سُورَةُ الْبَقَرَةِ 30

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ، يَعْنِي مِنَ النَّخْلِ بِحَشَفِهِ وَشِرَارِهِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِطَيِّبِهِ»
٤ ‏/ ٧٠١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيُّ حُمَيْدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧] «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ لَهُ الْحَائِطَانِ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَيَعْمِدُ إِلَى أَرْدَئِهِمَا تَمْرًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَيَخْلِطُ فِيهِ مِنَ الْحَشَفِ، فَعَابَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ»
٤ ‏/ ٧٠١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «تَعْمِدُ إِلَى رَذَالَةِ ⦗٧٠٢⦘ مَالِكَ فَتَصَدَّقُ بِهِ، وَلَسْتَ بِآخِذِهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضَ فِيهِ»
٤ ‏/ ٧٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّقُ بِرَذَالَةِ مَالِهِ، فَنَزَلَتْ»: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧]
٤ ‏/ ٧٠٢
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: “فِي الْأَقْنَاءِ الَّتِي تُعَلَّقُ، فَرَأَى فِيهَا حَشَفًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»
٤ ‏/ ٧٠٢
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: عَلَّقَ إِنْسَانٌ حَشَفًا فِي الْأَقْنَاءِ الَّتِي تُعَلَّقُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا هَذَا؟ بِئْسَمَا عَلَّقَ هَذَا» فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧]⦗٧٠٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنَ الْحَرَامِ مِنْهُ تُنْفِقُونَ، وَتَدَعُوا أَنْ تُنْفِقُوا الْحَلَالَ الطَّيِّبَ
٤ ‏/ ٧٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «الْخَبِيثُ: الْحَرَامُ، لَا تَيَمَّمْهُ تُنْفِقُ مِنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يَقْبَلُهُ» وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاتِّفَاقُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ دُونَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ
٤ ‏/ ٧٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْخَبِيثَ فِي حُقُوقِكُمْ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِآخِذِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] مِنْ ذِكْرِ الْخَبِيثِ ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَعْنِي إِلَّا أَنْ تَتَجَافَوْا فِي أَخْذِكُمْ إِيَّاهُ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبِ لَكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ، فَتُرَخِّصُوا فِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ، يُقَالُ مِنْهُ: أَغْمَضَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ فَهُوَ يُغْمِضُ، وَمِنْ ⦗٧٠٤⦘ ذَلِكَ قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ بْنِ حَكِيمٍ:
[البحر الخفيف] لَمْ يَفُتْنَا بِالْوِتْرِ قَوْمٌ وِلِلضَّيْ … مِ رِجَالٌ يَرْضَوْنَ بِالْإِغْمَاضِ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيءِ مِنْ غُرَمَائِكُمْ فِي وَاجِبِ حُقُوقِكُمْ قِبَلَهُمْ إِلَّا عَنْ إِغْمَاضٍ مِنْكُمْ لَهُمْ فِي الْوَاجِبِ لَكُمْ عَلَيْهِمْ
٤ ‏/ ٧٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْهُ، فَقَالَ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: «وَلَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ هَذَا الرَّدِيءَ حَتَّى يُهْضَمَ لَهُ»
٤ ‏/ ٧٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ مِنْ حَقِّهِ»
٤ ‏/ ٧٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ ⦗٧٠٥⦘ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ حَقٌّ فَجَاءَكُمْ بِحَقٍّ دُونَ حَقِّكُمْ، لَمْ تَأْخُذُوا بِحِسَابِ الْجَيِّدِ حَتَّى تُنْقِصُوهُ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] «فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَحَقِّي عَلَيْكُمْ مِنْ أَطْيَبِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفَسِهَا؟» وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]
٤ ‏/ ٧٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «لَا تَأْخُذُونَهُ مِنْ غُرَمَائِكُمْ وَلَا فِي بُيُوعِكُمْ إِلَّا بِزِيَادَةِ عَلَى الطِّيِّبِ فِي الْكَيْلَ»
٤ ‏/ ٧٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] «وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يُعْطُونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مِنَ التَّمْرِ، فَكَانُوا يُعْطُونَ الْحَشَفَ فِي الزَّكَاةِ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَطْلُبُ بَعْضًا ثُمَّ قَضَاهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَغْمَضَ عَنْهُ حَقَّهُ»
٤ ‏/ ٧٠٥
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَقَضَاكَ أَرْدَأَ مِمَّا كَانَ لَكَ عَلَيْهِ هَلْ كُنْتَ تَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا وَأَنْتَ لَهُ كَارِهٌ»
٤ ‏/ ٧٠٥
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ
٤ ‏/ ٧٠٥
الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «كَانُوا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاةَ يَجِيءُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَأَرْدَأِ طَعَامٍ لَهُ مِنْ تَمْرٍ وَغَيْرِهِ، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ»، وَقَالَ: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: ﴿لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧]، يَقُولُ: «لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْكُمْ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَيُعْطِيهِ دُونَ حَقَّهِ فَيَأْخُذُهُ إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ، فَلَا تَرْضَوْا لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، فَيَأْخُذُ شَيْئًا وَهُوَ مُغْمِضٌ عَلَيْهِ أَنْقَصَ مِنْ حَقِّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ الْخَبِيثِ إِذَا اشْتَرَيتُمُوهُ مِنْ أَهْلِهِ بِسِعْرِ الْجَيِّدِ إِلَّا بِإِغْمَاضٍ مِنْهُمْ لَكُمْ فِي ثَمَنِهِ
٤ ‏/ ٧٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي السُّوقِ يُبَاعُ مَا أَخَذْتُمُوهُ حَتَّى يُهْضَمَ لَكُمْ مِنْ ثَمَنِهِ»
٤ ‏/ ٧٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا﴾ [البقرة: ٢٦٧] فِيهِ يَقُولُ: «لَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ بِسِعْرِ هَذَا الطَّيِّبِ إِلَّا أَنْ يُغْمَضَ لَكُمْ فِيهِ» ⦗٧٠٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ الْخَبِيثِ لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، فَتَأْخُذُوهَ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْكُمْ مِمَّنْ أَهْدَاهُ لَكُمْ
٤ ‏/ ٧٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ إِلَّا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ صَاحِبِهِ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ» حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ صَاحِبِهِ ⦗٧٠٨⦘ وَغْيَظٍ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ مِنْ حَقِّكُمْ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا مِنْ حَقِّكُمْ
٤ ‏/ ٧٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَقُولُ: «وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ مِنْ حَقٍّ هُوَ لَكُمْ، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، يَقُولُ: أَغْمَضَ لَكَ مِنْ حَقِّكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ عَلَيْكُمْ فِي أَخْذِهِ
٤ ‏/ ٧٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: يَقُولُ: «لَسْتَ آخِذًا ذَلِكَ الْحَرَامَ حَتَّى تُغْمِضَ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ» قَالَ: “وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذَهُ وَلَقَدْ أَغْمَضَ عَلَى مَا فِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ بَاطِلٌ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَفَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِيهَا، فَصَارَ مَا فَرَضَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِأَهْلِ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ الطَّيِّبِ، وَهُوَ الْجَيِّدُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الطَّيِّبَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ السُّهْمَانِ شُرَكَاءُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِمَا وَجَبَ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ وجُوبِهَا، فَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَرِيكَيْنِ فِي مَالٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ شَرِيكِهِ مِنْ حَقِّهِ مِنَ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ فِيهِ شَرِيكُهُ بِإِعْطَائِهِ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ، مِمَّا هُوَ أَرْدَأُ مِنْهُ أَوْ أَخَسُّ، فَكَذَلِكَ الْمُزَكِّي مَالَهُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ أَهْلَ السُّهْمَانِ مِمَّا وَجَبَ لَهُمْ فِي مَالِهِ مِنَ الطَّيِّبِ الْجَيِّدِ مِنَ الْحَقِّ، فَصَارُوا
٤ ‏/ ٧٠٨
فِيهِ شُرَكَاءَ مِنَ الْخَبِيثِ الرَّدِيءِ غَيْرِهِ، وَيَمْنَعُهُمْ مَا هُوَ لَهُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ فِي الطَّيِّبِ مِنْ مَالِهِ الْجَيِّدِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ رَبِّ الْمَالِ رَدِيئًا كُلُّهُ غَيْرَ جَيِّدٍ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَارَ أَهْلُ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ فِيهِ شُرَكَاءَ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمْ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمُ الطَّيِّبَ الْجَيِّدَ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ الَّذِي مِنْهُ حَقُّهُمْ، فَقَالَ تبارك وتعالى لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ: زَكُّوا مِنْ جَيِّدِ أَمْوَالِكُمُ الْجَيِّدَ، وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ الرَّدِيءَ تُعْطُونَهُ أَهْلَ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ، وَتَمْنَعُونَهُمُ الْوَاجِبَ لَهُمْ مِنَ الْجَيِّدِ الطَّيِّبِ فِي أَمْوَالِكُمْ، وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيءِ لِأَنْفُسِكُمْ مَكَانَ الْجَيِّدِ الْوَاجِبِ لَكُمْ قِبَلَ مَنْ وَجَبَ لَكُمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ شُرَكَائِكُمْ وَغُرَمَائِكُمْ وَغَيْرِهِمْ إِلَّا عَنْ إِغْمَاضٍ مِنْكُمْ وَهَضْمٍ لَهُمْ وَكَرَاهَةٍ مِنْكُمْ لِأَخْذِهِ، يَقُولُ: وَلَا تَأْتُوا مِنَ الْفِعْلِ إِلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ فِي أَمْوَالِكُمْ حَقٌّ مَا لَا تَرْضَوْنَ مِنْ غَيْرِكُمْ أَنْ يَأْتِيَهُ إِلَيْكُمْ فِي حُقُوقِكُمُ الْوَاجِبَةِ لَكُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ فَأَمَّا إِذَا تَطَوَّعَ الرَّجُلُ بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مَفْرُوضَةٍ فَإِنِّي وَإِنْ كَرِهْتُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فِيهَا إِلَّا أَجْوَدَ مَالِهِ وَأَطْيَبَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَحَقُّ مَنْ تُقُرِّبَ إِلَيْهِ بِأَكْرَمِ الْأَمْوَالِ وَأَطْيَبِهَا، وَالصَّدَقَةُ قُرْبَانُ الْمُؤْمِنِ، فَلَسْتُ أُحَرِّمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ فِيهَا غَيْرَ الْجَيِّدِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الْجَيِّدِ رُبَّمَا كَانَ أَعَمَّ نَفْعًا لِكَثْرَتِهِ، أَوْ لِعِظَمِ خَطَرِهِ، وَأَحْسَنَ مَوْقِعًا مِنَ الْمِسْكِينِ، وَمِمَّنْ أُعْطِيهُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ عز وجل مِنَ الْجَيِّدِ، لِقِلَّتِهِ أَوْ لِصِغَرِ خَطَرِهِ وَقِلَّةِ جَدْوَى نَفْعِهِ عَلَى مَنْ أُعْطِيَهُ وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ
٤ ‏/ ٧٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، الدِّرْهَمُ الزَّائِفُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّمْرَةِ»
٤ ‏/ ٧١٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، وَالدِّرْهَمُ الزَّائِفُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّمْرَةِ»
٤ ‏/ ٧١٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾ [البقرة: ٢٦٧] فَقَالَ عَبِيدَةُ: «إِنَّمَا هَذَا فِي الْوَاجِبِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ بِالتَّمْرَةِ، وَالدِّرْهَمُ الزَّائِفُ خَيْرٌ مِنَ التَّمْرَةِ»
٤ ‏/ ٧١٠
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] قَالَ: «إِنَّمَا هَذَا فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِفِ، وَالدِّرْهَمُ الزَّائِفُ خَيْرٌ مِنَ التَّمْرَةِ»
٤ ‏/ ٧١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيُّ حُمَيْدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل غَنِيُّ عَنْ صَدَقَاتِكُمْ وَعَنْ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا أَمَرَكُمْ بِهَا، وَفَرَضَهَا فِي أَمْوَالِكُمْ، رَحْمَةً مِنْهُ لَكُمْ لِيُغْنِيَ بِهَا عَائِلَكُمْ، وَيُقَوِّيَ بِهَا ضَعِيفَكُمْ، وَيُجْزِلَ لَكُمْ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ مَثُوبَتَكُمْ، لَا مِنْ حَاجَةٍ بِهِ فِيهَا إِلَيْكُمْ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿حَمِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧] أَنَّهُ مَحْمُودٌ عِنْدَ خَلْقِهِ بِمَا أَوْلَاهُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَبَسَطَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ
٤ ‏/ ٧١١
كَمَا: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ غَنِيُّ حُمَيْدٌ﴾ [التغابن: ٦] «عَنْ صَدَقَاتِكُمْ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …