سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ 5

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] قَالَ: «لَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِدِينِكُمْ لَا مَنْ خَالَفَهُ، فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ»
٥ ‏/ ٥٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٣] اعْتُرِضَ بِهِ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَنْ أَنَّ الْبَيَانَ بَيَانُهُ وَالْهُدَى هَدَاهُ، قَالُوا: وَسَائِرُ الْكَلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَّصِلٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ خَبَرًا عَنْ قِيلِ الْيَهُودِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ، أَوْ أَنْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ: أَيْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجَّكُمْ أَحَدٌ عِنْدَ رَبِّكُمْ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَإِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ
٥ ‏/ ٥٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ يُؤْتَى، أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣]: «حَسَدًا مِنْ يَهُودَ أَنْ تَكُونَ
٥ ‏/ ٥٠١
النُّبُوَّةُ فِي غَيْرِهِمْ، وَإِرَادَةَ أَنْ يُتَّبَعُوا عَلَى دِينِهِمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ، إِنَّ الْبَيَانَ بَيَانُ اللَّهِ ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ﴾ [آل عمران: ٧٣]، قَالُوا: وَمَعْنَاهُ: لَا يُؤْتَى أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] بِمَعْنَى لَا تَضِلُّونَ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [الشعراء: ٢٠١] يَعْنِي أَنْ لَا يُؤْمِنُوا ﴿مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَقُولُ: مِثْلَ مَا أُوتِيتَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَأُمَّتُكَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْهُدَى، أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ. قَالُوا: وَمَعْنَى «أَوْ» إِلَّا: أَيْ إِلَّا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ، يَعْنِي إِلَّا أَنْ يُجَادِلُوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ عِنْدَ مَا فَعَلَ بِهِمْ رَبُّكُمْ
٥ ‏/ ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَالَ اللَّهُ عز وجل لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَقُولُ: «مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، ⦗٥٠٣⦘ تَقُولُ الْيَهُودُ: فَعَلَ اللَّهُ بِنَا كَذَا وَكَذَا مِنَ الْكَرَامَةِ، حَتَّى أَنْزَلَ عَلَيْنَا الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ أَفْضَلُ» فَقُولُوا: ﴿إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٧٣] الْآيَةَ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جَمِيعُ هَذَا الْكَلَامِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ يَقُولَهُ لِلْيَهُودِ، وَهُوَ مُتَلَاصِقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لَا اعْتِرَاضَ فِيهِ، وَالْهُدَى الثَّانِي رَدٌّ عَلَى الْهُدَى الْأَوَّلِ، وَ«أَنْ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ الْهُدَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَقُولَهُ لِلْيَهُودِ، وَقَالُوا: تَأْوِيلُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ، يَقُولُ: مِثْلَ الَّذِي أُوتِيتُمُوهُ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَمَثْلَ نَبِيِّكُمْ، فَلَا تَحْسُدُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَعْطَيْتُهُمْ، مِثْلَ الَّذِي أَعْطَيْتُكُمْ مِنْ فَضْلِي، فَإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ
٥ ‏/ ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَقُولُ: «لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ كِتَابًا مِثْلَ كِتَابِكُمْ، وَبَعَثَ نَبِيًّا مِثْلَ نَبِيِّكُمْ حَسَدْتُمُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ» ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٣] الْآيَةَ “
٥ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، قَالُوا: وَهَذَا آخِرُ الْقَوْلِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ أَنْ يَقُولَهُ لِلْيَهُودِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] مَرْدُودٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، فَتَتْرُكُوا الْحَقَّ أَنْ يُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ مَنِ اتَّبَعْتُمْ دِينَهُ، فَاخْتَرْتُمُوهُ أَنَّهُ مُحِقٌّ، وَأَنَّكُمْ تَجِدُونَ نَعْتَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] مَرْدُودًا عَلَى جَوَابِ نَهْي مَتْرُوكٍ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ
٥ ‏/ ٥٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَقُولُ: «هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ، أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ، قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تُخْبِرُوهُمْ بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ لِيُحَاجُّوكُمْ، قَالَ: لِيُخَاصِمُوكُمْ بِهِ ⦗٥٠٥⦘ عِنْدَ رَبِّكُمْ» ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٣] مُعْتَرَضٌ بِهِ، وَسَائِرُ الْكَلَامِ مُتَّسِقٌ عَلَى سِيَاقٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ حِينَئِذٍ: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ اتَّبَعَ دِينَكُمْ، وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ، بِمَعْنَى: لَا يُؤْتَى أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا أُوتِيتُمْ، ﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٧٣] بِمَعْنَى: أَوْ أَنْ يُحَاجَّكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَحَدٌ بِإِيمَانِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ بِمَا فَضَّلَكُمْ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ كُلُّهُ خَبَرًا عَنْ قَوْلِ الطَّائِفَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عز وجل ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ [آل عمران: ٧٢] سِوَى قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٣] ثُمَّ يَكُونُ الْكَلَامُ مُبْتَدَأً بِتَكْذِيبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: قُلْ يَا مُحَمَّدٍ لِلْقَائِلِينَ مَا قَالُوا مِنَ الطَّائِفَةِ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ قَوْلَهَا لِتُبَّاعِهَا مِنَ الْيَهُودِ ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٣] إِنَّ التَّوْفِيقَ تَوْفِيقُ اللَّهِ، وَالْبَيَانَ بَيَانُهُ، وَإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، لَا مَا تُمَنَّيْتُمُوهُ أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ. ⦗٥٠٦⦘ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ أَصَحُّهَا مَعْنًى، وَأَحْسَنُهَا اسْتِقَامَةً عَلَى مَعْنَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَأَشَدُّهَا اتِّسَاقًا عَلَى نَظْمِ الْكَلَامِ وَسِيَاقِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ فَانْتِزَاعٌ يَبْعُدُ مِنَ الصِّحَّةِ عَلَى اسْتِكْرَاهٍ شَدِيدِ الْكَلَامِ
٥ ‏/ ٥٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفْتُ قَوْلَهِمْ لِأَوْلِيَائِهِمْ: إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ، إِنَّ التَّوْفِيقَ لِلْإِيمَانِ، وَالْهِدَايَةَ لِلْإِسْلَامِ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِلَيْهِ دُونَكُمْ وَدُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، ﴿يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٧٣] مِنْ خَلْقِهِ، يَعْنِي: يُعْطِيهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ تَكْذِيبًا مِنَ اللَّهِ عز وجل لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ لِتُبَّاعِهِمْ: لَا يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكُمْ، إِنَّمَا هُوَ إِلَى اللَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ الْأَشْيَاءُ كُلَّهَا، وَإِلَيْهِ الْفَضْلُ، وَبِيَدِهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ. ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَعْنِي: وَاللَّهُ ذُو سَعَةٍ بِفَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ عَلِيمٌ ذُو عِلْمٍ بِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ لِلْفَضْلِ أَهْلٌ
٥ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قِرَاءَةً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٧٣] قَالَ: «الْإِسْلَامُ»
٥ ‏/ ٥٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: ١٠٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ١٠٥] يُفْتَعِلُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَصَصْتُ فُلَانًا بِكَذَا، أَخُصُّهُ بِهِ. وَأَمَّا رَحْمَتُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَالْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ مَعَ النُّبُوَّةِ
٥ ‏/ ٥٠٧
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ١٠٥] قَالَ: «النُّبُوَّةُ يَخُصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ١٠٥] قَالَ: «يَخْتَصُّ بِالنُّبُوَّةِ مَنْ يَشَاءُ»
٥ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قِرَاءَةً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ١٠٥] قَالَ: «الْقُرْآنُ وَالْإِسْلَامُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَهُ. ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [آل عمران: ٧٤] يَقُولُ: ذُو فَضْلٍ يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ وَشَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ وَصَفَ فَضْلَهُ بِالْعِظَمِ، فَقَالَ: فَضْلُهُ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ⦗٥٠٨⦘ مُشْبِهٍ فِي عِظَمِ مَوْقِعِهِ مِمَّنْ أَفْضَلَهُ عَلَيْهِ أَفْضَالَ خَلْقِهِ، وَلَا يُقَارِبُهُ فِي جَلَالَةِ خَطَرِهِ وَلَا يُدَانِيهِ
٥ ‏/ ٥٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥] وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ عز وجل أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمُ الْيَهُودُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَهْلُ أَمَانَةٍ يُؤَدُّونَهَا وَلَا يَخُونُونَهَا، وَمِنْهُمُ الْخَائِنُ أَمَانَتَهُ، الْفَاجِرُ فِي يَمِينِهِ الْمُسْتَحِلُّ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ إِخْبَارِ اللَّهِ عز وجل بِذَلِكَ نَبِيَّهُ ﷺ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ مِنْهُمُ الْمُؤَدِّي أَمَانَتَهُ وَالْخَائِنُهَا؟ قِيلَ: إِنَّمَا أَرَادَ جَلَّ وَعَزَّ بِإِخْبَارِهِ الْمُؤْمِنِينَ خَبَرَهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ تَحْذِيرَهُمْ أَنْ يَأْتَمِنُوهُمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَتَخْوِيفَهُمُ الِاغْتِرَارَ بِهِمْ، لِاسْتِحْلَالِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَمْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي إِنْ تَأْمَنْهُ يَا مُحَمَّدُ عَلَى عَظِيمٍ مِنَ الْمَالِ كَثِيرٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، وَلَا يَخُنْكَ فِيهِ؛ وَمِنْهُمُ الَّذِي إِنْ تَأْمَنْهُ عَلَى دِينَارٍ يَخُنْكَ فِيهِ، فَلَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا أَنْ تُلِحَّ عَلَيْهِ بِالتَّقَاضِي وَالْمُطَالَبَةِ، وَالَبَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِدِينَارٍ﴾ [آل عمران: ٧٥]، وَعَلَى يَتَعَاقَبَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِهِ، وَمَرَرْتُ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ [آل عمران: ٧٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَّا مَا دُمْتَ لَهُ مُتَقَاضِيًا
٥ ‏/ ٥٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ [آل عمران: ٧٥] «إِلَّا مَا طَلَبْتَهُ وَاتَّبَعْتَهُ»
٥ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ [آل عمران: ٧٥] قَالَ: «تَقْتَضِيهِ إِيَّاهُ»
٥ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ [آل عمران: ٧٥] قَالَ: «مُوَاظِبًا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ
٥ ‏/ ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥١٠⦘ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ [آل عمران: ٧٥] يَقُولُ: «يَعْتَرِفُ بِأَمَانَتِهِ مَا دُمْتَ قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا قُمْتَ ثُمَّ جِئْتَ تَطْلُبُهُ كَافَرَكَ الَّذِي يُؤَدِّي، وَالَّذِي يَجْحَدُ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا بِالْمُطَالَبَةِ وَالِاقْتِضَاءِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَامَ فُلَانٌ بِحَقِّي عَلَى فُلَانٍ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ لِي، أَيْ عَمِلَ فِي تَخْلِيصِهِ، وَسَعَى فِي اسْتِخْرَاجِهِ مِنْهُ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِاسْتِحْلَالِهِمْ أَمْوَالَ الْأُمِّيِّينَ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْضِي مَا عَلَيْهِ إِلَّا بِالِاقْتِضَاءِ الشَّدِيدِ وَالْمُطَالَبَةِ، وَلَيْسَ الْقِيَامُ عَلَى رَأْسِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنِ، بِمُوجِبٍ لَهُ النُّقْلَةَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ اسْتِحْلَالِ مَا هُوَ لَهُ مُسْتَحِلٌّ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ مَعَ اسْتِحْلَالِهِ الذَّهَابَ بِمَا عَلَيْهِ لِرَبِّ الْحَقِّ إِلَى اسْتِخْرَاجِهِ السَّبِيلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَالْمُحَاكَمَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ، فَذَلِكَ الِاقْتِضَاءُ: هُوَ قِيَامُ رَبِّ الْمَالِ بِاسْتِخْرَاجِ حَقِّهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ
٥ ‏/ ٥٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: أَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ الْخِيَانَةَ مِنَ الْيَهُودِ وَجُحُودَ حُقُوقِ الْعَرَبِيِّ الَّتِي هِيَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُؤَدِّ مَا ائْتَمَنَهُ الْعَرَبِيُّ عَلَيْهِ إِلَيْهِ إِلَّا مَا دَامَ لَهُ مُتَقَاضِيًا مُطَالِبًا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَقُولُ: لَا حَرَجَ عَلَيْنَا فِيمَا أَصَبْنَا مِنْ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، وَلَا إِثْمَ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ قَوْلِنَا فِيهِ
٥ ‏/ ٥١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا ⦗٥١١⦘ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] الْآيَةَ، «قَالَتِ الْيَهُودُ: لَيْسَ عَلَيْنَا فِيمَا أَصَبْنَا مِنْ أَمْوَالِ الْعَرَبِ سَبِيلٌ»
٥ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] «قَالَ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْمُشْرِكِينَ سَبِيلٌ، يَعْنُونَ: مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٥ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] قَالَ: «يُقَالُ لَهُ: مَا بَالُكَ لَا تُؤَدِّي أَمَانَتَكَ؟ فَيَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْنَا حَرَجٌ فِي أَمْوَالِ الْعَرَبِ، قَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ لَنَا»
٥ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنُهْ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهِ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «كَذَبَ أَعْدَاءُ اللَّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا وَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ، إِلَّا الْأَمَانَةَ فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ⦗٥١٢⦘ الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] يَعْنُونَ أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «إِلَّا وَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، إِلَّا الْأَمَانَةَ فَإِنَّهَا مُؤَدَّاةٌ» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ
٥ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا يَقُولُونَ: لَيْسَ عَلَيْنَا جُنَاحٌ فِيمَا أَصَبْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا:
٥ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] قَالَ: «بَايَعَ الْيَهُودَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا تَقَاضَوْهُمْ ثَمَنَ بُيُوعِهِمْ، فَقَالُوا: لَيْسَ لَكُمْ عَلَيْنَا أَمَانَةٌ، وَلَا قَضَاءَ لَكُمْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ دِينَكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ وَجَدُوا ذَلِكَ فِي كِتَابِهِمْ» فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥]
٥ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صَعْصَعَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّا نَغْزُو أَهْلَ الْكِتَابِ، فَنُصِيبُ مِنْ ثِمَارِهِمْ؟ ⦗٥١٣⦘ قَالَ: «وَتَقُولُونَ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥]؟»
٥ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ صَعْصَعَةَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنَّا نَصِيبُ فِي الْغَزْوِ أَوِ الْعَذْقِ الشَّكُّ مِنَ الْحَسَنِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّجَاجَةَ وَالشَّاةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَتَقُولُونَ مَاذَا؟» قَالَ نَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ بَأْسٌ قَالَ: «هَذَا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ»: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] «إِنَّهُمْ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ لَمْ تَحِلَّ لَكُمْ أَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ»
٥ ‏/ ٥١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: إِنَّ الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي أَمْوَالِ الْأُمِّيِّينَ مِنَ الْعَرَبِ حَرَجٌ أَنْ نَخْتَانَهُمْ إِيَّاهُ، يَقُولُونَ بِقِيلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ لَنَا ذَلِكَ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْنَا فِي خِيَانَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَتَرْكِ قَضَائِهِمْ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ عَامِدِينَ الْإِثْمَ بِقِيلِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ أَحَلَّ ذَلِكَ لَهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٧٥]
٥ ‏/ ٥١٣
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «فَيَقُولُ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يَعْلَمُ، يَعْنِي الَّذِي يَقُولُ مِنْهُمْ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَا لَكَ لَا تُؤَدِّي ⦗٥١٤⦘ أَمَانَتَكَ؟: لَيْسَ عَلَيْنَا حَرَجٌ فِي أَمْوَالِ الْعَرَبِ، قَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ لَنَا»
٥ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥] «يَعْنِي ادِّعَاءَهُمْ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي كِتَابِهِمْ قَوْلَهُمْ»: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥]
٥ ‏/ ٥١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ٧٦] وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَمَّا لِمَنْ أَدَّى أَمَانَتَهُ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا اتِّقَاءَ اللَّهِ وَمُرَاقَبَتَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَاذِبُونَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ، مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِ الْأُمِّيِّينَ حَرَجٌ وَلَا إِثْمٌ، ثُمَّ قَالَ بَلَى، وَلَكِنْ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى، يَعْنِي وَلَكِنَّ الَّذِي أَوْفَى بِعَهْدِهِ، وَذَلِكَ وَصِيَّتُهُ إِيَّاهُمْ، الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ﴾ [آل عمران: ٧٦] عَائِدَةٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [آل عمران: ٧٥] يَقُولُ: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَاهَدَهُ فِي كِتَابِهِ، فَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَصَدَّقَ بِهِ، بِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَ﴿وَاتَّقَى﴾ [آل عمران: ٧٦] يَقُولُ: وَاتَّقَى مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ وَسَائِرِ مَعَاصِيهِ الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْهِ، فَاجْتَنَبَ ذَلِكَ مُرَاقَبَةَ
٥ ‏/ ٥١٤
وَعِيدِ اللَّهِ، وَخَوْفَ عِقَابِهِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ٧٦] يَعْنِي: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ فَيَخَافُونَ عِقَابَهُ، وَيَحْذَرُونَ عَذَابَهُ، فَيَجْتَنِبُونَ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ، وَيُطِيعُونَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هُوَ اتِّقَاءُ الشِّرْكِ
٥ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى﴾ [آل عمران: ٧٦] يَقُولُ: «اتَّقَى الشِّرْكَ»؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٤] يَقُولُ: «الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ» وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنْ إِعَادَتِهِ
٥ ‏/ ٥١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٧٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَبْدِلُونَ بِتَرْكِهِمْ عَهْدَ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ، وَوَصِيَّتَهُ الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ وَتَصْدِيقِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبِأَيْمَانِهِمُ الْكَاذِبَةِ الَّتِي يَسْتَحِلُّونَ بِهَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ الَّتِي اؤْتُمِنُوا عَلَيْهَا ثَمَنًا، يَعْنِي عِوَضًا وَبَدَلًا خَسِيسًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَحُطَامِهَا ﴿أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران: ٧٧] يَقُولُ: فَإِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي خَيْرَاتِ
٥ ‏/ ٥١٥
الْآخِرَةِ، وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا دُونَ غَيْرِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيمَا مَضَى فِي مَعْنَى الْخَلَاقِ، وَدَلَّلْنَا عَلَى أَوْلَى أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ١٧٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ بِمَا يَسُرُّهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، يَقُولُ: وَلَا يَعْطِفُ عَلَيْهِمْ بِخَيْرٍ مَقْتًا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ: انْظُرْ إِلَيَّ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْكَ، بِمَعْنَى: تَعَطَّفْ عَلَيَّ تَعَطَّفَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ وَرَحْمَةٍ، وَكَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: لَا سَمِعَ اللَّهُ لَكَ دُعَاءَكَ، يُرَادُ: لَا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَكَ، وَاللَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] دَعَوْتُ اللَّهَ حَتَّى خِفْتُ أَنْ … لَا يَكُونَ اللَّهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ
وَقَوْلُهُ ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ [البقرة: ١٧٤] يَعْنِي: وَلَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠] يَعْنِي: وَلَهُمْ عَذَابٌ مُوجِعٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَمَنْ عُنِيَ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي أَحْبَارٍ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ
٥ ‏/ ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] فِي أَبِي رَافِعٍ وَكِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحُيَيِّ ⦗٥١٧⦘ بْنِ أَخْطَبَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَخَصْمٍ لَهُ
٥ ‏/ ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ»؟ قُلْتُ: لَا، فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: «احْلِفْ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَنْ يَحْلِفُ فَيَذْهَبُ مَالِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ. “
٥ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَالْعُرْسِ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ وَرَجُلٍ مِنْ حَضْرَمَوْتَ خُصُومَةٌ، فَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «بَيِّنَتَكَ وَإِلَّا فَيَمِينُهُ» قَالَ: ⦗٥١٨⦘ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ حَلَفَ ذَهَبَ بِأَرْضِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا حَقَّ أَخِيهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، فَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا لِمَنْ تَرَكَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ؟ قَالَ: «الْجَنَّةُ»، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَرَكْتُهَا، قَالَ جَرِيرٌ: فَكُنْتُ مَعَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ حِينَ سَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَدِيٍّ، فَقَالَ أَيُّوبُ: إِنَّ عَدِيًّا قَالَ فِي حَدِيثِ الْعُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ جَرِيرٌ: وَلَمْ أَحْفَظْ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَدِيٍّ “
٥ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ اخْتَصَمَ هُوَ وَرَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَرْضٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَخَذَهَا لِتَعَزُّزِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَقِمْ بَيِّنَتَكَ» قَالَ الرَّجُلُ: لَيْسَ يَشْهَدُ لِي أَحَدٌ عَلَى الْأَشْعَثِ، قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ» . فَقَامَ الْأَشْعَثُ لِيَحْلِفَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل هَذِهِ الْآيَةَ، فَنَكَلَ الْأَشْعَثُ وَقَالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَأُشْهِدُكُمْ أَنَّ خَصْمِيَ صَادِقٌ، فَرَدَّ إِلَيْهِ أَرْضَهُ، وَزَادَهُ مِنْ أَرْضِ نَفْسِهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، مَخَافَةَ أَنْ يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ، فَهِيَ لِعَقِبِ ذَلِكَ الرَّجُلِ بَعْدَهُ “
٥ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ»: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَحَدَّثناهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: صَدَقَ لَفِيَّ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» فَقُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَصْدِيقَ ذَلِكَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ “
٥ ‏/ ٥١٩
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ «أَنَّ رَجُلًا، أَقَامَ سِلْعَتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَلَمَّا كَانَ آخِرَهَ جَاءَ رَجُلٌ يُسَاوِمُهُ، فَحَلَفَ لَقَدْ مَنَعَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَلَوْلَا الْمَسَاءُ مَا بَاعَهَا بِهِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ ⦗٥٢٠⦘ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
٥ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ، إِلَى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٧٧] «أَنْزِلْهُمُ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ السَّحَرَةِ»
٥ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، كَانَ يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَاجِرَةٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ أَخِيهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ لَتَجِدُونَ ذَلِكَ»، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ
٥ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ بِوَجْهِهِ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ كُلَّهَا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧]
٥ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «إِنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ»، ثُمَّ تَلَا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [آل عمران: ٧٧]
٥ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، كَانَ يَقُولُ: «كُنَّا نَرَى وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي لَا يُغْفَرُ يَمِينُ الصَّبْرِ إِذَا فَجَرَ فِيهَا صَاحِبُهَا»
٥ ‏/ ٥٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، عَلَى عَهْدِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٧٥] عَائِدَةٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: ٧٥] وَقَوْلُهُ: ﴿لَفَرِيقًا﴾ [آل عمران: ٧٨] يَعْنِي جَمَاعَةً ﴿يَلْوُونَ﴾ [آل عمران: ٧٨] يَعْنِي: يُحَرِّفُونَ ﴿أَلْسِنَتُهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧٨] يَعْنِي: لِتَظُنُّوا أَنَّ الَّذِيَ يُحَرِّفُونَهُ بِكَلَامِهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: وَمَا ذَلِكَ الَّذِي لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتَهُمْ، فَحَرَّفُوهُ وَأَحْدَثُوهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَا لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتَهُمْ مِنَ التَّحْرِيفِ وَالْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ فَأَلْحِقُوهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: وَمَا ذَلِكَ الَّذِي لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتَهُمْ، فَأَحْدَثُوهُ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَلَكِنَّهُ مِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، يَقُولُ عز وجل: ﴿وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ قِيلَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، وَالشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ، وَالْإِلْحَاقَ
٥ ‏/ ٥٢١
بِكِتَابِ اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ وَالْخَسِيسِ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى: ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧٨] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٥ ‏/ ٥٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧٨] قَالَ: «يُحَرِّفُونَهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧٨] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ٧٨] «هُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ وَابْتَدَعُوا فِيهِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧٨] «وَهُمُ الْيَهُودُ كَانُوا يَزِيدُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلِ اللَّهُ»
٥ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧٨] قَالَ: «فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ، وَذَلِكَ تَحْرِيفُهُمْ إِيَّاهُ عَنْ مَوْضِعِهِ» وَأَصْلُ اللَّيِّ: الْفَتْلُ وَالْقَلْبُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: لَوَى فُلَانٌ يَدَ فُلَانٍ: إِذَا فَتَلَهَا وَقَلَبَهَا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] لَوَى يَدَهُ اللَّهُ الَّذِي هُوَ غَالِبُهُ
يُقَالُ مِنْهُ: لَوَى يَدَهُ وَلِسَانَهُ يَلْوِي لَيًّا، وَمَا لَوَى ظَهْرَ فُلَانٍ أَحَدٌ: إِذَا لَمْ يَصْرَعْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَفْتِلْ ظَهْرَهُ إِنْسَانٌ، وَإِنَّهُ لَأَلْوَى بَعِيدُ الْمُسْتَمِرِّ: إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْخُصُومَةِ صَابِرًا عَلَيْهَا لَا يُغْلَبُ فِيهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَلَوْ كَانَ فِي لَيْلَى شَدًا مِنْ خُصُومَةٍ … لَلَوَّيْتُ أَعْنَاقَ الْخُصُومِ الْمَلَاوِيَا
٥ ‏/ ٥٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَمَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ، وَالْبِشْرُ: جَمْعُ بَنِي آدَمَ، لَا
٥ ‏/ ٥٢٣
وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مِثْلَ الْقَوْمِ وَالْخَلْقِ، وَقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِوَاحِدٍ ﴿أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَقُولُ: أَنْ يَنْزِلَ اللَّهُ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، ﴿وَالْحُكْمَ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَعْنِي: وَيُعَلِّمُهُ فَصْلَ الْحِكْمَةِ، ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَقُولُ: وَيُعْطِيهِ النُّبُوَّةَ، ﴿ثُمَّ يَقُولُ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَعْنِي: ثُمَّ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عُبَادَةِ نَفْسِهِ دُونَ اللَّهِ، وَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ مَا آتَاهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ وَالنُّبُوَّةِ، وَلَكِنْ إِذَا آتَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْعِلْمِ بِاللَّهِ، وَيَحْدُوهُمْ عَلَى مَعْرِفَةِ شَرَائِعَ دِينِهِ، وَأَنْ يَكُونُوا رُؤَسَاءَ فِي الْمَعْرِفَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَأَئِمَّةً فِي طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ بِكَوْنِهِمْ مُعَلِّمِي النَّاسِ الْكِتَابَ وَبِكَوْنِهِمْ دَارِسِيهِ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَتَدْعُونَا إِلَى عِبَادَتِكَ؟
٥ ‏/ ٥٢٤
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيُّ حِينَ اجْتَمَعَتِ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ نعَبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيُّ، يُقَالُ لَهُ الرَّئِيسُ أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ، أَوْ نَأْمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ، مَا بِذَلِكَ بَعَثني، وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي»، أَوْ كَمَا قَالَ، ⦗٥٢٥⦘ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ [آل عمران: ٧٩] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ بَعْدُ: ﴿إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٨٠] حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيُّ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٥ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَقُولُ: «مَا كَانَ يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ يَأْمُرُ عِبَادَهُ أَنْ يَتَّخِذُوهُ رَبًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنْ يَهُودَ يَتَعَبَّدُونَ النَّاسَ مِنْ دُونِ رَبِّهِمْ، بِتَحْرِيفِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ عَنْ مَوْضِعِهِ» فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٩] «ثُمَّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِغَيْرِ مَا ⦗٥٢٦⦘ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ»
٥ ‏/ ٥٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ: وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُمْ: كُونُوا رَبَّانِيِّينَ، فَتَرَكَ الْقَوْلَ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: كُونُوا حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ
٥ ‏/ ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ»
٥ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] «حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ»
٥ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ⦗٥٢٧⦘: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «كُونُوا فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ»
٥ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «فُقَهَاءَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «فُقَهَاءَ»
٥ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «كُونُوا فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ»
٥ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «عُلَمَاءَ حُكَمَاءَ» قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ
٥ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، ⦗٥٢٨⦘ عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] أَمَّا الرَّبَّانِيُّونَ: «فَالْحُكَمَاءُ الْفُقَهَاءُ»
٥ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الرَّبَّانِيُّونَ: الْفُقَهَاءُ الْعُلَمَاءُ، وَهُمْ فَوْقَ الْأَحْبَارِ»
٥ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَقُولُ: «كُونُوا حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ»
٥ ‏/ ٥٢٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، فِي قَوْلِهِ: «الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ، قَالَ: الْفُقَهَاءُ الْعُلَمَاءُ» حُدِّثْتُ عَنِ الْمِنْجَابِ قَالَ: ثنا بِشْرٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «كُونُوا حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ»
٥ ‏/ ٥٢٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] يَقُولُ: «كُونُوا فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الْحُكَمَاءُ الْأَتْقِيَاءُ
٥ ‏/ ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «حُكَمَاءَ أَتْقِيَاءَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ وُلَاةُ النَّاسِ وَقَادَتُهُمْ
٥ ‏/ ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «الرَّبَّانِيُّونَ: الَّذِينَ يَرْبُونَ النَّاسَ، وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، يَرْبُونَهُمْ: يَلُونَهُمْ» وَقَرَأَ: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾ [المائدة: ٦٣] قَالَ: «الرَّبَّانِيُّونَ: الْوُلَاةُ، وَالْأَحْبَارُ: الْعُلَمَاءُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي الرَّبَّانِيِّينَ أَنَّهُمْ جَمْعُ رَبَّانِيِّ، وَأَنَّ الرَّبَّانِيَّ الْمَنْسُوبُ إِلَى الرَّبَّانِ: الَّذِي يَرُبُّ النَّاسَ، وَهُوَ الَّذِي يُصْلِحُ أُمُورَهُمْ وَيَرُبُّهَا، وَيَقُومُ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ:
[البحر الطويل]
٥ ‏/ ٥٢٩
وَكُنْتَ امْرَأً أَفَضَتْ إِلَيْكَ رِبَابَتِي … وَقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رُبُوبُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «رَبَّتْنِي»: وَلِيَ أَمْرِي وَالْقِيَامَ بِهِ قَبْلَكَ مَنْ يَرُبُّهُ وَيُصْلِحُهُ، فَلَمْ يُصْلِحُوهُ، وَلَكِنَّهُمْ أَضَاعُونِي فَضِعْتُ، يُقَالُ مِنْهُ: رَبُّ أَمْرِي فُلَانٌ فَهُوَ يَرُبُّهُ رَبًّا وَهُوَ رَابُّهُ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي مَدْحِهِ قِيلَ: هُوَ رَبَّانُ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ نَعْسَانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَسَ يَنْعَسُ، وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى فَعْلَانَ مَا كَانَ مِنَ الْأَفْعَالِ مَاضِيهِ عَلَى «فَعِلَ» مِثْلَ قَوْلِهِمْ: هُوَ سَكْرَانُ وَعَطْشَانُ وَرَيَّانُ، مِنْ سَكِرَ يَسْكَرُ، وَعَطِشَ يَعْطَشُ، وَرَوِيَ يَرْوَى، وَقَدْ يَجِيءُ مِمَّا كَانَ مَاضِيهِ عَلَى «فَعَلَ، يَفْعَلُ» نَحْوَ مَا قُلْنَا مِنْ نَعَسَ يَنْعَسُ، وَرَبَّ يَرُبُّ. فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَكَانَ الرَّبَّانُ مَا ذَكَرْنَا، وَالرَّبَّانِيُّ: هُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَى مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْتُ، وَكَانَ الْعَالِمَ بِالْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ مِنَ الْمُصْلِحِينَ، يَرُبُّ أُمُورَ النَّاسِ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُمُ الْخَيْرَ، وَدُعَائِهِمْ إِلَى مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ، وَكَانَ كَذَلِكَ الْحَكِيمُ التَّقِيُّ لِلَّهِ، وَالْوَلِيُّ الَّذِي يَلِي أُمُورَ النَّاسِ عَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي وَلِيَهُ الْمُقْسِطُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ أُمُورَ الْخَلْقِ بِالْقِيَامِ فِيهِمْ، بِمَا فِيهِ صَلَاحُ عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ، وَعَائِدَةُ النَّفْعِ عَلَيْهِمْ فِي دِينَهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؛ كَانُوا جَمِيعًا مُسْتَحِقِّينَ أَنَّهُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ عز وجل ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩]
٥ ‏/ ٥٣٠
فَالرَّبَّانِيُّونَ إِذًا، هُمْ عِمَادُ النَّاسِ فِي الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ وَأُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ: «وَهُمْ فَوْقَ الْأَحْبَارِ»، لِأَنَّ الْأَحْبَارَ هُمُ الْعُلَمَاءُ. وَالرَّبَّانِيُّ: الْجَامِعُ إِلَى الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ الْبَصَرَ بِالسِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْقِيَامِ بِأُمُورِ الرَّعِيَّةِ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ
٥ ‏/ ٥٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ، وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: ٧٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، يَعْنِي: بِعِلْمِكُمُ الْكِتَابَ، وَدِرَاسَتِكُمْ إِيَّاهُ وَقِرَاءَتِكُمْ، وَاعْتَلُّوا لِاخْتِيَارِهِمْ قِرَاءَةَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بِأَنَّ الصَّوَابَ لَوْ كَانَ التَّشْدِيدَ فِي اللَّامِ وَضَمَّ التَّاءِ، لَكَانَ الصَّوَابُ فِي ﴿تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: ٧٩] بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ٧٩] بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ «تُعَلِّمُونَ» وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، بِمَعْنَى: بِتَعْلِيمُكُمُ النَّاسَ الْكِتَابَ، وَدِرَاسَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَاعْتَلُّوا لِاخْتِيَارِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنْ وَصَفَهُمْ بِالتَّعْلِيمِ فَقَدْ وَصَفَهُمْ بِالْعِلْمِ، إِذْ لَا يُعَلِّمُونَ إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِمَا يُعَلِّمُونَ. قَالُوا: وَلَا مَوْصُوفَ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ، إِلَّا وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ عَالِمٌ، قَالُوا: فَأَمَّا الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ مُعَلِّمٌ غَيْرَهُ، قَالُوا: فَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، أَبْلَغُهُمَا فِي مَدْحِ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْكِتَابَ
٥ ‏/ ٥٣١
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) مُخَفَّفَةً بِنَصْبِ التَّاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا عَلَّمُوهُ حَتَّى عَلِمُوهُ ” وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهَ بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل وَصَفَ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ عِمَادٍ لِلنَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَأَهْلُ إِصْلَاحٍ لَهُمْ وَلِأُمُورِهِمْ وَتَرْبِيَةٍ، يَقُولُ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٧٩] عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ مَعْنَى الرَّبَّانِيِّ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ صَارُوا أَهْلَ إِصْلَاحٍ لِلنَّاسٍ، وَتَرْبِيَةٍ لَهُمْ بِتَعْلِيمِهِمْ إِيَّاهُمْ كِتَابَ رَبِّهِمْ، وَدِرَاسَتُهُمْ إِيَّاهُ: تِلَاوَتُهُ، وَقَدْ قِيلَ: دِرَاسَتُهُمُ الْفِقْهُ. وَأَشْبَهُ التَّأْوِيلَيْنِ بِالدِّرَاسَةِ مَا قُلْنَا مِنْ تِلَاوَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ٧٩]، وَالْكِتَابُ: هُوَ الْقُرْآنُ، فَلَأَنْ تَكُونَ الدِّرَاسَةُ مَعْنِيًّا بِهَا دِرَاسَةَ الْقُرْآنِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعْنِيًّا بِهَا دِرَاسَةُ الْفِقْهِ الَّذِي لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ
٥ ‏/ ٥٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: كَانَ عَاصِمٌ يَقْرَؤُهَا: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: الْقُرْآنَ، ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ [آل عمران: ٧٩] قَالَ: «الْفِقْهَ» فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُمْ: كُونُوا أَيُّهَا النَّاسُ سَادَةَ النَّاسِ وَقَادَتَهُمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، رَبَّانِيِّينَ بِتَعْلِيمِكُمْ إِيَّاهُمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَفَرْضٍ وَنَدْبٍ، وَسَائِرِ مَا حَوَاهُ مِنْ مَعَانِي أُمُورِ دِينِهِمْ، وَبِتَلَاوَتِكُمْ إِيَّاهُ وَدِرَاسَتِكُمُوهُ
٥ ‏/ ٥٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٨٠] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ [آل عمران: ٨٠]، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ: (وَلَا يَأْمُرُكُمْ) عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ مِنَ اللَّهِ بِالْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ لَا يَأْمُرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا، وَاسْتُشْهِدَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ بِقِرَاءَةٍ ذَكَرُوهَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا وَهِيَ: «وَلَنْ يَأْمُرَكُمْ» فَاسْتَدَلُّوا بِدُخُولِ لَنْ عَلَى انْقِطَاعِ الْكَلَامِ عَمَّا قَبْلَهُ،
٥ ‏/ ٥٣٣
وَابْتِدَاءِ خَبَرٍ مُسْتَأْنَفٍ، قَالُوا: فَلَمَّا صَيَّرَ مَكَانَ «لَنْ» فِي قِرَاءَتِنَا «لَا» وَجَبَتْ قِرَاءَتُهُ بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ [آل عمران: ٨٠] بِنَصْبِ الرَّاءِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ٧٩] وَكَانَ تَأْوِيلُهُ عِنْدَهُمْ: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ، ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ وَلَا أَنْ يَأْمُرَكُمْ، بِمَعْنَى: وَلَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ﴾ [آل عمران: ٨٠] بِالنَّصْبِ عَلَى الِاتِّصَالِ بِالَّذِي قَبْلَهُ، بِتَأَوُّلِ: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٩] وَلَا أَنْ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَبَبِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَكَ؟ فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيِّهِ ﷺ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى عُبَادَةِ نَفْسِهِ، وَلَا إِلَى اتِّخَاذِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا، وَلَكِنَّ الَّذِي لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا رَبَّانِيِّينَ. فَأَمَّا الَّذِي ادَّعَى مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا أَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَلَنْ يَأْمُرَكُمْ» اسْتِشْهَادًا لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِ بِالرَّفْعِ، فَذَلِكَ خَبَرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ سَنَدُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ رَوَاهُ حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونِ لَا يَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا صَحِيحًا سَنَدُهُ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِمُحْتَجٍّ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنَ
٥ ‏/ ٥٣٤
الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وِرَاثَةً عَنْ نَبِيِّهِمْ ﷺ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِتَأْوِيلٍ عَلَى قِرَاءَةٍ أُضِيفَتْ إِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ بِنَقْلِ مَنْ يَجُوزُ فِي نَقْلِهِ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا، يَعْنِي بِذَلِكَ آلِهَةً يُعْبَدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ نَافِيًا عَنْ نَبِيِّهِ ﷺ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِذَلِكَ: أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ أَيُّهَا النَّاسُ نَبِيُّكُمْ بِجُحُودِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، يَعْنِي بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ لَهُ مُنْقَادُونَ بِالطَّاعَةِ مُتَذَلِّلُونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ مِنْهُ أَبَدًا
٥ ‏/ ٥٣٥
وَقَدْ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «وَلَا يَأْمُرُكُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا»
٥ ‏/ ٥٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَاذْكُرُوا يَا أَهْلَ الْكِتَابِ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، يَعْنِي حِينَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ، وَمِيَثاقُهُمْ: مَا وَثَّقُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَاعَةَ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ الْمِيثَاقِ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ
٥ ‏/ ٥٣٥
﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ؛ ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْ «لَمَا»، إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ «آتَيْتُكُمْ» فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ ﴿آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: (آتَيْنَاكُمُ) عَلَى الْجَمْعِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: اللَّامُ الَّتِي مَعَ «مَا» فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ لَامُ الِابْتِدَاءِ، نَحْوَ قَوْلِ الْقَائِلِ: لَزَيْدٌ أَفْضَلُ مِنْكَ، لِأَنَّ «مَا» اسْمٌ، وَالَّذِي بَعْدَهَا صِلَةٌ لَهَا، وَاللَّامُ الَّتِي فِي: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] لَامُ الْقَسَمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ يُؤَكِّدُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَفِي آخِرِهِ، كَمَا يُقَالُ: أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ جِئْتَنِي لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا فَيُؤَكَّدُ فِي لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ بِاللَّامِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا، وَيُجْعَلُ خَبَرُ «مَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ»، «لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ»، مِثْلَ: «لَعَبْدُ اللَّهِ وَاللَّهِ لَا آتِيَنَّهُ، قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ خَبَرَ «مَا» مِنْ كِتَابٍ» يُرِيدُ: لَمَا آتَيْتُكُمْ كِتَابًا وَحِكْمَةً، وَتَكُونُ «مِنْ» زَائِدَةً، وَخَطَّأَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفِيِّينَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَقَالَ: اللَّامُ الَّتِي تَدْخُلُ فِي أَوَائِلِ الْجَزَاءِ لَا تُجَابُ بِمَا وَلَا «لَا» فَلَا يُقَالُ لِمَنْ قَامَ: لَا تَتْبَعْهُ، وَلَا لِمَنْ قَامَ: مَا أَحْسَنَ، فَإِذَا وَقَعَ فِي جَوَابِهَا «مَا» وَ«لَا» عُلِمَ أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ بِتَوْكِيدٍ لِلْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يُوضَعُ مَوْضِعَهَا «مَا» وَ«لَا»، فَتَكُونُ كَالْأُولَى، وَهِيَ جَوَابٌ لِلْأُولَى، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ
٥ ‏/ ٥٣٦
: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] بِمَعْنَى إِسْقَاطِ «مِنْ» غَلَطٌ؛ لِأَنَّ «مِنْ» الَّتِي تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ لَا تَقَعُ مَوَاقِعَ الْأَسْمَاءِ، قَالَ: وَلَا تَقَعُ فِي الْخَبَرِ أَيْضًا، إِنَّمَا تَقَعُ فِي الْجَحْدِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْجَزَاءِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ اللَّامِ بِالصَّوَابِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿لَمَا﴾ [البقرة: ٤١] بِمَعْنَى: لَمَهْمَا، وَأَنْ تَكُونَ «مَا» حَرْفَ جَزَاءٍ أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا اللَّامُ، وَصُيِّرَ الْفِعْلُ مَعَهَا عَلَى «فَعَلَ» ثُمَّ أُجِيبَتْ بِمَا تُجَابُ بِهِ الْأَيْمَانُ، فَصَارَتِ اللَّامُ الْأُولَى يَمِينًا إِذْ تُلُقِّيَتْ بِجَوَابِ الْيَمِينِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (لِمَا آتَيْتُكُمْ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ «لِمَا»، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالْ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لِلَّذِي آتَيْتُكُمْ، فَمَا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِمَعْنَى: الَّذِي عِنْدَهُمْ. وَكَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ مِنْ أَجْلِ الَّذِي آتَاهُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ: يَعْنِي: ثُمَّ إِنْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ، يَعْنِي ذِكْرَ مُحَمَّدٍ فِي التَّوْرَاةِ، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، أَيْ لَيَكُونَنَّ إِيمَانُكُمْ بِهِ لِلَّذِي عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ ذِكْرِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ «لَمَا»، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لِلَّذِي آتَاهُمْ مِنَ الْحِكْمَةِ، ثُمَّ جُعِلَ قَوْلُهُ: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ مِنَ الْأَخْذِ، أَخْذِ الْمِيثَاقِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: أَخَذْتُ مِيثَاقَكَ لَتَفْعَلَنَّ لِأَنَّ أَخْذَ الْمِيثَاقِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْلَافِ، فَكَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: وَإِذَا اسْتَحْلَفَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ لِلَّذِي آتَاهُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، مَتَى جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ.
٥ ‏/ ٥٣٧
وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] بِفَتْحِ اللَّامِ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل أَخَذَ مِيثَاقَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ بِتَصْدِيقِ كُلِّ رَسُولٍ لَهُ ابْتَعَثَهُ إِلَى خَلْقِهِ فِيمَا ابْتَعَثَهُ بِهِ إِلَيْهِمْ، كَانَ مِمَّنْ آتَاهُ كِتَابًا، أَوْ مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ كِتَابًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَصْفُ أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عز وجل وَرُسُلِهِ، بِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أُبِيحَ لَهُ التَّكْذِيبُ بِأَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مِنْهُمُ مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، كَانَ بَيِّنًّا أَنَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: (لِمَا آتَيْتُكُمْ) بِكَسْرِ اللَّامِ، بِمَعْنَى: مِنْ أَجْلِ الَّذِي آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ، لَا وَجْهَ لَهُ مَفْهُومٌ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ، وَانْتِزَاعٍ عَمِيقٍ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ أُخِذَ مِيثَاقُهُ بِالْإِيمَانِ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَخَذَ اللَّهُ بِذَلِكَ مِيثَاقَ أَهْلِ الْكِتَابِ، دُونَ أَنْبِيَائِهِمْ، وَاسْتَشْهَدُوا لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] قَالُوا: فَإِنَّمَا أُمِرَ الَّذِينَ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِمُ الرُّسُلُ مِنَ الْأُمَمِ بِالْإِيمَانِ بِرُسُلِ اللَّهِ، وَنُصْرَتِهَا عَلَى مَنْ خَالَفَهَا، وَأَمَّا الرُّسُلُ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِأَمْرِهَا بِنُصْرَةِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا الْمُحْتَاجَةُ إِلَى الْمَعُونَةِ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا مِنْ كَفَرَةِ بَنِي آدَمَ، فَأَمَّا هِيَ فَإِنَّهَا لَا تُعِينُ الْكَفَرَةَ عَلَى كُفْرِهَا وَلَا تُنْصُرُهَا، قَالُوا: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا وَغَيْرُ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ، فَمَنِ الَّذِي يَنْصُرُ النَّبِيَّ، فَيُؤْخَذُ مِيثَاقُهُ بِنُصْرَتِهِ؟
٥ ‏/ ٥٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] قَالَ: “هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَإِذْ أَخَذَ ⦗٥٣٩⦘ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٨١] يَقُولُ: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا الرَّبِيعُ: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»، إِنَّمَا هِيَ أَهْلُ الْكِتَابِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ الرَّبِيعُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] يَقُولُ.:»لَتُؤْمِنُنَّ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِينَ أُخِذَ مِيثَاقُهُمْ بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ دُونَ أُمَمِهَا
٥ ‏/ ٥٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَأَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّمَا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمِهِمْ»
٥ ‏/ ٥٣٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ﴾ [آل عمران: ٨١] «أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
٥ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ، قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِيُصَدِّقُنَّ وَلَيُؤْمِنُنَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الْآخِرُ مِنْهُمْ»
٥ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ عز وجل نَبِيًّا، آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ، إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ فِي مُحَمَّدٍ: لَئِنْ بُعِثَ وَهُوَ حَيُّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وَيَأْمُرُهُ فَيَأْخُذُ الْعَهْدَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١]» الْآيَةَ
٥ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ﴾ [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ، «هَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنْ يُبَلِّغُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ، فَبَلَّغَتِ الْأَنْبِيَاءِ كِتَابَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ فِيمَا بَلَّغَتْهُمْ رُسُلُهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، ⦗٥٤١⦘ وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُروهُ»
٥ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ قَالَ: «لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ عز وجل نَبِيًّا قَطُّ مِنْ لَدُنْ نُوحٍ إِلَّا أَخَذَ مِيثَاقَهُ: لَيُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ، وَلَيَنْصُرُنَّهُ إِنْ خَرَجَ وَهُوَ حَيُّ، وَإِلَّا أَخَذَ عَلَى قَوْمِهِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، وَلَيَنْصُرُنَّهُ إِنْ خَرَجَ وَهُمْ أَحْيَاءٌ»
٥ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ: لَيَبْلُغَنَّ آخِرُكُمْ أَوَّلَكُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِيثَاقُ النَّبِيِّينَ وَأُمَمِهِمْ، فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ ذِكْرِ أُمَمِهَا؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَى الْمَتْبُوعِ دَلَالَةً عَلَى أَخْذِهِ عَلَى التُّبَّاعِ؛ لِأَنَّ الْأُمَمَ هُمْ تُبَّاعُ الْأَنْبِيَاءِ
٥ ‏/ ٥٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ ⦗٥٤٢⦘ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ، يَعْنِي بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا جَاءَهُمْ، وَإِقْرَارِهِمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١]» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٌ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: الْخَبَرُ عَنْ أَخْذِ اللَّهِ الْمِيثَاقَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَأَخْذِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمَمِهَا، وَتُبَّاعِهَا الْمِيثَاقَ بِنَحْوِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهَا رَبُّهَا مِنْ تَصْدِيقِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ بِمَا جَاءَتْهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عليهم السلام بِذَلِكَ أُرْسِلَتْ إِلَى أُمَمِهَا، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِمَّنْ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ أَنَّ نَبِيًّا أُرْسِلَ إِلَى أُمَّةٍ بِتَكْذِيبِ أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عز وجل، وَحُجَجِهِ فِي عِبَادِهِ، بَلْ كُلُّهَا وَإِنْ كَذَّبَ بَعْضُ الْأُمَمِ بَعْضَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ بِجُحُودِهَا نُبُوَّتَهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ صِحَّةُ نُبُوَّتِهِ، فَعَلَيْهَا الدَّيْنُونَةُ بِتَصْدِيقِهِ فَذَلِكَ مِيثَاقٌ مُقِرٌّ بِهِ جَمِيعُهُمْ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمِيثَاقَ إِنَّمَا أُخِذَ عَلَى الْأُمَمِ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل، قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّينَ، فَسَوَاءٌ قَالَ قَائِلٌ: لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ مِنْهَا رَبُّهَا، أَوْ قَالَ: لَمْ يَأْمُرْهَا بِبِلَاغِ مَا أُرْسِلَتْ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ أَمَرَهَا بِتَبْلِيغِهِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا خَبَرَانِ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا، وَالْآخَرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَمَرَهَا، فَإِنْ جَازَ الشَّكُّ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ فِي الْآخَرِ. وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِذَلِكَ أَهْلُ ⦗٥٤٣⦘ الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ أُمِرَ بَعْضُهَا بِتَصْدِيقِ بَعْضٍ، وَتَصْدِيقُ بَعْضِهَا بَعْضًا، نُصْرَةٌ مِنْ بَعْضِهَا بَعْضًا. تَمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ عُنُوا بِذَلِكَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، أُخِذَتْ مَوَاثِيقُهُمْ أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنْ يَنْصُرُوهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ أُمِرُوا بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِذَا بَعَثَهُ اللَّهُ وَبِنُصْرَتِهِ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ قَالَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ الَّذِينَ عُنُوا بِأَخْذِ اللَّهِ مِيثَاقَهُمْ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] مَعْنِيُّ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ
٥ ‏/ ٥٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ [آل عمران: ٨١] قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ: أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»، ثُمَّ قَالَ: ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾ [آل عمران: ٨١] قَالَ: «فَهَذِهِ الْآيَةُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ وَيُصَدِّقُوهُ»
٥ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثني ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: «أَخَذَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنْ يُبَلِّغُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرِسَالَتَهُ إِلَى عِبَادِهِ، فَبَلَّغَتِ الْأَنْبِيَاءُ كِتَابَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَأَخَذُوا مَوَاثِيقَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِهِمْ، فِيمَا بَلَّغَتْهُمْ رُسُلُهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَيُصَدِّقُوهُ وَيَنْصُرُوهُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَنْ أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ بِهِ، وَأَلْزَمَهُمْ دُعَاءَ أُمَمِهِمْ إِلَيْهِ وَالْإِقْرَارَ بِهِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْآيَةِ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَنْ أَنْبِيَائِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ، ثُمَّ وَصَفَ الَّذِي أَخَذَ بِهِ مِيثَاقَهُمْ، فَقَالَ: هُوَ كَذَا وَهُوَ كَذَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ مَوَاثِيقَ أَنْبِيَائِهِ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ أَخَذَتِ الْأَنْبِيَاءُ مَوَاثِيقَ أُمَمِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا أُرْسِلَتْ لِتَدْعُوَ عِبَادَ اللَّهِ إِلَى الدَّيْنُونَةِ، بِمَا أُمِرَتْ بِالدَّيْنُونَةِ بِهِ فِي أَنْفُسِهَا مِنْ تَصْدِيقِ رُسُلِ اللَّهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا الْبَيَانَ قَبْلُ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَاذْكُرُوا يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَهْمَا آتَيْتُكُمْ أَيُّهَا النَّبِيُّونَ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِي مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ، يَقُولُ: لَتُصَدِّقُنَّهُ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، وَقَدْ قَالَ السُّدِّيُّ فِي ذَلِكَ بِمَا:
٥ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] يَقُولُ «لِلْيَهُودِ: أَخَذْتُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ» ⦗٥٤٥⦘ فَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: وَاذْكُرُوا يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ أَيُّهَا الْيَهُودُ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ السُّدِّيُّ كَانَ تَأْوِيلًا لَا وَجْهَ غَيْرُهُ لَوْ كَانَ التَّنْزِيلُ «بِمَا آتَيْتُكُمْ»، وَلَكِنَّ التَّنْزِيلَ بِاللَّامِ لَمَا آتَيْتُكُمْ وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي لُغَةِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ، بِمَعْنَى: بِمَا آتَيْتُكُمْ
٥ ‏/ ٥٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾ [آل عمران: ٨١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ بِمَا ذَكَرَ، فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَأَقْرَرْتُمْ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي وَاثَقْتُمُونِي عَلَيْهِ مِنْ أَنَّكُمْ مَهْمَا أَتَاكُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِي، مُصَدِّقٌ لَمَا مَعَكُمْ، لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ [آل عمران: ٨١] يَقُولُ: وَأَخَذْتُمْ عَلَى مَا وَاثَقْتُمُونِي عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ الَّتِي تَأْتِيكُمْ بِتَصْدِيقِ مَا مَعَكُمْ مِنْ عِنْدِي، وَالْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِمْ إِصْرِي، يَعْنِي عَهْدِي وَوَصِيَّتِي، وَقَبِلْتُمْ فِي ذَلِكَ مِنِّي وَرَضِيتُمُوهُ، وَالْأَخْذُ: هُوَ الْقَبُولُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالرِّضَا مِنْ قَوْلِهِمْ: أَخَذَ الْوَالِي عَلَيْهِ الْبَيْعَةَ، بِمَعْنَى: بَايَعَهُ، وَقَبِلَ وِلَايَتَهُ، وَرَضِيَ بِهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِصْرِ بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَحُذِفَتِ الْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي نَظَائِرِهِ فِيمَا مَضَى،
٥ ‏/ ٥٤٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا﴾ [آل عمران: ٨١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: قَالَ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُمْ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَقْرَرْنَا بِمَا أَلْزَمْتَنَا مِنَ الْإِيمَانِ بِرُسُلِكَ الَّذِينَ تُرْسِلُهُمْ مُصَدِّقِينَ لِمَا مَعَنَا مِنْ كُتُبِكَ وَبِنُصْرَتِهِمْ
٥ ‏/ ٥٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ، قَالَ اللَّهُ: فَاشْهَدُوا أَيُّهَا النَّبِيُّونَ بِمَا أَخَذْتُ بِهِ مِيثَاقَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِتَصْدِيقِ رُسُلِي الَّتِي تَأْتِيكُمْ بِتَصْدِيقِ مَا مَعَكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَنُصْرَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَعَلَى أَتْبَاعِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ إِذْ أَنْتُمْ أَخَذْتُمْ مِيثَاقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ بِذَلِكَ
٥ ‏/ ٥٤٦
كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَ فَاشْهَدُوا﴾ [آل عمران: ٨١] يَقُولُ: «فَاشْهَدُوا عَلَى أُمَمِكُمْ بِذَلِكَ» ﴿وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١] «عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ»
٥ ‏/ ٥٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: فَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْإِيمَانِ بِرُسُلِي الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ بِتَصْدِيقِ مَا كَانَ مَعَ أَنْبِيَائِي مِنَ الْكُتُبِ وَالْحِكْمَةِ، وَعَنْ نُصْرَتِهِمْ، فَأَدْبَرَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنْصُرْ، وَنَكَثَ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي بَعْدَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ: يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ ⦗٥٤٧⦘ الْمُتَوَلِّينَ عَنِ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ وَصَفَ أَمَرَهُمْ وَنُصْرَتِهِمْ بَعْدَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ اللَّذَيْنِ أُخِذَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ، هُمُ الْفَاسِقُونَ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْخَارِجِينَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ
٥ ‏/ ٥٤٦
كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: «فَمَنْ تَوَلَّى عَنْكَ يَا مُحَمَّدُ بَعْدَ هَذَا الْعَهْدِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، هُمُ الْعَاصُونَ فِي الْكُفْرِ»
٥ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَعْنِي الرَّازِيَّ: ﴿فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٨٢] يَقُولُ: «بَعْدَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ. وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُ الْخَبَرِ فِيهِمَا مِنَ اللَّهِ عز وجل بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ شَهِدَ، وَأَخَذَ بِهِ مِيثَاقَ مَنْ أَخَذَ مِيثَاقَهُ بِهِ عَنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ إِخْبَارُ مَنْ كَانَ حَوَالَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ﷺ، عَمَّا لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَهْدِ فِي الْإِيمَانِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَعْنَى تَذْكِيرِهِمْ مَا كَانَ اللَّهُ آخِذًا عَلَى آبَائِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ مِنَ الْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ، وَمَا كَانَتْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ عَرَّفَتْهُمْ وَتَقَدَّمَتْ إِلَيْهِمْ فِي تَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعِهِ وَنُصْرَتِهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَكَذَّبَهُ، وَتَعْرِيفُهُمْ مَا فِي كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَى أَنْبِيَائِهِ الَّتِي ابْتَعَثَهُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَعَلَامَتِهِ
٥ ‏/ ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَقُرَّاءُ الْكُوفَةِ: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ)، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣]، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣] بِالْيَاءِ كِلْتَيْهِمَا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣] عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» بِالتَّاءِ، عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ. وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ) عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بِالتَّاءِ، لِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا خِطَابٌ لَهُمْ، فَإِتْبَاعُ الْخَطَّابِ نَظِيرَهُ أَوْلَى مِنْ صَرْفِ الْكَلَامِ إِلَى غَيْرِ نَظِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ الْآخَرُ جَائِزًا لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْحِكَايَةَ يَخْرُجُ الْكَلَامُ مَعَهَا أَحْيَانًا عَلَى الْخِطَابِ كُلِّهِ، وَأَحْيَانًا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، وَأَحْيَانًا بَعْضُهُ عَلَى الْخِطَابِ، وَبَعْضُهُ عَلَى الْغَيْبَةِ، فَقَوْلُهُ: (تَبْغُونَ)، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ ذَلِكَ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْكِتَابِ: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ) يَقُولُ: أَفَغَيْرَ
٥ ‏/ ٥٤٨
طَاعَةِ اللَّهِ تَلْتَمِسُونَ وَتُرِيدُونَ ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: وَلَهُ خَشَعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَخَضَعَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَقَرَّ لَهُ بِإِفْرَادِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَانْقَادَ لَهُ بِإِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ وَالْأُلُوهِيَّةِ ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [آل عمران: ٨٣] يَقُولُ: أَسْلَمَ لِلَّهِ طَائِعًا مَنْ كَانَ إِسْلَامُهُ مِنْهُمْ لَهُ طَائِعًا، وَذَلِكَ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، فَإِنَّهُمْ أَسْلَمُوا لِلَّهِ طَائِعِينَ، وَكَرْهًا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَارِهًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى إِسْلَامِ الْكَارِهِ الْإِسْلَامَ. وَصِفَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِسْلَامُهُ: إِقْرَارُهُ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ وَرَبُّهُ، وَإِنْ أَشْرَكَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَهُ
٥ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ قَالَ: «كُلُّ آدَمَيٍّ قَدْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُهُ، فَمَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَتِهِ فَهَذَا الَّذِي أَسْلَمَ كَرْهًا، وَمَنْ أَخْلَصَ لَهُ الْعُبُودِيَّةَ فَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ ⦗٥٥٠⦘ طَوْعًا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِسْلَامُ الْكَارِهِ مِنْهُمْ كَانَ حِينَ أُخِذَ مِنْهُ الْمِيثَاقُ، فَأَقَرَّ بِهِ
٥ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ قَالَ: «حِينَ أُخِذَ الْمِيثَاقُ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِإِسْلَامِ الْكَارِهِ مِنْهُمْ سُجُودَ ظِلِّهِ
٥ ‏/ ٥٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ قَالَ: «الطَّائِعُ: الْمُؤْمِنُ، وَكَرْهًا: ظِلُّ الْكَافِرِ»
٥ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ [آل عمران: ٨٣] قَالَ: «سُجُودُ الْمُؤْمِنِ طَائِعًا، وَسُجُودُ الْكَافِرِ وَهُوَ كَارِهٌ»
٥ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿كَرْهًا﴾ [النساء: ١٩] قَالَ: «سُجُودُ الْمُؤْمِنِ طَائِعًا، وَسُجُودُ ظِلِّ الْكَافِرِ وَهُوَ كَارِهٌ»
٥ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «سُجُودُ وَجْهِهِ وَظِلِّهِ طَائِعًا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِسْلَامُهُ بِقَلْبِهِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَاسْتِقَادَتِهِ لَأَمْرِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ أُلُوهَتَهُ بِلِسَانِهِ
٥ ‏/ ٥٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «اسْتَقَادَ كُلَّهُمْ لَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ إِسْلَامَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ النَّاسِ كَرْهًا حَذَرَ السَّيْفِ عَلَى نَفْسِهِ
٥ ‏/ ٥٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ الْآيَةَ كُلَّهَا، فَقَالْ: «أُكْرِهَ أَقْوَامٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَجَاءَ أَقْوَامٌ ⦗٥٥٢⦘ طَائِعِينَ»
٥ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ طَوْعًا، وَالْأَنْصَارُ طَوْعًا، وَبَنُو سُلَيْمٍ وَعَبْدِ الْقَيْسِ طَوْعًا، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ كَرْهًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ أَسْلَمُوا طَوْعًا، وَأَنَّ الْكَافِرَ أَسْلَمَ فِي حَالِ الْمُعَايَنَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ إِسْلَامٌ كَرْهًا
٥ ‏/ ٥٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ) الْآيَةَ، «فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَسْلَمَ طَائِعًا، فَنَفَعَهُ ذَلِكَ، وَقُبِلَ مِنْهُ؛ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ كَارِهًا، حِينَ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ»
٥ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ قَالَ: «أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَأَسْلَمَ طَائِعًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ حِينَ رَأَى بَأْسَ اللَّهِ» ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: ٨٥]⦗٥٥٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فِي عُبَادَةِ الْخَلْقِ لِلَّهِ عز وجل
٥ ‏/ ٥٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ قَالَ: «عِبَادَتُهُمْ لِي أَجْمَعِينَ طَوْعًا وَكَرْهًا»، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ «وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣]» فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَإِلَيْهِ يَا مَعْشَرَ مَنْ يَبْتَغِي غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَسَائِرَ النَّاسِ (تُرْجَعُونَ) يَقُولُ: إِلَيْهِ تَصِيرُونَ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، فَمُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ عز وجل تَحْذِيرُ خَلْقِهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَيَصِيرُ إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ
٥ ‏/ ٥٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
٥ ‏/ ٥٥٣
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، فَإِنِ ابْتَغَوْا غَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْ لَهُمْ: آمَنَّا بِاللَّهِ، فَتَرَكَ ذِكْرَ قَوْلِهِ: «فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ»، وَذَكَرَ قَوْلَهُ: «فَإِنِ ابْتَغَوْا غَيْرَ دِينِ اللَّهِ» لِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ٨٤] يَعْنِي بِهِ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: صَدَّقْنَا بِاللَّهِ أَنَّهُ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا نَعْبُدُ أَحَدًا سِوَاهُ؛ ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ [آل عمران: ٨٤] يَقُولُ: وَقُلْ: وَصَدَّقْنَا أَيْضًا بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا مِنْ وَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ، فَأَقْرَرْنَا بِهِ ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٨٤] يَقُولُ: وَصَدَّقْنَا أَيْضًا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ وَعَلَى ابْنَيْهِ ﴿إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ وَابْنِ ابْنِهِ ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ [البقرة: ١٣٢] وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَى الْأَسْبَاطِ، وَهُمْ وَلَدُ يَعْقُوبَ الِاثْنَا عَشَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَسْمَاءَهُمْ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ [البقرة: ١٣٦] يَقُولُ: وَصَدَّقْنَا أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى وَعِيسَى مِنَ الْكُتُبِ وَالْوَحْيِ، وَبِمَا أَنْزَلَ عَلَى النَّبِيِّينَ مِنْ عِنْدِهِ، وَالَّذِي آتَى اللَّهُ مُوسَى وَعِيسَى، مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ عز وجل مُحَمَّدًا بِتَصْدِيقِهِمَا فِيهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ التَّوْرَاةِ الَّتِي آتَاهَا مُوسَى، وَالْإِنْجِيلِ الَّذِي أَتَاهُ عِيسَى. ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٣٦] يَقُولُ: لَا نُصَدِّقُ بَعْضَهُمْ وَنُكَذِّبُ بَعْضَهُمْ، وَلَا نُؤْمِنُ بِبَعْضِهِمْ وَنَكْفُرُ بِبَعْضِهِمْ، كَمَا كَفَرَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِبَعْضِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ،
٥ ‏/ ٥٥٤
وَصَدَّقَتْ بَعْضًا، وَلَكِنَّا نُؤْمِنُ بِجِميعِهِمْ، وَنُصَدِّقُهُمْ. ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٣] يَعْنِي: وَنَحْنُ نَدِينُ لِلَّهِ بِالْإِسْلَامِ، لَا نَدِينُ غَيْرَهُ، بَلْ نَتَبَرَّأُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ دِينٍ سِوَاهُ، وَمِنْ كُلِّ مِلَّةٍ غَيْرِهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٣] وَنَحْنُ لَهُ مُنْقَادُونَ بِالطَّاعَةِ، مُتَذَلِّلُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ، مُقِرُّونَ لَهُ بِالْأُلُوهَةِ وَالرَّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ
٥ ‏/ ٥٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: وَمَنْ يَطْلُبْ دِينًا غَيْرَ دِينِ الْإِسْلَامِ لِيَدِينَ بِهِ، فَلَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ مِنْهُ ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥]، يَقُولُ: مِنَ الْبَاخِسِينَ أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عز وجل، وَذُكِرَ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مِلَّةٍ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ هُمُ الْمُسْلِمُونَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالْحَجِّ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْإِسْلَامِ الْحَجُّ، فَامْتَنَعُوا، فَأَدْحَضَ اللَّهُ بِذَلِكَ حُجَّتَهُمْ
٥ ‏/ ٥٥٥
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: زَعَمَ عِكْرِمَةُ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا﴾ [آل عمران: ٨٥] ” فَقَالَتِ الْمِلَلُ: نَحْنُ الْمُسْلِمُونِ، ⦗٥٥٦⦘ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧] «فَحَجَّ الْمُسْلِمُونِ، وَقَعَدَ الْكُفَّارُ»
٥ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْقَعْنَبِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥] «قَالَتِ الْيَهُودُ: فَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ ﷺ يُحِجُّهُمْ أَنَّ» ﴿لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧]
٥ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ»: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا﴾ [آل عمران: ٨٥] «إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَتِ الْيَهُودُ: فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ»: إِنَّ ﴿لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ﴾ [آل عمران: ٩٧] «مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ» ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧] وَقَالَ آخَرُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
٥ ‏/ ٥٥٦
بِمَا: حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ⦗٥٥٧⦘ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: ٦٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٦٢] «فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل بَعْدَ هَذَا» ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥]
٥ ‏/ ٥٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٨٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَفِيمَنْ نَزَلَتْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ مُسْلِمًا، فَارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ
٥ ‏/ ٥٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ، ثُمَّ نَدِمَ، فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ: أَرْسِلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٨٧] فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ، فَأَسْلَمَ» ⦗٥٥٨⦘ حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، بِنَحْوِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ قَوْمُهُ، فَقَالَ: مَا كَذَبَنِي قَوْمِي، فَرَجَعَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا حَكِيمُ بْنُ جَمِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “ارْتَدَّ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٥ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «جَاءَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ، فَأَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ كَفَرَ الْحَارِثُ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ الْقُرْآنَ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] إِلَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٨٩] قَالَ: فَحَمَلَهَا إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ الْحَارِثُ: إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ لَصَدُوقٌ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَأَصْدَقُ مِنْكَ، وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَأَصْدَقُ الثَّلَاثَةِ، قَالَ: فَرَجَعَ الْحَارِثُ فَأَسْلَمَ، فَحَسَنُ إِسْلَامُهُ»
٥ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾ [آل عمران: ٨٦] قَالَ: «⦗٥٥٩⦘ أُنْزِلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيهِ هَذِهِ الْآيَاتِ، إِلَى: أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. ثُمَّ تَابَ وَأَسْلَمَ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٨٩]»
٥ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: ٨٦] «قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَحِقَ بِأَرْضِ الرُّومِ فَتَنَصَّرَ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى قَوْمِهِ: أَرْسِلُوا هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: فَحَسِبْتُ أَنَّهُ آمَنَ ثُمَّ رَجَعَ» ⦗٥٦٠⦘ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ، وَالْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، وَوَحْوَحِ بْنِ الْأَسْلَتِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا رَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلَحِقُوا بِقُرَيْشٍ، ثُمَّ كَتَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ: هَلْ لَنَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٨٩] الْآيَاتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ
٥ ‏/ ٥٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] «فَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ عَرَفُوا مُحَمَّدًا ﷺ، ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ»
٥ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] «الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى»
٥ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] «الْآيَةَ، هُمْ أَهْلُ ⦗٥٦١⦘ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، رَأَوْا نَعْتَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي كِتَابِهِمْ، وَأَقَرُّوا بِهِ، وَشَهِدُوا أَنَّهُ حَقٌّ، فَلَمَّا بُعِثَ مِنْ غَيْرِهِمْ حَسَدُوا الْعَرَبَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَنْكَرُوهُ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ حَسَدًا لِلْعَرَبِ حِينَ بُعِثَ مِنْ غَيْرِهِمْ»
٥ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ؛ كَانُوا يَجِدُونَ مُحَمَّدًا ﷺ فِي كِتَابِهِمْ، وَيَسْتَفْتُحِوُنَ بِهِ، فَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ مَا قَالَ الْحَسَنُ، مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَعْنِيُّ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى مَا قَالَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَخْبَارَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ أَكْثَرُ، وَالْقَائِلِينَ بِهِ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عز وجل أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِسَبَبِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَجَمَعَ قِصَّتَهُمْ وَقِصَّةَ مَنْ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَهُمْ فِي ارْتِدَادِهِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، ثُمَّ عَرَّفَ عِبَادَهُ سُنَّتَهُ فِيهِمْ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، ثُمَّ كَفَرَ بِهِ بَعْدَ أَنْ بُعِثَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِهِ ﷺ ثُمَّ ارْتَدَّ وَهُوَ حَيُّ عَنْ إِسْلَامِهِ، فَيَكُونُ مَعْنِيًّا بِالْآيَةِ جَمِيعُ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ كَانَ بِمِثْلِ مَعْنَاهُمَا، بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ [آل عمران: ٨٦] يَعْنِي: كَيْفَ يُرْشِدُ اللَّهُ لِلصَّوَابِ، وَيُوَفِّقُ لِلْإِيمَانِ قَوْمًا جَحَدُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، بَعْدَ ⦗٥٦٢⦘ إِيمَانِهِمْ: أَيْ بَعْدَ تَصْدِيقِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِقْرَارِهِمْ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ﴿وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾ [آل عمران: ٨٦] يَقُولُ: وَبَعْدَ أَنْ أَقَرُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى خَلْقِهِ حَقًّا ﴿وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: ٨٦] يَعْنِي: وَجَاءَهُمُ الْحُجَجُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالدَّلَائِلُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ. ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٨٦] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ الْجَمَاعَةَ الظَّلَمَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ بَدَّلُوا الْحَقَّ إِلَى الْبَاطِلِ، فَاخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ عَلَى مَعْنَى الظُّلْمِ، وَأَنَّهُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ﴾ [آل عمران: ٨٧] يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَبَعْدَ أَنْ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ﴿جَزَاؤُهُمْ﴾ [آل عمران: ٨٧] ثَوَابُهُمْ مِنْ عَمَلِهِمُ الَّذِي عَمِلُوهُ ﴿أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٨٧] يَعْنِي أَنْ حَلَّ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ الْإِقْصَاءُ وَالْبُعْدُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ إِلَّا مِمَّا يَسُوءُهُمْ مِنَ الْعِقَابِ ﴿أَجْمَعِينَ﴾ [آل عمران: ٨٧] يَعْنِي مِنْ جَمِيعِهِمْ: لَا بَعْضَ مَنْ سَمَّاهُ جَلَّ ثناؤُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ، وَلَكِنْ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ ثَوَابَ عَمَلِهِمْ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ كَانَ بِاللَّهِ كُفْرًا، وَقَدْ بَيَّنَّا صِفَةَ لَعْنَةِ النَّاسِ الْكَافِرَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ⦗٥٦٣⦘ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [آل عمران: ٨٨] يَعْنِي: مَاكِثِينَ فِيهَا، يَعْنِي: فِي عُقُوبَةِ اللَّهِ ﴿لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ [البقرة: ١٦٢] لَا يُنْقَصُونَ مِنَ الْعَذَابِ شَيْئًا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلَا يُنَفَّسُونَ فِيهِ. ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [البقرة: ١٦٢] يَعْنِي: وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ لِمَعْذِرَةٍ يَعْتَذِرُونَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ: أَعْنِي الْخُلُودَ فِي الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ. ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٨٩] ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ثناؤُهُ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ [آل عمران: ٨٩] يَعْنِي: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ارْتِدَادِهِمْ عَنْ إِيمَانِهِمْ، فَرَاجَعُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ ﷺ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ [آل عمران: ٨٩] يَعْنِي: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] يَعْنِي فَإِنَّ اللَّهَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ كُفْرِهِ ﴿غَفُورٌ﴾ [آل عمران: ٨٩] يَعْنِي: سَاتِرٌ عَلَيْهِ ذَنْبَهُ الَّذِي كَانَ مِنْهُ مِنَ الرِّدَّةِ، فَتَارِكٌ عُقُوبَتَهُ عَلَيْهِ، وَفَضِيحَتَهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، غَيْرَ مُؤَاخِذِهِ بِهِ إِذَا مَاتَ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ، ﴿رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٨٩] مُتَعَطِّفٌ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ
٥ ‏/ ٥٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ عز وجل بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٦] أَيْ بِبَعْضِ أَنْبِيَائِهِ الَّذِينَ بُعِثُوا قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَحَشْرَجَتِهِ بِنَفْسِهِ
٥ ‏/ ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ»
٥ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] «أُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ الْيَهُودُ، كَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ وَبِعِيسَى، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَالْفُرْقَانِ»
٥ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «ازْدَادُوا كُفْرًا حَتَّى حَضَرَهُمُ الْمَوْتُ، فَلَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُمْ حِينَ حَضَرَهُمُ الْمَوْتُ» قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ
٥ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠] وَقَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ كَفَرُوا بِالْإِنْجِيلِ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا حِينَ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَأَنْكَرُوهُ، وَكَذَّبُوا بِهِ» ⦗٥٦٥⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمُحَمَّدٍ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ، ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] يَعْنِي ذَنُوبًا ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ مُقِيمُونَ
٥ ‏/ ٥٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] «ازْدَادُوا ذَنُوبًا وَهُمْ كُفَّارٌ» فَ ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] «مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ مَا كَانُوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ»
٥ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، قَالَ: قُلْتُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «إِنَّمَا هُمْ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا، فَهُمْ يَتُوبُونَ مِنْهَا فِي كُفْرِهِمْ» حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ
٥ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ، أَصَابُوا ذَنُوبًا فِي ⦗٥٦٦⦘ كُفْرِهِمْ فَأَرَادُوا أَنْ يَتُوبُوا مِنْهَا، وَلَنْ يَتُوبُوا مِنَ الْكُفْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠]»
٥ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «تَابُوا مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَتُوبُوا مِنَ الْأَصْلِ»
٥ ‏/ ٥٦٦
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يُصِيبُونَ الذُّنُوبَ فَيَقُولُونَ نَتُوبُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: لَنْ تُقْبَلَ التَّوْبَةُ فِي الضَّلَالَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ، ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠]، يَعْنِي بِزِيَادَتِهِمِ الْكُفْرَ تَمَامَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى هَلَكُوا وَهُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ: لَنْ تَنْفَعَهُمْ تَوْبَتُهُمُ الْأُولَى، وَإِيمَانُهُمْ لِكُفْرِهِمِ الْآخِرِ وَمَوْتِهِمْ
٥ ‏/ ٥٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «تَمُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ» قَالَ ابْنُ ⦗٥٦٧⦘ جُرَيْجٍ: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] يَقُولُ: «إِيمَانُهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ لَنْ يَنْفَعَهُمْ» . وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] مَاتُوا كُفَّارًا، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ زِيَادَتَهُمْ مِنْ كُفْرِهِمْ. وَقَالُوا: مَعْنَى ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ
٥ ‏/ ٥٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠] «أَمَّا ﴿ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠]: فَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ، وَأَمَّا: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠]: فَعِنْدَ مَوْتِهِ إِذَا تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهَا الْيَهُودَ، وَأَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْيَهُودِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ عِنْدَ مَبْعَثِهِ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ بِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمَا أَصَابُوا مِنَ الذُّنُوبِ فِي كُفْرِهِمْ وَمُقَامِهِمْ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي أَصَابُوهَا فِي كُفْرِهِمْ، حَتَّى يَتُوبُوا مِنْ كُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَيُرَاجِعُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ بِتَصْدِيقِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فِيهِمْ نَزَلَتْ، فَأَوْلَى أَنْ تَكُونَ هِيَ فِي مَعْنَى مَا قَبْلَهَا ⦗٥٦٨⦘ وَبَعْدَهَا إِذْ كَانَتْ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: مَعْنَى ازْدِيَادِهِمُ الْكُفْرَ مَا أَصَابُوا فِي كُفْرِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهُ جَلَّ ثناؤُهُ قَالَ: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ [آل عمران: ٩٠] إِنَّمَا هُوَ مَعْنِيُّ بِهِ: لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ مِمَّا ازْدَادُوا مِنَ الْكُفْرِ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، لَا مِنْ كُفْرِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَعَدَ أَنْ يَقْبَلَ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ، فَقَالَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: ٢٥] فَمُحَالٌ أَنْ يَقُولَ عز وجل أَقْبَلُ، وَلَا أَقْبَلُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ أَنَّهُ قَابِلٌ تَوْبَةَ كُلِّ تَائِبٍ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، وَكَانَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ أَحَدَ تِلْكَ الذُّنُوبِ الَّتِي وَعَدَ قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٨٩] عُلِمَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لَا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي لَا تُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْبَةُ هُوَ الِازْدِيَادُ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْكُفْرِ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَةَ صَاحِبِهِ مَا أَقَامَ عَلَى كُفْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَمَلًا مَا أَقَامَ عَلَى شِرْكِهِ وَضَلَالِهِ، فَأَمَّا إِنْ تَابَ مِنْ شَرْكِهِ وَكُفْرِهِ وَأَصْلَحَ، فَإِنَّ اللَّهَ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ: فَلَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ مِنْ كُفْرِهِمْ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ، أَوْ تَوْبَتُهُ الْأُولَى؟ ⦗٥٦٩⦘ قِيلَ: أَنْكَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الْعَبْدِ غَيْرُ كَائِنَةٍ إِلَّا فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَلَا تَوْبَةَ، وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ عز وجل عِبَادَهُ قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنْهُمْ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ جَمِيعِ الْحُجَّةِ فِي أَنَّ كَافِرًا لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْمُوَارَثَةِ، وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ غَيْرِهِمَا، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ تَوْبَتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ، لَمْ يَنْتَقِلْ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ إِلَى حُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا مَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ فِيهَا تَوْبَةَ الْكَافِرِ، فَإِذَا صَحَّ أَنَّهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَقْبُولَةٌ، وَلَا سَبِيلَ بَعْدَ الْمَمَاتِ إِلَيْهَا، بَطَلَ قَوْلُ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ حُضُورِ الْأَجَلِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ التَّوْبَةُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْكُفْرِ فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَصِفِ الْقَوْمَ بِإِيمَانٍ كَانَ مِنْهُمْ بَعْدَ كُفْرٍ، ثُمَّ كُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، بَلْ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِكُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ الْإِيمَانَ كُفْرٌ كَانَ لِلْإِيمَانِ لَهُمْ تَوْبَةٌ مِنْهُ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُ ذَلِكَ، وَتَأْوِيلُ الْقُرْآنِ عَلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي ظَاهِرِ التِّلَاوَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى بَاطِنٍ خَاصٍّ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْجِيهُهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا، هُمُ الَّذِينَ ضَلُّوا سَبِيلِ الْحَقِّ، فَأَخْطَئُوا مَنْهَجَهُ، وَتَرَكُوا مَنْصَفَ السَّبِيلِ وَهُدَى اللَّهِ الدِّينَ، حَيْرَةً مِنْهُمْ وَعَمًى عَنْهُ، ⦗٥٧٠⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الضَّلَالِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ
٥ ‏/ ٥٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٩١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٦] أَيْ جَحَدُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ يَهُودُهَا وَنَصَارَاهَا وَمَجُوسُهَا وَغَيْرُهُمْ ﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ [البقرة: ١٦١] يَعْنِي: وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ جُحُودِ نُبُوَّتِهِ، وَجُحُودِ مَا جَاءَ بِهِ ﴿فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] يَقُولُ: فَلَنْ يُقْبَلَ مِمَّنْ كَانَ بِهَذِهِ الصُّفَّةِ فِي الْآخِرَةِ جَزَاءٌ وَلَا رِشْوَةٌ عَلَى تَرْكِ عُقُوبَتِهِ عَلَى كُفْرِهِ، وَلَا جُعْلٌ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنَ الذَّهَبِ قَدْرُ مَا يَمْلَأُ الْأَرْضَ مِنْ مَشْرِقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا، فَرْشًا وَجِزًى عَلَى تَرْكِ عُقُوبَتِهِ وَفِي الْعَفْوِ عَنْهُ عَلَى كُفْرِهِ عِوَضًا مِمَّا اللَّهُ مُحِلٌّ بِهِ مِنْ عَذَابِهِ؛ لِأَنَّ الرِّشَا إِنَّمَا يَقْبَلُهَا مَنْ كَانَ ذَا حَاجَةٍ إِلَى مَا رُشِيَ، فَأَمَّا مَنْ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، فَكَيْفَ يَقْبَلُ الْفِدْيَةَ، وَهُوَ خَلَاقُ كُلِّ فِدْيَةٍ افْتَدَى بِهَا مُفْتَدٍ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْفِدْيَةِ الْعِوَضُ وَالْجَزَاءُ مِنَ الْمُفْتَدَى مِنْهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عز وجل عَمَّا لَهُمْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
٥ ‏/ ٥٧٠
كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩١] يَقُولُ: لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ مُوجِعٌ ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٢٢] يَعْنِي: وَمَا لَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ وَلَا حَمِيمٍ وَلَا صَدِيقٍ يَنْصُرُهُ، فَيَسْتَنْقِذُهُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ عَذَابِهِ، كَمَا كَانُوا يَنْصُرُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ حَاوَلَ أَذَاهُ وَمَكْرُوهَهَ
٥ ‏/ ٥٧١
وَقَدْ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، قَالَ: فَيُقَالُ: لَقَدْ سُئِلَتْ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١]
٥ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١] قَالَ: «هُوَ كُلُّ كَافِرٍ» وَنُصِبَ قَوْلُهُ ﴿ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١] عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمِقْدَارِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالتَّفْسِيرِ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ٩١]، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: عِنْدِي قَدْرُ زِقٍّ سَمْنًا وَقَدْرُ رَطْلٍ عَسَلًا، فَالْعَسَلُ مُبَيَّنٌ بِهِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمِقْدَارِ، وَهُوَ نَكِرَةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ ⦗٥٧٢⦘ لِلْمِقْدَارِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ. وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ نَصَبَ الذَّهَبَ لِاشْتِغَالِ الْمِلْءِ بِالْأَرْضِ، وَمَجِيءِ الذَّهَبِ بَعْدَهُمَا، فَصَارَ نَصْبُهَا نَظِيرَ نَصْبِ الْحَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالَ يَجِيءُ بَعْدَ فِعْلٍ قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ فَيَنْصَبُ، كَمَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ الْفِعْلِ الَّذِي قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ، قَالُوا: وَنَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا﴾ [آل عمران: ٩١] فِي نَصْبِ الذَّهَبِ فِي الْكَلَامِ: لِي مِثْلُكَ رَجُلًا، بِمَعْنَى: لِي مِثْلُكَ مِنَ الرِّجَالِ، وَزَعَمُوا أَنَّ نَصْبَ الرَّجُلِ لِاشْتِغَالِ الْإِضَافَةِ بِالِاسْمِ، فَنُصِبَ كَمَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ بِهِ لِاشْتِغَالِ الْفِعْلِ بِالْفَاعِلِ، وَأُدْخِلَتْ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] لِمَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَهُ دَلَّ عَلَيْهِ دُخُولُ الْوَاوِ، كَالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، أَرَيْنَاهُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١]، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ وَاوٌ، لَكَانَ الْكَلَامُ صَحِيحًا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَتْرُوكٌ وَكَانَ: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَوِ افْتَدَى بِهِ
٥ ‏/ ٥٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ ⦗٥٧٣⦘ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: لَنْ تُدْرِكُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْبِرَّ، وَهُوَ الْبِرُّ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يَطْلُبُونَهُ مِنْهُ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتِهِمْ لَهُ، وَيَرْجُونَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ تَفَضُّلُهُ عَلَيْهِمْ بِإِدْخَالِهِ جَنَّتَهُ، وَصَرْفِ عَذَابِهِ عَنْهُمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: الْبِرُّ الْجَنَّةُ؛ لِأَنَّ بِرَّ الرَّبِّ بِعَبْدِهِ فِي الْآخِرَةِ وَإِكْرَامَهُ إِيَّاهُ بِإِدْخَالِهِ الْجَنَّةَ
٥ ‏/ ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ﴾ [آل عمران: ٩٢] قَالَ: «الْجَنَّةَ»
٥ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ﴾ [آل عمران: ٩٢] قَالَ: «الْبِرُّ الْجَنَّةُ»
٥ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ﴾ [آل عمران: ٩٢] «أَمَّا الْبِرُّ فَالْجَنَّةُ» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَنْ تَنَالُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ جَنَّةَ رَبِّكُمْ، حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، يَقُولُ: حَتَّى تَتَصَدَّقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَتَهْوُونَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ مِنْ نَفِيسِ أَمْوَالِكُمْ
٥ ‏/ ٥٧٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا ⦗٥٧٤⦘ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] يَقُولُ: «لَنْ تَنَالُوا بِرَّ رَبِّكُمْ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا يُعْجِبُكُمْ وَمِمَّا تُهْوُونَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ»
٥ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] قَالَ: «مِنَ الْمَالِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَمَهْمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَتَتَصَدَّقُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمُتَصَدِّقُ مِنْكُمْ، فَيُنْفِقُهُ مِمَّا يُحِبُّ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلِيمٌ، يَقُولُ: هُوَ ذُو عِلْمٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ حَتَّى يُجَازَى صَاحِبُهُ عَلَيْهِ جَزَاءَهُ فِي الْآخِرَةِ
٥ ‏/ ٥٧٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩٢] يَقُولُ: «مَحْفُوظٌ لَكُمْ ذَلِكَ اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ شَاكِرٌ لَهُ» وَبِنَحْوِ التَّأْوِيلِ الَّذِي قُلْنَا تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
٥ ‏/ ٥٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] قَالَ: «كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ جَارِيَةً مِنْ ⦗٥٧٥⦘ جَلُولَاءَ يَوْمَ فُتِحَتْ مَدَائِنُ كِسْرَى فِي قِتَالِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَدَعَا بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] فَأَعْتَقَهَا عُمَرُ، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨]، ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: ٩]» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ سَوَاءً
٥ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] أَوْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥]، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَائِطِي الَّذِي بِكَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ، وَلَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ سِرًّا لَمْ أَجْعَلْهُ عَلَانِيَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاءِ أَهْلِكَ»
٥ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ ⦗٥٧٦⦘ جَعَلْتُ أَرْضِي بِأَرِيحَا لِلَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ» فَجَعَلَهَا بَيْنَ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
٥ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا ذَرٍّ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عِمَادُ الْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادُ سَنَامُ الْعَمَلِ، وَالصَّدَقَةُ شَيْءٌ عَجِيبٌ»، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَقَدْ تَرَكْتَ شَيْئًا هُوَ أَوْثَقُ عَمَلِي فِي نَفْسِي لَا أَرَاكَ ذَكَرْتَهُ فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: الصِّيَامُ، فَقَالَ: «قُرْبَةٌ، وَلَيْسَ هُنَاكَ» وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]
٥ ‏/ ٥٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] جَاءْ زَيْدٌ بِفَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا: «سُبُلُ» إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهَا ⦗٥٧٧⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ابْنَةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَدْ قُبِلَتْ صَدَقَتُكَ»
٥ ‏/ ٥٧٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا حِينَ نَزَلَتْ: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢] ” جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِفَرَسٍ لَهُ كَانَ يُحِبُّهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَحَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَكَأَنَّ زَيْدًا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: «أَمَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَبِلَهَا»
٥ ‏/ ٥٧٧
﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرَّمَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ وَلَدُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ شَيْئًا مِنَ الْأَطْعِمَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ حَلَالًا، إِلَّا مَا كَانَ يَعْقُوبُ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ وَلَدَهُ حَرَّمُوهُ اسْتِنَانًا بِأَبِيهِمْ يَعْقُوبَ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمِ اللَّهِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي وَحْي وَلَا تَنْزِيلٍ وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولٍ لَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِ نُزُولِ التَّوْرَاةِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، هَلْ نَزَلَ فِي التَّوْرَاةِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل التَّوْرَاةَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَنْ ذَلِكَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ قَبْلَ نُزُولِهَا
٥ ‏/ ٥٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] ” قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّمَا نُحَرِّمُ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ الْعُرُوقَ، كَانَ يَأْخُذُهُ عِرْقُ النَّسَا، كَانَ يَأْخُذُهُ بِاللَّيْلِ وَيَتْرُكُهُ بِالنَّهَارِ، فَحَلَفَ لَئِنِ اللَّهُ عَافَاهُ مِنْهُ لَا يَأْكُلُ عِرْقًا أَبَدًا، فَحَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] مَا حَرَّمَ هَذَا عَلَيْكُمْ غَيْرِي بِبَغْيِكُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٠] فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ إِسْرَائِيلُ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي التَّوْرَاةِ، بِبَغْيِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَظُلْمِهِمْ لَهَا، قُلْ يَا مُحَمَّدُ: فَأْتُوا أَيُّهَا الْيَهُودُ إِنْ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ، فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَأَنَّكُمْ إِنَّمَا تُحَرِّمُونَهُ لِتَحْرِيمِ
٥ ‏/ ٥٧٨
إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَرَامًا، لَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمُ اتِّبَاعًا لِأَبِيهِمْ، ثُمَّ أَضَافُوا تَحْرِيمَهُ إِلَى اللَّهِ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عز وجل فِي إِضَافَتِهِمْ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا، حَتَّى نَنْظُرَ هَلْ ذَلِكَ فِيهَا، أَمْ لَا؟ لِيَتَبَيَّنَ كَذِبُهُمْ لِمَنْ يَجْهَلُ أَمَرَهُمْ
٥ ‏/ ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] إِسْرَائِيلُ: هُوَ يَعْقُوبُ، أَخَذَهُ عِرْقُ النَّسَا، فَكَانَ لَا يَثْبُتُ اللَّيْلَ مِنْ وَجَعِهِ، وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ بِالنَّهَارِ، فَحَلَفَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ لَا يَأْكُلُ عِرْقًا أَبَدًا، وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى، فَسَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ الْيَهُودَ مَا هَذَا الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَقَالُوا: نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ بِتَحْرِيمِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] وَكَذَّبُوا وَافْتَرَوْا، لَمْ تَنْزِلِ التَّوْرَاةُ بِذَلِكَ ” وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ ⦗٥٨٠⦘ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ وَبَعْدَ نُزُولِهَا، إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، بِمَعْنَى: لَكِنَّ إِسْرَائِيلَ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ بَعْضَ ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الضَّحَّاكَ وَجَّهَ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّحْوِيُّونَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ. وَقَالَ آخَرُونَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى وَلَدِهِ بِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيلَ إِيَّاهُ عَلَى وَلَدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ حَرَّمَهُ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ
٥ ‏/ ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] ” فَإِنَّهُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُرُوقَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَكَانَ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ عَافَانِي اللَّهُ مِنْهُ لَا يَأْكُلُهُ لِي وَلَدٌ، وَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ وَسَأَلَ مُحَمَّدٌ ﷺ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ «مَا شَأْنُ هَذَا حَرَامًا؟» فَقَالُوا: هُوَ حَرَامٌ عَلَيْنَا مِنْ قِبَلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران: ٩٣] إِلَى ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣]
٥ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذَهُ يَعْنِي إِسْرَائِيلَ عِرْقُ النَّسَا، فَكَانَ لَا يَثْبُتُ بِاللَّيْلِ مِنْ شِدَّةِ ⦗٥٨١⦘ الْوَجَعِ، وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ بِالنَّهَارِ، فَحَلَفَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ لَا يَأْكُلُ عِرْقًا أَبَدًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، فَقَالَ الْيَهُودُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ بِتَحْرِيمِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] وَكَذَبُوا، لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمِ اللَّهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ أَبِيهِمْ إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي تَنْزِيلٍ وَلَا بِوَحْي قَبْلَ التَّوْرَاةِ، حَتَّى نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا شَاءَ، وَأَحَلَّ لَهُمْ فِيهَا مَا أَحَبَّ. وَهَذَا قَوْلٌ قَالَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ
٥ ‏/ ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾ [آل عمران: ٩٣] «وَإِسْرَائِيلُ: هُوَ يَعْقُوبُ» ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] يَقُولُ: «كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ. إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا شَاءَ، وَأَحَلَّ ⦗٥٨٢⦘ لَهُمْ مَا شَاءَ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي كَانَ إِسْرَائِيلُ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ الَّذِي حَرَّمَهُ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ الْعُرُوقَ
٥ ‏/ ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ حَرَامًا، قَالَ: «لَيْسَتْ عَلَيْكَ بِحَرَامٍ قَالَ»: فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَلِمَ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: فَضَحِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ مَا كَانَ إِسْرَائِيلُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ؟» قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: «إِسْرَائِيلُ عَرَضَتْ لَهُ الْأُنْسَاءُ فَأَضْنَتْهُ، فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْهَا لَا يَطْعَمُ عِرْقًا» قَالَ: «فَلِذَلِكَ الْيَهُودُ تَنْزِعُ الْعُرُوقَ مِنَ اللَّحْمِ»
٥ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ مَاهَكٍ يُحَدِّثُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ رَجُلًا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: ﴿كُلُّ ⦗٥٨٣⦘ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] فَقَالَ: «إِنَّ إِسْرَائِيلَ كَانَ بِهِ عِرْقُ النَّسَا، فَحَلَفَ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْعُرُوقَ مِنَ اللَّحْمِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْكَ بِحَرَامٍ»
٥ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: «إِنَّ يَعْقُوبَ أَخَذَهُ وَجَعُ عِرْقِ النَّسَا، فَجَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ أَقْسَمَ» أَوْ قَالَ: «لَا يَأْكُلُهُ مِنَ الدَّوَابِّ» قَالَ: «وَالْعُرُوقُ كُلُّهَا تَبَعٌ لِذَلِكَ الْعِرْقِ»
٥ ‏/ ٥٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الَّذِيَ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْأُنْسَاءَ أَخَذَتْهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَسْهَرَتْهُ، فَتَأَلَّى إِنِ اللَّهُ شَفَاهُ لَا يَطْعَمُ نَسًا أَبَدًا فَتَتَبَّعَتْ بَنَوْهُ الْعُرُوقَ بَعْدَ ذَلِكَ يُخْرِجُونَهَا مِنَ اللَّحْمِ» حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: «فَتَأَلَّى لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ لَا يَأْكُلُ عِرْقًا أَبَدًا، فَجَعَلَ بَنَوْهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَتَبَّعُونَ الْعُرُوقَ، فَيُخْرِجُونَهَا مِنَ اللَّحْمِ، وَكَانَ الَّذِي حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ الْعُرُوقَ»
٥ ‏/ ٥٨٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: «اشْتَكَى إِسْرَائِيلُ عِرْقَ النَّسَا، فَقَالَ: إِنِ اللَّهُ شَفَانِي لَأُحَرِّمَنَّ الْعُرُوقَ، فَحَرَّمَهَا»
٥ ‏/ ٥٨٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانَ إِسْرَائِيلُ أَخَذَهُ عِرْقُ النَّسَا، فَكَانَ يَبِيتُ وَلَهُ زُقَاءُ، فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ شَفَاهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْعُرُوقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ سُفْيَانُ: لَهُ زُقَاءُ: يَعْنِي صِيَاحًا
٥ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: «كَانَ يَشْتَكِي عِرْقَ النَّسَا، فَحَرَّمَ الْعُرُوقَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: «كَانَ إِسْرَائِيلُ يَأْخُذُهُ عِرْقُ النَّسَا، فَكَانَ يَبِيتُ وَلَهُ زُقَاءٌ، فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَأْكُلَ عِرْقًا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي كَانَ إِسْرَائِيلُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومُ الْإِبِلِ وَأَلْبَانُهَا
٥ ‏/ ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْنَا أَنَّهُ، اشْتَكَى شَكْوَى، فَقَالُوا: إِنَّهُ عِرْقُ النَّسَا، فَقَالَ: ⦗٥٨٥⦘ رَبِّ إِنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيَّ لُحُومُ الْإِبِلِ وَأَلْبَانُهَا، فَإِنْ شَفَيْتَنِي فَإِنِّي أُحَرِّمُهَا عَلَيَّ ” قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: لُحُومُ الْإِبِلِ وَأَلْبَانُهَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ
٥ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: «كَانَ إِسْرَائِيلُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ، وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ تَحْرِيمَ إِسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ قَبْلَ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ»، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] فَقَالَ: «لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ تَحْرِيمَ إِسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ إِلَّا لَحْمَ الْإِبِلِ»
٥ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ إِسْرَائِيلَ، أَخَذَهُ عِرْقُ النَّسَا، فَكَانَ يَبِيتُ بِاللَّيْلِ لَهُ زُقَاءٌ يَعْنِي صِيَاحًا قَالَ: فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ لَا يَأْكُلُهُ يَعْنِي لُحُومَ الْإِبِلِ قَالَ: فَحَرَّمَهُ الْيَهُودُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] أَيْ أَنَّ هَذَا قَبْلَ التَّوْرَاةِ»
٥ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ ⦗٥٨٦⦘ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: ﴿إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: «حَرَّمَ الْعُرُوقَ وَلُحُومَ الْإِبِلِ، قَالَ: كَانَ بِهِ عِرْقُ النَّسَا، فَأَكَلَ مِنْ لُحُومِهَا فَبَاتَ بِلَيْلَةٍ يَزْقُو، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ أَبَدًا»
٥ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] قَالَ: «حَرَّمَ لُحُومَ الْأَنْعَامِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ الْأَعْمَشُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْعُرُوقُ وَلُحُومُ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ مُجْمِعَةٌ إِلَى الْيَوْمِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمِهَا، كَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَوَائِلُهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِ ذَلِكَ خَبَرٌ
٥ ‏/ ٥٨٦
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عِصَابَةً، مِنَ الْيَهُودِ حَضَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أُنْشِدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، فَطَالَ سَقَمُهُ مِنْهُ، فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الْإِبِلِ، وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا؟» فَقَالُوا: اللَّهُمَّ ⦗٥٨٧⦘ نَعَمْ ” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلزَّاعِمِينَ مِنَ الْيَهُودِ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ الْعُرُوقَ وَلُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا: ائْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا، يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: جِيئُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ كَذِبُهُمْ وَقِيلُهُمُ الْبَاطِلَ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَمْرِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا أَنْزَلْتُهُ فِي التَّوْرَاةِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ، فَأْتُونَا بِهَا، فَاتْلُوا تَحْرِيمَ ذَلِكَ عَلَيْنَا مِنْهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ كَذِبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِيئونَ بِذَلِكَ أَبَدًا عَلَى صِحَّتِهِ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ بِكَذِبِهِمْ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ ﷺ، وَجَعَلَ إِعْلَامَهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمْ فَمُحَمَّدٌ ﷺ وَهُوَ أُمِّيُّ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِهِمْ، لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِهِ، كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يُعْلِمَهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ لَهُ ﷺ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ أَوَائِلِهِمْ كَانَ مِنْ خَفِيِّ عُلُومِهِمُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُ خَاصَّةٍ مِنْهُمْ، إِلَّا مَنْ أَعْلَمَهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ رَسُولٍ، أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمِهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ
٥ ‏/ ٥٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [آل عمران: ٩٤]⦗٥٨٨⦘ يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِذَلِكَ: فَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ مِنْ بَعْدِ مَجِيئِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ، وَتِلَاوَتِكُمْ إِيَّاهَا، وَعُدْمِكُمْ مَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ تَحْرِيمِ اللَّهِ الْعُرُوقَ وَلُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فِيهَا، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] يَعْنِي: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ﴿فَأُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٨١] يَعْنِي فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] يَعْنِي فَهُمُ الْكَافِرُونَ الْقَائِلُونَ عَلَى اللَّهِ الْبَاطِلَ
٥ ‏/ ٥٨٧
كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ»
٥ ‏/ ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٩٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: صَدَقَ اللَّهُ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران: ٩٣] وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى إِسْرَائِيلَ وَلَا عَلَى وَلَدِهِ الْعُرُوقَ وَلَا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ شَيْئًا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ بِغَيْرِ تَحْرِيمِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَفِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عِبَادَهُ مِنْ خَبَرٍ دُونَكُمْ وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ الْكَذِبَةِ فِي إِضَافَتِكُمْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاةِ الْمُفْتَرِيَةِ عَلَى اللَّهِ الْبَاطِلَ فِي دَعْوَاكُمْ عَلَيْهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آل عمران: ٩٥] يَقُولُ: فَإِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْيَهُودُ مُحِقِّينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّكُمْ عَلَى الدِّينِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ دِينًا، وَابْتَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، وَذَلِكَ الْحَنِيفِيَّةُ يَعْنِي الِاسْتِقَامَةَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ دُونَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ.
٥ ‏/ ٥٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٣٥] يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ يُشْرِكُ فِي عِبَادَتِهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا أَيُّهَا الْيَهُودُ، فَلَا يَتَّخِذْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، تُطِيعُونَهُمْ كَطَاعَةِ إِبْرَاهِيمَ رَبَّهُ، وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، فَلَا تَتَّخِذُوا الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ أَرْبَابًا، وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ كَانَ دِينُهُ إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لِرَبِّهِ وَحْدَهُ، مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكِ أَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ، فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا، فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ أَحَدًا، فَإِنَّ جَمِيعَكُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى حَقٍّ وَهُدًى مُسْتَقِيمٍ، فَاتَّبِعُوا مَا قَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُكُمْ عَلَى تَصْوِيبِهِ مِنْ مِلَّتِهِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَدَعُوا مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ سَائِرِ الْمِلَلِ غَيْرِهَا أَيُّهَا الْأَحْزَابُ، فَإِنَّهَا بَدَعٌ أَبْدَعْتُمُوهَا إِلَى مَا قَدْ أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَقٌّ، فَإِنَّ الَّذِي أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَوَابٌ وَحَقٌّ مِنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي ارْتَضَيْتُهُ وَابْتَعَثْتُ بِهِ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي، وَسَائِرَ ذَلِكَ هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا أَقْبَلُهُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي جَاءَنِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [البقرة: ١٣٥] يَعْنِي بِهِ: وَمَا كَانَ مِنْ عَدَدَهِمِ وَأَوْلِيَائِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي التَّظَاهُرِ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَنُصْرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَبَرَّأَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ نُصَرَائِهِمْ وَأَهْلِ وِلَايَتِهِمْ، وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثناؤُهُ بِالْمُشْرِكِينَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَسَائِرَ الْأَدْيَانِ غَيْرِ الْحَنِيفِيَّةِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيمُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ الْمُشْرِكَةِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا
٥ ‏/ ٥٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦]⦗٥٩٠⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، الَّذِي بِبَكَّةَ، قَالُوا: وَلَيْسَ هُوَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَتْ قَبْلَهُ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ
٥ ‏/ ٥٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: «قَامَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَلَا تُخْبِرُنِي عَنِ الْبَيْتِ، أَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْبَرَكَةِ ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧]»
٥ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، وَقِيلَ لَهُ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦] هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ كَانَ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «لَا» قَالَ: فَأَيْنَ كَانَ قَوْمُ نُوحٍ؟ وَأَيْنَ كَانَ قَوْمُ هُودٍ؟ قَالَ: «وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى»
٥ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلَ حَفْصٌ الْحَسَنَ وَأَنَا أَسْمَعُ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] قَالَ: «هُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ عُبِدَ اللَّهُ فِيهِ فِي الْأَرْضِ»
٥ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَحْيَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ، ⦗٥٩١⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦] قَالَ: «قَدْ كَانَتْ قَبْلَهُ بُيُوتٌ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ»
٥ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ٩٦] «يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ» ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦]
٥ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] قَالَ: «وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي صِفَةِ وَضْعِهِ أَوَّلُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خُلِقَ قَبْلَ جَمِيعِ الْأَرَضِينَ، ثُمَّ دُحِيَتِ الْأَرَضُونَ مِنْ تَحْتِهِ
٥ ‏/ ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَكَانَ إِذَا كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، زُبْدَةً بَيْضَاءَ، فَدُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ»
٥ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْكَعْبَةُ، ثُمَّ ⦗٥٩٢⦘ دَحَى الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا»
٥ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ٩٦] كَقَوْلِهِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠]»
٥ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦] «أَمَّا أَوَّلُ بَيْتٍ، فَإِنَّهُ يَوْمَ كَانَتِ الْأَرْضُ مَاءً، وَكَانَ زُبْدَةً عَلَى الْأَرْضِ، فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ، خَلَقَ الْبَيْتَ مَعَهَا، فَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ»
٥ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] قَالَ: «أَوَّلُ بَيْتٍ وَضَعَهُ اللَّهُ عز وجل، فَطَافَ بِهِ آدَمُ وَمَنْ بَعْدَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ مَوْضِعُ الْكَعْبَةِ مَوْضِعُ أَوَّلِ بَيْتٍ وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ
٥ ‏/ ٥٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْبَيْتَ، هَبَطَ ⦗٥٩٣⦘ مَعَ آدَمَ حِينَ هَبَطَ، قَالَ: أُهْبِطُ مَعَكَ بَيْتِي يُطَافُ حَوْلَهُ كَمَا يُطَافُ حَوْلَ عَرْشِي، فَطَافَ حَوْلَهُ آدَمُ وَمَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَنُ الطُّوفَانِ، زَمَنُ أَغْرَقَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ رَفَعَهُ اللَّهُ وَطَهَّرَهُ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ عُقُوبَةُ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَصَارَ مَعْمُورًا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ تَتَبَّعَ مِنْهُ أَثَرًا بَعْدَ ذَلِكَ، فَبَنَاهُ عَلَى أَسَاسٍ قَدِيمٍ كَانَ قَبْلَهُ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: مَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ فِيهِ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ مُبَارَكٍ وَهُدًى وُضِعَ لِلنَّاسٍ لَلَّذِي بِبَكَّةَ. وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ أَيْ لِعُبَادَةِ اللَّهِ فِيهِ مُبَارَكًا وَهُدًى، يَعْنِي بِذَلِكَ وَمَآبًا لِنُسُكِ النَّاسِكِينَ وَطَوَافِ الطَّائِفِينَ، تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَإِجْلَالًا لَهُ؛ لَلَّذِي بِبَكَّةَ؛ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٥ ‏/ ٥٩٢
وَذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قَالَ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً ” فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ هُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ عَلَى مَا قُلْنَا، فَأَمَّا فِي وَضْعِهِ بَيْتًا بِغَيْرِ مَعْنَى بَيْتٍ لِلْعِبَادَةِ وَالْهُدَى وَالْبَرَكَةِ، فَفِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَا قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَعْضَهُ فِي سُورَةِ ⦗٥٩٤⦘ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَبَيَّنْتُ الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي لَلْبَيْتُ الَّذِي بِمُزْدَحِمِ النَّاسِ لِطَوَافِهِمْ فِي حَجِّهِمْ وَعُمَرِهِمْ. وَأَصْلُ الْبَكِّ الزَّحْمُ، يُقَالُ مِنْهُ: بَكَّ فُلَانٌ فُلَانًا: إِذَا زَحَمَهُ وَصَدَمَهُ فَهُوَ. بِبَكَّةَ مُبَارَكًا، وَهُمْ يَتَبَاكُّونَ فِيهِ: يَعْنِي بِهِ: يَتَزَاحَمُونَ وَيَتَصَادَمُونَ فِيهِ، فَكَانَ بَكَّةُ: «فَعْلَةٌ» مِنْ بَكَّ فُلَانٌ فُلَانًا: زَحَمَهُ، سَمَّيَتِ الْبُقْعَةُ بِفِعْلِ الْمُزْدَحِمِينَ بِهَا، فَإِذَا كَانَتْ بَكَّةُ مَا وَصَفْنَا، وَكَانَ مَوْضِعُ ازْدِحَامِ النَّاسِ حَوْلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ لَا طَوَافَ يَجُوزُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ، وَأَنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَمَكَّةُ لَا بَكَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى خَارِجَهُ يُوجِبُ عَلَى النَّاسِ التَّبَاكَّ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًّا بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بَكَّةُ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكَّةَ، وَمَكَّةُ اسْمٌ لِلْحَرَمِ
٥ ‏/ ٥٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ بَكَّةَ مَوْضِعُ مُزْدَحَمِ النَّاسِ لِلطَّوَافِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] قَالَ: «بَكَّةُ: مَوْضِعُ الْبَيْتِ، وَمَكَّةُ: مَا سِوَى ذَلِكَ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ
٥ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «مَرَّتِ امْرَأَةٌ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ وَهُوَ يُصَلِّي، وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَدَفَعَهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنَّهَا بَكَّةُ يَبُكُّ بَعْضُهَا بَعْضًا
٥ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّةَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ»
٥ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ سُمِّيَتْ بَكَّةَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُمْ يَتَبَاكُّونَ فِيهَا، قَالَ: يَعْنِي ⦗٥٩٦⦘ يَتَزَاحَمُونَ “
٥ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَهَا حُجَّاجًا»
٥ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] «فَإِنَّ اللَّهَ بَكَّ بِهِ النَّاسَ جَمِيعًا، فَيُصَلِّي النِّسَاءُ قُدَّامَ الرِّجَالِ، وَلَا يَصْلُحُ بِبَلَدٍ غَيْرِهِ»
٥ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «بَكَّةُ»: بَكَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضٍ، لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِلَّا بِمَكَّةَ “
٥ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، قَالَ: «بَكَّةُ»: مَوْضِعُ الْبَيْتِ، وَ«مَكَّةُ»: مَا حَوْلَهَا “
٥ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَزْهَرَ، عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ بَكَّةَ: «الْبَيْتُ وَالْمَسْجِدُ، وَسَأَلَهُ ⦗٥٩٧⦘ عَنْ مَكَّةَ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ:»مَكَّةُ: الْحَرَمُ كُلُّهُ “
٥ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ،. قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالَا «بَكَّةُ: بَكَّ فِيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ»
٥ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَحْيَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: قَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ «بَكَّةُ: الْمَسْجِدُ، وَمَكَّةُ: الْبُيُوتُ»
٥ ‏/ ٥٩٧
وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦] قَالَ: «هِيَ مَكَّةُ» وَقِيلَ: ﴿مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] لِأَنَّ الطَّوَافَ بِهِ مَغْفِرَةٌ لِلذُّنُوبِ، فَأَمَّا نَصْبُ قَوْلِهِ: ﴿مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] فَإِنَّهُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وُضِعَ﴾ [آل عمران: ٩٦]؛ لِأَنَّ فِي «وُضِعَ» ذِكْرًا مِنَ الْبَيْتِ هُوَ بِهِ مَشْغُولٌ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ، وَ«مُبَارَكًا» نَكِرَةٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتْبَعَهُ فِي الْإِعْرَابِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ، فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ [آل عمران: ٩٦]؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، الْبَيْتُ
٥ ‏/ ٥٩٧
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا. فَالْبَيْتُ عِنْدَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ «الَّذِي بِبَكَّةَ»، وَ«الَّذِي» بِصِلَتِهِ مَعْرِفَةٌ، وَ«الْمُبَارَكُ» نَكِرَةٌ؛ فَنُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ مِنْهُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَعَلَى الْحَالِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَ«هُدًى» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ «مُبَارَكًا»
٥ ‏/ ٥٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنَا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [آل عمران: ٩٧] عَلَى جِمَاعِ آيَةٍ، بِمَعْنَى: فِيهِ عَلَامَاتٌ بَيِّنَاتٌ، وَقَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ (فِيهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ) يَعْنِي بِهَا مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ، يُرَادُ بِهَا عَلَامَةً وَاحِدَةً ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [آل عمران: ٩٧] وَمَا تِلْكَ الْآيَاتُ، فَقَالْ بَعْضُهُمْ: مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ
٥ ‏/ ٥٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [آل عمران: ٩٧] «مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْمَشْعَرُ»
٥ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمُجَاهِدٍ: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٩٧] قَالَا: «مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْآيَاتِ ⦗٥٩٩⦘ الْبَيِّنَاتِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمَنًا﴾ [آل عمران: ٩٧]
٥ ‏/ ٥٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [آل عمران: ٩٧] قَالَ: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧] وَقَالَ آخَرُونَ: الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ: هُوَ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ
٥ ‏/ ٥٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران: ٩٧] «أَمَّا الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ: فَمَقَامُ إِبْرَاهِيمَ» وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ: (فِيهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ) عَلَى التَّوْحِيدِ، فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِالْآيَةِ الْبَيِّنَةِ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ
٥ ‏/ ٥٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ ⦗٦٠٠⦘ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [آل عمران: ٩٧] قَالَ: «قَدَمَاهُ فِي الْمَقَامِ آيَةً بَيِّنَةٌ» يَقُولُ: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧] قَالَ: «هَذَا شَيْءٌ آخَرُ»
٥ ‏/ ٥٩٩
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (فِيهِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) قَالَ: «أَثَرُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَامِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ مِنْهُنَّ مَقَامُ إِبْرَاهِيمُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ الَّذِي رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْهُمَا، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُرَادًا فِيهِنَّ «مِنْهُنَّ»، فَتَرَكَ ذِكْرَهُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَذَا الْمَقَامُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، فَمَا سَائِرُ الْآيَاتِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قِيلَ: ﴿آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [البقرة: ٩٩]؟ قِيلَ: مِنْهُنَّ: الْمَقَامُ، وَمِنْهُنَّ الْحَجَرُ، وَمِنْهُنَّ الْحَطِيمُ، وَأَصَحُّ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ [آل عمران: ٩٧] عَلَى الْجِمَاعِ، لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ دُونَ غَيْرِهَا. وَأَمَّا اخْتِلَافُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [البقرة: ١٢٥] فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَبَيَّنْا أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِيهِ هُنَالِكَ وَأَنَّهُ عِنْدَنَا: الْمَقَامُ الْمَعْرُوفُ بِهِ. ⦗٦٠١⦘ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، لَلَّذِي بِبَكَّةَ، فِيهِ عَلَامَاتٌ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَآثَارِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُنَّ أَثَرُ قَدَمِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ فِي الْحَجَرِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …