سُورَةُ الْبَقَرَةِ 20

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [البقرة: ١٩٧] قَالَ: وَالتَّقْوَى عَمَلٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ» وَقَدْ بَيِّنَّا مَعْنَى التَّقْوَى فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٣ ‏/ ٥٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ١٩٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّقُونِ يَا أَهْلَ الْعُقُولِ، وَالْأَفْهَامِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِي عَلَيْكُمُ الَّتِي أَوْجَبْتُهَا عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ، وَمَنَاسِكِكُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دِينِي الَّذِي شَرَعْتُهُ لَكُمْ، وَخَافُوا عِقَابِي بِاجْتِنَابِ مَحَارِمِي الَّتِي حَرَّمْتُهَا عَلَيْكُمْ؛ تَنْجُوا بِذَلِكَ مِمَّا تَخَافُونَ مِنْ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، وَعِقَابِي، وَتُدْرِكُوا مَا تَطْلُبُونَ مِنَ الْفَوْزِ بِجَنَّاتِي. وَخَصَّ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالْخِطَابِ بِذَلِكَ أُولِي الْأَلْبَابِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَأَهْلُ الْفِكْرِ الصَّحِيحِ وَالْمَعْرِفَةِ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي بِالْعُقُولِ تُدْرَكُ وَبْالْأَلْبَابِ تُفْهَمُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فِي الْخِطَابِ بِذَلِكَ حَظًّا، إِذْ كَانُوا أَشْبَاحًا كَالْأَنْعَامِ، وَصِوَرًا كَالْبَهَائِمِ، بَلْ هُمْ مِنْهَا أَضَلُّ سَبِيلًا. وَالْأَلْبَابُ: جَمْعُ لُبٍّ، وَهُوَ الْعَقْلُ
٣ ‏/ ٥٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: ١٩٨] ” يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ذِكْرُهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ جُنَاحٌ. وَالْجَنَاحُ: الْحَرَجُ
٣ ‏/ ٥٠١
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَهُوَ لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي الشِّرَاءِ، وَالْبَيْعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَهُ»
٣ ‏/ ٥٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] يَعْنِي أَنْ تَلْتَمِسُوا فَضْلًا مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ، يُقَالُ مِنْهُ: ابْتَغَيْتُ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَبْتَغِيهِ ابْتِغَاءً: إِذَا طَلَبَتْهُ وَالْتَمَسْتُهُ، وَبَغَيْتُهُ أَبْغِيهِ بَغْيًا، كَمَا قَالَ عَبْدُ بَنِي الْحَسْحَاسِ:
[البحر الطويل] بَغَاكَ وَمَا تَبْغِيهِ حَتَّى وَجَدْتَهُ … كَأَنَّكَ قَدْ وَاعَدْتَهُ أَمْسِ مَوْعِدَا
يَعْنِي طَلَبَكَ وَالْتَمَسَكَ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ مِنَ اللَّهِ: الْتِمَاسُ رِزْقِ اللَّهِ بِالتِّجَارَةِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا لَا يَرَوْنَ أَنْ يَتَّجِرُوا إِذَا أَحْرَمُوا يَلْتَمِسُونَ الْبِرَّ بِذَلِكَ، فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ لَا بِرَّ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ لَهُمُ الْتِمَاسَ فَضْلِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ
٣ ‏/ ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانُوا يَحُجُّونَ، وَلَا يَتَّجِرُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: فِي الْمَوْسِمِ»
٣ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: ⦗٥٠٣⦘ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يُحَدِّثُ، قَالَ: «كَانَ نَاسٌ لَا يَتَّجِرُونَ أَيَّامَ الْحَجِّ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]»
٣ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو لَيْلَى، عَنْ بُرَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ تبارك وتعالى: “﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: إِذَا كُنْتُمْ «مُحْرِمِينَ أَنْ تَبِيعُوا، وَتَشْتَرُوا»
٣ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنَا طَلِيقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: “إِنَّا قَوْمٌ نُكْرِي فَهَلْ لَنَا حَجٌّ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَتَأْتُونَ الْمُعَرَّفَ، وَتَرْمُونَ الْجِمَارَ، وَتَحْلِقُونَ رُءُوسَكُمْ؟ فَقُلْنَا: بَلَى. قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ: ﷺ فَسَأَلَهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ لَهُ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةٍ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنْتُمْ حُجَّاجٌ»
٣ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كَانَتْ تُقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: هُوَ التِّجَارَةُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالِاشْتِرَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ»
٣ ‏/ ٥٠٤
حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا:»﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ “
٣ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ مَتْجَرِ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُكَاظٌ، وَذُو الْمَجَازِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]»
٣ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ ⦗٥٠٥⦘ أَبِي أُمَيْمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، «وَسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَحُجُّ، وَمَعَهُ تِجَارَةٌ، فَقَرَأَ ابْنُ عُمَرَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]»
٣ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانُوا لَا يَتَّجِرُونَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، فَنَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]»
٣ ‏/ ٥٠٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَوْلِهِ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ» هَكَذَا قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ
٣ ‏/ ٥٠٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: التِّجَارَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ»
٣ ‏/ ٥٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ ⦗٥٠٦⦘ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: التِّجَارَةُ أُحِلَّتْ لَهُمْ فِي الْمَوَاسِمِ، قَالَ: فَكَانُوا لَا يَبِيعُونَ، أَوْ يَبْتَاعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِعَرَفَةَ» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ لَا يَعُرُجُونَ عَلَى كَسِيرٍ، وَلَا ضَالَّةٍ لَيْلَةَ النَّفْرِ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لَيْلَةَ الصَّدْرِ، وَلَا يَطْلُبُونَ فِيهَا تِجَارَةً، وَلَا بَيْعًا، فَأَحَلَّ اللَّهُ عز وجل ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْرُجُوا عَلَى حَوَائِجَهُمْ، وَيَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ رَبِّهِمْ»
٣ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ [البقرة: ١٩٨] أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ «فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَتْ ذُو الْمَجَازِ، وَعُكَاظٌ مَتْجَرًا لِلنَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ تَرَكُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، وَالْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: «كَانَ بَعْضُ الْحَاجِّ يُسَمَّوْنَ الدَّاجَ، فَكَانُوا يَنْزِلُونَ فِي الشِّقَّ الْأَيْسَرَ مِنْ مِنًى، وَكَانَ الْحَاجُّ يَنْزِلُونَ عِنْدَ مَسْجِدِ مِنًى، فَكَانُوا لَا يَتَّجِرُونَ، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَحُجُّوا»
٣ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ نَاسٌ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَّجِرُونَ، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْمَتْجَرِ، وَالرُّكُوبِ، وَالزَّادِ»
٣ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلِهِ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] هِيَ التِّجَارَةُ، قَالَ: اتَّجِرُوا فِي الْمَوْسِمِ»
٣ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَتَبَايَعُوا حَتَّى يَقْضُوا حَجَّهُمْ، فَأَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمْ»
٣ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانُوا يَتَّقُونَ الْبُيُوعَ، وَالتِّجَارَةَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ، يَقُولُونَ أَيَّامَ ذِكْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَحُجُّوا»
٣ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِالتِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]»
٣ ‏/ ٥٠٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ ⦗٥٠٩⦘ أَنَسٍ، قَوْلَهُ: «﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ لَا يَعْرُجُونَ عَلَى كَسِيرٍ، وَلَا عَلَى ضَالَّةٍ، وَلَا يَنْتَظِرُونَ لِحَاجَةٍ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لَيْلَةَ الصَّدْرِ، وَلَا يَطْلُبُونَ فِيهَا تِجَارَةً، فَأَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنْ يَعْرُجُوا عَلَى حَاجَتِهِمْ، وَأَنْ يَطْلُبُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ»
٣ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مِنْدَلٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مَوْلَى عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كُنْتُمْ تَتَّجِرُونَ فِي الْحَجِّ؟ قَالَ: وَهَلْ كَانَتْ مَعَايِشُهُمْ إِلَّا فِي الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّا قَوْمٌ نُكْرِي فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا حَجٌّ؟ قَالَ:»أَلَسْتُمْ تُحْرِمُونَ كَمَا يُحْرِمُونَ، وَتَطُوفُونَ كَمَا يَطُوفُونَ، وَتَرْمُونَ كَمَا يَرْمُونَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَأَنْتَ حَاجٌّ؛ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]
٣ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانُوا إِذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتِ لَمْ يَتَّجِرُوا بِتِجَارَةٍ، وَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى كَسِيرٍ، وَلَا عَلَى ضَالَّةٍ؛ فَأَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٣ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانُوا يَتَّجِرُونَ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا مِنْهَا، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ [البقرة: ١٩٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَإِذَا رَجَعْتُمْ مِنْ حَيْثِ بَدَأْتُمْ. وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَّذِي يَضْرِبُ الْقِدَاحَ بَيْنَ الْأَيْسَارِ مُفِيضٌ، لِجَمْعِهِ الْقِدَاحَ، ثُمَّ إِفَاضَتِهِ إِيَّاهَا بَيْنَ الْيَاسِرِينَ، وَمِنْهُ قَوْلُ بِشْرِ بْنِ أَبِي خَازِمٍ الْأَسَدِيِّ
٣ ‏/ ٥١٠
:
[البحر الطويل] فَقُلْتُ لَهَا رُدِّي إِلَيْهِ جِنَانَهُ … فَرَدَّتْ كَمَا رَدَّ الْمَنِيحَ مُفِيضُ
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي عَرَفَاتٍ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا صُرِفَتْ وَهِيَ مَعْرِفَةٌ، وَهَلْ هِيَ اسْمٌ لِبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ هِيَ لِجَمَاعَةِ بِقَاعٍ؟ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ: هِيَ اسْمٌ كَانَ لِجَمَاعَةٍ مِثْلَ مُسْلِمَاتٍ وَمُؤْمِنَاتٍ، سُمِّيَتْ بِهِ بُقْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَصُرِفَ لَمَّا سُمِّيَتْ بِهِ الْبُقْعَةُ الْوَاحِدَةُ، إِذْ كَانَ مَصْرُوفًا قَبْلَ أَنْ تُسَمَّى بِهِ الْبُقْعَةُ تَرْكًا مِنْهُمْ لَهُ عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّاءَ فِيهِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ فِي مُسْلِمَيْنِ وَمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُ تَذْكِيرُهُ، وَصَارَ التَّنْوِينُ بِمَنْزِلَةِ النُّونِ، فَلَمَّا سُمَيَّ بِهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ كَمَا يُتْرُكُ «الْمُسْلِمُونَ» إِذَا سُمَيَّ بِهِ عَلَى حَالِهِ قَالَ: وَمَنِ الْعَرَبِ مَنْ لَا يَصْرِفُهُ إِذَا سُمَيَّ بِهِ، وَيُشَبِّهُ التَّاءَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ؛ وَذَلِكَ قَبِيحٌ ضَعِيفٌ. وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ … وَأَهْلُهَا بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُنَوِّنُ أَذْرِعَاتٍ، وَكَذَلِكَ عَانَاتٌ وَهُوَ مَكَانٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: إِنَّمَا انْصَرَفَتْ عَرَفَاتٌ لِأَنَّهُنَّ عَلَى جِمَاعِ مُؤَنَّثٍ بِالتَّاءِ.
٣ ‏/ ٥١١
قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِمَاعِ مُؤَنَّثٍ بِالتَّاءِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ رَجُلًا أَوْ مَكَانًا أَوِ أَرْضًا أَوِ امْرَأَةً انْصَرَفَتْ. قَالَ: وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تُسَمِّي شَيْئًا مِنَ الْجِمَاعِ إِلَّا جِمَاعًا، ثُمَّ تَجْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاحِدًا. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: لَيْسَتْ عَرَفَاتٌ حِكَايَةً وَلَا هِيَ اسْمٌ مَنْقُولٌ؛ وَلَكِنَّ الْمَوْضِعَ مُسَمًّى هُوَ وَجَوَانِبُهُ بِعَرَفَاتٍ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهَا الْبُقْعَةُ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ، وَلَا يَنْفَرِدُ وَاحِدُهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْأَمَاكِنِ وَالْمَوَاضِعِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ. قَالَ: وَلِذَلِكَ نُصَبَتِ الْعَرَبُ التَّاءَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ، وَلَوْ كَانَ مَحْكِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ جَائِزًا، لِأَنَّ مَنْ سَمَّى رَجُلًا مُسْلِمَاتٍ، أَوْ بِمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْقُلْهُ فِي الْإِعْرَابِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ، فَلِذَلِكَ خَالَفَ عَانَاتٍ، وَأَذْرِعَاتٍ مَا سُمَيَّ بِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ لِعَرَفَاتٍ عَرَفَاتٌ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ لَهَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ لَمَّا رَآهَا عَرَفَهَا بِنَعْتِهَا الَّذِي كَانَ لَهَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَاتٍ بِذَلِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَائِلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَرَفَاتٍ اسْمٌ لِلْبُقْعَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنَفْسِهَا وَمَا حَوْلَهَا، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبٌ أَخْلَاقٌ، وَأَرْضٌ سَبَاسِبٌ، فَتُجْمَعُ بِمَا حَوْلَهَا
٣ ‏/ ٥١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا أَذَّنَ إِبْرَاهِيمُ، فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَاتٍ، وَنَعَتَهَا فَخَرَجَ، فَلَمَّا بَلَغَ الشَّجَرَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، اسْتَقْبَلَهُ الشَّيْطَانُ يَرُدَّهُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَصَدَّهُ أَيْضًا، فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ، فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُطِيقُهُ، وَلَمْ يَدْرِ إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ يَذْهَبُ، انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى ذَا الْمَجَازِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ جَازَ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا الْمَجَازِ. ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى وَقَعَ بِعَرَفَاتٍ؛ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا عَرَفَ النَّعْتَ، قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، فَسُمِّيَ عَرَفَاتٍ. فَوَقَفَ إِبْرَاهِيمُ، بِعَرَفَاتٍ، حَتَّى إِذَا أَمْسَى ازْدَلَفَ إِلَى جَمْعٍ، فَسُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةَ، فَوَقَفَ بِجَمْعٍ»
٣ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: «لَمَّا وَقَفَ جِبْرِيلُ، بِإِبْرَاهِيمَ، عليهما السلام بِعَرَفَاتٍ، قَالَ: عَرَفْتُ، فَسَمَّيْتُ عَرَفَاتٍ لِذَلِكَ»
٣ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه: «بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ، إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَحَجَّ بِهِ، فَلَمَّا أَتَى عَرَفَةَ قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، وَكَانَ قَدْ أَتَاهَا مَرَّةً قَبْلَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ ⦗٥١٤⦘ سُمِّيَتْ عَرَفَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِنَفْسِهَا وَبِبِقَاعِ أُخَرَ سِوَاهَا
٣ ‏/ ٥١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي طِهْفَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَرَفَاتٌ، لِأَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام، كَانَ يَقُولُ لِإِبْرَاهِيمَ: هَذَا مَوْضِعُ كَذَا، وَهَذَا مَوْضِعُ كَذَا، فَيَقُولُ: قَدْ عَرَفْتُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عَرَفَاتٍ»
٣ ‏/ ٥١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَتْ عَرَفَةُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُرِي إِبْرَاهِيمَ، عليهما السلام الْمَنَاسِكَ، فَيَقُولُ: عَرَفْتُ عَرَفْتُ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَاتٍ»
٣ ‏/ ٥١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَصْلُ الْجَبَلِ الَّذِي يَلِي عُرَنَةَ وَمَا وَرَاءَهُ مَوْقِفٌ حَتَّى يَأْتِيَ الْجَبَلُ جَبَلَ عَرَفَةَ»
٣ ‏/ ٥١٤
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: «عَرَفَاتٌ: النَّبْعَةُ، وَالنَّبِيعَةُ، وَذَاتُ النَّابِتِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَهُوَ الشِّعْبُ الْأَوْسَطُ»
٣ ‏/ ٥١٥
وَقَالَ زَكَرِيَّا: «مَا سَالَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ إِلَى عَرَفَةَ، فَهُوَ مِنْ عَرَفَةَ، وَمَا دَبُرَ ذَلِكَ الْجَبَلَ فَلَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ» وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ نَظِيرَ مَا يُسَمَّى الْوَاحِدُ بِاسْمِ الْجَمَاعَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَشْخَاصِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: هُوَ اسْمٌ لِوَاحِدٍ سُمَيَّ بِجِمَاعٍ، فَإِذَا صُرِفَ ذُهِبَ بِهِ مَذْهَبَ الْجِمَاعِ الَّذِي كَانَ لَهُ أَصْلًا، وَإِذَا تُرِكَ صَرْفُهُ ذُهِبَ بِهِ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ مَعْرُوفَةٍ، فَتُرِكَ صَرْفُهُ كَمَا يُتْرَكُ صَرْفُ أَسْمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَالْقُرَى، الْمَعَارِفِ
٣ ‏/ ٥١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَكَرَرْتُمْ رَاجِعِينَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى حَيْثُ بَدَأْتُمُ الشُّخُوصَ إِلَيْهَا مِنْهُ ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٩٨] يَعْنِي بِذَلِكَ الصَّلَاةَ، وَالدُّعَاءَ ﴿عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ الْمَشَاعِرَ هِيَ الْمَعَالِمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: شَعَرْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ: أَيْ عَلِمْتُ، فَالْمَشْعَرُ هُوَ الْمَعْلَمُ، سُمَيَّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَهُ وَالْمَقَامَ، وَالْمَبِيتَ، وَالدُّعَاءَ مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ، وَفُرُوضِهِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ
٣ ‏/ ٥١٥
وَقَدْ ⦗٥١٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: «يُسْتَحَبُّ لِلْحَاجِّ أَنْ يُصَلِّيَ، فِي مَنْزِلِهِ بِالْمُزْدَلِفَةِ إِنِ اسْتَطَاعَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨]» فَأَمَّا الْمَشْعَرُ فَإِنَّهُ هُوَ مَا بَيْنَ جَبَلَيِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ مَأْزَمَيْ عَرَفَةَ إِلَى مُحَسِّرٍ، وَلَيْسَ مَأْزَمَا عَرَفَةَ مِنَ الْمَشْعَرِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٣ ‏/ ٥١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «رَأَى ابْنُ عُمَرَ، النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ عَلَى الْجُبَيْلِ بِجَمْعٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ جَمْعًا كُلَّهَا مَشْعَرٌ»
٣ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: «﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: هُوَ الْجَبَلُ وَمَا حَوْلَهُ»
٣ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ⦗٥١٧⦘ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ اللَّذَيْنِ بِجَمْعٍ مَشْعَرٌ» حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: مَا بَيْنَ جَبَلَيِ الْمُزْدَلِفَةِ»
٣ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ: الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا» قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَهُ قَتَادَةُ
٣ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨] قَالَ: مَا بَيْنَ جَبَلَيِ الْمُزْدَلِفَةِ هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ»
٣ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، ⦗٥١٨⦘ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: «إِذَا انْطَلَقْتَ مَعِي أَعْلَمْتُكَهُ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَوَقَفْنَا حَتَّى إِذَا أَفَاضَ الْإِمَامُ سَارَ وَسِرْنَا مَعَهُ، حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَابِ، وَكُنَّا فِي أَقْصَى الْجِبَالِ مِمَّا يَلِي عَرَفَاتٍ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟ أَخَذْتُ فِيهِ، قُلْتُ: مَا أَخَذْتُ فِيهِ؟ قَالَ: كُلُّهَا مَشَاعِرٌ إِلَى أَقْصَى الْحَرَمِ»
٣ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. قَالَ: «إِنْ تَلْزَمْنِي أُرِكَهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَفَاضَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ، وَهَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَابِ فِي أَدْنَى الْجِبَالِ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: قُلْتُ: هَا أَنَا ذَاكَ، قَالَ: أَخَذْتُ فِيهِ، قُلْتُ: مَا أَخَذْتَ فِيهِ؟ قَالَ: حِينَ هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَابِ فِي أَدْنَى الْجِبَالِ فَهُوَ مَشْعَرٌ إِلَى مَكَّةَ»
٣ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ مَكْحُولٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَوْمَ عَرَفَةَ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟ فَقَالَ: «الْزَمْنِي فَلَمَّا كَانَ مِنَ ⦗٥١٩⦘ الْغَدِ وَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؟ هَذَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ»
٣ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ: الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا»
٣ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَيْنَ الْمُزْدَلِفَةُ؟ قَالَ: «إِذَا أَفَضْتَ مِنْ مَأْزَمَيْ عَرَفَةَ، فَذَلِكَ إِلَى مُحَسِّرٍ. قَالَ: وَلَيْسَ الْمَأْزَمَانِ مَأْزَمَا عَرَفَةَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَلَكِنْ مَفَاضَاهُمَا. قَالَ: قِفْ بَيْنَهُمَا إِنْ شِئْتَ، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تَقِفَ دُونَ قُزَحَ هَلُمَّ إِلَيْنَا مِنْ أَجْلِ طَرِيقِ النَّاسِ»
٣ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: “رَآهُمُ ابْنُ عُمَرَ، يَزْدَحِمُونَ عَلَى قُزَحَ، فَقَالَ: «عَلَامَ يَزْدَحِمُ هَؤُلَاءِ كُلُّ مَا هَاهُنَا مَشْعَرٌ»
٣ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا» ⦗٥٢٠⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَذَلِكَ لَيْلَةَ جَمْعٍ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ مَشْعَرٌ»
٣ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ هُوَ مَا بَيْنَ جِبَالِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَيُقَالُ: هُوَ قَرْنُ قُزَحَ»
٣ ‏/ ٥٢٠
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَهِيَ الْمُزْدَلِفَةُ، وَهِيَ جَمْعٌ»
٣ ‏/ ٥٢٠
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَا حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: «لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»
٣ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: «الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ: مَا بَيْنَ جَبَلَيْ مُزْدَلِفَةَ»
٣ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ،؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ»
٣ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ: عَنْ أَبِي ⦗٥٢١⦘ إِسْحَاقَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْجُبَيْلُ وَمَا حَوْلَهُ مَشَاعِرٌ»
٣ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ، قَالَ: «وَقَفْتُ مَعَ مُجَاهِدٍ، عَلَى الْجُبَيْلِ، فَقَالَ: هَذَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ»
٣ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا حَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «الْجُبَيْلُ وَمَا حَوْلَهُ مَشَاعِرٌ» وَإِنَّمَا جَعَلْنَا أَوَّلَ حَدِّ الْمَشْعَرِ مِمَّا يَلِي مِنًى مُنْقَطِعَ وَادِي مُحَسِّرٍ مِمَّا يَلِي الْمُزْدَلِفَةَ
٣ ‏/ ٥٢١
لِأَنَّ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ” عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا عُرَنَةَ، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا مُحَسِّرًا»
٣ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ إِلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ
٣ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فِي خُطْبَتِهِ: «تَعَلَّمُنَّ أَنَّ عَرَفَةَ، كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ، تَعَلَّمُنَّ أَنَّ مُزْدَلِفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ» ⦗٥٢٢⦘ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنِّي أَخْتَارُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَجْعَلَ وُقُوفَهُ لِذِكْرِ اللَّهِ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عَلَى قُزَحَ وَمَا حَوْلَهُ
٣ ‏/ ٥٢١
لِأَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: “لَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمُزْدَلِفَةِ، غَدَا فَوَقَفَ عَلَى قُزَحَ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا الْمَوْقِفُ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِهِ
٣ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَأَحْمَدُ الدُّولَابِيُّ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ، عَنِ ابْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَاقِفًا عَلَى قُزَحَ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا، أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا، ثُمَّ دَفَعَ»
٣ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ، قَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِجَمْعٍ صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا، وَغَدَوْنَا مَعَهُ حَتَّى وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى قُزَحَ، ثُمَّ دَفَعَ الْإِمَامُ فَدَفَعَ بِدَفْعَتِهِ» وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حِينَ صَارَ بِالْمُزْدَلِفَةِ: «هَذَا كُلُّهُ مَشَاعِرٌ إِلَى مَكَّةَ»، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَعَالِمٌ مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ بِنُسُكٍ فِي كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْهَا بَعْضُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، لَا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ الَّذِي يَكُونُ الْوَاقِفُ حَيْثُ وَقَفَ مِنْهُ إِلَى بَطْنِ مَكَّةَ قَاضِيًا مَا عَلَيْهِ مِنَ الْوقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مِنْ جَمْعٍ. وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ: «لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ» فَلَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْ حَدِّ أَوَّلِهِ وَمُنْتَهَى آخِرِهِ عَلَى حَقَّهِ وَصِدْقِهِ؛ لِأَنَّ حُدُودَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهَا حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهَا زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَدِّ أَوَّلِهِ وَمُنْتَهَى آخِرِهِ وقُوفًا لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ إِلَّا مَنْ ذَكَرْتُ، فَمَوْضِعُ الْحَاجَةِ لِلْوُقُوفِ لَا خِفَاءَ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ سُكَّانِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَكَثِيرٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَشَاعِرِ الْحَجِّ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عز وجل عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَنْسِكُوا عِنْدَهَا كَعَرَفَاتٍ وَمِنًى، وَالْحَرَمِ
٣ ‏/ ٥٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لِمَنِ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: ١٩٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالشُّكْرِ لَهُ عَلَى أَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ، وَلْيَكُنْ ذِكْرُكُمْ إِيَّاهُ بِالْخُضُوعِ لِأَمْرِهِ، وَالطَّاعَةِ
٣ ‏/ ٥٢٣
لَهُ وَالشُّكْرِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنَ التَّوْفِيقِ، لِمَا وَفَّقَكُمْ لَهُ مِنْ سُنَنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِهِ بَعْدَ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْحِيرَةِ، وَالْعَمَى عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ وَبُعْدِ الضَّلَالَةِ كَذِكْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْهُدَى، حَتَّى اسْتَنْقَذَكُمْ مِنَ النَّارِ بِهِ بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْهَا، فَنَّجَاكُمْ مِنْهَا. وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لِمَنِ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: ١٩٨] فَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مَنْ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ «إِنَّ» إِلَى تَأْوِيلِ «مَا»، وَتَأْوِيلُ اللَّامِ الَّتِي فِي «لِمَنْ» إِلَى «إِلَّا» . فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: وَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ هِدَايَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ لِمَا هَدَاكُمْ لَهُ مِنْ مِلَّةِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي اصَّطَفَاهَا لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا مِنَ الضَّالِّينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ «إِنَّ» إِلَى «قَدْ»، فَمَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَمَا ذَكَرَكُمْ بِالْهُدَى، فَهَدَاكُمْ لِمَا رَضِيَهُ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَالْمِلَلِ، وَقَدْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ مِنَ الضَّالِّينَ
٣ ‏/ ٥٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَمَنِ الْمَعْنِيِّ بِالْأَمْرِ بِالْإِفَاضَةِ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، وَمَنِ النَّاسِ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْإِفَاضَةِ مِنْ مَوْضِعِ إِفَاضَتِهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ [البقرة: ١٩٩] قُرَيْشٌ، وَمَنْ وَلَدَتْهُ قُرَيْشٌ الَّذِينَ كَانُوا يُسَمَّوْنَ فِي ⦗٥٢٥⦘ الْجَاهِلِيَّةِ الْحُمْسَ أُمِرُوا فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يُفِيضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ، وَهِيَ الَّتِي أَفَاضَ مِنْهَا سَائِرُ النَّاسِ غَيْرَ الْحُمْسِ. وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَمَنْ وَلَدَتْهُ قُرَيْشٌ، كَانُوا يَقُولُونَ: لَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ. فَكَانُوا لَا يَشْهَدُونَ مَوْقِفَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ مَعَهُمْ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالْوقُوفِ مَعَهُمْ
٣ ‏/ ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِهَا وَهُمُ الْحُمْسُ، يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ: نَحْنُ قَطِينُ اللَّهِ، وَكَانَ مَنْ سِوَاهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩]»
٣ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا أَبَانُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ «كَتَبْتَ إِلَيَّ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ» إِنِّي أَحْمَسُ «وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَقَالَهَا النَّبِيُّ أَمْ لَا؟ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُهَا تُحَدَّثُ عَنْهُ. وَالْحُمْسُ: مِلَّةُ قُرَيْشٍ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَمَنْ ⦗٥٢٦⦘ وَلَدَتْ قُرَيْشٌ فِي خُزَاعَةَ، وَبَنِي كِنَانَةَ. كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ، إِنَّمَا كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَكَانَتْ بَنُو عَامِرٍ حُمْسًا، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَلَدَتْهُمْ، وَلَهُمْ قِيلَ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] وَأَنَّ الْعَرَبَ كُلَّهَا كَانَتْ تُفِيضُ مِنْ عَرَفَةَ إِلَّا الْحُمْسَ كَانُوا يَدْفَعُونَ إِذَا أَصْبَحُوا مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ»
٣ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتِ الْعَرَبُ تَقِفُ بِعَرَفَةَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقِفُ دُونَ ذَلِكَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] فَرَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَوْقِفَ إِلَى مَوْقِفِ الْعَرَبِ بِعَرَفَةَ»
٣ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] مِنْ حَيْثُ تُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ»
٣ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، ⦗٥٢٧⦘ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ هَبَطَ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي الْمَلَائِكَةِ، فَيَقُولُ: هَلُمَّ إِلَيَّ عِبَادِي، آمَنُوا بِوَعْدِي وَصَدِّقُوا رُسُلِي فَيَقُولُ: مَا جَزَاؤُهُمْ؟ فَيُقَالُ: أَنْ تَغْفِرَ لَهُمْ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٩]»
٣ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] قَالَ: عَرَفَةُ. قَالَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ: نَحْنُ الْحُمْسُ أَهْلُ الْحَرَمِ وَلَا نَخْلُفُ الْحَرَمَ وَنَفِيضُ عَنِ الْمُزْدَلِفَةِ. فَأُمِرُوا أَنْ يَبْلُغُوا عَرَفَةَ»
٣ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩]، قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَكُلُّ حَلِيفٍ لَهُمْ، وَبَنِي أُخْتٍ لَهُمْ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ، إِنَّمَا يُفِيضُونَ مِنَ الْمُغَمَّسِ وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ، فَلَا نَخْرُجُ مِنْ حَرَمِهِ. فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ سُنَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ، هَكَذَا: الْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَاتٍ»
٣ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقِفُ بِعَرَفَاتٍ، فَتُعَظِّمُ قُرَيْشٌ أَنْ تَقِفَ مَعَهُمْ، فَتَقِفُ قُرَيْشٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ؛ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُفِيضُوا مَعَ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ»
٣ ‏/ ٥٢٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩]، قَالَ: «كَانَتْ قُرَيْشٌ وَكُلُّ ابْنِ أُخْتٍ، وَحَلِيفٌ لَهُمْ لَا يُفِيضُونَ مَعَ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ، يَقِفُونَ فِي الْحَرَمِ وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا نَحْنُ أَهْلُ حَرَمِ اللَّهِ فَلَا نَخْرُجُ مِنْ حَرَمِهِ. فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ؛ وَكَانَتْ سُنَّةُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ، الْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَاتٍ»
٣ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ ” كَانَتْ قُرَيْشٌ لَا أَدْرِي قَبْلَ الْفِيلِ أَوْ بَعْدَهُ ابْتَدَعْتَ أَمْرَ الْحُمْسِ، رَأْيًا رَأَوْهُ بَيْنَهُمْ؛ قَالُوا: نَحْنُ بَنُو إِبْرَاهِيمَ، وَأَهْلُ الْحُرْمَةِ وَولَاةُ الْبَيْتِ، وَقَاطِنُو مَكَّةَ وَسَاكِنُوهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ مِثْلُ حَقِّنَا، وَلَا مِثْلُ مَنْزِلِنَا، وَلَا تَعْرِفُ لَهُ الْعَرَبُ مِثْلَ مَا تَعْرِفُ لَنَا، فَلَا تُعَظِّمُوا شَيْئًا مِنَ الْحِلِّ كَمَا تُعَظِّمُونَ الْحَرَمَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَخَفَّتِ الْعَرَبُ بِحَرَمِكُمْ، وَقَالُوا: قَدْ عَظَّمُوا مِنَ الْحِلِّ مِثْلَ مَا عَظَّمُوا مِنَ الْحَرَمِ. فَتَرَكُوا الْوقُوفَ عَلَى عَرَفَةَ، وَالْإِفَاضَةَ مِنْهَا، وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّهَا مِنَ الْمَشَاعِرِ وَالْحَجِّ وَدِينِ إِبْرَاهِيمَ، وَيَرَوْنَ لِسَائِرِ النَّاسِ أَنْ يَقِفُوا عَلَيْهَا، وَأَنْ يُفِيضُوا مِنْهَا. إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنَ الْحُرْمَةِ،
٣ ‏/ ٥٢٨
وَلَا نُعَظِّمُ غَيْرَهَا كَمَا نُعَظِّمُهَا نَحْنُ الْحُمْسُ، وَالْحُمْسُ: أَهْلُ الْحَرَمِ ثُمَّ جَعَلُوا لِمَنْ وَلَدُوا مِنَ الْعَرَبِ مِنْ سَاكِنِي الْحِلِّ مِثْلَ الَّذِي لَهُمْ بِوِلَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، فَيَحِلُّ لَهُمْ مَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ. وَكَانَتْ كِنَانَةُ، وَخُزَاعَةُ قَدْ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ ابْتَدَعُوا فِي ذَلِكَ أُمُورًا لَمْ تَكُنْ، حَتَّى قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِلْحُمْسِ أَنْ يَأْقِطُوا الْأَقِطَ، وَلَا يَسْأَلُوا السَّمْنَ، وَهُمْ حَرَمٌ، وَلَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ شَعَرٍ، وَلَا يَسْتَظِلُّوا إِنِ اسْتَظَلُّوا إِلَّا فِي بُيُوتِ الْأَدَمِ مَا كَانُوا حَرَامًا، ثُمَّ رَفَعُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحِلِّ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَامٍ جَاءُوا بِهِ مَعَهُمْ مِنَ الْحِلِّ فِي الْحَرَمِ إِذَا جَاءُوا حُجَّاجًا، أَوْ عُمَّارًا، وَلَا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمُوا أَوَّلَ طَوَافِهِمْ إِلَّا فِي ثِيَابِ الْحُمْسِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا شَيْئًا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاةً. فَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ الْعَرَبَ فَدَانَتْ بِهِ، وَأَخَذُوا بِمَا شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ حِينَ أَحْكَمَ لَهُ دِينَهُ، وَشَرَعَ لَهُ حُجَّتَهُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنِ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٩] يَعْنِي قُرَيْشًا وَالنَّاسُ الْعَرَبُ. فَرَفَعَهُمْ فِي سَنَةِ الْحَجِّ إِلَى عَرَفَاتٍ، وَالْوُقُوفِ عَلَيْهَا، وَالْإِفَاضَةِ مِنْهَا؛ فَوَضَعَ اللَّهُ أَمْرَ الْحُمْسِ، وَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ ابْتَدَعْتَ مِنْهُ عَنِ النَّاسِ بِالْإِسْلَامِ حِينَ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ “
٣ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: «كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقِفُ ⦗٥٣٠⦘ بِقُزَحَ، وَكَانَ النَّاسُ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ. قَالَ: فَأَنْزَلَهُ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩]» وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ [البقرة: ١٩٩] الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، وَالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] مِنْ جَمْعٍ، وَبِالنَّاسِ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ عليه السلام
٣ ‏/ ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ أَبِي بِسْطَامٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «هُوَ إِبْرَاهِيمُ» وَالَّذِي نَرَاهُ صَوَابًا مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّهُ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ قُرَيْشًا وَمَنْ كَانَ مُتَحَمِّسًا مَعَهَا مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، فَلَا رَفَثَ، وَلَا فُسُوقَ، وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. وَهَذَا إِذْ كَانَ مَا وَصَفْنَا تَأْوِيلَهُ فَهُوَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَالْمُؤَخَّرُ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانَنًا فِي مِثْلِهِ، وَلَوْلَا إِجْمَاعُ مَنْ وَصَفْتُ
٣ ‏/ ٥٣٠
إِجْمَاعَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ لَقُلْتُ: أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ إِبْرَاهِيمُ؛ لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَا شَكَّ أَنَّهَا قَبْلَ الْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ، وَقِيلَ وُجُوبُ الذَّكَرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ لَا شَكَّ كَذَلِكَ وَكَانَ اللَّهُ عز وجل إِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِفَاضَةِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَفَاضَ مِنْهُ النَّاسُ بَعْدَ انْقِضَاءِ ذِكْرِ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَبَعْدَ أَمْرِهِ بِذِكْرِهِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْإِفَاضَةِ إِلَّا مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ يُفِيضُوا مِنْهُ دُونَ الْمَوْضِعِ الَّذِي قَدِ أَفَاضُوا مِنْهُ، وَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي قَدْ أَفَاضُوا مِنْهُ فَانْقَضَى وَقْتُ الْإِفَاضَةِ مِنْهُ، لَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: أَفِضْ مِنْهُ. فَإِذَا كَانَ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ وَكَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِأَمْرٍ لَا مَعْنَى لَهُ، كَانَتْ بَيِّنَةُ صِحَّةِ مَا قَالَهُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، وَفَسَادِ مَا خَالَفَهُ لَوْلَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي وَصَفْنَاهُ وَتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ بِالَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ: وَالنَّاسُ جَمَاعَةٌ، وَإِبْرَاهِيمُ ﷺ وَاحِدٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، فَتُدِلُّ بِذِكْرِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ
٣ ‏/ ٥٣١
النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] وَالَّذِي قَالَ ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَهُوَ فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ ألْأَشْجَعِيُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ [المؤمنون: ٥١] قِيلَ: عَنَى بِذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى
٣ ‏/ ٥٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ [البقرة: ١٩٨] مُنْصَرِفِينَ إِلَى مِنًى ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨] وَادْعُوهُ وَاعَبْدُوهُ عِنْدَهُ، كَمَا ذَكَرَكُمْ بِهِدَايَتِهِ، فَوَّفَقَكُمْ لِمَا ارْتَضَى لِخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَهَدَاهُ لَهُ مِنْ شَرِيعَةِ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ ضُلَّالًا عَنْهُ. وَفِي «ثُمَّ» فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩] مِنَ التَّأْوِيلِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ مِنْ أَنِّ مَعْنَاهُ: ثُمَّ أَفِيضُوا فَانْصَرِفُوا رَاجِعِينَ إِلَى مِنًى مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلِي مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَسَلُونِي الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِكُمْ، فَإِنِّي لَهَا غَفُورٌ، وَبِكُمْ رَحِيمٌ
٣ ‏/ ٥٣٢
كَمَا حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَيْفٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ السَّرِيِّ السُّلَمِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ كِنَانَةَ وَيُكْنَى أَبَا كِنَانَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «دَعَوْتُ اللَّهَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَنْ يَغْفِرَ لِأُمَّتِي ذُنُوبَهَا، فَأَجَابَنِي أَنْ قَدْ غَفَرْتُ، إِلَّا ذُنُوبَهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَلْقِي، فَأَعَدْتُ الدُّعَاءَ يَوْمَئِذٍ، فَلَمْ أُجَبْ بِشَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةُ الْمُزْدَلِفَةِ قُلْتُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ قَادِرٌ أَنْ تُعَوِّضَ هَذَا الْمَظْلُومَ مِنْ ظُلَامَتِهِ، وَتَغْفِرُ لِهَذَا الظَّالِمِ، فَأَجَابَنِي أَنْ قَدْ غَفَرْتُ» ⦗٥٣٣⦘ قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَيْنَاكَ تَضْحَكُ فِي يَوْمٍ لَمْ تَكُنْ تَضْحَكُ فِيهِ؟ قَالَ: «ضَحِكْتَ مِنْ عَدُوِّ اللَّهِ إِبْلِيسَ لَمَّا سَمِعَ بِمَا سَمِعَ إِذَا هُوَ يَدْعُو بِالْوَيْلِ، وَالثُّبُورِ، وَيَضَعُ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ»
٣ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: ثنا بَشَّارُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامِكُمْ هَذَا، فَقَبِلَ مُحْسِنَكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، إِلَّا التَّبِعَاتِ فِيمَا بَيْنَكُمْ أَفِيضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ» فَلَمَّا كَانَ غَدَاةُ جَمْعٍ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامِكُمْ هَذَا، فَقَبِلَ مِنْ مُحْسِنَكُمْ، وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ، وَالتَّبِعَاتِ بَيْنَكُمْ عِوَضُهَا مِنْ عِنْدِهِ أَفِيضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ» فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَضْتَ بِنَا بِالْأَمْسِ كَئِيبًا حَزِينًا، وَأَفَضْتَ بِنَا الْيَوْمَ فَرِحًا مَسْرُورًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي بِالْأَمْسِ شَيْئًا لَمْ يَجُدْ لِي بِهِ، سَأَلْتُهُ التَّبِعَاتِ فَأَبَى عَلَيَّ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ أَتَانِي جِبْرِيلُ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ ⦗٥٣٤⦘ التَّبِعَاتُ ضَمِنْتُ عِوَضَهَا مِنْ عِنْدِي» فَقَدْ بَيَّنَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ أَنَّ غُفْرانَ اللَّهِ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَ خَلْقِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِنَّمَا هُوَ غَدَاةُ جَمْعٍ، وَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٩٩] لِذُنُوبِكُمْ، فَإِنَّهُ غَفُورٌ لَهَا حِينَئِذٍ، تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْكُمْ، رَحِيمٌ بِكُمْ. وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَإِذَا أَفَضْتُمْ إِلَيْهِ مِنْهَا فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَهُ كَمَا هَدَاكُمْ
٣ ‏/ ٥٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوِ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] يَعْنِي بِقَوْلِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ حَجِّكُمْ فَذَبَحْتُمْ نَسَائِكَكُمْ ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٩٨] يُقَالُ مِنْهُ: نَسَكَ الرَّجُلُ يَنْسُكَ نَسْكًا ونِسْكًا وَنَسِيكَةً وَمَنْسَكًا إِذَا ذَبَحَ نُسُكَهُ، وَالْمَنْسِكُ: اسْمٌ مِثْلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. فَأَمَّا النُّسُكُ فِي الدِّينِ. فَإِنَّهُ يُقَالُ مِنْهُ مَا كَانَ الرَّجُلُ نَاسِكًا، وَلَقَدْ نَسَكَ، ونَسَكَ نَسْكًا وَنِسْكًا وَنِسَاكَةً، وَذَلِكَ إِذَا تَقَرَّأَ ⦗٥٣٥⦘ وبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْمَنَاسِكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ مُجَاهِدٌ
٣ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: إِهْرَاقُهُ الدِّمَاءَ» وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٣٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوِ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ ذِكْرِ الْقَوْمِ آبَاءَهُمُ الَّذِينَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلُوا ذِكْرَهُمْ إِيَّاهُ كَذِكْرِهِمْ آبَاءَهُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الْقَوْمُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ، وَمَنَاسِكِهِمْ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَفَاخَرُونَ بِمَآثِرِ آبَائِهِمْ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُمْ بِالثَّنَاءِ، وَالشُّكْرِ، وَالتَّعْظِيمِ لِرَبِّهِمْ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنْ يُلْزِمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِهِ نَظِيرَ مَا كَانُوا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ مِنْ ذِكْرِ آبَائِهِمْ
٣ ‏/ ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: «كَانُوا يَذْكُرُونَ آبَاءَهُمْ فِي الْحَجِّ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَبِي يُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَبِي يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَبِي جَزَّ نَوَاصِيَ بَنِي فُلَانٍ»
٣ ‏/ ٥٣٥
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانُوا يَقُولُونَ: كَانَ آبَاؤُنَا يَنْحَرُونَ الْجُزُرَ، وَيَفْعَلُونَ كَذَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠]»
٣ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: «﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَذْكُرُونَ فَعَالَ آبَائِهِمْ»
٣ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا فَرَغُوا مِنَ الْحَجِّ قَامُوا عِنْدَ الْبَيْتِ فَيَذْكُرُونَ آبَاءَهُمْ وَأَيَّامَهُمْ: كَانَ أَبِي يُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَكَانَ أَبِي يَفْعَلُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠]» قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ: عَمَّنْ هُو؟ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ
٣ ‏/ ٥٣٦
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَجَّاجٌ، عَمَّنْ، حَدَّثَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿اذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ قَالَ: كَانُوا إِذَا قَضَوْا مَنَاسِكَهُمْ وَقَفُوا عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَذَكَرُوا آبَاءَهُمْ، وَذَكَرُوا أَيَّامَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِعَالَ آبَائِهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»
٣ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانُوا إِذَا قَضَوْا ⦗٥٣٧⦘ مَنَاسِكَهُمْ وَقَفُوا عِنْدَ الْجَمْرَةِ، وَذَكَرُوا أَيَّامَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِعَالَ آبَائِهِمْ. قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»
٣ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: تَفَاخَرَتِ الْعَرَبُ بَيْنَهَا بِفِعْلِ آبَائِهَا يَوْمَ النَّحْرِ حِينَ فَرَغُوا، فَأُمِرُوا بِذِكْرِ اللَّهِ مَكَانَ ذَلِكَ» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
٣ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ قَتَادَةُ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَضَوْا مَنَاسِكَهُمْ بِمِنًى قَعَدُوا حِلَقًا، فَذَكَرُوا صَنِيعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَفِعَالَهُمْ بِهِ، يَخْطُبُ خَطِيبُهُمْ، وَيُحَدِّثُ مُحَدَّثُهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ آبَاءَهُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا»
٣ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانُوا إِذَا قَضَوْا مَنَاسِكِهُمُ اجْتَمَعُوا فَافُتَخَرُوا، وَذَكَرُوا آبَاءَهُمْ وَأَيَّامَهَا، فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا مَكَانَ ذَلِكَ ذِكْرَ اللَّهِ، يَذْكُرُونَهُ كَذَكَرِهِمْ آبَاءَهُمْ، أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا»
٣ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ⦗٥٣٨⦘ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: «كَانُوا يَذْكُرُونَ فِعْلَ آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وَقَفُوا بِعَرَفَةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»
٣ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، «يَقُولُ ذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ حِينَ يَنْحَرُونَ قَالَ: قَالَ:»﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ يَوْمَ النَّحْرِ حِينَ يَفْرُغُونَ يَتَفَاخَرُونَ بِفِعَالِ آبَائِهَا، فَأُمِرُوا بِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل مَكَانَ ذَلِكَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِ الْأَبْنَاءِ، وَالصِّبْيَانِ الْآبَاءَ
٣ ‏/ ٥٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: هُوَ قَوْلُ الصَّبِيِّ: يَا أَبَاهُ»
٣ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] يَعْنِي بِالذِّكْرِ، ذِكْرَ الْأَبْنَاءِ الْآبَاءَ»
٣ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ⦗٥٣٩⦘ قَالَ لِي عَطَاءٌ: «﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] أَبِهِ أُمِّهِ»
٣ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كَالصَّبِيِّ، يِلْهَجُ بِأبِيهِ وَأُمِّهِ»
٣ ‏/ ٥٣٩
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] يَقُولُ: كَذِكْرِ الْأَبْنَاءِ الْآبَاءَ، أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا»
٣ ‏/ ٥٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: «﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] يَقُولُ: كَمَا يَذْكُرُ الْأَبْنَاءُ الْآبَاءَ»
٣ ‏/ ٥٣٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] يَعْنِي ذِكْرَ الْأَبْنَاءِ الْآبَاءَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قِيلَ لَهُمْ: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قَضَوْا مَنَاسِكَهُمْ فَدَعَوْا رَبَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَ آبَائِهِمْ فَأُمَرُوا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِنَظِيرِ ذِكْرِ آبَائِهِمْ
٣ ‏/ ٥٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا قَضَتْ مَنَاسِكَهَا وَأَقَامُوا بِمِنًى يَقُومُ الرَّجُلُ فَيَسْأَلُ اللَّهَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ أَبِي كَانَ عَظِيمَ الْجَفْنَةِ عَظِيمَ الْقُبَّةِ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ أَبِي. لَيْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ، إِنَّمَا يَذْكُرُ آبَاءَهُ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يُعْطَى فِي الدُّنْيَا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذِكْرِهِ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي الْخُضُوعِ لَأَمْرِهِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ. وَذَلِكَ الذِّكْرُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّكْبِيرُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] الَّذِي أَوْجَبُهُ عَلَى مَنْ قَضَى نُسُكَهُ بَعْدَ قَضَائِهِ نُسُكِهِ، فَأَلْزَمَهُ حِينَئِذٍ مِنْ ذَكَرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَازِمًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَثَّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مُحَافَظَةَ الْأَبْنَاءِ عَلَى ذِكْرِ الْآبَاءِ فِي الْإِكْثَارِ مِنْهُ بِالِاسْتِكَانَةِ لَهُ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ بِالرَّغْبَةِ مِنْهُمْ إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ كَتَضَرُّعِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالصَّبِيِّ لِأُمِّهِ وَأبِيهِ، أَوْ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ إِذْ كَانَ مَا كَانَ بِهِمْ وَبِآبَائِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: الذِّكْرُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ الْحَاجَّ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّكْبِيرُ الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا ذِكْرَ لِلَّهِ أُمِرَ ⦗٥٤١⦘ الْعِبَادُ بِهِ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرْضِهِ قَبْلَ قَضَائِهِمُ مَنَاسِكِهِمْ، سِوَى التَّكْبِيرِ الَّذِي خَصَّ اللَّهُ بِهِ أَيَّامَ مِنًى. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى خَلْقِهِ بَعْدَ قَضَائِهِمْ مَنَاسِكَهُمْ مِنْ ذِكْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ لَا شَيْءَ مِنْ ذِكْرِهِ خُصَّ بِهِ ذَلِكَ الْوَقْتُ سِوَى التَّكْبِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، كَانَتْ بَيِّنَةُ صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا
٣ ‏/ ٥٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] وَارْغَبُوا إِلَيْهِ فِيمَا لَدَيْهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِابْتِهَالِ وَتَمَسْكُنٍ، وَاجْعَلُوا أَعْمَالَكُمْ لِوَجْهِهِ خَالِصًا، وَلِطَلَبِ مَرْضَاتِهِ، وَقُولُوا رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ؛ وَلَا تَكُونُوا كَمَنِ اشْتَرَى الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، فَكَانَتْ أَعْمَالُهُمْ لِلدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، فَلَا يَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ إِلَّا مَتَاعَهَا، وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي ثَوَابِ اللَّهِ، وَلَا نَصِيبِ لَهُمْ فِي جَنَّاتِهِ وَكَرِيمِ مَا أَعَدَّ لِأَوْلِيَائِهِ، كَمَا قَالَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٣ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: «﴿فَمَنِ النَّاسَ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢٠٠]⦗٥٤٢⦘ هَبْ لَنَا غَنَمًا، هَبْ لَنَا إِبِلًا، ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠]» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: هَبْ لَنَا إِبِلًا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانُوا يَعْنِي أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ يَقِفُونَ يَعْنِي بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا إِبِلًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا غَنَمًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠]» قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ آدَمَ: عَمَّنْ هُو؟ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ
٣ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ: «﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً فَيَدْعُونَ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْمَطَرَ، وَأَعْطِنَا عَلَى عَدُوِّنَا الظَّفَرَ، وَرُدَّنَا صَالِحَيْنِ إِلَى صَالِحَيْنِ»
٣ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: «﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي ⦗٥٤٣⦘ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢٠٠] نَصْرًا وَرِزْقًا، وَلَا يَسْأَلُونَ لِآخِرَتِهِمْ شَيْئًا» وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٤٢
وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] فَهَذَا عَبْدٌ نَوَى الدُّنْيَا لَهَا عَمَلٌ وَلَهَا نَصَبٌ»
٣ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا قَضَتْ مَنَاسِكَهَا وَأَقَامَتْ بِمِنًى لَا يَذْكُرُ اللَّهَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ أَبَاهُ، وَيَسْأَلُ أَنْ يُعْطَى فِي الدُّنْيَا»
٣ ‏/ ٥٤٣
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ. ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ كَانُوا أَصْنَافًا ثَلَاثَةً فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ يَوْمَئِذٍ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ، وَأَهْلُ النِّفَاقِ. فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] إِنَّمَا حَجُّوا لِلدُّنْيَا وَالْمَسْأَلَةِ لَا يُرِيدُونَ الْآخِرَةَ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ. ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [البقرة: ٢٠١] الْآيَةَ. قَالَ. وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢٠٤] . . الْآيَةَ. ⦗٥٤٤⦘ وَأَمَّا مَعْنَى الْخَلَاقِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلِهِ، وَالصَّحِيحُ لَدَيْنَا مِنْ مَعْنَاهُ بِالشَّوَاهِدِ مِنَ الْأَدِلَّةِ وَأَنَّهُ النَّصِيبُ، بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ “
٣ ‏/ ٥٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحَسَنَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ. يَعْنِي بِذَلِكَ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: رَبَّنَا أَعْطِنَا عَافِيَةً فِي الدُّنْيَا وَعَافِيَةً فِي الْآخِرَةِ
٣ ‏/ ٥٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ [البقرة: ٢٠١] قَالَ: فِي الدُّنْيَا عَافِيَةً، وَفِي الْآخِرَةِ عَافِيَةً»
٣ ‏/ ٥٤٤
قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ رَجُلٌ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا؛ فَمَرِضَ مَرَضًا حَتَّى أُضْنِيَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ شَأْنُهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ دَعَا بِكَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّهُ لَا طَاقَةَ لِأَحَدٍ بِعُقُوبَةِ اللَّهِ، وَلَكِنْ قُلْ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] فَقَالَهَا، فَمَا لَبِثَ إِلَّا أَيَّامًا أَوْ يَسِيرًا حَتَّى بَرَأَ»
٣ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثني حُمَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «عَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ الْمَنْتُوفِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ، أَوْ تَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَاقِبْنِي بِهِ فِي الدُّنْيَا. قَالَ:»سُبْحَانَ اللَّهِ هَلْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ أَحَدٌ أنْ يُطِيقَهُ فَهَلَّا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى اللَّهُ عز وجل بِالْحَسَنَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فِي الدُّنْيَا: الْعِلْمَ وَالْعِبَادَةَ، وَفِي الْآخِرَةِ: الْجَنَّةَ
٣ ‏/ ٥٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ [البقرة: ٢٠١] قَالَ: الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا: الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ، وَفِي الْآخِرَةِ: الْجَنَّةُ»
٣ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] قَالَ: الْعِبَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ»
٣ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَاقِدٍ الْعَطَّارِ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [البقرة: ٢٠١] قَالَ: الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا: الْفَهْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالْعِلْمُ»
٣ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ هَذِهِ الْآيَةُ: «﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ [البقرة: ٢٠١] قَالَ: الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا: الْعِلْمُ، وَالرِّزْقُ الطَّيِّبُ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: الْجَنَّةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا: الْمَالُ، وَفِي الْآخِرَةِ: الْجَنَّةُ
٣ ‏/ ٥٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] قَالَ: فَهَؤُلَاءِ النَّبِيُّ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ»
٣ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ” ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ [البقرة: ٢٠١]
٣ ‏/ ٥٤٦
هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ؛ أَمَا حَسَنَةُ الدُّنْيَا فَالْمَالُ، وَأَمَّا حَسَنَةُ الْآخِرَةِ فَالْجَنَّةُ ” وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، مِمَّنْ حَجَّ بَيْتَهُ، يَسْأَلُونَ رَبَّهُمُ الْحَسَنَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْحَسَنَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ النَّارِ. وَقَدْ تَجْمَعُ الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ عز وجل الْعَافِيَةَ فِي الْجِسْمِ، وَالْمَعَاشِ، وَالرِّزْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْعِلْمَ، وَالْعِبَادَةَ. وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا الْجَنَّةُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَنَلْهَا يَوْمَئِذٍ فَقَدْ حُرِمَ جَمِيعَ الْحَسَنَاتِ وَفَارَقَ جَمِيعَ مَعَانِي الْعَافِيَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَخُصَّصْ بِقَوْلِهِ مُخْبِرًا عَنْ قَائِلِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْحَسَنَةِ شَيْئًا، وَلَا نَصَبَ عَلَى خُصُوصِهِ دَلَالَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ، فَالْوَاجِبُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْ مَعَانِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَأَنْ يُحْكَمَ بِعُمُومِهِ عَلَى مَا عَمَّهُ اللَّهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ النَّارِ، يُقَالُ مِنْهُ: وَقَيْتُهُ كَذَا أَقِيهِ وِقَايَةً وَوَاقِيَةً وَوِقَاءً مَمْدُودًا، وَرُبَّمَا قَالُوا: وَقَاكَ اللَّهُ وَقْيًا: إِذَا دَفَعَتْ عَنْهُ أَذًى أَوْ مَكْرُوهًا
٣ ‏/ ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة: ٢٠٢]⦗٥٤٨⦘ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] رَغْبَةً مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَا عِنْدَهُ، وَعِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِهِ يُؤْتِيَهُ مَنْ يَشَاءُ. فَاعْلَمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ لَهُمُ نَصِيبًا، وَحَظًّا مِنْ حَجِّهِمْ، وَمَنَاسِكِهِمْ، وَثَوَابًا جَزِيلًا عَلَى عَمَلِهِمُ الَّذِي كَسَبُوهُ، وَبَاشَرُوا مُعَانَاتِهِ بِأَمْوَالِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ خَاصًّا ذَلِكَ لَهُمْ دُونَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ الَّذِينَ عَانُوا مَا عَانُوا مِنْ نَصَبِ أَعْمَالِهِمْ وَتَعَبِهَا، وَتَكَلَّفُوا مَا تَكَلَّفُوا مِنْ أَسْفَارِهِمْ بِغَيْرِ رَغْبَةٍ مِنْهُمْ فِيمَا عِنْدَ رَبِّهِمْ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَلَكِنْ رَجَاءٌ خَسِيسٌ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَابْتِغَاءُ عَاجِلِ حُطَامِهَا
٣ ‏/ ٥٤٧
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] قَالَ: فَهَذَا عَبْدٌ نَوَى الدُّنْيَا لَهَا عَمِلَ وَلَهَا نَصِبَ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٠٢] أَيْ حَظٌّ مِنْ أَعْمَالِهِمْ»
٣ ‏/ ٥٤٨
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي: «﴿فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ [البقرة: ٢٠٠] إِنَّمَا حَجُّوا لِلدُّنْيَا، وَالْمَسْأَلَةِ، لَا يُرِيدُونَ الْآخِرَةَ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١] قَالَ: ⦗٥٤٩⦘ فَهَؤُلَاءِ النَّبِيُّ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة: ٢٠٢] لِهَؤُلَاءِ الْأَجْرِ بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا»
٣ ‏/ ٥٤٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [البقرة: ٢٠٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّهُ مُحِيطٌ بِعَمَلِ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا اللَّذَيْنِ مِنْ مَسْأَلَةِ أَحَدِهِمَا: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا؛ وَمَنْ مَسْأَلَةِ الْآخَرِ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: ٢٠١]؛ فَمَحَصَّ لَهُ بِأَسْرَعِ الْحِسَابِ، ثُمَّ إِنَّهُ مُجَازٍ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى عَمَلِهِ. وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَفْسَهُ بِسُرْعَةِ الْحِسَابِ، لِأَنَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ يُحْصِي مَا يُحْصَى مِنْ أَعْمَالِ عِبَادِهِ بِغَيْرِ عَقْدِ أصَابِعٍ وَلَا فِكْرٍ وَلَا رَوَيَّةِ فِعْلِ الْعَجَزَةِ الضَّعَفَةِ مِنَ الْخَلْقِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِيهِمَا، ثُمَّ هُوَ مُجَازٍ عِبَادَهُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ؛ فَلِذَلِكَ جَلَّ ذِكْرُهُ امْتُدِحَ بِسُرْعَةِ الْحِسَابِ، وَأَخْبَرَ خَلْقَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ بِمِثْلٍ فَيَحْتَاجُ فِي حِسَابِهِ إِلَى عَقْدِ كَفٍّ أَوْ وَعْيِ صَدْرٍ
٣ ‏/ ٥٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَعْنِي جَلَّ ذِكْرُهُ: اذْكُرُوا اللَّهَ بِالتَّوْحِيدِ، وَالتَّعْظِيمِ فِي أَيَّامٍ مُحْصَنَاتٍ، وَهِيَ أَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ، أَمَرَ عِبَادَهُ يَوْمَئِذٍ بِالتَّكْبِيرِ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ، وَعِنْدَ الرَّمْيِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْجِمَارِ يَرْمِي بِهَا جَمْرَةً مِنَ الْجِمَارِ وبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٣ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: أَيَّامِ ⦗٥٥٠⦘ التَّشْرِيقِ» وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٤٩
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: «﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَعْنِي الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ: أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ النَّحْرِ»
٣ ‏/ ٥٥٠
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «، قَوْلِهِ:»﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ” وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٥٠
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَخْلَدٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «سَمِعَهُ يَوْمَ الصَّدْرِ، يَقُولُ بَعْدَمَا صَدَرَ يُكَبِّرُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَتَأَوَّلُ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣]»
٣ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ⦗٥٥١⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ»
٣ ‏/ ٥٥٠
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٥١
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ بِمِنًى»
٣ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، قَالَا: «هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ» وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ⦗٥٥٢⦘ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: الْأَيَّامُ بَعْدَ النَّحْرِ»
٣ ‏/ ٥٥٢
وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: «سَأَلْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، فَقَالَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ»
٣ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ»
٣ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ»
٣ ‏/ ٥٥٢
وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: فَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ» وَحُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٥٢
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: «الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: ⦗٥٥٣⦘ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ»
٣ ‏/ ٥٥٢
وَحُدِّثْتُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةُ»
٣ ‏/ ٥٥٣
وَحَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ زَيْدٍ عَنِ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، وَالْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ،؟ فَقَالَ:»الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ” وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ هِيَ: أَيَّامُ مِنًى وَأَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهَا: إِنَّهَا أَيَّامُ ذِكْرِ اللَّهِ عز وجل
٣ ‏/ ٥٥٣
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ بِذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَخَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ طُعْمٍ، وَذِكْرٍ»
٣ ‏/ ٥٥٣
وَحَدَّثَنَا خَلَّادٌ، قَالَ: ثنا رَوْحٌ، قَالَ: ثنا صَالِحٌ، قَالَ: ثني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ، يَطُوفُ فِي مِنًى: «لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرُ اللَّهِ عز وجل»
٣ ‏/ ٥٥٤
وَحَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَا جَمِيعًا: ثنا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٥٥٤
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَالَ: هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٥٥٤
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ بِشْرَ بْنَ سُحَيْمٍ، فَنَادَى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٥٥٥
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ، فَنَادَى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ، إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ هَدْي»
٣ ‏/ ٥٥٥
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ الزُّرَقِيُّ، عَنْ أُمِّهِ، قَالَتْ: لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَلِيٍّ، رضي الله عنه عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْبَيْضَاءِ حِينَ وَقَفَ عَلَى شِعْبِ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَيَّامِ صِيَامٍ، إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلِ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِذْ قَالَ فِي أَيَّامِ مِنًى: «إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ» لَمْ يُخْبِرْ أُمَّتَهُ أَنَّهَا الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَمَا تُنْكِرُ أَنْ ⦗٥٥٦⦘ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ عَنَى بِقَوْلِهِ: «وَذِكْرِ اللَّهِ»: الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ؟ قِيلَ: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ عَنَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ يُوجِبُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ مِنْ ذِكْرِهِ فِيهَا مَا أَوْجَبَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ، وَإِنَّمَا وَصَفَ الْمَعْلُومَاتِ جَلَّ ذِكْرُهُ بِأَنَّهَا أَيَّامٌ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ عَلَى بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ، فَقَالَ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٢٨] فَلَمْ يُوجِبْ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ مِنْ ذِكْرِهِ كَالَّذِي أَوْجَبَهُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ مِنْ ذِكْرِهِ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهَا أَيَّامُ ذِكْرِهِ عَلَى بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ. فَكَانَ مَعْلُومًا إِذْ قَالَ ﷺ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ: «إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ» فَأَخْرَجَ قَوْلَهُ: «وَذِكْرِ اللَّهِ» مُطْلَقًا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَلَا إِضَافَةٍ، إِلَى أَنَّهُ الذِّكْرُ عَلَى بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ، أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ الذِّكْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَأَوْجَبَهُ عَلَى عِبَادِهِ مُطْلَقًا بِغَيْرِ شَرْطٍ وَلَا إِضَافَةٍ إِلَى مَعْنًى فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ. وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ ﷺ وَصْفَ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ بِهِ، لَوَصَلَ قَوْلَهُ: «وَذِكْرِ» إِلَى أَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ، كَالَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ؛ وَلَكِنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ بِاسْمِ الذِّكْرِ مِنْ غَيْرِ وَصْلِهِ بِشَيْءٍ، كَالَّذِي أَطْلَقَهُ تبارك وتعالى بِاسْمِ الذِّكْرِ، فَقَالَ: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَوْضَحِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَأَوْجَبَهَ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ
٣ ‏/ ٥٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣]⦗٥٥٧⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلنَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي نَفْرِهِ. وَتَعَجُّلُهُ فِي النَّفْرِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنِ النَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَتَّى يَنْفِرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأَخُّرِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
٣ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَعْجِيلِهِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ. ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ. ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ. ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ. «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَوْمِ النَّفْرِ ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] لَا حَرَجَ عَلَيْهِ ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣]»
٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ. ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥٥٨⦘ السُّدِّيِّ: «أَمَّا مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، يَقُولُ. مَنْ نَفَرَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَنَفَرَ فِي الثَّالِثِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ»
٣ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَقُولُ. فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ. أَيْ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ بِمِنًى مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْفِرَ فَلَا نَفْرَ لَهُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنَ الْغَدِ. ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَقُولُ: مَنْ تَأَخَّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»
٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ. «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ. رَخَّصَ اللَّهُ فِي أَنْ يَنْفِرُوا فِي يَوْمَيْنِ مِنْهَا إِنْ شَاءُوا، وَمَنْ تَأَخَّرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»
٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ. ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ. ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ فِي تَعْجِيلِهِ»
٣ ‏/ ٥٥٨
وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبَى زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «لَا إِثْمَ عَلَيْهِ: لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ تَعَجَّلَ، وَلَا إِثْمَ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ»
٣ ‏/ ٥٥٨
وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «هَذَا فِي التَّعْجِيلِ»
٣ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: «حَلَّ النَّفْرُ فِي يَوْمَيْنِ لِمَنِ اتَّقَى»
٣ ‏/ ٥٥٩
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فِي تَعَجُّلِهِ ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فِي تَأَخُّرِهِ»
٣ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: «أَلِلْمَكِّيِّ أَنْ يَنْفِرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ عز وجل ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فَهِيَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
٣ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِثْمٌ»
٣ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] يَقُولُ: مَنْ نَفَرَ مِنْ مِنًى فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ النَّحْرِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ ⦗٥٦٠⦘ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأَخُّرِهِ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ»
٣ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فِي تَعَجُّلِهِ ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فِي تَأَخُّرِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ كَذَلِكَ
٣ ‏/ ٥٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِثْمٌ»
٣ ‏/ ٥٦٠
وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] أَيْ غُفِرَ لَهُ ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: غُفِرَ لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] أَيْ غُفِرَ لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: قَدْ غُفِرَ لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَدْ غُفِرَ لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦١
وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: بَرِئَ مِنَ الْإِثْمِ»
٣ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: رَجَعَ مَغْفُورًا لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: ⦗٥٦٢⦘ قَدْ غُفِرَ لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: قَدْ غُفِرَ لَهُ، إِنَّهُمْ يَتَأَوَّلُونَهَا عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا، إِنَّ الْعُمْرَةَ لَتُكَفِّرَ مَا مَعَهَا مِنَ الذُّنُوبِ فَكَيْفَ بِالْحَجِّ؟»
٣ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَعَامِرٍ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَا: غُفِرَ لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثني مِنْ أُصَدِّقُهُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] قَالَ: خَرَجَ مِنَ الْإِثْمِ كُلِّهِ ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: بَرِئَ مِنَ الْإِثْمِ كُلِّهِ، وَذَلِكَ فِي الصَّدْرِ عَنِ الْحَجِّ»
٣ ‏/ ٥٦٢
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا، يُحَدِّثُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣]، قَالَ. غُفِرَ لَهُ، ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣]، قَالَ: غُفِرَ لَهُ»
٣ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ. ثنا أَسْوَدُ بْنُ سَوَادَةَ ⦗٥٦٣⦘ الْقَطَّانُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ، قَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا
٣ ‏/ ٥٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، عز وجل: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: لِمَنْ فِي الْحَجِّ، لَيْسَ عَلَيْهِ إِثْمٌ حَتَّى الْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ. فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنِ اتَّقَى اللَّهَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ
٣ ‏/ ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: ذَهَبَ إِثْمُهُ كُلُّهُ إِنِ اتَّقَى فِيمَا بَقِيَ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. وَحُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي ⦗٥٦٤⦘ الْعَالِيَةِ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: لِمَنِ اتَّقَى بِشَرْطٍ»
٣ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] «لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «وَدِدْتُ أَنِّي مِنْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُصِيبُهُ اسْمُ التَّقْوَى»
٣ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «هِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ»
٣ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، يَقُولُ اتَّقَى مَعَاصِيَ اللَّهِ عز وجل» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، أَيْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي تَعْجِيلِهِ النَّفْرَ إِنْ هُوَ اتَّقَى قَتْلَ الصَّيْدِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْيَوْمُ ⦗٥٦٥⦘ الثَّالِثُ، وَمَنْ تَأَخَّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَمْ يَنْفِرْ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ
٣ ‏/ ٥٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ: «لِمَنِ اتَّقَى أَنْ يُصِيبَ، شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ»
٣ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ صَيْدًا حَتَّى تَخْلُوَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَفَرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، أَيْ مَغْفُورٌ لَهُ. وَمَنْ تَأَخَّرَ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، أَيْ مَغْفُورٌ لَهُ إِنِ اتَّقَى عَلَى حَجِّهِ أَنْ يُصِيبَ فِيهِ شَيْئًا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ
٣ ‏/ ٥٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: «﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣] قَالَ: يَقُولُ لِمَنِ اتَّقَى عَلَى حَجِّهِ»
٣ ‏/ ٥٦٥
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: «مَنِ اتَّقَى فِي حَجِّهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، أَوْ مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى الثَّلَاثَةِ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، لِحَطِّ اللَّهِ ذُنُوبَهُ، إِنْ كَانَ قَدِ اتَّقَى اللَّهَ فِي حَجِّهِ فَاجْتَنَبَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِاجْتِنَابِهِ وَفَعَلَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ
٣ ‏/ ٥٦٥
بِفِعْلِهِ وَأَطَاعَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى مَا كَلَّفَهُ مِنْ حُدُودِهِ. وَمَنْ تَأَخَّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْهُنَّ فَلَمْ يَنْفِرْ إِلَى النَّفْرِ الثَّانِي حَتَّى نَفَرَ مِنْ غَدِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِتَكْفِيرِ اللَّهِ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ آثَامِهِ وَأَجْرَامِهِ، وَإِنْ كَانَ اتَّقَى اللَّهَ فِي حَجِّهِ بِأَدَائِهِ بِحُدُودِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَأَنَّهُ قَالَ ﷺ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ»
٣ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ، وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ دُونَ الْجَنَّةِ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
٣ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ:. ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «تَابِعُوا بَيْنَ ⦗٥٦٧⦘ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ مُتَابَعَةَ مَا بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ، وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ، أَوْ خَبَثَ الْحَدِيدِ»
٣ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيْدٍ، قَالَ: ثنا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَالِحٍ، مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا قَضَيْتَ حَجَّكَ فَأَنْتَ مِثْلُ مَا وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِذِكْرِ جَمِيعَهَا الْكِتَابُ، مِمَّا يُنْبِئُ عَنْهُ أَنَّ مَنَ حَجَّ فَقَضَاهُ بِحُدُودِهِ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ ذُنُوبِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣] اللَّهَ فِي حَجِّهِ. فَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا يُوضِّحُ عَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ ذُنُوبِهِ، مَحْطُوطَةٌ عَنْهُ آثَامُهُ، مَغْفُورَةٌ لَهُ أَجْرَامُهُ. وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي نَفْرِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي مَقَامِهِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إِنَّمَا يُوضَعُ عَنِ الْعَامِلِ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ تَرْكُ عَمَلِهِ فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي عَمَلِهِ بِوَضْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فِي عَمَلِهِ، أَوْ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِهِ بِوَضْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فِي تَرْكِهِ. فَأَمَّا مَا عَلَى الْعَامِلِ عَمَلُهُ فَلَا
٣ ‏/ ٥٦٧
وَجْهَ لِوَضْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فِيهِ إِنْ هُوَ عَمِلَهُ، وَفَرْضُهُ عَمَلُهُ، لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَدِّي فَرْضًا عَلَيْهِ حَرَجًا بِأَدَائِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: قَدْ وَضَعْنَا عَنْكَ فِيهِ الْحَرَجَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْحَاجُّ لَا يَخْلُو عِنْدَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، أَوْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَرْضُهُ النَّفْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَوَضَعَ عَنْهُ الْحَرَجَ فِي الْمَقَامِ، أَوْ أنْ يَكُونِ فَرْضُهُ الْمَقَامُ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَوَضَعَ عَنْهُ الْحَرَجَ فِي النَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَإِنْ يَكُنْ فَرْضُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الْمُقَامَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا، فَوَضَعَ عَنْهُ الْحَرَجَ فِي نَفْرِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهَا، وَذَلِكَ هُوَ التَّعْجِيلُ الَّذِي قِيلَ: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِنَّمَا هُوَ مُتَأَخَّرٌ عَنْ أَدَاءِ فَرْضٍ عَلَيْهِ تَارِكٌ قَبُولَ رُخْصَةِ النَّفْرِ، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: لَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِي مَقَامِكَ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْكَ، لِمَا وَصَفْنَا قَبْلُ، أَوْ يَكُونُ فَرْضُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي النَّفْرَ، فَرُخِّصَ لَهُ فِي الْمَقَامِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ فَلَا مَعْنَى أَنْ يُقَالَ: لَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِي تَعَجُّلِكَ النَّفْرَ الَّذِي هُوَ فَرْضُكَ وَعَلَيْكَ فِعْلُهُ لِلَّذِي قَدَّمْنَا مِنَ الْعِلَّةِ وَكَذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي نَفْرِهِ ذَلِكَ، إِنِ اتَّقَى قَتْلَ الصَّيْدِ إِلَى انْقِضَاءِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ تَأْوِيلًا مُسَلَّمًا لِقَائِلِهِ لَكَانَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] مَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الصَّيْدَ لِلْحَاجِّ بَعْدَ نَفْرِهِ مِنْ مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَلَالٌ، فَمَا الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَضَعَ عَنْهُ الْحَرَجَ فِي قَوْلِهِ
٣ ‏/ ٥٦٨
: ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] إِذَا هُوَ تَأَخَّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ ثُمَّ نَفَرَ؟ هَذَا مَعَ إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا رَمَى، وَذَبَحَ، وَحَلَقَ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَتَصْرِيحُ الرِّوَايَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِ ذَلِكَ،
٣ ‏/ ٥٦٩
الَّتِي حَدَّثَنَا بِهَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها مَتَى يُحِلُّ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا رَمَيْتُمْ، وَذَبَحْتُمْ، وَحَلَقْتُمْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» قَالَ: وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِثْلَهُ وَأَمَّا الَّذِي تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى: لَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِلَى عَامٍ قَابِلٍ فَلَا وَجْهَ لِتَحْدِيدِ ذَلِكَ بِوَقْتٍ، وَإِسْقَاطِهِ الْإِثْمَ عَنِ الْحَاجِّ سَنَةً مُسْتَقْبَلَةً دُونَ آثَامِهِ السَّالِفَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَحْصُرْ ذَلِكَ عَلَى نَفْيِ إِثْمِ وَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام، بَلْ دَلَالَةُ ظَاهَرِ التَّنْزِيلِ تَبِينُ عَنْ أَنِّ الْمُتَعَجِّلَ فِي الْيَوْمَيْنِ وَالْمُتَأَخِّرَ لَا إِثْمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَالِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحْوَالِ، وَالْخَبَرُ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ بِانْقِضَاءِ حَجِّهِ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ خَارِجٌ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. فَفِي ذَلِكَ مِنْ دَلَالَةِ ظَاهَرِ التَّنْزِيلِ، وَصَرِيحِ قَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ انْقِضَاءِ حَجِّهِ ” إِلَى عَامٍ قَابِلٍ. ⦗٥٧٠⦘ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: مَا الْجَالِبُ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣] وَمَا مَعْنَاهَا؟ قِيلَ: الْجَالِبُ لَهَا مَعْنَى قَوْلِهِ. ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] مَعْنَى حَطَطْنَا ذُنُوبَهُ، وَكَفَّرْنَا آثَامَهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَعْنَى: جَعَلْنَا تَكْفِيرَ الذُّنُوبِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي حَجِّهِ، فَتَرَكَ ذِكْرَ جَعَلْنَا تَكْفِيرَ الذُّنُوبِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّهُ كَأَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ هَذِهِ الرُّخْصَةَ فَقَدْ أخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ، فَقَالَ: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣] أَيْ هَذَا لِمَنِ اتَّقَى. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ، وَزَعَمَ أَنَّ الصِّفَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شَيْءٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا، وَلَكِنَّهَا فِيمَا زَعَمَ مِنْ صِلَةِ «قَوْلٍ» مَتْرُوكٍ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ «قُلْنَا»: ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣]، وَقَامَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٢٠٣] مَقَامَ الْقَوْلِ. وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ مَوْضِعَ طَرْحِ الْإِثْمِ فِي الْمُتَعَجِّلِ، فَجُعِلَ فِي الْمُتَأَخِّرِ، وَهُوَ الَّذِي أَدَّى وَلَمْ يُقَصِّرْ مِثْلَ مَا جُعِلَ عَلَى الْمُقَصِّرِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: إِنْ تَصَدَّقْتَ سِرًّا فَحَسَنٌ، وَإِنِ أَظْهَرْتَ فَحَسَنٌ. وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ عَلَانِيَةً إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الرِّيَاءَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ الْإِسْرَارُ أَحْسَنَ وَلَيْسَ فِي وَصْفِ حَالَتَيِ الْمُتَصَدِّقَيْنِ بِالْحُسْنِ وَصْفُ إِحْدَاهُمَا بِالْإِثْمِ؛ وَقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ عز وجل عَنِ النَّافِرِينَ بِنَفْيِ الْإِثْمِ عَنْهُمَا، وَمُحَالٌ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُمَا إِلَّا مَا كَانَ فِي تَرْكِهِ الْإِثْمَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةَ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا لَوْ تَرَكَا النَّفْرَ، وَأَقَامَا بِمِنًى لَمْ يَكُونَا ⦗٥٧١⦘ آثِمَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَالَ أَيْضًا: فِيهِ وَجْهٌ آخِرُ، وَهُوَ مَعْنَى نَهْيِ الْفَرِيقَيْنِ عَنْ أَنْ يُؤَثِّمَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَ، كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣] لَا يَقُلِ الْمُتَعَجِّلُ لِلْمُتَأَخِّرِ: أَنْتَ آثِمٌ، وَلَا الْمُتَأَخِّرُ لِلْمُتَعَجِّلِ: أَنْتَ آثِمٌ بِمَعْنَى: فَلَا يُؤَثِّمَنَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. وَهَذَا أَيْضًا تَأْوِيلٌ لِقَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مُخَالِفٌ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهِ
٣ ‏/ ٥٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا فُرِضَ عَلَيْكُمَا مِنْ فَرَائِضِهِ، فَخَافُوهُ فِي تَضْيِيعِهَا، وَالتَّفْرِيطِ فِيهَا، وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي حَجِّكُمْ، وَمَنَاسِكِكُمَا أَنْ تَرْتَكِبُوهُ أَوْ تَأْتُوهُ وَفِيمَا كَلَّفَكُمْ فِي إِحْرَامِكُمْ لِحَجِّكُمْ أَنْ تُقَصِّرُوا فِي أَدَائِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، فَمُجَازِيكُمْ هُوَ بِأَعْمَالِكُمْ، الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ، وَمُوَفٍّ كُلَّ نَفْسٍ مِنْكُمْ مَا عَمِلَتْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
٣ ‏/ ٥٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] وَهَذَا نَعْتٌ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى لِلْمُنَافِقِينَ، يَقَولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ يَا مُحَمَّدُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَيَسْتَشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ، وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ، جَدَلٌ بِالْبَاطِلِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَ بَعْضُهُمْ. نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقِ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَزَعَمَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ، وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا قَدِمَ ⦗٥٧٢⦘ إِلَّا لِذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَفْسَدَ أمْوَالًا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ
٣ ‏/ ٥٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ، وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ. وَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ، فَأَظْهَرَ لَهُ الْإِسْلَامَ، فَأَعْجَبَ النَّبِيَّ ﷺ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي صَادِقٌ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَرَّ بِزَرْعٍ لِقَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحُمُرٍ، فَأَحْرَقَ الزَّرْعَ، وَعَقَرَ الْحُمُرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥]» وَأَمَّا أَلَدُ الْخِصَامِ: فَأَعْوَجُ الْخِصَامِ، وَفِيهِ نَزَلَ: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١] وَنَزَلَتْ فِيهِ: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] إِلَى ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: ١٣]، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ تَكَلَّمُوا فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي أُصِيبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالرَّجِيعِ
٣ ‏/ ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ ابنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «لَمَّا أُصِيبَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ أَصْحَابُ خُبَيْبٍ بِالرَّجِيعِ بَيْنَ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَقْتُولِينَ الَّذِينَ هَلَكُوا هَكَذَا، لَا هُمْ قَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَلَا هُمْ أَدُّوا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ، وَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ النَّفَرَ فِي الشَّهَادَةِ وَالْخَيْرِ مِنَ اللَّهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢٠٤] أَيْ مَا يُظْهِرُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] أَيْ مِنَ النِّفَاقِ ﴿وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] أَيْ ذُو جِدَالٍ إِذَا كَلَّمَكَ وَرَاجَعَكَ ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ [البقرة: ٢٠٥] أَيْ خَرَجَ مِنْ عِنْدَكِ ﴿سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] أَيْ لَا يُحِبُّ عَمَلُهُ وَلَا يَرْضَاهُ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمَ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النَّاسِ مِنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٦] الَّذِينَ شَرَوْا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ حَتَّى هَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي هَذِهِ السَّرِيَّةَ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا أُصِيبَتِ السَّرِيَّةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا عَاصِمٌ، وَمَرْثَدٌ، ⦗٥٧٤⦘ بِالرَّجِيعِ، قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ جَمِيعَ الْمُنَافِقِينَ، وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] اخْتِلَافَ سَرِيرَتِهِ، وَعَلَانِيَتِهِ
٣ ‏/ ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُذَاكِرُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ، فَقَالَ سَعِيدٌ: «إِنَّ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ:»إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، قُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، لَبِسُوا لِلنَّاسِ مُسُوكَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، يَجْتَرُّونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: أَعَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ، وَبِي يَغْتَرُّونَ؟ وَعِزَّتِي لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانَ ” فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: «هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ» . فَقَالَ سَعِيدٌ، وأَيْنَ هُوَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] فَقَالَ سَعِيدٌ: قَدْ عَرَفْتُ فِيمَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبً: «إِنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ فِي الرَّجُلِ ثُمَّ تَكُونُ عَامَّةً بَعْدُ»
٣ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، عَنْ نَوْفٍ، وَكَانَ، يَقْرَأُ الْكُتُبَ، قَالَ: «إِنِّي لَأَجِدُ صِفَةَ نَاسٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ: «قَوْمٌ يَجْتَالُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ لِبَاسَ مُسُوكِ الضَّأْنِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، فَعَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ، وَبِي يَغْتَرُّونَ، حَلَفْتُ بِنَفْسِي لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهِمْ حَيْرَانَ» قَالَ الْقُرَظِيُّ: تَدَبَّرْتُهَا فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا هُمُ الْمُنَافِقُونَ، فَوَجَدْتُهَا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤]، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ [الحج: ١١]»
٣ ‏/ ٥٧٥
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ: هُوَ الْمُنَافِقُ»
٣ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ: عَلَانِيَتُهُ فِي الدُّنْيَا، ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٠٤] فِي الْخُصُومَةِ أَنَّمَا يُرِيدُ الْحَقَّ»
٣ ‏/ ٥٧٥
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ: هَذَا عَبْدٌ كَانَ حَسَنَ الْقَوْلِ سَيِّئَ الْعَمَلِ، يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَيُحْسِنُ لَهُ الْقَوْلَ ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٠٥]»
٣ ‏/ ٥٧٦
وَحَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ. يَقُولُ قَوْلًا، فِي قَلْبِهِ غَيْرُهُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ» وَفِي قَوْلِهِ ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] وَجْهَانِ مِنَ الْقِرَاءَةِ: فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] بِمَعْنَى أَنَّ الْمُنَافِقَ الَّذِي يُعْجِبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَوْلُهُ، يَسْتَشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ، أَنَّ قَوْلَهُ مُوَافِقٌ اعْتِقَادَهُ، وَأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللِّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَهُوَ كَاذِبٌ
٣ ‏/ ٥٧٦
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢٠٤] إِلَى ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] كَانَ رَجُلٌ يَأْتِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَيَقُولُ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ جِئْتَ بِالْحَقِّ، وَالصِّدْقِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ: حَتَّى يُعْجَبَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ. ثُمَّ يَقُولُ: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لِيَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِي مِثْلَ مَا نَطَقَ بِهِ لِسَانِي. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونِ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ [المنافقون: ١] حَتَّى بَلَغَ ⦗٥٧٧⦘: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] بِمَا يَشْهَدُونَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٥٧٦
وَقَالَ السُّدِّيُّ: «﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] يَقُولُ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي صَادِقٌ، أَنِّي أُرِيدُ الْإِسْلَامَ»
٣ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْنَ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ أَسْبَاطِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «وَيُشْهِدُ اللَّهَ فِي الْخُصُومَةِ، إِنَّمَا يُرِيدُ الْحَقَّ» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْهُ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: «وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ» بِمَعْنَى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنَ النِّفَاقِ، وَأَنَّهُ مُضْمِرٌ فِي قَلْبِهِ غَيْرَ الَّذِي يُبْدِيهِ بِلِسَانِهِ وَعَلَى كَذِبِهِ فِي قَلْبِهِ. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، وَعَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ،. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى فِي حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. ⦗٥٧٨⦘ وَالَّذِي نَخْتَارُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْقُرَّاءِ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] بِمَعْنَى يَسْتَشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
٣ ‏/ ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] الْأَلَدُّ مِنَ الرِّجَالِ: الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ، يُقَالُ فِي «فَعَلْتُ» مِنْهُ: قَدْ لَدَدْتُ يَا هَذَا وَلَمْ تَكُنْ أَلَدَّ، فَأَنْتَ تَلُدُّ لَدَدًا وَلَدَادَةً؛ فَأَمَّا إِذَا غَلَبَ مَنْ خَاصَمَهُ، فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ: لَدَدْتَ يَا فُلَانُ فُلَانًا فَأَنْتَ تَلُدُّهُ لُدًّا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز] ثُمَّ أُرَدِّي بِهِمُ مَنْ تُرْدِي … تَلُدُّ أَقْرَانَ الْخُصُومِ اللُّدِّ
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: أَنَّهُ ذُو جِدَالٍ
٣ ‏/ ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] أَيْ ذُو جِدَالٍ إِذَا كَلَّمَكَ وَرَاجَعَكَ»
٣ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] يَقُولُ: شَدِيدُ الْقَسْوَةِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ، وَإِذَا شِئْتَ رَأَيْتُهُ ⦗٥٧٩⦘ عَالِمَ اللِّسَانِ جَاهِلَ الْعَمَلِ يَتَكَلَّمُ بِالْحِكْمَةِ، وَيَعْمَلُ بِالْخَطِيئَةِ»
٣ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ: جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمِ الْخُصُومَةِ، وَلَكِنَّهُ مُعْوَجُّهَا
٣ ‏/ ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَهُوَ أَلَدُ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] قَالَ: ظَالِمٌ لَا يَسْتَقِيمُ»
٣ ‏/ ٥٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْأَلَدُ الْخِصَامِ: الَّذِي لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى خُصُومَةٍ»
٣ ‏/ ٥٧٩
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَلَدُ الْخِصَامِ: أَعْوَجُ الْخِصَامِ» قَالَ، أَبُو جَعْفَرٍ: وَكِلَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الِاعْوِجَاجَ فِي الْخُصُومَةِ مِنَ الْجِدَالِ، وَاللَّدَدِ، ⦗٥٨٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُوَ كَاذِبٌ قَوْلَهُ
٣ ‏/ ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «الْأَلَدُ الْخِصَامِ: الْكَاذِبُ الْقَوْلِ» وَهَذَا الْقَوْلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِينَ إِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ قَائِلُهُ أَنَّهُ يُخَاصِمُ بِالْبَاطِلِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالْكَذِبِ مِنْهُ جَدَلًا، وَاعْوِجَاجًا عَنِ الْحَقِّ. وَأَمَّا الْخِصَامُ: فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَاصَمْتُ فُلَانًا خِصَامًا، وَمُخَاصَمَةً. وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى عَنِ الْمُنَافِقِ الَّذِي أَخْبَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ إِذَا تَكَلَّمَ قِيلُهُ، وَمِنْطِقُهُ، وَيَسْتَشْهِدُ اللَّهَ عَلَى أَنَّهُ مُحِقُّ فِي قِيلِهِ ذَلِكَ لِشِدَّةِ خُصُومَتِهِ، وَجِدَالِهِ بِالْبَاطِلِ، وَالزُّورِ مِنَ الْقَوْلِ
٣ ‏/ ٥٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥]
٣ ‏/ ٥٨٠
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ [البقرة: ٢٠٥] وَإِذَا أَدْبَرَ هَذَا الْمُنَافِقُ مِنْ عِنْدِكَ يَا مُحَمَّدُ مُنْصَرِفًا عَنْكَ
٣ ‏/ ٥٨٠
كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: يَعْنِي: وَإِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ سَعَى» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا غَضِبَ
٣ ‏/ ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: إِذَا غَضِبَ» فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَإِذَا خَرَجَ هَذَا الْمُنَافِقُ مِنْ عِنْدِكَ يَا مُحَمَّدُ غَضْبَانَ عَمِلَ فِي الْأَرْضِ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَحَاوَلَ فِيهَا مَعْصِيَةَ اللَّهِ، وَقَطْعَ الطَّرِيقِ، وَإِفْسَادَ السَّبِيلِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ فِعْلِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ الَّذِي ذَكَرَ السُّدِّيُّ أَنَّ فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ إِحْرَاقِهِ زَرْعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلِهِ حُمُرَهُمْ، وَالسَّعْي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْعَمَلُ، يُقَالُ مِنْهُ: فُلَانٌ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ، يَعْنِي بِهِ يَعْمَلُ فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ نَفْعُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الكامل] وَسَعَى لِكِنْدَةَ سَعْيَ … غَيْرِ مُوَاكِلٍ قَيْسٌ فَضَرَّ عَدُوَّهَا وَبَنَى لَهَا
يَعْنِي بِذَلِكَ: عَمِلَ لَهُمْ فِي الْمَكَارِمِ. وَكَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ
٣ ‏/ ٥٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ «﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: عَمِلَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْإِفْسَادِ الَّذِي أَضَافَهُ اللَّهُ عز وجل إِلَى هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ مَا قُلْنَا فِيهِ مِنْ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ، وَإِخَافَتِهِ السَّبِيلَ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا ⦗٥٨٢⦘ قَبْلُ مِنْ فِعْلِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ قَطْعُ الرَّحِمِ، وَسَفْكُ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
٣ ‏/ ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَطَعَ الرَّحِمَ، وَسَفَكَ الدِّمَاءَ، دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا قِيلَ: لِمَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عز وجل» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَصَفَ هَذَا الْمُنَافِقَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَلَّى مُدْبِرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَمِلَ فِي أَرْضِ اللَّهِ بِالْفَسَادِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ جَمِيعُ الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَعَاصِي إِفْسَادٌ فِي الْأَرْضِ، فَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ وَصْفَهُ بِبَعْضِ مَعَانِي الْإِفْسَادِ دُونَ بَعْضٍ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْإِفْسَادُ مِنْهُ كَانَ بِمَعْنَى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ ” مِنْهُ فَقَدْ كَانَ إِفْسَادًا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ لِلَّهِ عز وجل مَعْصِيَةٌ. غَيْرَ أَنَّ الْأَشْبَهَ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَيُخِيفُ السَّبِيلَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَصَفَهُ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ، وَالنَّسْلَ، وَذَلِكَ بِفِعْلٍ مُخِيفِ السَّبِيلِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِفِعْلِ قُطَّاعِ الرَّحِمِ
٣ ‏/ ٥٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي وَجْهِ إِهْلَاكِ هَذَا الْمُنَافِقِ، الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ ⦗٥٨٣⦘ مِنْ صِفَةِ إِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
٣ ‏/ ٥٨٢
«كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِحْرَاقًا لِزَرْعِ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَقْرًا لِحُمُرِهِمْ» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ
٣ ‏/ ٥٨٣
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامٌ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] الْآيَةَ، قَالَ: إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ، فَيَحْبِسُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْقَطْرَ، فَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُجَاهِدٌ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبِرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بَحْرُكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ جَارٍ فَهُوَ بَحْرٌ» وَالَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا مِنَ التَّأْوِيلِ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْنَا عَنِ السُّدِّيِّ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَاهُ. وَأَمَّا الْحَرْثُ، فَإِنَّهُ الزَّرْعُ، وَالنَّسْلُ: الْعَقِبُ، وَالْوَلَدُ وَإِهْلَاكُهُ الزَّرْعَ: إِحْرَاقُهُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، بِاحْتِبَاسِ الْقَطْرِ مِنْ أَجْلِ مَعْصِيَتِهِ رَبَّهُ وَسَعْيِهِ بِالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِقَتْلِهِ الْقَوَّامَ بِهِ، وَالْمُتَعَاهِدِينَ لَهُ حَتَّى ⦗٥٨٤⦘ فَسَدَ فَهَلَكَ. وَكَذَلِكَ جَائِزٌ فِي مَعْنَى إِهْلَاكِهِ النَّسْلَ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِقَتْلِهِ أُمَّهَاتِهِ أَوْ آبَاءَهُ الَّتِي مِنْهَا يَكُونُ النَّسْلُ، فَيَكُونُ فِي قَتْلِهِ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ انْقِطَاعُ نَسْلِهِمَا. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، غَيْرِ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِهَا مَا قَالَهُ السُّدِّيُّ، غَيْرَ أَنَّ السُّدِّيَّ، ذَكَرَ أَنَّ الَّذِيَ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي قَتْلِهِ حُمُرَ الْقَوْمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِحْرَاقِهِ زَرْعًا لَهُمْ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ فَاسِدٍ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهَا كُلُّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ فِي قَتْلِ كُلِّ مَا قُتِلَ مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ بِحَالٍ وَالَّذِي يَحِلُّ قَتْلُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إِذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ عِنْدِي، لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ بَلْ عَمَّهُ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي عُمُومِ ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٣ ‏/ ٥٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ. ثنا يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: «﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ»
٣ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قُلْتُ أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ ﴿الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: الْحَرْثُ: حَرْثُكُمْ، وَالنَّسْلُ: نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ»
٣ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْحَرْثِ، وَالنَّسْلِ، فَقَالَ: «الْحَرْثُ: مِمَّا تَحْرُثُونَ، وَالنَّسْلُ: نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ. ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَمِيمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. «﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] فَنَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ، وَالنَّاسُ أَيْضًا»
٣ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴿وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ تَمْشِي مِنَ الْحَيَوَانِ مِنَ النَّاسِ، وَالدَّوَابِّ»
٣ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴿وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] نَسْلُ كُلِّ شَيْءٍ»
٣ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «الْحَرْثُ. النَّبَاتُ، وَالنَّسْلُ: نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ»
٣ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: «الْحَرْثُ الَّذِي يَحْرُثُهُ النَّاسُ: نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴿وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ»
٣ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: «﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: الْحَرْثُ: الزَّرْعُ، وَالنَّسْلُ مِنَ النَّاسِ، وَالْأَنْعَامِ، قَالَ: يَقْتُلُ نَسْلَ النَّاسِ، وَالْأَنْعَامِ»
٣ ‏/ ٥٨٦
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «يَبْتَغِي فِي الْأَرْضِ هَلَاكَ الْحَرْثِ: نَبَاتُ الْأَرْضِ، وَالنَّسْلُ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ»
٣ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] قَالَ: الْحَرْثُ: الْأَصْلُ، وَالنَّسْلُ: كُلُّ دَابَّةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُمْ»
٣ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ فَسَادِ الْحَرْثِ، وَالنَّسْلِ، وَمَا هُمَا أَيُّ حَرْثٍ وَأَيُّ نَسْلٍ؟ قَالَ سَعِيدٌ: قَالَ مَكْحُولٌ: «الْحَرْثُ: مَا تَحْرُثُونَ، وَأَمَّا النَّسْلُ: فَنَسْلُ كُلِّ شَيْءٍ»
٣ ‏/ ٥٨٦
وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: (وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) بِرَفْعِ «يُهْلِكُ» عَلَى مَعْنَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَاللَّهُ لَا يَجِبُ الْفَسَادَ. فَيَرُدُّ «وَيُهْلِكُ» عَلَى «وَيَشْهَدُ اللَّهَ» عَطْفًا بِهِ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ قِرَاءَةٌ عِنْدِي غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَخْرَجٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةَ: ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] وَأَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُصْحَفِهِ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا: لِيُفْسِدَ فِيهَا وَلِيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ “، وَذَلِكَ مِنْ أَدَلِّ الدَّلِيلِ عَلَى تَصْحِيحِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ ﴿وَيُهْلِكَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] بِالنَّصْبِ عَطْفًا بِهِ عَلَى: ﴿لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٠٥]
٣ ‏/ ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: ٢٠٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمَعَاصِيَ، وَقَطْعَ السَّبِيلِ، وَإِخَافَةَ الطَّرِيقِ. وَالْفَسَادُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَسَدَ الشَّيْءُ يَفْسَدُ، نَظِيرَ قَوْلِهِمْ: ذَهَبَ يَذْهَبُ ذَهَابًا، وَمَنِ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ مَصْدَرَ فَسَدَ فُسُودًا، وَمَصْدَرُ ذَهَبَ يَذْهَبُ ذُهُوبًا
٣ ‏/ ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ ⦗٥٨٨⦘ جَهَنَّمَ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: ٢٠٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَذَا الْمُنَافِقِ الَّذِي نَعَتَ نَعْتَهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: اتَّقِ اللَّهَ، وَخَفْهُ فِي إِفْسَادِكَ فِي أَرْضِ اللَّهِ، وَسَعْيِكَ فِيهَا بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَإِهْلَاكِكَ حُرُوثَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَسْلِهِمْ؛ اسْتَكْبَرَ وَدَخَلَتْهُ عَزَّةٌ، وَحَمِيَّةٌ بِمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَتَمَادَى فِي غَيِّهِ وَضَلَالِهِ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَكَفَاهُ عُقُوبَةً مِنْ غَيِّهِ وَضَلَالِهِ صِلِيُّ نَارِ جَهَنَّمَ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ لِصَالِيهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا كُلَّ فَاسِقٍ، وَمُنَافِقٍ
٣ ‏/ ٥٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا بِسْطَامُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢٠٤] إِلَى: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ قَالَ عَلِيٌّ: اقْتَتَلَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»
٣ ‏/ ٥٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا صَلَّى السُّبْحَةَ وَفَرَغَ دَخَلَ ⦗٥٨٩⦘ مِرْبَدًا لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى فَتَيَانٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، مِنْهُمِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ، قَالَ: فَيَأْتُونَ فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَهُ، فَإِذَا كَانَتِ الْقَائِلَةُ انْصَرَفَ. قَالَ فَمَرُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٦]، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَهَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لِبَعْضِ مَنْ كَانَ إِلَى جَنْبِهِ: اقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ. فَسَمِعَ عُمَرُ، مَا قَالَ، فَقَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ قُلْتَ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَاذَا قُلْتَ؟ اقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ؟ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرَى هَاهُنَا مَنْ إِذَا أُمِرَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، وَأَرَى مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ؛ يَقُومُ هَذَا فَيَأْمُرُ هَذَا بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ وَأَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، قَالَ هَذَا: وَأَنَا أَشْتَرِي نَفْسِي فَقَاتِلْهُ، فَاقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ. فَقَالَ عُمَرُ: لِلَّهِ بِلَادُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ،» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ الْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: ٢٠٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي وَلَبِئْسَ الْفِرَاشُ وَالْوِطَاءُ: جَهَنَّمُ الَّتِي أَوْعَدَ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذَا الْمُنَافِقَ، وَوَطَّأَهَا لِنَفْسِهِ بِنِفَاقِهِ، وَفُجُورِهِ، وَتَمُرُّدِهِ عَلَى رَبِّهِ
٣ ‏/ ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مِنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ نَفْسَهُ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ فِي ⦗٥٩٠⦘ سَبِيلِهِ وَابْتَاعَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ [التوبة: ١١١] وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى شَرَى بَاعَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
٣ ‏/ ٥٨٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الشَّارِيَ يَشْرِي إِذَا اشْتَرَى طَلَبَ مَرْضَاةِ اللَّهِ. وَنَصَبَ «ابْتِغَاءَ» بِقَوْلِهِ «يَشْرِي»، فَكَأَنَّهُ قَالَ. «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي مِنْ أَجْلِ ابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ، ثُمَّ تَرَكَ» مِنْ أَجْلِ ” وَعَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ نَصَبَ ذَلِكَ عَلَى الْفِعْلِ عَلَى يَشْرِي كَأَنَّهُ قَالَ: لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَلَمَّا نَزَعَ اللَّامَ عَمِلَ الْفِعْلُ. قَالَ: وَمِثْلُهُ: ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: ١٩] وَقَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ حَاتِمٌ:
وَأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الْكَرِيمِ ادِّخَارَهُ … وَأُعْرِضُ عَنْ قَوْلِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمَا
وَقَالَ: لَمَّا أَذْهَبَ اللَّامَ أَعْمَلَ فِيهِ الْفِعْلَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيُّمَا مَصْدَرٍ وُضِعَ مَوْضِعَ الشَّرْطِ وَمَوْضِعَ «أَنْ» فَتَحْسُنُ فِيهَا الْبَاءُ وَاللَّامُ، فَتَقُولُ: أَتَيْتُكَ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ، وَلِخَوْفِ الشَّرِّ، وَبِأَنْ خِفْتُ الشَّرَّ؛ فَالصِّفَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، فَحُذِفَتْ وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مَقَامَهَا. قَالَ: وَلَوْ كَانَتِ الصِّفَةُ حَرْفًا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ حَذْفُهَا كَمَا غَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ قَالَ: فَعَلْتُ هَذَا لَكَ
٣ ‏/ ٥٩٠
وَلِفُلَانٍ، أَنْ يُسْقِطَ اللَّامَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ وَمَنْ عَنَى بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَعُنِيَ بِهَا الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
٣ ‏/ ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] قَالَ: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِأَعْيَانِهِمْ
٣ ‏/ ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] قَالَ: نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ جُنْدُبِ بْنِ السَّكَنِ؛ أَخَذَ أَهْلُ أَبِي ذَرٍّ، أَبَا ذَرٍّ، فَانْفَلَتَ مِنْهُمْ، فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا رَجَعَ مُهَاجِرًا عَرَضُوا لَهُ، وَكَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَانْفَلَتَ أَيْضًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام. وَأَمَّا صُهَيْبٌ فَأَخَذَهُ أَهْلُهُ، فَافْتَدَى مِنْهُمْ بِمَالِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مُهَاجِرًا فَأَدْرَكَهُ مُنْقِذُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ، فَخَرَّجَ لَهُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ»
٣ ‏/ ٥٩١
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلِهِ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ ﷺ وَيُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنَعُوهُ، وَحَبَسُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: أُعْطِيكُمْ دَارِي، وَمَالِي وَمَا كَانَ لِي مِنْ شَيْءٍ فَخَلُّوا عَنِّي فَأَلْحَقَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَبَوْا. ثُمَّ إِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ لَهُمْ: خُذُوا مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ شَيْءٍ وَخَلُّوا عَنْهُ فَفَعَلُوا، فَأَعْطَاهُمْ دَارَهُ وَمَالَهُ، ثُمَّ خَرَجَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِالْمَدِينَةِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] الْآيَةَ؛ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ تَلَقَّاهُ عُمَرُ، فِي رِجَالٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: رَبِحَ الْبَيْعُ، قَالَ: وَبَيْعُكَ فَلَا يَخْسَرُ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أُنْزِلَ فِيكَ كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ كُلَّ شارٍ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ
٣ ‏/ ٥٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «حَمَلَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ عَلَى الصَّفِّ حَتَّى خَرَقَهُ، فَقَالُوا: أَلْقَى بِيَدِهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧]»
٣ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ⦗٥٩٣⦘ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: «بَعَثَ عُمَرُ جَيْشًا فَحَاصَرُوا أَهْلَ حِصْنٍ، وَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ، فَقَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ يَقُولُونَ: أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، فَقَالَ: كَذَبُوا، أَلَيْسَ اللَّهُ عز وجل يَقُولُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾»
٣ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «حَمَلَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ، عَلَى الصَّفِّ حَتَّى شَقَّهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧]»
٣ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا حِزَامُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَرَأَ: «﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ أَتَدْرُونَ فِيمَ أُنْزِلَتْ؟ نَزَلَتْ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ لَقِيَ الْكَافِرَ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قُلْتَهَا عَصَمْتَ دَمَكَ، وَمَالَكَ إِلَّا بِحَقِّهِمَا. فَأَبَى أَنْ يَقُولَهَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَاللَّهِ لَأَشْرِيَنَّ نَفْسِي لِلَّهِ. فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ»
٣ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا زِيَادُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ، إِنْسَانًا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: “﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] قَالَ: اسْتَرْجَعَ عُمَرُ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
٣ ‏/ ٥٩٣
رَاجِعُونَ، قَامَ رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَقُتِلَ ” وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ التَّأْوِيلِ، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهم، مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهَا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ صِفَةَ فَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُنَافِقٌ يَقُولُ بِلِسَانِهِ خِلَافَ مَا فِي نَفْسِهِ وَإِذَا اقْتَدَرَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ رَكِبَهَا وَإِذَا لَمْ يَقْتَدِرْ رَامَهَا وَإِذَا نُهِيَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ بِمَا هُوَ بِهِ آثِمٌ، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا بَائِعٌ نَفْسَهُ طَالِبٌ مِنَ اللَّهِ رِضَا اللَّهِ. فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنَ التَّأْوِيلِ أَنَّ الْفَرِيقَ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ شَرَى نَفْسَهُ لِلَّهِ وَطَلَبَ رِضَاهُ، إِنَّمَا شَرَاهَا لِلْوُثُوبِ بِالْفَرِيقِ الْفَاجِرِ طَلَبَ رِضَا اللَّهِ. فَهَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ نُزُولِ الْآيَةِ فِي أَمْرِ صُهَيْبٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ، إِذْ كَانَ غَيْرَ مَدْفُوعٍ جَوَازُ نُزُولِ آيَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَالْمَعْنِيُّ بِهَا كُلُّ مَنْ شَمَلَهُ ظَاهِرُهَا. فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ وَصَفَ شَارِبًا نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ، فَكُلُّ مَنْ بَاعَ نَفْسَهُ فِي طَاعَتِهِ حَتَّى قُتِلَ فِيهَا أَوِ اسْتَقْتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ، فَمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] فِي جِهَادِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ فِي أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْي عَنْ مُنْكَرٍ
٣ ‏/ ٥٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ ⦗٥٩٥⦘ قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الرَّأْفَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّهَا رِقَّةُ الرَّحْمَةِ؛ فَمَعْنَى ذَلِكَ: وَاللَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ بِعَبْدِهِ الَّذِي يَشْرِي نَفْسَهُ لَهُ فِي جِهَادِ مَنْ حَادَّهُ فِي أَمْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالْفُسُوقِ، وَبِغَيْرِهِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِ مَعَادِهِمْ، فَيُنْجِزُ لَهُمُ الثَّوَابَ عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي طَاعَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُسْكِنُهُمْ جَنَّاتَهُ عَلَى مَا عَمِلُوا فِيهَا مِنْ مَرْضَاتِهِ
٣ ‏/ ٥٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ٢٠٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى السَّلَمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: الْإِسْلَامُ
٣ ‏/ ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] قَالَ: ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ»
٣ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] قَالَ: ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ»
٣ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٥٩٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] قَالَ: السِّلْمُ: الْإِسْلَامُ»
٣ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] يَقُولُ: فِي الْإِسْلَامِ»
٣ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ»
٣ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] قَالَ: السِّلْمُ: الْإِسْلَامُ»
٣ ‏/ ٥٩٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ فَرَجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] فِي الْإِسْلَامِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ادْخُلُوا فِي الطَّاعَةِ
٣ ‏/ ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] يَقُولُ: ادْخُلُوا فِي الطَّاعَةِ» وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ: (ادْخُلُوا فِي
٣ ‏/ ٥٩٦
السَّلْمِ) بِفَتْحِ السِّينِ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ بِكَسْرِ السِّينِ. فَأَمَّا الَّذِينَ فَتَحُوا السِّينَ مِنَ «السَّلْمِ»، فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَهَا إِلَى الْمُسَالَمَةِ، بِمَعْنَى: ادْخُلُوا فِي الصُّلْحِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَتَرْكِ الْحَرْبِ وَإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْكَسْرِ مِنَ السِّينِ فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي تَأْوِيلِهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُوَجِّهُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، بِمَعْنَى ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَافَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَجِّهُهُ إِلَى الصُّلْحِ، بِمَعْنَى: ادْخُلُوا فِي الصُّلْحِ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى أَنَّ السِّينَ تُكْسَرُ، وَهِيَ بِمَعْنَى الصُّلْحِ بِقَوْلِ زُهَيْرِ ابْنِ أَبِي سُلْمَى:
[البحر الطويل] وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعًا … بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ الْأَمْرِ نَسْلَمِ
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ كَافَّةً وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ السِّينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِلُ مَعْنَى الصُّلْحِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْإِسْلَامِ: وَدَوَامِ الْأَمْرِ الصَّالِحِ عِنْدَ الْعَرَبِ أَغْلَبُ عَلَيْهِ مِنَ الصُّلْحِ، وَالْمُسَالَمَةِ، وَيُنْشِدُ بَيْتَ أَخِي كِنْدَةَ:
[البحر الوافر] دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ … لَمَّا رَأَيْتُهُمُ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَا
٣ ‏/ ٥٩٧
بِكَسْرِ السِّينِ، بِمَعْنَى: دَعْوَتَهُمْ لِلْإِسْلَامِ لَمَّا ارْتَدُّوا، وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ ارْتَدَّتْ كِنْدَةُ مَعَ الْأَشْعَثِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَقَدْ كَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، يَقْرَأُ سَائِرَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ (السَّلْمِ) بِالْفَتْحِ سِوَى هَذِهِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَخُصُّهَا بِكَسْرِ سِينِهَا تَوْجِيهًا مِنْهُ لِمَعْنَاهَا إِلَى الْإِسْلَامِ دُونَ مَا سِوَاهَا. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] وَصَرَفْنَا مَعْنَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْآيَةَ مُخَاطَبٌ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَلَنْ يَعْدُوَ الْخِطَابُ إِذْ كَانَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى أَنْ يُقَالَ لَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ: ادْخُلُوا فِي صُلْحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمُسَالَمَتِهِمْ، لِأَنَّ الْمُسَالَمَةَ، وَالْمُصَالَحَةَ إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ كَانَ حَرْبًا بِتَرْكِ الْحَرْبِ. فَأَمَّا الْمَوَالِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: صَالِحْ فُلَانًا، وَلَا حَرْبَ بَيْنَهُمَا، وَلَا عَدَاوَةَ. أَوْ يَكُونَ خِطَابًا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُصَدِّقِينَ بِهِمْ، وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْمُنْكِرِينَ مُحَمَّدًا، وَنُبُوَّتَهُ، فَقِيلَ لَهُمُ: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ؛ يَعْنِي بِهِ الْإِسْلَامَ لَا الصُّلْحَ. لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا جَاءَ بِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ دَعَاهُمْ دُونَ الْمُسَالَمَةِ، وَالْمُصَالَحَةِ؛ بَلْ نَهَى نَبِيَّهُ ﷺ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَنْ دُعَاءِ أَهْلِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥] وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بَعْضِ الْأَحْوَالِ إِذَا دَعُوهُ إِلَى الصُّلْحِ ابْتِدَاءَ الْمُصَالَحَةِ، فَقَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١] فَأَمَّا دُعَاؤُهُمْ إِلَى الصُّلْحِ ابْتِدَاءً فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقُرْآنِ، فَيَجُوزُ
٣ ‏/ ٥٩٨
تَوْجِيهُ قَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] إِلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَأَيُّ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ دُعِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ كَافَّةً؟ قِيلَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: دُعِيَ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا جَاءَ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ: دُعِيَ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ. فَإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْهُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ؟ قِيلَ: وَجْهُ دُعَائِهِ إِلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ لَهُ بِالْعَمَلِ بِجَمِيعِ شَرَائِعِهِ، وَإِقَامَةِ جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، وَحُدُودِهِ، دُونَ تَضْيِيعِ بَعْضِهِ وَالْعَمَلِ بِبَعْضِهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ قَوْلُهُ ﴿كَافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] مِنْ صِفَةِ السَّلْمِ، وَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ: ادْخُلُوا فِي الْعَمَلِ بِجَمِيعِ مَعَانِي السَّلْمِ، وَلَا تُضَيِّعُوا شَيْئًا مِنْهُ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ وَمَا جَاءَ بِهِ. وَبِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ يَقُولُ عِكْرِمَةُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
٣ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلَهُ: “﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] قَالَ: نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ، وَابْنِ يَامِينَ، وَأَسَدٍ، وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ كَعْبٍ، وَشُعْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ،
٣ ‏/ ٥٩٩
كُلُّهُمْ مِنْ يَهُودَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمَ كُنَّا نُعَظِّمُهُ فَدَعْنَا فَلْنُسْبِتْ فِيهِ، وَإِنَّ التَّوْرَاةَ كِتَابُ اللَّهِ، فَدَعْنَا فَلْنَقُمْ بِهَا بِاللَّيْلَ فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: ٢٠٨] ” فَقَدْ صَرَّحَ عِكْرِمَةُ، بِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ دُعَاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى رَفْضِ جَمِيعِ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَالْعَمَلُ بِجَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّهْي عَنْ تَضْيِيعِ شَيْءٍ مِنْ حُدُودِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْفَرِيقُ الَّذِي دُعِيَ إِلَى السِّلْمِ فَقِيلَ لَهُمُ ادْخُلُوا فِيهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، أُمِرُوا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ
٣ ‏/ ٦٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ»
٣ ‏/ ٦٠٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: ٢٠٨] قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الَّذِينَ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …