– ١ – حم
– ٢ – تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
– ٣ – كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
– ٤ – بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
– ٥ – وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ يَعْنِي الْقُرْآنُ منزل مِّنَ الرحمن الرحيم، كقوله: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أَيْ بُيِّنَتْ مَعَانِيهِ وَأُحْكِمَتْ أَحْكَامُهُ، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ أَيْ فِي حَالِ كونه قرآنًا عَرَبِيًّا بَيِّنًا وَاضِحًا، فَمَعَانِيهِ مُفَصَّلَةٌ، وَأَلْفَاظُهُ وَاضِحَةٌ، كقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خبير﴾ أَيْ هُوَ مُعْجِزٌ مِنْ حَيْثُ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ، وقوله تعالى: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي إنما يعرف هذا الْعُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ أَيْ تَارَةً يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَارَةً يُنْذِرُ الْكَافِرِينَ، ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ أَيْ أَكْثَرُ قُرَيْشٍ فَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ شَيْئًا مَعَ بَيَانِهِ وَوُضُوحِهِ، ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾ أَيْ فِي غُلْفٍ مُغَطَّاةٍ، ﴿مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ﴾ أَيْ صَمَمٌ عَمَّا جِئْتَنَا بِهِ ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ فَلَا يَصِلُ إِلَيْنَا شَيْءٌ مِمَّا تَقُولُ، ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ أَيِ اعْمَلْ أَنْتَ عَلَى طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك، روى البغوي في تفسيره عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا فَقَالُوا: انْظُرُوا أَعْلَمَكُمْ بِالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ، فَلْيَأْتِ هَذَا الرَّجُلَ الذي فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَ أَمْرَنَا وَعَابَ دِينَنَا، فَلْيُكَلِّمْهُ وَلْنَنْظُرْ مَاذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ (عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ)، فَقَالُوا: أَنْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ: فَأَتَاهُ عُتْبَةُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فقال: أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فقال: إن كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْكَ فَقَدْ عَبَدُوا الْآلِهَةَ الَّتِي عِبْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أنك خير منهم فتكلم حتى يسمع قَوْلَكَ، إِنَّا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا سِخَلَةً قَطُّ أَشْأَمَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْكَ، فَرَّقْتَ جَمَاعَتَنَا وَشَتَّتَّ أَمْرَنَا، وَعِبْتَ دِينَنَا، وَفَضَحْتَنَا فِي الْعَرَبِ، حَتَّى لَقَدْ طَارَ فِيهِمْ أَنَّ فِي قُرَيْشٍ سَاحِرًا، وأن في قريش كاهنًا، والله ما ننتظر إِلَّا مِثْلَ صَيْحَةِ الْحُبْلَى أَنْ يَقُومَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى نَتَفَانَى، أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْحَاجَةُ، جَمَعْنَا لَكَ حتى
وروى محمد بن إسحاق في كتاب السيرة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنْ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيِّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَلَا أَقُومُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا، لَعَلَّهُ أن يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيَهُ أَيَّهَا شَاءَ وَيَكُفَّ عَنَّا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، فَقُمْ إِلَيْهِ فَكَلِّمْهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ منا حيث علمت من السلطة فِي الْعَشِيرَةِ وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وكفَّرت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تقبل منها بَعْضَهَا، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعْ»، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالَنَا حَتَّى تَكُونَ أكثرنا مالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يأتيك رِئيًا تراه لا تسطيع
رده عن نفسك، طلبنا لك الأطباء وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّى نُبَرِّئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلَى الرجُل حَتَّى يُدَاوَى مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ عُتْبَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَمِعُ مِنْهُ قَالَ: «أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاسْتَمِعْ مِنِّي»، قَالَ: أَفْعَلُ، قَالَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾، ثُمَّ مَضَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا وهو يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليها يستمع منه، حتى انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا فَسَجَدَ، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ»، فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لبعض: نحلف بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أني سَمِعْتُ قَوْلًا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا لِي، خَلُّوا بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ، فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ وكنتم
– ٧ – الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
– ٨ – إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُشْرِكِينَ ﴿إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إله وَاحِدٌ﴾ لا ما تَعْبُدُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ وَالْأَرْبَابِ الْمُتَفَرِّقِينَ، إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ أَيْ أَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ عَلَى مِنْوَالِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ، ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ أَيْ لِسَالِفِ الذُّنُوبِ، ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ﴾ أَيْ دَمَارٌ لَهُمْ وَهَلَاكٌ عَلَيْهِمْ ﴿الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة﴾ قال ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لا إله إلا الله، كقوله تبارك وتعالى: ﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إلى أن تزكى﴾ والمراد بالزكاة هنا طَهَارَةُ النَّفْسِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ طَهَارَةُ النَّفْسِ مِنَ الشِّرْكِ، وَزَكَاةُ الْمَالِ إِنَّمَا سُمِّيَتْ زَكَاةً، لِأَنَّهَا تُطَهِّرُهُ مِنَ الْحَرَامِ، وتكون سببًا لزيادته وبركته وكثرة نفعه، واستعماله فِي الطَّاعَاتِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزكاة﴾: أي لا يؤدون الزَّكَاةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَمْنَعُونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَاخْتَارَهُ ابن جرير، ثم قال ﷻ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: غير مقطوع ولا مجبوب، كقوله تعالى: ﴿ماكثين فيها أبدًا﴾، وكقوله عز وجل: ﴿عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ وَقَالَ السُّدي: غَيْرَ مَمْنُونٍ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ رَدَّ عليه بعض الأئمة، فإن المنة لله تعالى عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ﴾، وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم﴾، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ».
– ١٠ – وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ
– ١١ – ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ
– ١٢ – فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ العليم
هذا إنكار من الله تعالى عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ، وَهُوَ الخالق لكل شيء، المقتدر على كل شيء ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا﴾ أَيْ نُظَرَاءَ وَأَمْثَالًا تَعْبُدُونَهَا مَعَهُ، ﴿ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ أَيِ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ، وَهَذَا الْمَكَانُ فيه تفصيل لقوله تَعَالَى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ، قَالَ رَجُلٌ لابن عباس رضي الله عنهما: إني لأجد فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عليَّ، قَالَ: ﴿فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ﴾، ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بعض يتساءلون﴾، ﴿وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حديثًا﴾، ﴿والله رَبِّنَا مَا كنا مشركين﴾ فقد كتموا في هذه الآية، وقال تَعَالَى: ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا – إلى قوله – والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ، ثُمَّ قال تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ – إِلَى قَوْلِهِ – طَآئِعِينَ﴾ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خلق الأرض قبل خلق السماء، قال: ﴿وَكَانَ الله غَفُورًا رحيمًا﴾، ﴿عزيزًا حكيمًا﴾، ﴿سميعًا بصيرًا﴾ فكأنه كان ثم مضى، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ اليوم ولا يتساءلون﴾ في النفخة الأولى، كما قال تعالى: ﴿فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ الله﴾، وفي النَّفْخَةِ الأُخرى ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾. وأما قوله: ﴿والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾، ﴿وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾، فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ: لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَيَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُعْرَفُ أن الله تعالى لا يكتم الله حديثًا، وعنده ﴿يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ﴾ الآية، وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَى الْأَرْضَ وَدَحْيُهَا أَنْ أَخْرَجَ منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال وَالْجَمَادَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فذلك قوله تعالى: ﴿دَحَاهَا﴾، وقوله: ﴿خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ﴾ فخلق الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أيام وخلق السَّمَاوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ سَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يزل كذلك، فإن الله تعالى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا من عند الله عز وجل.
وقوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْأَرْضَ، فِي يَوْمَيْنِ﴾ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ، ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا﴾ أَيْ جَعَلَهَا مُبَارَكَةً قَابِلَةً لِلْخَيْرِ والبدر وَالْغِرَاسِ، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا، وَهُوَ مَا يَحْتَاجُ أَهْلُهَا إِلَيْهِ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي تُزْرَعُ وَتُغْرَسُ يَعْنِي يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ، فَهُمَا مَعَ اليومين السابقين أربعة ولهذا قال: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ﴾ أَيْ لِمَنْ أراد السؤال، عن ذلك ليعلمه. وقال عكرمة ومجاهد في قوله عز وجل: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا﴾ جَعَلَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مَا لَا يَصْلُحُ فِي غَيْرِهَا، وَمِنْهُ الْعَصَبُ باليمن، والسابوري بِسَابُورَ، وَالطَّيَالِسَةُ بِالرَّيِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ﴾ أَيْ لِمَنْ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ زبد: ﴿وقدر فيها أقواتها﴾ أي على وفق مراده، مَنْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى رِزْقٍ أَوْ حَاجَةٍ، فإن الله تعالى قَدَّرَ لَهُ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهَذَا القول يشبه قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ والله أعلم. وقوله تبارك وتعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ وَهُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الْمُتَصَاعِدُ مِنْهُ حِينَ خُلِقَتِ الْأَرْضُ، ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا
– ١٤ – إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
– ١٥ – فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
– ١٦ – فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
– ١٧ – وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
– ١٨ – وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، إِنْ أَعْرَضْتُمْ عَمَّا جِئْتُكُمْ به من عند الله تعالى، فَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ حُلُولَ نِقْمَةِ اللَّهِ بِكُمْ، كَمَا حلَّت بالأُمم الْمَاضِينَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْمُرْسَلِينَ ﴿صَاعِقَةً
– ٢٠ – حتى إذا ما جاؤوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
– ٢١ – وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
– ٢٢ – وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ
– ٢٣ – وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ
– ٢٤ – فَإِن يَصْبِرُواْ فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أَيِ اذْكُرْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ يَحْشُرُونَ
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْهُ حِينٌ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يَعْتَذِرُونَ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ، حتى يُؤْذَنُ لَهُمْ، فَيَخْتَصِمُونَ، فَيَجْحَدُ الْجَاحِدُ بِشِرْكِهِ بِاللَّهِ تعالى، فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ فَيَبْعَثُ اللَّهُ تعالى عَلَيْهِمْ حِينَ يَجْحَدُونَ شُهَدَاءَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، جُلُودَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَيَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمُ الْأَفْوَاهَ، فَتُخَاصِمُ الْجَوَارِحَ، فَتَقُولُ: ﴿أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فَتُقِرُّ الْأَلْسِنَةُ بَعْدَ الجحود (رواه ابن أبي حاتم).
وقوله تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ﴾ أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الْأَعْضَاءُ وَالْجُلُودُ حِينَ يَلُومُونَهَا عَلَى الشَّهَادَةِ عليهم: مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ مِنَّا الَّذِي كُنْتُمْ تَفْعَلُونَهُ، بَلْ كُنْتُمْ تُجَاهِرُونَ اللَّهَ بِالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَلَا تُبَالُونَ مِنْهُ فِي زَعْمِكُمْ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَعْلَمُ جميع أفعالكم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ أَيْ هَذَا الظَّنُّ الْفَاسِدُ وَهُوَ اعْتِقَادُكُمْ أن الله تعالى لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ، هُوَ الَّذِي أَتْلَفَكُمْ وَأَرْدَاكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ أَيْ فِي مَوَاقِفِ
– ٢٦ – وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ
– ٢٧ – فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
– ٢٨ – ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ
– ٢٩ – وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ
يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَضَلَّ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَكَوْنِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ بِمَا قَيَّضَ لَهُمْ مِنَ الْقُرَنَاءِ مِنْ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، ﴿فَزَيَّنُواْ لَهُم مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أَيْ حَسَّنُوا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَلَمْ يَرَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا مُحْسِنِينَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾، وقوله: ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ أَيْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ كَمَا حق على أمم خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ، مِمَّنْ فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ﴾ أَيِ اسْتَوَوْا هُمْ وَإِيَّاهُمْ فِي الْخَسَارِ وَالدَّمَارِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ أي تواصوا فيما بينهم أن لا يطيعوا القرآن وَلَا يَنْقَادُوا لِأَوَامِرِهِ، ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ أَيْ إِذَا تُلِيَ لَا تَسْمَعُوا لَهُ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ يَعْنِي بِالْمُكَاءِ وَالصَّفِيرِ وَالتَّخْلِيطِ فِي الْمَنْطِقِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذا قرأ القرآن وكانت قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ عِيبُوهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: اجْحَدُوا بِهِ وأنكروه وعادوه،
– ٣١ – نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
– ٣٢ – نُزُلًا مِّنْ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ أَيْ أَخْلَصُوا الْعَمَلَ لِلَّهِ، وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا شَرَعَ اللَّهُ لَهُمْ، قَالَ الْحَافِظُ أبو يعلى الموصلي، عَنْ أنَس بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قَدْ قَالَهَا نَاسٌ ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ، فَمَنْ قَالَهَا حَتَّى يَمُوتَ فقد استقام عليها» (أخرجه ابن جرير عن سعيد ابن عمران)، وعن سعيد بن عمران قال: «قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُشْرِكُوا بالله شيئًا» (أخرجه النسائي والبزار وابن جرير). وقال عكرمة: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَيُّ آية في كتاب الله تبارك وتعالى أرخص؟ قال، قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ عليَّ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ الزهري: تلا عمر رضي الله عنه هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَقَامُوا وَاللَّهِ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ وَلَمْ يَرُوغُوا رَوَغَانَ الثَّعَالِبِ. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿ثُمَّ استقاموا﴾ على أداء فرائضه، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنَا فَارْزُقْنَا الِاسْتِقَامَةَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ أَخْلَصُوا له الدين والعمل، وعن سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قال ﷺ: «قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بطرف لسان نفسه، ثم قال: «هذا» (أخرجه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صحيح)، وفي
وقوله تعالى: ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة﴾ قال مجاهد والسدي: يعني عند الموت قائلين: ﴿أَلاَّ تَخَافُواْ﴾ أَيْ مِمَّا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ ﴿وَلاَ تَحْزَنُواْ﴾ عَلَى مَا خَلَّفْتُمُوهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ وَمَالٍ أَوْ دَيْنٍ، فَإِنَّا نَخْلُفُكُمْ فِيهِ، ﴿وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فَيُبَشِّرُونَهُمْ بذهاب الشر وحصول الخير، وهذا كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال: «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لِرُوحِ الْمُؤْمِنِ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرنيه، اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ»، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ (حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عباس والسدي)، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يُبَشِّرُونَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وفي قبره وحين يبعث، وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا وَهُوَ حَسَنٌ جدًا، وقوله تبارك وتعالى: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ أَيْ تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ: نَحْنُ كُنَّا أَوْلِيَاءَكُمْ، أَيْ قُرَنَاءَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، نُسَدِّدُكُمْ وَنُوَفِّقُكُمْ وَنَحْفَظُكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ نَكُونُ مَعَكُمْ فِي الْآخِرَةِ نُؤْنِسُ مِنْكُمُ الْوَحْشَةَ فِي الْقُبُورِ، وَعِنْدَ النَّفْخَةِ فِي الصُّورِ، وَنُؤَمِّنُكُمْ يَوْمَ البعث والنشور، ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسَكُمْ﴾ أَيْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ وَتَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ أَيْ مَهْمَا طَلَبْتُمْ وَجَدْتُمْ وَحَضَرَ بَيْنَ أيديكم كَمَا اخْتَرْتُمْ ﴿نُزُلًا مِّنْ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أَيْ ضيافة وعطاء ﴿مِّنْ غَفُورٍ﴾ لذنوبكم ﴿رَّحِيمٍ﴾ بكم حيث غفر وستر، ورحم ولطف، وفي الحديث: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، قال ﷺ: «ليس ذلك كراهية المرت، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حُضِرَ جَاءَهُ الْبَشِيرُ مِنَ الله تعالى بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ اللَّهَ تعالى، فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، قَالَ: وَإِنَّ الْفَاجِرَ، أَوِ الْكَافِرَ، إِذَا حُضِرَ جَاءَهُ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ أَوْ مَا يَلْقَى مِنَ الشَّرِّ، فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ فَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» (أخرجه الإمام أحمد عن أنَس رضي الله عنه.
– ٣٤ – وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
– ٣٥ – وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
– ٣٦ – وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السميع العليم
يقول عز وجل: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ﴾ أَيْ دَعَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَيْهِ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أَيْ وَهُوَ فِي نفسه مهتد فنفعه لنفسه ولغيره، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يأتونه، بل يأتمر
وقوله عز وجل: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ وَهُوَ الصَّدِيقُ أَيْ إِذَا أَحْسَنْتَ إِلَى
من أساء إليك قادته الْحَسَنَةُ إِلَيْهِ إِلَى مُصَافَاتِكَ وَمَحَبَّتِكَ وَالْحُنُوِّ عَلَيْكَ حتى يصير ﴿كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ أَيْ قَرِيبٌ إِلَيْكَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكَ والإحسان إليك، ثم قال عز وجل: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ أَيْ وَمَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَيَعْمَلُ بِهَا إِلَّا مَنْ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ، ﴿وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أَيْ ذُو نَصِيبٍ وَافِرٍ مِنَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا والآخرة، قال ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وقوله تعالى: ﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ أَيْ إِنَّ شَيْطَانَ الْإِنْسِ رُبَّمَا يَنْخَدِعُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، فَأَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ فِيهِ إِذَا وَسْوَسَ، إِلَّا الِاسْتِعَاذَةَ بِخَالِقِهِ الَّذِي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والْتَجَأْت إِلَيْهِ كَفَّهُ عَنْكَ ورَدّ كَيْدَهُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ ونفثه» (رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن).
– ٣٨ – فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ
– ٣٩ – وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا على قدرته العظيمة، وأنه لَا نَظِيرَ لَهُ وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ
– ٤١ – إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ
– ٤٢ – لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
– ٤٣ – مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ
قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِلْحَادُ وَضْعُ الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهِ، وقال قتادة: هو الكفر والعناد، وقوله عز وجل: ﴿لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ﴾ فِيهِ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ أَيْ إِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَنْ يُلْحِدُ فِي آيَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَسَيَجْزِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَلِهَذَا قال تَعَالَى: ﴿أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾؟ أَيْ أَيَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا؟ لَا يَسْتَوِيَانِ، ثُمَّ قَالَ عز وجل تَهْدِيدًا لِلْكَفَرَةِ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾، قَالَ مجاهد ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ وَعِيدٌ أَيْ مِنْ خَيْرٍ أو شر إنه عالم بِكُمْ وَبَصِيرٌ بِأَعْمَالِكُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، ثم قال ﷻ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ قَالَ الضحاك هو الْقُرْآنُ، ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ أَيْ مَنِيعُ الْجَنَابِ لَا يُرَامُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ، ﴿لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ أَيْ لَيْسَ لِلْبُطْلَانِ إِلَيْهِ سَبِيلٌ، لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ أَيْ حَكِيمٌ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، حَمِيدٌ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ أَيْ فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، ثم قال عز وجل: ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾، قال قتادة والسدي: مَّا يُقَالُ لَكَ مِنَ التَّكْذِيبِ إِلَّا كَمَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ من قبلك فكما كذبت كُذِّبُوا، وَكَمَا صَبَرُوا عَلَى أَذَى قَوْمِهِمْ لَهُمْ فَاصْبِرْ أَنْتَ عَلَى أَذَى قَوْمِكَ لَكَ، وَهَذَا اختيار ابن جرير، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ﴾ أَيْ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ، ﴿وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ أَيْ لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ
– ٤٥ – وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ
لَمَّا ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلاغته وَمَعَ هَذَا لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، نَبَّهَ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ بِهِ كُفْرُ عِنَادٍ وَتَعَنُّتٍ، كما قال عز وجل: ﴿ولو أنزلناه عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم، مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ الآيات، وَكَذَلِكَ لَوْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ بِلُغَةِ الْعَجَمِ لَقَالُوا عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ ﴿لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ أَيْ لَقَالُوا هلاَّ أُنْزِلَ مفصلًا بلغة العرب ولأنكروا ذلك، فقالوا ﴿أأعجمي وَعَرَبِيٌّ﴾ أَيْ كَيْفَ يَنْزِلُ كَلَامٌ أَعْجَمِيٌّ عَلَى مخاطب عربي لا يفهمه؟ (رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وعكرمة وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمْ) وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ ﴿لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أعجمي وَعَرَبِيٌّ﴾ أي هل أُنْزِلَ بَعْضُهَا بِالْأَعْجَمِيِّ وَبَعْضُهَا بِالْعَرَبِيِّ؟ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَكَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ بِلَا اسْتِفْهَامٍ في قوله أعجمي، وهو في التعنت والعناد أبلغ، ثم قال عز وجل: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ﴾ أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ: هَذَا الْقُرْآنُ لِمَنْ آمَنَ به هدى لقلبه، وشفاء، شفاء لِّمَا فِي الصدور من الشكوك والريب، ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ﴾ أَيْ لَا يَفْهَمُونَ مَا فِيهِ، ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ أَيْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ البيان كما قال سبحانه وتعالى ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خسارًا﴾، ﴿أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يعني بعيد مِنْ قُلُوبِهِمْ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَاهُ كَأَنَّ مَنْ يُخَاطِبُهُمْ يُنَادِيهِمْ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ لَا يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُ، قُلْتُ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يُنَادَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَشْنَعِ أَسْمَائِهِمْ، وقوله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ أَيْ كذب وأوذي، ﴿ولولا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ بِتَأْخِيرِ الْحِسَابِ إِلَى يَوْمِ الْمَعَادِ ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أَيْ لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ، بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلًا، ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ أَيْ وَمَا كَانَ تَكْذِيبُهُمْ لَهُ عَنْ بَصِيرَةٍ مِنْهُمْ لِمَا قَالُوا، بَلْ كانوا شاكين فيما قالوه غَيْرَ مُحَقِّقِينَ لِشَيْءٍ كَانُوا فِيهِ، هَكَذَا وَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
– ٤٧ – إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ
– ٤٨ – وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ من محيص
– ٥٠ – وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ
– ٥١ – وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ
يَقُولُ تَعَالَى: لَا يمل الإنسان من دعاء رَبَّهُ بِالْخَيْرِ وَهُوَ الْمَالُ وَصِحَّةُ الْجِسْمِ وَغَيْرُ ذَلِكَ ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ﴾ وَهُوَ الْبَلَاءُ أَوِ الفقر ﴿فيؤوس قَنُوطٌ﴾ أَيْ يَقَعُ فِي ذِهْنِهِ أَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ أَيْ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ وَرِزْقٌ بَعْدَ مَا كَانَ فِي شِدَّةٍ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي إِنِّي كُنْتُ أَسْتَحِقُّهُ عِنْدَ رَبِّي ﴿وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً﴾ أَيْ يَكْفُرُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، أي لأجل أنه خوّل نعمة يبطر ويفخر وَيَكْفُرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾، ﴿وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى﴾ أَيْ وَلَئِنْ كَانَ ثَمَّ مَعَادٌ فَلَيُحْسِنَنَّ إليَّ رَبِّي كَمَا أَحْسَنَ إليَّ فِي هَذِهِ الدَّارِ، يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عز وجل مَعَ إساءته العمل وعدم اليقين، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ يتهدد تعالى من كان هذاعمله واعتقاده بالعقاب والنكال، ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ أَيْ أَعْرَضَ عَنِ الطَّاعَةِ وَاسْتَكْبَرَ عَنِ الِانْقِيَادِ لأوامر الله عز وجل، كقوله ﷻ: ﴿فتولى بركنه﴾، ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ أَيِ الشِّدَّةُ ﴿فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ﴾ أَيْ يُطِيلُ الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَالْكَلَامُ الْعَرِيضُ مَا طَالَ لَفْظُهُ وَقَلَّ مَعْنَاهُ، والوجيز عكسه وهو ما قال وَدَلَّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ﴾ الآية.
– ٥٣ – سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
– ٥٤ – أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ ﴿أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ ﴿مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ﴾ أَيْ كَيْفَ تَرَوْنَ حَالَكُمْ عِنْدَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ؟ ولهذا قال عز وجل: ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾؟ أَيْ فِي كُفْرٍ وَعِنَادٍ وَمُشَاقَّةٍ لِلْحَقِّ وَمَسْلَكٍ بعيد من الهدى، ثم قال ﷻ: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ أَيْ سنظهر لهم دلالالتنا وَحُجَجَنَا عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ حَقًّا مُنَزَّلًا مِنْ عند اللَّهُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِدَلَائِلَ خَارِجِيَّةٍ ﴿فِي الْآفَاقِ﴾ مِنَ الْفُتُوحَاتِ وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْأَقَالِيمِ وَسَائِرِ الْأَدْيَانِ. قَالَ مُجَاهِدٌ والحسن والسدي: ﴿وفي أَنفُسِهِمْ﴾ قَالُوا: وَقْعَةُ بَدْرٍ وَفَتْحُ مَكَّةَ وَنَحْوُ ذلك، من الوقائع التي نصر الله فيها محمدًا ﷺ وَصَحْبَهُ، وَخَذَلَ فِيهَا الْبَاطِلَ وَحِزْبَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يكون المراد ما الإنسان مركب منه، مِنَ الْمَوَادِّ وَالْأَخْلَاطِ وَالْهَيْئَاتِ الْعَجِيبَةِ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي عِلْمِ التَّشْرِيحِ، الدَّالِّ عَلَى حِكْمَةِ الصانع تبارك وتعالى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾؟ أَيْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا عَلَى أَفْعَالِ عباده وأقوالهم، وهو يشهد أن محمدًا ﷺ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُ، كَمَا قَالَ: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ الآية، وقوله تعالى: ﴿إِلاَّ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ فِي شَكٍّ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَلِهَذَا لا يتفركون فيه ولا يعملون له وهو كائن لا محالة وواقع لا ريب فيه، ثم قال تعالى مقررًا إِنَّهُ على كُلِّ شيء قدير ﴿أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾ أَيِ الْمَخْلُوقَاتُ كلها تحت قهره وفي قبضته، وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا كُلِّهَا بِحُكْمِهِ فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.