجماعة المسلمة، كما لم يقصر يوم الحديبية، إذ لو استطاع أن ينصر أبا جندل رضي الله عنه لنصره، حين جاء من مكة مسلما يجر قيوده، وكان قد عذب على الإسلام، فرده رسول الله ﷺ لأنه جاء بعد عقد الصلح مع قريش. (ما وضعنا أسيافنا على عواتقنا) ما جردناها في الله تعالى، وعواتق جمع عاتق، وهو ما بين العنق والمنكب. (يفظعنا) شديد علينا. (أسهلن بنا) أوصلتنا إلى شيء واضح فيه خير. (غير أمرنا هذا) أي إلا هذه الفتنة التي وقعت بين المسلمين، فإنها مشكلة علينا، فلا ندري على أي شيء يقتل المسلمون، فنزع السيف وغمده في هذا الموطن أولى من سله.
٣ ‏/ ١١٦١
٣٠١١ – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدم: حدثنا يزيد بن عبد العزيز، عن أبيه: حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال: حدثني أبو وائل قال:
كنا بصفين، فقام سهل بن حنيف فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، فإنا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يوم الحديبية، ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال: (بلى). فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: (بلى). قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا، أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: (يا ابن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا). فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له مثل ما قال للنبي ﷺ، فقال: إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا، فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله ﷺ على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله، أو فتح هو؟ قال: (نعم).
[٣٩٥٣، ٤٥٦٣، ٦٨٧٨]
(الدنية) الخصلة المذمومة، وهي مظهر الضعف والاستكانة. (ولما يحكم الله) لم يفصل بيننا وبينهم بالقتال. (أو فتح هو) أي هذا الصلح، ولقد كان فتحا حقا، فلقد تهيأ رسول الله ﷺ بهذا الصلح أن يراسل الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وأن يدعو القبائل التي كانت تخشى قريشا وتحسب لها حسابا، فأصبحت تقبل على الإسلام دون أن ترقب خطرا، ولا أدل على ذلك من أن المسلمين كانوا في صلح الحديبية أربعمائة وألفا، بينما زاد عددهم حين أتوا لفتح مكة عن عشرة آلاف، فصدق محمد ابن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه: أنه رسول الله ولن يضيعه الله جل وعلا.
٣ ‏/ ١١٦٢
٣٠١٢ – حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حاتم، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ:
قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله ﷺ ومدتهم مع أبيها، فاستفتت رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: (نعم صليها).
[ر: ٢٤٧٧]


(أمي) هي قتيلة بنت الحارث. (مع أبيها) هو الحارث المذكور.
٣ ‏/ ١١٦٢
١٨ – باب: المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم.
٣ ‏/ ١١٦٢
٣٠١٣ – حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يوسف بن أبي إسحاق قال: حدثني أبي، عن أبي إسحاق قال: حدثني الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ

⦗١١٦٣⦘
عَنْهُ:
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ لما أراد أن يعتمر، أرسل إلى أهل مكة، يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح، ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب، فكتب: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك، ولكن اكتب: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، فقال: (أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله). قال: وكان لا يكتب، قال: فقال لعلي: (امح رسول الله). فقال علي: والله لا أمحاه أبدا، قال: (فأرينه). قال: فأراه إياه فمحاه النبي ﷺ بيده. فلما دخل ومضى الأيام، أتوا عليا فقالوا: مر صاحبك فليرتحل، فذكر ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فقال: (نعم). ثم ارتحل.
[ر: ١٦٨٩]


(بجلبان) الجلبان: شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودا، والأدم الجلد المدبوغ.
٣ ‏/ ١١٦٢
١٩ – باب: الموادعة من غير وقت.
وقول النبي ﷺ: (أقركم ما أقركم الله به).
[ر: ٢٢١٣]
٣ ‏/ ١١٦٣
٢٠ – باب: طرح جيف المشركين في البئر، ولا يؤخذ لهم ثمن.
٣ ‏/ ١١٦٣
٣٠١٤ – حدثنا عبدان بن عثمان قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ:
بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ساجد، وحوله ناس من قريش من المشركين، إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهر النبي ﷺ، فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة عليها السلام، فأخذت من ظهره، ودعت على من صنع ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (اللَّهُمَّ عليك الملأ من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام، وعتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف، أو: أبي ابن خلف). فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر، فألقوا في بئر، غير أمية وأبي، فإنه كان رجلا ضخما، فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر.
[ر: ٢٣٧]


(عليك الملأ) خذ الجماعة وأهلكهم. (بسلى جزور) السلى: هي اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة، والجزور: والواحد من الإبل، ذكرا
كان أم أنثى، وقيل: ما ذبح منها، أو: ما يصلح للذبح خاصة.
٣ ‏/ ١١٦٣
٢١ – باب: إثم الغادر للبر والفاجر.
٣ ‏/ ١١٦٤
٣٠١٥ – حدثنا أبو الوليد: حدثنا شعبة، عن سليمان الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وعن ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ،
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القيامة، قال أحدهما: ينصب، وقال الآخر: يرى يوم القيامة، يعرف به).


أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر، رقم: ١٧٣٦. (غادر) هو الذي يواعد على أمر ولا يفي به. (لواء) علامة يشتهر بها. (أحدهما) أي أحد الراويين.
٣ ‏/ ١١٦٤
٣٠١٦ – حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يقول: (لكل غادر لواء ينصب بغدرته).
[٥٨٢٣، ٥٨٢٤، ٦٥٦٥، ٦٦٩٤]
أخرجه مسلم في الجهاد والسير، باب: تحريم الغدر، رقم: ١٧٣٥. (بغدرته) بسبب غدرته في الدنيا وبقدرها.
٣ ‏/ ١١٦٤
٣٠١٧ – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله ﷺ يوم فتح مَكَّةَ: (لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا استنفرتم فانفروا). وقال يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: (إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ الله يوم خلق السماوات والأرض، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خلاه). فقال الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لقينهم ولبيوتهم، قال: (إلا الإذخر).
[ر: ١٥١٠]
٣ ‏/ ١١٦٤

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

١ – بَدْءُ الْوَحْيِ.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِيُّ …