الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَا تَسْأَمُوا أَيُّهَا الَّذِينَ تُدَايِنُونَ النَّاسَ إِلَى أَجَلٍ أَنْ تَكْتُبُوا صَغِيرَ الْحَقِّ، يَعْنِي قَلِيلَهُ أَوْ كَبِيرَهُ يَعْنِي أَوْ كَثِيرَهُ ﴿إِلَى أَجَلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِلَى أَجَلِ الْحَقِّ، فَإِنَّ الْكِتَابَ أَحْصَى لِلْأَجَلِ وَالْمَالِ
٥ / ١٠٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «هُوَ الدَّيْنُ» ⦗١٠٣⦘ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] لَا تَمَلُّوا، يُقَالُ مِنْهُ: سَئِمْتُ فَأَنَا أَسْأَمُ سَآمَةً وَسَأْمَةً، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
[البحر الكامل]
وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا … وُسُؤَالِ هَذَا النَّاسِ: كَيْفَ لَبِيدُ
؟ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
[البحر الطويل]
سَئِمْتُ تَكَالِيفَ الْحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ … ثَمَانِينَ حَوْلًا لَا أَبَا لَكَ يَسْأَمِ
يَعْنِي مَلِلْتُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ: تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿إِلَى أَجَلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِلَى أَجَلِ الشَّاهِدِ، وَمَعْنَاهُ: إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِيهِ
٥ / ١٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكُمُ اكْتِتَابُ كِتَابِ الدَّيْنِ إِلَى أَجَلِهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿أَقْسَطُ﴾ [البقرة: ٢٨٢]: أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَقْسَطَ الْحَاكِمُ فَهُوَ يُقْسِطَ إِقْسَاطًا وَهُوَ مُقْسِطٌ، إِذَا عَدَلَ فِي حُكْمِهِ، وَأَصَابَ الْحَقَّ فِيهِ، فَإِذَا جَارَ قِيلَ: قَسَطَ فَهُوَ يَقْسِطُ قُسُوطًا، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] يَعْنِي الْجَائِرُونَ ⦗١٠٤⦘ وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٥ / ١٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ»
٥ / ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَصْوَبُ لِلشَّهَادَةِ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَقَمْتُهُ مِنْ عِوَجِهِ، إِذَا سَوَّيْتُهُ فَاسْتَوَى. وَإِنَّمَا كَانَ الْكِتَابُ أَعْدَلَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَصْوَبَ لِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْوِي الْأَلْفَاظَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَرَبُّ الدَّيْنِ وَالْمُسْتَدِينُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَقَعُ بَيْنَ الشُّهُودِ اخْتِلَافٌ فِي أَلْفَاظِهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ لِاجْتِمَاعِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى مَا حَوَاهُ الْكِتَابُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ فَصْلُ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَبْيَنَ لِمَنِ احْتَكَمَ إِلَيْهِ مِنَ الْحُكَّامِ، مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَهُوَ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِهِ، وَاتِّبَاعُ أَمْرِ اللَّهِ لَا شَكَّ أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ أَقْسَطُ وَأَعْدَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَالِانْحِرَافِ عَنْهُ
٥ / ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَدْنَى﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَأَقْرَبُ، مِنَ الدُّنُوِّ: وَهُوَ الْقُرْبُ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] مِنْ أَنْ لَا تَشُكُّوا فِي الشَّهَادَةِ
٥ / ١٠٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا﴾ يَقُولُ: «أَنْ لَا تَشُكُّوا فِي الشَّهَادَةِ» ⦗١٠٥⦘ وَهُوَ تَفْتَعِلُ مِنَ الرِّيبَةِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَا تَمَلُّوا أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنْ تَكْتُبُوا الْحَقَّ الَّذِي لَكُمْ قِبَلَ مَنْ دَايَنْتُمُوهُ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَجَلٍ صَغِيرًا كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، فَإِنَّ كِتَابَكُمْ ذَلِكَ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَصْوَبُ لِشَهَادَةِ شُهُودِكُمْ عَلَيْهِ، وَأَقْرَبُ لَكُمْ أَنْ لَا تَشُكُّوا فِيمَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُكُمْ عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ وَالْأَجَلِ إِذَا كَانَ مَكْتُوبًا
٥ / ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ذِكْرُهُ مِمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ أَنْ يَسْأَمُوهُ مِنَ اكْتِتَابِ كُتُبِ حُقُوقِهِمْ عَلَى غُرَمَائِهِمْ بِالْحُقُوقِ الَّتِي لَهُمْ عَلَيْهِمْ، مَا وَجَبَ لَهُمْ قِبَلَهُمْ مِنْ حَقٍّ عَنْ مُبَايَعَةٍ بِالنُّقُودِ الْحَاضِرَةِ يَدًا بِيَدٍ، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِ اكْتِتَابِ الْكُتُبِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَعْنِي مِنَ الْبَاعَةِ وَالْمُشْتَرِينَ، يَقْبِضُ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَتَبَايَعُونَهُ نَقْدًا مَا وَجَبَ لَهُ قِبَلَ مُبَايِعِيهِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ، فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اكْتِتَابِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ كِتَابًا بِمَا وَجَبَ لَهُمْ قِبَلَهُمْ وَقَدْ تَقَابَضُوا الْوَاجِبَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] لَا أَجَلَ فِيهَا وَلَا تَأْخِيرَ وَلَا نِسَاءَ ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَكْتُبُوهَا، يَعْنِي التِّجَارَةَ الْحَاضِرَةَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٥ / ١٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «مَعَكُمْ بِالْبَلَدِ تَرَوْنَهَا فَتُؤْخَذَ وَتُعْطَى، فَلَيْسَ عَلَى هَؤُلَاءِ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَكْتُبُوهَا»
٥ / ١٠٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾
[البقرة: ٢٨٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾
[البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ أَنْ لَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ، وَأَمَرَ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ لَا يَكْتُبُوهُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَعَامَّةُ الْقُرَّاءِ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ) بِالرَّفْعِ، وَانْفَرَدَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ فَقَرَأَهُ بِالنَّصْبِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَنْصِبَ النَّكِرَاتِ وَالْمَنْعُوتَاتِ مَعَ «كَانَ»، وَتُضْمِرُ مَعَهَا فِي «كَانَ» مَجْهُولًا، فَتَقُولُ: إِنْ كَانَ طَعَامًا طَيِّبًا فَأْتِنَا بِهِ، وَتَرْفَعُهَا فَتَقُولُ: إِنْ كَانَ طَعَامٌ ⦗١٠٧⦘ طَيِّبٌ فَأْتِنَا بِهِ، فَتَتْبَعُ النَّكِرَةُ خَبَرَهَا بِمِثْلِ إِعْرَابِهَا، فَإِنَّ الَّذِي اخْتَارَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، ثُمَّ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهِ الرَّفْعُ فِي التِّجَارَةِ الْحَاضِرَةِ لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَشُذُوذِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصَبًا عَنْهُمْ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِالشَّاذِّ عَلَى الْحُجَّةِ، وَمِمَّا جَاءَ نَصَبًا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر المتقارب]
أَعَيْنَيَّ هَلْ تَبْكِيَانِ عِفَاقَا … إِذَا كَانَ طَعَنًا بَيْنَهُمْ وِعِنَاقَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل]
وَلِلَّهِ قَوْمِي أَيُّ قَوْمٍ لِحُرَّةٍ … إِذَا كَانَ يَوْمًا ذَا كَوَاكِبَ أَشْنَعَا
وَإِنَّمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي النَّكِرَاتِ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ اتِّبَاعِ أَخْبَارِ النَّكِرَاتِ أَسْمَاءَهَا، وَكَانَ مِنْ حُكْمِهَا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَرْفُوعٌ وَمَنْصُوبٌ، فَإِذَا رَفَعُوهُمَا جَمِيعَهُمَا تَذَكَّرُوا اتِّبَاعَ النَّكِرَةِ خَبَرَهَا، وَإِذَا نَصَبُوهُمَا تَذَكَّرُوا صُحْبَةَ «كَانَ» لِمَنْصُوبٍ وَمَرْفُوعٍ، وَوَجَدُوا النَّكِرَةَ يَتْبَعُهَا خَبَرُهَا، وَأَضْمَرُوا فِي كَانَ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِهَا الضَّمِيرَ، ⦗١٠٨⦘ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مَنَ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِنَّمَا قَرَأَهُ عَلَى مَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً، فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ قَارِئَ ذَلِكَ أَنْ يَقْرَأَ «يَكُونَ» بِالْيَاءِ، وَأَغْفَلَ مَوْضِعَ صَوَابِ قِرَاءَتِهِ مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ، وَأَلْزَمَهُ غَيْرَ مَا يَلْزَمُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا جَعَلُوا مَعَ كَانَ نَكِرَةً مُؤَنَّثًا بِنَعْتِهَا أَوْ خَبَرِهَا، أَنَّثُوا «كَانَ» مَرَّةً، وَذَكَّرُوهَا أُخْرَى، فَقَالُوا: إِنْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً فَاشْتَرُوهَا، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فَاشْتَرُوهَا، تُذَكَّرُ «كَانَ» وَإِنْ نُصِبَتِ النَّكِرَةُ الْمَنْعُوتَةُ أَوْ رُفِعَتْ أَحْيَانًا وَتُؤَنَّثُ أَحْيَانًا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ) مَرْفُوعَةٌ فِيهِ التِّجَارَةُ الْحَاضِرَةُ لِأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّمَامِ، وَلَا حَاجَةَ بِهَا إِلَى الْخَبَرِ، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ تُوجَدَ أَوْ تَقَعَ أَوْ تَحْدُثَ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَلْزَمُ نَفْسَهُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ يَجِدُ لَكَانَ مَنْصُوبًا، وَوَجَدَ التِّجَارَةَ الْحَاضِرَةَ مَرْفُوعَةً، وَأَغْفَلَ جَوَازَ قَوْلِهِ: ﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِكَانَ، فَيَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ عَنْ إِلْزَامِ نَفْسِهِ مَا أَلْزَمَ. وَالَّذِي قَالَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ غَيْرُ خَطَأٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَا بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَشْبَهُ، وَفِي الْمَعْنَى أَصَحُّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: ﴿تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ حَلَّ مَحَلَّ خَبَرِ «كَانَ»، وَالتِّجَارَةُ الْحَاضِرَةُ اسْمُهَا وَالْآخَرُ: أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِتْبَاعِ التِّجَارَةِ ⦗١٠٩⦘ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ النَّكِرَةِ يَتْبَعُهَا، فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ دَائِرَةٌ بَيْنَكُمْ
٥ / ١٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَأَشْهِدُوا عَلَى صَغِيرِ مَا تَبَايَعْتُمْ وَكَبِيرِهِ مِنْ حُقُوقِكُمْ، عَاجِلِ ذَلِكَ وَآجِلِهِ، وَنَقْدِهِ وَنِسَائِهِ، فَإِنَّ إِرْخَاصِي لَكُمْ فِي تَرْكِ اكْتِتَابِ الْكُتُبِ بَيْنَكُمْ فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقٍ تَجْرِي بَيْنَكُمْ لِبَعْضِكُمْ مِنْ قِبَلِ بَعْضٍ عَنْ تِجَارَةٍ حَاضِرَةٍ دَائِرَةٍ بَيْنَكُمْ يَدًا بِيَدٍ وَنَقَدًا لَيْسَ بِإِرْخَاصٍ مِنِّي لَكُمْ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ مِنْكُمْ عَلَى مَنْ بِعْتُمُوهُ شَيْئًا أَوِ ابْتَعْتُمْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِكُمُ الْإِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ خَوْفَ الْمَضَرَّةِ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، أَمَّا عَلَى الْمُشْتَرِي، فَأَنْ يَجْحَدَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مِلْكِهِ مَا قَدْ بَاعَ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ حِينَئِذٍ قَوْلَ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ، فَيَذْهَبُ مَالُ الْمُشْتَرِي بَاطِلًا، وَأَمَّا عَلَى الْبَائِعِ فَأَنْ يَجْحَدَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُ الْبَائِعِ عَمَّا بَاعَ، وَوَجَبَ لَهُ قِبَلَ الْمُبْتَاعِ ثَمَنُ مَا بَاعَ، فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْبَائِعِ قِبَلَ الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعَهُ، فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل الْفَرِيقَيْنِ بِالْإِشْهَادِ، لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ قِبَلَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَهُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ، أَمْ هُوَ نَدْبٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَدْبٌ إِنْ شَاءَ أَشْهَدَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَشْهَدْ
٥ / ١٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ، وَشَقِيقٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِنْ شَاءَ أَشْهَدَ، ⦗١١٠⦘ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُشْهِدْ» أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]
٥ / ١٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]؟ قَالَ: «إِنْ أَشْهَدْتَ عَلَيْهِ فَهُوَ ثِقَةٌ لِلَّذِي لَكَ، وَإِنْ لَمْ تُشْهِدْ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ»
٥ / ١١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَبِيعُ الرَّجُلَ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُنْقِدُ فِي شَهْرَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ، أَتَرَى بَأْسًا أَلَّا أُشْهِدَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: «إِنْ أَشَهَدْتَ فَهُوَ ثِقَةٌ لِلَّذِي لَكَ، وَإِنْ لَمْ تُشْهِدْ فَلَا بَأْسَ»
٥ / ١١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «إِنْ شَاءُوا أَشْهَدُوا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُشْهِدُوا» وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ
٥ / ١١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا ⦗١١١⦘ تَكْتُبُوهَا﴾ [البقرة: ٢٨٢] «وَلَكِنْ أَشْهِدُوا عَلَيْهَا إِذَا تَبَايَعْتُمْ أَمْرَ اللَّهِ مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، أَنْ يُشْهِدُوا عَلَيْهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا»
٥ / ١١٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «مَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ حَاضِرٍ، فَإِنْ شَاءَ أَشْهَدَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُشْهِدْ، وَمَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ إِلَى أَجَلٍ، فَأَمْرُ اللَّهِ أَنْ يَكْتُبَ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي الْمَقَامِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى كُلِّ مَبِيعٍ وَمُشْتَرًي حَقٌّ وَاجِبٌ وَفَرْضٌ لَازِمٌ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ كُلَّ أَمْرِ لِلَّهِ فَرْضٌ، إِلَّا مَا قَامَتْ حُجَّتُهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ بِأَنَّهُ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى وَهْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] فِيمَا مَضَى فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٥ / ١١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ نَهْي مِنَ اللَّهِ لِكَاتِبِ الْكِتَابِ بَيْنَ أَهْلِ الْحُقُوقِ وَالشَّهِيدِ أَنْ يُضَارَّ أَهْلَهُ، فَيَكْتُبُ هَذَا مَا لَمْ يُمْلِلْهُ الْمُمْلِي، وَيَشْهَدُ هَذَا بِمَا لَمْ يَسْتَشْهِدْهُ الشَّهِيدُ
٥ / ١١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ ⦗١١٢⦘ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ فَيَكْتُبُ مَا لَمْ يُمْلَ عَلَيْهِ، وَلَا شَهِيدٌ فَيَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ»
٥ / ١١١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «﴿لَا يُضَارَّ كَاتِبٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَيَزِيدُ شَيْئًا أَوْ يُحَرِّفُ، ﴿وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، قَالَ: لَا يَكْتُمُ الشَّهَادَةَ، وَلَا يَشْهَدُ إِلَّا بِحَقٍّ»
٥ / ١١٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: “اتَّقَى اللَّهَ شَاهِدٌ فِي شَهَادَتِهِ لَا يُنْقِصُ مِنْهَا حَقًّا وَلَا يَزِيدُ فِيهَا بَاطِلًا، اتَّقَى اللَّهَ كَاتِبٌ فِي كِتَابِهِ، فَلَا يَدَعَنَّ مِنْهُ حَقًّا وَلَا يَزِيدَنَّ فِيهِ بَاطِلًا
٥ / ١١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لَا يُضَارَّ كَاتِبٌ فَيَكْتُبُ مَا لَمْ يُمْلَلْ، وَلَا شَهِيدٌ فَيَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ
٥ / ١١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا ⦗١١٣⦘ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لَا يُضَارَّ كَاتِبٌ فَيَكْتُبُ غَيْرَ الَّذِي أَمْلِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: وَالْكُتَّابُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، وَلَا يَدْرُونَ أَيَّ شَيْءٍ يَكْتُبُ، فَيُضَارُّ فَيَكْتُبُ غَيْرَ الَّذِي أَمْلِيَ عَلَيْهِ، فَيُبْطِلُ حَقَّهُمْ، قَالَ: وَالشَّهِيدُ: يُضَارُّ فَيُحَوِّلُ شَهَادَتَهُ، فَيُبْطِلُ حَقَّهُمْ» فَأَصْلُ الْكَلِمَةِ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ: وَلَا يُضَارِرْ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ وَحُرِّكَتْ إِلَى الْفَتْحِ وَمَوْضِعُهَا جَزْمٌ، لِأَنَّ الْفَتْحَ أَخَفُّ الْحَرَكَاتِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ تَأَوَّلَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ بِالِامْتِنَاعِ عَمَّنْ دَعَاهُمَا إِلَى أَدَاءِ مَا عِنْدَهُمَا مِنَ الْعِلْمِ أَوِ الشَّهَادَةِ
٥ / ١١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «أَنْ يُؤَدِّيَا مَا قِبَلَهُمَا»
٥ / ١١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لَا يُضَارَّ» أَنْ يُؤَدِّيَا مَا عِنْدَهُمَا مِنَ الْعِلْمِ “
٥ / ١١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿لَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا ⦗١١٤⦘ شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «أَنْ يُدْعُوهُمَا فَيَقُولَانِ: إِنَّ لَنَا حَاجَةً»
٥ / ١١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَا: «وَاجِبٌ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ» ﴿وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَا: «إِذَا كَانَ قَدْ شَهِدَا قَبْلَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يُضَارَّ الْمُسْتَكْتِبُ وَالْمُسْتَشْهِدُ الْكَاتِبَ وَالشَّهِيدَ، وَتَأْوِيلُ الْكَلِمَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ: وَلَا يُضَارَرْ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ
٥ / ١١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ: (وَلَا يُضَارَرْ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ)
٥ / ١١٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ: (وَلَا يُضَارَرْ) “
٥ / ١١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (وَلَا يُضَارَرْ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِهَا: «يَنْطَلِقُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فَيَدْعُو ⦗١١٥⦘ كَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ إِلَى أَنْ يَشْهَدَ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِي شُغِلٍ أَوْ حَاجَةٍ لِيُؤَثِّمَهُ إِنْ تَرَكَ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لِشُغْلِهِ وَحَاجَتِهِ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «لَا يَقُمْ عَنْ شُغْلِهِ وَحَاجَتِهِ، فَيَجِدُ فِي نَفْسِهِ أَوْ يُحْرَجُ»
٥ / ١١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَالضِّرَارُ: «أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ وَهُوَ عَنْهُ غَنِيٌّ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَأْتِيَ إِذَا دُعِيتَ، فَيُضَارَّهَ بِذَلِكَ وَهُوَ مُكْتَفٍ بِغَيْرِهِ. فَنَهَاهُ اللَّهُ عز وجل عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]»
٥ / ١١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «إِنَّهُ يَكُونُ لِلْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ حَاجَةٌ لَيْسَ مِنْهَا بُدٌّ، فَيَقُولُ: خَلُّوا سَبِيلَهُ»
٥ / ١١٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «يَكُونُ بِهِ الْعِلَّةُ، أَوْ يَكُونُ مَشْغُولًا. يَقُولُ: فَلَا يُضَارِّهِ»
٥ / ١١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «لَا يَأْتِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَاكْتُبْ لِي وَاشْهَدْ لِي، فَيَقُولُ: إِنَّ لِي حَاجَةً فَالْتَمِسْ غَيْرِي، ⦗١١٦⦘ فَيَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ أَنْ تَكْتُبَ لِي، فَهَذِهِ الْمُضَارَّةُ؛ وَيَقُولُ: دَعْهُ وَالْتَمِسْ غَيْرَهُ، وَالشَّاهِدُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ»
٥ / ١١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «يَدْعُو الرَّجُلُ الْكَاتِبَ أَوِ الشَّهِيدَ، فَيَقُولُ الْكَاتِبُ أَوِ الشَّاهِدُ: إِنَّ لَنَا حَاجَةً، فَيَقُولُ الَّذِي يُدْعُوهُمَا: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَكُمَا أَنْ تُجِيبَا فِي الْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل لَا يُضَارِّهِمَا»
٥ / ١١٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «هُوَ الرَّجُلُ يَدْعُو الْكَاتِبَ أَوِ الشَّاهِدَ وَهُمَا عَلَى حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ، فَيَقُولَانِ: إِنَّا عَلَى حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَاطْلُبْ غَيْرَنَا، فَيَقُولُ: اللَّهُ أَمَرَكُمَا أَنْ تُجِيبَا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَطْلُبَ غَيْرَهُمَا وَلَا يُضَارَّهُمَا، يَعْنِي لَا يَشْغَلُهُمَا عَنْ حَاجَتِهِمَا الْمُهِمَّةِ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُمَا»
٥ / ١١٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْتَرِضَ رَجُلًا لَهُ حَاجَةٌ فَتُضَارَّهُ فَتَقُولَ لَهُ: اكْتُبْ لِي، فَلَا تَتْرُكُهُ حَتَّى يَكْتُبَ لَكَ وَتَفُوتُهُ حَاجَتُهُ، وَلَا شَاهِدًا مِنْ شُهُودِكَ وَهُوَ مَشْغُولٌ، فَتَقُولُ: اذْهَبْ فَاشْهَدْ لِي تَحْبِسُهُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَأَنْتَ تَجِدُ غَيْرَهُ»
٥ / ١١٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] كَانَ أَحَدُهُمْ يَجِيءُ إِلَى الْكَاتِبِ فَيَقُولُ: اكْتُبْ لِي، فَيَقُولُ: إِنِّي مَشْغُولٌ أَوْ لِي حَاجَةٌ، فَانْطَلِقْ إِلَى غَيْرِي، فَيَلْزَمُهُ وَيَقُولُ: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ أَنْ تَكْتُبَ لِي، فَلَا يَدَعُهُ وَيُضَارُّهُ بِذَلِكَ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ، وَيَأْتِي الرَّجُلُ فَيَقُولُ: انْطَلِقْ مَعِي، فَيَقُولُ: اذْهَبْ إِلَى غَيْرِي فَإِنِّي مَشْغُولٌ أَوْ لِي حَاجَةٌ، فَيَلْزَمُهُ وَيَقُولُ: قَدْ أُمِرْتَ أَنْ تَتْبَعَنِي، فَيُضَارَّهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢]»
٥ / ١١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «إِنَّ لِي حَاجَةً فَدَعْنِي، فَيَقُولُ: اكْتُبْ لِي»، ﴿وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «كَذَلِكَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ، بِمَعْنَى: وَلَا يُضَارُّهُمَا مَنِ اسْتَكْتَبَ هَذَا أَوِ اسْتَشْهَدَ هَذَا بِأَنْ يَأْبَى عَلَى هَذَا إِلَّا أَنْ يَكْتُبَ لَهُ وَهُوَ مَشْغُولٌ بِأَمْرِ نَفْسِهِ، وَيَأْبَى عَلَى هَذَا إِلَّا أَنْ يُجِيبَ إِلَى الشَّهَادَةِ وَهُوَ غَيْرُ فَارِغٍ، عَلَى مَا قَالَهُ قَائِلُو ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنَ اللَّهِ عز وجل فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ مُبْتَدَئِهَا إِلَى انْقِضَائِهَا عَلَى وَجْهِ افْعَلُوا أَوْ لَا تَفْعَلُوا، إِنَّمَا هُوَ ⦗١١٨⦘ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْحُقُوقِ وَالْمَكْتُوبِ بَيْنَهُمُ الْكِتَابُ وَالْمَشْهُودِ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ بِالَّذِي تَدَايَنُوهُ بَيْنَهُمْ مِنَ الدُّيُونِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ فِيهَا لِغَيْرِهِمْ، فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلْغَائِبِ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُونَ فِيهَا مَخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَشْبَهُ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا عَلَى الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ، وَمَعَ ذَلِكَ إِنَّ الْكَاتِبَ وَالشَّهِيدَ لَوْ كَانَا هُمَا الْمَنْهِيَّيْنِ عَنِ الضِّرَارِ لَقِيلَ: وَإِنْ يَفْعَلَا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِهِمَا، لِأَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَإِنَّمَا غَيْرُ مَخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] بَلِ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ﴾ [البقرة: ٢٨٢] نَهْيٌ لِلْغَائِبِ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ، فَتَوْجِيهُ الْكَلَامِ إِلَى مَا كَانَ نَظِيرًا لِمَا فِي سِيَاقِ الْآيَةِ، أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى مَا كَانَ مُنْعَدِلًا عَنْهُ
٥ / ١١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَإِنْ تُضَارُّوا الْكَاتِبَ أَوِ الشَّاهِدَ وَمَا نُهِيتُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ، يَعْنِي: إِثْمٌ بِكُمْ وَمَعْصِيَةٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا
٥ / ١١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: «إِنْ تَفْعَلُوا غَيْرَ الَّذِي ⦗١١٩⦘ آمُرُكُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ»
٥ / ١١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «الْفُسُوقُ: الْمَعْصِيَةُ»
٥ / ١١٩
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «الْفُسُوقُ: الْعِصْيَانُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِنْ يُضَارَّ كَاتِبٌ فَيَكْتُبُ غَيْرَ الَّذِي أَمْلَى الْمُمْلِي، وَيُضَارَّ شَهِيدٌ فَيُحَوِّلُ شَهَادَتَهُ وَيُغَيِّرُهَا، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ، يَعْنِي فَإِنَّهُ كَذِبٌ
٥ / ١١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] «الْفُسُوقُ: الْكَذِبُ، قَالَ: هَذَا فُسُوقٌ؛ لِأَنَّهُ كَذَبَ الْكَاتِبُ فَحَوَّلَ كِتَابَهُ فَكَذَبَ، وَكَذَبَ الشَّاهِدُ فَحَوَّلَ شَهَادَتَهُ، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ كَذِبٌ» وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَا يُضَارَّهُمَا الْمُسْتَكْتِبُ وَالْمُسْتَشْهِدُ، بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، فَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارُ مَنْ يُضَارُّهُمَا بِحُكْمِهِ فِيهِمَا، وَأَنَّ مَنْ يُضَارُّهُمَا فَقَدْ ⦗١٢٠⦘ عَصَى رَبَّهُ وَأَثِمَ بِهِ، وَرَكِبَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَخَرَجَ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ
٥ / ١١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٨٩] وَخَافُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُتَدَايِنُونَ فِي الْكِتَابِ وَالشُّهُودِ أَنْ تُضَارُّوهُمْ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ أَنْ تُضَيِّعُوهُ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَيُبَيِّنُ لَكُمُ الْوَاجِبَ لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ، فَاعْمَلُوا بِهِ ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَغَيْرِهَا، يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ لِيُجَازِيَكُمْ بِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ١٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: «هَذَا تَعْلِيمٌ عَلَمَّكُمُوهُ فَخُذُوا بِهِ»
٥ / ١٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ الْقُرَّاءُ فِي الْأَمْصَارِ جَمِيعًا ﴿كَاتِبًا﴾ [البقرة: ٢٨٣]، بِمَعْنَى: وَلَمْ تَجِدُوا مَنْ يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابَ الدَّيْنِ الَّذِي تَدَايَنْتُمُوهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ: «وَلَمْ تَجِدُوا كِتَابًا» بِمَعْنَى: وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ إِلَى
٥ / ١٢٠
اكْتِتَابِ كِتَابِ الدَّيْنِ سَبِيلٌ، إِمَّا بِتَعَذُّرِ الدَّوَاةِ وَالصَّحِيفَةِ، وَإِمَّا بِتَعَذُّرِ الْكَاتِبِ وَإِنْ وَجَدْتُمُ الدَّوَاةَ وَالصَّحِيفَةَ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا عِنْدَنَا هِيَ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ: ﴿وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] بِمَعْنَى: مَنْ يَكْتُبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُتَدَايِنُونَ فِي سَفَرٍ بِحَيْثُ لَا تَجِدُونَ كَاتِبًا يَكْتُبُ لَكُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ إِلَى اكْتِتَابِ كِتَابِ الدَّيْنِ الَّذِي تَدَايَنْتُمُوهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى بَيْنَكُمُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِاكْتِتَابِهِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، فَارْتَهِنُوا بِدِيُونِكُمُ الَّتِي تَدَايَنْتُمُوهَا إِلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى رُهُونًا تَقْبِضُونَهَا مِمَّنْ تُدَايِنُونَهُ كَذَلِكَ لِيَكُونَ ثِقَةً لَكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ
٥ / ١٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ) «فَمَنْ كَانَ عَلَى سَفَرٍ فَبَايَعَ بَيْعًا إِلَى أَجَلٍ فَلَمْ يَجِدْ كَاتِبًا فَرُخِّصَ لَهُ فِي الرِّهَانِ الْمَقْبُوضَةِ، وَلَيْسَ لَهُ إِنْ وَجَدَ كَاتِبًا أَنْ يَرْتَهِنَ»
٥ / ١٢١
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا﴾ [البقرة: ٢٨٣] يَقُولُ: «كَاتِبًا يَكْتُبُ لَكُمْ، ﴿فَرِهَانٌ ⦗١٢٢⦘ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣]»
٥ / ١٢١
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «مَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ إِلَى أَجَلٍ، فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُكْتَبَ وَيُشْهَدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْمَقَامِ، فَإِنْ كَانَ قَوْمٌ عَلَى سَفَرٍ تَبَايَعُوا إِلَى أَجَلٍ فَلَمْ يَجِدُوا كَاتِبًا، فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ»
٥ / ١٢٢
ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا كِتَابًا» يَعْنِي بِالْكِتَابِ: الْكَاتِبَ وَالصَّحِيفَةَ وَالدَّوَاةَ وَالْقَلَمَ “
٥ / ١٢٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا كِتَابًا»، قَالَ: «رُبَّمَا وَجَدَ الرَّجُلُ الصَّحِيفَةَ وَلَمْ يَجِدْ كَاتِبًا»
٥ / ١٢٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، كَانَ يَقْرَؤُهَا: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا كِتَابًا» وَيَقُولُ: «رُبَّمَا وُجِدَ الْكَاتِبُ وَلَمْ تُوجَدِ الصَّحِيفَةُ أَوِ الْمِدَادُ، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ»
٥ / ١٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗١٢٣⦘ مُجَاهِدٍ: «وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كِتَابًا» يَقُولُ: «مِدَادًا، يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِدَادًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ الرُّهُونُ الْمَقْبُوضَةُ، ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] قَالَ: لَا يَكُونُ الرَّهْنُ إِلَّا فِي السَّفَرِ»
٥ / ١٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، قَالَ: إِنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ كَانَ يَقْرَؤُهَا: «فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا كِتَابًا» قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: «تُوجَدُ الدَّوَاةُ وَلَا تُوجَدُ الصَّحِيفَةُ» وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] بِمَعْنَى جِمَاعِ رَهْنٍ، كَمَا الْكِبَاشِ جِمَاعُ كَبْشٍ، وَالْبِغَالُ جِمَاعُ بَغْلٍ، وَالنِّعَالُ جِمَاعُ نَعْلٍ، وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ: (فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ) عَلَى مَعْنَى جَمْعِ رِهَانٍ وَرُهْنٍ جَمْعَ الْجَمْعِ، وَقَدْ وَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا جَمْعَ رَهْنٍ مِثْلَ سَقْفٍ وَسُقُفٍ، وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: (فَرُهْنٌ) مُخَفَّفَةَ الْهَاءِ، عَلَى مَعْنَى جِمَاعِ رَهْنٍ، كَمَا تَجْمَعُ السَّقْفَ سُقْفًا؛ قَالُوا: وَلَا نَعْلَمُ اسْمًا عَلَى فَعْلٍ يُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ وَفُعْلٍ إِلَّا الرُّهُنَ وَالرُّهْنَ وَالسُّقُفَ وَالسُّقْفَ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَمْعَ الْمَعْرُوفَ لِمَا كَانَ مِنَ اسْمٍ عَلَى فَعْلٍ، كَمَا يُقَالُ حَبْلٌ وَحِبَالٌ، وَكَعْبٌ
٥ / ١٢٣
وَكِعَابٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ، فَأَمَّا جَمْعُ الْفِعْلِ عَلَى الْفُعْلِ أَوِ الْفُعُلِ فَشَاذٌّ قَلِيلٌ إِنَّمَا جَاءَ فِي أَحْرُفٍ يَسِيرَةَ، وَقِيلَ: سَقْفٌ وَسُقُفٌ وَسُقْفٌ، وَقَلْبٌ وَقُلْبٌ وَقُلُبٌ مِنْ قُلُبِ النَّخْلِ، وَجَدٌّ وَجُدٌّ، لِلْجَدِّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْحَظِّ، وَأَمَّا مَا جَاءَ مِنْ جَمْعِ «فَعْلٍ» عَلَى فُعْلٍ فَثَطٌّ وَثُطٌّ، وَوَرْدٌ وَوُرْدٌ، وَخَوْدٌ وَخُودٌ، وَإِنَّمَا دَعَا الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ: (فَرُهْنٌ مَقْبُوضَةٌ) إِلَى قِرَاءَتِهِ فِيمَا أَظُنُّ كَذَلِكَ مَعَ شُذُوذِهِ فِي جَمْعِ فَعْلٍ، أَنَّهُ وَجَدَ الرِّهَانَ مُسْتَعْمَلَةً فِي رِهَانِ الْخَيْلِ، فَأَحَبَّ صَرْفَ ذَلِكَ عَنِ اللَّفْظِ الْمُلْتَبِسِ بِرِهَانِ الْخَيْلِ، الَّذِي هُوَ بِغَيْرِ مَعْنَى الرِّهَانِ، الَّذِي هُوَ جَمْعُ رَهْنٍ، وَوَجَدَ الرُّهُنَ مَقُولًا فِي جَمْعِ رَهْنٍ، كَمَا قَالَ قَعْنَبٌ:
[البحر البسيط]
بَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى دُونَهَا عَدَنُ … وَغَلِقَتْ عِنْدَهَا مِنْ قَلْبِكَ الرُّهُنُ
٥ / ١٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: فَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ أَمِينًا عِنْدَ رَبِّ الْمَالِ وَالدَّيْنِ فَلَمْ يَرْتَهِنْ مِنْهُ فِي سَفَرِهِ رَهْنًا بِدَيْنِهِ لِأَمَانَتِهِ عِنْدَهُ عَلَى مَالِهِ وَثِقَتِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ الْمَدِينُ رَبَّهُ، يَقُولُ: فَلْيَخَفِ اللَّهَ رَبَّهُ فِي الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ صَاحِبِهِ أَنْ يَجْحَدَهُ، أَوْ يُلِطَّ دُونَهُ، أَوْ يُحَاوِلَ الذَّهَابَ بِهِ، فَيَتَعَرَّضَ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ مَا لَا قَبَلَ لَهُ بِهِ، وَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ إِلَيْهِ. ⦗١٢٥⦘ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ: هَذَا الْحُكْمَ مِنَ اللَّهِ عز وجل نَاسِخٌ الْأَحْكَامَ الَّتِي فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عز وجل بِالشُّهُودِ وَالْكِتَابِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٥ / ١٢٤
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] «إِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَأَمَّا الْحَضَرُ فَلَا وَهُوَ وَاجِدٌ كَاتِبًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ وَلَا يَأْمَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الضَّحَّاكُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ ائْتِمَانُ الْمَدِينِ وَهُوَ وَاجِدٌ إِلَى الْكَاتِبِ وَالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ سَبِيلًا وَإِنْ كَانَا فِي سَفَرٍ، فَكَمَا قَالَ لِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ مِنَ الْأَمْرِ فِي الرَّهْنِ أَيْضًا كَذَلِكَ مِثْلُ الِائْتِمَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْحَقِّ الِارْتِهَانُ بِمَالِهِ إِذَا وَجَدَ إِلَى الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ سَبِيلًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ اشْتَرَى طَعَامًا نِسَاءً، وَرَهَنَ بِهِ دِرْعًا لَهُ، فَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ بِمَا عَلَيْهِ، وَيَرْتَهِنَ بِمَالِهِ مِنْ حَقٍّ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ؛ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ حِينَ رَهَنَ مِنْ ذَكَرْنَا غَيْرَ وَاجِدٍ كَاتِبًا وَلَا شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَذَّرًا عَلَيْهِ بِمَدِينَتِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْكَاتِبُ وَالشَّاهِدُ غَيْرَ أَنَّهُمَا إِذَا تَبَايَعَا بِرَهْنٍ، فَالْوَاجِبُ
٥ / ١٢٥
عَلَيْهِمَا إِذَا وَجَدَا سَبِيلًا إِلَى كَاتِبٍ وَشَهِيدٍ، وَكَانَ الْبَيْعُ أَوِ الدَّيْنُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَنْ يَكْتُبَا ذَلِكَ وَيُشْهِدَا عَلَى الْمَالِ وَالرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَرْكُ الْكَاتِبِ وَالْإِشْهَادِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ
٥ / ١٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةُ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] وَهَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل لِلشُّهُودِ الَّذِينَ أَمَرَ الْمُسْتَدِينَ وَرَبَّ الْمَالِ بِإِشْهَادِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا، وَلَا تَكْتُمُوا أَيُّهَا الشُّهُودُ بَعْدَ مَا شَهِدْتُمْ شَهَادَتَكُمْ عِنْدَ الْحُكَّامِ، كَمَا شَهِدْتُمْ عَلَى مَا شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَجِيبُوا مَنْ شَهِدْتُمْ لَهُ إِذَا دَعَاكُمْ لِإِقَامَةِ شَهَادَتِكُمْ عَلَى خَصْمِهِ عَلَى حَقِّهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الَّذِي يَأْخُذُ لَهُ بِحَقِّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ الشَّاهِدَ جَلَّ ثناؤُهُ مَا عَلَيْهِ فِي كِتْمَانِ شَهَادَتِهِ وَإِبَائِهِ مِنْ أَدَائِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا عِنْدَ حَاجَةِ الْمُسْتَشْهِدِ إِلَى قِيَامِهِ بِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ ذِي سُلْطَانٍ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا﴾ [البقرة: ٢٨٣] يَعْنِي وَمَنْ يَكْتُمْ شَهَادَتَهُ، ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] يَقُولُ: فَاجِرٌ قَلْبُهُ، مُكْتَسِبٍ بِكِتْمَانِهِ إِيَّاهَا مَعْصِيَةَ اللَّهِ
٥ / ١٢٦
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] «فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْتُمَ شَهَادَةً هِيَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى نَفْسِهِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَقَدْ رَكِبَ إِثْمًا عَظِيمًا»
٥ / ١٢٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] يَقُولُ: «فَاجِرٌ قَلْبُهُ»
٥ / ١٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: ٧٢]، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]» وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ حَيْثُمَا اسْتُشْهِدَ وَيُخْبِرَ بِهَا حَيْثُ اسْتُخْبِرَ
٥ / ١٢٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا كَانَتْ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ فَسَأَلَكَ عَنْهَا، فَأَخْبِرْهُ بِهَا، وَلَا تَقُلْ: أُخْبِرُ بِهَا عِنْدَ الْأَمِيرِ، أَخْبِرْهُ بِهَا لَعَلَّهُ يُرَاجِعُ أَوْ يَرْعَوِي وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِمَا تَعْمَلُونَ فِي شَهَادَتِكُمْ مِنْ إِقَامَتِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا أَوْ كِتْمَانِكُمْ إِيَّاهَا عِنْدَ حَاجَةِ مَنِ اسْتَشْهَدَكُمْ إِلَيْهَا، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَرَائِرِ أَعْمَالِكُمْ وَعَلَانِيَتِهَا، ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] يُحْصِيهِ عَلَيْكُمْ لِيَجْزِيَكُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ جَزَاءَكُمْ، إِمَّا خَيْرًا، وَإِمَّا شَرًّا عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِكُمْ»
٥ / ١٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ لِلَّهِ مُلْكُ كُلِّ مَا
٥ / ١٢٧
فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَإِلَيْهِ تَدْبِيرُ جَمِيعِهِ، وَبِيَدِهِ صَرْفُهُ وَتَقْلِيبُهُ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُدَبِّرُهُ وَمَالِكُهُ وَمُصَرِّفُهُ، وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ كِتْمَانَ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ، يَقُولُ: لَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ أَيُّهَا الشُّهُودُ، وَمَنْ يَكْتُمْهَا يَفْجُرْ قَلْبُهُ، وَلَنْ يَخْفَى عَلَيَّ كِتْمَانُهُ، وَذَلِكَ لِأَنِّي بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَبِيَدِي صَرْفُ كُلِّ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُلْكُهُ، أَعْلَمُهُ خَفِيَّ ذَلِكَ وَجَلِيَّهُ، فَاتَّقُوا عِقَابِي إِيَّاكُمْ عَلَى كِتْمَانِكُمُ الشَّهَادَةَ. وَعِيدًا مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ مَنْ كَتَمَهَا وَتَخْوِيفًا مِنْهُ لَهُ بِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَمَّا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ وَبِمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِمَّنِ انْطَوَى كُشْحًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَأَضْمَرَهَا، أَوْ أَظْهَرَ مُوبِقَةً فَأَبْدَاهَا مِنْ نَفْسِهِ مِنَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهَا، فَقَالَ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ: وَإِنْ تُظْهِرُوا فِيمَا عِنْدَكُمْ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى حَقِّ رَبِّ الْمَالِ الْجُحُودَ وَالْإِنْكَارَ، أَوْ تُخْفُوا ذَلِكَ فَتُضْمِرُوهُ فِي أَنْفُسِكُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سَيِّئِ أَعْمَالِكُمْ، ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَعْنِي بِذَلِكَ: يَحْتَسِبُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ أَعْمَالِهِ، فَيُجَازِي مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسِيئِينَ بِسُوءِ عَمَلِهِ، وَغَافِرٌ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسِيئِينَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الشُّهُودَ فِي كِتْمَانِهِمُ الشَّهَادَةَ، وَأَنَّهُ لَاحِقٌ بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِمَّنْ أَضْمَرَ مَعْصِيَةً أَوْ أَبْدَاهَا
٥ / ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَةَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو نُفَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ: «يَعْنِي فِي الشَّهَادَةِ»
٥ / ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «فِي الشَّهَادَةِ»
٥ / ١٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: سُئِلَ دَاوُدُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فَحَدَّثَنَا عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «هِيَ الشَّهَادَةُ إِذَا كَتَمْتَهَا»
٥ / ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «فِي الشَّهَادَةِ»
٥ / ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «فِي الشَّهَادَةِ»
٥ / ١٢٩
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَإِقَامَتِهَا»
٥ / ١٣٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] «يَعْنِي كِتْمَانَ الشَّهَادَةِ وَإِقَامَتَهَا عَلَى وَجْهِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى عِبَادَهُ أَنَّهُ مُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسِبَتْهُ أَيْدِيهِمْ وَحَدَّثَتْهُمْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]
٥ / ١٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نُحَدِّثُ بِهِ أَنْفُسَنَا؟ هَلَكْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ أَبِي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ» ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ أَبِي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل: نَعَمْ»
٥ / ١٣٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثنا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، مَوْلَى خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْهَا مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا» قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ عز وجل الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: فَقَرَأَ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: فَقَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ» ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ» ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ» ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ»
٥ / ١٣١
حَدَّثَنِي أَبُو الرَّدَّادٍ الْمِصْرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ: ثنا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، يَقُولُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ، قَالَ: جِئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ
٥ / ١٣١
: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَئِنْ أُخِذْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ لَنُهْلَكَنَّ ثُمَّ بَكَى ابْنُ عُمَرَ حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي جِئْتُ ابْنَ عُمَرَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أُخِذْنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ لَنُهْلَكَنَّ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَقَدْ فَرِقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْهَا كَمَا فَرِقَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَنَسَخَ اللَّهُ الْوَسْوَسَةَ، وَأَثْبَتَ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ
٥ / ١٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ الْآيَةَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ أَخَذَنَا اللَّهُ بِهَذَا لَنُهْلَكَنَّ، ثُمَّ بَكَى ابْنُ عُمَرَ حَتَّى سُمِعَ نَشِيجُهُ، فَقَالَ ابْنُ مَرْجَانَةَ: فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا تَلَا ابْنُ عُمَرَ، وَمَا فَعَلَ حِينَ تَلَاهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَعَمْرِي لَقَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا حِينَ أُنْزِلَتْ مِثْلَ مَا وَجَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَتْ هَذِهِ الْوَسْوَسَةُ مِمَّا لَا طَاقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهَا، وَصَارَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ قَضَى اللَّهُ عز وجل أَنَّ لِلنَّفْسِ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ “
٥ / ١٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: قَرَأَهَا ابْنُ عُمَرَ، فَبَكَى وَقَالَ: إِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نُحَدِّثُ بِهِ أَنْفُسِنَا، فَبَكَى حَتَّى سُمِعَ نَشِيجُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ عُمَرَ لَقَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ نَحْوًا مِمَّا وَجَدَ، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]»
٥ / ١٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الْآيَةَ، فَبَكَى، فَدَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَضَحِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عُمَرَ، أَوَمَا يَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ؟ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ أُنْزِلَتْ غَمَّتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَمًّا شَدِيدًا، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»، فَنَسَخَتْهَا: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَتَجَوَّزَ لَهُمْ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَأُخِذُوا بِالْأَعْمَالِ»
٥ / ١٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ أَبَاهُ، قَرَأَ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فَدَمَعَتْ عَيْنُهُ. فَبَلَغَ صَنِيعُهُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «يَرْحَمُ ⦗١٣٤⦘ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَقَدْ صَنَعَ كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ أُنْزِلَتْ، فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]»
٥ / ١٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]»
٥ / ١٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالُوا: «أَنُؤَاخَذُ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْفُسَنَا وَلَمْ تَعْمَلْ بِهِ جَوَارِحُنَا؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: وَيَقُولُ: «قَدْ فَعَلْتُ»، قَالَ: فَأُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَمْ تُعْطَهَا الْأُمَمُ قَبْلَهَا»
٥ / ١٣٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَامِرٍ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ ⦗١٣٥⦘ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ بَعْدَهَا قَوْلُهُ»: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]
٥ / ١٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا»: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «يُحَاسَبَ بِمَا أَبْدَى مِنْ سِرٍّ أَوْ أَخْفَى مِنْ سِرٍّ، فَنَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدَهَا»
٥ / ١٣٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: “لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «فَكَانَ فِيهَا شِدَّةٌ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا»: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «فَنَسَخَتْ مَا كَانَ قَبْلَهَا»
٥ / ١٣٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ الشَّعْبِيِّ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] حَتَّى بَلَغَ: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «إِلَى هَذَا صَارَ، رَجَعْتُ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٥ / ١٣٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ»: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «فَلَمَّا ⦗١٣٦⦘ نَزَلَتْ نَسَخَتِ الْآيَةَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَذْكُرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، نَحْوَهُ
٥ / ١٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «نَسَخَتْ ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤]، ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]»
٥ / ١٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَسُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالُوا: «نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسَكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الْآيَةَ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَامِرٍ، بِمِثْلِهِ
٥ / ١٣٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «مَحَتْهَا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ⦗١٣٧⦘ اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]»
٥ / ١٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] الْآيَةَ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤]»
٥ / ١٣٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]»
٥ / ١٣٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، اشْتَدَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَشَقَّتْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ وَقَعَ فِي أَنْفُسِنَا شَيْءٌ لَمْ نَعْمَلْ بِهِ وَأَخَذَنَا اللَّهُ بِهِ؟ قَالَ:»فَلَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا «، قَالُوا: بَلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ يُفَرِّجُهَا عَنْهُمْ»: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكِتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «فَصَيَّرَهُ إِلَى الْأَعْمَالِ، وَتَرَكَ مَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ»
٥ / ١٣٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا»: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]
٥ / ١٣٨
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَانُوا يُؤَاخَذُونَ بِمَا وَسْوَسَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ وَمَا عَمِلُوا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: إِنْ عَمِلَ أَحَدُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ أُخِذْنَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا نَمْلِكُ الْوَسْوَسَةَ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ»: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «فَكَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ مِمَّا لَمْ تُطِيقُوا»
٥ / ١٣٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها قَالَتْ: «نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦]» وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ: الْإِعْلَامُ مِنَ اللَّهِ عز وجل عِبَادَهُ أَنَّهُ مُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبَتْهُ أَيْدِيهِمْ وَعَمِلَتْهُ جَوارِحُهُمْ، وَبِمَا حَدَّثَتْهُمْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ، هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَاللَّهُ عز وجل مُحَاسِبٌ خَلْقَهُ عَلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ وَعَلَى مَا لَمْ يَعْمَلُوهْ مِمَّا أَصَرُّوهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَنَوَوْهُ وَأَرَادُوهُ، فَيَغْفِرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤَاخِذُ بِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ
٥ / ١٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] ” فَإِنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا جَمَعَ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: «إِنِّي أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَخْفَيْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِمَّا لَمْ تَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلَائِكَتِي، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيُخْبِرُهُمْ وَيَغْفِرُ لَهُمْ مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ»: ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ: «يُخْبِرُكُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا أَخْفَوْا مِنَ التَّكْذِيبِ، وَهُوَ قَوْلُهُ»: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] «مِنَ الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ»
٥ / ١٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] «فَذَلِكَ سِرُّ عَمَلِكُمْ وَعَلَانِيَتُهُ، يُحَاسِبُكُمْ بِهِ اللَّهُ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُسِرُّ فِي نَفْسِهِ خَيْرًا لَيَعْمَلَ بِهِ، فَإِنْ عَمِلَ بِهِ كُتِبَتْ لَهُ بِهِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُقْدَرْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ كُتِبَتْ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَاللَّهُ يَرْضَى سِرَّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَانِيَتَهُمْ، وَإِنْ كَانَ سُوءًا حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ بِهِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ لَمْ يُؤَاخِذْهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى يَعْمَلَ بِهِ، فَإِنْ هُوَ عَمِلَ بِهِ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ [الأحقاف: ١٦]»
٥ / ١٣٩
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الْآيَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّ كُتَّابِي لَمْ يَكْتُبُوا مِنْ أَعْمَالِكُمْ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، فَأَمَّا مَا أَسْرَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ فَأَنَا أُحَاسِبُكُمْ بِهِ الْيَوْمَ، فَأَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتُ، وَأُعَذِّبُ مَنْ شِئْتُ»
٥ / ١٤٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَيَانٌ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: «إِنَّمَا كَانَ كُتَّابِي يَكْتُبُونَ عَلَيْكُمْ مَا ظَهَرَ مِنْكُمْ، فَأَمَّا مَا أَسْرَرْتُمْ فَلَمْ يَكُونُوا يُكْتُبُونَهُ، وَلَا يَعْلَمُونَهُ، أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْكُمْ، فَأَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتُ، وَأُعَذِّبُ مَنْ شِئْتُ»
٥ / ١٤٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «إِذَا دُعِيَ النَّاسُ لِلْحِسَابِ، أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يُسِرُّونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ، فَيَقُولُ: إِنَّهُ كَانَ لَا يَعْزُبُ عَنِي شَيْءٌ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تُسِرُّونَ مِنَ السُّوءِ، وَلَمْ تَكُنْ حَفَظَتُكُمْ عَلَيْكُمْ مُطَّلِعِينَ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الْمُحَاسَبَةُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ
٥ / ١٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ»، يَقُولُ: «يُحَاسِبُكُمْ بِهِ اللَّهُ، يَقُولُ: يُعَرِّفُهُ اللَّهُ ⦗١٤١⦘ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ أَخْفَيْتَ فِي صَدْرِكَ كَذَا وَكَذَا لَا يُؤَاخِذُهُ»
٥ / ١٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «هِيَ مُحْكَمَةٌ لَمْ تُنْسَخْ»
٥ / ١٤١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: «مِنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ»
٥ / ١٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ: «فِي الْيَقِينِ وَالشَّكِّ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ فَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤] مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَتُظْهِرُوهُ بَأَبْدَانِكُمْ وَجَوَارِحِكُمْ، أَوْ تُخْفُوهُ فَتُسِرُّوهُ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِي، أُحَاسِبُكُمْ بِهِ، فَأَغْفِرُ كُلَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأُعَذِّبُ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ فِي دِينِي. ⦗١٤٢⦘ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الضَّحَّاكُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْهُ، وَعَلَى مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهَا: إِنْ تُظْهِرُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَتَعْمَلُوهُ مِنَ الْمَعَاصِي، أَوْ تُضْمِرُوا إِرَادَتَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَتُخْفُوهُ، يُعْلِمُكُمْ بِهِ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ. وَأَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَشَبِيهٌ مَعْنَاهُ بِمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ وَوَافَقُوا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَعْلَمَ عِبَادَهُ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ فِيمَا أَبَدَوْا وَأَخْفَوْا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ مُحَاسِبٌ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِجَمِيعِ مَا أَبَدَوْا مِنْ سَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ، وَجَمِيعِ مَا أَسَرُّوهُ، وَمُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ عُقُوبَتَهُ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا أَخْفَوْهُ مِمَّا لَمْ يَعْمَلُوهُ مَا يَحْدُثُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَصَائِبِ، وَالْأُمُورِ الَّتِي يَحْزَنُونَ عَلَيْهَا وَيَأْلَمُونَ مِنْهَا
٥ / ١٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَقُولُ: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْهَمِّ وَالْحُزْنِ مِثْلَ الَّذِي هَمَّ بِهِ مِنَ السَّيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَكَانَتْ كَفَّارَتَهُ»
٥ / ١٤٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: «كُلُّ عَبْدٍ يَهِمُّ بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ يُحَدِّثُ بِهَا نَفْسَهُ، حَاسَبَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، يَخَافُ وَيَحْزَنُ وَيَهْتَمُّ»
٥ / ١٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ فِي ذَلِكَ: «كُلُّ عَبْدٍ هَمَّ بِسُوءٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِهِ، حَاسَبَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، يَخَافُ وَيَحْزَنُ وَيَشْتَدُّ هَمُّهُ، لَا يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، كَمَا هَمَّ بِالسُّوءِ وَلَمْ يَعْمَلْ مِنْهُ شَيْئًا»
٥ / ١٤٣
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] وَ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ﴾ [النساء: ١٢٣] بِهِ فَقَالَتْ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُذْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، هَذِهِ مُتَابَعَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ وَالشَّوْكَةِ، حَتَّى الْبِضَاعَةِ يَضَعُهَا فِي كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا، فَيَجِدُهَا فِي ضِبْنِهِ حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ مِنَ الْكِيرِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مُحْكَمَةٌ ⦗١٤٤⦘ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ فِي حُكْمٍ إِلَّا يَنْفِيهِ بِآخَرَ لَهُ نَافٍ مِنْ كُلِّ وُجُوهِهِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] نَفْي الْحُكْمِ الَّذِي أَعْلَمَ عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] لِأَنَّ الْمُحَاسَبَةَ لَيْسَتْ بِمُوجِبَةٍ عُقُوبَةً، وَلَا مُؤَاخَذَةً بِمَا حُوسِبَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عَنِ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُمْ حِينَ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ كُتُبُ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُونَ: ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ كُتُبَهُمُ مُحْصِيَةٌ عَلَيْهِمْ صَغَائِرَ أَعْمَالِهِمْ وَكَبَائِرَهَا، فَلَمْ تَكُنِ الْكُتُبُ وَإِنْ أحْصَتْ صَغَائِرِ الذُّنُوبِ وَكَبَائِرَهَا بِمُوجِبَ إِحْصَاؤُهَا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ لَهُ، أَنْ يَكُونُوا بِكُلِّ مَا أَحْصَتْهُ الْكُتُبُ مِنَ الذُّنُوبِ مُعَاقَبِينَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل وَعَدَّهُمُ الْعَفْوَ عَنِ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِهِمُ الْكَبَائِرَ، فَقَالَ فِي تَنْزِيلِهِ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: ٣١]، فَدُلَّ أَنَّ مُحَاسَبَةَ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا هُوَ مُحَاسِبُهُمْ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَخْفَتْهَا أَنْفُسُهُمْ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُمْ مِنْهُ عُقُوبَةً، بَلْ مُحَاسَبَتُهُ إِيَّاهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِيُعَرِّفُهُمْ تَفَضُّلَهُ عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا كَمَا بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْخَبَرِ الَّذِي:
٥ / ١٤٣
حَدَّثَنِي بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يُدْنِي اللَّهُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِسَيِّئَاتِهِ يَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا الْيَوْمَ، ثُمَّ يُظْهِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ، فَيَقُولُ: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ أَوْ كَمَا قَالَ: وَأَمَّا الْكَافِرُ، فَإِنَّهُ يُنَادِي بِهِ عَلَى ⦗١٤٥⦘ رُءُوسِ الْأَشْهَادِ»
٥ / ١٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَهِشَامٍ، وَحَدَّثني يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، قَالَا جَمِيعًا فِي حَدِيثِهِمَا، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ:»يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ كَذَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ «، قَالَ:»فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ أَوْ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونِ، فَيُنَادِي بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ” إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ تَعْرِيفِهِ إِيَّاهُ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِهِ حَتَّى يُعَرِّفَهُ تَفَضُّلَهُ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ لَهُ عَنْهَا، فَكَذَلِكَ فِعْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي مُحَاسَبَتِهِ إِيَّاهُ بِمَا أَبْدَاهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَبِمَا أَخْفَاهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَغْفِرُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ بَعْدَ ⦗١٤٦⦘ تَعْرِيفِهِ تَفَضُّلَهُ وَتَكَرُّمَهُ عَلَيْهِ، فَيَسْتُرُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَغْفِرَةُ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ غَيْرُ مُؤَاخَذِينَ إِلَّا بِمَا كَسَبَتْهُ أَنْفُسُهُمْ مِنْ ذَنْبٍ، وَلَا مُثَابِينَ إِلَّا بِمَا كَسَبَتْهُ مِنْ خَيْرٍ، قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَغَيْرُ مُؤَاخَذٍ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِفِعْلِ مَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِهِ، أَوْ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ. فَإِنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا مَعْنَى وَعِيدِ اللَّهِ عز وجل إِيَّانَا عَلَى مَا أَخْفَتْهُ أَنْفُسُنَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] إِنْ كَانَ ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَمَا أَضْمَرَتْهُ قُلُوبُنَا وَأَخْفَتْهُ أَنْفُسُنَا مِنْ هَمٍّ بِذَنْبٍ، أَوْ إِرَادَةٍ لِمَعْصِيَةٍ، لَمْ تَكْتَسِبْهُ جَوَارِحُنَا؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثناؤُهُ قَدْ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ لَهُمْ عَمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا هَمَّ بِهِ أَحَدُهُمْ مِنَ الْمَعَاصِي فَلَمْ يَفْعَلْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهُمُ الْعَفْوَ عَنْ صَغَائِرِ ذُنُوبِهِمْ إِذَا هُمُ اجْتَنِبُوا كَبَائِرَهَا، وَإِنَّمَا الْوَعِيدُ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] عَلَى مَا أَخْفَتْهُ نُفُوسُ الَّذِينَ كَانَتْ أَنْفُسُهُمْ تُخْفِي الشَّكَّ فِي اللَّهِ، وَالْمِرْيَةَ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ، أَوْ فِي نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ فِي الْمَعَادِ وَالْبَعْثِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِمَا أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] عَلَى الشَّكِّ وَالْيَقِينِ. غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الْمُتَوَعَّدَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] هُوَ مَنْ كَانَ إِخْفَاءُ نَفْسِهِ مَا تُخْفِيهِ الشَّكَّ وَالْمِرْيَةَ فِي اللَّهِ، وَفِيمَا يَكُونُ الشَّكُّ فِيهِ بِاللَّهِ كُفْرًا، وَالْمَوْعُودُ الْغُفْرَانَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] هُوَ الَّذِي أَخْفَى، وَمَا يُخْفِيهِ الْهَمَّةُ ⦗١٤٧⦘ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى بَعْضِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ جَائِزًا ابْتِدَاءُ تَحْلِيلِهِ وَإِبَاحَتِهِ، فَحَرَّمَهُ عَلَى خَلْقِهِ جَلَّ ثناؤُهُ، أَوْ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِفِعْلِهِ مِمَّا كَانَ جَائِزًا ابْتِدَاءً إِبَاحَةُ تَرْكِهِ، فَأَوْجَبَ فِعْلَهُ عَلَى خَلْقِهِ، فَإِنَّ الَّذِي يَهِمُّ بِذَلِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا هُوَ لَمْ يُصَحِّحْ هَمَّهُ بِمَا يَهِمَّ بِهِ، وَيُحَقِّقْ مَا أَخْفَتْهُ نَفْسُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالتَّقُّدُّمِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَأْخُوذًا كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ» فَهَذَا الَّذِي وَصَفْنَا هُوَ الَّذِي يُحَاسِبُ اللَّهُ بِهِ مُؤْمِنِي عِبَادِهِ ثُمَّ لَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ. فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَا أَخْفَتْهُ نَفْسُهُ شَكًّا فِي اللَّهُ وَارْتِيَابًا فِي نُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ، فَذَلِكَ هُوَ الْهَالِكُ الْمُخَلَّدُ فِي النَّارِ، الَّذِي أَوْعَدَهُ جَلَّ ثناؤُهُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٤] أَيُّهَا النَّاسُ، فَتُظْهِرُوهُ ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فَتَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسُكُمْ، ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] فَيُعَرِّفُ مُؤْمِنَكُمْ تَفَضَّلَهُ بِعَفْوِهِ عَنْهُ، وَمَغْفِرَتَهُ لَهُ، فَيَغْفِرُهُ لَهُ، وَيُعَذِّبُ مُنَافِقَكُمْ عَلَى الشَّكِّ الَّذِي انْطَوَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهِ وَنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ
٥ / ١٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَاللَّهُ عز وجل عَلَى الْعَفْوِ عَمَّا أَخْفَتْهُ نَفْسُ هَذَا الْمُؤْمِنِ مِنَ الْهَمَّةِ بِالْخَطِيئَةِ وَعَلَى عِقَابِ هَذَا الْكَافِرِ عَلَى مَا أَخْفَتْهُ نَفْسُهُ مِنَ الشَّكِّ فِي تَوْحِيدِ ⦗١٤٨⦘ اللَّهِ عز وجل، وَنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ، وَمُجَازَاةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كُلِّ مَا كَانَ مِنْهُ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ قَادِرٌ
٥ / ١٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكِتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: صَدَّقَ الرَّسُولُ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَقَرَّ ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] يَعْنِي بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَأَمْرٍ وَنَهْي، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي حَوَاهَا
٥ / ١٤٨
وَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْهِ قَالَ: «يَحِقُّ لَهُ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ: «وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ» وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٨٤] لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، شَقَّ عَلَيْهِمْ مَا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مُحَاسَبَتِهِمْ عَلَى مَا أَخْفَتْهُ نُفُوسُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ» فَقَالُوا: بَلْ نَقُولُ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ لِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ ⦗١٤٩⦘: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكِتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] يَقُولُ: وَصَدَّقَ الْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا مَعَ نَبِيِّهِمْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ الْآيَتَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلِي ذَلِكَ قَبْلُ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَكُتُبِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: ﴿وَكُتُبِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] عَلَى وَجْهِ جَمْعِ الْكِتَابِ عَلَى مَعْنَى: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَجَمِيعِ كُتُبِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرَسُولِهِ وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: «وَكِتَابِهِ» بِمَعْنَى: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَبِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ «وَكِتَابِهِ» وَيَقُولُ: الْكِتَابُ أَكْثَرُ مِنَ الْكُتُبِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى نَحْوِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢] بِمَعْنَى جِنْسِ النَّاسِ وَجِنْسِ الْكِتَابِ، كَمَا يُقَالُ: مَا أَكْثَرَ دِرْهَمَ فُلَانٍ وَدِينَارَهُ، وَيُرَادُ بِهِ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ مَعْرُوفًا، فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقْرَأَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ جَمْعٌ، وَالَّذِي بَعْدَهُ كَذَلِكَ، أَعِنِّي بِذَلِكَ: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]، فَإِلْحَاقُ الْكُتُبِ فِي الْجَمْعِ لَفْظًا بِهِ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَإِخْرَاجِهِ فِي اللَّفْظِ بِهِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، لِيَكُونَ لَاحِقًا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِلَفْظِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَبِمَعْنَاهُ
٥ / ١٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] فَإِنَّهُ أَخْبَرَ جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. فَفِي الْكَلَامِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] بِالنُّونِ مَتْرُوكٌ قَدِ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَنْهُ، وَذَلِكَ الْمَتْرُوكُ هُوَ «يَقُولُونَ» . وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، يَقُولُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَتُرِكَ ذِكْرُ «يَقُولُونَ» لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا تُرِكَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد: ٢٤] بِمَعْنَى: يَقُولُونَ سَلَامٌ. وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ» بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، لَا يُفَرِّقُ الْكَلُّ مِنْهُمْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، فَيُؤْمِنُ بِبَعْضٍ، وَيَكْفُرُ بِبَعْضٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِجَمِيعِهِمْ، وَيُقِرُّونَ أَنَّ مَا جَاءُوا بِهِ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ، وَيُخَالِفُونَ فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ الْيَهُودَ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِمُوسَى وَكَذَّبُوا عِيسَى، وَالنَّصَارَى الَّذِينَ أَقَرُّوا بِمُوسَى وَعِيسَى وَكَذَّبُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَعْضَ رُسُلِ اللَّهِ، وَأَقَرُّوا بِبَعْضِهِ
٥ / ١٥٠
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] كَمَا صَنَعَ الْقَوْمُ، يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالُوا: فُلَانٌ نَبِيُّ، وَفُلَانٌ لَيْسَ نَبِيًّا، وَفُلَانٌ نُؤْمِنُ بِهِ، وَفُلَانٌ لَا نُؤْمِنُ بِهِ» ⦗١٥١⦘ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا نَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالنُّونِ: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي قَامَتْ حُجَّةٌ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ الَّذِي يَمْتَنِعُ مَعَ التَّشَاعُرِ وَالتَّوَاطُؤِ وَالسَّهْوِ وَالْغَلَطِ، يَعْنِي مَا وَصَفْنَا مَنْ يَقُولُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِشَاذٍّ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْحِجَّةُ نَقْلًا وَرِوَايَةً
٥ / ١٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَقَالَ الْكَلُّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿سَمِعْنَا﴾ [البقرة: ٩٣] قَوْلَ رَبِّنَا، وَأَمْرَهُ إِيَّانَا بِمَا أَمَرَنَا بِهِ، وَنَهْيَهُ عَمَّا نَهَانَا عَنْهُ، ﴿وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] يَعْنِي أَطَعْنَا رَبَّنَا فِيمَا أَلْزَمَنَا مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاسْتعَبْدَنَا بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَسَلَّمْنَا لَهُ: وَقَوْلُهُ: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] يَعْنِي: وَقَالُوا: غُفْرَانَكَ رَبَّنَا، بِمَعْنَى: اغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا غُفْرَانَكَ، كَمَا يُقَالُ: سُبْحَانَكَ، بِمَعْنَى نُسَبِّحُكَ سُبْحَانَكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْغُفْرَانَ وَالْمَغْفِرَةَ: السِّتْرُ مِنَ اللَّهِ عَلَى ذُنُوبِ مَنْ غَفَرَ لَهُ، وَصَفْحُهُ لَهُ عَنْ هَتْكِ سِتْرِهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَعَفْوُهُ عَنِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا: وَإِلَيْكَ يَا رَبَّنَا مَرْجُعَنَا وَمَعَادُنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَمَا الَّذِي نَصَبَ قَوْلَهَ: ﴿غُفْرَانَكَ﴾ [البقرة: ٢٨٥]؟ قِيلَ لَهُ: وقُوعُهُ وَهُوَ مَصْدَرٌ مَوْقِعَ الْأَمْرِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِالْمَصَادِرِ
٥ / ١٥١
وَالْأَسْمَاءِ إِذَا حَلَّتْ مَحَلَّ الْأَمْرِ، وَأَدَّتْ عَنْ مَعْنَى الْأَمْرِ نَصَبَتْهَا، فَيَقُولُونَ: شُكْرًا لِلَّهِ يَا فُلَانُ، وَحَمْدًا لَهُ، بِمَعْنَى: أَشْكُرُ اللَّهَ وَأَحْمَدُهُ، وَالصَّلَاةَ الصَّلَاةَ: بِمَعْنَى صَلُّوا. وَيَقُولُونَ فِي الْأَسْمَاءِ: اللَّهَ اللَّهَ يَا قَوْمُ، وَلَوْ رُفِعَ بِمَعْنَى هُوَ اللَّهُ، أَوْ هَذَا اللَّهُ وَوُجِّهَ إِلَى الْخَبَرِ وَفِيهِ تَأْوِيلُ الْآمِرِ كَانَ جَائِزًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الخفيف]
إِنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ عُمَيْرٌ وَأَشْبَا … هُ عُمَيْرٍ وَمِنْهُمُ السَّفَّاحُ
لَجَدِيرُونَ بِالْوَفَاءِ إِذَا قَا … لَ أَخُو النَّجْدَةِ السِّلَاحُ السِّلَاحُ
وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] جَاءَ رَفْعًا فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَكُنْ خَطَأً، بَلْ كَانَ صَوَابًا عَلَى مَا وَصَفْنَا. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَنَاءً مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ الثَّنَاءَ، فَسَلْ رَبَّكَ»
٥ / ١٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: «لَمَّا أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥] قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْكَ، وَعَلَى أُمَّتِكَ، فَسَلْ تُعْطَهْ، فَسَأَلَ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ»
٥ / ١٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦]⦗١٥٣⦘ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَيَتَعَبَّدُهَا إِلَّا بِمَا يَسَعُهَا، فَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهَا، وَلَا يُجْهِدُهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ الْوُسْعَ اسْمٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَسِعَنِي هَذَا الْأَمْرُ مِثْلَ: الْجُهْدُ وَالْوَجْدُ مِنْ جَهَدَنِي هَذَا الْأَمْرُ وَوَجَدْتُ مِنْهُ
٥ / ١٥٢
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وَقَالَ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وَقَالَ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾»
٥ / ١٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ ضَجَّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهَا ضَجَّةً وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا، نَتُوبُ مِنْ عَمَلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ، كَيْفَ نَتُوبُ مِنَ الْوَسْوَسَةِ؟ كَيْفَ نَمْتَنِعُ مِنْهَا؟ فَجَاءَ جِبْرِيلُ ﷺ بِهَذِهِ الْآيَةِ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] إِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَمْتَنِعُوا مِنَ الْوَسْوَسَةِ»
٥ / ١٥٣
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «وُسْعُهَا: طَاقَتُهَا، وَكَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ مِمَّا لَا يُطِيقُونَ»
٥ / ١٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ لَهَا: لِلنَّفَسِ الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهَا إِلَّا وُسْعَهَا، يَقُولُ: لِكُلِّ نَفْسٍ مَا اجْتَرَحَتْ وَعَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ؛ وَعَلَيْهَا: يَعْنِي وَعَلَى كُلِّ نَفْسٍ مَا اكْتَسَبَتْ: مَا عَمِلَتْ مِنْ شَرٍّ
٥ / ١٥٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «أَيْ مِنْ خَيْرٍ» ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «أَيْ مِنْ شَرٍّ، أَوْ قَالَ: مِنْ سُوءٍ»
٥ / ١٥٤
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَقُولُ: «مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ» ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَقُولُ: «وَعَلَيْهَا مَا عَمِلَتْ مِنْ شَرٍّ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٥ / ١٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «عَمَلُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ» فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا يَسَعُهَا، فَلَا يُجْهِدُهَا، وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا، فَيُؤَاخِذُهَا بِهِمَّةٍ إِنْ هَمَّتْ، وَلَا بِوَسْوَسَةٍ إِنْ عَرَضَتْ لَهَا، وَلَا بِخَطْرَةٍ إِنْ خَطَرَتْ بِقَلْبِهَا
٥ / ١٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءَهُ كَيْفَ يَدَعُونَهُ، وَمَا يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ، وَمَعْنَاهُ: قُولُوا: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا شَيْئًا فَرَضْتَ عَلَيْنَا عَمَلَهُ فَلَمْ نَعْمَلْهُ، أَوْ أَخْطَأْنَا فِي فِعْلِ شَيْءٍ نَهَيْتَنَا عَنْ فِعْلِهِ فَفَعَلْنَاهُ، عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ مِنَّا إِلَى مَعْصِيَتِكَ، وَلَكِنْ عَلَى جَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ وَخَطَأٍ
٥ / ١٥٥
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «إِنْ نَسِينَا شَيْئًا مِمَّا افْتَرَضْتَهُ عَلَيْنَا، أَوْ أَخْطَأْنَا شَيْئًا مِمَّا حَرَّمْتَهُ عَلَيْنَا»
٥ / ١٥٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى نِسْيَانِهَا وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا»
٥ / ١٥٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ أَنَّ هَذِهِ، الْآيَةَ حِينَ نَزَلَتْ: «﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ ﷺ فَقُلْ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ» إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَهَلْ يَحُوزُ أَنْ يُؤَاخِذَ اللَّهُ عز وجل عِبَادَهُ بِمَا نَسُوا أَوْ أَخْطَئُوا فَيَسْأَلُوهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُمْ بِذَلِكَ؟ ⦗١٥٦⦘ قِيلَ: إِنَّ النِّسْيَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى وَجْهِ التَّضَرُّعِ مِنَ الْعَبْدِ وَالتَّفْرِيطِ؛ وَالْآخَرُ: عَلَى وَجْهِ عَجْزِ النَّاسِي عَنْ حِفْظِ مَا اسْتُحْفِظَ، وَوُكِّلَ بِهِ وَضَعُفَ عَقْلُهُ عَنِ احْتِمَالِهِ، فَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ التَّضْيِيعِ مِنْهُ وَالتَّفْرِيطِ، فَهُوَ تَرْكٌ مِنْهُ لِمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَرْغَبُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ عز وجل فِي تَرْكِهِ مُؤَاخَذَتَهُ بِهِ، وَهُوَ النِّسْيَانُ الَّذِي عَاقَبَ اللَّهُ عز وجل بِهِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: ١١٥] وَهُوَ النِّسْيَانُ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ [الأعراف: ٥١] فَرَغْبَةُ الْعَبْدِ إِلَى اللَّهِ عز وجل بِقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فِيمَا كَانَ مِنْ نِسْيَانٍ مِنْهُ لِمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي وَصَفْنَا مَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ مَا تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيطًا مِنْهُ فِيهِ وَتَضْيِيعًا، كُفْرًا بِاللَّهِ عز وجل فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كُفْرًا بِاللَّهِ فَإِنَّ الرَّغْبَةَ إِلَى اللَّهِ فِي تَرْكِهِ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ لَهُمُ الشِّرْكَ بِهِ، فَمَسْأَلَتُهُ فَعْلَ مَا قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ خَطَأً، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَسْأَلَتُهُ الْمَغْفِرَةَ فِيمَا كَانَ مِنْ مِثْلِ نِسْيَانِهِ الْقُرْآنَ بَعْدَ حِفْظِهِ بِتَشَاغُلِهِ عَنْهُ، وَعَنْ قِرَاءَتِهِ وَمَثَلِ نِسْيَانِهِ صَلَاةٌ أَوْ صِيَامًا، بِاشْتِغَالِهِ عَنْهُمَا بِغَيْرِهِمَا حَتَّى ضَيَّعَهُمَا، وَأَمَّا الَّذِي الْعَبْدُ بِهِ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ لَعَجْزِ بِنْيَتِهِ عَنْ حِفْظِهِ، وَقِلَّةِ احْتِمَالِ عَقْلِهِ مَا وُكِّلَ بِمُرَاعَاتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ، وَهُوَ بِهِ غَيْرُ آثِمٍ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا وَجْهَ لِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مِنْهُ لَهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِذَنْبٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَمْرِ يَغْلِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ وَحِفْظِهِ، كَالرَّجُلِ يَحْرُصُ عَلَى حِفْظِ ⦗١٥٧⦘ الْقُرْآنِ بِجِدٍّ مِنْهُ، فَيَقْرَؤُهُ، ثُمَّ يَنْسَاهُ بِغَيْرِ تَشَاغُلٍ مِنْهُ بِغَيْرِهِ عَنْهُ، وَلَكِنْ بِعَجْزِ بِنْيِتَهِ عَنْ حِفْظِهِ وَقِلَّةِ احْتِمَالِ عَقْلِهِ ذَكْرَ مَا أُودِعَ قَلْبَهُ مِنْهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ النِّسْيَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ مَسْأَلَةُ الرَّبِّ مَغْفِرَتَهُ، لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لِلْعَبْدِ فِيهِ، فَيَغْفِرُ لَهُ بِاكْتِسَابِهِ، وَكَذَلِكَ لِلْخَطَأِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ وَجْهِ مَا نُهِيَ عَنْهُ الْعَبْدُ فَيَأْتِيهِ بِقَصْدٍ مِنْهُ وَإِرَادَةٍ، فَذَلِكَ خَطَأٌ مِنْهُ وَهُوَ بِهِ مَأْخُوذٌ، يُقَالُ مِنْهُ: خَطِئَ فُلَانٌ وَأَخْطَأَ فِيمَا أَتَى مِنَ الْفِعْلِ، وَأَثِمَ إِذَا أَتَى مَا يَتَأَثَّمُ فِيهِ وَرَكِبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
النَّاسُ يَلْحَوْنَ الْأَمِيرَ إِذَا هُمُ … خَطِئُوا الصَّوَابَ وَلَا يُلَامُ الْمُرْشَدُ
يَعْنِي: أَخْطَئُوا الصَّوَابَ، وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي يَرْغَبُ الْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ فِي صَفْحِ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ إِثْمٍ عَنْهُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ كُفْرًا، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا مَا كَانَ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْجَهْلِ بِهِ وَالظَّنِّ مِنْهُ بِأَنَّ لَهُ فِعْلَهُ كَالَّذِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلًا وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، أَوْ يُؤَخِّرُ صَلَاةً فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ بِتَأْخِيرِهِ إِيَّاهَا دُخُولَ وَقْتِهَا فَيَخْرُجُ وَقْتُهَا وَهُوَ يَرَى أَنَّ وَقْتَهَا لَمْ يَدْخُلْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَطَأِ الْمَوْضُوعِ عَنِ الْعَبْدِ الَّذِي وَضَعَ اللَّهُ عز وجل عَنْ عِبَادِهِ الْإِثْمَ فِيهِ، فَلَا وَجْهَ لِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ أَنْ يُؤَاخِذَهُ بِهِ، وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ رَبَّهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ بِمَا نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ تبارك وتعالى، أَوْ لِمَا نَدَبَهُ إِلَيْهِ مِنَ التَّذَلُّلِ لَهُ وَالْخُضُوعِ بِالْمَسْأَلَةِ، فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ مَسْأَلَتِهِ الصَّفْحَ، فَمَا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلِلْبَيَانِ عَنْ هَؤُلَاءِ كِتَابٌ سَنَأْتِي فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ لِمَنْ وُفِّقَ لفِهَمْهِ
٥ / ١٥٥
الْقَوْلُ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قُولُوا: رَبَّنَا لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا: يَعْنِي بِالْإِصْرِ الْعَهْدَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ [آل عمران: ٨١] وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا عَهْدًا فَنَعْجَزُ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ وَلَا نَسْتَطِيعُهُ ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَعْنِي عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كُلِّفُوا أَعْمَالًا وَأُخِذَتْ عُهُودُهُمْ وَمَوَاثِيقُهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، فَلَمْ يَقُومُوا بِهَا، فَعُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ، فَعَلَّمَ اللَّهُ عز وجل أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ الرَّغْبَةَ إِلَيْهِ بِمَسْأَلَتِهِ أَنْ لَا يَحْمِلَهُمْ مِنْ عُهُودِهِ وَمَوَاثِيقِهِ عَلَى أَعْمَالٍ أَنْ ضَيَّعُوهَا أَوْ أَخْطَئُوا فِيهَا أَوْ نَسُوهَا مِثْلَ الَّذِي حَمَّلَ مَنْ قَبْلَهُمْ، فَيَحِلُّ بِهِمْ بِخَطَئِهِمْ فِيهِ وَتَضْيِيعِهِمْ إِيَّاهُ مِثْلَ الَّذِي أَحَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ / ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا»، ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَقُولُ: «كَمَا غَلَّظَ عَلَى مَنْ قَبْلِنَا»
٥ / ١٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «عَهْدًا»
٥ / ١٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «عَهْدًا»
٥ / ١٥٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَقُولُ: «عَهْدًا»
٥ / ١٥٩
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «وَالْإِصْرُ الْعَهْدُ الَّذِي كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْيَهُودِ»
٥ / ١٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «عَهْدًا لَا نُطِيقُهُ، وَلَا نَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِهِ» ﴿كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَلَمْ يَقُومُوا بِهِ فَأَهْلَكْتُهُمْ»
٥ / ١٥٩
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «الْمَوَاثِيقُ»
٥ / ١٥٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «الْإِصْرُ: الْعَهْدُ» ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ [آل عمران: ٨١] قَالَ: «عَهْدِي»
٥ / ١٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ [آل عمران: ٨١] قَالَ: «عَهْدِي» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا ذَنُوبًا وَإِثْمًا كَمَا حَمَلْتَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ، فَتَمْسَخُنَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ كَمَا مَسَخْتَهُمْ
٥ / ١٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «لَا تَمْسَخْنَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ»
٥ / ١٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «لَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا ذَنْبًا لَيْسَ فِيهِ تَوْبَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الْإِصْرِ بِكَسْرِ الْأَلْفِ: الثَّقَلُ
٥ / ١٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ ⦗١٦١⦘ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَقُولُ: «التَّشْدِيدُ الَّذِي شَدَّدْتَهُ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٥ / ١٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ، يَعْنِي مَالِكًا، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «الْإِصْرُ: الْأَمْرُ الْغَلِيظُ» فَأَمَّا الْأَصْرُ بِفَتْحِ الْأَلْفِ: فَهُوَ مَا عَطَفَ الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ رَحِمٍ أَوْ قَرَابَةٍ، يُقَالُ: أَصَرَتْنِي رَحِمٌ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ عَلَيْهِ، بِمَعْنَى: عَطَّفَتْنِي عَلَيْهِ، وَمَا يَأْصِرُنِي عَلَيْهِ: أَيْ مَا يَعْطِفُنِي عَلَيْهِ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ أَصْرَ رَحِمٍ يَأْصِرُنِي عَلَيْهِ أَصْرًا: يَعْنِي بِهِ عَاطِفَةَ رَحِمٍ تُعَطِّفُنِي عَلَيْهِ
٥ / ١٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَقُولُوا أَيْضًا: رَبَّنَا لَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ الْقِيَامَ بِهِ لِثِقَلِ حِمْلِهِ عَلَيْنَا. وَكَذَلِكَ كَانَتْ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَتَأَوَّلُونَهُ
٥ / ١٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «تَشْدِيدٌ يُشَدِّدُ بِهِ كَمَا شَدَّدَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»
٥ / ١٦١
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «لَا تُحَمِّلْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ»
٥ / ١٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «لَا تَفْتَرِضْ عَلَيْنَا مِنَ الدِّينِ مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، فَنَعْجَزَ عَنْهُ»
٥ / ١٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «مَسْخُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ»
٥ / ١٦٢
حَدَّثَنِي سَلَامُ بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُوخِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ شَابُورَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «الْغِلْمَةُ»
٥ / ١٦٢
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] «مِنَ التَّغْلِيظِ وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّحْرِيمِ» وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ: وَلَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ الْقِيَامَ بِهِ عَلَى نَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عُقَيْبُ مَسْأَلَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُمْ إِنْ نَسُوا أَوْ أَخْطَئُوا، وَأَنْ لَا يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ إِصْرًا كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، ⦗١٦٣⦘ فَكَانَ إِلْحَاقُ ذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمُ التَّيْسِيرَ فِي الدِّينِ أَوْلَى مِمَّا خَالَفَ ذَلِكَ الْمَعْنَى
٥ / ١٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] وَفِي هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل خَبَرٌ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ تَيْسِيرَ فَرَائِضِهِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] لِأَنَّهُمْ عَقَّبُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾ [البقرة: ٢٨٦] مَسْأَلَةً مِنْهُمْ رَبَّهُمْ أَنْ يَعْفُوَ لَهُمْ عَنْ تَقْصِيرٍ إِنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ، فَيَصْفَحُ لَهُمْ عَنْهُ، وَلَا يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهِ وَإِنْ خَفَّ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ عَلَى أَبْدَانِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٥ / ١٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاعْفُ عَنَّا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «اعْفُ عَنَّا إِنْ قَصَّرْنَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ مِمَّا أَمَرْتَنَا بِهِ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَعْنِي: «وَاسْتُرْ عَلَيْنَا زَلَّةً إِنْ أَتَيْنَاهَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَلَا تُكْشِفْهَا وَلَا تَفْضَحْنَا بِإِظْهَارِهَا، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ»
٥ / ١٦٤
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «إِنِ انْتَهَكْنَا شَيْئًا مِمَّا نَهَيْتَنَا عَنْهُ»
٥ / ١٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَارْحَمْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: تَغَمَّدْنَا مِنْكَ بِرَحْمَةٍ تُنَجِّينَا بِهَا مِنْ عِقَابِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ⦗١٦٥⦘ بِنَاجٍ مِنْ عِقَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ إِيَّاهُ دُونَ عَمَلِهِ، وَلَيْسَتْ أَعْمَالُنَا مُنَجِّيَتَنَا إِنْ أَنْتَ لَمْ تَرْحَمْنَا، فَوَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا
٥ / ١٦٤
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَارْحَمْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: يَقُولُ: «لَا نَنَالُ الْعَمَلَ بِمَا أَمَرْتَنَا بِهِ، وَلَا نَتْرُكُ مَا نَهَيْتَنَا عَنْهُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، قَالَ: وَلَمْ يُنْجُ أَحَدٌ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ»
٥ / ١٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] أَنْتَ وَلِيُّنَا بُنَصْرُكَ دُونَ مَنْ عَادَاكَ وَكَفَرَ بِكَ، لَأَنَّا مُؤْمِنُونَ بِكَ وَمُطِيعُوكَ فِيمَا أَمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا، فَأَنْتَ وَفِيُّ مَنْ أَطَاعَكَ، وَعَدُوُّ مَنْ كَفَرَ بِكَ فَعَصَاكَ، فَانْصُرْنَا لَأَنَّا حِزْبُكَ، عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ الَّذِي جَحَدُوا وَحْدَانِيَّتَكَ، وَعَبَدُوا الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ دُونَكَ، وَأَطَاعُوا فِي مَعْصِيَتِكَ الشَّيْطَانَ وَالْمَوْلَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَفْعَلُ مِنْ وَلِيَ فُلَانٌ أَمْرَ فُلَانٍ فَهُوَ يَلِيهِ وِلَايَةً، وَهُوَ وَلِيُّهُ وَمَوْلَاهُ، وَإِنَّمَا صَارَتِ الْيَاءُ مِنْ وَلِي أَلْفًا لِانْفِتَاحِ اللَّامِ قَبْلَهَا الَّتِي هِيَ عَيْنُ الِاسْمِ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ بِذَلِكَ:
٥ / ١٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَا: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ ⦗١٦٦⦘ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] قَالَ: قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] قَالَ اللَّهُ عز وجل: «قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، فَلَمَّا قَرَأَ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ اللَّهُ عز وجل: «لَا أُحَمِّلْكُمْ» فَلَمَّا قَرَأَ: ﴿وَاغْفِرْ لَنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: «قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، فَلَمَّا قَرَأَ: ﴿وَارْحَمْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ اللَّهُ عز وجل: «قَدْ رَحِمْتُكُمْ»، فَلَمَّا قَرَأَ: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ اللَّهُ عز وجل: «قَدْ نَصَرْتُكُمْ عَلَيْهِمْ»
٥ / ١٦٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: قُلْ ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ، فَقَالَ: قُلْ ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَهَا: فَقَالَ جِبْرِيلُ ﷺ: قَدْ فَعَلَ، فَقَالَ: قُلْ ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَهَا، فَقَالَ جِبْرِيلُ: قَدْ فَعَلَ»
٥ / ١٦٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، قَالَ: ⦗١٦٧⦘ زَعَمَ السُّدِّيُّ «أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ نَزَلَتْ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: فَعَلَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَعَلَ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ»
٥ / ١٦٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، مَوْلَى خَالِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إِلَى قَوْلِهِ ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَرَأَ: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ»
٥ / ١٦٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ أَبِي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:»قَالَ اللَّهُ عز وجل: نَعَمْ “
٥ / ١٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو حُمَيْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «يَقُولُ: قَدْ فَعَلْتُ» ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «وَيَقُولُ قَدْ فَعَلْتُ» فَأَعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلَمْ تُعْطَهَا الْأُمَمُ قَبْلَهَا
٥ / ١٦٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إِلَى قَوْلِهِ. ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] قَالَ: «قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] إِلَى قَوْلِهِ ﴿لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «لَا أُؤَاخِذُكُمْ» ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «لَا أَحْمِلُ عَلَيْكُمْ» إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ وَغَفَرْتُ لَكُمْ وَرَحِمْتُكُمْ، وَنَصَرْتُكُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّ إِجَابَةَ اللَّهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةٌ
٥ / ١٦٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ ⦗١٦٩⦘ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦] «كَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَقُولُ لَهُ: سَلْهَا، فَسَأَلَهَا نَبِيُّ اللَّهِ رَبَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً»
٥ / ١٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ مُعَاذًا، كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: «آمِينَ»