– ١ – ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
– ٢ – مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
– ٣ – وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ
– ٤ – وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عظيم
– ٥ – فستبصر ويبصرون
– ٦ – بأيكم الْمَفْتُونُ
– ٧ – إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حُرُوفِ الْهِجَاءِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ههنا، وقيل: المراد بقوله ﴿ن﴾ حوت عظيم وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﴿ن﴾ لَوْحٌ مِنْ نُورٍ، وقيل: المراد بقوله ﴿ن﴾ الدواة، ﴿والقلم﴾ القلم، روي عَنِ الْحَسَنِ وقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿ن﴾ قَالَا: هي الدواة، وقوله تعالى: ﴿وَالْقَلَمِ﴾ الظَّاهِرُ أَنَّهُ جِنْسُ الْقَلَمِ الَّذِي يُكْتَبُ به كقوله تعالى: ﴿الَّذِي علَّم بِالْقَلَمِ * علَّم الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يعلم﴾ فَهُوَ قَسَمٌ مِنْهُ تَعَالَى، وَتَنْبِيهٌ لِخَلْقِهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، مِنْ تَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ التي تنال بها الْعُلُومُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عباس: يعني وما يكتبون، وقال أبو الضحى عنه ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أَيْ وَمَا يَعْمَلُونَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَمَا تَكْتُبُ مِنْ أعمال العباد، وقال آخرون: بل المراد ههنا بِالْقَلَمِ الَّذِي أَجْرَاهُ اللَّهُ بِالْقَدَرِ، حِينَ كَتَبَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ بخمسين ألف عام، روى ابن أبي حاتم عن الْوَلِيدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: دَعَانِي أَبِي حِينِ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ: اُكتب، قال: يا رب وما أنا أكتب؟ قال اُكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد» (أخرجه ابن أبي حاتم، ورواه أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب). وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يحدِّث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ الْقَلَمُ فَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كل شيء» (رواه ابن جرير). وقال مُجَاهِدٍ ﴿وَالْقَلَمِ﴾ يَعْنِي الَّذِي كُتِبَ بِهِ الذِّكْرُ، وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أَيْ يَكْتُبُونَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ أَيْ لَسْتَ ولله الحمد بمجنون، كما يَقُولُهُ الْجَهَلَةُ مَنْ قَوْمِكَ،
وقوله تعالى: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أَيْ فَسَتَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ وَسَيَعْلَمُ مُخَالِفُوكَ وَمُكَذِّبُوكَ، مَنِ الْمَفْتُونُ الضَّالُّ مِنْكَ وَمِنْهُمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الكذاب الأشر﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: سَتَعْلَمُ ويعلمون يوم القيامة، ﴿بأيكم المفتون﴾ أي المجنون، وقال قتادة: ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أَيْ أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ، وَمَعْنَى الْمَفْتُونِ ظاهر أي الذي افْتُتِنَ عَنِ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الباء في قوله: ﴿بأيكم﴾ لِتَدُلَّ عَلَى تَضْمِينِ الْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ وتقديره: فستعلم ويعلمون، أي فَسَتُخْبَرُ وَيُخْبَرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أَيْ هُوَ يَعْلَمُ تَعَالَى أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ هُوَ الْمُهْتَدِي، وَيَعْلَمُ الْحِزْبَ الضَّالَّ عَنِ الْحَقِّ.
– ٩ – وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
– ١٠ – وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ
– ١١ – هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ
– ١٢ – مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
– ١٣ – عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
– ١٤ – أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
– ١٥ – إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
– ١٦ – سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ
يَقُولُ تَعَالَى: كَمَا أَنْعَمْنَا عَلَيْكَ وَأَعْطَيْنَاكَ الشَّرْعَ الْمُسْتَقِيمَ، وَالْخُلُقَ الْعَظِيمَ، ﴿فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ تُرَخِّصُ لَهُمْ فَيُرَخِّصُونَ، وَقَالَ مجاهد: تَرْكَنُ إِلَى آلِهَتِهِمْ وَتَتْرُكُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَاذِبَ لِضَعْفِهِ ومهانته، يجترئ على أسماء الله تعالى، باستعمالها فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، قَالَ ابن عباس: المهين الكاذب، وقال الْحَسَنُ: ﴿كُلَّ حَلاَّفٍ﴾ مُكَابِرٍ ﴿مَّهِينٍ﴾ ضَعِيفٍ، وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿هَمَّازٍ﴾ يَعْنِي الِاغْتِيَابَ، ﴿مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ﴾ يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ وَيُحَرِّشُ بَيْنَهُمْ، وَيَنْقُلُ الْحَدِيثَ لِفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَهِيَ الْحَالِقَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فكان لا يستبرئ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» (رواه الشيخان وبقية الجماعة). وعن هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى حُذَيْفَةَ فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى الْأُمَرَاءِ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» (أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود. والقتات: النمام). وعن أَبِي وَائِلٍ قَالَ: بَلَغَ حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ يَنُمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الجنة نمام» (أخرجه أحمد)، وروى الإمام أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال: «الذين إذا رؤوا ذُكِرَ اللَّهُ عز وجل»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الباغون للبرآء العَنَت» (أخرجه أحمد وابن ماجه).
وقوله تعالى: ﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ أَيْ يَمْنَعُ مَا عَلَيْهِ وَمَا لَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ ﴿مُعْتَدٍ﴾ فِي تناول مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، يَتَجَاوَزُ فِيهَا الْحَدَّ المشروع، ﴿أَثِيمٍ﴾ أي يتناول المحرمات، وقوله تعالى: ﴿عتُل بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ أَمَّا الْعُتُلُّ فَهُوَ الفظ الغليظ، الجموع المنوع. روى الإمام أحمد، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ألا أنبئكم بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَّا أُنَبِّئُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كل عتل جواظ مستكبر» وفي رواية: «كل جواظ جعظري مستكبر» (أخرجه الشيخان والإمام أحمد). وفي أُخْرى لأحمد: «كل جعظري، جواظ (قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْجَعْظَرِيُّ: الْفَظُّ الْغَلِيظُ، وَالْجَوَّاظُ: الجموع المنوع)، مستكبر، جمّاع، منّاع» وفي الحديث: «تَبْكِي السَّمَاءُ مِنْ عَبْدٍ أَصَحَّ اللَّهُ جِسْمَهُ، وأرحب جوفه، وأعطاه من الدنيا هضما، فكان للناس
وَأَنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ فِي آلِ هَاشِمٍ * كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرَّاكِبِ القدح الفرد
وقال ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿زَنِيمٍ﴾ قَالَ الدَّعِيُّ الفاحش اللئيم، وأنشد:
زَنِيمٌ تَدَاعَاهُ الرِّجَالُ زِيَادَةً * كَمَا زِيدَ فِي عرض الأديم الأكارع
والمراد به (الأخنس بن شريق)، وقال مجاهد عن ابن عباس: ﴿الزنيم﴾ الملحق النسب، وقال سعيد ابن المسيب: هو الملصق بالقوم ليس منهم، وسئل عكرمة عن الزنيم فقال: هو ولد الزنا، وقال سعيد بن جبير: الزَّنِيمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ، كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بزنمتها، والزنيم الملصق، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ لَهُ زَنَمَةٌ فِي أَصْلِ أُذُنِهِ، وَيُقَالُ: هُوَ اللَّئِيمُ الْمُلْصَقُ فِي النَّسَبِ، وَالْأَقْوَالُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَتَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الزَّنِيمَ هُوَ الْمَشْهُورُ بِالشَّرِّ، الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَغَالِبًا يَكُونُ دَعِيًّا وَلَدُ زِنًا، فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَتَسَلَّطُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ مَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى غيره، وقوله تعالى: ﴿أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى هَذَا مُقَابَلَةُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ المال والبنين، كفر بآيات الله عز وجل وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَزَعَمَ أَنَّهَا كَذِبٌ مَأْخُوذٌ مِنْ أساطير الأولين، كقوله تَعَالَى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عنيدًا﴾. ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: سَنَبِينُ أَمْرَهُ بَيَانًا وَاضِحًا، حَتَّى يَعْرِفُوهُ وَلَا يَخْفَى عليهم، كما لا نخفي عليهم السمة على الخراطيم، وقال قَتَادَةُ ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾: شَيْنٌ لَا يُفَارِقُهُ آخر ما عليه، وعنه: سيما على أنفه، وقال ابن عباس: يقاتل يوم بدر فيخطم السيف فِي الْقِتَالِ، وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿سَنَسِمُهُ﴾ سِمَةَ أَهْلِ النَّارِ، يَعْنِي نُسَوِّدُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَبَّرَ عن الوجه بالخرطوم، ولا مَانِعَ مِنَ اجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا والآخرة وفي الحديث: «من مَاتَ هَمَّازًا لَمَّازًا مُلَقِّبًا لِلنَّاسِ كَانَ عَلَامَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَسِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْخُرْطُومِ من كلا الشفتين» (أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا وهو جزء من حديث).
– ١٩ – فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
– ٢٠ – فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
– ٢١ – فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ
– ٢٢ – أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
– ٢٣ – فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
– ٢٤ – أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
– ٢٥ – وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ
– ٢٦ – فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ
– ٢٧ – بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
– ٢٨ – قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ
– ٢٩ – قَالُواْ سُبْحَانَ رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
– ٣٠ – فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ
– ٣٢ – عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ
– ٣٣ – كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة، وهو بِعْثَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَقَابَلُوهُ بِالتَّكْذِيبِ والرد والمحاربة، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾ أَيِ اخْتَبَرْنَاهُمْ ﴿كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ وَهِيَ الْبُسْتَانُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعِ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ، ﴿إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ أَيْ حَلَفُوا لَيَجُذُّنَّ ثَمَرَهَا لَيْلًا، لِئَلَّا يَعْلَمَ بِهِمْ فَقِيرٌ ولا سائل، وَلَا يَتَصَدَّقُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، ﴿وَلاَ يَسْتَثْنُونَ﴾ أَيْ فيما حلفوا به، ﴿فطاف عليهم طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ أَيْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ، ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أي كالليل الأسود، وقال السدي: مِثْلَ الزَّرْعِ إِذَا حُصِدَ أَيْ هَشِيمًا يَبَسًا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالْمَعَاصِيَ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ بِهِ رِزْقًا قَدْ كان هيء لَهُ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كالصريم﴾ (أخرجه ابن أبي حاتم). قَدْ حُرِمُوا خَيْرَ جَنَّتِهِمْ بِذَنْبِهِمْ، ﴿فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ﴾ أي وَقْتُ الصُّبْحِ نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَذْهَبُوا إِلَى (الجذاذ) أي القطع، ﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾ أَيْ تُرِيدُونَ الصِرَامَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ حَرْثُهُمْ عِنَبًا، ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ أَيْ يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُون أَحَدًا كَلَامَهُمْ، ثُمَّ فسر عَالِمُ السِّرِّ وَالنَّجْوَى مَا كَانُوا يَتَخَافَتُونَ بِهِ، فقال تعالى: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ﴾ أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَا تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم، قال تَعَالَى: ﴿وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ﴾ أَيْ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ، وقال مجاهد: على جد، وقال عكرمة: على غيظ، ﴿قَادِرِينَ﴾ أَيْ عَلَيْهَا فِيمَا يَزْعُمُونَ وَيَرُومُونَ، ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَآلُّونَ﴾ أَيْ فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا وَأَشْرَفُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عز وجل، قَدِ اسْتَحَالَتْ عَنْ تلك النضارة والزهوة وَكَثْرَةِ الثِّمَارِ، إِلَى أَنْ صَارَتْ سَوْدَاءَ مُدْلَهِمَّةً لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ قَدْ أخطأوا الطَّرِيقَ، وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿إِنَّا لَضَآلُّونَ﴾ أَيْ قَدْ سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها، ثم تيقنوا أَنَّهَا هِيَ فَقَالُوا ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أَيْ بل هي هذه، وَلَكِنْ نَحْنُ لَا حَظَّ لَنَا وَلَا نَصِيبَ.
وقال تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾، أي أعدلهم وخيرهم (قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة) ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾! قَالَ مُجَاهِدٌ والسدي: أي لولا تستثنون، وَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ تَسْبِيحًا، وَقَالَ ابن جرير: هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، وَقِيلَ: ﴿لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾ أَيْ هَلَّا تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَشْكُرُونَهُ على ما أعطاكم وأنعم به عليكم ﴿وقالوا سُبْحَانَ رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أَتَوْا بِالطَّاعَةِ حَيْثُ لَا تَنْفَعُ، وَنَدِمُوا وَاعْتَرَفُوا حَيْثُ لَا يَنْجَعُ، وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾ أَيْ يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، عَلَى مَا كَانُوا أَصَرُّوا عَلَيْهِ مِنْ منع المساكين، فَمَا كَانَ جَوَابَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِلَّا الِاعْتِرَافَ بِالْخَطِيئَةِ وَالذَّنْبِ، ﴿قَالُواْ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ أي اعتدينا وبغينا وَجَاوَزْنَا الْحَدَّ حَتَّى أَصَابَنَا مَا أَصَابَنَا ﴿عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ قيل: راغبون فِي بَذْلِهَا لَهُمْ فِي
– ٣٥ – أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ
– ٣٦ – مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
– ٣٧ – أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
– ٣٨ – إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ
– ٣٩ – أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ
– ٤٠ – سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ
– ٤١ – أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَمَا أَصَابَهُمْ فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ حِينَ عَصَوُا اللَّهَ عز وجل، بَيَّنَ أَنَّ لِمَنِ اتَّقَاهُ وَأَطَاعَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، الَّتِي لَا تَبِيدُ وَلَا تفرغ ولا ينقضي نعيمها، ثم قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾؟ أَيْ أَفَنُسَاوِي بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْجَزَاءِ؟ كَلَّا وَرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، ولهذا قال: ﴿مالكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾! أَيْ كَيْفَ تَظُنُّونَ ذَلِكَ، ثُمَّ قال تعالى: ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ يقول تعالى أَفَبِأَيْدِيكُمْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاءِ، تَدْرُسُونَهُ وَتَحْفَظُونَهُ وَتَتَدَاوَلُونَهُ، بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ، مُتَضَمِّنٌ حُكْمًا مُؤَكَّدًا كَمَا تَدَّعُونَهُ؟ ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ أَمَعَكُمْ عُهُودٌ مِنَّا وَمَوَاثِيقُ مُؤَكَّدَةٌ؟ ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ إِنَّهُ سَيَحْصُلُ لَكُمْ مَا تُرِيدُونَ وَتَشْتَهُونَ، ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ أَيْ قُلْ لَهُمْ مَنْ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ الْمُتَكَفِّلُ بِهَذَا! قال ابن عباس: أيهم بذلك كفيل ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ ﴿فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ﴾.
– ٤٣ – خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ
– ٤٤ – فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ
– ٤٥ – وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
– ٤٦ – أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ
– ٤٧ – أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
لَمَّا ذَكَرَ تعالى أن للمتقين عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ النَّعِيمِ، بَيَّنَ مَتَى ذَلِكَ كَائِنٌ وَوَاقِعٌ فقال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ للسجود فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا يَكُونُ فيه من الأهوال، والبلاء والامتحان
نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ﴾، ولهذا قال ههنا: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أي أؤخرهم وَأَمُدُّهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ كَيْدِي وَمَكْرِي بِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أَيْ عَظِيمٌ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَكَذَّبَ رُسُلِي، وَاجْتَرَأَ عَلَى مَعْصِيَتِي، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (أخرجه الشيخان عن أبي هريرة مرفوعًا). وقوله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾! المعنى أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل بِلَا أَجْرٍ تَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، بَلْ تَرْجُو ثواب ذلك عند الله تعالى، وَهُمْ يُكَذِّبُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، بِمُجَرَّدِ الْجَهْلِ والكفر والعناد.
– ٤٩ – لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ
– ٥٠ – فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
– ٥١ – وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ
– ٥٢ – وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين
يقول تعالى: ﴿فاصبر﴾ يامحمد عَلَى أَذَى قَوْمِكَ لَكَ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سيحكم لك وَيَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ
وروى الإمام أحمد، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اشْتَكَى، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شيء يؤذيك، من كل حاسد وعين والله يشفيك (أخرجه الإمام أحمد)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إن العين حق» (أخرجاه في الصحيحين). حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رَفَاعَةَ الزُرَقِيِّ قَالَ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ. فَلَوْ كان شيء يسبق القدر لسبقته العين» (أخرجه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ). حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله
وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تسترقي من العين (أخرجه الشيخان وابن ماجة). وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ فَإِنَّ النَّفْسَ حَقٌّ» (أخرجه ابن ماجة)، وقال أبو داود عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ويغسل منه المعين (رواه أبو داود وأحمد). حديث سهل ابن حنيف: قال الإمام أحمد، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَرَارِ مِنَ (الجحفة) اغتسل سهل بن الأحنف، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ، فَلُبِطَ سَهْلٌ، فَأَتَى رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ؟ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُفِيقُ، قَالَ: «هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ؟ – ثُمَّ قَالَ – اغتسل له» فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبته وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صبَّ ذلك الماء عليه، فصبه رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ وَرَاءَهُ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مع الناس ليس به بأس (أخرجه الإمام أحمد ورواه ابن ماجة بنحوه). حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ، قَالَ رسول الله ﷺ: «لا عَدْوَى وَلَا طِيرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا حَسَدَ والعين حق» (تفرد به الإمام أحمد). وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أَيْ يَزْدَرُونَهُ بِأَعْيُنِهِمْ، وَيُؤْذُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَيَقُولُونَ ﴿إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ أَيْ لِمَجِيئِهِ بِالْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾.