بِمَا حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ﴾ [النساء: ١٠] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ يَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ الْيَتِيمِ، فَيَعْزِلُ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، وَآنِيَتَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] فَأَحَلَّ خَلْطَهُمْ»
٣ / ٧٠١
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حفص بن غياث، قَالَ: ثنا أشعث، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] قَالَ: فَاجْتَنِبَ النَّاسُ الْأَيْتَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَعْزِلُ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَمَالَهُ مِنْ مَالِهِ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَمَنْ خَالَطَ يَتِيمًا فَلْيَتَوَسَّعْ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَالَطَهُ لِيَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ فَلَا يَفْعَلُ»
٣ / ٧٠١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ⦗٧٠٢⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠] وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَنْزَلَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: ١٠] كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَضُمُّوا الْيَتَامَى، وَتَحَرَّجُوا أَنْ يُخَالِطُوهُمُ فِي شَيْءٍ، فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]»
٣ / ٧٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ، سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ قَوْلِهِ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى، قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ عَزَلَ النَّاسُ طَعَامَهُمْ، فَلَمْ يُخَالِطُوهُمْ قَالَ: ثُمَّ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: إِنَّا يَشُقُّ عَلَيْنَا أَنْ نَعْزِلَ طَعَامَ الْيَتَامَى وَهُمْ يَأْكُلُونَ مَعَنَا فَنَزَلَتْ ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]»
٣ / ٧٠٢
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «عَزَلُوا طَعَامَهُمْ عَنْ طَعَامِهِمْ، وَأَلْبَانَهُمْ عَنْ أَلْبَانِهِمْ، وَأُدْمِهُمْ عَنْ أُدْمِهِمْ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: مُخَالَطَةُ الْيَتِيمِ فِي الْمَرَاعِي، وَالْأُدْمِ»
٣ / ٧٠٢
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْأَلْبَانُ، وَخَدَمَةُ الْخَادِمِ، وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «وَفِي الْمَسَاكِنِ، قَالَ: وَالْمَسَاكِنُ يَوْمَئِذٍ عَزِيزَةٌ»
٣ / ٧٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأنعام: ١٥٢] وَ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ [النساء: ١٠] قَالَ: اجْتَنَبَ النَّاسُ مَالَ الْيَتِيمِ، وَطَعَامَهُ، حَتَّى كَانَ يَفْسُدُ إِنْ كَانَ لَحْمًا أَوْ ⦗٧٠٣⦘ غَيْرَهُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠]»
٣ / ٧٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ عِيسَى، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، – شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ – عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: مُخَالَطَةُ الْيَتِيمِ فِي الرَّعْيِ، وَالْأُدْمِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ اتِّقَاءُ مَالِ الْيَتِيمِ وَاجْتِنَابُهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْعَرَبِ، فَاسْتَفْتُوا فِي ذَلِكَ لِمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَفْتَوْا بِمَا بَيَّنَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ
٣ / ٧٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى، قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ يُشَدِّدُونَ فِي الْيَتِيمِ حَتَّى لَا يَأْكُلُوا مَعَهُ فِي قَصْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَرْكَبُوا لَهُ بَعِيرًا، وَلَا يَسْتَخْدِمُوا لَهُ خَادِمًا، فجَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يُصْلِحُ لَهُ مَالَهُ وَأَمْرَهُ لَهُ خَيْرٌ، وَإِنْ يُخَالِطْهُ فَيَأْكُلْ مَعَهُ، وَيُطْعِمْهُ، وَيَرْكَبْ رَاحِلَتَهُ، وَيَحْمِلْهُ، وَيَسْتَخْدِمْ خَادِمَهُ وَيَخْدِمُهُ، فَهُوَ أَجْوَدُ. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠]»
٣ / ٧٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٧٠٤⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠] إِلَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠] وَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا إِذَا كَانَ فِي حِجْرِ أَحَدِهِمُ الْيَتِيمُ جَعَلَ طَعَامَهُ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَلَبَنَهُ عَلَى نَاحِيَةٍ، مَخَافَةَ الْوِزْرِ. وَإِنَّهُ أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَهْدُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَا يَجْعَلُونَ خَدَمًا لِلْيَتَامَى، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٣ / ٧٠٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ [البقرة: ٢٢٠] كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْيَتِيمِ، فَلَا يَمَسُّونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا، وَلَا يَرْكَبُونَ لَهُمْ دَابَّةً، وَلَا يَطْعَمُونَ لَهُمْ طَعَامًا. فَأَصَابَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ جَهْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى احْتَاجُوا إِلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَسَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَأْنِ الْيَتَامَى، وَعَنْ مُخَالَطَتِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَعْنِي بِالْمُخَالَطَةِ: رُكُوبَ الدَّابَّةِ، وَخِدْمَةَ الْخَادِمِ، وَشُرْبَ اللَّبَنِ» فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: وَيَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ أَصْحَابُكَ عَنْ مَالِ الْيَتَامَى، وَخَلْطِهِمْ أَمْوَالَهُمْ بِهِ فِي النَّفَقَةِ، وَالْمُطَاعَمَةِ، وَالْمُشَارَبَةِ، وَالْمُسَاكَنَةِ، وَالْخِدْمَةِ، فَقُلْ لَهُمْ: تَفَضُّلُكُمْ عَلَيْهِمْ بِإِصْلَاحِكُمْ أَمْوَالَهُمْ مِنْ غَيْرِ مَرْزِئَةِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَغَيْرِ أَخْذِ عِوَضٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى إِصْلَاحِكُمْ ذَلِكَ لَهُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَعْظَمُ لَكُمْ أَجْرًا، لِمَا لَكُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ، وَالثَّوَابِ، وَخَيْرٌ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَوَفُّرِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَتُشَارِكُوهُمْ بِأَمْوَالِكُمْ أَمْوَالَهُمْ فِي
٣ / ٧٠٤
نَفَقَاتِكُمْ، وَمَطَاعِمِكُمْ، وَمَشَارِبِكُمْ، وَمَسَاكِنِكُمْ، فَتَضْمَنُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِوَضًا مِنْ قِيَامِكُمْ بِأُمُورِهِمْ، وَأَسْبَابِهِمْ، وَإِصْلَاحِ أَمْوَالِهِمْ، فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَالْإِخْوَانُ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَكْنُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ فَذُو الْمَالِ يُعِينُ ذَا الْفَاقَةِ، وَذُو الْقُوَّةِ فِي الْجِسْمِ يُعِينُ ذَا الضَّعْفِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَأَيْتَامُكُمْ كَذَلِكَ إِنْ خَالَطْتُمُوهُمْ بِأَمْوَالِكُمْ، فَخَلَطْتُمْ طَعَامَكُمْ بِطَعَامِهِمْ، وَشَرَابَكُمْ بِشَرَابِهِمْ وَسَائِرَ أَمْوَالِكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ، فَأَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَضْلَ مَرْفَقٍ بِمَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ قِيَامِكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَوَلَائِهِمْ، وَمَعْانَاةِ أَسْبَابِهِمْ عَلَى النَّظَرِ مِنْكُمْ لَهُمْ نَظَرَ الْأَخِ الشَّفِيقِ لِأَخِيهِ الْعَامِلِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ، فَذَلِكَ لَكُمْ حَلَالٌ، لِأَنَّكُمْ إِخْوَانُ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ
٣ / ٧٠٥
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: قَدْ يُخَالِطُ الرَّجُلُ أَخَاهُ»
٣ / ٧٠٥
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ، مَالُ الْيَتِيمِ كَالْعُرْةِ»
٣ / ٧٠٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّى لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيُتْمِ عِنْدِي عَلَى حِدَةٍ، حَتَّى أَخْلِطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِي، وَشَرَابَهُ بِشَرَابِي» ⦗٧٠٦⦘ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] فَرَفَعَ الْإِخْوَانَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩] . قِيلَ: لِافْتِرَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَيْتَامَ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَانُ الْمُؤْمِنِينَ، خَالَطَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ أَوْ لَمْ يُخَالِطُوهُمْ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ. وَالْإِخْوَانُ مَرْفُوعُونَ بِالْمَعْنَى الْمَتْرُوكِ ذِكْرُهُ وَهُوَ هُمْ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْإِخْوَانِ الْخَبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِخْوَانًا مِنْ أَجْلِ مُخَالَطَةِ وُلَاتِهِمْ إِيَّاهُمْ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ نَصْبًا، وَكَانَ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَخَالِطُوا إِخْوَانَكُمْ، وَلَكِنَّهُ قُرِئَ رَفْعًا لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُمْ إِخْوَانٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ خَالَطُوهُمْ أَوْ لَمْ يُخَالِطُوهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩] فَنَصْبٌ لِأَنَّهُمَا حَالَانِ لِلْفِعْلِ غَيْرُ دَائِبَيْنِ، وَلَا يَصْلُحُ مَعَهُمَا هُوَ، وَذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ أَظْهَرْتَ هُوَ مَعَهُمَا لَاسْتَحَالَ الْكَلَامُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنْ خِفْتَ مِنْ عَدُوِّكَ أَنْ تُصَلِّيَ قَائِمًا، فَهُوَ رَاجِلٌ أَوْ رَاكِبٌ لَبَطَلَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ بِالْكَلَامِ؟ وَذَلِكَ أَنْ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا قِيَامًا مِنْ عَدُوِّكُمْ، فَصَلُّوا رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا؛ وَلِذَلِكَ نَصَبَهُ إِجْرَاءً عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ كَمَا تَقُولُ فِي نَحْوِهِ مِنَ الْكَلَامِ: إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَالْبَيَاضَ، فَتَنْصِبُهُ لِأَنَّكَ تُرِيدُ إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَالْبَسِ الْبَيَاضَ، وَلَسْتَ تُرِيدُ الْخَبَرَ عَنْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ فَهُوَ الْبَيَاضُ، وَلَوْ أَرَدْتَ الْخَبَرَ عَنْ ذَلِكَ لَقُلْتَ: إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَالْبَيَاضَ رَفْعًا، إِذْ كَانَ مَخْرَجُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنْكَ عَنِ اللَّابِسِ أَنَّ كُلَّ مَا ⦗٧٠٧⦘ يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ فَبَيَاضٌ، لِأَنَّكَ تُرِيدُ حِينَئِذٍ: إِنْ لَبِسْتَ ثِيَابًا فَهِيَ بَيَاضٌ. فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ يَجُوزُ النَّصْبُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]؟ قِيلَ: جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَأَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّمَا مَنَعْنَاهُ لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى رَفْعِهِ. وَأَمَّا فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّمَا أَجَزْنَاهُ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ مَعَهُ تَكْرِيرُ مَا يُحْمَلُ فِي الَّذِي قَبْلَهُ مِنَ الْفِعْلِ فِيهِمَا: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ تُخَالِطُونَ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
٣ / ٧٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: إِنَّ رَبَّكُمْ وَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ فِي مُخَالَطَتِكُمُ الْيَتَامَى عَلَى مَا أَذِنَ لَكُمْ بِهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَنْ تُخَالِطُوهُمُ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَكْلَ أَمْوَالِهِمْ بِالْبَاطِلِ، وَتَجْعَلُونَ مُخَالَطَتَكِمْ إِيَّاهُمْ ذَرِيعَةً لَكُمْ إِلَى إِفْسَادِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَكْلِهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَتَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْهُ الْعُقُوبَةَ الَّتِي لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهَا، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَنْ خَالَطَ مِنْكُمْ يَتِيمَهُ، فَشَارَكَهُ فِي مَطْعَمِهِ، وَمَشْرَبِهِ، وَمَسْكَنِهِ، وَخَدَمِهِ، وَرُعَاتِهِ فِي حَالِ مُخَالَطَتِهِ إِيَّاهُ مَا الَّذِي يَقْصِدُ بِمُخَالَطَتِهِ إِيَّاهُ إِفْسَادَ مَالِهِ، وَأَكْلَهُ بِالْبَاطِلِ، أَمْ إِصْلَاحَهُ وَتَثْمِيرَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَعْلَمُ أَيُّكُمُ الْمُرِيدُ إِصْلَاحَ مَالِهِ، مِنَ الْمُرِيدِ إِفْسَادَهُ
٣ / ٧٠٧
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: «﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ حِينَ تَخْلِطُ مَالَكَ بِمَالِهِ أَتُرِيدُ أَنْ تُصْلِحَ مَالَهُ أَوْ تُفْسِدَهُ فَتَأْكُلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ»
٣ / ٧٠٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: «﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَمَنْ خَالَطَ يَتِيمًا فَلْيَتَوَسَّعْ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَالَطَهُ لِيَأْكُلَ مَالَهُ فَلَا يَفْعَلْ»
٣ / ٧٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَحَرَّمَ مَا أَحَلَّهُ لَكُمْ مِنْ مُخَالَطَةِ أَيْتَامِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ أَمْوَالَهُمْ، فَجَهَدَكُمْ ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِاللَّازِمِ لَكُمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ فَرْضِهِ، وَلَكِنَّهُ رَخَّصَ لَكُمْ فِيهِ، وَسَهَّلَهُ عَلَيْكُمْ، رَحْمَةً بِكُمْ وَرَأْفَةً. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ
٣ / ٧٠٨
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ عِيسَى، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] لَحَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَرْعَى، وَالْأُدْمَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ مُجَاهِدًا، رَعْي مَوَاشِي وَالِي الْيَتِيمِ مَعَ مَوَاشِي الْيَتِيمِ، وَالْأَكْلِ مِنْ إِدَامِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] أَنَّهُ خُلْطَةُ الْوَلِيِّ الْيَتِيمَ بِالرَّعْيِ، وَالْأُدْمِ
٣ / ٧٠٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَقُولُ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَحْرَجَكُمْ، فَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ وَيَسَّرَ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ⦗٧٠٩⦘ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]»
٣ / ٧٠٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَقُولُ: لَجَهَدَكُمْ، فَلَمْ تَقُومُوا بِحَقٍّ، وَلَمْ تُؤَدُّوا فَرِيضَةً» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَلَمْ تَعْمَلُوا بِحَقٍّ
٣ / ٧٠٩
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] لَشَدَّدَ عَلَيْكُمْ»
٣ / ٧٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: لَشَقَّ عَلَيْكُمْ فِي الْأَمْرِ، ذَلِكَ الْعَنَتُ»
٣ / ٧٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالٍ مَوْبِقًا» وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْتُ عَنْهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ قَائِلِيهَا فِيهَا، فَإِنَّهَا الْيَتَامَى مَوْبِقًا وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْتُ عَنْهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ قَائِلِيهَا فِيهَا، فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّ مَنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَدْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ، فَقَدْ أُحْرِجَ فِيهِ، وَمَنْ أُحْرِجَ فِي شَيْءٍ، أَوْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِيهِ فَقَدْ جَهَدَ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ مِنْ أَنِّ ⦗٧١٠⦘ مَعْنَاهُ الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: عَنِتَ فُلَانٌ: إِذَا شَقَّ عَلَيْهِ وَجَهَدَهُ فَهُوَ يَعْنَتُ عَنَتًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] يَعْنِي مَا شَقَّ عَلَيْكُمْ وَآذَاكُمْ وَجَهَدَكُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٥] فَهَذَا إِذَا عَنِتَ الْعَانِتُ، فَإِنْ صَيَّرَهُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ قِيلَ: أَعْنَتَهُ فُلَانٌ فِي كَذَا: إِذَا جَهَدَهُ وَأَلْزَمَهُ أَمْرًا جَهَدَهُ الْقِيَامُ بِهِ يُعْنِتُهُ إِعْنَاتًا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهَ: ﴿لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] مَعْنَاهُ: لَأَوْجَبَ لَكُمُ الْعَنَتَ بِتَحْرِيمِهِ عَلَيْكُمْ مَا يُجْهِدُكُمْ وَيُحْرِجُكُمْ مِمَّا لَا تُطِيقُونَ الْقِيَامَ بِاجْتِنَابِهِ وَأَدَاءِ الْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْكُمْ فِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَأَوْبَقَكُمْ، وَأَهْلَكَكُمْ
٣ / ٧٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَرَأَ عَلَيْنَا: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَوْبِقًا»
٣ / ٧١٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ فُضَيْلٍ، وَجَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قَالَ: لَجَعَلَ مَا أَصَبْتُمْ مَوْبِقًا»
٣ / ٧١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ فِي سُلْطَانِهِ لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِمَّا أَحَلَّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَةٍ، لَوْ أَعْنَتَكُمْ بِمَا يُجْهِدْكُمُ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ، فَقَصَّرْتُمْ فِي الْقِيَامِ ⦗٧١١⦘ بِهِ، وَلَا يَقْدِرُ دَافِعٌ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّا يَفْعَلُهُ بِكُمْ وَبِغَيْرِكُمْ مِنْ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ هُوَ، لَكِنَّهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ مَنَّ عَلَيْكُمْ بِتَرْكِ تَكْلِيفِهِ إِيَّاكُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ حَكِيمٌ فِي ذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ بِكُمْ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَتَدْبِيرِهِ لَا يَدْخُلُ أَفْعَالَهُ خَلَلٌ، وَلَا نَقْصٌ، وَلَا وَهْي، وَلَا عَيْبٌ، لِأَنَّهُ فِعْلُ ذِي الْحِكْمَةِ الَّذِي لَا يَجْهَلُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ، فَيَدْخُلُ تَدْبِيرَهُ مَذَمَّةُ عَاقِبَةٍ، كَمَا يَدْخُلُ ذَلِكَ أَفْعَالَ الْخَلْقِ لِجَهْلِهِمْ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، لِسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ فِيهَا ابْتِدَاءً
٣ / ٧١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَلْ نَزَلَتْ مُرَادًا بِهَا كُلُّ مُشْرِكَةٍ، أَمْ مُرَادًا بِحُكْمِهَا بَعْضَ الْمُشْرِكَاتِ دُونَ بَعْضٍ؟ وَهَلْ نُسِخَ مِنْهَا بَعْدَ وُجُوبِ الْحُكْمِ بِهَا شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ مُرَادًا بِهَا تَحْرِيمُ نِكَاحِ كُلِّ مُشْرِكَةٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ أَيِّ أَجْنَاسِ الشِّرْكِ كَانَتْ عَابِدَةَ وَثَنٍ أَوْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الشِّرْكِ، ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيمُ نِكَاحِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة: ٤] إِلَى ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] .
٣ / ٧١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ ⦗٧١٢⦘ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] ثُمَّ اسْتَثْنَى نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥] حِلٌّ لَكُمْ ﴿إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة: ٥]»
٣ / ٧١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَلَّهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ»
٣ / ٧١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: نِسَاءُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ أَحَلَّ مِنْهُنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٧١٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: ٢٢١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، فَاسْتَثْنَى نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا ⦗٧١٣⦘ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [المائدة: ٥]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُرَادًا بِحُكْمِهَا مُشْرِكَاتُ الْعَرَبِ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَمْ يُسْتَثْنَ، إِنَّمَا هِيَ آيَةٌ، عَامُّ ظَاهِرِهَا خَاصُّ تَأْوِيلِهَا
٣ / ٧١٢
حُدِّثْتُ بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَعْنِي مُشْرِكَاتِ الْعَرَبِ اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ كِتَابٌ يَقْرَأْنَهُ»
٣ / ٧١٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: الْمُشْرِكَاتُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَقَدْ تَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً، أَوْ نَصْرَانِيَّةً»
٣ / ٧١٣
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَعْنِي مُشْرِكَاتِ الْعَرَبِ اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ كِتَابٌ يَقْرَأْنَهُ»
٣ / ٧١٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ⦗٧١٤⦘ قَوْلَهُ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: مُشْرِكَاتُ أَهْلِ الْأَوْثَانِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُرَادًا بِهَا كُلُّ مُشْرِكَةٍ مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ الشِّرْكِ كَانَتْ غَيْرَ مَخْصُوصٍ مِنْهَا مُشْرِكَةٌ دُونَ مُشْرِكَةٍ، وَثَنِيَّةً كَانَتْ، أَوْ مَجُوسِيَّةً، أَوْ كِتَابِيَّةً، وَلَا نُسِخَ مِنْهَا شَيْءٌ
٣ / ٧١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: ثنا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ، وَحَرَّمَ كُلَّ ذَاتِ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ [المائدة: ٥] وَقَدْ نَكَحَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يَهُودِيَّةً، وَنَكَحَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ نَصْرَانِيَّةً فَغَضِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَا: نَحْنُ نُطَلِّقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَغْضَبْ، فَقَالَ: «لَئِنْ حَلَّ طَلَاقُهُنَّ، لَقَدْ حَلَّ نِكَاحُهُنَّ، وَلَكِنْ أَنْتَزِعِهُنَّ مِنْكُمْ صِغَرَةً قِمَاءً» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ قَتَادَةُ، مِنْ أَنِّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ، ⦗٧١٥⦘ وَأَنَّ الْآيَةَ عَامٌّ ظَاهِرُهَا خَاصٌّ بَاطِنُهَا، لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرُ دَاخِلَاتٍ فِيهَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَحَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِكَاحِ مُحْصَنَاتِهِنَّ، مِثْلَ الَّذِي أَبَاحَ لَهُمْ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ. وَقَدْ بَيَّنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَفِي كِتَابِنَا «كِتَابِ اللَّطِيفِ مِنَ الْبَيَانِ» أَنَّ كُلَّ آيَتَيْنِ أَوْ خَبَرَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا نَافِيًا حُكْمَ الْآخَرِ فِي فِطْرَةِ الْعَقْلِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقْضَى عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَنَّهُ نَاسِخٌ حُكْمَ الْآخَرِ إِلَّا بِحُجَّةٍ مِنْ خَبَرٍ قَاطِعٍ لِلْعُذْرِ مَجِيئُهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٥] نَاسِخٌ مَا كَانَ قَدْ وَجَبَ تَحْرِيمُهُ مِنَ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] فَإِنُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا كَذَلِكَ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: «هَذِهِ نَاسِخَةٌ هَذِهِ» دَعْوَى لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَيْهَا، وَالْمُدَّعِي دَعْوَى لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَيْهَا مُتَحَكِّمٌ، وَالتَّحَكُّمُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَحَدٌ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ تَفْرِيقِهِ بَيْنَ طَلْحَةَ، وَحُذَيْفَةَ وَامْرَأَتَيْهِمَا اللَّتَيْنِ كَانَتَا كِتَابِيِّتَيْنِ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ لِخِلَافِهِ مَا الْأُمَّةُ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى تَحْلِيلِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَخَبَرِ رَسُولِهِ ﷺ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنَ الْقَوْلِ خِلَافُ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ
٣ / ٧١٤
وَهُوَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ⦗٧١٦⦘ قَالَ عُمَرُ: «الْمُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّةَ، وَلَا يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَةَ» وَإِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ، لِطَلْحَةَ، وَحُذَيْفَةَ، رحمه الله عَلَيْهِمْ نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، حَذَرًا مِنْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمَا النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَيَزْهَدُوا فِي الْمُسْلِمَاتِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، فَأَمَرَهُمَا بِتَخْلِيَتِهِمَا
٣ / ٧١٥
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: «تَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: خَلِّ سَبِيلَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَتَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ فَأُخَلِّيَ سَبِيلَهَا؟ فَقَالَ: لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَعَاطَوُا الْمُومِسَاتِ مِنْهُنَّ»
٣ / ٧١٦
وَقَدْ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «نَتَزَوَّجُ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَتَزَوَّجُونَ نِسَاءَنَا» فَهَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَا فِيهِ، فَالْقَوْلُ بِهِ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ. فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذًا: وَلَا تَنْكِحُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مُشْرِكَاتٍ غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، فَيُصَدِّقْنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ
٣ / ٧١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ [البقرة: ٢٢١]⦗٧١٧⦘ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ﴾ [البقرة: ٢٢١] بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَفْضَلُ مِنْ حُرَّةٍ مُشْرِكَةٍ كَافِرَةٍ وَإِنْ شَرُفَ نَسَبُهَا وَكَرُمَ أَصْلُهَا. يَقُولُ: وَلَا تَبْتَغُوا الْمُنَاكِحَ فِي ذَوَاتِ الشَّرَفِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْإِمَاءَ الْمُسْلِمَاتِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُ مَنْكَحًا مِنْهُنَّ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ نَكَحَ أَمَةً، فَعَذَلَ فِي ذَلِكَ وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ حُرَّةٌ مُشْرِكَةُ
٣ / ٧١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَكَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَنَّهُ غَضِبَ عَلَيْهَا فَلَطَمَهَا ثُمَّ فَزِعَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا هِيَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ تَصُومُ، وَتُصَلِّي، وَتُحْسِنُ الْوضُوءَ، وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: «هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأُعْتِقَنَّهَا، وَلَأَتَزَوَّجَنَّهَا فَفَعَلَ، فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: تَزَوَّجَ أَمَةً. وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُنْكِحُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَيُنْكِحُوهُمْ رَغْبَةً فِي أَحْسَابِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ [البقرة: ٢٢١] وَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ»
٣ / ٧١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني الْحَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: الْمُشْرِكَاتُ لِشَرَفِهِنَّ حَتَّى يُؤْمِنَّ»
٣ / ٧١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَإِنْ أَعْجَبَتْكُمُ الْمُشْرِكَةُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْجَمَالِ، وَالْحَسَبِ، وَالْمَالِ فَلَا تَنْكِحُوهَا، فَإِنَّ الْأُمَّةَ الْمُؤْمِنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا وَإِنَّمَا وُضِعَتْ «لَوْ» مَوْضِعَ «إِنْ» لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا وَمَعْنَيَيْهِمَا، وَلِذَلِكَ تُجَابُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِجَوَابِ صَاحِبَتِهَا عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ
٣ / ٧١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلِعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَنْكِحْنَ مُشْرِكًا، كَائِنًا مَنْ كَانَ الْمُشْرِكُ مِنْ أَيِّ أَصْنَافِ الشِّرْكِ كَانَ. فَلَا تُنْكِحُوهُنَّ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، وَلَأَنْ تُزَوِّجُوهُنَّ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ مُصَدِّقٍ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تُزَوِّجُوهُنَّ مِنْ حُرٍّ مُشْرِكٍ وَلَوْ شَرُفَ نَسَبُهُ وَكَرُمَ أَصْلُهُ، وَإِنْ أَعْجَبَكُمْ حَسَبُهُ، وَنَسَبُهُ. وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ بِتَزْوِيجِهَا مِنَ الْمَرْأَةِ
٣ / ٧١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ شَيْخٍ، لَمْ يُسَمِّهِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ فِي كِتَابِ اللَّهِ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ [البقرة: ٢٢١] بِرَفْعِ التَّاءِ»
٣ / ٧١٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيُّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُنْكِحَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَلَا مُشْرِكًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكَ»
٣ / ٧١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ٢٢١] لِشَرَفِهِمْ ﴿حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ [البقرة: ٢٢١]»
٣ / ٧١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: «﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ [البقرة: ٢٢١] قَالَ: حَرَّمَ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى رِجَالِهِمْ يَعْنِي رِجَالَ الْمُشْرِكِينَ»
٣ / ٧١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ يُدْعَوْنَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مُنَاكَحَتُهُمْ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَنِسَائِهِمْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى النَّارِ، يَعْنِي يَدْعُونَكُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا يُدْخِلُكُمُ النَّارَ، وَذَلِكَ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي هُمْ بِهِ عَامِلُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. يَقُولُ: وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ مَا يَقُولُونَ، وَلَا تَسْتَنْصِحُوهُمْ، وَلَا
٣ / ٧١٩
تُنْكِحُوهُمْ، وَلَا تُنْكِحُوا إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا؛ وَلَكِنِ اقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ. يَعْنِي بِذَلِكَ: يَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا يُدْخِلُكُمُ الْجَنَّةَ وَيُوجِبُ لَكُمُ النَّجَاةَ إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَإِلَى مَا يَمْحُو خَطَايَاكُمْ أَوْ ذُنُوبَكُمْ فَيَعْفُو عَنْهَا، وَيَسْتُرُهَا عَلَيْكُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢١٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَدْعُوكُمْ إِلَى ذَلِكَ بِإِعْلَامِهِ إِيَّاكُمْ سَبِيلَهُ وَطَرِيقَهُ الَّذِي بِهِ الْوُصُولُ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] يَقُولُ: وَيُوضِعُ حُجَجَهُ وَأَدِلَّتَهُ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ لِعِبَادِهِ لِيَتَذَكَّرُوا فَيَعْتَبِرُوا، وَيُمَيِّزُوا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا دُعَاءٌ إِلَى النَّارِ وَالْخُلُودِ فِيهَا، وَالْآخَرُ دُعَاءٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَغُفْرَانِ الذُّنُوبِ، فَيَخْتَارُوا خَيْرَهُمَا لَهُمْ. وَلَمْ يَجْهَلِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ هَاتَيْنِ إِلَّا غَبِيُّ الرَّأْيِ، مَدْخُولُ الْعَقْلِ
٣ / ٧٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢]
٣ / ٧٢٠
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] وَيَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ أَصْحَابُكَ عَنِ الْحَيْضِ وَقِيلَ «الْمَحِيضِ» لِأَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ مَاضِيهِ بِفَتْحِ عَيْنِ الْفِعْلِ وَكَسْرِهَا فِي الِاسْتِقْبَالِ، مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: ضَرَبَ يَضْرِبُ، وَحَبَسَ يَحْبِسُ، وَنَزَلَ يَنْزِلُ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَبْنِي مَصْدَرَهُ عَلَى الْمَفْعِلِ، وَالِاسْمُ عَلَى الْمَفْعَلِ مِثْلَ الْمَضْرِبِ وَالْمَضْرَبِ مِنْ ضَرَبْتُ، وَنَزَلْتُ مَنْزِلًا وَمَنْزَلًا. وَمَسْمُوعٌ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْأَلِفِ الْمَعِيشِ وَالْمَعَاشِ وَالْمَعِيبِ وَالْمُعَابِ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ فِي الْمَعِيشِ:
[البحر الرجز]
٣ / ٧٢٠
إِلَيْكَ أَشْكُو شِدَّةَ الْمَعِيشِ … وَمُرَّ أَعْوَامٍ نَتَفْنَ رِيشِي
وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْمُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ بَيَانِ اللَّهِ لَهُمْ مَا يَتَبَيَّنُونَ مِنْ أَمْرِهِ، لَا يُسَاكِنُونَ حَائِضًا فِي بَيْتٍ، وَلَا يُؤَاكِلُونَهُنَّ فِي إِنَاءٍ، وَلَا يُشَارِبُونَهُنَّ، فَعَرَّفَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِيَ عَلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ حِيَضِ نِسَائِهِمْ أَنْ يَجْتَنِبُوا جِمَاعَهُنَّ فَقَطْ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ مُضَاجَعَتِهِنَّ، وَمُؤَاكَلَتِهِنَّ، وَمُشَارَبَتِهِنَّ
٣ / ٧٢١
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] حَتَّى بَلَغَ: ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُسَاكِنُهُمْ حَائِضٌ فِي بَيْتٍ، وَلَا تُؤَاكِلُهُمْ فِي إِنَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ، فَحَرَّمَ فَرْجَهَا مَا دَامَتْ حَائِضًا، وَأَحَلَّ مَا سِوَى ذَلِكَ: أَنْ تَصْبُغَ لَكَ رَأْسَكَ، وَتُؤَاكِلَكَ مِنْ طَعَامِكَ، وَأَنْ تُضَاجِعَكَ فِي فِرَاشِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ مُحْتَجِزَةٌ بِهِ دُونَكَ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ يَجْتَنِبُونَ إِتْيَانِهِنَّ فِي مَخْرَجِ الدَّمِ وَيَأْتُونَهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ. فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَقْرَبُوهُنَّ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ إِذَا تَطَهَّرْنَ مِنْ حَيْضِهِنَّ فِي إِتْيَانِهِنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِاعْتِزَالِهِنَّ، وَحَرَّمَ إِتْيَانَهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ بِكُلِّ حَالٍ
٣ / ٧٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، قَالَ: ثني مُجَاهِدٌ، قَالَ: «كَانُوا يَجْتَنِبُونَ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ، وَيَأْتُونَهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] إِلَى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُوهُ» وَقِيلَ: إِنَّ السَّائِلَ الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ كَانَ ثَابِتَ بْنَ الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ “
٣ / ٧٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: قُلْ لِمَنْ سَأَلَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْمَحِيضِ هُوَ أَذًى. وَالْأَذَى: هُوَ مَا يُوذِي بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ فِيهِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُسَمَّى أَذًى لِنَتَنِ رِيحِهِ، وَقَذَرِهِ، وَنَجَاسَتِهِ، وَهُوَ جَامِعٌ لِمَعَانٍ شَتَّى مِنْ خِلَالِ الْأَذَى غَيْرَ وَاحِدَةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْبَيَانِ عَنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى تَقَارَبَ مَعَانِي بَعْضِ مَا قَالُوا فِيهِ مِنْ بَعْضٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] قُلْ هُوَ قَذَرٌ
٣ / ٧٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: «﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: أَمَّا أَذًى: فَقَذَرٌ»
٣ / ٧٢٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: قُلْ هُوَ أَذًى، قَالَ: قَذَرٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: قُلْ هُوَ دَمٌ
٣ / ٧٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: الْأَذَى: الدَّمُ»
٣ / ٧٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَاعْتَزِلُوا جِمَاعَ النِّسَاءِ، وَنِكَاحَهُنَّ فِي مَحِيضِهِنَّ
٣ / ٧٢٣
كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَقُولُ: اعْتَزِلُوا نِكَاحَ ⦗٧٢٤⦘ فُرُوجَهُنَّ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ اعْتِزَالُهُ مِنَ الْحَائِضِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْوَاجِبُ عَلَى الرَّجُلِ اعْتِزَالُ جَمِيعِ بَدَنِهَا أَنْ يُبَاشِرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ
٣ / ٧٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: «مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَ: الْفِرَاشُ وَاحِدٌ، وَاللِّحَافُ شَتَّى»
٣ / ٧٢٤
حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ نُدْبَةَ، مَوْلَاةِ آلِ عَبَّاسٍ قَالَتْ: بَعَثْتَنِي مَيْمُونَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ أَوْ حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ، إِلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، فَوَجَدْتُ فِرَاشِهَا مُعْتَزِلًا فِرَاشَهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ عَنِ الْهِجْرَانِ، فَسَأَلْتُهَا عَنِ اعْتِزَالِ فِرَاشِهِ فِرَاشَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي طَامِثٌ، وَإِذَا طَمِثْتُ اعْتَزَلَ فِرَاشِي. فَرَجَعْتُ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ مَيْمُونَةَ أَوْ حَفْصَةَ، فَرَدَّتْنِي إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، تَقُولُ لَكَ أُمُّكَ: «أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَوَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ، وَإِنَّهَا لَحَائِضٌ، وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ثَوْبٌ مَا يُجَاوِزُ الرُّكْبَتَيْنِ»
٣ / ٧٢٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَتْ لِعَبِيدَةَ، مَا لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَ: «الْفِرَاشُ وَاحِدٌ، وَاللِّحَافُ شَتًّى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا مِنْ ثَوْبِهِ رَدَّ عَلَيْهَا مِنْهُ» وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَ بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُنَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَذَلِكَ عَامٌّ عَلَى جَمِيعِ أَجْسَادِهِنَّ وَاجِبٌ اعْتِزَالُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَبْدَانِهِنَّ فِي حَيْضِهِنَّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِاعْتِزَالِهِ مِنْهُنَّ مَوْضِعَ الْأَذَى، وَذَلِكَ مَوْضِعُ مَخْرَجِ الدَّمِ
٣ / ٧٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُيَيْنَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ الْأَصْفَرُ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: «مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ»
٣ / ٧٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ عَائِشَةَ، ⦗٧٢٦⦘ أَنَّهَا قَالَتْ: «وَأَيْنَ كَانَ ذُو الْفِرَاشَيْنِ، وَذُو اللِّحَافَيْنِ؟»
٣ / ٧٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: «مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: فَرْجُهَا»
٣ / ٧٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ كُتَّابِ أَبِي قِلَابَةَ: «أَنَّ مَسْرُوقًا، رَكِبَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَبُو عَائِشَةَ مَرْحَبًا فَأْذِنُوا لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَأَنَا أَسْتَحْيِي، فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا أُمُّكُ وَأَنْتَ ابْنِي. فَقَالَ،» مَا لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَتْ لَهُ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا فَرْجَهَا “
٣ / ٧٢٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ لَهُ: «مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»
٣ / ٧٢٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «فِي مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ»
٣ / ٧٢٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: «مَا لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ فَقَالَتْ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْفَرْجَ»
٣ / ٧٢٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِذَا جَعَلَتِ الْحَائِضُ عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا أَوْ مَا يَكُفُّ الْأَذَى، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاشِرَ جِلْدَهَا زَوْجُهَا»
٣ / ٧٢٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ: «مَا لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»
٣ / ٧٢٧
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «اتَّقِ مِنَ الدَّمِ مِثْلَ مَوْضِعِ النَّعْلِ»
٣ / ٧٢٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ «فِي مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ عَلَى فَرْجِهَا خِرْقَةٌ»
٣ / ٧٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا الْفَرَجِ (يَعْنِي وَهِيَ حَائِضٌ) قَالَ: يَبِيتَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، يَعْنِي الْحَائِضَ إِذَا كَانَ عَلَى الْفَرْجِ ثَوْبٌ»
٣ / ٧٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «يَبِيتَانِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ يَعْنِي الْحَائِضَ إِذَا كَانَ عَلَى الْفَرْجِ ثَوْبٌ»
٣ / ٧٢٨
حَدَّثَنَا تَمِيمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ مُجَاهِدٍ الرَّجُلُ يُلَاعِبُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: «اطْعَنْ بِذَكَرِكَ حَيْثُمَا شِئْتَ فِيمَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَالْأَلْيَتَيْنِ وَالسُّرَّةِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي الدُّبُرِ، أَوِ الْحَيْضِ»
٣ / ٧٢٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: إِذَا كَفَّتِ الْأَذَى»
٣ / ٧٢٨
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثني عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: «كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْحَائِضِ لَكَ حَلَالٌ غَيْرَ مَجْرَى الدَّمِ» وَعِلَّةُ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، قِيَامُ الْحِجَّةِ بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «كَانَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ وَهُنَّ حِيَضٌ»، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ اعْتِزَالَ جَمِيعِهِنَّ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، عَلِمَ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] هُوَ اعْتِزَالُ بَعْضِ جَسَدِهَا دُونَ بَعْضٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْجِمَاعُ الْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى الزَّوْجِ فِي قُبُلِهَا دُونَ مَا كَانَ فِيهِ اخْتِلَافٌ مِنْ جِمَاعِهَا فِي سَائِرِ بَدَنِهَا.
٣ / ٧٢٨
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِاعْتِزَالِهِ مِنْهُنَّ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَدُونَهُ مِنْهَا
٣ / ٧٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ، قَالَ لَهُ: «مَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَذَكَرَ الْحَائِضِ»
٣ / ٧٢٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، «عَنِ الْحَائِضِ: مَا لِزَوْجِهَا مِنْهَا؟ فَقَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ»
٣ / ٧٢٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: «لَهُ مَا فَوْقَ سُرَّتِهَا»
٣ / ٧٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «مَا لِلرَّجُلِ مِنَ الْحَائِضِ؟ قَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ صِحَّةُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٣ / ٧٢٩
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، قَالَ: ثنا الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ، تَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ ⦗٧٣٠⦘ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ»
٣ / ٧٢٩
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُبَاشِرُهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَوْقَ الْإِزَارِ»
٣ / ٧٣٠
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ بِإِزَارٍ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا»
٣ / ٧٣٠
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تَأْتَزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا» وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِاسْتِيعَابِ ذِكْرِ جَمِيعَهَا الْكِتَابُ، قَالُوا: فَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ ذَلِكَ فَجَائِزٌ، وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْحَائِضِ مَا دُونَ الْإِزَارِ وَفَوْقَهُ، وَذَلِكَ دُونَ الرُّكْبَةِ وَفَوْقَ السُّرَّةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ جَسَدِ الْحَائِضِ فَوَاجِبٌ اعْتِزَالُهُ لِعُمُومِ الْآيَةِ. ⦗٧٣١⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ مَا فَوْقَ الْمُؤْتَزَرِ وَدُونَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَّةِ لَهُمْ
٣ / ٧٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: «﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢]» بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى: وَلَا تَقْرَبُوا النِّسَاءَ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْهُنَّ دَمُ الْحَيْضِ وَيَطْهُرْنَ. وَقَالَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٣ / ٧٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُؤَمَّلٌ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: انْقِطَاعُ الدَّمِ»
٣ / ٧٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ أَوْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ: «﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَنْهُنَّ»
٣ / ٧٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: حَتَّى يَنْقَطِعَ
٣ / ٧٣١
الدَّمُ ” وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا، فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ: حَتَّى يَغْتَسِلْنَ بِالْمَاءِ وَشَدَّدُوا الطَّاءَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى الْكَلِمَةِ: حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (حَتَّى يَطَّهَّرْنَ) بِتَشْدِيدِهَا، وَفَتْحِهَا، بِمَعْنَى: حَتَّى يَغْتَسِلْنَ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا حَتَّى تَطْهُرَ. وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِي التَّطَهُّرِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَأَحَلَّ لَهُ جِمَاعَهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الِاغْتِسَالُ بِالْمَاءِ، وَلَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَغْسِلَ جَمِيعَ بَدَنِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْوضُوءُ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ غَسْلُ الْفَرْجِ، فَإِذَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا فَذَلِكَ تَطَهُّرُهَا الَّذِي يَحِلُّ بِهِ لِزَوْجِهَا غِشْيَانُهَا فَإِذَا كَانَ إِجْمَاعٌ مِنَ الْجَمِيعِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ حَتَّى تَطْهُرَ، كَانَ بَيِّنًا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ أَنْفَاهُمَا لِلَبْسٍ عَنْ فَهْمٍ سَامِعِهَا، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي اخْتَرْنَا، إِذْ كَانَ فِي قِرَاءَةِ قَارِئِهَا بِتَخْفِيفِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا مَا لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ اللَّبْسُ عَلَى سَامِعِهَا مِنَ الْخَطَأِ فِي تَأْوِيلِهَا، فَيَرَى أَنَّ لِلزَّوْجِ غِشْيَانَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا عَنْهَا وَقَبْلَ اغْتِسَالِهَا وَتَطَهُّرِهَا. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، قُلْ هُوَ أَذًى، فَاعْتَزِلُوا جِمَاعَ
٣ / ٧٣٢
نِسَائِكُمْ فِي وَقْتِ حَيْضِهِنَّ، وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ فَيَتَطَهَّرْنَ مِنْ حَيْضِهِنَّ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ
٣ / ٧٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ فَجَامِعُوهُنَّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفِفَرْضِ جِمَاعِهِنَّ حِينَئِذٍ؟ قِيلَ: لَا. فَإِنْ قَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِذًا: ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قِيلَ: ذَلِكَ إِبَاحَةُ مَا كَانَ مُنِعَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ جِمَاعِهِنَّ وَإِطْلَاقٍ لِمَا كَانَ حُظِرَ فِي حَالِ الْحَيْضِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، وَقَوْلُهُ ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ، فَإِذَا اغْتَسَلْنَ
٣ / ٧٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني معاومةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَقُولُ: فَإِذَا طَهُرَتْ مِنَ الدَّمِ وَتَطَهَّرَتْ بِالْمَاءِ»
٣ / ٧٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُؤَمَّلٌ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ⦗٧٣٤⦘ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَإِذَا اغْتَسَلْنَ»
٣ / ٧٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَي بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَقُولُ: اغْتَسَلْنَ»
٣ / ٧٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ أَوْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ: «﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] إِذَا اغْتَسَلْنَ»
٣ / ٧٣٤
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، ثنا عَامِرٌ، عَنِ الْحَسَنِ: «فِي الْحَائِضِ تَرَى الطُّهْرَ، قَالَ: لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ»
٣ / ٧٣٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَطَأَهَا، حَتَّى تَغْتَسِلَ؛ يَعْنِي الْمَرْأَةَ إِذَا طَهُرَتْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ لِلصَّلَاةِ
٣ / ٧٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ، أَخْبَرَنَا لَيْثُ، عَنْ طَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: «إِذَا طَهُرَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الدَّمِ فَشَاءَ زَوْجُهَا أَنْ يَأْمُرَهَا بِالْوضُوءِ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ إِذَا أَدْرَكَهُ الشَّبَقُ فَلْيُصِبْ» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ، مَعْنَى قَوْلِهِ، ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَإِذَا
٣ / ٧٣٤
اغْتَسَلْنَ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِالْوضُوءِ بِالْمَاءِ طَاهِرًا الطُّهْرَ لِلَّذِي يَحِلُّ لَهَا بِهِ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ الْقَوْلَ لَا يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ مِنَ النَّجَاسَةِ فَأْتُوهُنَّ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، فَقَدْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَتَى انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ فَجَائِزٌ لِزَوْجِهَا جِمَاعُهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَالِكَ نَجَاسَةٌ ظَاهِرَةٌ، هَذَا إِنْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] جَائِزًا اسْتِعْمَالُهُ فِي التَّطَهُّرِ مِنَ النَّجَاسَةِ، وَلَا أَعْلَمُهُ جَائِزًا إِلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهِ الْكَلَامِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ لِلصَّلَاةِ فِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِزَوْجِهَا غِشْيَانُهَا بِانْقِطَاعِ دَمِ حَيْضِهَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ نَجَاسَةٌ دُونَ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ إِذَا كَانَتْ وَاجِدَتَهُ أَدَلَّ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ الطُّهْرَ الَّذِي يَجْزِيهِنَّ بِهِ الصَّلَاةَ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَحِلُّ لَهَا إِلَّا بِالِاغْتِسَالِ أَوْضَحُ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنِّ غِشْيَانِهَا حَرَامٌ إِلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَصِرْنَ طَوَاهِرَ الطُّهْرَ الَّذِي يَجْزِيهِنَّ بِهِ الصَّلَاةُ
٣ / ٧٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوا نِسَاءَكُمْ إِذَا تَطَهَّرْنَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي نَهَيْتُكُمْ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ مِنْهُ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَذَلِكَ الْفَرْجُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِتَرْكِ جِمَاعِهِنَّ فِيهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ
٣ / ٧٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ ⦗٧٣٦⦘ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ»
٣ / ٧٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَقُولُ: فِي الْفَرْجِ لَا تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدِ اعْتَدَى»
٣ / ٧٣٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوا»
٣ / ٧٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَمُجَاهِدٌ، جَالِسَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَتَاهُ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، أَوْ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَلَا تَشْفِينِي عَنْ آيَةِ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: بَلَى فَقَرَأَ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] حَتَّى بَلَغَ آخِرَ الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ حَيْثُ جَاءَ الدَّمُ، مِنْ ثَمَّ أُمِرْتَ أَنْ تَأْتِيَ»
٣ / ٧٣٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «دُبُرُ الْمَرْأَةِ مِثْلُهُ مِنَ الرَّجُلِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] إِلَى: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ»
٣ / ٧٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٧٣٧⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: أُمِرُوا أَنْ يَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ نُهُوا عَنْهُ»
٣ / ٧٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، قَالَ: ثني مُجَاهِدٌ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فِي الْفَرْجِ، وَلَا تَعْدُوهُ»
٣ / ٧٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَقُولُ: إِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ نُهِيَ عَنْهُ فِي الْمَحِيضِ»
٣ / ٧٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ أَوْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] بِاعْتِزَالِهِنَّ مِنْهُ»
٣ / ٧٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] أَيْ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ الْمَحِيضُ طَاهِرًا غَيْرَ حَائِضٍ، وَلَا تَعْدُوا ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ»
٣ / ٧٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: طَوَاهِرُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَمَنْ غَيْرِ حَيْضٍ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي الْمَحِيضُ وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ» قَالَ سَعِيدٌ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
٣ / ٧٣٧
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا ⦗٧٣٨⦘ تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] مِنْ حَيْثُ نُهِيتُمْ عَنْهُ فِي الْمَحِيضِ»
٣ / ٧٣٧
وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] مِنْ حَيْثُ نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ، وَاتَّقُوا الْأَدْبَارَ»
٣ / ٧٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: فِي الْفَرْجِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: فَأْتُوهُنَّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِيهِ أَنْ تَأْتُوهُنَّ مِنْهُ، وَذَلِكَ الْوَجْهُ هُوَ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ. فَكَانَ مَعْنَى قَائِلِ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ طُهْرِهِنَّ لَا مِنُ قِبَلِ حَيْضِهِنَّ
٣ / ٧٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَعْنِي أَنْ يَأْتِيَهَا طَاهِرًا غَيْرَ حَائِضٍ»
٣ / ٧٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: مِنْ قِبَلِ الطُّهْرِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ⦗٧٣٩⦘ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، بِمِثْلِهِ
٣ / ٧٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَقُولُ: ائْتُوهُنَّ مِنْ عِنْدِ الطُّهْرِ»
٣ / ٧٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: مِنْ قِبَلِ الطُّهْرِ، وَلَا تَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْحَيْضِ»
٣ / ٧٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلَهُ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَقُولُ: إِذَا اغْتَسَلْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يَقُولُ: طَوَاهِرُ غَيْرُ حُيَّضٍ»
٣ / ٧٣٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: يَقُولُ طَوَاهِرُ غَيْرُ حِيَضٍ»
٣ / ٧٣٩
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: «﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] مِنَ الطُّهْرِ»
٣ / ٧٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «فَأْتُوهُنَّ طُهُرًا غَيْرَ حِيَضٍ»
٣ / ٧٣٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ ⦗٧٤٠⦘ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلَهُ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: ائْتُوهُنَّ طَاهِرَاتٍ غَيْرَ حِيَضٍ»
٣ / ٧٣٩
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: طُهُرًا غَيْرَ حِيَضٍ فِي الْقُبُلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلَى مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوا النِّسَاءَ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ لَا مِنْ قِبَلِ الْفُجُورِ
٣ / ٧٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ الْأَزْرَقُ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الْأَسَدِيِّ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ: «﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْحَلَالِ مِنْ قِبَلِ التَّزْوِيجِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ طُهْرِهِنَّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ بِمَعْنًى فَنُهِيَ عَنْ خِلَافِهِ وَضِدِّهِ، وَكَذَلِكَ النَّهْي عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَخِلَافِهِ. فَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ مَخْرَجِ الدَّمِ الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِهِ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] تَأْوِيلَهُ: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ فِي مَخْرَجِ الدَّمِ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَمَاكِنِ جَسَدِهَا، فَيَكُونُ مُطْلَقًا فِي حَالِ حَيْضِهَا إِتْيَانُهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُطَلِّقْ فِي حَالِ الْحَيْضِ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ شَيْئًا حَرَّمَهُ فِي حَالِ الطُّهْرِ وَلَا حَرَّمَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ الطُّهْرِ ⦗٧٤١⦘ شَيْئًا أَحَلَّهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ، مَا يُعْلَمُ بِهِ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَبَعْدُ: فَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِإِتْيَانِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَعْرُوفَ إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَتَى فُلَانٌ زَوْجَتَهُ مِنْ قِبَلِ فَرْجِهَا، وَلَا يُقَالُ: أَتَاهَا مِنْ فَرْجِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَتَاهَا مِنْ قِبَلِ فَرْجِهَا فِي مَكَانٍ غَيْرِ الْفَرْجِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ، فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ قُبُلِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ، كَمَا يُقَالُ: أَتَيْتُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ مَأْتَاهُ، قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ مَأْتِيَّ الْأَمْرِ وَوَجْهَهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَطْلَبُهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] غَيْرَ الَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّهُ مَعْنَاهُ بِقَوْلِكُمُ: ائْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ مَخْرَجِ الدَّمِ وَمِنْ حَيْثُ أُمِرْتُمْ بِاعْتِزَالِهِنَّ، وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ عَلَى ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ وجُوهِهِنَّ فِي أَقْبَالِهِنَّ، كَمَا كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ ائْتِ الْأَمْرَ مِنْ مَأْتَاهُ إِنَّمَا مَعْنَاهُ: اطْلُبْهُ مِنْ مَطْلَبِهِ، وَمَطْلَبُ الْأَمْرِ غَيْرُ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنَّ مَأْتِيَّ الْفَرْجِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ بِإِتْيَانِهِ غَيْرُ الْفَرْجِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: فَأْتُوهُنَّ مِنْ قِبَلِ وجُوهِهِنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِمْ مُحَرَّمًا إِتْيَانُهُنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِهِنَّ، وَذَلِكَ إِنْ ⦗٧٤٢⦘ قَالُوهُ خَرَجَ مَنْ قَالَهُ مِنْ قِيلِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَخَالَفَ نَصَّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَقَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] وَأْذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي إِتْيَانِهِنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِهِنَّ. فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَسَادُ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ حَيْثُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ فِي حَالِ حَيْضِهِنَّ، وَصِحَّةُ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَأْتُوهُنَّ فِي فُرُوجِهُنَّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ بِإِتْيَانِهِنَّ، وَذَلِكَ حَالَ طُهْرِهِنَّ وَتَطَهُّرِهِنَّ دُونَ حَالِ حَيْضِهِنَّ
٣ / ٧٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] الْمُنِيبِينَ مِنَ الْإِدْبَارِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ طَاعَتِهِ إِلَيْهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ وَقَدْ بَيِّنَّا مَعْنَى التَّوْبَةِ قَبْلُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمُتَطَهِّرُونَ بِالْمَاءِ
٣ / ٧٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ، عَنْ عَطَاءٍ، قَوْلَهُ: «﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قَالَ: ⦗٧٤٣⦘ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
٣ / ٧٤٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] مِنَ الذُّنُوبِ لَمْ يُصِيبُوهَا ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ أَنْ يَأْتُوهَا
٣ / ٧٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ، مَوْلَى أُمِّ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَلَيْسَ مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: «وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» مِنَ الذُّنُوبِ أَنْ يَعُودُوا فِيهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ بِهَا
٣ / ٧٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] مِنَ الذُّنُوبِ لَمْ يُصِيبُوهَا ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] مِنَ
٣ / ٧٤٣
الذُّنُوبِ: لَا يَعُودُونَ فِيهَا ” وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ ظَاهِرِ مَعَانِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ أَمْرَ الْمَحِيضِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أُمُورٍ كَانُوا يَفْعَلُونَهَا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، مِنْ تَرْكِهِمْ مُسَاكَنَةِ الْحَائِضِ، وَمُؤَاكَلَتَهَا، وَمُشَارَبَتَهَا، وَأَشْيَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَكْرَهُهَا مِنْ عِبَادِهِ. فَلَمَّا اسْتَفْتَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَبَيَّنَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُهُ مِمَّا يَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُحِبُّ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ أَنَابَ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، تَائِبًا مِمَّا يَكْرَهُهُ. وَكَانَ مِمَّا بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ إِتْيَانَ نِسَائِهِمْ وَإِنْ طَهُرْنَ مِنْ حَيْضِهِنَّ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْأَحْدَاثِ لِلصَّلَاةِ، وَالْمُتَطَهِّرَاتِ بِالْمَاءِ مِنَ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْجَنَابَةِ، وَالْأَحْدَاثِ مِنَ النِّسَاءِ. وَإِنَّمَا قَالَ: وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَلَمْ يَقُلِ الْمُتَطَهِّرَاتِ، وَإِنَّمَا جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرُ التَّطَهُّرِ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْمُتَطَهِّرِينَ يَجْمَعُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْمُتَطَهِّرَاتِ لَمْ يَكُنْ لِلرِّجَالِ فِي ذَلِكَ حَظٌّ، وَكَانَ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالذِّكْرِ الْعَامِّ جَمِيعَ عِبَادِهِ الْمُكَلَّفِينَ، إِذْ كَانَ قَدْ تَعَبَّدَ جَمِيعُهُمْ بِالتَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَسْبَابُ الَّتِي تُوجِبُ التَّطَهُّرَ عَلَيْهِمْ بِالْمَاءِ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي وَاتَّفَقَتْ فِي بَعْضٍ
٣ / ٧٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: نِسَاؤُكُمْ مُزْدَرَعُ أَوْلَادِكُمْ، فَأْتُوا مُزْدَرَعَكُمْ كَيْفَ شِئْتُمْ، وَأَيْنَ شِئْتُمْ. وَإِنَّمَا عَنَى بِالْحَرْثِ الْمُزْدَرَعِ، وَالْحَرْثُ هُوَ الزَّرْعُ، وَلَكِنَّهُنَّ لَمَّا كُنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْحَرْثِ جُعِلْنَ حَرْثًا، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَى الْكَلَامِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٣ / ٧٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: مَنْبَتَ الْوَلَدِ»
٣ / ٧٤٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] أَمَّا الْحَرْثُ فَهِيَ مَزْرَعَةٌ يَحْرُثُ فِيهَا»
٣ / ٧٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَانْكِحُوا مُزْدَرَعَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ وُجُوهِ الْمَأْتَى. وَالْإِتْيَانُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ الْجِمَاعِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى أَنَّى: كَيْفَ
٣ / ٧٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: يَأْتِيهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ فِي الْحَيْضِ»
٣ / ٧٤٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: ائْتِهَا أَنَّى شِئْتَ مُقْبِلَةً، وَمُدْبِرَةً، مَا لَمْ تَأْتِهَا فِي الدُّبُرِ، وَالْمَحِيضِ»
٣ / ٧٤٦
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَعْنِي بِالْحَرْثِ: الْفَرْجَ، يَقُولُ: تَأْتِيَهِ كَيْفَ شِئْتَ مُسْتَقْبَلَةً، وَمُسْتَدْبَرَةً وَعَلَى أَيِّ ذَلِكَ أَرَدْتَ بَعْدَ أَنْ لَا تُجَاوِزَ الْفَرْجَ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢]»
٣ / ٧٤٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: يَأْتِيهَا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ»
٣ / ٧٤٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: يَأْتِيهَا كَيْفَ شَاءَ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ، ⦗٧٤٧⦘ وَالْحَيْضَ»
٣ / ٧٤٦
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ثني يَزِيدُ، أُنَّ ابْنَ كَعْبٍ، كَانَ يَقُولُ: «إِنَّمَا قَوْلُهُ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ: ائْتِهَا مُضْطَجِعَةً، وَقَائِمَةً، وَمُنْحَرِفَةً، وَمُقْبِلَةً، وَمُدْبِرَةً كَيْفَ شِئْتَ إِذَا كَانَ فِي قُبُلِهَا»
٣ / ٧٤٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ لَقِيَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ: أَيَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ بَارِكًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ: كَيْفَ شَاءَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي الْفَرْجِ»
٣ / ٧٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] إِنْ شِئْتَ قَائِمًا، أَوْ قَاعِدًا، أَوْ عَلَى جَنْبٍ إِذَا كَانَ يَأْتِيهَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ الْمَحِيضَ، وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ»
٣ / ٧٤٧
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] ائْتِ حَرْثَكَ كَيْفَ شِئْتَ مِنْ قُبُلِهَا، وَلَا تَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: كَيْفَ شِئْتُمْ»
٣ / ٧٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ ⦗٧٤٨⦘ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ، بَلَغَهُ «أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَلَسُوا يَوْمًا وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ قَرِيبٌ مِنْهُمْ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنِّي لَآتِي امْرَأَتِي وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: إِنِّي لَآتِيهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: إِنِّي لَآتِيهَا عَلَى جَنْبِهَا، وَبَارِكَةً فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: مَا أَنْتُمْ إِلَّا أَمْثَالُ الْبَهَائِمِ، وَلَكِنَّا إِنَّمَا نَأْتِيهَا عَلَى هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَهُوَ الْقُبُلُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى: ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ، وَأَيِّ وَجْهٍ أَحْبَبْتُمْ
٣ / ٧٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى، الْمَرْأَةُ فِي دُبُرِهَا وَيَقُولُ: إِنَّمَا الْحَرْثُ مِنَ الْقُبُلِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ النَّسْلُ، وَالْحَيْضُ. وَيَنْهَى عَنْ إِتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا وَيَقُولُ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ: مِنْ أَيِّ وَجْهٍ شِئْتُمْ»
٣ / ٧٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْعَتَكِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: ظَهْرُهَا لِبَطْنِهَا غَيْرُ مُعَاجِزَةٍ، يَعْنِي الدُّبُرَ»
٣ / ٧٤٨
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ يَزِيدَ، عَنِ ⦗٧٤٩⦘ الْحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَ يَقُولُ: «اسْقِ نَبَاتَكَ مِنْ حَيْثُ نَبَاتِهِ»
٣ / ٧٤٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ. ذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إِنَّ الْعَرَبَ يَأْتُونَ النِّسَاءَ مِنْ قِبَلِ أَعْجَازِهِنَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ؛ فَأَكْذَبَ اللَّهُ أُحْدُوثَتَهُمْ، فَقَالَ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]»
٣ / ٧٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: يَقُولُ: «ائْتُوا النِّسَاءَ فِي غَيْرِ أَدْبَارِهِنَّ عَلَى كُلِّ نَحْو»
٣ / ٧٤٩
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا هَذَا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «ائْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ مُقْبِلَةً، وَمُدْبِرَةً فَقَالَ رَجُلٌ: كَأَنَّ هَذَا حَلَالٌ» فَأَنْكَرَ عَطَاءٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا هَكَذَا، وَأَنْكَرَهُ، كَأَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الْفَرْجَ مُقْبِلَةً، وَمُدْبِرَةً فِي الْفَرْجِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] مَتَى شِئْتُمْ
٣ / ٧٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ: مَتَى شِئْتُمْ»
٣ / ٧٥٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ وَهُوَ عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَمُجَاهِدُ، جَالِسَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَتَاهُ رَجُلٌ فَوَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، أَوْ يَا أَبَا الْفَضْلِ أَلَا تَشْفِينِي عَنْ آيَةِ الْمَحِيضِ؟ فَقَالَ: بَلَى فَقَرَأَ: «﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] حَتَّى بَلَغَ آخِرَ الْآيَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ حَيْثُ جَاءَ الدَّمُ مِنْ ثَمَّ أُمِرْتَ أَنْ تَأْتِيَ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا أَبَا الْفَضْلِ كَيْفَ بِالْآيَةِ الَّتِي تَتْبَعُهَا ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَقَالَ: إِي وَيْحَكَ، وَفِي الدُّبُرِ مِنْ حَرْثٍ؟ لَوْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا لَكَانَ الْمَحِيضُ مَنْسُوخًا إِذَا اشْتَغَلَ مِنْ هَاهُنَا جِئْتَ مِنْ هَاهُنَا وَلَكِنْ أَنَّى شِئْتُمْ مِنَ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيْنَ شِئْتُمْ، وَحَيْثُ شِئْتُمْ
٣ / ٧٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ، إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ لَمْ يَتَكَلَّمْ، قَالَ: فَقَرَأْتُ ذَاتَ يَوْمٍ هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَقَالَ: أَتَدْرِي فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: نَزَلَتْ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ»
٣ / ٧٥١
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبُ الْكَرَابِيسِيِّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «كُنْتُ أُمْسِكُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمُصْحَفَ، إِذْ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ:»﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَقَالَ: أَنْ يَأْتِيَهَا فِي دُبُرِهَا “
٣ / ٧٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: ثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ، قَالَ: قِيلَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: «إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يَنْهَى عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ، فِي أَدْبَارِهِنَّ فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَفْعَلُهُ»
٣ / ٧٥١
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ⦗٧٥٢⦘ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْغِمْرِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ، يَرْوُونَ عَنْ سَالِمٍ: «كَذَبَ الْعَبْدُ أَوِ الْعِلْجُ عَلَى أَبِي»، فَقَالَ مَالِكٌ: أَشْهَدُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَنِي عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ. فَقِيلَ لَهُ: إِنِ الْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ، يَرْوِي، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ، فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ؟ فَقَالَ: وَمَا التَّحْمِيضُ؟ قَالَ: الدُّبُرُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أُفٍّ أُفٍّ، يَفْعَلُ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ؟ أَوْ قَالَ مُسْلِمٌ» فَقَالَ مَالِكٌ: أَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَأَخْبَرَنِي عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ مَا قَالَ نَافِعٌ
٣ / ٧٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي مَاجِدٍ الزِّيَادِيِّ، إِنَّ نَافِعًا يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فِي دُبُرِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ: كَذَبَ نَافِعٌ، صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَنَافِعٌ مَمْلُوكٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ امْرَأَتِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا»
٣ / ٧٥٢
حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، ⦗٧٥٣⦘ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: فِي الدُّبُرِ»
٣ / ٧٥٢
حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «سُئِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ، فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَالَ: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا كَافِرٌ» قَالَ رَوْحٌ: «فَشَهِدْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: قَدْ أَرَدْتُهُ مِنْ جَارِيَةٍ لِي الْبَارِحَةَ فَاعْتَاصَ عَلَيَّ، فَاسْتَعَنْتُ بِدُهْنٍ أَوْ بِشَحْمٍ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا كَافِرٌ فَقَالَ: لَعَنَكَ اللَّهُ وَلَعَنَ قَتَادَةَ فَقُلْتُ: لَا أُحَدَّثُ عَنْكَ شَيْئًا أَبَدًا، ثُمَّ نَدِمْتُ بَعْدَ ذَلِكَ» وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ
٣ / ٧٥٣
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْأَعْشَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] “
٣ / ٧٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ نَافِعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: «أَنَّ رَجُلًا، أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ وَقَالُوا: أَثْفَرَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ائْتُوا حَرْثَكُمْ كَيْفَ شِئْتُمْ، إِنْ شِئْتُمْ فَاعْزِلُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا
٣ / ٧٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] إِنْ شِئْتُمْ فَاعْزِلُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا»
٣ / ٧٥٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَاعْزِلْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَعْزِلْ» ⦗٧٥٥⦘ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] كَيْفَ شِئْتُمْ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً فِي الْفَرْجِ وَالْقُبُلِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي اسْتِنْكَارِ قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ اسْتَنْكَرُوا إِتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَقْبَالِهِنَّ مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِهِنَّ، قَالُوا: وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنِّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَا وَاعْتَلُّوا لِقِيلِهِمْ ذَلِكَ
٣ / ٧٥٤
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ:»﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ بِمَكَّةَ، وَيَتَلَذَّذُونَ بِهِنَّ مُقْبِلَاتٍ، وَمُدْبِرَاتٍ. فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ تَزَوَّجُوا فِي الْأَنْصَارِ، فَذَهَبُوا لِيَفْعَلُوا بِهِنَّ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالنِّسَاءِ بِمَكَّةَ، فَأَنْكَرْنَ ذَلِكَ وَقُلْنَ: هَذَا شَيْءً لَمْ نَكُنْ نُؤْتَى عَلَيْهِ فَانْتَشَرَ الْحَدِيثُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] إِنْ شِئْتَ فَمُقْبِلَةً وَإِنْ شِئْتَ فَمُدْبِرَةً وَإِنْ شِئْتَ فَبَارِكَةً وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ لِلْحَرْثٍ، يَقُولُ: ائْتِ الْحَرْثَ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ ” حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ
٣ / ٧٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ⦗٧٥٦⦘ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: «إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]»
٣ / ٧٥٥
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قَالَتِ الْيَهُودُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا وَكَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ كَانَ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]»
٣ / ٧٥٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ: “تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً، فَأَرَادَ أَنْ يُجَبِّيَهَا، فَأَبَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِي. فَذَكَرَتْ أُمُّ ⦗٧٥٧⦘ سَلَمَةَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَرْسِلِي إِلَيْهَا» فَلَمَّا جَاءَتْ قَرَأَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] «صِمَامًا وَاحِدًا، صِمَامًا وَاحِدًا»
٣ / ٧٥٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ، عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: “قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَزَوَّجُوا فِي الْأَنْصَارِ، وَكَانُوا يَجُبُّونَ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: حَتَّى آتِي النَّبِيَّ ﷺ فَأَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. فَأَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ، فَسَأَلْتُ أَنَا. فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَرَأَ عَلَيْهَا: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] «صِمَامًا وَاحِدًا، صِمَامًا وَاحِدًا» حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
٣ / ٧٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: “﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى ⦗٧٥٨⦘ شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: «صِمَامًا وَاحِدًا، صِمَامًا وَاحِدًا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: ثني وهَيْبٌ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطِ، قَالَ: قُلْتُ لِحَفْصَةَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ عَنْ شَيْءٍ وَأَنَا أَسْتَحِي مِنْكِ أَنْ أَسْأَلَكِ، قَالَتْ: سَلْ يَا بُنَيَّ عَمَّا بَدَا لَكَ قُلْتُ: أَسْأَلُكِ عَنْ غِشْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَتِ الْأَنْصَارُ لَا تُجَبِّي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يُجَبُّونَ، فَتَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ
٣ / ٧٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَارِكَةً جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]»
٣ / ٧٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “جَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ»: «وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ؟» ⦗٧٥٩⦘ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] «أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ، وَالْحَيْضَةَ»
٣ / ٧٥٨
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عَامِرَ بْنَ يَحْيَى، أَخْبَرَهُ عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “أَنَّ نَاسًا، مِنْ حِمْيَرٍ أَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أُحِبُّ النِّسَاءَ، فَكَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَانَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ، وَأَنْزَلَ فِيمَا سَأَلَ عَنْهُ الرَّجُلُ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾
[البقرة: ٢٢٣] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ائْتِهَا مُقْبِلَةً، وَمُدْبِرَةً إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾
[البقرة: ٢٢٣] مِنْ أَيِّ وَجْهٍ شِئْتُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ أَنَّى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ تَدُلُّ إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ عَنِ الْوُجُوهِ، وَالْمَذَاهِبِ، فَكَأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: أَنَّى لَكَ هَذَا الْمَالُ؟ يُرِيدُ مِنْ أَيِّ الْوُجُوهِ لَكَ، وَلِذَلِكَ يُجِيبُ الْمُجِيبُ فِيهِ بِأَنْ يَقُولَ: مِنْ كَذَا ⦗٧٦٠⦘ وَكَذَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ زَكَرِيَّا فِي مَسْأَلَتِهِ مَرْيَمَ: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾
[آل عمران: ٣٧] وَهِيَ مُقَارِبَةٌ أَيْنَ وَكَيْفَ فِي الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ تَدَاخَلَتْ مَعَانِيهَا، فَأَشْكَلَتْ «أَنَّى» عَلَى سَامِعِهَا، وَمُتَأَوِّلِهَا حَتَّى تَأَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى أَيْنَ، وَبَعْضُهُمْ بِمَعْنَى كَيْفَ، وَآخَرُونَ بِمَعْنَى مَتَى، وَهِيَ مُخَالَفَةٌ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مَعْنَاهَا وَهُنَّ لَهَا مُخَالِفَاتٌ. وَذَلِكَ أَنَّ «أَيْنَ» إِنَّمَا هِيَ حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ عَنِ الْأَمَاكِنِ وَالْمَحَالِ، وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى افْتِرَاقِ مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوفِ بِافْتِرَاقِ الْأَجْوِبَةِ عَنْهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِلًا لَوْ سَأَلَ آخَرَ فَقَالَ: أَيْنَ مَالُكَ؟ لَقَالَ بِمَكَانِ كَذَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَيْنَ أَخُوكَ؟ لَكَانَ الْجَوَّابُ أَنْ يَقُولَ: بِبَلْدَةِ كَذَا، أَوْ بِمَوْضِعِ كَذَا، فَيُجِيبَهُ بِالْخَبَرِ عَنْ مَحَلِّ مَا سَأَلَهُ عَنْ مَحَلِّهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ أَيْنَ مَسْأَلَةٌ عَنِ الْمَحَلِّ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لِآخَرَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ لَقَالَ: صَالِحٌ أَوْ بِخَيْرٍ أَوْ فِي عَافِيَةٍ، وَأَخْبَرَهُ عَنْ حَالِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَيُعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ كَيْفَ مَسْأَلَةٌ عَنْ حَالِ الْمَسْئُولِ عَنْ حَالِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَنَّى يُحْيِي اللَّهُ هَذَا الْمَيِّتَ؟ لَكَانَ الْجَوَّابُ أَنْ يُقَالَ: مِنْ وَجْهِ كَذَا وَوَجْهِ كَذَا، فَيَصِفُ قَوْلًا نَظِيرَ مَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِي قَالَ: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾
[البقرة: ٢٥٩] فِعْلًا حِينَ بَعَثَهُ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِ. وَقَدْ فَرَّقَتِ الشُّعَرَاءُ بَيْنَ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهَا، فَقَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ:
[البحر الطويل]
تَذَكَّرَ مِنْ أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ شُرْبُهُ … يُؤَامِرُ نَفْسَيْهِ كَذِي الْهَجْمَةِ الْأَبِلْ
وَقَالَ أَيْضًا ⦗٧٦١⦘:
[البحر المنسرح]
أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ نَابَكَ الطَّرَبُ … مِنْ حَيْثُ لَا صَبْوَةٌ، وَلَا رَيْبُ
فَيُجَاءُ بِـ «أَنَّى» لِلْمَسْأَلَةِ عَنِ الْوَجْهِ وَ«أَيْنَ» لِلْمَسْأَلَةِ عَنِ الْمَكَانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَمِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ رَجَعَكَ الطَّرَبُ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] كَيْفَ شِئْتُمْ، أَوْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى حَيْثُ شِئْتُمْ، أَوْ بِمَعْنَى مَتَى شِئْتُمْ، أَوْ بِمَعْنَى أَيْنَ شِئْتُمْ؛ أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ لِآخَرَ: أَنَّى تَأْتِي أَهْلَكَ؟ لَكَانَ الْجَوَّابُ أَنْ يَقُولَ: مِنْ قُبُلِهَا أَوْ مِنْ دُبُرِهَا، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ مَرْيَمَ إِذْ سُئِلَتْ: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ [آل عمران: ٣٧] أَنَّهَا قَالَتْ: ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٣٧] وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْجَوَّابُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] إِنَّمَا هُو: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ وُجُوهِ الْمَأْتَى، وَأَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ فَلَيْسَ لِلْآيَةِ بِتَأْوِيلٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَبَيِّنٌ خَطَأُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ، لِأَنَّ الدُّبُرَ لَا يُحْتَرَثُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿حَرْثٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَأْتُوا الْحَرْثَ مِنْ أَيِّ وُجُوهِهِ شِئْتُمْ، وَأَيُّ مُحْتَرَثٍ فِي الدُّبُرِ فَيُقَالُ ائْتِهِ مِنْ وَجْهِهِ. وَتَبَيَّنَ بِمَا بَيَّنَّا صِحَّةُ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنِّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ
٣ / ٧٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: قَدِّمُوا ⦗٧٦٢⦘ لِأَنْفُسِكُمُ الْخَيْرَ
٣ / ٧٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، أَمَا قَوْلُهُ: «﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] فَالْخَيْرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، وَإِتْيَانِ الْحَرْثِ قَبْلَ إِتْيَانِهِ
٣ / ٧٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أُرَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قَالَ: التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ، يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ» وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، مَا رُوِّينَا عَنِ السُّدِّيِّ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِتَقْدِيمِ الْخَيْرِ، وَالصَّالِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ لِيَوْمِ مَعَادِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ، عِدَّةً مِنْهُمْ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ عِنْدَ لِقَائِهِ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ، فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٠] وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَقَّبَ قَوْلَهُ: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] بِالْأَمْرِ بِاتِّقَائِهِ فِي رُكُوبِ مَعَاصِيهِ، فَكَانَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ الَّذِي قَبْلَ التَّهْدِيدِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ عَامًّا الْأَمْرَ بِالطَّاعَةِ عَامًّا.
٣ / ٧٦٢
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ الْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] مِنْ قَوْلِهِ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مَا تَوَهَّمْتَهُ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ الَّتِي نَدَبْنَاكُمْ إِلَيْهَا بِقَوْلِنَا: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ٢١٥] وَمَا بَعْدَهُ مِنْ سَائِرِ مَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَجِيبُوا عَنْهُ مِمَّا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ مَا فِيهِ رُشْدُكُمْ وَهِدَايَتُكُمْ إِلَى مَا يُرْضِي رَبَّكُمْ عَنْكُمْ، فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمُ الْخَيْرَ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ، وَاتَّخِذُوا عِنْدَهُ بِهِ عَهْدًا لِتَجِدُوهُ لَدَيْهِ إِذَا لَقِيتُمُوهُ فِي مَعَادِكُمْ، وَاتَّقُوهُ فِي مَعَاصِيهِ أَنْ تَقْرَبُوهَا وَفِي حُدُودِهِ أَنْ تُضَيِّعُوهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا مَحَالَةَ مُلَاقُوهُ فِي مَعَادِكُمْ، فَمُجَازٍ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ
٣ / ٧٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٣] وَهَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ أَنْ يَأْتُوا شَيْئًا مِمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَتَخْوِيفٌ لَهُمْ عِقَابَهُ عِنْدَ لِقَائِهِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ، وَأَمْرٌ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ يُبَشِّرَ مِنْ عِبَادِهِ بِالْفَوْزِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبِكَرَامَةِ الْآخِرَةِ، وَبِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّةِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْسِنًا مُؤْمِنًا بِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِلِقَائِهِ، مُصَدِّقًا إِيمَانَهُ قَوْلًا بِعَمَلِهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ فَرَائِضِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُ مِنْ حُقُوقِهِ، وَبِتَجَنُّبِهِ مَا أَمَرَهُ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ مَعَاصِيهِ