– ١٠٩ – سورة الكافرون.

[مقدمة] ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ بهذه السورة، وبقل هُوَ الله أَحَدٌ، في ركعتي الطواف (أخرجه مسلم)، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قرأ بهما في ركعتي الفجر، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَعْدِلُ رُبْعَ القرآن، وروى الطبراني أن رسول الله ﷺ كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَرَأَ ﴿قُلْ يَا أيها الكافرون﴾ حتى يختمها (أخرجه الطبراني)، وعن الْحَارِثِ بْنِ جَبَلَةَ قَالَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ عِنْدَ مَنَامِي، قَالَ: «إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ» (أخرجه الإمام أحمد)، والله أعلم.
٢ ‏/ ٦٨٥
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
٢ ‏/ ٦٨٥
– ١ – قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ
– ٢ – لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ
– ٣ – وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
– ٤ – وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
– ٥ – وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ
– ٦ – لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

هَذِهِ سُورَةُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ الْمُشْرِكُونَ، فقوله تعالى: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن الموجهون بهذا الخطاب هم (كفار قريش) دعوا رسول الله إِلَى عِبَادَةِ أَوْثَانِهِمْ سَنَةً، وَيَعْبُدُونَ مَعْبُودَهُ سَنَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ وَأَمَرَ رَسُولَهَ ﷺ فِيهَا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَالَ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ يَعْنِي مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ وَهُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ أَيْ وَلَا أَعْبُدُ عِبَادَتَكُمْ أَيْ لَا أَسْلُكُهَا وَلَا أَقْتَدِي بِهَا، وَإِنَّمَا أَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ أَيْ لَا تَقْتَدُونَ بِأَوَامِرَ اللَّهِ وَشَرْعِهِ، فِي عِبَادَتِهِ، بَلْ قَدِ اخْتَرَعْتُمْ شَيْئًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنَّ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ فَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ مَا هُمْ فِيهِ، وَلِهَذَا كَانَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» أَيْ لَا مَعْبُودَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ

٢ ‏/ ٦٨٥
طَرِيقَ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ، وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ الله عبادة لم يأذن الله بها، ولهذا قال: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾، وقال: ﴿لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾، وقال البخاري ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ﴾ الْكَفْرُ، ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يَقُلْ: دِينِي، لِأَنَّ الْآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَ الْيَاءُ، كما قال: ﴿فهو يهدين﴾ ﴿ويشفين﴾، وَقَالَ غَيْرُهُ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ الْآنَ ولا أجيبكم بما بَقِيَ مِنْ عُمُرِي ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾، وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ فهذه ثلاثة أقوال: أولهما: ما ذكرناه أولًا. والثاني: مَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ فِي الْمَاضِي ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ تَأْكِيدٌ محض. وثمّ قول رابع: نصره ابن تَيْمِيَةَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ نَفْيُ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ، ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ نَفْيُ قَبُولِهِ لِذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ النَّفْيَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ آكَدُ، فَكَأَنَّهُ نَفَى الْفِعْلَ، وَكَوْنُهُ قَابِلًا لِذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْوُقُوعِ، وَنَفْيُ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ أَيْضًا، وَاللَّهُ أعلم.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

– ١٧ – سورة الإسراء 2

– ٤٥ – وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا …