سُورَةُ الْبَقَرَةِ 18

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَقُولُ: حَتَّى لَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ، وَذَلِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ عَلَيْهِ قَاتَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَإِلَيْهِ دَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٣] أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» . ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الرَّبِيعِ
٣ ‏/ ٣٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣]
٣ ‏/ ٣٠١
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ [البقرة: ١٩٢] فَإِنِ انْتَهَى الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ عَنْ قِتَالِكُمْ، وَدَخَلُوا فِي مِلَّتِكُمْ، وَأَقَرُّوا بِمَا أَلَزَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَتَرَكُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عُبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَدَعُوا الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ، وَقِتَالَهُمْ، وَجِهَادَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَدَى إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَالَّذِينَ تَرَكُوا عِبَادَتَهُ وعَبَدُوا غَيْرَ خَالِقِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ عَلَى الظَّالِمِ فَيُقَالُ: ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ غَيْرُ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ لِمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الِاعْتِدَاءِ، يَقُولُ: افْعَلُوا بِهِمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلُوا بِكُمْ، كَمَا يُقَالُ: إِنْ تَعَاطَيْتَ مِنِّي ظُلْمًا تَعَاطَيْتَهُ مِنْكَ، وَالثَّانِي لَيْسَ بِظُلْمٍ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ شَأْسٍ الْأَسَدِيُّ.
[البحر الطويل] جَزَيْنَا ذَوِي الْعُدْوَانِ بِالْأَمْسِ قَرْضَهُمْ … قِصَاصًا سَوَاءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ
وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] وَ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ ونَظَائِرَهُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٣ ‏/ ٣٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ ⦗٣٠٣⦘ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ «﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] وَالظَّالِمُ الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٣ ‏/ ٣٠٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، «﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ»
٣ ‏/ ٣٠٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ. ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ «هُمْ مَنْ أَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ. ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] فَلَا تُقَاتِلْ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ
٣ ‏/ ٣٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَقُولُ «لَا تُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَكُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ. ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٠٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْعُدْوَانَ عَلَى الظَّالِمِينَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ يَقُولُ: اعْتَدُوا عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ ” فَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٩٣] لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فَإِنِ انْتَهَوْا، إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَهُونَ إِلَّا بَعْضُهُمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنِ انْتَهَى بَعْضُهُمْ فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، فَأَضْمَرَ كَمَا قَالَ: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] يُرِيدَ فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَكَمَا تَقُولُ: إِلَى مَنْ تَقْصِدُ أَقْصِدُ، يَعْنِي إِلَيْهِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ الْإِضْمَارَ فِي ذَلِكَ وَيَتَأَوَّلَهُ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنِ انْتَهَى، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لَا يَنْتَهُونَ
٣ ‏/ ٣٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٩٤]
٣ ‏/ ٣٠٤
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٤] ذَا الْقَعْدَةِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اعْتَمَرَ فِيهِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَصَدُّهُ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ عَنِ الْبَيْتِ وَدُخُولِ مَكَّةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ هِجْرَتِهِ، وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُشْرِكِينَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، عَلَى أَنْ يَعُودَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَيَدْخُلُ مَكَّةَ وَيُقِيمُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ هِجْرَتِهِ خَرَجَ مُعْتَمِرًا وَأَصْحَابُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ صَدَّوُهُ عَنِ الْبَيْتِ فِيهِ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَأَخْلَى لَهُ أَهْلُ مَكَّةَ الْبَلَدِ، حَتَّى دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ،
٣ ‏/ ٣٠٤
فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ، وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَعَهُ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ﴾ [البقرة: ١٩٤] يَعْنِي ذَا الْقَعْدَةِ الَّذِي أَوْصَلَكُمُ اللَّهُ فِيهِ إِلَى حَرَمِهِ بَيْتِهِ عَلَى كَرَاهَةِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُمْ مِنْهُ وَطَرَكُمْ ﴿بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٤] الَّذِي صَدَّكُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٌ الْعَامَ الْمَاضِي قَبْلَهُ فِيهِ، حَتَّى انْصَرَفْتُمْ عَنْ كُرْهٍ مِنْكُمْ عَنِ الْحَرَامِ، فَلَمْ تَدْخُلُوهُ وَلَمْ تَصِلُوا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَأَقْصَدَكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِإِدْخَالِكُمُ الْحَرَمَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ، بِمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْكُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنَ الصَّدِّ وَالْمَنْعِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ
٣ ‏/ ٣٠٥
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ يَعْنِي ابْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ، قَالَ: ثنا نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] قَالَ «هُمُ الْمُشْرِكُونَ حَبَسُوا مُحَمَّدًا ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَرَجَعَهُ اللَّهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَدْخَلَهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ»
٣ ‏/ ٣٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] قَالَ «فَخَرَّتْ قُرَيْشٌ بَرَدِّهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مُحْرِمًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَنِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ مَكَّةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَقَضَى عُمْرَتَهُ، وَأَقَصَّهُ بِمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ» ⦗٣٠٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] «أَقْبَلْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَمَعَهُمُ الْهَدْي، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونِ، فَصَالَحَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَيَكُونَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِسِلَاحٍ رَاكِبٍ وَيَخْرُجُ، وَلَا يَخْرُجُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَحَلَقُوا، وَقَصَّرُوا. حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ، فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِينَ رُدُّوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَقَصَّهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَأَدْخَلَهُ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي كَانُوا رُدُّوهُ فِيهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤]»
٣ ‏/ ٣٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعَنْ عُثْمَانَ، عَنْ مِقْسَمٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] قَالَا «كَانَ هَذَا فِي سَفَرِ الْحُدَيْبِيَةِ، صَدَّ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ عَنِ الْبَيْتِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَاضَوْا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ قَضِيَّةً» إِنَّ لَكُمْ أَنْ «تَعْتَمِرُوا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ» فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي صَدُّوهُمْ فِيهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ شَهْرًا حَرَامًا يَعْتَمِرُونَ فِيهِ مَكَانَ شَهْرِهِمُ الَّذِي صَدُّوا، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤]
٣ ‏/ ٣٠٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] قَالَ «لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ مُهَاجَرِهِ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونِ، وَأَبَوْا أَنْ يَتْرُكُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ صَالَحُوهُ فِي صُلْحِهِمْ عَلَى أَنْ يُخْلُوا لَهُ مَكَّةَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَخْرُجُونَ، وَيَتْرُكُونَهُ فِيهَا، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فَخَلُّوا لَهُ مَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَنَكَحَ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةَ»
٣ ‏/ ٣٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] «أَحْصَرُوا النَّبِيُّ ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤]»
٣ ‏/ ٣٠٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ ” أَقْبَلْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، فَأَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَمَعَهُمُ الْهَدْي، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ الْعَامَ حَتَّى يَرْجِعَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، فَيُقِيمُ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَخْرُجُ مَعَهُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَحَلَقُوا، وَقَصَّرُوا. حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، أَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ، فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِينَ رَدُّوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَاصَّ
٣ ‏/ ٣٠٧
اللَّهُ لَهُ مِنْهُمْ، وَأَدْخَلَهُ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي كَانُوا رَدُّوهُ فِيهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤]
٣ ‏/ ٣٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثَنَى عَمِّي، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] فَهُمُ الْمُشْرِكُونَ كَانُوا حَبَسُوا مُحَمَّدًا ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَنِ الْبَيْتِ، فَفَخَرُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَرَجَعَهُ اللَّهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ»
٣ ‏/ ٣٠٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٤] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ. قَالَ: هَذَا كُلَّهُ قَدْ نُسِخَ، أَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ: ﴿قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] وَقَرَأَ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ [التوبة: ١٢٣] الْعَرَبِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٢٩] حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ: ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] قَالَ: وَهُمُ الرُّومُ قَالَ: فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
٣ ‏/ ٣٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] قَالَ «أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِالْقِصَاصِ، وَيَأْخُذُ مِنْكُمُ الْعُدْوَانَ»
٣ ‏/ ٣٠٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، مُنِعُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَنَزَلَتْ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٤] عُمْرَةٌ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ بِعُمْرَةٍ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ» وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَا الْقَعْدَةَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ تُحَرِّمُ فِيهِ الْقِتَالَ وَالْقَتْلَ وَتَضَعُ فِيهِ السِّلَاحَ، وَلَا يَقْتُلُ فِيهِ أَحَدٌ أَحَدًا وَلَوْ لَقِيَ الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ أَوِ ابْنِهِ. وَإِنَّمَا كَانُوا سَمُّوهُ ذَا الْقَعْدَةِ لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنِ الْمَغَازِي، وَالْحُرُوبِ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِالِاسْمِ الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ بِهِ. وَأَمَّا الْحُرُمَاتُ فَإِنَّهَا جَمْعُ حُرْمَةٍ كَالظُّلُمَاتِ جَمْعُ ظُلْمَةٍ، وَالْحُجُرَاتُ جَمْعُ حُجْرَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ [البقرة: ١٩٤] فَجَمْعٌ، لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْبَلَدَ الْحَرَامَ وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ: دُخُولُكُمُ الْحَرَمَ بِإِحْرَامِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا الْحَرَامِ قِصَاصٌ مِمَّا مُنِعْتُمْ مِنْ مِثْلِهِ عَامَكُمُ الْمَاضِي، وَذَلِكَ هُوَ الْحُرُمَاتُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ قِصَاصًا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِصَاصَ هُوَ الْمُجَازَاةُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ أَوِ الْبُدْنِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ
٣ ‏/ ٣٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا ⦗٣١٠⦘ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]
٣ ‏/ ٣٠٩
فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] فَهَذَا وَنَحْوُهُ نَزَلَ بِمَكَّةَ وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَقْهَرُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَعَاطُونَهُمْ بِالشَّتْمِ، وَالْأَذَى، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُجَازِي مِنْهُمْ أَنْ يُجَازِيَ بِمِثْلِ مَا أُوتِيَ إِلَيْهِ أَوْ يَصْبِرَ أَوْ يَعْفُوَ فَهُوَ أَمْثَلُ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَعَزَّ اللَّهُ سُلْطَانَهُ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْتَهُوا فِي مَظَالِمِهِمْ إِلَى سُلْطَانِهِمْ، وَأَنْ لَا يَعْدُوَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنْ قَاتَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَاتِلُوهُمْ كَمَا قَاتَلُوكُمْ. وَقَالُوا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ وَبَعْدَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ
٣ ‏/ ٣١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، «﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] فَقَاتَلُوهُمْ فِيهِ كَمَا قَاتَلُوكُمْ» وَأَشْبَهُ التَّأْوِيلَيْنِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ الَّذِي حُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْلَهَا إِنَّمَا هِيَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِجِهَادِ عَدُوِّهِمْ عَلَى صِفَةٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ
٣ ‏/ ٣١٠
: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠] وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا، وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٩٤] إِنَّمَا هُوَ فِي سِيَاقِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِالْقِتَالِ، وَالْجِهَادِ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا فَرَضَ الْقِتَالَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَعْدِ الْهِجْرَةِ فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] مَدَنِيُّ لَا مَكِّيُّ، إِذْ كَانَ فَرَضُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] نَظِيرَ قَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠] وَأَنَّ مَعْنَاهُ: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فِي الْحَرَمِ فَقَاتَلَكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِالْقِتَالِ نَحْوَ اعْتِدَائِهِ عَلَيْكُمْ بِقِتَالِهِ إِيَّاكُمْ، لِأَنِّي قَدْ جَعَلْتُ الْحُرُمَاتِ قِصَاصًا، فَمَنِ اسْتَحَلَّ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حُرْمَةً فِي حَرَمِي، فَاسْتَحِلُّوا مِنْهُ مِثْلَهُ فِيهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ بِقِتَالِ أَهْلِ الْحَرَمِ ابْتِدَاءً فِي الْحَرَمِ وَقَوْلِهِ: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦] عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ وَإِتْبَاعُ لَفْظٍ لَفْظًا وَإِنِ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُمَا، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٥٤] وَقَدْ قَالَ: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا أَتْبَعَ لَفْظٌ لَفْظًا وَاخْتَلَفَ الْمَعْنَيَانِ. وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْعَدْوِ الَّذِي هُوَ شَدٌّ وَوُثُوبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَدَا الْأَسَدُ عَلَى فَرِيسَتِهِ. فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَنْ عَدَا عَلَيْكُمْ: أَيْ فَمَنْ
٣ ‏/ ٣١١
شَدَّ عَلَيْكُمْ وَوَثَبَ بِظُلْمٍ، فَاعْدُوا عَلَيْهِ أَيْ فَشُدُّوا عَلَيْهِ وَثِبُوا نَحْوَهُ قِصَاصًا لِمَا فَعَلَ بِكُمْ لَا ظُلْمًا ثُمَّ تَدْخُلُ التَّاءُ فِي «عَدَا»، فَيُقَالُ افْتَعَلَ مَكَانَ فَعَلَ، كَمَا يُقَالُ: اقْتَرَبَ هَذَا الْأَمْرُ بِمَعْنَى قَرَبَ، وَاجْتَلَبَ كَذَا بِمَعْنَى جَلَبَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
٣ ‏/ ٣١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ١٩٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي حُرُمَاتِهِ، وَحُدُودِهِ أَنْ تَعْتَدُوا فِيهَا فَتَتَجَاوَزُوا فِيهَا مَا بَيْنَهُ وَحْدَهُ لَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَتَجَنُّبِ مَحَارِمِهِ
٣ ‏/ ٣١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٥] وَسَبِيلُ اللَّهِ: طَرِيقُهُ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَسْلُكَ فِيهِ إِلَى عَدُوِّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِجِهَادِهِمْ، وَحَرْبِهِمْ ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] يَقُولُ: وَلَا تَتْرُكُوا النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُعَوِّضُكُمْ ٠ مِنْهَا أَجْرًا وَيَرْزُقُكُمْ عَاجِلًا
٣ ‏/ ٣١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، «﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ: يَعْنِي فِي تَرْكِ ⦗٣١٣⦘ النَّفَقَةِ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ جَمِيعًا، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: هُوَ تَرْكُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
٣ ‏/ ٣١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «تُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا مِشْقَصٌ، أَوْ سَهْمٌ، شُعْبَةُ الَّذِي يَشُكُّ فِي ذَلِكَ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ الْكَلْبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَهْمٌ، ⦗٣١٤⦘ أَوْ مِشْقَصٌ أَنْفَقْتَهُ
٣ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ: فِي النَّفَقَةِ»
٣ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «لَيْسَ التَّهْلُكَةُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنِ الْإِمْسَاكُ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ «نَزَلَتْ فِي النَّفَقَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]»
٣ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «كَانَ الْقَوْمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَتَزَوَّدُ الرَّجُلُ، فَكَانَ أَفْضَلَ زَادًا مِنَ الْآخَرِ أَنْفَقَ الْبَائِسُ مِنْ زَادِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْ زَادِهِ شَيْءٌ أَحَبُّ أَنْ يُوَاسِيَ صَاحِبَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]»
٣ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا شَيْبَانُ، عَنْ ⦗٣١٥⦘ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مِشْقَصًا فَلْيَتَجَهَّزْ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، «أَنَّ الْأَنْصَارَ، كَانَ احْتَبَسَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الرِّزْقِ، وَكَانُوا قَدْ أَنْفَقُوا نَفَقَاتٍ، قَالَ: فَسَاءَ ظَنُّهُمْ وَأَمْسَكُوا. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ: وَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ سُوءَ ظَنِّهِمْ وَإِمْسَاكَهُمْ»
٣ ‏/ ٣١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «تَمَنَّعُكُمْ نَفَقَةً فِي حَقٍّ خِيفَةُ الْعَيْلَةِ»
٣ ‏/ ٣١٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ يُحَدِّثُ أَنَّ ⦗٣١٦⦘ الْحَسَنَ حَدَّثَهُ «أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ وَيَغْزُونَ وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ قَالَ: لَا يُنْفِقُونَ فِي ذَلِكَ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُنْفِقُوا فِي مَغَازِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٣١٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] يَقُولُ «لَا تُمْسِكُوا بِأَيْدِيكُمْ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٥] يَقُولُ «أُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ عِقَالًا ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] تَقُولُ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ»
٣ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِالنَّفَقَةِ فَكَانُوا أَوْ بَعْضُهُمْ يَقُولُونَ: نُنْفِقُ فَيَذْهَبُ مَالُنَا وَلَا يَبْقَى لَنَا شَيْءٌ، قَالَ: فَقَالَ أَنْفِقُوا وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، قَالَ: أَنْفِقُوا وَأَنَا أَرْزُقْكُمْ»
٣ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ «نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ»
٣ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ هَمَّامٍ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ⦗٣١٧⦘ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي التَّهْلُكَةِ. قَالَ «أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ تَرْكَ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ التَّهْلُكَةُ»
٣ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ: يَقُولُ «أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قُلَّ وَكَثُرَ»
٣ ‏/ ٣١٧
قَالَ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ «نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ. عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «لَا يَقُولَنَّ الرَّجُلُ: لَا أَجِدُ شَيْئًا قَدْ هَلَكْتُ. فَلْيَتَجَهَّزَ وَلَوْ بِمِشْقَصٍ»
٣ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي. قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنٍ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ. ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] يَقُولُ «أَنْفِقُوا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. وَلَا تَسْتَسْلِمُوا، وَلَا تُنْفِقُوا شَيْئًا فَتَهْلَكُوا»
٣ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ «التَّهْلُكَةَ: أَنْ يُمْسِكَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَمَالَهُ عَنِ النَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٣ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] فَتَدَعُوا النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ⦗٣١٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيَّةٌ بِهِ النَّفَقَةُ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فِتِخِرِّجُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ، وَلَا قُوَّةٍ
٣ ‏/ ٣١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ مَا تُنْفِقُ فَلَا تُخْرِجُ بِنَفْسِكَ بِغَيْرِ ⦗٣١٩⦘ نَفَقَةٍ، وَلَا قُوَّةٍ فَتُلْقِيَ بِيَدَيْكَ إِلَى التَّهْلُكَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ فِيمَا أَصَبْتُمْ مِنَ الْآثَامِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَتَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَكِنِ ارْجُوا رَحْمَتَهُ وَاعْمَلُوا الْخَيْرَاتِ
٣ ‏/ ٣١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «هُوَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذُّنُوبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، يَقُولُ: لَا تَوْبَةَ لِي»
٣ ‏/ ٣١٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ أَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَحْدِي فَيَقْتُلُونِي أَكُنْتُ أَلْقَيْتُ بِيَدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ فَقَالَ «لَا، إِنَّمَا التَّهْلُكَةُ فِي النَّفَقَةِ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ، فَقَالَ: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤]»
٣ ‏/ ٣١٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ ⦗٣٢٠⦘ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ: لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ»
٣ ‏/ ٣١٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ ” يَا أَبَا عُمَارَةَ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] أَهُوَ الرَّجُلُ يَتَقَدَّمُ فَيُقَاتِلُ حَتَّى يَقْتُلَ؟ قَالَ «لَا، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يُلْقِي بِيَدِهِ وَلَا يَتُوبُ»
٣ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ «الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى كَتِيبَةٍ وَحْدَهُ فَيُقَاتِلُ، أَهُوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّ التَّهْلُكَةَ» أَنْ يُذْنِبَ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ، فَيَقُولُ: لَا تُقْبَلُ لِي تَوْبَةٌ “
٣ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، يَا أَبَا عِمَارَةَ، الرَّجُلُ يَلْقَى أَلْفًا مِنَ الْعَدُوِّ فَيِحْمِلُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ وَحْدَهُ، أَيَكُونُ مِمَّنْ قَالَ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] فَقَالَ «لَا، لِيُقَاتِلَ حَتَّى يَقْتُلَ، قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤]»
٣ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَسَأَلْتُ عَبِيدَةَ، عَنْ قَوْلِ ⦗٣٢١⦘ اللَّهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] الْآيَةَ. فَقَالَ عُبَيْدَةُ «كَانَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ قَالَ: حَسِبْتُهُ قَالَ: الْعَظِيمَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ فَيَسْتَهْلَكُ» زَادَ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِهِ: فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]
٣ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ، عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَسْتَسْلِمُ وَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَيَقُولُ: لَا تَوْبَةَ لَهُ. يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]»
٣ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ»
٣ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، «﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ: الْقُنُوطُ»
٣ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، وَهِشَامِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ «هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَسْتَسْلِمُ، يَقُولُ: لَا تَوْبَةَ لِي، فَيُلْقِي بِيَدِهِ»
٣ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: ⦗٣٢٢⦘ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، أَنَّهُ قَالَ «هِيَ فِي الرَّجُلِ يُصِيبُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ، فَيُلْقِي بِيَدِهِ وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تَتْرُكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ
٣ ‏/ ٣٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. قَالَ: فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ، لَمْ أَرَ صَفَّيْنِ قَطُّ أَعْرَضَ وَلَا أَطْوَلَ مِنْهُمَا، وَالرُّومُ مُلْصَقُونَ ظُهُورَهُمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى الْعَدُوِّ، فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، إِنَّمَا تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا إِنْ حَمَلَ رَجُلٌ يُقَاتِلُ يَلْتَمِسُ الشَّهَادَةَ أَوْ يُبْلِي مِنْ نَفْسِهِ إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ. إِنَّا لَمَّا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، قُلْنَا: بَيْنَنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ خَفِيًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنَّا قَدْ كُنَّا تَرَكْنَا أَهْلَنَا، وَأَمْوَالَنَا أَنْ نُقِيمَ فِيهَا وَنُصْلِحَهَا حَتَّى نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، هَلُمَّ نُقِيمُ فِي أَمْوَالِنَا، وَنُصْلِحُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْخَبَرَ مِنَ السَّمَاءِ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] الْآيَةَ، فَالْإِلْقَاءُ بِالْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ: أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا، وَنَدَعُ الْجِهَادَ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ “
٣ ‏/ ٣٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَا: ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَا: ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ أَبُو عِمْرَانَ مَوْلَى تُجِيبَ، قَالَ: كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ صَفٌّ عَظِيمٌ مِنَ الرُّومِ، قَالَ: وَصَفَفْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا مُقْبِلًا، فَصَاحَ النَّاسُ، وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ: إِنَّا لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ، وَكَثَّرَ نَاصِرِيهِ، قُلْنَا: فِيمَا بَيْنَنَا بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، فَلَوْ أَنَّا أَقَمْنَا فِيهَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا هَمَمْنَا بِهِ، فَقَالَ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] بِالْإِقَامَةِ الَّتِي أَرَدْنَا أَنْ نُقِيمَ فِي الْأَمْوَالِ وَنُصْلِحَهَا، فَأَمَرَنَا بِالْغَزْوِ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ» ⦗٣٢٤⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنِ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٥] وَسَبِيلُهُ: طَرِيقُهُ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ وَأَوْضَحَهُ لَهُمْ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْفِقُوا فِي إِعْزَازِ دِينِي الَّذِي شَرَعْتُهُ لَكُمْ بِجِهَادِ عَدُوِّكُمُ النَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ عَلَى الْكُفْرِ بِي وَنَهَاهُمْ أَنْ يُلْقُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَالَ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] وَذَلِكَ مِثَلٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمُسْتَسْلِمِ لِلْأَمْرِ: أَعْطَى فُلَانٌ بِيَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْمُمَكِّنِ مِنْ نَفْسِهِ مِمَّا أُرِيدَ بِهِ أَعْطَى بِيَدَيْهِ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] وَلَا تَسْتَسْلِمُوا لِلْهَلَكَةِ فَتُعْطُوهَا أَزِمَّتَكُمْ فَتَهْلِكُوا وَالتَّارِكُ النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِنْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُسْتَسْلِمٌ لِلْهَلَكَةِ بِتَرْكِهِ أَدَاءَ فَرْضِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ أَحَدَ سِهَامِ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الثَّمَانِيَةِ فِي سَبِيلِهِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠] فَمَنْ تَرَكَ إِنْفَاقَ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى مَا لَزِمَهُ كَانَ لِلْهَلَكَةِ مُسْتَسْلِمًا وَبِيَدَيْهِ لِلتَّهْلُكَةِ مُلْقِيًا. وَكَذَلِكَ الْآيِسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لِذَنْبٍ سَلَفَ مِنْهُ مُلْقٍ بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: ٨٧] وَكَذَلِكَ التَّارِكُ غَزْوَ الْمُشْرِكِينَ وَجِهَادَهُمْ فِي حَالِ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي حَالِ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ، مُضَيِّعٌ فَرْضًا، ⦗٣٢٥⦘ مُلْقٍ بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا يَحْتَمِلُهَا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ عز وجل خَصَّ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ الْإِلْقَاءِ بِأَيْدِينَا لِمَا فِيهِ هَلَاكُنَا، وَالِاسْتِسْلَامِ لِلْهَلَكَةِ، وَهِيَ الْعَذَابُ، بِتَرْكِ مَا لَزِمَنَا مِنْ فَرَائِضِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مِنَّا الدُّخُولُ فِي شَيْءٍ يَكْرَهُ اللَّهُ مِنَّا مِمَّا نَسْتَوْجِبُ بِدُخُولِنَا فِيهِ عَذَابَهُ. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ: وَأَنْفِقُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تَتْرُكُوا النَّفَقَةَ فِيهَا فَتَهْلَكُوا بِاسْتِحْقَاقِكُمْ بِتَرْكِكُمْ ذَلِكَ عَذَابِي
٣ ‏/ ٣٢٣
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «التَّهْلُكَةُ: عَذَابُ اللَّهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَيَكُونُ ذَلِكَ إِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ بَعْدَ أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالنَّفَقَةِ مَا لِمَنْ تَرَكَ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَعَادِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ إِدْخَالِ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ. ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٥] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَلْقَيْتُ إِلَى فُلَانٍ دِرْهَمًا، دُونَ أَلَقَيْتُ إِلَى فُلَانٍ بِدِرْهَمٍ؟ قِيلَ: قَدْ قِيلَ إِنَّهَا زِيدَتْ نَحْوَ زِيَادَةِ الْقَائِلِ فِي الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: جَذَبْتُ بِالثَّوْبِ، وَجَذَبْتُ الثَّوْبَ، وَتَعَلَّقْتُ بِهِ، وَتَعَلَّقْتُهُ، وَ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠] وَإِنَّمَا ⦗٣٢٦⦘ هُوَ تَنْبُتُ الدُّهْنَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٥] أَصْلٌ لِلْكَلِمَةِ، لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ وَاقِعٌ كُنِّيَ عَنْهُ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَيْهَا، نَحْوَ قَوْلِكَ فِي رَجُلٍ: «كَلَّمْتُهُ»، فَأَرَدْتَ الْكِنَايَةَ عَنْ فِعْلِهِ، فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ قُلْتَ: «فَعَلْتُ بِهِ» قَالُوا: فَلَمَّا كَانَ الْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ جَازَ إِدْخَالُ الْبَاءِ وَإِخْرَاجِهَا فِي كُلِّ فِعْلٍ سَبِيلُهُ سَبِيلُ كَلِمَتُهُ. وَأَمَّا التَّهْلُكَةُ، فَإِنَّهَا التَّفْعِلَةُ مِنَ الْهَلَاكِ
٣ ‏/ ٣٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَحْسِنُوا﴾ [البقرة: ١٩٥] أَحْسَنُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَدَاءَ مَا أَلْزَمْتُكُمْ مِنْ فَرَائِضِي، وَتَجَنَّبْ مَا أَمَرْتُكُمْ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ مَعَاصِي، وَمَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِي. وَعَوْدُ الْقَوِيِّ مِنْكُمْ عَلَى الضَّعِيفِ ذِي الْخُلَّةِ، فَإِنِّي أُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فِي ذَلِكَ
٣ ‏/ ٣٢٦
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَأَحْسِنُوا إِنِ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ» ⦗٣٢٧⦘ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ
٣ ‏/ ٣٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] قَالَ «أَحْسِنُوُا الظَّنَّ بِاللَّهِ يَبَرَّكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: أَحْسَنُوا بِالْعَوْدِ عَلَى الْمُحْتَاجِ
٣ ‏/ ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥] عُودُوا عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ»
٣ ‏/ ٣٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ أَتِمُّوا الْحَجَّ بِمَنَاسِكِهِ، وَسُنَنِهِ، وَأَتِمُّوا الْعُمْرَةَ بِحُدُودِهَا، وَسُنَنِهَا
٣ ‏/ ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ. ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: هُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ) . قَالَ «لَا تَجَاوَزُوا بِالْعُمْرَةِ الْبَيْتَ» قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
٣ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَرَأَ: «وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ»
٣ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ «وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ»
٣ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] يَقُولُ «مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ حَتَّى يُتِمَّهَا تَمَامَ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَزَارَ الْبَيْتَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ كُلِّهِ، وَتَمَامُ الْعُمْرَةِ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ حَلَّ»
٣ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ” ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: مَا أُمِرُوا فِيهِمَا
٣ ‏/ ٣٢٩
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: «الْحَجَّ»: مَنَاسِكُ الْحَجِّ، و«الْعُمْرَةَ»: لَا يُجَاوِزُ بِهَا الْبَيْتَ “
٣ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ قَالَ «تُقْضَى مَنَاسِكُ الْحَجِّ عَرَفَةُ، وَالْمُزْدَلِفَةُ، وَمَوَاطِنُهَا، وَالْعُمْرَةُ لِلْبَيْتِ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يُحِلُّ» وَقَالَ آخَرُونَ: تَمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ مِنْ دُوَيْرِةِ أَهْلِكَ
٣ ‏/ ٣٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] «أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ⦗٣٣٠⦘ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ»
٣ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ «مِنْ تَمَامِ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ»
٣ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ «تَمَامُهُمَا: إِفْرَادُهُمَا مُؤْتَنَفَتَيْنِ مِنْ أَهْلِكِ»
٣ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ طَاوُسٍ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ «تُفْرِدُهُمَا مُؤَقَّتَتَيْنِ مِنْ أَهْلِكَ، فَذَلِكَ تَمَامُهُمَا» وَقَالَ آخَرُونَ: تَمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تَعْمَلَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَتَمَامُ الْحَجِّ أَنْ يُؤْتَى بِمَنَاسِكِهِ كُلِّهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَ عَامِلَهُ دَمٌ بِسَبَبِ قِرَانٍ وَلَا مُتْعَةٍ
٣ ‏/ ٣٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ «وَتَمَامُ الْعُمْرَةِ مَا كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهِيَ مُتْعَةٍ عَلَيْهِ فِيهَا الْهَدْي إِنْ وُجِدَ، وَإِلَّا صَامَ ⦗٣٣١⦘ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ»
٣ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ «مَا كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهِيَ عَمْرَةٌ تَامَّةٌ، وَمَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهِيَ مُتْعَةٌ وَعَلَيْهِ الْهَدْي»
٣ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ «إِنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ. قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: الْعُمْرَةُ فِي الْمُحْرِمِ؟ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَهَا تَامَّةً» وَقَالَ آخَرُونَ: إتَمَامُهُمَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكِ لَا تُرِيدُ غَيْرَهُمَا
٣ ‏/ ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ «هُوَ يَعْنِي تَمَامَهُمَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكِ لَا تُرِيدُ الَّا الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ، وَتُهِلُّ مِنَ الْمِيقَاتِ لَيْسَ أَنْ تَخْرُجَ لِتِجَارَةٍ، وَلَا لِحَاجَةٍ، حَتَّى إِذَا كُنْتَ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ قُلْتُ: لَوْ حَجَجْتُ، أَوِ اعْتَمَرْتُ. وَذَلِكَ يُجْزِئُ، وَلَكِنَّ التَّمَامَ أَنْ تَخْرُجَ لَهُ لَا تَخْرُجُ لِغَيْرِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ إِذَا دَخَلْتُمْ فِيهِمَا
٣ ‏/ ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ «لَيْسَتِ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةً عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ⦗٣٣٢⦘ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: لَيْسَ مِنَ الْخَلْقِ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ إِذَا دَخَلَ فِي أَمْرٍ إِلَّا أَنْ يُتِمَّهُ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُهِلَّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعَ، كَمَا لَوْ صَامَ يَوْمًا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ» وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقْرَأُ ذَلِكَ رَفْعًا
٣ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، أَنَّ الشَّعْبِيَّ، وَأَبَا بُرْدَةَ، تَذَاكَرَا الْعُمْرَةَ، قَالَ: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ «تَطَوُّعٌ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ)» وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]
٣ ‏/ ٣٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]» وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ مِنَ الْقَوْلِ هُوَ هَذَا
٣ ‏/ ٣٣٢
وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ «الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ» فَقِرَاءَةُ مَنْ قَالَ: الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ نَصَبَهَا بِمَعْنَى أَقِيمُوا فَرْضَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ
٣ ‏/ ٣٣٢
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا، يَقُولُ: «أُمِرْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِأَرْبَعٍ: بِإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ؛ قَالَ: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: ٩٧]، ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] إِلَى الْبَيْتِ»
٣ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ «أُمِرْنَا بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةٍ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْعُمْرَةُ، وَالْحَجُّ، فَنَزَلَتِ الْعُمْرَةُ مِنَ الْحَجِّ مَنْزِلَةَ الزَّكَاةِ مِنَ الصَّلَاةِ»
٣ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسُئِلَا «أَوَاجِبَةٌ الْعُمْرَةُ عَلَى النَّاسِ؟ فَكِلَاهُمَا قَالَ» مَا نَعْلَمُهَا إِلَّا وَاجِبَةً، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]
٣ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ الْعُمْرَةِ، فَرِيضَةٌ هِيَ أَمْ تَطَوُّعٌ؟ قَالَ «فَرِيضَةٌ. قَالَ: فَإِنَّ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: هِيَ تَطَوُّعٌ. قَالَ: كَذَبَ الشَّعْبِيُّ وَقَرَأَ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]»
٣ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَمَّنْ، سَمِعَ عَطَاءً، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ «هُمَا وَاجِبَانِ: الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ» فَتَأْوِيلُ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِهِ تبارك وتعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] أَنَّهُمَا فَرْضَانِ وَاجِبَانِ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى أَمَرَ بِإِقَامَتِهِمَا، كَمَا أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ، وَأَوْجَبَ الْعُمْرَةَ وُجُوبَ الْحَجِّ. وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ كَرِهْنَا تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِمْ، وَذِكْرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ. وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
٣ ‏/ ٣٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ «﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] يَقُولُ: أَقِيمُوا الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ»
٣ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ: «وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلْبَيْتِ» ثُمَّ هِيَ وَاجِبَةٌ مِثْلُ الْحَجِّ “
٣ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: ثنا ثُوَيْرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ إِلَى الْبَيْتِ» ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ «وَاللَّهِ لَوْلَا التَّحَرُّجُ وَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا شَيْئًا، لَقُلْتُ إِنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ مِثْلُ الْحَجِّ» ⦗٣٣٥⦘ وَكَأَنَّهُمْ عَنُوا بِقَوْلِهِ: أَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ: ائْتُوا بِهِمَا بِحُدُودِهِمَا وَأَحْكَامِهِمَا عَلَى مَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ قِرَاءَةَ هَؤُلَاءِ بِنَصْبِ الْعُمْرَةِ: الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ. وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى وُجُوبِهَا فِي نَصْبِهِمُ الْعُمْرَةَ فِي الْقِرَاءَةِ، إِذْ كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا قَدْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ عَمَلُهُ وَإِتْمَامُهُ بِدُخُولِهِ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنِ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهِ فَرْضًا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ بِهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُضِيَّ فِيهِ، وَإتَمَامَهُ وَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فِيهِ. وَقَالُوا: فَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ غَيْرُ فَرْضٍ وَاجِبُ الدُّخُولِ فِيهَا ابْتِدَاءً، غَيْرَ أَنَّ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهَا وَأَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ إِتَمَامُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا. قَالُوا: فَلَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ فَرْضِهَا. قَالُوا: وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا فَرْضَ الْحَجِّ بِقَوْلِهِ عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ
٣ ‏/ ٣٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، «الْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» ⦗٣٣٦⦘ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنِ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٣٥
وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ «الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ»
٣ ‏/ ٣٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: سُنَّةٌ حَسَنَةٌ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٣٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ ثنا حَمَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ «الْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِرَفْعِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا وَجْهَ لِنَصْبِهَا، فَالْعُمْرَةُ إِنَّمَا هِيَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا اسْمَ مُعْتَمِرٍ إِلَّا وَهُوَ لَهُ زَائِرٌ؛ قَالُوا: وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ مُعْتَمِرٍ إِلَّا بِزِيَارَتِهِ، وَهُوَ مَتَى
٣ ‏/ ٣٣٦
بَلَغَهُ فَطَافَ بِهِ وَبِالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، فَلَا عَمَلَ يَبْقَى بَعْدَهُ يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ الْحَاجُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَالطَّوَافِ بِهِ وَبِالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ بِإِتْيَانِ عَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَالْوُقُوفِ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي أُمِرَ بِالْوقُوفِ بِهَا وَعَمِلَ سَائِرِ أَعْمَالِ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ مِنْ تَمَامِهِ بَعْدَ إِتْيَانِ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الْقَائِلِ لِلْمُعْتَمِرِ أَتِمَّ عُمْرَتَكَ وَجْهٌ مَفْهُومٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ مَفْهُومٌ. فَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الْعُمْرَةِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لِلَّهِ، فَتَكُونُ مَرْفُوعَةً بِخَبَرِهَا الَّذِي بَعْدَهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: لِلَّهِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِنَصْبِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْعَطْفِ بِهَا عَلَى الْحَجِّ، بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِإِتْمَامِهِمَا لَهُ. وَلَا مَعْنَى لِاعْتِلَالِ مَنِ اعْتَلَّ فِي رَفْعِهَا بِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، فَإِنَّ الْمُعْتَمِرَ مَتَى بَلَغَهُ، فَلَا عَمَلَ بَقِيَ عَلَيْهِ يُؤْمَرُ بِإِتْمَامِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ الْبَيْتَ فَقَدِ انْقَضَتْ زِيَارَتُهُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ تَمَامُ الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي اعْتِمَارِهِ، وَزِيَارَتِهِ الْبَيْتَ؛ وَذَلِكَ هُوَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْي بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَتَجَنُّبُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِتَجَنُّبِهِ إِلَى إِتْمَامِهِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ عَمَلٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَزِمَهُ بِإِيجَابِ الزِّيَارَةِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرَ الزِّيَارَةِ. هَذَا مَعَ إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْعُمْرَةِ بِالنَّصْبِ، وَمُخَالَفَةِ جَمِيعِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا، فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى خَطَأِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا.
٣ ‏/ ٣٣٧
وَأَمَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا فَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ إِلَى الْبَيْتِ بَعْدَ إِيجَابِكُمْ إِيَّاهُمَا لَا أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِابْتِدَاءِ عَمَلِهِمَا، وَالدُّخُولُ فِيهِمَا، وَأَدَاءُ عَمَلِهِمَا بِتَمَامِهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ عز وجل بِإِقَامَتِهِمَا ابْتِدَاءً، وَإِيجَابًا مِنْهُ عَلَى الْعِبَادِ فَرْضُهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنْهُ بِإِتَمَامِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِمَا، وَبَعْدَ إِيجَابِ مُوجِبِهِمَا عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، إِلَّا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ فِيهَا مِثْلُهَا. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِإِيجَابِ فَرْضِ الْعُمْرَةِ خَبَرٌ عَنِ الْحِجَّةِ لِلْعُذْرِ قَاطِعًا، وَكَانَتِ الْأُمَّةُ فِي وُجُوبِهَا مُتَنَازِعَةً، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِلٍ هِيَ فَرْضٌ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ دَالٍ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ مَعْنًى، إِذْ كَانَتِ الْفُرُوضُ لَا تَلْزَمُ الْعِبَادَ الَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى لُزُومِهَا إِيَّاهُمْ وَاضِحَةً. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْحَجِّ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] بِمَعْنَى: أَقِيمُوا حُدُودَهُمَا وَفُرُوضَهُمَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِنَا
٣ ‏/ ٣٣٨
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ، حَاتِمُ بْنُ بَكْرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ الْأَرْطَبَائِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ زَمِيلٍ لَهُ، عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ أَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا الْمُنْتَفِقِ، قَالَ ” أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِعَرَفَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، حَتَّى اخْتَلَفَتْ عُنُقُ رَاحِلَتِي ⦗٣٣٩⦘ وَعُنُقُ رَاحِلَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ يُنْجِينِي مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَيُدْخِلُنِي جَنَّتَهُ قَالَ: «اعْبُدِ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَحُجَّ وَاعْتَمِرْ» قَالَ أَشْهَلُ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: «وَصُمْ رَمَضَانَ، وَانْظُرْ مَاذَا تُحِبُّ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَأْتُوهُ إِلَيْكَ فَافْعَلْهُ بِهِمْ، وَمَا تَكْرَهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَأْتُوهُ إِلَيْكَ فَذَرْهُمْ مِنْهُ»
٣ ‏/ ٣٣٨
وَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، وَقَدِ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ»
٣ ‏/ ٣٣٩
وَمَا حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ فَقَالَ: «اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَحُجُّوا، وَاعْتَمِرُوا، وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ» ⦗٣٤٠⦘ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَإِنَّ هَذِهِ أَخْبَارٌ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا فِي الدِّينِ حُجَّةٌ لِوَهِي أَسَانِيدُهَا، وَأَنَّهَا مَعَ وَهْيِ أَسَانِيدِهَا لَهَا فِي الْأَخْبَارِ أَشْكَالٌ تُنْبِئُ عَنْ أَنِّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ وَاجِبٌ
٣ ‏/ ٣٣٩
وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدَّامِغَانِيُّ، قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ” عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: «لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ»
٣ ‏/ ٣٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ، قَالَ ” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْحَجُّ جِهَادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْغَبَاءِ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ تَطَوُّعًا إِلَّا وَلَهُ إِمَامٌ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ، فَلَمَّا صَحَّ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا فَرْضٌ، لِأَنَّ الْفَرْضَ إِمَامُ التَّطَوُّعِ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ. فَيُقَالُ لِقَائِلِ ذَلِكَ: فَقَدْ جُعِلَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا، فَمَا الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ
٣ ‏/ ٣٤٠
إِمَامُ مُتَطَوَّعِهِ؟ ثُمَّ يُسْأَلُ عَنِ الِاعْتِكَافِ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ وَاجِبٍ؟ فَإِنْ قَالَ: وَاجِبٌ، خَرَجَ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَإِنْ قَالَ: تَطَوُّعٌ، قِيلَ: فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ تَطَوُّعًا، وَالْعُمْرَةُ فَرْضًا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ؟ فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَبِمَا اسْتَشْهَدْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ، فَإِنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي الْعُمْرَةِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهَا نَصْبًا. وَإِنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] تَأْوِيلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِإِتْمَامِ أَعْمَالِهِمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِمَا، وَإِيجَابِهِمَا عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ حُدُودِهِمَا، وَسُنَنِهِمَا. وَإِنَّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعُمْرَةِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ. وَإِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَأَتِمُّوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ بَعْدَ دُخُولِكُمْ فِيهِمَا، وَإِيجَابِكُمُوهِمَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ عَلَى مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ مِنْ حُدُودِهِمَا. وَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام فِي عَمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صَدَّ فِيهَا عَنِ الْبَيْتِ مَعْرِفَةَ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ فِي إِحْرَامِهِمْ إِنْ خُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَمُبَيِّنًا لَهُمْ فِيهَا مَا الْمَخْرَجُ لَهُمْ مِنْ إِحْرَامِهِمْ إِنْ أَحْرَمُوا، فَصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ وَبِذِكْرِ اللَّازِمِ لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ فِي عُمْرَتِهِمُ الَّتِي اعْتَمَرُوهَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَا يَلْزَمُهُمْ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي عُمْرَتِهِمْ، وَحَجِّهِمْ، افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩]
٣ ‏/ ٣٤١
وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِشَوَاهِدَ، فَكَرِهْنَا تَطْوِيلَ الْكِتَابِ بِإِعَادَتِهِ
٣ ‏/ ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنِ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْإِحْصَارِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ عَلَى مِنَ ابْتُلِيَ بِهِ فِي حَجِّهِ، وَعُمْرَتِهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كُلُّ مَانِعٍ، أَوْ حَابِسٍ مَنَعَ الْمُحْرِمَ، وَحَبْسَهُ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي إِحْرَامِهِ وَوُصُولِهِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ
٣ ‏/ ٣٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «الْحَصْرُ: الْحَبْسُ كُلُّهُ. يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ اعْتُرِضَ لَهُ فِي حَجَّتِهِ، أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ حَيْثُ يُحْبَسُ»
٣ ‏/ ٣٤٢
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ «يَمْرَضٌ إِنْسَانٌ، أَوْ يُكْسَرُ، أَوْ يَحْبِسُهُ أَمْرٌ فَغَلَبَهُ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلْيُرْسِلْ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَلَا يُحِلُّ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٤٢
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ⦗٣٤٣⦘ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ «الْإِحْصَارُ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ»
٣ ‏/ ٣٤٢
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ «فِي الْمُحْصَرِ هُوَ الْخَوْفُ، وَالْمَرَضُ، وَالْحَابِسُ إِذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعَثَ بِهَدْيِهِ، فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ حَلَّ»
٣ ‏/ ٣٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿فَإِنِ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ «هَذَا رَجُلٌ أَصَابَهُ خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ حَابِسٌ حَبَسَهُ عَنِ الْبَيْتِ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ، فَإِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ صَارَ حَلَالًا»
٣ ‏/ ٣٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ «كُلُّ شَيْءٍ حَبَسَ الْمُحْرِمَ فَهُوَ إِحْصَارٌ»
٣ ‏/ ٣٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ – قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَحْسَبُهُ – عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: مَرَضٌ، أَوْ كَسْرٌ، أَوْ خَوْفٌ»
٣ ‏/ ٣٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يَقُولُ «مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ حُبِسَ عَنِ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ يَجْهَدُهُ، أَوْ عُذْرٍ يَحْبِسُهُ فَعَلَيْهِ ⦗٣٤٤⦘ قَضَاؤُهَا» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ الْإِحْصَارَ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَنْعُ الْعِلَّةِ مِنَ الْمَرَضِ، وَأَشْبَاهِهِ غَيْرَ الْقَهْرِ، وَالْغَلَبَةِ مِنْ قَاهِرٍ أَوْ غَالِبٍ إِلَّا غَلَبَةَ عِلَّةٍ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ لَدْغٍ، أَوْ جِرَاحَةً، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ كَسْرِ رَاحِلَةٍ. فَأَمَّا مَنْعُ الْعَدُوِّ، وَحَبْسُ حَابِسٍ فِي سِجْنٍ، وَغَلَبَةُ غَالِبٍ حَائِلٌ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ إِنْسَانٍ قَاهِرٍ مَانِعٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ حَصْرًا لَا إِحْصَارًا. قَالُوا: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: ٨] يَعْنِي بِهِ: حَاصِرًا: أَيْ حَابِسًا. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ حَبْسُ الْقَاهِرِ الْغَالِبِ مِنْ غَيْرِ الْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْنَا يُسَمَّى إِحْصَارًا لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: قَدِ أُحْصِرَ الْعَدُوُّ. قَالُوا: وَفِي اجْتِمَاعِ لُغَاتِ الْعَرَبِ عَلَى «حُوصِرَ الْعَدُوُّ» و«الْعَدُوُّ مُحَاصِرٌ»، دُونَ «أُحْصِرَ الْعَدُوُّ» و«هُمْ مَحْصُرُونَ»، و«أُحْصِرَ الرَّجُلُ» بِالْعِلَّةِ مِنَ الْمَرَضِ، وَالْخَوْفِ، أَكْبَرُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] بِمَرَضٍ، أَوْ خَوْفٍ، أَوْ عِلَّةٍ مَانِعَةٍ. قَالُوا: وَإِنَّمَا جَعَلْنَا حَبْسَ الْعَدُوِّ وَمَنْعِهِ الْمُحْرِمَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ بِمَعْنَى حَصْرِ الْمَرَضِ قِيَاسًا عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ الَّذِي مَنَعَهُ الْمَرَضُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، لَا بِدَلَالَةِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] إِذْ كَانَ حَبْسُ الْعَدُوِّ وَالسُّلْطَانِ، وَالْقَاهِرِ عِلَّةً مَانِعَةً، نَظِيرَةُ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ مِنَ الْمَرَضِ ⦗٣٤٥⦘ وَالْكَسْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَإِنْ حَبَسَكُمْ عَدُوٌّ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، أَوْ حَابِسٌ قَاهِرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ. قَالُوا: فَأَمَّا الْعِلَلٌ الْعَارِضَةُ فِي الْأَبْدَانِ كَالْمَرَضِ، وَالْجِرَاحِ، وَمَا أَشْبَهَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦]
٣ ‏/ ٣٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ «الْحَصْرُ: حَصْرُ الْعَدُوِّ، فَيَبْعَثُ الرَّجُلُ بِهَدِيَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ مِنَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُبْلِغُهَا عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا وَيُحْرِمُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: لَا نَدْرِي قَالَ يُحْرِمُ، أَوْ يَحِلُّ مِنْ يَوْمِ يُوَاعِدُ فِيهِ صَاحِبَ الْهَدْيِ إِذَا اشْتَرَى، فَإِذَا أَمِنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، أَوْ يَعْتَمِرَ، فَإِذَا أَصَابَهُ مَرَضٌ يَحْبِسُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَإِذَا بَعَثَ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا، وَلَا يَعْتَمِرُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ
٣ ‏/ ٣٤٥
حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «لَا حَصْرَ إِلَّا مِنْ حَبْسِ عَدُوٍّ» ⦗٣٤٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَاصِمِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا وَيُحْرِمُ مِنْ يَوْمٍ وَاعَدَ فِيهِ صَاحِبَ الْهَدِيَّةِ إِذَا اشْتَرَى. ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ مِثْلَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَاصِمِ
٣ ‏/ ٣٤٥
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: «بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَنَحَرُوا الْهَدْيَ، وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ، وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْهَدْيُ، ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ»
٣ ‏/ ٣٤٦
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْهُ. قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ، عَمَّنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ؟ فَقَالَ «يُحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ يُحْبَسُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ بِمَرَضٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، أَنْ يَبْدَأَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَفْتَدِيَ، ثُمَّ ⦗٣٤٧⦘ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً، وَيَحِجُّ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِي» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَعِنِّي مَنْ قَالَ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَصْرِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ عَنِ الْبَيْتِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَمَنْ مَعَهُ بِنَحْرِ هَدَايَاهُمْ وَالْإِحْلَالِ. قَالُوا: فَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ حُكْمَهَا إِلَى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ قَالُوا: وَأَمَّا الْمَرِيضُ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُطِقْ لِمَرَضِهِ السَّيْرَ حَتَّى فَاتَتْهُ عَرَفَةُ، فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ فَاتَهُ الْحَجُّ، عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ إِحْرَامِهِ بِمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَلَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْمُحْصَرِ الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِهِ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: فَإِنْ أَحْصَرَكُمْ خَوْفُ عَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ عِلَّةٍ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، أَيْ صَيَّرَكُمْ خَوْفُكُمْ، أَوْ مَرَضُكُمْ تُحْصِرُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَتَحْبِسُونَهَا عَنِ النُّفُوذِ لِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ. فَلِذَا قِيلَ «أُحْصِرْتُمْ» لَمَّا أَسْقَطَ ذِكْرَ الْخَوْفِ، وَالْمَرَضِ. يُقَالُ مِنْهُ: أَحْصَرَنِي خَوْفِي مِنْ فُلَانٍ عَنْ لِقَائِكَ، وَمَرَضِي عَنْ فُلَانٍ، يُرَادُ بِهِ: جَعَلَنِي أَحْبِسُ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْحَابِسُ الرَّجُلَ وَالْإِنْسَانَ، قِيلَ: حَصَرَنِي فُلَانٌ عَنْ لِقَائِكَ، بِمَعْنَى حَبَسَنِي عَنْهُ. فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْآيَةِ مَا ظَنَّهُ الْمُتَأَوِّلُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَإِنْ حَبَسَكُمْ حَابِسٌ مِنَ الْعَدُوِّ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ: فَإِنْ حُصِرْتُمْ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ مُرَادٌ بِهَا إِحْصَارُ غَيْرِ الْعَدُوِّ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا الْخَوْفُ مِنَ الْعَدُوِّ، قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَالْأَمْنُ إِنَّمَا يَكُونُ بِزَوَالِ الْخَوْفِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِحْصَارَ الَّذِي عَنَى اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ الْخَوْفُ الَّذِي يَكُونُ بِزَوَالِهِ الْأَمْنُ. ⦗٣٤٨⦘ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ حَبْسُ الْحَابِسِ الَّذِي لَيْسَ مَعَ حَبْسِهِ خَوْفٌ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حَبْسِهِ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْآيَةِ بِظَاهِرِهَا الْمَتْلُوِّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَلْحَقُ حُكْمُهُ عِنْدَنَا بِحُكْمِهِ مِنْ وَجْهِ الْقِيَاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ حَبْسَ مَنْ لَا خَوْفَ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حَبْسِهِ كَالسُّلْطَانِ غَيْرِ الْمَخُوفَةِ عُقُوبَتُهُ، وَالْوَالِدِ، وَزَوْجِ الْمَرْأَةِ، إِنْ كَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ حَبْسٌ، وَمَنْعٌ عَنِ الشُّخُوصِ لِعَمَلِ الْحَجِّ، أَوِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ بَعْدِ إِيجَابِ الْمَمْنُوعِ الْإِحْرَامَ، غَيْرَ دَاخِلٍ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنِّ مَعْنَاهُ: فَإِنْ أَحْصَرَكُمْ خَوْفُ عَدُوٍّ، بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَقَدْ بَيَّنَ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْحَصْرُ: حَصْرُ الْعَدُوِّ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ لِمَا وَصَفْنَا، وَكَانَ ذَلِكَ مَنْعًا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، فَكُلُّ مَانِعٍ عَرَضَ لِلْمُحْرِمِ فَصَدَّهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، فَهُوَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ شَاةٌ
٣ ‏/ ٣٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْقَنَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ «﴿مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ﴿مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ شَاةٌ ” حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ «﴿مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قَالَ: قُلْتُ: شَاةٌ؟ قَالَ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَأَلْتٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ؟ قَالَ «مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْمَعْزِ، وَالضَّأْنِ»
٣ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا وَسُئِلُ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: مِنَ ⦗٣٥٠⦘ الْغَنَمِ “
٣ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: مِنَ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ»
٣ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، قَالَ: قِيلَ لِلْأَشْعَثِ «مَا قَوْلُ الْحَسَنِ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: «أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ، وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ، وَأَخَسُّهُ شَاةٌ» حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ، وَذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] شَاةٌ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، «﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ ⦗٣٥١⦘ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] شَاةٌ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَقِيعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «الْمُحْصَرُ يُبْعَثُ بِهَدْيِ شَاةً فَمَا فَوْقَهَا»
٣ ‏/ ٣٥١
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: «إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ، بَعَثَ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةً» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
٣ ‏/ ٣٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ فَمَا فَوْقَهَا»
٣ ‏/ ٣٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ»
٣ ‏/ ٣٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: ⦗٣٥٢⦘ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: إِنِ ابْنَ عَبَّاسٍ، «كَانَ يَرَى أَنَّ الشَّاةَ، مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
٣ ‏/ ٣٥١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْهَدْي: شَاةٌ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ دُونَ بَقَرَةٍ؟ قَالَ: فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا تَدْرُونَ بِهِ أَنَّ الْهَدْيَ شَاةٌ مَا فِي الظَّبْيِ؟ قَالُوا: شَاةٌ، قَالَ: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥]» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: شَاةٌ
٣ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ قَوْلِهِ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: فَقَالَ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، حَدَّثَهُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مَالِكٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٥٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسِ، كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ» حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ
٣ ‏/ ٣٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: «عَلَيْهِ، يَعْنِي الْمُحْصَرَ هَدْي إِنْ كَانَ مُوسِرًا فَمَنِ الْإِبِلِ، وَإِلَّا فَمَنِ الْبَقَرِ، وَإِلَّا فَمَنِ الْغَنَمِ»
٣ ‏/ ٣٥٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ، وَمَا عَظَّمَتْ شَعَائِرَ اللَّهِ، فَهُوَ أَفْضَلُ»
٣ ‏/ ٣٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، حَدَّثَهُ: «أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: شَاةٌ» ⦗٣٥٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»: مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، سِنٌّ دُونَ سَنٍّ
٣ ‏/ ٣٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»: «الْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ، وَالْبَعِيرُ دُونَ الْبَعِيرِ»
٣ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ؟ قَالَ: أَتَرْضَى شَاةً؟ كَأَنَّهُ لَا يَرْضَاهُ»
٣ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: نَاقَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ؟ قَالَ: النَّاقَةُ دُونَ النَّاقَةِ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ»
٣ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ «﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيَعْقُوبُ، قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ الزُّهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ»
٣ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: النَّاقَةُ دُونَ النَّاقَةِ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ “
٣ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ»
٣ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، يَقَوْلَانِ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»: مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ “
٣ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ فِي الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: نَاقَةٌ، قُلْتُ: مَا تَقُولُ فِي الشَّاةِ؟ قَالَ: أَكْلُكُمْ شَاةٌ، أَكْلُكُمْ شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، قَالَا: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: بَقَرَةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، «﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: بَقَرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا»
٣ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»: قَالَ: «بَدَنَةٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، فَأَمَّا شَاةٌ فَإِنَّهَا هِيَ نُسُكٌ»
٣ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «الْبَدَنَةُ دُونَ الْبَدَنَةِ، وَالْبَقَرَةُ دُونَ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا الشَّاةُ نُسُكٌ، قَالَ: تَكُونُ الْبَقَرَةُ بِأَرْبَعِينَ وَبِخَمْسِينَ»
٣ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا الرَّبِيعٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني أُسَامَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: «مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: بَقَرَةٌ»
٣ ‏/ ٣٥٦
وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أنَّ سَعِيدًا، حَدَّثَهُ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَهْلَ الْيَمَنِ يَأْتُونَهُ فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَيَقُولُونَ: الشَّاةُ الشَّاةُ؟ قَالَ: فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ: «الشَّاةُ الشَّاةُ يَحُضُّهُمْ؛ إِلَّا أَنَّ الْجَزُورَ دُونَ الْجَزُورِ، وَالْبَقَرَةَ دُونَ الْبَقَرَةِ، وَلَكِنْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: بَقَرَةٌ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَا تَيَسَّرَ لِلْمُهْدِي أَنْ يَهْدِيَهُ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُهْدِي. إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَيَكُونُ مَا خَصَّ مِنْ ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَمَلَهُ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَيَكُونُ سَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهُ مُجْزِئًا إِذَا أَهْدَاهُ الْمُهْدِيُ بَعْدِ أَنْ يَسْتَحِقَّ اسْمَ هَدْيٍ. ⦗٣٥٧⦘ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الَّذِي أَبَوْا أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ مِمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ هَدْيٍ كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى دَجَاجَةً، أَوْ بَيْضَةً لَمْ يَكُنْ مُهْدِيًا هَدْيًا مُجْزِئًا؟ قِيلَ: لَوْ كَانَ فِي الْمَهْدِيِّ الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ مِنَ الِاخْتِلَافِ نَحْوُ الَّذِي فِي الْمَهْدِيِّ الشَّاةِ لَكَانَ سَبِيلُهُمَا وَاحِدَةً فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْهَدْيَيْنِ يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا بِإِهْدَائِهِ مَا أَهْدَى مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي إِحْصَارِهِ. وَلَكِنْ لَمَّا أَخْرَجَ الْمَهْدِيُّ مَا دُونَ الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيِّ مِنَ الْمَعْزِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ فَصَاعِدًا مِنَ الْأَسْنَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُهْدِيًا مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي إِحْصَارِهِ، أَوْ مُتْعَتِهِ بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ الْعُذْرِ، نَقْلًا عَنْ نَبِيِّنَا ﷺ وِرَاثَةً، كَانَ ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَإِنْ كَانَ مِمَّا اسْتَيْسَرَ لَنَا مِنَ الْهَدَايَا. وَلَمَّا اخْتُلِفَ فِي الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ، وَالثَّنِيِّ مِنَ الْمَعْزِ، كَانَ مُجْزِئًا ذَلِكَ عَنْ مُهْدِيهِ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، لِأَنَّهُ مِمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا مَحَلُّ «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦]؟ قِيلَ: رَفْعٌ. ⦗٣٥٨⦘ فَإِنْ قَالَ: بِمَاذَا؟ قِيلَ: بِمَتْرُوكٍ، وَذَلِكَ «فَعَلَيْهِ» لِأَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِلَّهِ، فَإِنْ حَبَسَكُمْ عَنْ إِتْمَامِ ذَلِكَ حَابِسٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ فَعَلَيْكُمْ لِإِحْلَالِكُمْ إِنْ أَرَدْتُمُ الْإِحْلَالَ مِنْ إِحْرَامِكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الرَّفْعَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُرْآنِ جَاءَ بِرَفْعِ نَظَائِرهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَكَقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِإِحْصَائِهِ الْكِتَابُ، تَرَكْنَا ذِكْرَهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ. وَلَوْ قِيلَ: مَوْضِعُ «مَا» نَصْبٌ بِمَعْنَى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَأَهْدُوا مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، لَكَانَ غَيْرَ مُخْطِئٍ قَائِلُهُ. وَأَمَّا الْهَدْيُ فَإِنَّهُ جَمْعٌ وَاحِدُهَا هَدِيَّةٌ، عَلَى تَقْدِيرِ جَدِيَّةِ السَّرْجِ، وَالْجَمْعُ الْجَدْيُ مُخَفَّفٌ حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ يُونُسَ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يَقُولُ: «لَا أَعْلَمُ فِي الْكَلَامِ حَرْفًا يُشْبِهُهُ» وَبِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَسْكِينِ الدَّالِ مِنَ «الْهَدْيِ» قَرَأَهُ الْقُرَّاءُ فِي كُلِّ مِصْرٍ، إِلَّا مَا ذُكِرَ عَنِ الْأَعْرَجِ
٣ ‏/ ٣٥٦
فَإِنَّ أَبَا هِشَامٍ الرِّفَاعِيَّ، حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ بَشَّارٍ، عَنْ أَسَدٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، أَنَّهُ قَرَأَ: «هَدِيًّا بَالِغَ الْكَعْبَةِ» بِكَسْرِ الدَّالِ مُثَقَّلًا، وَقَرَأَ: «
٣ ‏/ ٣٥٨
حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدِيُّ مَحِلَّهُ» بِكَسْرِ الدَّالِ مُثَقَّلَةً ” وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنْ عَاصِمٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ مُوَافَقَةُ الْأَعْرَجِ وَمُخَالَفَتُهُ إِلَى قِرَاءَةِ سَائِرِ الْقُرَّاءِ. وَالْهَدْي عِنْدِي إِنَّمَا سُمِّيَ هَدْيًا لِأَنَّهُ تَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مُهْدِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْهَدِيَّةِ يُهْدِيهَا الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِهِ مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَيْهِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَهْدَيْتُ الْهَدْيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَأَنَا أُهْدِيهِ إِهْدَاءً، كَمَا يُقَالُ فِي الْهَدِيَّةِ يُهْدِيهَا الرَّجُلَ إِلَى غَيْرِهِ: أَهْدَيْتُ إِلَى فُلَانٍ هَدِيَّةً، وَأَنَا أُهْدِيهَا. وَيُقَالُ لِلْبَدَنَةِ هَدِيَّةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى يَذْكُرُ رَجُلًا أُسِرَ يُشْبِهُهُ فِي حُرْمَتُهُ بِالْبَدَنَةِ الَّتِي تُهْدَى:
[البحر الوافر] فَلَمْ أَرَ مَعْشَرًا أَسَرُوا هَدِيًّا … وَلَمْ أَرَ جَارَ بَيْتٍ يُسْتَبَاءُ
٣ ‏/ ٣٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَأَرَدْتُمُ الْإِحْلَالَ مِنْ إِحْرَامِكُمْ، فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَلَا تُحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ إِذَا أُحْصِرْتُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي الَّذِي أَوْجَبْتُهُ عَلَيْكُمْ لِإِحْلَالِكُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمُ الَّذِي أُحْصِرْتُمْ فِيهِ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَانْقِضَاءِ مَشَاعِرِهِ، وَمَنَاسِكِهِ مَحِلَّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ إِحْلَالٌ مِنَ الْإِحْرَامِ الَّذِي كَانَ الْمُحْرِمُ قَدِ أَوْجَبُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنِ الْإِحْلَالِ مِنْ إِحْرَامِهِ بِحِلَاقِهِ، حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ الْإِحْلَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِهْدَائِهِ مَحِلَّهُ.
٣ ‏/ ٣٥٩
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَحِلِّ الْهَدْيِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ الَّذِي مَتَى بَلَغَهُ كَانَ لِلْمُحْصِرِ الْإِحْلَالُ مِنْ إِحْرَامِهِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ وَيَجُوزُ لَهُ بِبُلُوغِهِ إِيَّاهُ حَلْقُ رَأْسِهِ، إِذَا كَانَ إِحْصَارُهُ مِنْ خَوْفِ عَدُوٍّ مَنَعَهُ ذَبْحَهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يُذْبَحُ، أَوْ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يُنْحَرُ، فِي الْحِلِّ ذُبِحَ، أَوْ نُحِرَ، أَوْ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ حُبِسَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ عَدُوٍّ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْإِحْصَارُ إِحْصَارُ الْعَدُوِّ دُونَ غَيْرِهِ
٣ ‏/ ٣٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَلَّ هُوَ، وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَنَحَرُوا الْهَدْيَ، وَحَلَقُوا رُءُوسَهُمْ، وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ، وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْهَدْي. ثُمَّ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا، وَلَا أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ»
٣ ‏/ ٣٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ صَدَدْتَ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ ⦗٣٦١⦘ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ. قَالَ: ثُمَّ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزٍ عَنْهُ وَأَهْدَى» قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ كَمَا أُحْصِرَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ. فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ
٣ ‏/ ٣٦٠
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ، عَمَّنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ؟ فَقَالَ: «يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حُجَّةَ الْإِسْلَامِ»
٣ ‏/ ٣٦١
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَفْتَوْا ابْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ، وَصُرِعَ فِي الْحَجِّ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، أَنْ يَبْدَأَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَيَفْتَدِيَ، ثُمَّ يَجْعَلَهَا عَمْرَةً، وَيَحُجَّ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِي ” قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ
٣ ‏/ ٣٦١
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: «وَكُلُّ مَنْ حُبِسَ عَنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا يُحْرِمُ إِمَّا بِمَرَضٍ، أَوْ خَطَأٍ فِي الْعَدَدِ، أَوْ خَفِي عَلَيْهِ الْهِلَالُ، فَهُوَ مُحْصَرٌ، عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْصَرِ يَعْنِي مِنَ ⦗٣٦٢⦘ الْمُقَامِ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ، أَوْ يَسْعَى، ثُمَّ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَالْهَدْي»
٣ ‏/ ٣٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، أَنَّ دَاوُدَ بْنَ أَبِي عَاصِمٍ، أَخْبَرَهُ: «أَنَّهُ، حَجَّ مَرَّةً فَاشْتَكَى، فَرَجَعَ إِلَى الطَّائِفِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، فَكَتَبَ إِلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ عَطَاءً كَتَبَ إِلَيْهِ: أَنَّ أَهْرِقْ دَمًا» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي أَنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ نَحْرُهُ حَيْثُ حُبِسَ صَاحِبُهُ.
٣ ‏/ ٣٦٢
مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَا: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْهَدْي دُونَ الْجِبَالِ الَّتِي تَطْلُعُ عَلَى وَادِي الثَّنِيَّةِ عَرَضَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ فَرَدُّوا وَجْهَهُ» قَالَ: “فَنَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْهَدْيَ حَيْثُ حَبَسُوهُ، وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ، وَحَلَقَ، وَتَأَسَّى بِهِ أُنَاسٌ فَحَلَقُوا حِينَ رَأَوْهُ حَلَقَ، وَتَرَبَّصَ آخَرُونَ، فَقَالُوا: لَعَلَّنَا نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ» . قِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ: وَرَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ قِيلَ: وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ: «وَالْمُقَصِّرِينَ»
٣ ‏/ ٣٦٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ،
٣ ‏/ ٣٦٢
وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَا: لَمَّا كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْقَضِيَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا، وَاحْلِقُوا» . قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمٍّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اخْرُجْ، ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَلَّاقَكَ فَتَحْلِقَ فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ” قَالُوا: فَنَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ هَدْيَهُ حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَحَلَّ هُوَ، وَأَصْحَابُهُ. قَالُوا: وَالْحُدَيْبِيَةُ لَيْسَتْ مِنَ الْحَرَمِ، قَالُوا، فَفِي مِثْلِ ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] حَتَّى يَبْلُغَ بِالذَّبْحِ أَوِ النَّحْرِ مَحِلَّ أَكْلِهِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي مَحِلِّ ذَبْحِهِ، وَنَحْرِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فِي نَظِيرِهِ إِذْ أُتِيَ بِلَحْمٍ أَتَتْهُ بَرِيرَةُ مِنْ صَدَقَةٍ كَانَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهَا، فَقَالَ: «قَرِّبُوهُ فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ» يَعْنِي: فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّ طِيبِهِ وَحَلَالِهِ لَهُ بِالْهَدِيَّةِ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ
٣ ‏/ ٣٦٣
صَدَقَةً عَلَى بَرِيرَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ الْحَرَمُ لَا مَحِلَّ لَهُ غَيْرُهُ
٣ ‏/ ٣٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: “أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ، أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَاتَ الشُّقُوقِ لُدِغَ بِهَا، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ يَتَشَرَّفُونَ النَّاسَ، فَإِذَا هُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لِيَبْعَثْ بِهَدْيٍ، وَاجْعَلُوا بَيْنَكُمْ يَوْمَ أَمَارَةٍ، فَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ فَلْيَحِلَّ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ»
٣ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: “خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِعُمْرَةٍ فِينَا الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، حَتَّى نَزَلْنَا ذَاتَ الشُّقُوقِ، فَلُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَلَمْ نَدْرِ كَيْفَ نَصْنَعُ بِهِ، فَخَرَجَ بَعْضُنَا إِلَى الطَّرِيقِ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَكْبٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مِنَّا لُدِغَ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «يَبْعَثُ مَعَكُمْ بِثَمَنِ هَدْي، فَتَجْعَلُونَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمًا ⦗٣٦٥⦘ أَمَارَةً، فَإِذَا نَحَرَ الْهَدْيَ فَلْيُحِلَّ، وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ فِي قَابِلٍ»
٣ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: “بَيْنَا نَحْنُ بِذَاتِ الشُّقُوقِ فَلَبَّى رَجُلٌ مِنَّا بِعُمْرَةٍ فَلُدِغَ، فَمَرَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: «اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمًا أَمَارًا، فَيَبْعَثُ بِثَمَنِ الْهَدْيِ، فَإِذَا نَحَرَ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ»
٣ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: “أَهَلَّ رَجُلٌ مِنَّا بِعُمْرَةٍ، فَلُدِغَ، فَطَلَعَ رَكْبٌ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: «يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، وَاجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمًا أَمَارًا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فَلْيَحِلَّ» . وَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ: وَكَانَ حَسْبُكَ بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: وَعَلَيْهِ الْعُمْرَةُ مِنْ قَابِلٍ
٣ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عِمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: “خَرَجْنَا عُمَّارًا، فَلَمَّا كُنَّا بِذَاتِ الشُّقُوقِ لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، فَاعْتَرَضَنَا لِلطَّرِيقِ نَسْأَلُ عَمَّا نَصْنَعُ بِهِ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فِي رَكْبٍ، فَقُلْنَا لَهُ: لُدِغَ صَاحِبٌ لَنَا، فَقَالَ: «اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ صَاحِبِكُمْ يَوْمًا، وَلْيُرْسِلْ بِالْهَدْيِ، فَإِذَا نَحَرَ الْهَدْيَ فَلْيُحَلِّلْ، ثُمَّ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ»
٣ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ⦗٣٦٦⦘ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: “أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَاتَ الشُّقُوقِ لُدِغَ بِهَا، فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ إِلَى الطَّرِيقِ يَتَشَوَّفُونَ النَّاسَ، فَإِذَا هُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لِيَبْعَثْ بِهَدْيٍ، وَاجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمًا أَمَارًا، فَإِذَا ذُبِحَ الْهَدْيُ فَلْيُحِلَّ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ»
٣ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] يَقُولُ: «مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ عَمْرَةٍ، ثُمَّ حُبِسَ عَنِ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ يُجْهِدُهُ، أَوْ عُذْرٍ يَحْبِسُهُ، فَعَلَيْهِ ذَبْحُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، شَاةٌ فَمَا فَوْقَهَا يُذْبَحُ عَنْهُ. فَإِنْ كَانَتْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَجَّةٌ بَعْدَ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ، أَوْ عَمْرَةٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ﴾ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَمَحِلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَمَحِلُّ هَدْيِهِ إِذَا أَتَى الْبَيْتَ»
٣ ‏/ ٣٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ كَانَ يُحْبَسُ عَنِ الْبَيْتِ فَيُهْدِي إِلَى الْبَيْتِ، وَيَمْكُثُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حَلَقَ رَأْسَهُ، فَأَتَمَّ اللَّهُ لَهُ حَجَّهُ وَالْإِحْصَارُ أَيْضًا: أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْحَجِّ، فَعَلَيْهِ هَدْيٌ إِنْ كَانَ مُوسِرًا مِنَ الْإِبِلِ، ⦗٣٦٧⦘ وَإِلَّا فَمِنَ الْبَقَرِ، وَإِلَّا فَمِنَ الْغَنَمِ. وَيَجْعَلُ حَجَّهُ عُمْرَةً، وَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِذَا نَحَرَ الْهَدْيَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ»
٣ ‏/ ٣٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَإِذَا أُحْصِرَ الْحَاجُّ بَعَثَ بِالْهَدْيِ، فَإِذَا نَحَرَ عَنْهُ حَلَّ، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ»
٣ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، يَقُولُ: «مَنْ حُبِسَ فِي عُمْرَتِهِ، فَبَعَثَ بِهِدِيَّةٍ فَاعْتَرَضَ لَهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ، أَوْ يَصُومُ، وَمَنِ اعْتُرِضَ لِهَدِيَّتِهِ، وَهُوَ حَاجٌّ، فَإِنَّ مَحِلَّ الْهَدْيِ، وَالْإِحْرَامِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ الرَّجُلُ يُحْرِمُ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحْصَرُ، إِمَّا بِلَدْغٍ، أَوْ مَرَضٍ فَلَا يُطِيقُ السَّيْرَ، وَإِمَّا تَنْكَسِرُ رَاحِلَتُهُ، فَإِنَّهُ يُقِيمُ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَدْيِ شَاةٍ فَمَا فَوْقَهَا. فَإِنْ هُوَ صَحَّ فَسَارَ فَأَدْرَكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَمْرَةً، وَعَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ ⦗٣٦٨⦘ حَجَّةٌ. وَإِنْ هُوَ رَجَعَ لَمْ يَزَلْ مُحْرِمًا حَتَّى يَنْحَرَ عَنْهُ يَوْمَ النَّحْرِ. فَإِنْ هُوَ بَلَغَهُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَنْحَرْ عَنْهُ عَادَ مُحْرِمًا وَبَعَثَ بِهَدْيٍ آخَرَ، فَوَاعَدَ صَاحِبَهُ يَوْمَ يَنْحَرُ عَنْهُ بِمَكَّةَ، فَنَحَرَ عَنْهُ بِمَكَّةَ، وَيُحِلُّ، وَعَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ ” وَمَنِ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ عُمْرَتَانِ. وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَبَعَثَ بِهَدْيِهِ، فَعَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ عُمْرَتَانِ، وَأُنَاسٌ يَقُولُونَ: لَا بَلْ ثَلَاثُ عُمَرَ نَحْوٌ مِمَّا صَنَعُوا فِي الْحَجِّ حِينَ صَنَعُوا، عَلَيْهِ حُجَّةٌ، وَعُمْرَتَانِ
٣ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْقَنَّادُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا أُحْصِرَ الرَّجُلُ بَعَثَ بِهَدْيِهِ إِذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ مِنَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ وَجَدَ مِنْ يُبْلِغُهَا عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا مَكَانَهُ، وَيُوَاعِدُ صَاحِبَ الْهَدْيِ. فَإِذَا أَمِنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ، وَيَعْتَمِرَ. فَإِنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ يَحْبِسُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ إِذَا بَعَثَ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا، وَلَا يَعْتَمِرَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ» وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، أَنَّ مَحِلَّ الْهَدَايَا، وَالْبُدْنِ الْحَرَمُ، إِنَّ اللَّهَ عز وجل ذَكَرَ الْبُدْنَ، وَالْهَدَايَا فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] فَجَعَلَ مَحِلِّهَا الْحَرَمَ، وَلَا مَحِلَّ لِلْهَدْيِ دُونَهُ قَالُوا: وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الْمُحْتَجُّونَ بِنَحْرِ النَّبِيِّ ﷺ هَدَايَاهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ؛ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ
٣ ‏/ ٣٦٨
وَذَلِكَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ، حَدَّثَنِي قَالَ: ثنا مُخَوَّلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، ⦗٣٦٩⦘ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ صُدَّ عَنِ الْهَدْيِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْعَثْ مَعِي بِالْهَدْيِ فَلْنَنْحَرْهُ بِالْحَرَمِ قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ»؟ قُلْتُ: آخُذُ بِهِ أَوْدِيَةً فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ حَتَّى نَحَرْتُهُ بِالْحَرَمِ» قَالُوا: فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَحَرَ هَدَايَاهُ فِي الْحَرَمِ، فَلَا حُجَّةَ لِمُحْتَجٍّ بِنَحْرِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَتَأْوِيلِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا مِنْ قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَقَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنْ حَجَّكُمْ فَمُنِعْتُمْ مِنَ الْمُضِيِّ لِإِحْرَامِهِ لِعَائِقِ مَرَضٍ، أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ، وَأَدَاءِ اللَّازِمِ لَكُمْ وَحَجِّكُمْ حَتَّى فَاتَكُمُ الْوقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ لِمَا فَاتَكُمْ مِنْ حَجَّكُمْ مَعَ قَضَاءِ الْحَجِّ الَّذِي فَاتَكُمْ. فَقَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: لَيْسَ لِلْمُحْصَرِ فِي الْحَجِّ بِالْمَرَضِ، وَالْعِلَلِ غَيْرُهُ الْإِحْلَالُ إِلَّا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ إِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ. قَالُوا: فَأَمَّا إِنْ أَطَاقَ شُهُودَ الْمَشَاهِدِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْصَرٍ. قَالُوا: وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَا إِحْصَارَ فِيهَا، لِأَنَّ وَقْتَهَا مَوْجُودٌ أَبَدًا. قَالُوا: وَالْمُعْتَمِرُ لَا يُحِلُّ إِلَّا بِعَمَلٍ آخَرَ مَا يَلْزَمُهُ فِي إِحْرَامِهِ. قَالُوا: وَلَمْ يَدْخُلَ الْمُعْتَمِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهَا الْحَاجَّ. ⦗٣٧٠⦘ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا إِحْصَارَ الْيَوْمَ بِعَدُوٍّ كَمَا لَا إِحْصَارَ بِمَرَضٍ يَجُوزُ لِمَنْ فَاتَهُ أَنْ يُحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ
٣ ‏/ ٣٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَا إِحْصَارَ الْيَوْمَ»
٣ ‏/ ٣٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَا أَعْلَمُ الْمُحْرِمَ يُحِلُّ بِشَيْءٍ دُونَ الْبَيْتِ»
٣ ‏/ ٣٧٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا حَصْرَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ، فَيُحِلُّ بِعُمْرَةٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ، وَلَا عَمْرَةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: حِصَارُ الْعَدُوِّ ثَابِتٌ الْيَوْمَ، وَبَعْدَ الْيَوْمِ، عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِهِمُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي حَكَيْنَا عَنْهُمْ. ⦗٣٧١⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: وَقَالَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ عَنِ الْحَجِّ حَتَّى فَاتَكُمْ، فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ لِفَوْتِهِ إِيَّاكُمْ
٣ ‏/ ٣٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، وَيَقُولُ: «أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا، وَيُهْدِيَ أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا»
٣ ‏/ ٣٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «الْمُحْصَرُ لَا يُحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْبَيْتَ وَيُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ كَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ تُصِيبَهُ جِرَاحَةٌ، أَوْ جُرْحٌ، فَيَتَدَاوَى بِمَا يُصْلِحُهُ، وَيَفْتَدِي. فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْبَيْتِ، فَإِنْ كَانَتْ عَمْرَةٌ قَضَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَجَّةٌ فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَالْهَدْي، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٌ إِذَا رَجَعَ»
٣ ‏/ ٣٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، «مَرِّ عَلَى ابْنِ حُزَابَةَ وَهُوَ بِالسُّقْيَا، فَرَأَى بِهِ كَسْرًا فَاسْتَفْتَاهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَقِفَ ⦗٣٧٢⦘ كَمَا هُوَ لَا يُحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيْتَ إِلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فَيَتَدَاوَى وَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. وَكَانَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ»
٣ ‏/ ٣٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: «مَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، فَحَبَسَهُ خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ، أَوْ خَلَا لَهُ ظَهْرٌ يَحْمِلُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَالَجُ لِحَبْسِهِ ذَلِكَ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ، وَالطِّيبِ، وَيَفْتَدِيَ بِالْفِدْيَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ. فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَهُوَ بِمَحْبَسِهِ ذَلِكَ، أَوْ فَاتَهُ أَنْ يَقِفَ فِي مَوَاقِفَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَصَارَتْ حَجَّتُهُ عُمْرَةً؛ يَقْدَمُ مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ، أَوْ قَصَّرَ، ثُمَّ حَلَّ مِنَ النِّسَاءِ، وَالطِّيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا، وَيَهْدِيَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْهَدْيِ»
٣ ‏/ ٣٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْمُحْصَرُ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ. وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا، أَوِ الدَّوَاءِ صَنَعَ ذَلِكَ، وَافْتَدَى» فَهَذَا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَأَمَّا فِي الْمُحْصَرِ ⦗٣٧٣⦘ بِالْعَدُوِّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ بِنَحْوِ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ
٣ ‏/ ٣٧٢
حَدَّثَنِي تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، أَرَادِ الْحَجَّ حِينَ نَزَلَ الْحُجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَكَلَّمَهُ ابْنَاهُ سَالِمٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، فَقَالَا: لَا يَضُرُّكُ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ، إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيُحَالُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. قَالَ: «إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ حَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَحَلَقَ وَرَجَعَ» وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي الْعُمْرَةِ مِنْ قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَا إِحْصَارَ فِيهَا وَلَا حَصْرَ
٣ ‏/ ٣٧٣
فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي بِهِ، يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، «أَنَّهُ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأُحْصِرَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فَكَتَبَا إِلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِالْهَدْيِ، ثُمَّ يُقِيمُ حَتَّى يُحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ. قَالَ: فَأَقَامَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ»
٣ ‏/ ٣٧٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: «خَرَجْتُ مُعْتَمِرًا فَصُرِعَتْ عَنْ بَعِيرِي، فَكُسِرَتْ رِجْلِي. فَأَرْسَلْنَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، نَسْأَلُهُمَا، فَقَالَا: إِنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ ⦗٣٧٤⦘ كَوَقْتِ الْحَجِّ، لَا تُحِلُّ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، قَالَ: فَأَقَمْتُ بِالدُّثَيْنَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ»
٣ ‏/ ٣٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخْذِي، فَأَرْسَلْتُ إِلَى مَكَّةَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَالنَّاسُ، فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ أنْ أُحِلَّ، فَأَقَمْتُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى سَبْعَةِ أَشْهُرٍ حَتَّى أَحْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ»
٣ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ” فِي رَجُلٍ أَصَابَهُ كَسْرٌ وَهُوَ مُعْتَمِرٌ، قَالَ: «يَمْكُثُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيْتَ وَيَطُوفَ بِهِ، وَبِالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَيَحْلِقُ، أَوْ يُقَصِّرُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ﴾ كُلٌّ مُحْصَرٍ فِي إِحْرَامٍ بِعُمْرَةٍ كَانَ إِحْرَامُ الْمُحْصَرِ أَوْ بِحَجٍّ، وَجَعَلَ مَحِلَّ هَدْيِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، وَجَعَلَ لَهُ الْإِحْلَالَ مِنْ إِحْرَامِهِ بِبِلُوغِ هَدْيِهِ مَحِلَّهُ وَتَأَوَّلَ
٣ ‏/ ٣٧٤
بِالْمَحَلِّ الْمَنْحَرِ، أَوِ الْمَذْبَحِ، وَذَلِكَ حِينَ حَلَّ نَحْرُهُ، أَوْ ذَبْحُهُ فِي حَرَمٍ كَانَ أَوْ فِي حِلٍّ، وَأَلْزَمَهُ قَضَاءُ مَا حَلَّ مِنْهُ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ إِتَمَامِهِ إِذَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَذَلِكَ لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ صُدَّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْبَيْتِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَصْحَابُهُ بِعُمْرَةٍ، فَنَحَرَ هُوَ، وَأَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ الْهَدْيَ، وَحَلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ قَضَوْا إِحْرَامَهُمُ الَّذِي حَلُّوا مِنْهُ فِي الْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَلَا غَيْرِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَقَامَ عَلَى إِحْرَامِهِ انْتِظَارًا لِلْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ وَالْإِحْلَالِ بِالطَّوَافِ بِهِ، وَبِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَلَا تَحَفَّى وصُولَ هَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ. فَأَوْلَى الْأَفْعَالِ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ لَمْ يَأْتِ بِحَظْرِهِ خَبَرٌ، وَلَمْ تَقُمْ بِالْمَنْعِ مِنْهُ حُجَّةٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ مُخْتَلِفَيْنِ فِيمَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ مُتَأَوِّلٍ مَعْنَى الْآيَةِ تَأْوِيلَنَا، وَمِنْ مُخَالِفٍ ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ ثَابِتًا بِمَا قُلْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ النَّقْلُ كَانَ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ أَوْلَى الْأُمُورِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يَتَدَافَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا يَوْمَئِذٍ نَزَلَتْ وَفِي حُكْمِ صَدِّ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ عَنِ الْبَيْتِ أُوحِيَتْ. وَقَدْ رُوِيَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَرٌ
٣ ‏/ ٣٧٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثني الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ كُسِرَ، أَوْ عُرِجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ حُجَّةٌ أُخْرَى» قَالَ: فَحَدَّثْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ، فَقَالَا: صَدَقَ ⦗٣٧٦⦘ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، وَحَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ الْأَمْرُ بِقَضَاءِ الْحَجَّةِ الَّتِي حَلَّ مِنْهَا نَظِيرَ فِعْلَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، وَأَصْحَابُهُ فِي قَضَائِهِمْ عُمْرَتَهُمُ الَّتِي حَلُّوا مِنْهَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الْقَابِلِ فِي عَامِ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. وَيُقَالُ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي حَصَرَهُ عَدُوٌّ إِذَا حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ التَّطَوُّعِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعِلَلِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَا الْعِلَّةُ الَّتِي أَوْجَبَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا الْقَضَاءُ وَأَسْقَطَتْ عَنِ الْآخَرِ، وَكِلَاهُمَا قَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامٍ كَانَ عَلَيْهِ إِتَمَامُهُ لَوْلَا الْعِلَّةُ الْعَائِقَةُ؟ فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الَّذِي حَصَرَهُ الْعَدُوُّ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا نَقْلُ حُكْمِهَا إِلَى غَيْرِ مَا نَزَلَتْ فِيهِ قِيلَ لَهُ: قَدْ دَفَعَكَ عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، غَيْرَ أَنَّا نُسَلِّمُ لَكَ مَا قُلْتَ فِي ذَلِكَ، فَهَلَّا كَانَ حُكْمُ الْمَنْعِ بِالْمَرَضِ وَالْإِحْصَارِ لَهُ حُكْمُ الْمَنْعِ بِالْعَدُوِّ إِذْ هُمَا ⦗٣٧٧⦘ مُتَّفِقَانِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ وَإِتْمَامِ عَمَلِ إِحْرَامِهِمَا، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُ مَنْعِهِمَا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا بِعِلَّةٍ فِي بَدَنِهِ، وَالْآخَرُ بِمَنْعِ مَانِعٍ؟ ثُمَّ يَسْأَلُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: لَا إِحْصَارَ فِي الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ، فَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ؟ فَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى عَدَمِ الْإِحْصَارِ فِيهَا؟ أَوْ رَأَيْتُمْ إِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَا إِحْصَارَ فِي حَجٍّ، وَإِنَّمَا فِيهِ فَوْتٌ، وَعَلَى الْفَائِتِ الْحَجُّ الْمُقَامُ عَلَى إِحْرَامِهِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ سَنَّ فِي الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ سُنَّةً؟ فَقَدْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ. فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَنَّ فِيهَا مَا سَنَّ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي حُكْمِهَا مَا بَيَّنَ مِنَ الْإِحْلَالِ وَالْقَضَاءِ الَّذِي فَعَلَهُ ﷺ، فَفِيهَا الْإِحْصَارَ دُونَ الْحَجِّ هَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَرْقٌ؟ ثُمَّ يَعْكِسُ عَلَيْهِ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ؛ أَلَا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى حَلْقِهِ مِنْكُمْ مُضْطَرٌّ، إِمَّا لِمَرَضٍ، ⦗٣٧٨⦘ وَإِمَّا لِأَذًى بِرَأْسِهِ، مِنْ هَوَامٍّ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَحْلِقُ هُنَالِكَ لِلضَّرُورَةِ النَّازِلَةِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الْهَدْي مَحِلَّهُ، فَيَلْزَمُهُ بِحَلَاقِ رَأْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٣ ‏/ ٣٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا أَذًى مِنْ رَأْسِهِ؟ قَالَ: «الْقَمْلُ وَغَيْرُهُ، وَالصَّدْعُ، وَمَا كَانَ فِي رَأْسِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَحْلِقُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ الْحَجَّ بِالنُّسُكِ، أَوِ الْإِطْعَامِ إِلَّا بَعْدَ التَّكْفِيرِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ بِالصَّوْمِ حَلَقَ ثُمَّ صَامَ
٣ ‏/ ٣٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا كَانَ بِالْمُحْرِمِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْلِقُ حِينَ يَبْعَثُ بِالشَّاةِ، أَوْ يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ، وَإِنْ كَانَ صَوْمٌ حَلَقَ ثُمَّ صَامَ بَعْدَ ذَلِكَ»
٣ ‏/ ٣٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: «إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ بَعَثَ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ ⦗٣٧٩⦘ الْهَدْيِ شَاةً، فَإِنْ عَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، أَوْ مَسَّ طِيبًا أَوْ تَدَاوَى، كَانَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ» قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
٣ ‏/ ٣٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: «مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ كُسِرَ فَلْيُرْسِلْ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَلَا يُحِلَّ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ. فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا، أَوِ اكْتَحَلَ، أَوِ ادَّهَنَ، أَوْ تَدَاوَى، أَوْ كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، فَحَلَقَ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٧٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ «هَذَا إِذَا كَانَ قَدْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى حَلْقِ رَأْسِهِ مِنْ مَرَضٍ، وَإِلَى طِيبٍ، وَإِلَى ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ، قَمِيصٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ»
٣ ‏/ ٣٧٩
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، كَاتِبُ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «مَنْ أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ، فَأَصَابَهُ فِي حَبْسِهِ ذَلِكَ مَرَضٌ أَوِ أَذًى بِرَأْسِهِ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَحْبَسِهِ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ»
٣ ‏/ ٣٧٩
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثنا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: «مَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ، فَحَبَسَهُ مَرَضٌ أَوْ خَوْفٌ، فَإِنَّهُ يَتَعَالَجُ فِي حَبْسِهِ ذَلِكَ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَيَفْتَدِي بِالْفِدْيَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا: صِيَامٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ نُسُكٌ»
٣ ‏/ ٣٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثني بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ، رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: «هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ الْهَدْيَ، إِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا، أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ قَبْلَ الْحِلَاقِ إِذَا أَرَادَ حِلَاقَهُ
٣ ‏/ ٣٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَمَنِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ، أَوِ آذَاهُ رَأْسُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَعَلَيْهِ صِيَامٌ، أَوِ إِطْعَامٌ، أَوْ نُسُكٌ، وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ حَتَّى يُقَدِّمَ فِدْيَتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ “
٣ ‏/ ٣٨٠
وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ
٣ ‏/ ٣٨٠
أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَقَالَ: إِنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ مَرَّ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَبِرَأْسِهِ مِنَ الصِّئْبَانِ، وَالْقَمْلِ كَثِيرٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: «هَلْ عِنْدَكَ شَاةٌ»؟ فَقَالَ كَعْبٌ: مَا أَجِدُهَا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنْ شِئْتَ فَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ احْلِقْ رَأْسَكَ» فَأَمَّا الْمَرَضُ الَّذِي أُبِيحَ مَعَهُ الْعِلَاجُ بِالطِّيبِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، فَكُلُّ مَرَضٍ كَانَ صَلَاحُهُ بِحَلْقِهِ كَالْبِرْسَامِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ صَلَاحِ صَاحِبِهِ حَلْقُ رَأْسِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي تَكُونُ بِجَسَدِ الْإِنْسَانِ الَّتِي يَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى الْعِلَاجِ بِالدَّوَاءِ الَّذِي فِيهِ الطِّيبُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُوحِ وَالْعِلَلِ الْعَارِضَةِ لِلْأَبْدَانِ. وَأَمَّا الْأَذَى الَّذِي يَكُونُ إِذَا كَانَ بِرَأْسِ الْإِنْسَانِ خَاصَّةً لَهُ حَلْقُهُ، فَنَحْوَ الصُّدَاعِ وَالشَّقِيقَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكْثُرَ صِئْبَانُ الرَّأْسِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِلرَّأْسِ مُؤْذِيًا مِمَّا فِي حَلْقِهِ صَلَاحُهُ، وَدَفْعُ الْمَضَرَّةِ الْحَالَّةِ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ﴿أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَقَدْ تَظَاهَرْتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، إِذْ شَكَا كَثْرَةَ أَذًى بِرَأْسِهِ مِنْ صِئْبَانِهِ، وَذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ
٣ ‏/ ٣٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَا: ثنا يَزِيدُ ⦗٣٨٢⦘ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلِي وَفْرَةٌ فِيهَا هَوَامٌّ مَا بَيْنَ أَصْلِ كُلِّ شَعْرَةٍ إِلَى فَرْعِهَا قَمْلُ، وَصِئْبَانٌ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا لَأَذًى»، قُلْتُ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَدِيدٌ، قَالَ: «أَمَعَكَ دَمٌ»؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ بِنَحْوِهِ
٣ ‏/ ٣٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلِي وَفْرَةٌ مِنْ شَعَرٍ، قَدْ قَمِلْتُ، وَأَكَلَنِي الصِّئْبَانُ. فَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «احْلِقْ» فَفَعَلْتُ، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ هَدْي؟» فَقُلْتُ: مَا أَجِدُ. فَقَالَ: «إِنَّهُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»، فَقُلْتُ: مَا أَجِدُ. فَقَالَ: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ» قَالَ: فَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ ⦗٣٨٣⦘ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ» وَهَذَا الْخَبَرُ يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ أَنَّ الْفِدْيَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَفَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَفْتَدِي، ثُمَّ يَحْلِقُ؛ لِأَنَّ كَعْبًا يُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ بِالْفِدْيَةِ بَعْدَ مَا أَمَرَهُ بِالْحَلْقِ فَحَلَقَ
٣ ‏/ ٣٨٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ فَرْقٍ مِنْ طَعَامٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ»
٣ ‏/ ٣٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبٍ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] فَقَالَ كَعْبٌ: «نَزَلَتْ فِيَّ كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي، فَحُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟» فَقُلْتُ: لَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً»
٣ ‏/ ٣٨٣
حَدَّثَنِي تَمِيمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ الْمُرِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ يَقُولُ: «حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَمِلَ رَأْسِي وَلِحْيَتِي وَشَارِبِي وَحَاجِبَيَّ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى هَذَا أَصَابَكَ»، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي حَلَّاقًا» فَدَعُوهُ، فَحَلَقَنِي. ثُمَّ قَالَ: «أَعِنْدَكَ شَيْءٌ تَنْسُكُهُ عَنْكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوِ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ» . قَالَ كَعْبٌ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ خَاصَّةً: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] ثُمَّ كَانَتْ لِلنَّاسِ عَامَّةً»
٣ ‏/ ٣٨٤
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: “مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: «أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «احْلِقْهُ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوِ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ اذْبَحْ شَاةً» حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: عَلَى حَاجِبَيَّ. وَقَالَ أَيْضًا: «أَوِ ⦗٣٨٥⦘ انْسُكْ نَسِيكَةً» . قَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ
٣ ‏/ ٣٨٤
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «ادْنُهُ» فَدَنَوْتُ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟» قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرَنِي بِصِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ مَا تَيَسَّرَ»
٣ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: “أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى عَلَيْهِ زَمَنُ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قَدْرٍ لَهُ وَهَوَامُّ رَأْسِهِ تَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «احْلِقْ رَأْسَكَ وَعَلَيْكَ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، تَذْبَحُ ذَبِيحَةً أَوْ تَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى عَلَى ⦗٣٨٦⦘ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٣ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي سَيْفٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: «مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟» قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاحْلِقْ» قَالَ: فَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]»
٣ ‏/ ٣٨٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قَدْرٍ، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَيَّ، فَقَالَ: «أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ»؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «فَاحْلِقْ، وَانْسُكْ نَسِيكَةً، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوِ أَطْعِمْ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» قَالَ أَيُّوبُ: انْسُكْ نَسِيكَةً. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: اذْبَحْ شَاةً قَالَ سُفْيَانُ: وَالْفَرْقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ
٣ ‏/ ٣٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ⦗٣٨٧⦘ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يُحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُطْعِمَ فَرْقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ “
٣ ‏/ ٣٨٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ. قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ، فَجَعَلَتِ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي. فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]»
٣ ‏/ ٣٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: «لَفِي نَزَلَتْ وَإِيَّايَ عُنِيَ بِهَا: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَا مُحْرِمٌ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّهُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، أَوْ كَلِمَةً لَا أَحْفَظُهَا عَنَى بِهَا ذَاكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ ⦗٣٨٨⦘ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَالنُّسُكُ: شَاةٌ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَإِيَّايَ عَنَى بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ»
٣ ‏/ ٣٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: “أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَآذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَقَالَ: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوِ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَوِ انْسُكُ بِشَاةٍ، أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَكَ»
٣ ‏/ ٣٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ حَدَّثَهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: «لَعَلَّهُ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟» يَعْنِي الْقَمْلَ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكُ بِشَاةٍ»
٣ ‏/ ٣٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، حَدَّثَهُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ، بِسُوقِ الْبُرَمِ بِالْكُوفَةِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَنْفُخُ تَحْتَ قِدْرٍ لِأَصْحَابِي، قَدِ امْتَلَأَ رَأْسِي وَلِحْيَتِي قَمْلًا، فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي، ثُمَّ قَالَ: «احْلِقْ هَذَا، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ»، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ»
٣ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ كَعْبٌ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ آذَانِي الْقَمْلُ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، ثُمَّ أَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ؛ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ»
٣ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا رَوْحٌ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ يَقُولُ: «أَمَرَنِي، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، أَنْ أَحْلِقَ، وَأَفْتَدِي بِشَاةٍ»
٣ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: لَقِيتُ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، فِي هَذِهِ السُّوقِ، فَسَأَلْتُهُ ⦗٣٩٠⦘ عَنْ حَلْقِ رَأْسِهِ؟ فَقَالَ: أَحْرَمْتُ فَآذَانِي الْقَمْلُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَتَانِي وَأَنَا أَطْبُخُ قِدْرًا لِأَصْحَابِي، فَحَكَّ بِأُصْبُعِهِ رَأْسِي فَانْتَثَرَ مِنْهُ الْقَمْلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «احْلِقْهُ وَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ»
٣ ‏/ ٣٨٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَامَ حُبِسُوا بِهَا، وَقَمْلُ رَأْسِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَتُؤْذِيكَ هَذِهِ الْهَوَامُّ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاحْلِقْ، وَاجْزِزْ ثُمَّ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ» قَالَ: قُلْتُ: أَسَمَّى النَّبِيُّ ﷺ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمَّى ذَلِكَ لِكَعْبٍ، وَلَمْ يُسَمِّ النُّسُكَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَ كَعْبًا، بِذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ بِالْحَلْقِ، وَالنَّحْرِ، لَا يَدْرِي عَطَاءَكُمْ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالنَّحْرِ “
٣ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ مِنْ قَوْمِهِ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ «أَصَابَهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ، فَحَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ»
٣ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ شُعَيْبًا، يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: «أَيُؤْذِيكَ دَوَابُّ رَأْسِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاحْلِقْهُ، وَافْتَدِ إِمَّا بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِمَّا أَنْ تُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ نُسُكٍ شَاةٍ» فَفَعَلَ» وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ مَعْنَى الْفِدْيَةِ، وَأَنَّهَا بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، وَالْبَدَلِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَبْلَغِ الصِّيَامِ، وَالطَّعَامِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَنْ حَلَقَ شَعْرَهُ مِنَ الْمُحْرِمِينَ فِي حَالِ مَرَضِهِ، أَوْ مِنْ أَذًى بِرَأْسِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّيَامِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَنِ الطَّعَامِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. وَاعْتَلُّوا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ
٣ ‏/ ٣٩١
ذَكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: «الصِّيَامُ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالطَّعَامُ: إِطْعَامٌ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَالنُّسُكُ: شَاةٌ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَا: «الصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالطَّعَامُ: إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَالنُّسُكُ: شَاةٌ فَصَاعِدًا»
٣ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] قَالَ: «الصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالطَّعَامُ: إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَالنُّسُكُ: شَاةٌ فَصَاعِدًا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ: ثَلَاثَةُ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ»
٣ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] «إِنْ صَنَعَ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَإِنْ صَنَعَ اثْنَيْنِ فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ أَنْ يَصْنَعَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ. أَمَا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَسِتَّةُ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ فَمَا فَوْقَهَا» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ كَانَ أُحْصِرَ فَقَمِلَ رَأْسُهُ، فَحَلَقَهُ “
٣ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا، أَوِ اكْتَحَلَ، أَوِ ادَّهَنَ، أَوْ تَدَاوَى، أَوْ كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ مِنْ قَمْلٍ فَحَلَقَ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ فَرْقٌ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ نُسُكٍ، وَالنُّسُكُ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٩٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ ⦗٣٩٣⦘: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ قَالَ: «فَإِنْ عَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَحَلَقَ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ. قَالَ: فَالصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ: إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، بَيْنَ كُلِّ مِسْكِينَيْنِ صَاعٌ. وَالنُّسُكُ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «يَصُومُ صَاحِبُ الْفِدْيَةِ مَكَانَ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا، قَالَ: مُدًّا لِطَعَامِهِ، وَمُدًّا لِإِدَامِهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
٣ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ، رضي الله عنه عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قَالَ: «الصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَالنُّسُكُ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ حَرْبِ بْنِ قَيْسٍ، مَوْلَى يَحْيَى بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يَذْكُرُ الرَّجُلَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قَالَ: فَأَفْتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَمَّا الْمَسَاكِينُ ⦗٣٩٤⦘ فَسِتَّةٌ، وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: «إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ بَعَثَ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةً، فَإِنْ عَجِلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حَلَقَ رَأْسَهُ، أَوْ مَسَّ طِيبًا، أَوْ تَدَاوَى، كَانَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَالصِّيَامُ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ: ثَلَاثَةُ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَالنُّسُكُ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قَالَا: «الصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَالنُّسُكُ: شَاةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى، أَوْ تَطَيَّبَ لِعِلَّةٍ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ فَعَلَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، مِنَ الصَّوْمِ: صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَمِنَ الصَّدَقَةِ: إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ
٣ ‏/ ٣٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قَالَ: «إِذَا كَانَ بِالْمُحْرِمِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ حَلَقَ، وَافْتَدَى بِأَيِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ ; فَالصِّيَامُ: عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى عَشْرَةِ مَسَاكِينَ، كُلُّ مِسْكِينٍ مَكُّوكَيْنِ، مَكُّوكًا مِنْ تَمْرٍ، وَمَكُّوكًا مِنْ بُرٍّ، ⦗٣٩٥⦘ وَالنُّسُكُ: شَاةٌ»
٣ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قَالَ: «إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ» وَقَاسَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ كُلَّ صِيَامٍ وَجَبَ عَلَى مُحْرِمٍ، أَوْ صَدَقَةٍ؛ جَزَاءً مِنْ نَقْصٍ دَخَلَ فِي إِحْرَامِهِ، أَوْ فَعَلَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ، بَدَلًا مِنْ دَمٍ عَلَى مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مِنَ الصَّوْمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ. وَقَالُوا: جَعَلَ اللَّهُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ صِيَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مَكَانَ الْهَدْيِ إِذَا لَمْ يَجِدْهُ، قَالُوا: فَكُلُّ صَوْمٍ وَجَبَ مَكَانَ دَمٍ فَمِثْلُهُ، قَالُوا: فَإِذَا لَمْ يَصُمْ، وَأَرَادَ الْإِطْعَامَ فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَقَامَ إِطْعَامَ مِسْكِينٍ مَكَانَ صَوْمِ يَوْمٍ لِمَنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ. قَالُوا: فَكُلُّ مَنْ جَعَلَ الْإِطْعَامَ لَهُ مَكَانَ صَوْمٍ لَزِمَهُ فَهُوَ نَظِيرُهُ، فَلِذَلِكَ أَوْجَبُوا إِطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْوَاجِبُ عَلَى الْحَالِقِ النُّسُكُ شَاةً إِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ قُوِّمَتِ الشَّاةُ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمُ طَعَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِلَّا صَامَ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا
٣ ‏/ ٣٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ذَكَرَ الْأَعْمَشُ، قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ⦗٣٩٦⦘ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: «يُحْكَمُ عَلَيْهِ إِطْعَامٌ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ اشْتَرَى شَاةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قُوِّمَتِ الشَّاةُ دَرَاهِمَ، فَجَعَلَ مَكَانَهُ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ، وَإِلَّا صَامَ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا» فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَذَلِكَ سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَذْكُرُ. قَالَ: لَمَّا قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هَذَا مَا أَظْرَفَهُ قَالَ: قُلْتُ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: مَا أَظْرَفَهُ كَانَ يُجَالِسُنَا. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَلَمَّا قُلْتُ: يُجَالِسُنَا، انْتَفَضَ مِنْهَا
٣ ‏/ ٣٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «يُحْكَمُ عَلَى الرَّجُلِ فِي الصَّيْدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَزَاءَهُ قُوِّمَ طَعَامًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامٌ صَامَ مَكَانَ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا، وَكَذَلِكَ الْفِدْيَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِلَالِ الثَّلَاثِ يَفْتَدِي بِأَيِّهَا شَاءَ.
٣ ‏/ ٣٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ أَوْ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ، مِثْلُ الْجِرَابِ فِيهِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ، وَالْأَسْوَدُ، فَأَيُّهُمَا خَرَجَ أَخَذْتَهُ»
٣ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ ⦗٣٩٧⦘ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ أَوْ) فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، يَأْخُذُ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى»
٣ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ (كَذَا فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَكَذَا) فَالْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَكُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا) فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ»
٣ ‏/ ٣٩٧
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: «إِذَا قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لِشَيْءٍ: (أَوْ أَوْ)، فَإِنْ شِئْتَ فَخُذْ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ شِئْتَ فَخُذْ بِالْآخَرِ»
٣ ‏/ ٣٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، قَالَا: لَهُ أَيَّتُهُنَّ شَاءَ»
٣ ‏/ ٣٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ أَوْ)، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّهُ شَاءَ»
٣ ‏/ ٣٩٧
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ أَوْ)، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا شَاءَ»
٣ ‏/ ٣٩٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: «مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا)، فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ»
٣ ‏/ ٣٩٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ أَوْ)، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ (فَمَنْ فَمَنْ)، فَالْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ»
٣ ‏/ ٣٩٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ أَوْ)، فَلْيَتَخَيَّرْ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ، فَإِذَا كَانَ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ)، فَالْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ»
٣ ‏/ ٣٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (أَوْ أَوْ) فَهُوَ خِيَارٌ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ عَنْهُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِحَلْقِ رَأْسِهِ مِنَ الْأَذَى الَّذِي كَانَ بِرَأْسِهِ، وَيَفْتَدِيَ إِنْ شَاءَ بِنُسُكِ شَاةٍ، أَوْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامِ فَرْقٍ مِنْ طَعَامٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. وَلِلْمُفْتَدِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ ; لِأَنَّ
٣ ‏/ ٣٩٨
اللَّهَ لَمْ يَحْصُرْهُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْدُوهَا إِلَى غَيْرِهَا، بَلْ جَعَلَ إِلَيْهِ فِعْلَ أَيَّ الثَّلَاثِ شَاءَ. وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ: مَا قُلْتَ فِي الْمُكَفِّرِ عَنْ يَمِينِهِ، أَمُخَيَّرٌ إِذَا كَانَ مُوسِرًا فِي أَنْ يُكَفِّرَ بِأَيِّ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ شَاءَ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا، خَرَجَ مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَإِنْ قَالَ: بَلَى، سُئِلَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْتَدِي مِنْ حَلْقِ رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ مِنْ أَذًى بِهِ، ثُمَّ لَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنَ الْحِجَّةِ، فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ بِغَيْرِهِ. وَأَمَّا الزَّاعِمُونَ أَنَّ كَفَّارَةَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْحَلْقِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنِ الْكَفَّارَةِ لِلْمُتَمَتِّعِ، قَبْلَ التَّمَتُّعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا قَبْلَهُ قِيلَ لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ عَنِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْيَمِينِ. فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ خَرَجُوا مِنْ قَوْلِ الْأُمَّةِ. وَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، قِيلَ: وَمَا الْوَجْهُ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَفَّارَةُ الْحَلْقِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ قَبْلَ التَّمَتُّعِ، وَلَمْ يَجِبْ أَنْ تَكُونَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ قَبْلَ الْيَمِينِ؟ وَهَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ عَكَسَ عَلَيْكُمُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ فَأَوْجَبَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَأَبْطَلَ أَنْ تَكُونَ كَفَّارَةُ الْحَلْقِ كَفَّارَةً لَهُ إِلَّا بَعْدَ الْحَلْقِ، فَرْقٌ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ؟ فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. فَإِنِ اعْتَلَّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْيَمِينِ أَنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ قَبْلَ الْحَلِفِ بِإِجْمَاعِ
٣ ‏/ ٣٩٩
الْأُمَّةِ، قِيلَ لَهُ: فَرُدَّ الْأُخْرَى قِيَاسًا عَلَيْهَا إِذْ كَانَ فِيهَا اخْتِلَافٌ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْحَالِقِ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى مِنَ الصِّيَامِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَمِنَ الْإِطْعَامِ عَشْرَةُ مَسَاكِينَ ; فَمُخَالِفُونَ نَصَّ الْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ مَنْ أَصَابَ صَيْدًا فَاخْتَارَ الْإِطْعَامَ أَوِ الصِّيَامَ، أَتُسَوُّونَ بَيْنَ جَمِيعِ ذَلِكَ بِقَتْلِهِ الصَّيْدِ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ مِنَ الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ، أَمْ تُفَرِّقُونَ بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ افْتِرَاقِ الْمَقْتُولِ مِنَ الصَّيْدِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يُسَوُّونَ بَيْنَ جَمِيعِ ذَلِكَ سَوَّوْا بَيْنَ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَتَلَ بَقَرَةً وَحْشِيَّةً وَبَيْنَ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَتَلَ وَلَدَ ظَبْيَةٍ مِنَ الْإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ، وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالُوهُ لِقَوْلِ الْأُمَّةِ مُخَالِفٌ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ نُخَالِفُ بَيْنَ ذَلِكَ، فَنُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمُصَابِ مِنَ الطَّعَامِ، وَالصِّيَامِ. قِيلَ: فَكَيْفَ رَدَدْتُمُ الْوَاجِبَ عَلَى الْحَالِقِ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى مِنَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مِنَ الصَّوْمِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ غَيْرُ مُخَيَّرٍ بَيْنَ الصِّيَامِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْهَدْيِ، وَلَا هُوَ مُتْلِفٌ شَيْئًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَارِكٌ عَمَلًا مِنَ الْأَعْمَالِ، وَتَرَكْتُمْ رَدَّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتْلِفٌ بِحَلْقِ رَأْسِهِ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ إِتْلَافِهِ، وَمُخَيَّرٌ بَيْنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ، نَظِيرَ مُصِيبِ الصَّيْدِ، الَّذِي هُوَ بِإِصَابَتِهِ إِيَّاهُ لَهُ مُتْلِفٌ وَمُخَيَّرٌ فِي تَكْفِيرِهِ بَيْنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ؟ وَهَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَكُمْ فِي ذَلِكَ وَجَعَلَ الْحَالِقَ قِيَاسًا لِمُصِيبِ الصَّيْدِ، وَجَمَعَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا
٣ ‏/ ٤٠٠
لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعَانِي الَّتِي وَصَفْنَا، وَخَالَفَ بَيْنَ حُكْمِهِ وَحُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ أَمْرِهِمَا فِيمَا وَصَفْنَا فَرْقٌ مِنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ؟ فَلَنْ يَقُولُوا فِي ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ، مَعَ أَنَّ اتِّفَاقَ الْحِجَّةِ عَلَى تَخْطِئَةِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ هَذَا كِفَايَةٌ عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِهِ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ بِالْفَسَادِ شَاهِدٌ؟ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَنْسُكَ نُسُكَ الْحَلْقِ، وَيُطْعِمَ فِدْيَتَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: النُّسُكُ، وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ لَا يُجْزِئُ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ.
٣ ‏/ ٤٠١

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …