سُورَةُ النِّسَاءِ 11

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] قَالَ: «الْوَشْمُ»
٧ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] قَالَ: «الْوَشْمُ»
٧ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَوْ غَيْرُهُ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] قَالَ: «الْوَشْمُ»
٧ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ: مَا تَقُولُ فِي امْرَأَةٍ قَشَرَتْ وَجْهَهَا؟ قَالَ: «مَا لَهَا لَعَنَهَا اللَّهُ، غَيَّرَتْ خَلْقَ اللَّهِ»
٧ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَفَلِّجَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ ⦗٥٠٢⦘ اللَّهِ»
٧ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِرَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ»
٧ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: “لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، قَالَ: دِينَ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ دَخَلَ فِي ذَلِكَ فِعْلُ كُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ خِصَاءِ مَا لَا يَجُوزُ خِصَاؤُهُ، وَوَشْمِ مَا نَهَى عَنْ وَشِمِهْ وَوَشْرِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي، وَدَخَلَ فِيهِ تَرْكُ كُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى جَمِيعِ مَعَاصِي اللَّهِ، وَيَنْهَى عَنْ جَمِيعِ طَاعَتِهِ، فَذَلِكَ مَعْنَى أَمْرِهِ نَصِيبَهُ الْمَفْرُوضَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِتَغْيِيرِ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ دِينِهِ؛ ⦗٥٠٣⦘ وَلَا مَعْنَى لِتَوْجِيهِ مَنْ وَجَّهَ قَوْلَهُ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] إِلَى أَنَّهُ وَعْدَ الْأَمْرَ بِتَغْيِيرِ بَعْضِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ بَعْضِ مَا أَمَرَ بِهِ دُونَ بَعْضٍ. فَإِذْ كَانَ الَّذِي وَجَّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخِصَاءِ وَالْوَشْمِ دُونَ غَيْرِهِ، إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ عَنَى بِهِ تَغْيِيرَ الْأَجْسَامِ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِخْبَارًا عَنْ قِيلِ الشَّيْطَانِ: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١٩] مَا يُنْبِئُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، لِأَنَّ تَبْتِيكَ آذَانِ الْأَنْعَامِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ أَجْسَامٌ. وَقَدْ مَضَى الْخَبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ وَعَدَ الْأَمْرَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ مِنَ الْأَجْسَامِ مُفَسَّرًا، فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَةِ الْخَبَرِ عَنْهُ بِهِ مُجْمَلًا، إِذْ كَانَ الْفَصِيحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُتَرْجَمَ عَنِ الْمُجْمَلِ مِنَ الْكَلَامِ بِالْمُفَسَّرِ وَبِالْخَاصِ عَنِ الْعَامِ دُونَ التَّرْجَمَةِ عَنِ الْمُفَسَّرِ بِالْمُجْمَلِ، وَبِالْعَامِ عَنِ الْخَاصِّ، وَتَوْجِيهُ كِتَابِ اللَّهِ إِلَى الْأَفْصَحِ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيلُ
٧ ‏/ ٥٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ حَالِ نَصِيبِ الشَّيْطَانِ الْمَفْرُوضِ مِنَ الَّذِينَ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى، يَقُولُ اللَّهُ: وَمَنْ يَتَّبِعِ الشَّيْطَانَ فَيُطِيعُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَخِلَافِ أَمْرِهِ، وَيُوَالِيهِ فَيَتَّخِذُهُ وَلِيًّا لِنَفْسِهِ وَنَصِيرًا دُونَ اللَّهِ ﴿فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١١٩] يَقُولُ: “فَقَدْ هَلَكَ هَلَاكًا، وَبَخَسَ نَفْسُهُ حَظَّهَا فَأَوْبَقَهَا بَخْسًا مُبِينًا يُبِينُ عَنْ عَطِبِهِ وَهَلَاكِهِ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَمْلِكُ لَهُ نَصْرًا مِنَ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ فِي خِلَافِهِ أَمْرَهُ، بَلْ يَخْذُلُهُ عِنْدَ
٧ ‏/ ٥٠٣
حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا حَالُهُ مَعَهُ مَا دَامَ حَيًّا مُمْهَلَا بِالْعُقُوبَةِ، كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يُعِدُ الشَّيْطَانُ الْمَرِيدُ أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ هُمْ نَصِيبُهُ الْمَفْرُوضُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيرًا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ، وَظَهِيرًا لَهُمْ عَلَيْهِ، يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ وَيُدَافِعُ عَنْهُمْ، وَيُمَنِّيهِمُ الظَّفَرَ عَلَى مَنْ حَاوَلَ مَكْرُوهَهُمْ وَالْفَلَجَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠] يَقُولُ: “وَمَا يُعِدُ الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا غُرُورًا، يَعْنِي: إِلَّا بَاطِلًا. وَإِنَّمَا جَعَلَ عِدْتَهُ إِيَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا وَعَدَهُمْ غُرُورًا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ فِي اتِّخَاذِهِمْ إِيَّاهُ وَلِيًّا عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ عِدَاتِهِ الْكَاذِبَةِ وَأَمَانِيهِ الْبَاطِلَةِ، حَتَّى إِذَا حَصْحَصَ الْحَقُّ وَصَارُوا إِلَى الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ عَدُوُّ اللَّهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢] وَكَمَا قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ وَقَدْ زَيَّنَ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ: ﴿لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ﴾ [الأنفال: ٤٨] وَحَصْحَصَ الْحَقُّ، وَعَايَنَ حَدَّ الْأَمْرِ، وَنُزُولَ عَذَابِ اللَّهِ بِحِزْبِهِ ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: ٤٨] فَصَارَتْ عِدَاتُهُ، عَدُوَّ اللَّهِ، إِيَّاهُمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ غُرُورًا ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ
٧ ‏/ ٥٠٤
شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ﴾ [النور: ٣٩]
٧ ‏/ ٥٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا﴾ [النساء: ١٢١] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ [آل عمران: ١٩٧] يَعْنِي: مَصِيرُهُمُ الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ جَهَنَّمُ ﴿وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا﴾ [النساء: ١٢١] يَقُولُ: “لَا يَجِدُونَ عَنْ جَهَنَّمَ إِذَا صَيَّرَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَعْدِلًا يَعْدِلُونَ إِلَيْهِ، يُقَالَ مِنْهُ: حَاصَ فُلَانٌ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ يَحِيصُ حَيْصًا وَحُيُوصًا: إِذَا عَدَلَ عَنْهُ، وَمِنْهُ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً كُنْتُ فِيهِمْ، فَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ فَحِصْنَا حَيْصَةً؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَجَاضُوا جَيْضَةً، وَالْحَيْصُ وَالْجَيْضُ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى
٧ ‏/ ٥٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٨٢] وَالَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِرَسُولِهِ ﷺ بِالنُّبُوَّةِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، يَقُولُ: وَأَدُّوا فَرَائِضَ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [النساء: ٥٧] يَقُولُهُ: سَوْفَ نُدْخِلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّهِ جَزَاءً بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ: يَعْنِي بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: ٥٧] يَقُولُ: “بَاقِينَ فِي هَذِهِ الْجَنَّاتِ الَّتِي
٧ ‏/ ٥٠٥
وَصَفَهَا أَبَدًا دَائِمًا. وَقَوْلُهُ ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾ [النساء: ١٢٢] يَعْنِي: عِدَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَقًّا، يَقِينًا صَادِقًا، لَا كَعِدَةِ الشَّيْطَانِ الْكَاذِبَةِ الَّتِي هِيَ غُرُورٌ مَنْ وَعَدَهَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَلَكِنْ عِدَةٌ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَكُونُ مِنْهُ الْكَذِبُ وَلَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ. وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَعْدَهُ بِالصِّدْقِ وَالْحَقِّ فِي هَذِهِ لِمَا سَبَقَ مِنْ خَبَرِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، عَنْ قَوْلِ الشَّيْطَانِ الَّذِي قَصَّهُ فِي قَوْلِهِ، وَقَالَ: ﴿لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾ [النساء: ١١٩] ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠] وَلَكِنَّ اللَّهَ يَعِدُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّهُ سَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، وَعْدًا مِنْهُ حَقًّا، لَا كَوَعْدِ الشَّيْطَانِ الَّذِي وَصَفَ صِفَتَهُ. فوَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْوَعْدَيْنِ وَالْوَاعِدِينَ وَأَخْبَرَ بِحُكْمِ أَهْلِ كُلِّ وَعْدٍ مِنْهُمَا تَنْبِيهًا مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلْقَهُ عَلَى مَا فِيهِ مَصْلَحُتُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ وَالْعَطَبِ، لِيَنْزَجِرُوا عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَيَعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ، فَيَفُوزُوا بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي جِنَانِهِ مِنْ ثَوَابِهِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ [النساء: ١٢٢] يَقُولُ: “وَمَنْ أَصْدَقُ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا: أَيْ لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلًا، فَكَيْفَ تَتْرُكُونَ الْعَمَلَ بِمَا وَعَدَكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ رَبُّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، وَتَكْفُرُونَ بِهِ، وَتُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنْ لَا أَحَدَ أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلًا، وَتَعْمَلُونَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ
٧ ‏/ ٥٠٦
الشَّيْطَانُ، رَجَاءً لِإِدْرَاكِ مَا يَعِدُكُمْ مِنْ عِدَاتِهِ الْكَاذِبَةِ وَأَمَانِيِّهِ الْبَاطِلَةِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ عِدَاتَهُ غُرُورٌ لَا صِحَّةَ لَهَا وَلَا حَقِيقَةَ، وَتَتَّخِذُونَهُ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَتَتْرُكُونَ أَنْ تُطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ، فَتَكُونُوا لَهُ أَوْلِيَاءَ؟ وَمَعْنَى الْقِيلِ وَالْقَوْلِ وَاحِدٌ
٧ ‏/ ٥٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٢٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ [النساء: ١٢٣] أَهْلُ الْإِسْلَامِ
٧ ‏/ ٥٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: تَفَاخَرَ النَّصَارَى وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ؛ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣]
٧ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء: ١٢٤]
٧ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «احْتَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ، وَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ أَهْدَى مِنْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ:»فَفَلَجَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء: ١٢٤] إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ “
٧ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ افْتَخَرُوا، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، نَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النساء: ١٢٥] فَأَفْلَجَ اللَّهُ حُجَّةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ “
٧ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «الْتَقَى نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَقَالَتِ الْيَهُودُ لِلْمُسْلِمِينَ: نَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، دِينُنَا قَبْلَ دِينِكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ عَلَى دِينِ ⦗٥٠٩⦘ إِبْرَاهِيمَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا. وَقَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا بَعْدَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا بَعْدَ نَبِيِّكُمْ، وَقَدْ أُمِرْتُمْ أَنْ تَتَّبِعُونَا وَتَتْرُكُوا أَمْرَكُمْ، فَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى دِينِنَا. فرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] ثُمَّ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النساء: ١٢٥]»
٧ ‏/ ٥٠٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] تَخَاصَمَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: كِتَابُنَا أَوَّلُ كِتَابٍ وَخَيْرُهَا، وَنَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ: لَا دِينَ إِلَّا دَيْنُ الْإِسْلَامِ، وَكِتَابُنَا نَسَخَ كُلَّ كِتَابٍ، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِكِتَابِنَا وَنُؤْمِنَ بِكِتَابِكُمْ. فقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] ثُمَّ خَيَّرَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، فَفَضَّلَ أَهْلَ الْفَضْلِ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء: ١٢٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥]
٧ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] إِلَى: ﴿وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩] تَحَاكَمَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَقَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: كِتَابُنَا خَيْرٌ مِنَ الْكُتُبِ، أُنْزِلَ قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ: لَا دِينَ إِلَّا الْإِسْلَامُ، كِتَابُنَا نَسَخَ كُلَّ كِتَابٍ، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأُمِرْتُمْ وَأُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِكِتَابِكُمْ، وَنَعْمَلَ بِكِتَابِنَا. فقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ﴾ [النساء: ١٢٣] بِهِ وَخَيَّرَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ فَقَالَ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥]
٧ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: جَلَسَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَأَهْلِ الْإِنْجِيلِ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣]، ثُمَّ خَصَّ اللَّهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء: ١٢٤]
٧ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «⦗٥١١⦘ جَلَسَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَأَهْلُ الْإِنْجِيلِ وَأَهْلُ الزَّبُورِ وَأَهْلُ الْإِيمَانِ، فَتَفَاخَرُوا، فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ، وَهَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَفْضَلُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٤]»
٧ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «افْتَخَرَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كِتَابُنَا خَيْرُ الْكُتُبِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ، وَنَبِيُّنَا أَكْرَمُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى اللَّهِ مُوسَى، كَلَّمَهُ اللَّهُ قُبُلًا، وَخَلَا بِهِ نَجِيًّا، وَدِينُنَا خَيْرُ الْأَدْيَانِ. وَقَالَتِ النَّصَارَى: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَاتَمُ الرُّسُلِ، وَآتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ مُوسَى لَاتَّبَعَهُ، وَدِينُنَا خَيْرُ الْأَدْيَانِ. وَقَالَتِ الْمَجُوسُ وَكُفَّارُ الْعَرَبِ: دِينُنَا أَقْدَمُ الْأَدْيَانِ وَخَيْرُهَا. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: مُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْفُرْقَانُ آخِرُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْكُتُبِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ، وَالْإِسْلَامُ خَيْرُ الْأَدْيَانِ. فخَيَّرَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ
٧ ‏/ ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «قُرَيْشٌ قَالَتْ: لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ»
٧ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: “قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ﴾ [النساء: ١٢٣] بِهِ
٧ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ. وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «قَالَتِ الْعَرَبُ: لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ؛ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١]، أَوْ قَالُوا ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة: ٨٠] شَكَّ أَبُو بِشْرٍ»
٧ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «قُرَيْشٌ وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣]»
٧ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ⦗٥١٣⦘: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالُوا لَهُ: يَا حُيَيُّ، إِنَّكُمْ أَصْحَابُ كُتُبٍ، فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٢] ثُمَّ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء: ١٢٤] رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ ﴿فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٤] قَالَ: «وَوَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَمْ يَعِدْ أُولَئِكَ، وَقَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٧]»
٧ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ﴾ [النساء: ١٢٣] بِهِ قَالَ: «قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَنْ نُبْعَثَ وَلَنْ نُعَذَّبَ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً
٧ ‏/ ٥١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] الْآيَةُ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ خَالَفُوا النَّبِيَّ ﷺ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، مَا قَالَ مُجَاهِدٌ مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ [النساء: ١٢٣] مُشْرِكِي قُرَيْشٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجْرِ لِأَمَانِيِّهِمْ ذِكْرٌ فِيمَا مَضَى مِنَ الْآيِ قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بَأَمَانِيِّكُمْ﴾ [النساء: ١٢٣] وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ أَمَانِيِّ نَصِيبِ الشَّيْطَانِ الْمَفْرُوضِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلِآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ﴾ [النساء: ١١٩] وَقَوْلُهُ: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ﴾ [النساء: ١٢٠] فَإِلْحَاقُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ [النساء: ١٢٣] بِمَا قَدْ جَرَى ذِكْرُهُ قَبْلُ أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنِ ادِّعَاءِ تَأْوِيلٍ فِيهِ، لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَلَا أَثَرَ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ، وَلَا إِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَنْ: لَيْسَ الْأَمْرُ بِأَمَانِيِّكُمْ يَا مَعْشَرَ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ الَّتِي يُمَنِّيكُمُوهَا وَلِيُّكُمْ عَدُوُّ اللَّهِ مِنْ إِنْقَاذِكُمْ مِمَّنْ أَرَادَكُمْ بِسُوءٍ، وَنَصَرْتُكُمْ عَلَيْهِ، وَإِظْفَارِكُمْ بِهِ، وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ قَالُوا اغْتِرَارًا بِاللَّهِ وَبِحِلْمِهِ عَنْهُمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وَلَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ مِنْكُمْ جَزَاءَ عَمَلِهِ، مَنْ يَعْمَلْ مِنْكُمْ سُوءًا، أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ يُجْزَ بِهِ، وَلَا يَجِدْ لَهُ
٧ ‏/ ٥١٤
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ﴾ [النساء: ١٢٣] مُشْرِكُو الْعَرَبِ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ وَعْدَ الشَّيْطَانِ مَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ، وَأَخْبَرَ بِحَالِ وَعْدِهِ الصَّادِقِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾ [النساء: ١٢٢] وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَ وَصْفِهِ وَعْدَ الشَّيْطَانِ أَوْلِيَاءَهُ، وَتَمْنِيَتِهِ إِيَّاهُمُ الْأَمَانِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿يَعْدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ﴾ [النساء: ١٢٠] كَمَا ذَكَرَ وَعْدَهُ إِيَّاهُمْ، فَالَّذِي هُوَ أَشْبَهُ أَنْ يُتْبِعَ تَمْنِيَتَهَ إِيَّاهُمْ مِنَ الصِّفَةِ، بِمِثْلِ الَّذِي أَتْبَعَ عِدْتَهُ إِيَّاهُمْ بِهِ مِنَ الصِّفَةِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] الْآيَةُ، إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ أَمَانِيِّ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَةٌ أَمَانِيُّهُمْ مَعَ سَيِّئِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ سُوءِ الْجَزَاءِ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَةٌ أَعْمَالُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ. وَإِنَّمَا ضَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] لِأَنَّ أَمَانِيَّ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ تَمْنِيَةِ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُمُ الَّتِي وَعَدَهُمُ أَنْ يُمَنِّيهُمُوهَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَأُضِلَنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ﴾ [النساء: ١١٩]
٧ ‏/ ٥١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالسُّوءِ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ يَرْتَكِبْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، يُجَازِهِ اللَّهُ بِهَا
٧ ‏/ ٥١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ زِيَادَ بْنَ الرَّبِيعِ، سَأَلَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَاكَ إِلَّا أَفْقَهَ مِمَّا أَرَى. النَّكْبَةُ وَالْعَوْدُ وَالْخَدْشُ “
٧ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] وَاللَّهِ إِنْ كَانَ كُلُّ مَا عَمِلْنَا جُزِينَا بِهِ هَلَكْنَا. قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ أَفْقَهَ مِمَّا أَرَى، لَا يُصِيبُ رَجُلًا خَدْشٌ وَلَا عَثْرَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ، حَتَّى اللَّدْغَةَ وَالنَّفْحَةَ “
٧ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ كَيْ أَسْأَلَهَا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَتْ: ذَاكَ مَا يُصِيبُكُمْ فِي الدُّنْيَا “
٧ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَالِدٌ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا تَبْلُغُ الْمُصِيبَاتُ؟ قَالَ: مَا تَكْرَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ يُجْزَ بِهِ»
٧ ‏/ ٥١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: “الْكَافِرُ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكُفُورَ﴾ [سبأ: ١٧] قَالَ: «مِنَ الْكُفَّارِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو هَمَّامٍ الْأَهْوَازِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] وَ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكُفُورَ﴾ [سبأ: ١٧] يَعْنِي بِذَلِكَ: الْكُفَّارَ، لَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الصَّلَاةِ “
٧ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: “وَاللَّهِ مَا جَازَى اللَّهُ عَبْدًا بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَّا عَذَّبَهُ، قَالَ: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ قَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوبٌ، وَلَكِنَّهُ غَفَرَهَا لَهُمْ، وَلَمْ يُجَازِهِمْ بِهَا، إِنَّ اللَّهَ لَا يُجَازِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِذَنْبٍ، إِذًا تُوبِقُهُ ذُنُوبُهُ»
٧ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ⦗٥١٨⦘: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَلَمْ يَعِدْ أُولَئِكَ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ»
٧ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ هَوَانَهُ؛ فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: ١٦]»
٧ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] يَعْنِي بِذَلِكَ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَكُفَّارَ الْعَرَبِ، وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى السُّوءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشِّرْكُ. قَالُوا: وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ يُجْزَ بِشَرِكِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا.
٧ ‏/ ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] يَقُولُ: “مَنْ يُشْرِكْ يُجْزَ بِهِ، وَهُوَ السُّوءُ ﴿وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٢٣] إِلَّا أَنْ يَتُوبَ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
٧ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «الشِّرْكُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ سُوءًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ، جُوزِيَ بِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ كُلَّ عَامِلِ سُوءٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَصَّ أَوْ يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَهِيَ عَلَى عُمُومِهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى خُصُوصِهَا وَلَا قَامَتْ حُجَّةٌ بِذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُجَازِيَ عَلَى مَا قَدْ وَعَدَ تَكْفِيرَهُ؟ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَعِدْ بِقَوْلِهِ: ﴿نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] تَرْكَ الْمُجَازَاةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا وَعَدَ التَّكْفِيرِ بِتَرْكِ الْفَضِيحَةِ مِنْهُ لِأَهْلِهَا فِي مَعَادِهِمْ، كَمَا فَضَحَ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ. فَأَمَّا إِذَا جَازَاهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهَا بِالْمَصَائِبِ لِيُكَفِّرَهَا عَنْهُمْ بِهَا لِيُوَافَوْهُ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْمُجَازَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا وَفَى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] وَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا ضَمِنَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [النساء: ٥٧] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٧ ‏/ ٥١٩
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَنَصَرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] شَقَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَلَغَتْ مِنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَبْلُغَ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا»
٧ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَا: ثنا يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الْحَارِثِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣]⦗٥٢١⦘ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ مَا نَعْمَلُ نُؤَاخَذُ بِهِ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ يُصِيبُكَ كَذَا وَكَذَا؟ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ»
٧ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ زِيَادٍ الْجَصَّاصِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ «مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا»
٧ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيَّةُ آيَةٍ؟» قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] فَمَا عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ، أَلَسْتَ تَحْزَنُ، أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟» قَالَ: «فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ»
٧ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الصَّلَاحُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ «أَلَسْتَ تُنْكَبُ؟» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: كَيْفَ الصَّلَاحُ؟ فَذَكَرَ نَحْوَهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْجَنْبِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَكُلُّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ؟ وَقَالَ أَيْضًا: «أَلَسْتَ تَمْرَضُ، أَلَسْتَ تَنْصِبَ، أَلَسْتَ تَحْزَنُ، أَلَيْسَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟» قَالَ: بَلَى. قَالَ: «هُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ»
٧ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا ⦗٥٢٣⦘ لَنُجْزَى بِكُلِّ شَيْءٍ نَعْمَلُهُ؟ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَنْصَبُ، أَلَسْتَ تَحْزَنُ، أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ فَهَذَا مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: ثني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ
٧ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَشَدَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الدُّنْيَا جَزَاءٌ»
٧ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْخَرَّازُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَشَدَّ. فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيُّ آيَةٍ؟» فَقُلْتُ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ﴾ [النساء: ١٢٣] بِهِ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُجَازَى بِأَسْوَأِ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا» ثُمَّ ذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْهُنَّ الْمَرَضُ وَالنُّصْبُ، فَكَانَ آخِرُهُ أَنْ ذَكَرَ النَّكْبَةَ، فَقَالَ: «كُلُّ ذِي عَمَلٍ يُجْزَ ى بِعَمَلِهِ يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا يُعَذَّبُ» فَقُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ ⦗٥٢٤⦘ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: ٨] فَقَالَ: «ذَاكَ عِنْدَ الْعَرْضِ، إِنَّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» وَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى أُصْبُعِهِ كَأَنَّهُ يَنْكُتُ “
٧ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُورٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمَيَّةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] وَ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ﴾ [النساء: ١٢٣] بِهِ قَالَتْ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْهَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، ذَاكَ مَثَابَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى وَالْكِبَرِ، وَالْبِضَاعَةِ يَضَعُهَا فِي كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا، فَيَفْزَعُ لَهَا فَيَجِدُهَا فِي كُمِّهِ، حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ مِنَ الْكِيرِ»
٧ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَعْلَمُ أَشَدَّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ. فَقَالَ: «مَا هِيَ يَا عَائِشَةُ؟» قُلْتُ: هِيَ هَذِهِ الْآيَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] فَقَالَ: «هُوَ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، حَتَّى النَّكْبَةَ يُنْكَبُهَا»
٧ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَشَدَّ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّكَ تَمْرَضُ، وَإِنَّكَ تَحْزَنُ، وَإِنَّكَ يُصِيبُكَ أَذًى، فَذَاكَ بِذَاكَ»
٧ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّمَا هِيَ الْمُصِيبَاتُ فِي الدُّنْيَا»
٧ ‏/ ٥٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونَ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٢٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَا يَجِدْ﴾ [النساء: ١٢٣] الَّذِي يَعْمَلُ سُوءًا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَخِلَافِ مَا أَمَرَهُ بِهِ ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣] يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ اللَّهِ وَسِوَاهُ ﴿وَلِيًّا﴾ [النساء: ٤٥] يَلِي ⦗٥٢٦⦘ أَمْرَهُ، وَيَحْمِي عَنْهُ مَا يَنْزِلُ بِهِ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ ﴿وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩] يَعْنِي: وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرُهُ مِمَّا يَحِلُّ بِهِ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ وَأَلِيمِ نَكَالِهِ
٧ ‏/ ٥٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: إِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَنْعَمُ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ، مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذُكُورِكُمْ وَإِنَاثِكُمْ، وَذُكُورِ عِبَادِي وَإِنَاثِهِمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي وَبِرَسُولِي مُحَمَّدٍ، مُصَدِّقٌ بِوَحْدَانِيَّتِي، وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِي، لَا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِي الْمُكَذِّبُونَ رَسُولِي، فَلَا تَطْمَعُوا أَنْ تَحِلُّوا وَأَنْتُمْ كُفَّارٌ مَحِلَّ الْمُؤْمِنِينَ بِي وَتَدْخُلُوا مَدَاخِلَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ وَأَنْتُمْ مُكَذِّبُونَ بِرَسُولِي. كَمَا:
٧ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء: ١٢٤] قَالَ: «أَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْإِيمَانَ إِلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْإِسْلَامَ إِلَّا بِالْإِحْسَانِ.» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِمْ مِقْدَارَ النُّقْرَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ فِي الْقِلَّةِ، فَيَكُفَّ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ. وَإِنَّمَا يُخْبِرُ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ أَنَّهُ لَا ⦗٥٢٧⦘ يَبْخَسُهُمْ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَلَكِنْ يُوَفِّيهِمْ ذَلِكَ كَمَا وَعَدَهُمْ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى النَّقِيرِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ١٢٤] قَالَ: «النَّقِيرُ: الَّذِي يَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ»
٧ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: «النَّقِيرُ: الَّذِي فِي وَسَطِ النَّوَاةِ» فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ دُخُولِ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ﴾ [النساء: ١٢٤] وَلَمْ يَقُلْ: وَمَنْ يَعْمَلِ الصَّالِحَاتِ؟ قِيلَ: لِدُخُولِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَنْ يُطِيقُوا أَنْ يَعْمَلُوا جَمِيعَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَأَوْجَبَ وَعْدَهُ لِمَنْ عَمِلَ مَا أَطَاقَ مِنْهَا وَلَمْ يَحْرِمْهُ مِنْ فَضْلِهِ بِسَبَبِ مَا عَجَزَتْ عَنْ عَمَلِهِ مِنْهَا قُوَاهُ. وَالْآخَرُ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَوْجَبَ وَعْدَهُ لِمَنِ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَأَدَّى الْفَرَائِضَ، وَإِنْ قَصَّرَ فِي بَعْضِ الْوَاجِبِ لَهُ عَلَيْهِ، تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ كَانَ الْفَضْلُ بِهِ أَوْلَى، وَالصَّفْحُ عَنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ أَحْرَى. وَقَدْ تَقُولُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا أُدْخِلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْحَذَفِ، وَيَتَأَوَّلُهُ: وَمَنْ يَعْمَلِ الصَّالِحَاتِ
٧ ‏/ ٥٢٧
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَذَلِكَ عِنْدِي غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا لِمَعْنًى، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا الْحَذَفُ
٧ ‏/ ٥٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء: ١٢٥] وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَهَذَا قَضَاءٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِالْفَضْلِ عَلَى سَائِرِ الْمِلَلِ غَيْرِهِ وَأَهْلِهَا، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا﴾ [النساء: ١٢٥] أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَصْوَبَ طَرِيقًا وَأَهْدَى سَبِيلًا ﴿مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٢٥] يَقُولُ: “مِمَّنِ اسْتَسْلَمَ وَجْهُهُ لِلَّهِ، فَانْقَادَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، مُصَدِّقًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ. ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [البقرة: ١١٢] يَعْنِي: وَهُوَ عَامِلٌ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، مُحَرِّمٌ حَرَامَهُ، وَمُحَلِّلٌ حَلَالَهُ. ﴿وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النساء: ١٢٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاتَّبِعِ الدِّينَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَأَمَرَ بِهِ بَنِيهِ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْصَاهُمْ بِهِ، حَنِيفًا يَعْنِي: مُسْتَقِيمًا عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي مَعْنَى الْحَنِيفِ وَالدَّلِيلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا الضَّحَّاكُ
٧ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: فَضَّلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ عَلَى كُلِّ دِينٍ، فَقَالَ: ﴿وَمَنُ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء: ١٢٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥] وَلَيْسَ ⦗٥٢٩⦘ يُقْبَلُ فِيهِ عَمَلٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةِ “
٧ ‏/ ٥٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء: ١٢٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَلِيًّا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مَعْنَى الْخَلَّةُ الَّتِي أُعْطِيَهَا إِبْرَاهِيمُ؟ قِيلَ: ذَلِكَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام الْعَدَاوَةُ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ، وَالْوَلَايَةُ فِي اللَّهِ وَالْحُبُّ فِيهِ، عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَعَانِي الْخَلَّةِ. وَأَمَّا مِنَ اللَّهِ لِإِبْرَاهِيمَ، فَنُصْرَتُهُ عَلَى مَنْ حَاوَلَهُ بِسُوءٍ، كَالَّذِي فَعَلَ بِهِ إِذْ أَرَادَهُ نَمْرُوذُ بِمَا أَرَادَهُ بِهِ مِنَ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، فَأَنْقَذَهُ مِنْهَا، وَأَعْلَى حَجَّتَهُ عَلَيْهِ إِذْ حَاجَّهُ، وَكَمَا فَعَلَ مَلِكُ مِصْرَ إِذْ أَرَادَهُ عَنْ أَهْلِهِ، وَتَمْكِينُهُ مِمَّا أَحَبَّ، وَتَصْيِيرُهُ إِمَامًا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ عِبَادِهِ وَقُدْوَةً لِمَنْ خَلَقَهُ فِي طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، فَذَلِكَ مَعْنَى مُخَالَّتِهِ إِيَّاهُ. وَقَدْ قِيلَ: سَمَّاهُ اللَّهُ خَلِيلًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَ أَهْلَ نَاحِيَتِهِ جَدْبٌ، فَارْتَحَلَ إِلَى خَلِيلٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، فِي امْتِيَارِ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ مِنْ قِبَلِهِ فَلَمْ يُصِبْ عِنْدَهُ حَاجَتَهُ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْلِهِ مَرَّ بِمَفَازَةٍ ذَاتِ رَمْلٍ، فَقَالَ: لَوْ مَلَأْتُ غَرَائِرِي مِنْ هَذَا الرَّمْلِ لِئَلَّا أَغُمَّ أَهْلِي بِرُجُوعِي إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مِيرَةٍ، وَلِيَظُنُّوا أَنِّي قَدْ أَتَيْتُهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ. ففَعَلَ ذَلِكَ، فَتَحَوَّلَ مَا فِي غَرَائِرِهِ مِنَ الرَّمْلِ دَقِيقًا، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ نَامَ وَقَامَ أَهْلُهُ، فَفَتَحُوا الْغَرَائِرَ فَوَجَدُوا دَقِيقًا، فَعَجَنُوا مِنْهُ وَخَبَزُوا، فَاسْتَيْقَظَ فَسَأَلَهُمْ عَنِ الدَّقِيقِ الَّذِي مِنْهُ خَبَزُوا، فَقَالُوا: مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ خَلِيلِكَ، فَعَلِمَ، فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ مِنْ خَلِيلِي اللَّهِ. قَالُوا: فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ خَلِيلًا
٧ ‏/ ٥٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا لِطَاعَتِهِ رَبَّهُ، وَإِخْلَاصِهِ الْعِبَادَةَ لَهُ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ، لَا مِنْ حَاجَةٍ بِهِ إِلَيْهِ وَإِلَى خُلَّتِهِ، وَكَيْفَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَإِلَى خُلَّتِهِ، وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ مُلْكًا، وَالْمَالِكُ الَّذِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ مُلْكِهِ دُونَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، فَكَذَلِكَ حَاجَةُ إِبْرَاهِيمَ إِلَيْهِ، لَا حَاجَتُهُ إِلَيْهِ، فَيَتَّخِذُهُ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا لِمُسَارَعَتِهِ إِلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ. يَقُولُ: فَكَذَلِكَ فَسَارِعُوا إِلَى رِضَايَ وَمَحَبَّتِي لَاتَّخِذَكُمْ لِي أَوْلِيَاءَ. ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ [النساء: ١٢٦] وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ مُحِصِيًا لِكُلِّ مَا هُوَ فَاعِلُهُ عِبَادُهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، عَالِمًا بِذَلِكَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
٧ ‏/ ٥٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٢٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ [النساء: ١٢٧] وَيَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ أَصْحَابُكَ أَنْ تُفْتِيَهُمْ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، وَالْوَاجِبِ لَهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ. فَاكْتَفَى بِذِكْرِ النِّسَاءِ مِنْ ذِكْرِ شَأْنِهِنَّ، لِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ. ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، يَعْنِي فِي النِّسَاءِ. ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧]
٧ ‏/ ٥٣٠
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٢٧] قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، قَالُوا: وَالَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ هُوَ آيَاتُ الْفَرَائِضِ، الَّتِي فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ
٧ ‏/ ٥٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْمَوْلُودَ حَتَّى يِكْبُرَ، وَلَا يُوَرِّثُونَ الْمَرْأَةَ؛ فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ قَالَ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فِي الْفَرَائِضِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُنَّ»
٧ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَتْ: هَذَا فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ شَرِيكَتَهُ فِي مَالِهِ، وَهُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَنْكِحَهَا وَيَعْضِلُهَا لِمَالِهَا وَلَا يُنْكِحُهَا غَيْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشْرَكَهُ أَحَدٌ فِي مَالِهَا “
٧ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ النِّسَاءَ وَالصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ١٢٧] فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْفَرَائِضِ “
٧ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْيَتِيمَةَ وَلَا يُنْكِحُونَهَا وَيَعْضِلُونَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ “
٧ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ الْآيَةُ، قَالَ: كَانَ لَا يَرِثُ إِلَّا الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ بَلَغَ، لَا يَرِثُ الرَّجُلُ الصَّغِيرُ، وَلَا الْمَرْأَةُ؛ فَلَمَّا نَزَلَتْ ⦗٥٣٣⦘ آيَةُ الْمَوَارِيثِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَقَالُوا: يَرِثُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْمَلُ فِي الْمَالِ وَلَا يَقُومُ فِيهِ، وَالْمَرْأَةُ هِيَ كَذَلِكَ فَيَرِثَانِ كَمَا يَرِثُ الرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي الْمَالِ. فرَجَوْا أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَانْتَظَرُوا فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَأْتِي حَدَثٌ، قَالُوا: لَئِنْ تَمَّ هَذَا إِنَّهُ لَوَاجِبٌ مَا مِنْهُ بُدٌّ، ثُمَّ قَالُوا: سَلُوا. فسَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ الْوَلِيِّ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبَ فِيهَا وَنَكَحَهَا وَاسْتَأْثَرَ بِهَا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ أَنْكَحَهَا وَلَمْ يُنْكِحْهَا “
٧ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانُوا إِذَا كَانَتِ الْجَارِيَةُ يَتِيمَةً دَمِيمَةً لَمْ يُعْطُوهَا مِيرَاثَهَا وَحَبَسُوهَا عَنِ التَّزْوِيجِ حَتَّى تَمُوتَ، فَيَرِثُوهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا»
٧ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ⦗٥٣٤⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ بِهَا الدَّمَامَةُ وَالْأَمْرُ الَّذِي يُرْغَبُ عَنْهَا فِيهِ وَلَهَا مَالٌ، قَالَ: فَلَا يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثَهَا، قَالَ: فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ»
٧ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ عِنْدَ وَلِيٍّ يَرْغَبُ عَنْهَا حَبَسَهَا إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَتَزَوَّجُهَا»
٧ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ شَيْئًا، كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَغْزُونَ وَلَا يَغْنَمُونَ خَيْرًا، فَفَرَضَ اللَّهُ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ حَقًّا وَاجِبًا، لِيَتَنَافَسَ أَوْ لِيَنْفُسَ الرَّجُلُ فِي مَالِ يَتِيمَتِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَنَةً» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
٧ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] يَعْنِي الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتَرَضَ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانَتِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ، فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا، أَوْ يُجَامِعَهَا وَلَا يُعْطِيَهَا مَالَهَا، رَجَاءَ أَنْ تَمُوتَ فَيَرِثَهَا، وَإِنْ مَاتَ لَهَا حَمِيمٌ لَمْ تُعْطَ مِنَ الْمِيرَاثِ شَيْئًا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ»
٧ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] فَكَانَ الرَّجُلُ تَكُونُ فِي حِجْرِهِ الْيَتِيمَةُ بِهَا دَمَامَةٌ وَلَهَا مَالٌ، فَكَانَ يَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَحْبِسَهَا لِمَالِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ “
٧ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانَتِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ فِيهَا دَمَامَةٌ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَنْكِحَهَا، وَلَا يُنْكِحَهَا رَغْبَةً فِي مَالِهَا»
٧ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] إِلَى قَوْلِهِ: بِالْقِسْطِ قَالَ: «كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ السُّلَمِيُّ لَهُ ابْنَةُ عَمٍّ عَمْيَاءُ، وَكَانَتْ دَمِيمَةً، وَكَانَتْ قَدْ وَرِثَتْ عَنْ أَبِيهَا مَالًا، فَكَانَ جَابِرٌ يَرْغَبُ عَنْ نِكَاحِهَا وَلَا يُنْكِحُهَا رَهْبَةً أَنْ يَذْهَبَ الزَّوْجُ بِمَالِهَا، فَسَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَ نَاسٌ فِي حُجُورِهِمْ جَوَارٍ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ، فَجَعَلَ جَابِرٌ يَسْأَلُ النَّبِيَّ ﷺ، أَتَرِثُ الْجَارِيَةُ إِذَا كَانَتْ قَبِيحَةً عَمْيَاءَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ» نَعَمْ «، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ هَذَا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ
٧ ‏/ ٥٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الْوِلْدَانَ حَتَّى ⦗٥٣٧⦘ يَحْتَلِمُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ [النساء: ١٢٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: “وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: ١٧٦] الْآيَةَ كُلَّهَا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ، يَعْنِي فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣]
٧ ‏/ ٥٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا، تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيَهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. قَالَ ⦗٥٣٨⦘ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَتْ: وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْلَى فِي الْكِتَابِ الْآيَةُ الْأُولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَهُ. فَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٢٧] فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِمَعْنَى الْعَطْفِ عَلَى الْهَاءِ وَالنُّونِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ الْآيَةِ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي النِّسَاءِ، وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ، وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ سَأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، وَتَرَكُوا الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَشْيَاءَ أُخَرَ كَانُوا يَفْعَلُونَهَا، فَأَفْتَاهُمُ اللَّهُ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ وَفِيمَا تَرَكُوا الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ
٧ ‏/ ٥٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ سُفْيَانُ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «اسْتَفْتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ فِي النِّسَاءِ، وَسَكَتُوا عَنْ شَيْءٍ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، فَأَنْزَلَهُ اللَّهُ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] وَيُفْتِيكُمْ فِيمَا لَمْ تَسْأَلُوا عَنْهُ. قَالَ: كَانُوا لَا يَتَزَوَّجُونَ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَ بِهَا دَمَامَةٌ، وَلَا يَدْفَعُونَ إِلَيْهَا مَالَهَا فَتُنْفِقَ، فَنَزَلَتْ: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ:»وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ. قَالَ: كَانُوا يُوَرِّثُونَ الْأَكَابِرَ وَلَا يُوَرِّثُونَ الْأَصَاغِرَ، ثُمَّ أَفْتَاهُمْ فِيمَا سَكَتُوا عَنْهُ، فَقَالَ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨]، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْمُثَنَّى ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْنَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٢٧] ﴿وَإِنِ
٧ ‏/ ٥٣٩
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] الْآيَةُ، وَالَّذِي سَأَلَ الْقَوْمُ فَأُجِيبُوا عَنْهُ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي كَانُوا لَا يُؤْتُونَهُنَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ عَمَّنْ وَرَثَتْهُ عَنْهُ. وأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ آيَاتِ الْفَرَائِضِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَآخِرِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ مِمَّا كُتِبَ لِلنِّسَاءِ إِلَّا بِالنِّكَاحِ، فَمَا لَمْ تُنْكَحْ فَلَا صَدَاقَ لَهَا قِبَلَ أَحَدٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهَا قِبَلَ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ مِمَّا كُتِبَ لَهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا كُتِبَ لَهَا، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِلٍ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] الْإِقْسَاطَ فِي صَدَقَاتِ يَتَامَى النِّسَاءِ وَجْهٌ، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مُبَيِّنًا عَنِ الْفُتْيَا الَّتِي وَعَدَنَا أَنْ يُفْتِينَاهَا فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ، فَأَخْبَرَ أَنَّ بَعْضَ الَّذِي يُفْتِينَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ أَمْرُ الْيَتِيمَةِ الْمَحُولِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا، وَالصَّدَاقُ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَيْسَ مِمَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا عَلَى أَحَدٍ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الَّتِيَ عُنِيَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الَّتِي قَدْ حِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّذِي كُتِبَ لَهَا مِمَّا يُتْلَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمِيرَاثُ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّهُ لَهُنَّ فِي كِتَابِهِ. فَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، فَإِنَّهُ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلَ، بَعِيدٌ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الَّذِيَ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧] هُوَ ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ صَارَ الْكَلَامُ مُبْتَدَأً مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] تَرْجَمَةً بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ ﴿فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] وَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ، وَلَا أَثَرَ عَمَّنْ يَعْلَمُ بِقَوْلِهِ صِحَّةَ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ وَصْلُ مَعَانِي الْكَلَامِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ. فَإِذَا كَانَ
٧ ‏/ ٥٤٠
الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَقَوْلُهُ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: ١٢٧] بِأَنْ يَكُونَ صِلَةً لِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٢٧] أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ تَرْجَمَةً عَنْ قَوْلِهِ: ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] لِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٧]، وَانْقِطَاعِهِ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي أَمْرِ يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُعْطُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ، يَعْنِي: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ عَمَّنْ وَرِثْنَهُ. ⦗٥٤٢⦘ كَمَا:
٧ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «لَا تُوَرِّثُونَهُنَّ»
٧ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «مِنَ الْمِيرَاثِ، قَالَ: كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ»
٧ ‏/ ٥٤٢
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرْغَبُونَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ آخَرِينَ لَمْ نَذْكُرْهُمْ
٧ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ السَّامِيُّ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ،﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «تَرْغَبُونَ عَنْهُنَّ» حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ ⦗٥٤٣⦘ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ عُرْوَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرْغَبُونَ فِي نِكَاحِهِنَّ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلُ، وَنَحْنُ ذَاكِرُو قَوْلَ مَنْ لَمْ نَذْكُرْ مِنْهُمْ
٧ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبِيدَةَ: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ،﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «وَتَرْغَبُونَ فِيهِنَّ»
٧ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «تَرْغَبُونَ فِيهِنَّ»
٧ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ فَيُلْقِي عَلَيْهَا ثَوْبَهُ، فَإِذَا فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَبَدًا، فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَهَوِيَهَا تَزَوَّجَهَا وَأَكَلَ مَالَهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَمِيمَةً مَنَعَهَا الرَّجُلُ أَبَدًا حَتَّى تَمُوتَ فَإِذَا مَاتَتْ وَرِثَهَا، ⦗٥٤٤⦘ فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرْغَبُونَ عَنْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، لِأَنَّ حَبْسَهُمْ أَمْوَالَهُنَّ عَنْهُنَّ، مَعَ عِضَلِهِمْ إِيَّاهُنَّ إِنَّمَا كَانَ لِيَرِثُوا أَمْوَالَهُنَّ دُونَ زَوْجٍ إِنْ تَزَوَّجْنَ. وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ حُبِسُوا عَنْهُنَّ أَمْوَالَهُنَّ إِنَّمَا حَبَسُوهَا عَنْهُنَّ رَغْبَةً فِي نِكَاحِهِنَّ، لَمْ يَكُنْ لِلْحَبْسِ عَنْهُنَّ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَوْلِيَاءَهُنَّ، وَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ نِكَاحِهِنَّ مَانِعٌ فَيَكُونُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى حَبْسِ مَالِهَا عَنْهَا لِيَتَّخِذَ حَبْسَهَا عَنْهَا سَبَبًا إِلَى إِنْكَاحِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ
٧ ‏/ ٥٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٢٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَفِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ، وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ، وَفِي أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَمَّنْ قَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيمَا مَضَى، وَالَّذِي أَفْتَاهُمْ فِي أَمْرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ أَنْ يُؤْتُوهُمْ حُقُوقَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقْسِطُوا فِيهِمْ فَيَعْدِلُوا وَيُعْطُوهُمْ فَرَائِضَهُمْ عَلَى مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ. ⦗٥٤٥⦘ كَمَا:
٧ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾ [النساء: ١٢٧] كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ جَارِيَةً وَلَا غُلَامًا صَغِيرًا، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ. وَالْقِسْطُ: أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ مِنْهُمْ حَقَّهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، الصَّغِيرُ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ “
٧ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: “لَا تُوَرِّثُونَهُنَّ مَالًا ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «فَدَخَلَ النِّسَاءُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِي الْمَوَارِيثِ، وَنَسَخَتِ الْمَوَارِيثُ ذَلِكَ الْأَوَّلَ»
٧ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٢٧] أُمِرُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ: بِالْعَدْلِ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي ⦗٥٤٦⦘ مَالِكٍ: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٢٧] قَالَ: «كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ إِلَّا الْأَكْبَرَ فَالْأَكْبَرَ»
٧ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ﴾ [النساء: ١٢٧] فَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ وَلَا الْبَنَاتِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ لِكُلِّ ذِي سَهْمٍ سَهْمَهُ، فَقَالَ: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا “
٧ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٢٧] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ الصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ شَيْئًا، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ “
٧ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ إِذَا جَاءَهُ وَلِيُّ الْيَتِيمَةِ فَإِنْ كَانَتْ حَسَنَةً غَنِيَّةً قَالَ لَهُ عُمَرُ: «زَوِّجْهَا غَيْرَكَ، وَالْتَمِسْ لَهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. وَإِذَا كَانَتْ بِهَا دَمَامَةٌ ⦗٥٤٧⦘ وَلَا مَالَ لَهَا، قَالَ: تَزَوَّجْهَا فَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا»
٧ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَمْرِي، وَمَا أَمْرُ يَتِيمَتِي؟ قَالَ: فِي أَيٍّ بَالُكُمَا؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: أَمُتَزَوِّجُهَا أَنْتَ غَنِيَّةً جَمِيلَةً؟ قَالَ: نَعَمْ وَالْإِلَهِ. قَالَ: فَتَزَوَّجْهَا دَمِيمَةً لَا مَالَ لَهَا. ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: «تَزَوَّجْهَا إِنْ كُنْتَ خَيْرًا لَهَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرُكَ خَيْرًا لَهَا فَأَلْحِقْهَا بِالْخَيْرِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقِيَامُهُمْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ كَانَ الْعَدْلَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ فِيهِمْ
٧ ‏/ ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٢٧] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عَدْلٍ فِي أَمْوَالِ ⦗٥٤٨⦘ الْيَتَامَى الَّتِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَقُومُوا فِيهِمْ بِالْقِسْطِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ، وَفِي غَيْرِهِ، وَإِلَى طَاعَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا لَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْكُمْ، وَهُوَ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْكُمْ، حَافِظٌ لَهُ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٧ ‏/ ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٢٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا﴾ [النساء: ١٢٨] يَقُولُ: “عَلِمَتْ مِنْ زَوْجِهَا ﴿نُشُوزًا﴾ [النساء: ١٢٨] يَعْنِي اسْتِعْلَاءً بِنَفْسِهِ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، أَثَرَةً عَلَيْهَا، وَارْتِفَاعًا بِهَا عَنْهَا، إِمَّا لِبُغْضَةٍ، وَإِمَّا لِكَرَاهَةٍ مِنْهُ بَعْضَ أَشْيَاءَ بِهَا، إِمَّا دَمَامَتُهَا، وَإِمَّا سِنُّهَا وَكِبَرُهَا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهَا. ﴿أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] يَعْنِي: انْصِرَافًا عَنْهَا بِوَجْهِهِ أَوْ بِبَعْضِ مَنَافِعِهِ، الَّتِي كَانَتْ لَهَا مِنْهُ. ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ [النساء: ١٢٨] يَقُولُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمَا، يَعْنِي: عَلَى الْمَرْأَةِ الْخَائِفَةِ نُشُوزَ بَعْلِهَا أَوْ إِعْرَاضَهِ عَنْهَا، أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، وَهُوَ أَنْ تَتْرُكَ
٧ ‏/ ٥٤٨
لَهُ يَوْمَهَا، أَوْ تَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ الْوَاجِبِ لَهَا مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ، تَسْتَعْطِفُهُ بِذَلِكَ، وَتَسْتَدِيمُ الْمَقَامَ فِي حِبَالِهِ، وَالتَّمَسُّكَ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مِنَ النِّكَاحِ، يَقُولُ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨] يَعْنِي: وَالصُّلْحُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ اسْتِدَامَةً لِلْحُرْمَةِ، وَتَمَاسُكًا بِعَقْدِ النِّكَاحِ، خَيْرٌ مِنْ طَلَبِ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدٍ بْنِ عَرْعَرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عَلِيًّا رضي الله عنه يَسْتَفْتِيهِ فِي امْرَأَةٍ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا، فَقَالَ: قَدْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَتَنْبُو عَيْنَاهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَتِهَا أَوْ كِبَرِهَا أَوْ سُوءِ خُلُقِهَا أَوْ فَقْرِهَا، فَتَكْرَهُ فِرَاقَهُ، فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ مَهْرِهَا شَيْئًا حَلَّ لَهُ، وَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامِهَا شَيْئًا فَلَا حَرَجَ “
٧ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدٍ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا﴾ [النساء: ١٢٨] أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا قَالَ: «الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ أَوِ الدَّمِيمَةُ أَوْ لَا يُحِبُّهَا زَوْجُهَا فَيَصْطَلِحَانِ» ⦗٥٥٠⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو الْأَحْوَصِ، كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدٍ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه بِنَحْوِهِ
٧ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدٍ بْنِ عَرْعَرَةَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا “﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ دَمِيمَةً فَتَنْبُو عَيْنُهُ مِنْ دَمَامَتِهَا أَوْ كِبَرِهَا، فَإِنْ جَعَلَتْ لَهُ مِنْ أَيَّامِهَا أَوْ مَالِهَا شَيْئًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاحٌ»
٧ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ آيَةٍ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَسَأَلَهُ آخَرُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] فَقَالَ: عَنْ مِثْلِ هَذَا فَسَلُوا. ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، فَيَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ يَلْتَمِسُ وَلَدَهَا، فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ “
٧ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ ⦗٥٥١⦘ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ حَتَّى تَكْبَرَ، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَيَتَصَالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، عَنْ أَنَّ لَهَا يَوْمًا وَلِهَذِهِ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَتَّى تَلِدَ أَوْ تَكْبَرَ، وَقَالَ أَيْضًا: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا عَلَى لَيْلَةٍ، وَالْأُخْرَى لَيْلَتَيْنِ “
٧ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ قَدْ طَالَتْ صُحْبَتُهَا وَكَبِرَتْ، فَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهَا فَتَكْرَهُ أَنْ تُفَارِقَهُ، فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا، فَيَصَّالَحَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهَا أَيَّامًا، وَلِلْأُخْرَى الْأَيَّامَ وَالشَّهْرَ»
٧ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَيُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْسِمَ لَكِ بِمِثْلِ مَا أَقْسِمُ لَهَا، فَتُصَالِحُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا ⦗٥٥٢⦘ فِي الْأَيَّامِ يَوْمٌ، فَيَتَرَاضَيَانِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونَانِ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ»
٧ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَتْ هَذَا فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَلَعَلَّهُ لَا يَكُونُ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ لَهَا وَلَدٌ وَلَهَا صُحْبَةٌ، فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي “
٧ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَتْ: هَذَا الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ امْرَأَتَانِ: إِحْدَاهُمَا قَدْ عَجَزَتْ، أَوْ هِيَ دَمِيمَةٌ لَا يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَتَقُولُ، لَا تُطَلِّقْنِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ شَأْنِي «حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ»
٧ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] فَتِلْكَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لَا يَرَى مِنْهَا كَثِيرَ مَا يُحِبُّ، وَلَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَيُؤْثِرُهَا عَلَيْهَا، فَأَمَرَهُ اللَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: يَا هَذِهِ، إِنْ شِئْتِ أَنْ تُقِيمِي عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنَ الْأَثَرَةِ فَأُوَاسِيكِ وَأُنْفِقَ عَلَيْكَ فَأَقِيمِي، وَإِنْ كَرِهْتَ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ. فَإِنْ هِيَ رَضِيَتْ أَنْ تُقِيمَ بَعْدَ أَنْ يُخَيِّرَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلَهُ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨] وَهُوَ التَّخْيِيرُ “
٧ ‏/ ٥٥٣
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا دَخَلَتْ فِي السِّنِّ، فَتَجْعَلُ يَوْمَهَا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى، قَالَتْ: فَفِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ [النساء: ١٢٨]
٧ ‏/ ٥٥٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مَعَ زَوْجِهَا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتُصَالِحَهَ مِنْ يَوْمِهَا عَلَى صُلْحٍ. قَالَ: فَهُمَا عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ، فَإِنِ انْتَقَضَتْ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ عَلَيْهَا أَوْ يُفَارِقَهَا» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ
٧ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: يُصَالِحُهَا عَلَى مَا رَضِيَتْ دُونَ حَقِّهَا، فَلَهُ ذَلِكَ مَا رَضِيَتْ، فَإِذَا أَنْكَرَتْ أَوْ قَالَتْ: غِرْتُ، فَلَهَا أَنْ يَعْدِلَ عَلَيْهَا أَوْ يُرْضِيَهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا “
٧ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨]⦗٥٥٥⦘ قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، فَتُصَالِحُهُ عَنْ حَقِّهَا عَلَى شَيْءٍ، فَهُوَ لَهُ مَا رَضِيَتْ، فَإِذَا كَرِهَتْ، فَلَهَا أَنْ يَعْدِلَ عَلَيْهَا أَوْ يُرْضِيَهَا مِنْ حَقِّهَا، أَوْ يُطَلِّقَهَا»
٧ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا﴾ [النساء: ١٢٨] فَذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ سَخِطَتْ فَلَهُ أَنْ يُرْضِيَهَا، أَوْ يُوفِيَهَا حَقَّهَا كُلَّهُ، أَوْ يُطَلِّقَهَا “
٧ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: «إِذَا شَاءَتْ كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا، وَإِنْ شَاءَتْ أَبَتْ، فَرَدَّتِ الصُّلْحَ فَذَاكَ بِيَدِهَا، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا عَلَى حَقِّهَا»
٧ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «قَالَ عَلِيُّ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ الزَّمَانَ الْكَثِيرَ، فَتَخَافُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَتُصَالِحَهُ عَلَى صُلْحِ مَا شَاءَ وَشَاءَتْ، يَبِيتُ عِنْدَهَا فِي كَذَا وَكَذَا لَيْلَةٍ، وَعِنْدَ أُخْرَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهَا دُونَ مَا كَانَتْ؛ وَمَا صَالَحَتْهُ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ»
٧ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَيُرِيدُ ⦗٥٥٦⦘ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا، فَإِذَا خَافَتْ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، تَدَعُ مِنْ أَيَّامِهَا إِذَا تَزَوَّجَ»
٧ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨] هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، فَيَنْكِحُ عَلَيْهَا الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ، فَيُكْرَهُ أَنْ يُفَارِقَ أُمَّ وَلَدِهِ، فَيُصَالِحَهَا عَلَى عَطِيَّةٍ مِنْ مَالِهِ وَنَفْسِهِ، فَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ الصُّلْحُ “
٧ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٢٨] وَهَذَا فِي الرَّجُلِ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا وَهَانَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَمْرِهَا، فَيَقُولُ: إِنْ كُنْتِ رَاضِيَةً مِنْ نَفْسِي وَمَالِي بِدُونِ مَا كُنْتِ تَرْضَيْنَ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَإِنِ اصْطَلَحَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فَقَدْ أُحِلَّ لَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَتَ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا عَلَى الْخَسْفِ “
٧ ‏/ ٥٥٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ⦗٥٥٧⦘ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ قَدْ خَلَا مِنْ سِنِّهَا، فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا شَابَّةً، فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا، فَأَبَتِ امْرَأَتُهُ الْأُولَى أَنْ تُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، حَتَّى إِذَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِهَا يَسِيرٌ، قَالَ: إِنْ شِئْتِ رَاجَعْتُكِ وَصَبَرْتِ عَلَى الْأَثَرَةِ، وَإِنْ شِئْتِ تَرَكْتُكِ حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُكَ. قَالَتْ: بَلْ رَاجِعْنِي وَأَصْبِرُ عَلَى الْأَثَرَةِ. فَرَاجَعَهَا، ثُمَّ آثَرَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَصْبِرْ عَلَى الْأَثَرَةِ فَطَلَّقَهَا أُخْرَى، وَآثَرَ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ. قَالَ: فَذَلِكَ الصُّلْحُ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ فِيهِ، فَإِنْ أَضَرَّ بِهَا الثَّالِثَةَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُوفِيَهَا حَقَّهَا، أَوْ يُطَلِّقَهَا
٧ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٥٥٨⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ كَبِيرَةٌ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَبْدِلَ امْرَأَةً شَابَّةً وَضِيئَةً، فَقَرِّي عَلَى وَلَدِكِ، فَلَا أَقْسِمُ لَكِ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. فَذَلِكَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ»
٧ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: ﴿مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، قَالَ شِبْلٌ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنْ كَانَتْ لَكَ امْرَأَةٌ فَتَقْسِمُ لَهَا، وَلَمْ تَقْسِمْ لِهَذِهِ؟ قَالَ: إِذَا صَالَحَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ “
٧ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جُبَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَامِرًا عَنِ الرَّجُلِ، تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي، وَاقْسِمْ لِي يَوْمًا، وَلِلَّتِي تَزَوَّجَ يَوْمَيْنِ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ هُوَ صُلْحٌ “
٧ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «الْمَرْأَةُ تَرَى مِنْ زَوْجِهَا بَعْضَ الْجَفَاءِ وَتَكُونُ قَدْ كَبِرَتْ، أَوْ لَا تَلِدُ، فَيُرِيدُ زَوْجُهَا أَنْ يَنْكِحَ غَيْرَهَا فَيَأْتِيَهَا، فَيَقُولَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً شَابَّةً أَنْسَبُ مِنْكِ، لَعَلَّهَا أَنْ تَلِدَ لِي وَأُوثِرَهَا فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ. فَإِنْ ⦗٥٥٩⦘ رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَإِلَّا طَلَّقَهَا، فَيَصْطَلِحَانِ عَلَى مَا أَحَبَّا»
٧ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «نُشُوزًا عَنْهَا، غَرِضَ بِهَا الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَتَانِ، أَوْ إِعْرَاضًا بِتَرْكِهَا ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ [النساء: ١٢٨] إِمَّا أَنْ يُرْضِيَهَا فَتُحْلِلَهَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَهُ فَتَعْطِفَهُ عَلَى نَفْسِهَا»
٧ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] يَعْنِي: الْبُغْضَ “
٧ ‏/ ٥٥٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] فَهُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ، فَيَمِيلُ إِلَيْهَا، وَتَكُونُ أَعْجَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْكَبِيرَةِ، فَيُصَالِحُ الْكَبِيرَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ مَالِهِ، وَيَقْسِمَ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ نَصِيبًا مَعْلُومًا “
٧ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَزَيْدُ بْنُ أَخْرَمَ، قَالَا: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي عَلَى نِسَائِكَ، وَلَا تَقْسِمْ لِي. ففَعَلَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] ” وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ، بِمَعْنَى: أَنْ يَتَصَالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا، ثُمَّ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ فَصُيِّرَتَا صَادًا مُشَدَّدَةً. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ [النساء: ١٢٨] بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ، بِمَعْنَى: أَصْلَحَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بَيْنَهَا. وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (إِلَّا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ، بِمَعْنَى: يَتَصَالَحَا، لِأَنَّ التَّصَالُحَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَشْهُرُ وَأَوْضَحُ مَعْنًى وَأَفْصَحُ وَأَكْثَرُ عَلَى أَلسُنِ الْعَرَبِ مِنَ الْإِصْلَاحِ، وَالْإِصْلَاحُ فِي ⦗٥٦١⦘ خِلَافِ الْإِفْسَادِ أَشْهُرُ مِنْهُ فِي مَعْنَى التَّصَالُحِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿صُلْحًا﴾ [النساء: ١٢٨] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿يُصْلِحَا﴾ [النساء: ١٢٨] بِضَمِّ الْيَاءِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الصُّلْحَ اسْمٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾ [النساء: ١٢٨]
٧ ‏/ ٥٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٢٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ الشُّحَّ عَلَى أَنْصِبَائِهِنَّ مِنْ أَنْفَسِ أَزْوَاجِهِنَّ وَأَمْوَالِهِنَّ
٧ ‏/ ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «نَصِيبَهَا مِنْهَا»
٧ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَا جَمِيعًا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «فِي الْأَيَّامِ»
٧ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ⦗٥٦٢⦘ عَنْ عَطَاءٍ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ»
٧ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «فِي النَّفَقَةِ»
٧ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا رَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «فِي النَّفَقَةِ»
٧ ‏/ ٥٦٢
وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «فِي الْأَيَّامِ»
٧ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «نَفْسُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَصِيبِهَا مِنْ زَوْجِهَا مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «فِي النَّفَقَةِ»
٧ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ ⦗٥٦٣⦘ بْنِ الْأَخْنَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ»
٧ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ»
٧ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «الْمَرْأَةُ تَشِحُّ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا وَنَفْسِهِ»
٧ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَتِ الْمَرْأَةُ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَتْ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَقْسِمَ لِي مِنْ نَفْسِكَ. وَقَدْ كَانَتْ رَضِيَتْ أَنْ يَدَعَهَا فَلَا يُطَلِّقَهَا وَلَا يَأْتِيَهَا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨]
٧ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «تَطَّلَّعُ نَفْسُهَا إِلَى زَوْجِهَا وَإِلَى نَفَقَتِهِ. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِي سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ كَانَتْ ⦗٥٦٤⦘ قَدْ كَبِرَتْ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَجْعَلَ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، فَشَحَّتْ بِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأُحْضِرَتْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الشُّحَّ بِحَقِّهِ قِبَلَ صَاحِبِهِ
٧ ‏/ ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] قَالَ: «لَا تَطِيبُ نَفْسَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا فَتُحَلِّلَهُ، وَلَا تَطِيبُ نَفْسُهَا أَنْ تُعْطِيَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا، فَتَعْطِفَهُ عَلَيْهَا» . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: أُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ الشُّحَّ بِأَنْصِبَائِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ فِي الْأَيَّامِ وَالنَّفَقَةِ. وَالشُّحُّ: الْإِفْرَاطُ فِي الْحِرْصِ عَلَى الشَّيْءِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إِفْرَاطُ حِرْصِ الْمَرْأَةِ عَلَى نَصِيبِهَا مِنْ أَيَّامِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَنَفَقَتِهَا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ أَهْوَاءَهُنَّ مِنْ فَرْطِ الْحِرْصِ عَلَى حُقُوقِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، وَالشُّحُّ بِذَلِكَ عَلَى ضَرَائِرِهِنَّ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الشُّحِّ، ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
٧ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] وَالشُّحُّ: هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ «⦗٥٦٥⦘ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفَسُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الشُّحَّ، عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، لِأَنَّ مُصَالَحَةَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهَا مِنْ مَالِهِ جَعْلًا عَلَى أَنْ تَصْفَحَ لَهُ عَنِ الْقَسْمِ لَهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَاضٍ عِوَضًا مَنْ جَعْلِهِ الَّذِي بَذَلَهُ لَهَا، وَالْجُعْلُ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى عِوَضٍ: إِمَّا عَيْنٍ، وَإِمَّا مَنْفَعَةٍ، وَالرَّجُلُ مَتَى جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ جُعْلًا عَلَى أَنْ تَصْفَحَ لَهُ عَنْ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَلَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهَا عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ، فَلِلرَّجُلِ افْتِدَاؤُهُ مِنْهَا بِجَعْلٍ، فَإِنَّ شُفْعَةَ الْمُسْتَشْفِعِ فِي حِصَّةٍ مِنْ دَارٍ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَطْلُوبِ افْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْهُ بِجَعْلٍ، وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ فِي ذَلِكَ عَلَى عِوَضٍ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَاضٍ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ فِي الشُّفْعَةِ عَيْنًا وَلَا نَفْعًا، مَا يَدُلُّ عَلَى بُطُولِ صُلْحِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ عَلَى عِوَضٍ، عَلَى أَنْ تَصْفَحَ عَنْ مُطَالَبَتِهَا إِيَّاهُ بِالْقِسْمَةِ لَهَا. وَإِذْ فَسَدَ ذَلِكَ صَحَّ أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ مَا قُلْنَا. وَقَدْ أَبَانَ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ ⦗٥٦٦⦘ إِعْرَاضًا﴾ [النساء: ١٢٨] الْآيَةُ، نَزَلَتْ فِي أَمْرِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَزَوْجَتِهِ، إِذْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا شَابَّةً، فَآثَرَ الشَّابَّةَ عَلَيْهَا، فَأَبَتِ الْكَبِيرَةُ أَنْ تَقَرَّ عَلَى الْأَثَرَةِ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَتَرَكَهَا، فَلَمَّا قَارَبَ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا، خَيَّرَهَا بَيْنَ الْفِرَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَثَرَةِ، فَاخْتَارَتِ الرَّجْعَةَ وَالصَّبْرَ عَلَى الْأَثَرَةِ، فَرَاجَعَهَا وَآثَرَ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَصْبِرْ فَطَلَّقَهَا. فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨] إِنَّمَا عَنَى بِهِ: وَأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ الشُّحَّ بِحُقُوقِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ عَلَى مَا وَصَفْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا﴾ [النساء: ١٢٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَإِنْ تُحْسِنُوا أَيُّهَا الرِّجَالُ فِي أَفْعَالِكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ إِذَا كَرِهْتُمْ مِنْهُنَّ دَمَامَةً أَوْ خُلُقًا، أَوْ بَعْضَ مَا تَكْرَهُونَ مِنْهُنَّ بِالصَّبِرِ عَلَيْهِنَّ، وَإِيْفَائِهِنَّ حُقُوقَهُنَّ، وَعِشْرَتِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴿وَتَتَّقُوا﴾ [النساء: ١٢٨] يَقُولُ:»وَتَتَّقُوا اللَّهَ فِيهِنَّ بِتَرْكِ الْجَوْرِ مِنْكُمْ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يَجِبُ لِمَنْ كَرِهْتُمُوهُ مِنْهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْقِسْمَةِ لَهُ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٢٨] يَقُولُ: “فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ فِي أُمُورِ نِسَائِكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ، وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْجَوْرِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا يُلْزِمُكُمْ لَهُنَّ وَيَجِبُ ﴿خَبِيرًا﴾ [النساء: ٣٥] يَعْنِي عَالِمًا خَابِرًا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ بِهِ عَالِمٌ، وَلَهُ مُحْصٍ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُوفِيَكُمْ جَزَاءَ ذَلِكَ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ
٧ ‏/ ٥٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٢٩] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا ⦗٥٦٧⦘ بَيْنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ١٢٩] لَنْ تُطِيقُوا أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْ تُسَوُّوا بَيْنَ نِسَائِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ فِي حُبِّهِنَّ بِقُلُوبِكُمْ حَتَّى تَعْدِلُوا بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ، مِمَّا لَا تَمْلِكُونَهُ، وَلَيْسَ إِلَيْكُمْ ﴿وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] يَقُولُ: وَلَوْ حَرَصْتُمْ فِي تَسْوِيَتِكُمْ بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ. كَمَا:
٧ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «وَاجِبٌ أَنْ لَا تَسْتَطِيعُوا الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ» ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] يَقُولُ: «فَلَا تَمِيلُوا بِأَهْوَائِكُمْ إِلَى مَنْ لَمْ تَمْلِكُوا مَحَبَّتَهُ مِنْهُنَّ كُلَّ الْمَيْلِ، حَتَّى يَحْمِلَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَجُورُوا عَلَى صَوَاحِبِهَا فِي تَرْكِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقٍّ فِي الْقَسْمِ لَهُنَّ، وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ، وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] يَقُولُ:»فَتَذَرُوا الَّتِي هِيَ سِوَى الَّتِي مِلْتُمْ بِأَهْوَائِكِمْ إِلَيْهَا كَالْمُعَلَّقَةِ، يَعْنِي: كَالَّتِي لَا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ، وَلَا هِيَ أَيِّمٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٥٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩]
٧ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا، بَيْنَ ⦗٥٦٨⦘ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «بِنَفْسِهِ فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ»
٧ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ بِنَفْسِهِ “
٧ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ وَهِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] فَقَالَ: فِي الْجِمَاعِ “
٧ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ:: «فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ»
٧ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: «فِي الْحُبِّ»
٧ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: «فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ»
٧ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «فِي الْمَوَدَّةِ، كَأَنَّهُ يَعْنِي الْحُبَّ»
٧ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا، بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] يَقُولُ: «لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْدِلَ بِالشَّهْوَةِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَلَوْ حَرَصْتَ»
٧ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَمَّا قَلْبِي، فَلَا أَمْلِكُ، وَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ فَأَرْجُو أَنْ أَعْدِلَ»
٧ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] يَعْنِي: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ “
٧ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَا جَمِيعًا: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ»
٧ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَائِشَةَ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ١٢٩]
٧ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «فِي الشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ»
٧ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «فِي الْجِمَاعِ»
٧ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ»
٧ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «مَا يَكُونُ مِنْ بَدَنِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَسْتَطِيعُ يَمْلِكُهُ»
٧ ‏/ ٥٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩]
٧ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «بِنَفْسِهِ» حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ هِشَامٌ: أَظُنُّهُ قَالَ: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ “
٧ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «بِنَفْسِهِ»
٧ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «بِنَفْسِهِ»
٧ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «فِي الْغَشَيَانِ وَالْقَسْمِ»
٧ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] لَا تَعَمَّدُوا الْإِسَاءَةَ ” ⦗٥٧٢⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «يَتَعَمَّدُ أَنْ يُسِيءَ وَيَظْلِمَ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «هَذَا فِي الْعَمَلِ فِي مَبِيتِهِ عِنْدَهَا، وَفِيمَا تُصِيبُ مِنْ خَيْرِهِ»
٧ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] يَقُولُ: «يَمِيلُ عَلَيْهَا فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَلَا يَقْسِمُ لَهَا يَوْمًا»
٧ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «يَتَعَمَّدُ الْإِسَاءَةَ، يَقُولُ: لَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ الْجِمَاعُ»
٧ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا ⦗٥٧٣⦘ أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِمِثْلِهِ
٧ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ يَمِيلُ مَعَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ»
٧ ‏/ ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩]
٧ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «تَذَرُوهَا لَا هِيَ أَيِّمٌ، وَلَا ⦗٥٧٤⦘ ذَاتَ زَوْجٍ»
٧ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ»
٧ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «لَا مُطْلَقَةً، وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] أَيْ كَالْمَحْبُوسَةِ أَوْ كَالْمَسْجُونَةِ “
٧ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «كَالْمَسْجُونَةِ»
٧ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] يَقُولُ: «لَا مُطْلَقَةً، وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ»
٧ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ⦗٥٧٥⦘ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] لَا مُطْلَقَةً، وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ “
٧ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «لَا أَيِّمًا، وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ»
٧ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] لَيْسَتْ بَأَيِّمٍ، وَلَا ذَاتِ زَوْجٍ “
٧ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «لَا تَدَعْهَا كَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ»
٧ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «لَا أَيِّمًا، وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ»
٧ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] قَالَ: «الْمُعَلَّقَةُ: الَّتِي لَيْسَتْ بِمُخْلَاةٍ وَنَفْسَهَا فَتَبْتَغِي لَهَا، وَلَيْسَتْ مُتَهَيِّئَةً كَهَيْئَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا، لَا هِيَ عِنْدَ زَوْجِهَا وَلَا مُفَارَقَةً فَتَبْتَغِي لِنَفْسِهَا، فَتِلْكَ الْمُعَلَّقَةُ» ⦗٥٧٦⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩] الرِّجَالَ بِالْعَدْلِ بَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ فِيمَا اسْتَطَاعُوا فِيهِ الْعَدْلَ بَيْنَهُنَّ مِنَ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَالنَّفَقَةِ، وَتَرْكِ الْجَوْرِ فِي ذَلِكَ بِإِيثَارِ إِحْدَاهُنَّ عَلَى الْأُخْرَى فِيمَا فُرِضَ عَلَيْهِمُ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ فِيهِ، إِذْ كَانَ قَدْ صَفَحَ لَهُمْ عَمَّا لَا يُطِيقُونَ الْعَدْلَ فِيهِ بَيْنَهُنَّ، مِمَّا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْهَوَى
٧ ‏/ ٥٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٢٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنْ تُصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، فَتَعْدِلُوا فِي قَسْمِكُمْ بَيْنَ أَزْوَاجِكُمْ وَمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، فَلَا تَجُورُوا فِي ذَلِكَ. ﴿وَتَتَّقُوا﴾ [البقرة: ٢٢٤] يَقُولُ: «وَتَتَّقُوا اللَّهَ فِي الْمَيْلِ الَّذِي نَهَاكُمْ عَنْهُ، بِأَنْ تَمِيلُوا لِإِحْدَاهُنَّ عَلَى الْأُخْرَى، فَتَظْلِمُوهَا حَقَّهَا مِمَّا أَوْجَبَهَا اللَّهُ لَهُ عَلَيْكُمْ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا﴾ [النساء: ١٢٩] يَقُولُ:»فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتُرُ عَلَيْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ مَيْلِكُمْ وَجَوْرِكُمْ عَلَيْهِنَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِتَرْكِهِ عُقُوبَتَكُمْ عَلَيْهِ، وَيُغَطِّي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ بِعَفْوِهِ عَنْكُمْ مَا مَضَى مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ قَبْلُ ﴿رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦] يَقُولُ: “وَكَانَ رَحِيمًا بِكُمْ إِذَا تَابَ عَلَيْكُمْ، فَقَبِلَ تَوْبَتَكُمُ الَّذِي سَلَفَ مِنْكُمْ مِنْ
٧ ‏/ ٥٧٦
جَوْرِكُمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ، وَفِي تَرْخِيصِهِ لَكُمُ الصُّلْحَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ، بِصَفْحِهِنَّ عَنْ حُقُوقِهِنَّ لَكُمْ مِنَ الْقَسْمِ عَلَى أَنْ يُطَلَّقْنَ
٧ ‏/ ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كَلَا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٣٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ أَبَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي قَدْ نَشَزَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا، أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا بِالْمَيْلِ مِنْهُ إِلَى ضَرَّتِهَا لِجَمَالِهَا أَوْ شَبَابِهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَمِيلُ النُّفُوسُ بِهِ إِلَيْهَا الصُّلْحُ، لِصَفْحِهَا لِزَوْجِهَا عَنْ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، وَطَلَبَتْ حَقَّهَا مِنْهُ مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهَا عَلَيْهِ، وَأَبَى الزَّوْجُ الْأَخْذَ عَلَيْهَا بِالْإِحْسَانِ الَّذِي نَدَبَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٢٨] وَإِلْحَاقُهَا فِي الْقَسْمِ لَهَا وَالنَّفَقَةِ وَالْعِشْرَةِ بِالَّتِي هُوَ إِلَيْهَا مَائِلٌ، فَتَفَرَّقَا بِطَلَاقِ الزَّوَاجِ إِيَّاهَا ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] يَقُولُ: “يُغْنِ اللَّهُ الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ، أَمَّا هَذِهِ فَبِزَوْجٍ هُوَ أَصْلَحُ لَهَا مِنَ الْمُطَلِّقِ الْأَوَّلِ، أَوْ بِرِزْقٍ وَاسِعٍ وَعِصْمَةٍ؛ وَأَمَّا هَذَا فَبِرِزْقٍ وَاسِعٍ وَزَوْجَةٍ هِيَ أَصْلَحُ لَهُ مِنَ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ عِفَّةٍ. ﴿وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا﴾ [النساء: ١٣٠] يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا لَهُمَا فِي رِزْقِهِ إِيَّاهُمَا وَغَيْرَهُمَا مِنْ خَلْقِهِ. ﴿حَكِيمًا﴾ [النساء: ١١] فِيمَا قَضَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنَ الْفُرْقَةِ وَالطَّلَاقِ، وَسَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي عَرَفْنَاهَا مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَغَيْرِهَا وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَقَضَايَاهُ فِي خَلْقِهِ.
٧ ‏/ ٥٧٧
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] قَالَ: «الطَّلَاقُ يُغْنِي اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٥٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِلَّهِ مُلْكُ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعُ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِعَقِبِ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] تَنْبِيهًا مِنْهُ خَلْقَهُ عَلَى مَوْضِعِ الرَّغْبَةِ عِنْدَ فِرَاقِ أَحَدِهِمْ زَوْجَتَهُ، لِيَفْزَعُوا إِلَيْهِ عِنْدَ الْجَزَعِ مِنَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَالْوَحْشَةِ بِفِرَاقِ سَكَنِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَتَذْكِيرًا مِنْهُ لَهُ أَنَّهُ الَّذِي لَهُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مُلْكُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَغَيْرُ مُتَعَذَّرٍ عَلَيْهِ أَنْ يُغْنِيَهُ، وَكُلُّ ذِي فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ، وَيُؤْنِسَ كُلَّ ذِي وَحْشَةً. ثُمَّ رَجَعَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى عَذْلِ مَنْ سَعَى فِي أَمْرِ بَنِي أُبَيْرِقٍ وَتَوْبِيخِهِمْ وَوَعِيدِ مَنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمْ فَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
٧ ‏/ ٥٧٨
وَإِيَّاكُمْ﴾ [النساء: ١٣١] يَقُولُ: وَلَقَدْ أَمَرْنَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَإِيَّاكُمْ، يَقُولُ: وَأَمَرْنَاكُمْ وَقُلْنَا لَكُمْ وَلَهُمْ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] يَقُولُ: احْذَرُوا أَنْ تَعْصَوْهُ وَتُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا﴾ [النساء: ١٣١] يَقُولُ: وَإِنْ تَجْحَدُوا وَصِيَّتَهُ إِيَّاكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَتُخَالِفُوهَا ﴿فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: فَإِنَّكُمْ لَا تَضُرُّونُ بِخِلَافِكُمْ وَصِيَّتَهُ غَيْرَ أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَعْدُونَ فِي كُفْرِكُمْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي نُزُولِ عُقُوبَتِهِ بِكُمْ وَحُلُولِ غَضَبِهِ عَلَيْكُمْ كَمَا حَلَّ بِهِمْ، إِذْ بَدَّلُوا عَهْدَهُ وَنَقَضُوا مِيثَاقَهُ، فَغَيَّرَ بِهِمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ خَفْضِ الْعَيْشِ وَأَمْنِ السِّرْبِ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ مُلْكَ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ بِجَمِيعِهِ وَبِشَيْءٍ مِنْهُ مِنْ إِعْزَازِ مَنْ أَرَادَ إِعْزَازَهُ وَإِذْلَالِ مَنْ أَرَادَ إِذْلَالَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا، لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ بِهِمْ إِلَيْهِ الْفَاقَةُ وَالْحَاجَةُ، وَبِهِ قَوَامُهُمْ وَبَقَاؤُهُمْ وَهَلَاكُهُمْ وَفَنَاؤُهُمْ، وَهُوَ الْغَنِيُّ الَّذِي لَا حَاجَةَ تَحِلُّ بِهِ إِلَى شَيْءٍ وَلَا فَاقَةَ تَنْزِلِ بِهِ تَضْطَرُّهُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَلَا إِلَى غَيْرِكُمْ، وَالْحَمِيدُ الَّذِي اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْخَلْقُ الْحَمْدَ بِصَنَائِعِهِ الْحَمِيدَةِ إِلَيْكُمْ وَآلَائِهِ الْجَمِيلَةِ لَدَيْكُمْ، فَاسْتَدِيمُوا ذَلِكَ أَيُّهَا النَّاسُ بِاتِّقَائِهِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ. كَمَا:
٧ ‏/ ٥٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ [النساء: ١٣١] قَالَ: “غَنِيًّا عَنْ خَلْقِهِ ⦗٥٨٠⦘ ﴿حَمِيدًا﴾ [النساء: ١٣١] قَالَ: «مُسْتَحْمِدًا إِلَيْهِمْ»
٧ ‏/ ٥٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِلَّهِ مُلْكُ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَهُوَ الْقَيِّمُ بِجَمِيعِهِ، وَالْحَافِظُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُ وَتَدْبِيرُهُ. كَمَا:
٧ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: ٨١] قَالَ: «حَفِيظًا» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ تَكْرَارِ قَوْلِهِ: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ فِي آيَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي إِثْرِ الْأُخْرَى؟ قِيلَ: كَرَّرَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الْخَبَرَيْنِ عَمَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الْآيَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْهُ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ ذَكَرَ حَاجَتَهُ إِلَى بَارِئِهِ وَغِنَى بَارِئِهِ عَنْهُ، وَفِي الْأُخْرَى حِفْظَ بَارِئِهِ إِيَّاهُ بِهِ وَعِلْمَهُ بِهِ وَتَدْبِيرَهُ. فَإِنْ قَالَ: أَفَلَا قِيلَ: وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا؟
٧ ‏/ ٥٨٠
قِيلَ: إِنَّ الَّذِي فِي الْآيَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ [النساء: ١٣١] مِمَّا صَلَحَ أَنْ يَخْتِمَ مَا خُتِمَ بِهِ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ بِالْغِنَى وَأَنَّهُ مَحْمُودٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يُخْتَمَ بِوَصْفِهِ مَعَهُ بِالْحِفْظِ وَالتَّدْبِيرِ، فَلِذَلِكَ كَرَّرَ قَوْلَهُ: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
٧ ‏/ ٥٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٣٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ [النساء: ١٣٣] اللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء: ١٣٣] أَيْ يُذْهِبْكُمْ بِإِهْلَاكِكُمْ وَإِفْنَائِكُمْ ﴿وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ [النساء: ١٣٣] يَقُولُ: وَيَأْتِ بِنَاسٍ آخَرِينَ غَيْرِكُمْ، لِمُؤَازَرَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَنُصْرَتِهِ. ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ [النساء: ١٣٣] يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى إِهْلَاكِكُمْ وَإِفْنَائِكُمْ، وَاسْتِبْدَالِ آخَرِينَ غَيْرِكُمْ بِكُمْ قَدِيرًا، يَعْنِي: ذَا قُدْرَةٍ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا وَبَّخَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ خَانُوا الدِّرْعَ الَّتِي وَصَفْنَا شَأْنَهَا، الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ، ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء: ١٠٥] وَحَذَّرَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَأَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمْ فِي ارْتِدَادِهِ وَلَحَاقِهِ بِالْمُشْرِكِينَ، وَعَرَّفَهُمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُ مِنْهُمْ فَلَنْ يَضُرَّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَنْ يُوبِقَ بِرِدَّتِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجَ مَعَ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ عَنْهُمْ، ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ [النساء: ١٣٣] بِالْهَلَاكِ وَالِاسْتِئْصَالِ إِنْ هُمْ فَعَلُوا فِعْلَ ابْنَ أُبَيْرِقٍ طُعْمَةَ الْمُرْتَدِّ، وَبِاسْتِبْدَالِ آخَرِينَ غَيْرِهِمْ بِهِمْ لِنُصْرَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ
٧ ‏/ ٥٨١
وَصُحْبَتِهِ وَمُؤَازَرَتِهِ عَلَى دِينِهِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرُكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] .
٧ ‏/ ٥٨٢
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ، ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِ سَلْمَانَ، فَقَالَ: «هُمْ قَوْمُ هَذَا» يَعْنِي عَجَمَ الْفُرْسِ كَذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ “
٧ ‏/ ٥٨٢
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء: ١٣٣]: أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا قَادِرٌ وَاللَّهِ رَبُّنَا عَلَى ذَلِكَ، أَنْ يُهْلِكَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَأْتِي بِآخَرِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ “
٧ ‏/ ٥٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: ١٣٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ﴾ [النساء: ١٣٤] مِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ الَّذِينَ يَسْتَبْطِنُونَ الْكُفْرَ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٤٥] يَعْنِي: عَرَضَ الدُّنْيَا، بِإِظْهَارِ مَا أَظْهَرَ مِنَ الْإِيمَانِ بِلِسَانِهِ ﴿فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا﴾ [النساء: ١٣٤]
٧ ‏/ ٥٨٢
يَعْنِي: جَزَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا مِنْهَا وَثَوَابُهُ فِيهَا، هُوَ مَا يُصِيبُ مِنَ الْمَغْنَمِ إِذَا شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ مَشْهَدًا، وَأَمَّنَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَمَالِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ فَنَارُ جَهَنَّمَ. فَمَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ كَانَ مِنَ الْعَامِلِينَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَجَزَاءَهَا مِنْ عَمَلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِيهِ جَزَاءَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا، وَجَزَاءَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعِقَابِ وَالنَّكَالِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ مَالِكٌ جَمِيعَهُ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٦] . وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي أَمْرِ بَنِي أُبَيْرِقٍ، وَالَّذِينَ وَصَفَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: ١٠٧] وَمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: ١٣٤] يَعْنِي: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا لِمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ ثَوَابَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِهِمْ، وَإِظْهَارِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا يُظْهِرُونَ لَهُمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ وَقَوْلِهِمْ لَهُمْ آمَنَّا. ﴿بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] يَعْنِي: وَكَانَ ذَا بَصَرٍ بِهِمْ وَبِمَا
٧ ‏/ ٥٨٣
هُمْ عَلَيْهِ مُنْطَوُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يَكْتُمُونَهُ وَلَا يُبْدُونَهُ لَهُمْ مِنَ الْغِشِّ وَالْغِلِّ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ.
٧ ‏/ ٥٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥] وَهَذَا تَقَدَّمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَ الَّذِينَ سَعَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أْمْرِ بَنِي أُبَيْرِقٍ، أَنْ يَقُومَ بِالْعُذْرِ لَهُمْ فِي أَصْحَابِهِ وَذَبِّهِمْ عَنْهُمْ وَتَحْسِينِهِمْ أَمْرَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ فَاقَةٍ وَفَقْرٍ؛ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾ [النساء: ١٣٥] يَقُولُهُ: لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقِكُمْ وَصِفَاتِكُمُ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ، يَعْنِي بِالْعَدْلِ. ﴿شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥] وَالشُّهَدَاءُ: جَمْعُ شَهِيدٍ، وَنُصِبَتِ الشُّهَدَاءُ عَلَى الْقَطْعِ مِمَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿قَوَّامِينَ﴾ [النساء: ١٣٥]، مِنْ ذِكْرِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَمَعْنَاهُ: قُومُوا بِالْقِسْطِ لِلَّهِ عِنْدَ شَهَادَتِكُمْ، أَوْ حِينَ شَهَادَتِكُمْ. ﴿وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء: ١٣٥] يَقُولُ: وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، أَوْ عَلَى وَالِدَيْكُمْ أَوْ أَقْرَبِيكُمْ، فَقُومُوا فِيهَا بِالْقِسْطِ وَالْعَدْلِ، وَأَقِيمُوهَا عَلَى صِحَّتِهَا بِأَنْ تَقُولُوا فِيهَا الْحَقَّ، وَلَا تَمِيلُوا فِيهَا لِغَنِيٍّ لِغِنَاهُ عَلَى فَقِيرٍ، وَلَا لِفَقِيرٍ لِفَقْرِهِ عَلَى غَنِيٍّ فَتَجُورُوا، فَإِنَّ اللَّهَ الَّذِي سَوَّى بَيْنَ حُكْمِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَدْلِ أَوْلَى بِهِمَا، وَأَحَقُّ مِنْكُمْ، لِأَنَّهُ مَالِكُهُمَا وَأَوْلَى بِهِمَا دُونَكُمْ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا مِنْكُمْ، فَلِذَلِكَ أَمَرَكُمْ
٧ ‏/ ٥٨٤
بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الشَّهَادَةِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا. ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء: ١٣٥] يَقُولُ: “فَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ أَنْفُسِكُمْ فِي الْمَيْلِ فِي شَهَادَتِكُمْ إِذَا قُمْتُمْ بِهَا لِغَنِيٍّ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ لِفَقِيرٍ عَلَى غَنِيٍّ إِلَّا أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ فَتَقُولُوا غَيْرَ الْحَقِّ، وَلَكِنْ قُومُوا فِيهِ بِالْقِسْطِ وَأَدُّوا الشَّهَادَةَ عَلَى مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِأَدَائِهَا بِالْعَدْلِ لِمَنْ شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ وَلَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَقُومُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ الشَّاهِدُ بِالْقِسْطِ، وَهَلْ يَشْهَدُ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَيُقِرَّ لَهُ بِهِ، فَذَلِكَ قِيَامٌ مِنْهُ لَهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ عِنْدِي تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلَهُ الَّذِينَ عَذَرُوا بَنِي أُبَيْرِقٍ فِي سَرِقَتِهِمْ مَا سَرَقُوا وَخِيَانَتِهِمْ مَا خَانُوا مِنْ ذِكْرِ مَا قِيلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَشَهَادَتِهِمْ لَهُمْ عِنْدَهُ بِالصَّلَاحِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا قُمْتُمْ بِالشَّهَادَةِ لِإِنْسَانٍ أَوْ عَلَيْهِ، فَقُومُوا فِيهَا بِالْعَدْلِ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَآبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتِكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ، فَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ غَنَى مَنْ شَهِدْتُمْ لَهُ أَوْ فَقْرُهُ أَوْ قَرَابَتُهُ وَرَحِمُهُ مِنْكُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ لَهُ بِالزُّورِ وَلَا عَلَى تَرْكِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَكِتْمَانِهَا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ تَأْدِيبًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٧ ‏/ ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «⦗٥٨٦⦘ نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ ﷺ، وَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ غَنِيُّ وَفَقِيرٌ، وَكَانَ ضِلْعُهُ مَعَ الْفَقِيرِ، يَرَى أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَظْلِمُ الْغَنِيَّ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ فِي الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، فَقَالَ: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء: ١٣٥] الْآيَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِنَا إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الشَّهَادَةِ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُسَوُّوا فِي قِيَامِهِمْ بِشَهَادَاتِهِمْ لِمَنْ قَامُوا بِهَا بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ
٧ ‏/ ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَوْ آبَائِهِمْ أَوْ أَبْنَائِهِمْ، وَلَا يُحَابُوا غَنِيًّا لِغِنَاهُ، وَلَا يَرْحَمُوا مِسْكِينًا لِمَسْكَنَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء: ١٣٥] فَتَذَرُوا الْحَقَّ فَتَجُورُوا»
٧ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَذِي الْقَرَابَةِ، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ فِي سَلَفِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ⦗٥٨٧⦘ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ [النساء: ١٣٥] الْآيَةُ، فَلَمْ يَكُنْ يُتَّهَمُ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحُ فِي شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلَا الْأَخُ لِأَخِيهِ، وَلَا الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُورٌ حَمَلَتِ الْوُلَاةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ، فَتُرِكَتْ شَهَادَةُ مَنْ يُتَّهَمُ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَقْرِبَائِهِمْ وَصَارَ ذَلِكَ مِنَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْأَخِ وَالزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ لَمْ يُتَّهَمْ إِلَّا هَؤُلَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ “
٧ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «لَا يَحْمِلُكُ فَقْرُ هَذَا عَلَى أَنْ تَرْحَمَهُ فَلَا تُقِيمَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ، قَالَ: يَقُولُ هَذَا لِلشَّاهِدِ»
٧ ‏/ ٥٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥] الْآيَةُ، هَذَا فِي الشَّهَادَةِ، فَأَقِمِ الشَّهَادَةَ يَا ابْنَ آدَمَ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ، أَوِ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِكَ، أَوْ أَشْرَافِ قَوْمِكَ، فَإِنَّمَا الشَّهَادَةُ لِلَّهِ وَلَيْسَتْ لِلنَّاسٍ، وَإِنَّ اللَّهَ رَضِيَ الْعَدْلَ لِنَفْسِهِ؛ وَالْإِقْسَاطُ وَالْعَدْلُ مِيزَانُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، بِهِ يَرُدُّ اللَّهُ مِنَ الشَّدِيدِ عَلَى الضَّعِيفِ، مِنَ الْكَاذِبِ عَلَى الصَّادِقِ، وَمِنَ الْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ، وَبِالْعَدْلِ يُصَدَّقُ الصَّادِقُ، وَيُكَذَّبُ الْكَاذِبُ، وَيُرَدُّ الْمُعْتَدِي، وَيُوَبِّخُهُ تَعَالَى رَبُّنَا وَتَبَارَكَ، وَبِالْعَدْلِ يَصْلُحُ النَّاسُ. يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا، يَقُولُ: أَوْلَى بِغَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام قَالَ: يَا رَبِّ ⦗٥٨٨⦘ أَيَّ شَيْءٍ وَضَعْتَ فِي الْأَرْضِ أَقَلَّ؟ قَالَ: «الْعَدْلُ أَقَلُّ مَا وَضَعْتُ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَمْنَعُكَ غِنَى غَنِيٍّ وَلَا فَقْرُ فَقِيرٍ أَنْ تَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا تَعْلَمُ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ» . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ [النساء: ١٣٥] وَقَدْ قِيلَ: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥] الْآيَةُ، أُرِيدَ: فَاللَّهُ أَوْلَى بِغِنَى الْغَنِيِّ وَفَقْرِ الْفَقِيرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ ﴿بِهِمَا﴾ [النساء: ١٣٥]، وَلَمْ يَقُلْ: بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ ﴿بِهِمَا﴾ [النساء: ١٣٥] لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥] فَلَمْ يَقْصِدَ فَقِيرًا بِعَيْنِهِ وَلَا غَنِيًّا بِعَيْنِهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا جَازَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ. وذَكَرَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمْ» . وَقَالَ آخَرُونَ: أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالَ آخَرُونَ: جَازَ تَثْنِيَةُ قَوْلِهِ ﴿بِهِمَا﴾ [النساء: ١٣٥]، لِأَنَّهُمَا قَدْ ذُكِرَا كَمَا قِيلَ: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا﴾ [النساء: ١٢] وَقِيلَ: جَازَ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ فِيهِ مَنْ كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ يَكُنْ مَنْ خَاصَمَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، بِمَعْنَى: غَنِيَّيْنِ أَوْ فَقِيرَيْنِ، فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا. وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء: ١٣٥] أَيْ عَنِ الْحَقِّ، فَتَجُورُوا بِتَرْكِ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ ⦗٥٨٩⦘ بِالْحَقِّ. وَلَوْ وُجِّهَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: فَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ أَنْفُسِكُمْ هَرَبًا مِنْ أَنْ تَعْدِلُوا عَنِ الْحَقِّ فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ بِالْقِسْطِ كَانَ وَجْهًا. وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا، كَمَا يُقَالَ: لَا تَتَّبِعْ هَوَاكَ لِتُرْضِيَ رَبَّكَ، بِمَعْنَى: أَنْهَاكَ عَنْهُ كَمَا تُرْضِي رَبَّكَ بِتَرْكِهِ
٧ ‏/ ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى: وَإِنْ تَلْوُوا أَيُّهَا الْحُكَّامُ فِي الْحُكْمِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ تُعْرِضُوا، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْآيَةِ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحُكَّامِ عَلَى نَحْوِ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ السُّدِّيِّ مِنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ
٧ ‏/ ٥٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «هُمَا الرَّجُلَانِ يَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي، فَيَكُونُ لَيُّ الْقَاضِي وَإِعْرَاضُهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِنْ تَلْوُوا أَيُّهَا الشُّهَدَاءُ فِي شَهَادَاتِكُمْ فَتُحَرِّفُوهَا وَلَا تُقِيمُوهَا، أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا فَتَتْرُكُوهَا
٧ ‏/ ٥٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] يَقُولُ: «إِنْ تَلْوُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ بِالشَّهَادَةِ أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا»
٧ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] يَقُولُ: «تَلْوِي لِسَانَكَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهِيَ اللَّجْلَجَةُ، فَلَا تُقِيمُ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا. وَالْإِعْرَاضُ التَّرْكُ»
٧ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] أَيْ تُبَدِّلُوا الشَّهَادَةَ ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «تَكْتُمُوهَا»
٧ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «بِتَبْدِيلِ الشَّهَادَةِ، وَالْإِعْرَاضُ: كِتْمَانُهَا»
٧ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «إِنْ تُحَرِّقُوا، أَوْ تَتْرُكُوا»
٧ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ ⦗٥٩١⦘ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «تُلَجْلِجُوا أَوْ تَكْتُمُوا؛ وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ»
٧ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] أَمَّا تَلْوُوا: فَتَلْوِي لِلشَّهَادَةِ فَتُحَرِّفُهَا حَتَّى لَا تُقِيمَهَا؛ وَأَمَّا ﴿تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥]: فَتُعْرِضُ عَنْهَا فَتَكْتُمُهَا وَتَقُولُ: لَيْسَ عِنْدِي شَهَادَةٌ “
٧ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] فَتَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ، تَلْوِي: تُنْقِصُ مِنْهَا، أَوْ تُعْرِضُ عَنْهَا فَتَكْتُمُهَا فَتَأْبَى أَنْ تَشْهَدَ عَلَيْهِ، تَقُولُ: أَكْتُمُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ أَرْحَمُهُ فَتَقُولُ: لَا أُقِيمُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَتَقُولُ: هَذَا غَنِيُّ أَبْقِيهِ وَأَرْجُو مَا قِبَلَهُ فَلَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥]
٧ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] تُحَرِّفُوا ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] تَتْرُكُوا “
٧ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا حَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: “إِنْ تَلَجْلَجُوا فِي الشَّهَادَةِ فَتُفْسِدُوهَا، ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «فَتَتْرُكُوهَا»
٧ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ ⦗٥٩٢⦘ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: “إِنْ تَلْوُوا فِي الشَّهَادَةِ، أَنْ لَا تُقِيمُوهَا عَلَى وَجْهِهَا ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ»
٧ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] يَعْنِي: تَلَجْلَجُوا ﴿أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] قَالَ: «تَدَعُهَا فَلَا تَشْهَدُ»
٧ ‏/ ٥٩٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] أَمَّا تَلْوُوا: فَهُوَ أَنْ يَلْوِيَ الرَّجُلُ لِسَانَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، يَعْنِي فِي الشَّهَادَةِ ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: أَنَّهُ لَيُّ الشَّاهِدِ شَهَادَتَهُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَعَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ تَحْرِيفُهُ إِيَّاهَا لِسَانَهُ وَتَرْكُهُ إِقَامَتَهَا لِيُبْطِلَ بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ وَعَمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إِعْرَاضُهُ عَنْهَا، فَإِنَّهُ تَرْكُهُ أَدَاءَهَا وَالْقِيَامَ بِهَا فَلَا يَشْهَدُ بِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا التَّأْوِيلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥] فَأَمَرَهُمْ بِالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ شُهَدَاءَ، وَأَظْهَرَ مَعَانِيَ الشُّهَدَاءِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وَصْفِهِمْ بِالشَّهَادَةِ.
٧ ‏/ ٥٩٢
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى الْكُوفَةِ ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] بِوَاوَيْنِ مِنْ: لَوَانِي الرَّجُلُ حَقِّي، وَالْقَوْمُ يَلْوُونَنِي دَيْنِي، وَذَلِكَ إِذَا مَطَلُوهُ، لَيًّا. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: وَإِنْ (تَلُوا) بِوَاو وَاحِدَةٍ؛ وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا أَرَادَ هَمْزَ الْوَاوِ لِانْضِمَامِهَا، ثُمَّ أَسْقَطَ الْهَمْزَ، فَصَارَ إِعْرَابُ الْهَمْزِ فِي اللَّامِ إِذْ أَسْقَطَهُ، وَبَقِيَتْ وَاوٌ وَاحِدَةٌ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: تَلْوُؤا، ثُمَّ حَذَفَ الْهَمْزَ. وَإِذَا عُنِيَ هَذَا الْوَجْهُ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] بِوَاوَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ الثَّانِيَةَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿تَلْوُوا﴾ [النساء: ١٣٥] وَاوُ جَمْعٍ، وَهِيَ عَلَمٌ لِمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ هَمْزُهَا ثُمَّ حَذْفُهَا بَعْدَ هَمْزِهَا، فَيَبْطُلُ عِلْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ أُدْخِلَتِ الْوَاوُ الْمَحْذُوفَةُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا كَذَلِكَ، أَرَادَ: إِنْ تَلُوا، مِنَ الْوَلَايَةِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَإِنْ تَلُوا أُمُورَ النَّاسِ، أَوْ تَتْرُكُوا. وَهَذَا مَعْنَى إِذَا وَجَّهَ الْقَارِئُ قِرَاءَتَهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا إِلَيْهِ، خَارِجٌ عَنْ مَعَانِي أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَمَا وَجَّهَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالتَّابِعُونَ تَأْوِيلَ الْآيَةِ. فَإِذَا كَانَ فَسَادُ ذَلِكَ وَاضِحًا مِنْ كِلَا وَجْهَيْهِ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ غَيْرُهُ أَنْ يُقْرَأَ بِهِ عِنْدَنَا: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ [النساء: ١٣٥] بِمَعْنَى اللَّيِّ: الَّذِي هُوَ مَطْلٌ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِنْ تَدْفَعُوا الْقِيَامَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا لِمَنْ لَزِمَكُمُ
٧ ‏/ ٥٩٣
الْقِيَامُ لَهُ بِهَا. فتُغَيِّرُوهَا، وَتُبَدِّلُوا، أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا، فَتَتْرُكُوا الْقِيَامَ لَهُ بِهَا، كَمَا يَلْوِي الرَّجُلُ دَيْنَ الرَّجُلِ، فَيُدَافِعُهَ بِأَدَائِهِ إِلَيْهِ عَلَى مَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ لَهُ مَطْلًا مِنْهُ لَهُ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر الكامل] يَلْوِينَنِي دَيْنِي النَّهَارَ وَأَقْتَضِي … دَيْنِي إِذَا وَقَذَ النُّعَاسُ الرُّقَّدَا
وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: ١٢٨] فَإِنَّهُ أَرَادَ: فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ إِقَامَتِكُمُ الشَّهَادَةَ وَتَحْرِيفِكُمْ إِيَّاهَا وَإِعْرَاضِكُمْ عَنْهَا بِكِتْمَانِكُمُوهَا، خَبِيرًا، يَعْنِي: ذَا خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ بِهِ، يَحْفَظُ ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمْ فِي الْآخِرَةِ، الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، يَقُولُ: فَاتَّقُوا رَبَّكُمْ فِي ذَلِكَ
٧ ‏/ ٥٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١٣٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] بِمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦] يَقُولُ: «صَدِّقُوا بِاللَّهِ، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولِهِ، أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ مُرْسَلٌ إِلَيْكُمْ وَإِلَى سَائِرِ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ. ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦] يَقُولُ: وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ الْقُرْآنُ. ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾ [النساء: ١٣٦] يَقُولُ:»وَآمِنُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ قَبْلِ الْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ.
٧ ‏/ ٥٩٤
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ دُعَاءِ هَؤُلَاءِ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكُتُبِهِ وَقَدْ سَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ؟ قِيلَ: إِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُسَمِّهِمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا، وَذَلِكَ وَصْفٌ لَهُمْ بِخُصُوصٍ مِنَ التَّصْدِيقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا صِنْفَيْنِ: أَهْلَ تَوْرَاةٍ مُصَدِّقِينَ بِهَا وَبِمَنْ جَاءَ بِهَا، وَهُمْ مُكَذِّبُونَ بِالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا؛ وَصِنْفٌ أَهْلُ إِنْجِيلٍ وَهُمْ مُصَدَّقُونَ بِهِ وَبِالتَّوْرَاةِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ، مُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَالْفُرْقَانِ. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] يَعْنِي: بِمَا هُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦] مُحَمَّدٍ ﷺ، ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦] فَإِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ تَجِدُونَ صِفَتَهُ فِي كُتُبِكُمْ ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾ [النساء: ١٣٦] الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَكُونُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وَأَنْتُمْ بِمُحَمَّدٍ مُكَذِّبُونَ، لِأَنَّ كِتَابَكُمْ يَأْمُرُكُمْ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ، فَآمِنُوا بِكِتَابِكُمْ فِي اتِّبَاعِكُمْ مُحَمَّدًا، وَإِلَّا فَأَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. فهَذَا وَجْهُ أَمْرِهِمْ بِالْإِيمَانِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ، بَعْدَ أَنْ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الدِّينُ آمَنُوا﴾ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ١٣٦] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَيَجْحَدْ نُبُوَّتَهُ، فَهُوَ يَكْفُرُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، لِأَنَّ جُحُودَ
٧ ‏/ ٥٩٥
الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ بِمَعْنَى جُحُودِهِ جَمِيعَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِيمَانُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا بِالْإِيمَانِ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْكُفْرُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كُفْرٌ بَجَمِيعِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء: ١٣٦] بِعَقِبِ خِطَابِهِ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ تَهْدِيدًا مِنْهُ لَهُمْ، وَهُمْ مُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ سِوَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْفُرْقَانِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: ١١٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَقَدْ ذَهَبَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَجَارَ عَنْ مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ إِلَى الْمَهَالِكِ ذَهَابًا وَجَوْرًا بَعِيدًا، لِأَنَّ كِفْرَ مَنْ كَفَرَ بِذَلِكَ خُرُوجٌ مِنْهُ عَنْ دِينِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ دِينِ اللَّهِ: الْهَلَاكُ الَّذِي فِيهِ الْبَوَارُ، وَالضَّلَالُ عَنِ الْهُدَى هُوَ الضُّلَالُ
٧ ‏/ ٥٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٣٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] بِهِ ﴿ثُمَّ آمَنُوا﴾ [النساء: ١٣٧]: يَعْنِي النَّصَارَى بِعِيسَى ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] بِهِ ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] بِمُحَمَّدٍ ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٣٧]
٧ ‏/ ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ⦗٥٩٧⦘ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [النساء: ١٣٧] وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، آمَنَتِ الْيَهُودُ بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ كَفَرَتْ؛ وَآمَنَتِ النَّصَارَى بِالْإِنْجِيلِ، ثُمَّ كَفَرَتْ؛ وَكُفْرُهُمْ بِهِ: تَرْكُهُمْ إِيَّاهُ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِالْفُرْقَانِ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٣٧] يَقُولُ: «لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَاِ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقَ هُدًى، وَقَدْ كَفَرُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ»
٧ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا: الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] قَالَ: “هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ كَفَرُوا. ثُمَّ ذَكَرَ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: ﴿ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [النساء: ١٣٧] يَقُولُ: «آمَنُوا بِالْإِنْجِيلِ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: أَهْلَ النِّفَاقِ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ
٧ ‏/ ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [النساء: ١٣٧] قَالَ: “كُنَّا نَحْسَبُهُمُ الْمُنَافِقِينَ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «تَمُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى مَاتُوا»
٧ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «مَاتُوا»
٧ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: ٩٠] قَالَ: «حَتَّى مَاتُوا»
٧ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] الْآيَةُ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ آمَنُوا مَرَّتَيْنِ، وَكَفَرُوا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بَعْدَ ذَلِكَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَتَوْا ذَنُوبًا فِي كُفْرِهِمْ فَتَابُوا، فَلَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمُ التَّوْبَةُ فِيهَا مَعَ إِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ
٧ ‏/ ٥٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [النساء: ١٣٧] قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَذْنَبُوا فِي شِرْكِهِمْ، ثُمَّ تَابُوا فَلَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُمْ، وَلَوْ تَابُوا مِنَ الشِّرْكِ لَقُبِلَ مِنْهُمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ ⦗٥٩٩⦘ الْكِتَابِ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، ثُمَّ كَذَّبُوا بِخِلَافِهِمْ إِيَّاهُ، ثُمَّ أَقَرَّ مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ، ثُمَّ كَذَّبَ بِهِ بِخِلَافِهِ إِيَّاهُ، ثُمَّ كَذَّبَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَالْفُرْقَانِ، فَازْدَادَ بِتَكْذِيبِهِ بِهِ كُفْرًا عَلَى كُفْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْآيَةَ قَبْلَهَا فِي قَصَصِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦] وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْلَى حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ دَالَّةٌ عَلَى انْقِطَاعِهِ مِنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٣٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَسْتُرَ عَلَيْهِمْ كُفْرَهُمْ وَذُنُوبَهُمْ بِعَفْوِهِ عَنِ الْعُقُوبَةِ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يِفْضَحُهُمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ. ﴿وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٣٧] يَقُولُ: “وَلَمْ يَكُنْ لِيُسَدِّدَهُمْ لِإِصَابَةِ طَرِيقِ الْحَقِّ فَيُوَفِّقَهُمْ لَهَا، وَلَكِنَّهُ يَخْذُلُهُمْ عَنْهَا عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى عَظِيمِ جُرْمِهِمْ وَجَرَاءَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا انْتِزَاعًا مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَخَالَفَهُمْ عَلَى ذَلِكَ آخَرُونَ
٧ ‏/ ٥٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عليه السلام، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لَمُسْتَتِيبَ الْمُرْتَدَّ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧]
٧ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [النساء: ١٣٧]
٧ ‏/ ٦٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثًا» وَقَالَ آخَرُونَ: يُسْتَتَابُ كُلَّمَا ارْتَدَّ
٧ ‏/ ٦٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَمَّنْ سَمِعَ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ كُلَّمَا ارْتَدَّ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي قِيَامِ الْحُجَّةِ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ الْمَرَّةَ الْأُولَى، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ مَرَّةٍ ارْتَدَّ فِيهَا عَنِ الْإِسْلَامِ حُكْمُ الْمَرَّةِ الْأُولَى فِي أَنْ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ، وَأَنَّ إِسْلَامَهُ حَقَنَ لَهُ دَمَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي حَقَنَتْ دَمَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى إِسْلَامُهُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجَلِهَا كَانَ دَمُهُ مَحْقُونًا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَكُونُ دَمُهُ مُبَاحًا مَعَ وُجُودِهَا، إِلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَسَائِرِ الْمَرَّاتِ غَيْرِهَا مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ مِنْ أَصْلٍ مُحْكَمٍ، فَيَخْرُجَ حُكْمُ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …