سُورَةُ النِّسَاءِ 8

كَمَا:
٧ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ [النساء: ٦٥] قَالَ: «شَكًّا»
٧ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ [النساء: ٦٥] يَقُولُ: «شَكًّا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ﴾ [النساء: ٦٥] قَالَ: “إِثْمًا ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] يَقُولُ: «وَيُسَلِّمُوا لِقَضَائِكَ وَحُكْمِكَ، إِذْعَانًا مِنْهُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِقْرَارًا لَكَ بِالنُّبُوَّةِ تَسْلِيمًا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَفِيمَنْ نَزَلَتْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَخَصْمٌ لَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ، اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ
٧ ‏/ ٢٠١
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، ⦗٢٠٢⦘ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ. فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجُدُرِ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» وَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ: «اسْتَوْعَبَ» . وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْي أَرَادَ فِيهِ الشَّفَقَةَ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْأَنْصَارِيُّ اسْتَوْعَبَ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ. قَالَ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] الْآيَةُ
٧ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي شَرْجٍ مِنْ شِرَاجِ الْحَرَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا زُبَيْرُ، اشْرَبْ ثُمَّ خَلِّ سَبِيلَ الْمَاءِ» فَقَالَ الَّذِي مِنَ الْأَنْصَارِ: اعْدِلْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ عَمَّتِكَ. قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى عَرَفَ أَنْ قَدْ سَاءَهُ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُبَيْرُ، احْبِسِ الْمَاءَ إِلَى الْجُدُرِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ خَلِّ سَبِيلَ الْمَاءِ» قَالَ: وَنَزَلَتْ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]
٧ ‏/ ٢٠٣
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ، رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ، خَاصَمَ رَجُلًا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَضَى النَّبِيُّ ﷺ لِلزُّبَيْرِ، فَقَالَ الرَّجُلُ لَمَّا قَضَى لِلزُّبَيْرِ: إِنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]⦗٢٠٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُنَافِقِ وَالْيَهُودِيِّ اللَّذَيْنِ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٦٠]
٧ ‏/ ٢٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥] قَالَ: «هَذَا الرَّجُلُ الْيَهُودِيُّ وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ اللَّذَانِ تَحَاكَمَا إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِلَى الْكَاهِنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ، أَعْنِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ الْمُحْتَكِمَانِ إِلَى الطَّاغُوتِ اللَّذَانِ وَصَفَ اللَّهُ شَأْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء: ٦٠] أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] فِي سِيَاقِ قِصَّةِ الَّذِينَ ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [النساء: ٦٠] وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ قِصَّتِهِمْ، فَإِلْحَاقُ بَعْضِ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مَا لَمْ تَأْتِ دَلَالَةٌ عَلَى ⦗٢٠٥⦘ انْقِطَاعِهِ أَوْلَى فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي الَّذِي رُوِيَ عَنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ قِصَّتِهِ وَقِصَّةِ الْأَنْصَارِيِّ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي خَبَرِهِمَا، فَنَزَلَتْ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥] مَا يُنْبِئُ عَنِ انْقِطَاعِ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَقِصَّتِهَا مِنْ قِصَّةِ الْآيَاتِ قَبْلَهَا، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ الْمُحْتَكِمَيْنِ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَيَكُونُ فِيهَا بَيَانُ مَا احْتَكَمَ فِيهِ الزُّبَيْرُ وَصَاحِبُهُ الْأَنْصَارِيُّ، إِذْ كَانَتِ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ، كَانَ إِلْحَاقُ مَعْنَى بَعْضِ ذَلِكَ بِبَعْضٍ أَوْلَى مَا دَامَ الْكَلَامُ مُتَّسِقَةٌ مَعَانِيهِ عَلَى سِيَاقٍ وَاحِدٍ، إِلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى انْقِطَاعِ بَعْضِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ، فَيُعْدَلُ بِهِ عَنْ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيُسَلِّمُوا﴾ [النساء: ٦٥] فَإِنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٦٥] وَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٦٥] نُصِبَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]
٧ ‏/ ٢٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦]⦗٢٠٦⦘ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٦٦] وَلَوْ أَنَّا فَرَضْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ الْمُحْتَكِمِينَ إِلَى الطَّاغُوتِ أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسَهُمْ، وَأَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ، أَوْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ مُهَاجِرِينَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى سِوَاهَا مَا فَعَلُوهُ، يَقُولُ: مَا قَتَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ، وَلَا هَاجَرُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فَيَخْرُجُوا عَنْهَا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٦٦] هُمْ يَهُودُ يَعْنِي: وَالْعَرَبُ، كَمَا أُمِرَ أَصْحَابُ مُوسَى عليه السلام “
٧ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ [النساء: ٦٦] كَمَا أُمِرَ أَصْحَابُ مُوسَى أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْخَنَاجِرِ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ “
٧ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا، عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ ⦗٢٠٧⦘ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٦٦] افْتَخَرَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَرَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، فَقَتَلْنَا أَنْفُسَنَا. فَقَالَ ثَابِتٌ: وَاللَّهِ لَوْ كَتَبَ عَلَيْنَا أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ لَقَتَلْنَا أَنْفُسَنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذَا: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦]
٧ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارَكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٦٦] قَالَ رَجُلٌ: لَوْ أُمِرْنَا لَفَعَلْنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَانُ أَثْبَتُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ الرَّفْعِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٦٦] فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَفَعَ قَلِيلٌ لِأَنَّهُ جُعِلَ بَدَلًا مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُضَمَّرَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا فَعَلُوهُ﴾ [النساء: ٦٦] لِأَنَّ الْفِعْلَ لَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا رُفِعَ عَلَى نِيَّةِ التَّكْرِيرِ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ: مَا فَعَلُوهُ مَا فَعَلَهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ:
[البحر الوافر] وَكُلُّ أَخٍ مَفَارِقُهُ أَخُوهُ … لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
٧ ‏/ ٢٠٧
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: رُفِعَ الْقَلِيلُ بِالْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٦٦] وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلَهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. فَقِيلَ: مَا فَعَلُوهُ عَلَى الْخَبَرِ عَنِ الَّذِينَ مَضَى ذِكْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء: ٦٠]، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْقَلِيلَ، فَرُفِعَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، إِذْ كَانَ الْفِعْلُ مَنْفِيًّا عَنْهُ. وَهِيَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الشَّامِ: «مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» . وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ، فَلَا مَرَدَّ بِهِ عَلَى قَارِئِهِ فِي إِعْرَابِهِ، لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِذْ كَانَ الْفِعْلُ مَشْغُولًا بِمَا فِيهِ كِنَايَةَ مَنْ قَدْ جَرَى ذِكْرُهُ، ثُمَّ اسْتُثني مِنْهُمُ الْقَلِيلُ “
٧ ‏/ ٢٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَهُمْ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَيَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا، ﴿فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ [النساء: ٦٦] يَعْنِي: “مَا يُذَكَّرُونَ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١١٠] فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُمْ وَآجِلِ مَعَادِهِمْ، ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦] وَأَثْبَتَ لَهُمْ فِي أُمُورِهِمْ، وَأَقْوَمَ لَهُمْ عَلَيْهَا. وَذَلِكَ أَنَّ
٧ ‏/ ٢٠٨
الْمُنَافِقَ يَعْمَلُ عَلَى شَكٍّ، فَعَمَلُهُ يَذْهَبُ بَاطِلًا، وَغَنَاؤُهُ يَضْمَحِلُّ فَيَصِيرُ هَبَاءً، وَهُوَ بِشَكِّهِ يَعْمَلُ عَلَى وَنَاءٍ وَضَعْفٍ، وَلَوْ عَمِلَ عَلَى بَصِيرَةٍ لَاكْتَسَبَ بِعَمَلِهِ أَجْرًا وَلَكَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ ذُخْرًا وَكَانَ عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُ أَقْوَى لِنَفْسِهِ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا لِإِيمَانِهِ بِوَعْدِ اللَّهِ عَلَى طَاعَتِهِ وَعَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُهُ. وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦] تَصْدِيقًا. كَمَا:
٧ ‏/ ٢٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦] قَالَ: “تَصْدِيقًا، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُصَدِّقًا كَانَ لِنَفْسِهِ أَشَدَّ تَثْبِيتًا وَلِعَزْمِهِ فِيهِ أَشَدَّ تَصْحِيحًا وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ مِنْ إِعَادَتِهِ
٧ ‏/ ٢٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [النساء: ٦٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [النساء: ٦٦] لَإِيتَائِنَا إِيَّاهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ مَا وُعِظُوا بِهِ مِنْ طَاعَتِنَا وَالِانْتِهَاءِ إِلَى
٧ ‏/ ٢٠٩
أَمْرِنَا. ﴿أَجْرًا﴾ [النساء: ٤٠] يَعْنِي: “جَزَاءً وَثَوَابًا عَظِيمًا، وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا لِعَزَائِمِهِمْ وَآرَائِهِمْ، وَأَقْوَى لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ لِهِدَايَتِنَا إِيَّاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، يَعْنِي: طَرِيقًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الْقَوِيمُ الَّذِي اخْتَارَهُ لِعِبَادِهِ وَشَرَعَهُ لَهُمْ، وَذَلِكَ الْإِسْلَامُ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ﴾ [النساء: ٦٨] وَلَوَفَّقْنَاهُمْ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. ثُمَّ ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا وَعَدَ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام مِنَ الْكَرَامَةِ الدَّائِمَةِ لَدَيْهِ وَالْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ عِنْدَهُ. فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء: ٦٩] الْآيَةُ
٧ ‏/ ٢١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٧٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ بِالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِمَا، وَإِخْلَاصِ الرِّضَا بِحُكْمِهِمَا، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِمَا، وَالِانْزِجَارِ عَمَّا نَهَيَا عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَهُوَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِدَايَتِهِ وَالتَّوْفِيقِ لِطَاعَتِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَفِي الْآخِرَةِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. ﴿وَالصِّدِّيقِينَ﴾ [النساء: ٦٩] وَهُمْ جَمْعُ صِدِّيقٍ.
٧ ‏/ ٢١٠
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الصِّدِّيقِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الصِّدِّيقُونَ: تُبَّاعُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ صَدَقُوهُمْ وَاتَّبَعُوا مِنْهَاجَهُمْ بَعْدَهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِهِمْ. فكَأَنَّ الصِّدِّيقَ فَعِيلٌ عَلَى مَذْهَبِ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنَ الصِّدْقِ، كَمَا يُقَالَ رَجُلٌ سِكِّيرٌ مِنَ السَّكَرِ، إِذَا كَانَ مُدْمِنًا عَلَى ذَلِكَ، وَشِرِّيبٌ وَخِمِّيرٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ فَعِيلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِ تَأْوِيلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ؛ وَهُوَ مَا:
٧ ‏/ ٢١١
حَدَّثَنَا بِهِ، سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمَّتِي، قُرَيْبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّهَا، كَرِيمَةَ بِنْتِ الْمِقْدَادِ، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ عَنِ الْمِقْدَادِ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْكَ شَكَكْتُ فِيهِ. قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الْأَمْرِ فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ» قَالَ: قُلْتُ: قَوْلُكَ فِي أَزْوَاجِكَ: إِنِّي لَأَرْجُو لَهُنَّ مِنْ بَعْدِي الصِّدِّيقِينَ؟ قَالَ: «مَنْ تَعْنُونَ الصِّدِّيقِينَ؟» قُلْتُ: أَوْلَادُنَا الَّذِينَ يَهْلِكُونَ صِغَارًا. قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّ الصِّدِّيقِينَ هُمُ الْمُصَدِّقُونَ» وَهَذَا خَبَرٌ لَوْ كَانَ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا لَمْ نَسْتَجِزْ أَنْ نَعْدُوَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي ⦗٢١٢⦘ إِسْنَادِهِ بَعْضُ مَا فِيهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصِّدِّيقِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ، إِذْ كَانَ الْفَعِيلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِنَّمَا يَأْتِي إِذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنَ الْفِعْلِ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ، إِمَّا فِي الْمَدْحِ وَإِمَّا فِي الذَّمِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَةِ مَرْيَمَ: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ [المائدة: ٧٥] وَإِذَا كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا، كَانَ دَاخِلَا مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِمَا قُلْنَا فِي صِفَةِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقِينَ؛ ﴿وَالشُّهَدَاءِ﴾ [النساء: ٦٩] وَهُمْ جَمْعُ شَهِيدٍ: وَهُوَ الْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِيَامِهِ بِشَهَادَةِ الْحَقِّ فِي جَنْبِ اللَّهِ حَتَّى قُتِلَ. ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء: ٦٩] وَهُمْ جَمْعُ صَالِحٍ: وَهُوَ كُلُّ مَنْ صَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَحَسُنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَعَتَهُمْ وَوَصَفَهُمْ رُفَقَاءَ فِي الْجَنَّةِ. وَالرَّفِيقُ فِي لَفْظِ الْوَاحِدِ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] نَصَبْنَ الْهَوَى ثُمَّ ارْتَمَيْنَ قُلُوبَنَا … بِأَسْهُمِ أَعْدَاءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ
⦗٢١٣⦘ بِمَعْنَى: وَهُنَّ صَدَائِقُ. وَأَمَّا نَصْبُ الرَّفِيقِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَيَقُولُ: هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: كَرُمَ زَيْدٌ رَجُلًا، وَيَعْدِلُ بِهِ عَنْ مَعْنَى: نِعْمَ الرَّجُلُ، وَيَقُولُ: إِنَّ نِعْمَ لَا تَقَعُ إِلَى عَلَى اسْمٍ فِيهِ أَلِفٌ وَلَامٌ أَوْ عَلَى نَكِرَةٍ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَرُمَ زَيْدٌ مِنْ رَجُلٍ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ مِنْ رُفَقَاءَ؛ وَأَنَّ دُخُولَ مِنْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّفِيقَ مُفَسِّرَةٌ. قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: نَعِمْتُمْ رِجَالًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: وَحَسُنْتُمْ رُفَقَاءَ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِقَائِلِيهِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ لِأَنَّ قَوْمًا حَزِنُوا عَلَى فَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَذَرًا أَنْ لَا يَرَوْهُ فِي الْآخِرَةِ
٧ ‏/ ٢١١
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مَحْزُونٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا فُلَانُ مَالِي أَرَاكَ مَحْزُونًا»؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ شَيْءٌ فَكَّرْتُ فِيهِ. فَقَالَ: «مَا هُوَ؟» قَالَ: نَحْنُ نَغْدُو عَلَيْكَ وَنَرُوحُ، نَنْظُرُ فِي وَجْهِكَ وَنُجَالِسُكَ، غَدًا تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ فَلَا نَصِلُ إِلَيْكَ. فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ ﷺ شَيْئًا. فأَتَاهُ ⦗٢١٤⦘ جِبْرِيلُ عليه السلام بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] قَالَ: «فَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَبَشَّرَهُ»
٧ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ لَوْ قَدْ مُتَّ رُفِعْتَ فَوْقَنَا فَلَمْ نَرَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [النساء: ٦٩] الْآيَةُ “
٧ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ [النساء: ٦٩] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا قَالُوا: هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ نَرَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَيُرْفَعُ فَلَا نَرَاهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [النساء: ٦٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩]
٧ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦٩] الْآيَةُ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَكُنْتَ فِي أَعْلَاهَا وَنَحْنُ نَشْتَاقُ إِلَيْكَ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [النساء: ٦٩]
٧ ‏/ ٢١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [النساء: ٦٩] الْآيَةُ، قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ قَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَهُ فَضْلٌ عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ مِمَّنِ اتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَكَيْفَ لَهُمْ إِذَا اجْتَمَعُوا فِي الْجَنَّةِ أَنْ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ الْأَعْلَيْنَ يَنْحَدِرُونَ إِلَى مَنْ هُمْ أَسْفَلَ فَيَجْتَمِعُونَ فِي رِيَاضِهَا، فَيَذْكُرُونَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَيُنَزِّلُ لَهُمْ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ، فَيَسْعَوْنَ عَلَيْهِمْ بِمَا
٧ ‏/ ٢١٥
يَشْتَهُونَ وَمَا يَدْعُونَ بِهِ، فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ فِيهِ ” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٠] فَإِنَّهُ يَقُولُ: كَوْنُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَالرَّسُولَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴿الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٠] يَقُولُ ذَلِكَ عَطَاءُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَفَضْلُهُ عَلَيْهِمْ، لَا. بِاسْتِيجَابِهِمْ ذَلِكَ لِسَابِقَةٍ سَبَقَتْ لَهُمْ.
٧ ‏/ ٢١٦
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ لَيْسَ بِالطَّاعَةِ وَصَلُوا إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِفَضْلِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَهَدَاهُمْ بِهِ لِطَاعَتِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٧٠] يَقُولُ: “وَحَسْبُ الْعِبَادِ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ عَلِيمًا بِطَاعَةِ الْمُطِيعِ مِنْهُمْ وَمَعْصِيَةِ الْعَاصِي، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظُهُ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَهُمْ، فَيَجْزِيَ الْمُحْسِنَ مِنْهُمْ بِالْإِحْسَانِ، وَالْمُسِيءَ مِنْهُمْ بِالْإِسَاءَةِ، وَيَعْفُو عَمَّنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ
٧ ‏/ ٢١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء: ٧١] خُذُوا جُنَّتَكُمْ وَأَسْلِحَتَكُمُ الَّتِي تَتَّقُونَ بِهَا مِنْ عَدُوِّكُمْ لِغَزْوِهِمْ وَحَرْبِهِمْ ﴿فَانْفِرُوا﴾ [النساء: ٧١] إِلَيْهِمْ ﴿ثُبَاتٍ﴾ [النساء: ٧١]: وَهِيَ جَمْعُ ثُبَةٍ، وَالثُّبَةُ: الْعَصَبَةُ؛ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَانْفِرُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ مُتَسَلِّحِينَ، وَمِنَ الثُّبَةِ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
[البحر الوافر] وَقَدْ أَغْدُو عَلَى ثُبَةٍ كِرَامٍ … نَشَاوَى وَاجِدِينَ لِمَا نَشَاءُ
⦗٢١٨⦘ وَقَدْ تُجْمَعُ الثُّبَةُ عَلَى ثُبِينَ. ﴿أَوْ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١] يَقُولُ: “أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا مَعَ نَبِيِّكُمْ ﷺ لِقِتَالِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ [النساء: ٧١] يَقُولُ: «عُصَبًا، يَعْنِي: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١] يَعْنِي كُلَّكُمْ»
٧ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ [النساء: ٧١] قَالَ: «فِرَقًا قَلِيلًا قَلِيلًا»
٧ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ [النساء: ٧١] قَالَ: «الثُّبَاتُ: الْفِرَقُ» حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ [النساء: ٧١] فَهِيَ الْعُصْبَةُ، وَهِيَ الثُّبَةُ. ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١] مَعَ النَّبِيِّ ﷺ “
٧ ‏/ ٢١٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ [النساء: ٧١] يَعْنِي: «عُصَبًا مُتَفَرِّقِينَ»
٧ ‏/ ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٢] وَهَذَا نَعْتٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُنَافِقِينَ، نَعَتَهُمْ لِنَبِيِّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٧٢] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، يَعْنِي: مِنْ عِدَادِكُمْ وَقَوْمِكُمْ وَمَنْ يَتَشَبَّهُ بِكُمْ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَعْوَتِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ، وَهُوَ مُنَافِقٌ يُبَطِّئُ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْكُمْ عَنْ جِهَادِ عَدُوِّكُمْ وَقِتَالِهِمْ إِذَا أَنْتُمْ نَفَرْتُمْ إِلَيْهِمْ. ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [النساء: ٧٢] يَقُولُ: “فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ هَزِيمَةٌ، أَوْ نَالَكُمْ قَتْلٌ أَوْ جِرَاحٌ مِنْ عَدُوِّكُمْ قَالَ: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا، فَيُصِيبُنِي جِرَاحٌ أَوْ أَلَمٌ أَوْ قَتْلٌ، وَسَرَّهُ تَخَلُّفُهُ عَنْكُمْ شَمَاتَةً بِكُمْ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ فِي وَعْدِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا نَالَهُمْ فِي سَبِيلِهِ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَفِي وَعِيدِهِ،
٧ ‏/ ٢١٩
فَهُوَ غَيْرُ رَاجٍ ثَوَابًا وَلَا خَائِفٍ عِقَابًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [النساء: ٧٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٤] مَا بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْمُنَافِقِينَ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: ٧٢] عَنِ الْجِهَادِ وَالْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٢] قَالَ: «هَذَا قَوْلُ مُكَذِّبٍ»
٧ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْمُنَافِقُ يُبَطِّئُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْجِهَادِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [النساء: ٧٢] قَالَ: “بِقَتْلِ الْعَدُوِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ ⦗٢٢١⦘ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٢] قَالَ: «هَذَا قَوْلُ الشَّامِتِ»
٧ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ [النساء: ٧٢] قَالَ: «هَزِيمَةٌ» وَدَخَلَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ ﴿لَمَنْ﴾ [البقرة: ١٠٢] وَفُتِحَتْ لِأَنَّهَا اللَّامُ الَّتِي تَدْخُلُ تَوْكِيدًا لِلْخَبَرِ مَعَ إِنَّ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّ فِي الدَّارِ لَمَنْ يُكْرِمُكَ، وَأَمَّا اللَّامُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فِي: ﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: ٧٢] فَدَخَلِتْ لِجَوَابِ الْقَسَمِ، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنَّ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ لَمَنْ وَاللَّهِ لَيُبَطِّئَنَّ
٧ ‏/ ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٣] وَلَئِنْ أَظْفَرَكُمُ اللَّهُ بِعَدُوِّكُمْ، فَأَصَبْتُمْ مِنْهُمْ غَنِيمَةً ﴿لَيَقُولَنَّ﴾ [النساء: ٧٣] هَذَا الْمُبَطِّئُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمُنَافِقُ ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ﴾ [النساء: ٧٣] بِمَا أُصِيبُ مَعَهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةَ ﴿فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّ شُهُودَهُمُ الْحَرْبَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ شَهِدُوهَا لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ تَخَلَّفُوا عَنْهَا فَلِلشَّكِّ الَّذِي
٧ ‏/ ٢٢١
فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ لِحُضُورِهَا ثَوَابًا وَلَا يَخَافُونَ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهَا مِنَ اللَّهِ عِقَابًا. وَكَانَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولَانِ: إِنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِذَا كَانَ الظَّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ، حَسَدًا مِنْهُمْ لَهُمْ
٧ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٣] قَالَ: «قَوْلُ حَاسِدٍ»
٧ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٣] قَالَ: “ظُهُورُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَأَصَابُوا الْغَنِيمَةَ ﴿لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٣] قَالَ: «قَوْلُ الْحَاسِدِ»
٧ ‏/ ٢٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٤] وَهَذَا حَضٌّ مِنَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ عَلَى أَحَايِينِهِمْ غَالِبِينَ كَانُوا أَوْ مَغْلُوبِينَ، وَالتَّهَاوُنِ
٧ ‏/ ٢٢٢
بِأَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي جِهَادِ مَنْ جَاهَدُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَعَ جِهَادُهُمْ إِيَّاهُمْ مَغْلُوبِينَ كَانُوا أَوْ غَالِبِينَ؛ مَنْزِلَةً مِنَ اللَّهِ رَفِيعَةً. يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٤] يَعْنِي: «فِي دِينِ اللَّهِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَالدُّخُولِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ بِهِ ﴿الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء: ٧٤] يَعْنِي:»الَّذِينَ يَبِيعُونَ حَيَاتَهُمُ الدُّنْيَا بِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ أَهْلَ طَاعَتِهِ فِيهَا. وبِيَعُهُمْ إِيَّاهَا بِهَا إِنْفَاقُهُمْ أَمْوَالَهُمْ فِي طَلَبِ رِضَا اللَّهِ، كَجِهَادِ مَنْ أَمَرَ بِجِهَادِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاءِ دِينِهِ، وَبَذْلِهِمْ مُهَجَهُمْ لَهُ فِي ذَلِكَ. أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِذَا فَعَلُوهُ، فَقَالَ: ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٤] يَقُولُ: وَمنْ يُقَاتِلْ فِي طَلَبِ إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ وَإِعَلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَعْدَاءَ اللَّهِ، ﴿فَيُقْتَلْ﴾ [النساء: ٧٤]، يَقُولُ: فَيَقْتُلْهُ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَوْ يَغْلَبَهُمْ فَيَظْفَرُ بِهِمْ ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٧٤] يَقُولُ: فَسَوْفَ نُعْطِيهِ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابًا وَأَجْرًا عَظِيمًا. وَلَيْسَ لِمَا سَمَّى جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَظِيمًا مِقْدَارٌ يَعْرِفُ مَبْلَغَهُ عِبَادُ اللَّهِ، قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى مَعْنَى شَرَيْتُ فِي كَلَامِ
٧ ‏/ ٢٢٣
الْعَرَبِ بِعْتُ بِمَا أَغْنَى. وَقَدْ:
٧ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء: ٧٤] يَقُولُ: «يَبِيعُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ»
٧ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء: ٧٤] فَيَشْرِي: يَبِيعُ، وَيَشْرِي: يَأْخُذُ، وَإِنَّ الْحَمْقَى بَاعُوا الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ “
٧ ‏/ ٢٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَا لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ، يَقُولُ: عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْكُمْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ. فَأَمَّا مِنَ الرِّجَالِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ، فَغَلَبَتْهُمْ عَشَائِرُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْقَهْرِ لَهُمْ وَآذَوْهُمْ وَنَالُوهُمْ بِالْعَذَابِ وَالْمَكَارِهِ فِي أَبْدَانِهِمْ، لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ. فحَضَّ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ مِنْ أَيْدِي مَنْ قَدْ غَلَبَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ لَهُمْ: وَمَا شَأْنُكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَنْ مُسْتَضْعَفِي أَهْلِ
٧ ‏/ ٢٢٤
دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمُ الَّذِينَ قَدِ اسْتَضْعَفَهُمُ الْكُفَّارُ فَاسْتَذَلُّوهُمُ ابْتِغَاءَ فِتْنَتِهِمْ وَصَدِّهِمْ عَنْ دِينِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟ وَالْوِلْدَانِ جَمْعُ وَلَدٍ: وَهُمُ الصِّبْيَانُ. ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ رَبَّهُمْ بِأَنْ يُنْجِيهِمْ مِنْ فِتْنَةِ مَنْ قَدِ اسْتَضْعَفَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: يَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَدِينَةٍ قَرْيَةً، يَعْنِي: الَّتِي قَدْ ظَلَمَتْنَا وَأَنْفَسُهَا أَهْلُهَا. وَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِيمَا فَسَّرَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ مَكَّةُ وَخَفَضَ الظَّالِمَ، لِأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الْأَهْلِ، وَقَدْ عَادَتِ الْهَاءُ وَالْأَلِفُ اللَّتَانِ فِيهِ عَلَى الْقَرْيَةِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا تَقَدَّمَتْ صِفَةُ الِاسْمِ الَّذِي مَعَهُ عَائِدٌ لِاسْمٍ قَبْلَهَا أَتْبَعَتْ إِعْرَابَهَا إِعْرَابَ الِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهَا كَأَنَّهَا صِفَةٌ لَهُ، فَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِالرَّجُلِ الْكَرِيمِ أَبُوهُ. ﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ [النساء: ٧٥] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا فِي دُعَائِهِمْ: يَا رَبَّنَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ عِنْدِكَ وَلِيًّا يَلِي أَمْرَنَا بِالْكِفَايَةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ فِتْنَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ ﴿وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٧٥] يَقُولُونَ: وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ عِنْدِكَ مَنْ يَنُصُرُنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا، بِصَدِّهِمْ إِيَّانَا عَنْ سَبِيلِكَ حَتَّى تُظْفِرَنَا بِهِمْ وَنُعْلِيَ دِينَكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥] قَالَ: «أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْ مُسْتَضْعَفِي الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ»
٧ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء: ٧٥] الصِّبْيَانُ ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥] مَكَّةُ، أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْ مُسْتَضْعَفِينَ مُؤْمِنِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ “
٧ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥] يَقُولُ: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَمَّا الْقَرْيَةُ: فَمَكَّةُ»
٧ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ، عَنْ ⦗٢٢٧⦘ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ [النساء: ٧٥] قَالَ: «وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ»
٧ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، يَقُولُ: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء: ٧٥] قَالَ: «فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ»
٧ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥] قَالَا: خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمَةِ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي الطَّرِيقِ، فَنَأَى بِصَدْرِهِ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ، فَاحْتَجَّتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأُمِرُوا أَنْ يَقْدُرُوا أَقْرَبَ الْقَرْيَتَيْنِ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ بِشِبْرٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرَّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ، فَتَوَفَّتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ “
٧ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء: ٧٥] هُمْ أُنَاسٌ مُسْلِمُونَ كَانُوا بِمَكَّةَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا لِيُهَاجِرُوا، فَعَذَرَهُمُ اللَّهُ، وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥] فَهِيَ مَكَّةُ “
٧ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ [النساء: ٧٥] قَالَ: «وَمَا لَكُمْ لَا تَفْعَلُونَ، تُقَاتِلُونَ لِهَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ يَدْعُونَ اللَّهَ بِأَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا، فَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قُوَّةٌ؟ فَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ حَتَّى يُسْلِمَ لِلَّهِ هَؤُلَاءِ وَدِينَهُمْ؟ قَالَ: وَالْقَرْيَةُ الظَّالِمُ أَهْلُهَا: مَكَّةُ»
٧ ‏/ ٢٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٧٦]
٧ ‏/ ٢٢٨
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَيْقَنُوا بِمَوْعُودِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٦] يَقُولُ: «فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَمِنْهَاجِ دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٧٦] يَقُولُ:»وَالَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: ٧٦] يَعْنِي: “فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَطَرِيقِهِ وَمِنْهَاجِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ. يَقُولُ اللَّهُ مُقَوِّيًا عَزْمَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمُحَرِّضَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاءِ دِينِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ ﴿فَقَاتِلُوا﴾ [النساء: ٧٦] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ﴾ [النساء: ٧٦] يَعْنِي بِذَلِكَ: الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَيُطِيعُونَ أَمْرَهُ فِي خِلَافِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِهِ وَيَنْصُرُونَهُ ﴿إِنَّ كَيَدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٧٦] يَعْنِي بِكَيْدِهِ: مَا كَادَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تَحْزِيبِهِ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْكُفَّارِ بِاللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ وَأَوْلِيَائِهِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ. يَقُولُ: فَلَا تَهَابُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّمَا هُمْ حِزْبُهُ وَأَنْصَارُهُ، وَحِزْبُ الشَّيْطَانِ أَهْلُ وَهَنٍ وَضَعْفٍ. وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالضَّعْفِ، لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ رَجَاءَ ثَوَابٍ، وَلَا يَتْرُكُونَ الْقِتَالَ خَوْفَ عِقَابٍ، وَإِنَّمَا يُقَاتِلُونَ حَمِيَّةً أَوْ حَسَدًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَالْمُؤْمِنُونَ يُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ رَجَاءَ الْعَظِيمِ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ، وَيَتْرُكُ الْقِتَالَ إِنْ تَرَكَهُ عَلَى خَوْفٍ مِنْ وَعِيدِ اللَّهِ فِي تَرْكِهِ، فَهُوَ يُقَاتِلُ عَلَى بَصِيرَةٍ بِمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ، وَبِمَا لَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالظَّفَرِ إِنْ سَلِمَ. وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ عَلَى حَذَرٍ مِنَ الْقَتْلِ،
٧ ‏/ ٢٢٩
وَإِيَاسَ مِنْ مَعَادٍ، فَهُوَ ذُو ضَعْفٍ وَخَوْفٍ
٧ ‏/ ٢٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٧٧] ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادُ، وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَكَانُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ، فَلَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَقَالُوا مَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ. فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ [النساء: ٧٧] أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِكَ يَا مُحَمَّدُ فَتَعْلَمَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِكَ حِينَ سَأَلُوكَ أَنْ تَسْأَلَ رَبَّكَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، فَأَمْسِكُوهَا عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَحَرْبِهِمْ. ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] يَقُولُ: «وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِحُدُودِهَا. ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] يَقُولُ:»وَأَعْطُوا الزَّكَاةَ أَهْلَهَا، الَّذِينَ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، تَطْهِيرًا لِأَبْدَانِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؛ كَرِهُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ كَفِّ الْأَيْدِي عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ﴾ [البقرة: ٢٤٦] يَقُولُ: “فَلَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِمُ
٧ ‏/ ٢٣٠
الْقِتَالُ الَّذِي كَانُوا سَأَلُوا أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٧٧] يَعْنِي: «جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ﴾ [النساء: ٧٧] يَقُولُ:»يَخَافُونَ النَّاسَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ ﴿كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ [النساء: ٧٧] أَوْ أَشَدَّ خَوْفًا. وَقَالُوا: جَزَعًا مِنَ الْقِتَالِ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴿لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ﴾ [النساء: ٧٧] لِمَ فَرَضْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ، رُكُونًا مِنْهُمْ إِلَى الدُّنْيَا، وَإِيثَارًا لِلدَّعَةِ فِيهَا وَالْخَفْضِ، عَلَى مَكْرُوهِ لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَمَشَقَّةِ حَرْبِهِمْ وَقِتَالِهِمْ ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنَا﴾ [النساء: ٧٧] يُخْبِرُ عَنْهُمْ قَالُوا: هَلَا أَخَّرْتَنَا ﴿إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ٧٧] يَعْنِي إِلَى أَنْ يَمُوتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ وَفِي مَنَازِلِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ الْآثَارِ بِذَلِكَ، وَالرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَهُ:
٧ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَأَصْحَابًا، لَهُ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً. فَقَالَ: «إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا» فَلَمَّا حَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ [النساء: ٧٧] الْآيَةُ “
٧ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ [النساء: ٧٧] عَنِ النَّاسِ ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٧٧] نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ٧٧] قَالَ: «إِلَى أَنْ نَمُوتَ مَوْتًا هُوَ الْأَجَلُ الْقَرِيبُ»
٧ ‏/ ٢٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ٧٧] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ٧٧] قَالَ: «كَانَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، تَسَرَّعُوا إِلَى الْقِتَالِ، فَقَالُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: ذَرْنَا نَتَّخِذْ مَعَاوِلَ فَنُقَاتِلَ بِهَا الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ. فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ» فَلَمَّا كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَأُمِرَ بِالْقِتَالِ، كَرِهَ الْقَوْمُ ذَلِكَ، فَصَنَعُوا فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٧٧]»
٧ ‏/ ٢٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [النساء: ٧٧] قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إِلَّا الصَّلَاةُ ⦗٢٣٣⦘ وَالزَّكَاةُ، فَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ [النساء: ٧٧] الْآيَةُ إِلَى: ﴿إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ٧٧] وَهُوَ الْمَوْتُ قَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [النساء: ٧٧] وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ وَآيَاتٌ بَعْدَهَا فِي الْيَهُودِ»
٧ ‏/ ٢٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ٧٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣] مَا بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْيَهُودِ “
٧ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٧٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ﴾ [النساء: ٧٧] نَهَى اللَّهُ تبارك وتعالى هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يَصْنَعُوا صَنِيعَهُمْ “
٧ ‏/ ٢٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٧٧] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النساء: ٧٧] قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا ﴿رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا
٧ ‏/ ٢٣٣
إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: ٧٧] عَيْشُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَتَمَتُّعُكُمْ بِهَا قَلِيلٌ، لِأَنَّهَا فَانِيَةٌ، وَمَا فِيهَا فَانٍ ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ [النساء: ٧٧] يَعْنِي: «وَنَعِيمُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ، وَنَعِيمُهَا بَاقٍ دَائِمٌ. وَإِنَّمَا قِيلَ: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَمَعْنَى الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ نَعِيمُهَا، لِدَلَالَةِ ذِكْرِ الْآخِرَةِ بِالَّذِي ذَكَرْتُ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠٣] يَعْنِي:»لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، فَأَطَاعَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٧٧] يَعْنِي: “وَلَا يَنْقُصُكُمُ اللَّهُ مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِكُمْ فَتِيلًا؛ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفَتِيلِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا
٧ ‏/ ٢٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: حَيْثُمَا تَكُونُوا يَنَلْكُمُ الْمَوْتُ فَتَمُوتُوا، ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] يَقُولُ: “لَا تَجْزَعُوا مِنَ الْمَوْتِ وَلَا تَهْرَبُوا مِنَ الْقِتَالِ وَتَضْعُفُوا عَنْ لِقَاءِ عَدُوِّكُمْ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ بِإِزَائِكُمْ أَيْنَ كُنْتُمْ، وَوَاصِلٌ إِلَى أَنْفُسِكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ وَلَوْ تَحَصَّنْتُمْ مِنْهُ بِالْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِهِ: قُصُورٌ مُحَصَّنَةٍ
٧ ‏/ ٢٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي ⦗٢٣٥⦘ بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] يَقُولُ: «فِي قُصُورٍ مُحَصَّنَةٍ»
٧ ‏/ ٢٣٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: ثنا كَثِيرٌ أَبُو الْفَضْلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ فِيمَنْ قَبْلَكُمُ امْرَأَةٌ، وَكَانَ لَهَا أَجِيرٌ، فَوَلَدَتْ جَارِيَةً فَقَالَتْ لِأَجِيرِهَا: اقْتَبِسْ لَنَا نَارًا. فَخَرَجَ فَوَجَدَ بِالْبَابِ رَجُلًا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا وَلَدَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: جَارِيَةً قَالَ: أَمَا إِنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ لَا تَمُوتُ حَتَّى تَبْغِيَ بِمِائَةٍ، وَيَتَزَوَّجَهَا أَجِيرُهَا، وَيَكُونَ مَوْتُهَا بِالْعَنْكَبُوتِ. قَالَ: فَقَالَ الْأَجِيرُ فِي نَفْسِهِ: فَأَنَا أُرِيدُ هَذِهِ بَعْدَ أَنْ تَفْجُرَ بِمِائَةٍ. فَأَخَذَ شَفْرَةً فَدَخَلَ، فَشَقَّ بَطْنَ الصَّبِيَّةِ. وعُولِجَتْ فَبَرِئَتْ، فَشَبَّتْ، وَكَانَتْ تَبْغِي، فَأَتَتْ سَاحِلًا مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ، فَأَقَامَتْ عَلَيْهِ تَبْغِي. ولَبِثَ الرَّجُلُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَدِمَ ذَلِكَ السَّاحِلَ وَمَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ السَّاحِلِ: ابْغِينِي امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ امْرَأَةٍ فِي الْقَرْيَةِ أَتَزَوَّجُهَا. فَقَالَتْ: هَهُنَا امْرَأَةٌ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ، وَلَكِنَّهَا تَبْغِي. قَالَ: ائْتِنِي بِهَا. فَأَتَتْهَا فَقَالَتْ: قَدْ قَدِمَ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ قَالَ لِي كَذَا، فَقُلْتُ لَهُ كَذَا. فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ الْبِغَاءَ، وَلَكِنْ إِنْ أَرَادَ تَزَوَّجْتُهُ. قَالَ: فَتَزَوَّجَهَا، فَوَقَعَتْ مِنْهُ مَوْقِعًا، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عِنْدَهَا، إِذْ أَخْبَرَهَا بِأَمْرِهِ، فَقَالَتْ: أَنَا تِلْكَ الْجَارِيَةُ، وَأَرَتْهُ الشِّقَّ فِي بَطْنِهَا، وَقَدْ كُنْتُ أَبْغِي، فَمَا أَدْرِي بِمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ قَالَ: فَإِنَّهُ قَالَ لِي: يَكُونُ مَوْتُهَا بِالْعَنْكَبُوتِ. قَالَ: فَبَنَى ⦗٢٣٦⦘ لَهَا بُرْجًا بِالصَّحَرَاءِ وَشَيَّدَهُ. فبَيْنَمَا هُمَا يَوْمًا فِي ذَلِكَ الْبُرْجِ، إِذَا عَنْكَبُوتٌ فِي السَّقْفِ فَقَالَتْ: هَذَا يَقْتُلُنِي؟ لَا يَقْتُلُهُ أَحَدٌ غَيْرِي. فحَرَّكَتْهُ فَسَقَطَ، فَأَتَتْهُ فَوَضَعَتْ إِبْهَامَ رِجْلِهَا عَلَيْهِ فَشَدَخَتْهُ، وَسَاحَ سُمُّهُ بَيْنَ ظُفْرِهَا وَاللَّحْمِ، فَاسْوَدَّتْ رِجْلُهَا فَمَاتَتْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨]
٧ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] قَالَ: «قُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: قُصُورٌ بِأَعْيَانِهَا فِي السَّمَاءِ
٧ ‏/ ٢٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ وَهِيَ قُصُورٌ بِيضٌ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا مَبْنِيَّةٌ “
٧ ‏/ ٢٣٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ
٧ ‏/ ٢٣٦
كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] يَقُولُ: «وَلَوْ كُنْتُمْ فِي قُصُورٍ فِي السَّمَاءِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى الْمُشَيَّدَةِ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمُ: الْمُشَيَّدَةُ: الطَّوِيلَةُ. قَالَ: وَأَمَّا الْمَشِيدُ بِالتَّخْفِيفِ، فَإِنَّهُ الْمُزَيَّنُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ نَحْو ذَلِكَ الْقَوْلِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: الْمَشِيدُ بِالتَّخْفِيفِ: الْمَعْمُولُ بِالشِّيدِ، وَالشِّيدُ: الْجَصُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: الْمُشَيَّدُ وَالْمَشِيدُ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنَّ مَا شُدِّدَ مِنْهُ فَإِنَّمَا يُشَدَّدُ لِتَرَدُّدِ الْفِعْلِ فِيهِ فِي جَمْعٍ مِثْلِ قَوْلِهِمْ: هَذِهِ ثِيَابٌ مُصَبَّغَةٌ، وَغَنَمٌ مُذَبَّحَةٌ، فَشُدِّدَ لِأَنَّهَا جَمْعٌ يُفَرَّقُ فِيهَا الْفِعْلُ، وَكَذَلِكَ مِثْلُهُ قُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ، لِأَنَّ الْقُصُورَ كَثِيرَةٌ تَرَدَّدَ فِيهَا التَّشْيِيدُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: بُرُوجٌ مُشَيَّدَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ﴾ [يوسف: ٢٣] وَكَمَا يُقَالَ: كَسَّرْتَ الْعُودَ: إِذَا جَعَلْتَهُ قِطَعًا، أَيْ قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ. وَقَدْ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ التَّخْفِيفُ، فَإِذَا أُفْرِدَ مِنْ ذَلِكَ الْوَاحِدُ، فَكَانَ الْفِعْلُ يَتَرَدَّدُ فِيهِ وَيَكْثُرُ تُرَدُّدُهُ فِي جَمْعٍ مِنْهُ، جَازَ التَّشْدِيدُ عِنْدَهُمْ وَالتَّخْفِيفُ، فَيُقَالَ مِنْهُ: هَذَا ثَوْبٌ مُخَرَّقٌ وَجِلْدٌ مُقَطَّعٌ، لِتَرَدُّدِ الْفِعْلِ فِيهِ وَكَثْرَتِهِ بِالْقَطْعِ وَالْخَرْقِ. وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يَكْثُرُ فِيهِ وَلَا يَتَرَدَّدُ لَمْ يُجِيزُوهُ إِلَّا بِالتَّخْفِيفِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ: رَأَيْتُ كَبْشًا مَذْبُوحًا، وَلَا يُجِيزُونَ فِيهِ
٧ ‏/ ٢٣٧
مُذَبَّحًا، لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ تَرَدُّدَ التَّخَرُّقِ فِي الثَّوْبِ. وَقَالُوا: فَلِهَذَا قِيلَ: قَصْرٌ مَشِيدٌ، لِأَنَّهُ وَاحِدٌ، فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: كَبْشٌ مَذْبُوحٌ. وَقَالُوا: جَائِزٌ فِي الْقَصْرِ أَنْ يُقَالَ قَصْرٌ مَشِيدٌ بِالتَّشْدِيدِ، لِتَرَدُّدِ الْبِنَاءِ فِيهِ وَالتَّشْيِيدِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي كَبْشٍ مَذْبُوحٍ، لِمَا ذَكَرْنَا
٧ ‏/ ٢٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [النساء: ٧٨] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] وَإِنْ يَنَلْهُمْ رَخَاءٌ وَظَفَرٌ وَفَتْحٌ وَيُصِيبُوا غَنِيمَةً يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي: مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَمِنْ تَقْدِيرِهِ، ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [النساء: ٧٨] يَقُولُ: “وَإِنْ تَنَلْهُمْ شِدَّةٌ مِنْ عَيْشٍ وَهَزِيمَةٌ مِنْ عَدُوٍّ وَجِرَاحٌ وَأَلَمٌ، يَقُولُوا لَكَ يَا مُحَمَّدُ: هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ بِخَطَئِكَ التَّدْبِيرَ. وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ لِنَبِيِّهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ [النساء: ٧٧] وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبِي ⦗٢٣٩⦘ جَعْفَرٍ قَالَا: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [النساء: ٧٨] قَالَ: «هَذِهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [النساء: ٧٨] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ [النساء: ٧٩] قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْحَرْبِ. فَقَرَأَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ﴾ [النساء: ٧٨] مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، أَسَاءَ التَّدْبِيرَ وَأَسَاءَ النَّظَرَ، مَا أَحْسَنَ التَّدْبِيرَ وَلَا النَّظَرَ»
٧ ‏/ ٢٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ حَسَنَةً هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ سَيِّئَةٌ هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ: كُلُّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دُونِي وَدُونَ غَيْرِي، مِنْ عِنْدِهِ الرَّخَاءُ وَالشِّدَّةُ، وَمِنْهُ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ، وَمِنْ عِنْدِهِ الْقَتْلُ وَالْهَزِيمَةُ. ⦗٢٤٠⦘ كَمَا:
٧ ‏/ ٢٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ “
٧ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] النَّصْرُ وَالْهَزِيمَةُ “
٧ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ يَقُولُ: «الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَمَّا الْحَسَنَةُ فَأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكَ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَابْتَلَاكَ بِهَا»
٧ ‏/ ٢٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ﴾ فَمَا شَأْنُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةً يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٧٨] يَقُولُ: “لَا يَكَادُونَ يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا تُخْبِرُهُمْ بِهِ مِنْ أَنِّ كُلَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ ضَرٍّ وَشِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ، فَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَا يَقْدِرُ ⦗٢٤١⦘ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَلَا يُصِيبُ أَحَدًا سَيِّئَةٌ إِلَّا بِتَقْدِيرِهُ، وَلَا يُنَالُ رَخَاءٌ وَنِعْمَةٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. وَهَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ عِبَادَهُ أَنَّ مَفَاتِحَ الْأَشْيَاءِ كُلَّهَا بِيَدِهِ، لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ
٧ ‏/ ٢٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٩] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] مَا يُصِيبُكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَخَاءٍ وَنِعْمَةٍ وَعَافِيَةٍ وَسَلَامَةٍ، فَمِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْكَ يَتَفَضَّلُ بِهِ عَلَيْكَ إِحْسَانًا مِنْهُ إِلَيْكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] يَعْنِي: “وَمَا أَصَابَكَ مِنْ شِدَّةٍ وَمَشَقَّةٍ وَأَذًى وَمَكْرُوهٍ، فَمِنْ نَفْسِكَ، يَعْنِي: بِذَنْبٍ اسْتَوْجَبْتَهَا بِهِ اكْتَسَبَتْهُ نَفْسُكَ. كَمَا:
٧ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] أَمَّا مِنْ نَفْسِكَ، فَيَقُولُ: مِنْ ذَنْبِكَ “
٧ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] عُقُوبَةً يَا ابْنَ آدَمَ بِذَنْبِكَ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «لَا يُصِيبُ رَجُلًا خَدْشُ عُودٍ وَلَا عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلَا اخْتِلَاجُ عِرْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ أَكْثَرُ»
٧ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] يَقُولُ: «الْحَسَنَةُ: مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَتْحِ، وَالسَّيِّئَةُ: مَا أَصَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ شُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ»
٧ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] يَقُولُ: «بِذَنْبِكَ. ثُمَّ قَالَ: ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٨] النِّعَمُ وَالْمُصِيبَاتُ»
٧ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَا: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَوْلُهُ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] قَالَ: «هَذِهِ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ» ⦗٢٤٣⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] قَالَ: «عُقُوبَةً بِذَنْبِكَ»
٧ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] بِذَنْبِكَ، كَمَا قَالَ لِأَهْلِ أُحُدٍ: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] بِذُنُوبِكُمْ “
٧ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] قَالَ: «بِذَنْبِكَ، وَأَنَا قَدَّرْتُهَا عَلَيْكَ»
٧ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٩] وَأَنَا الَّذِي قَدَّرْتُهَا عَلَيْكَ ” حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، بِمِثْلِهِ ⦗٢٤٤⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ دُخُولِ مِنْ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ﴾ [النساء: ٧٩] وَ﴿مِنْ سَيِّئَةٍ﴾ [النساء: ٧٩] قِيلَ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أُدْخِلَتْ مِنْ، لِأَنَّ مِنْ تَحْسُنُ مَعَ النَّفْيِ، مِثْلُ: مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ. قَالَ: وَدُخُولُ الْخَبَرِ بِالْفَاءِ لَازِمًا بِمَنْزِلَةِ مِنْ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أُدْخِلَتْ مِنْ مَعَ مَا، كَمَا تَدْخُلُ عَلَى إِنْ فِي الْجَزَاءِ لِأَنَّهُمَا حَرْفَا جَزَاءٍ، وَكَذَلِكَ تَدْخُلُ مَعَ مِنْ إِذَا كَانَتْ جَزَاءً، فَتَقُولُ الْعَرَبُ: مَنْ يَزُرْكَ مِنْ أَحَدٍ فَتُكْرِمَهُ، كَمَا تَقُولُ: إِنْ يَزُرْكَ مِنْ أَحَدِ فَتُكْرِمَهُ. قَالَ: وَأَدْخَلُوهَا مَعَ مَا وَمِنْ، لِيُعْلَمَ بِدُخُولِهَا مَعَهُمَا أَنَّهُمَا جَزَاءٌ. قَالُوا: وَإِذَا دَخَلَتْ مَعَهُمَا لَمْ تُحْذَفْ، لِأَنَّهَا إِذَا حُذِفَتْ صَارَ الْفِعْلُ رَافِعًا شَيْئَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ﴾ [النساء: ٧٩] رُفِعَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَصَابَكَ﴾ [النساء: ٧٩] فَلَوْ حُذِفَتْ مِنْ رَفَعَ قَوْلُهُ: ﴿أَصَابَكَ﴾ [النساء: ٧٩] السَّيِّئَةَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: إِنْ تُصِبْكَ سَيِّئَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ حَذْفُ مِنْ لِذَلِكَ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ عَلَى فَعَلَ أَوْ يَفْعَلُ لَا يَرْفَعُ شَيْئَيْنٍ، وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ مِنْ، لِأَنَّهَا تَشْتَبِهُ بِالصِّفَاتِ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ اسْمٍ، فَأَمَّا إِنْ، فَإِنَّ مِنْ تَدْخُلُ مَعَهَا وَتَخْرُجُ، وَلَا تَخْرُجُ مَعَ أَيْ لِأَنَّهَا تُعْرَبُ فَيَبِينُ فِيهَا الْإِعْرَابُ، ⦗٢٤٥⦘ وَدَخَلَتْ مَعَ مَا لِأَنَّ الْإِعْرَابَ لَا يَظْهَرُ فِيهَا
٧ ‏/ ٢٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٧٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ [النساء: ٧٩] إِنَّمَا جَعَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ رَسُولًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْخَلْقِ تُبَلِّغُهُمْ مَا أَرْسَلْنَاكَ بِهِ مِنْ رِسَالَةٍ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ غَيْرُ الْبَلَاغِ وَأَدَاءِ الرِّسَالَةِ إِلَى مَنْ أُرْسِلْتَ، فَإِنْ قَبِلُوا مَا أُرْسِلْتَ بِهِ فَلِأَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ رَدُّوا فَعَلَيْهَا. ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ﴾ [النساء: ٦] عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمْ ﴿شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] يَقُولُ: “حَسْبُكَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ شَاهِدًا عَلَيْكَ فِي بَلَاغِكَ مَا أَمَرْتُكَ بِبَلَاغِهِ مِنْ رِسَالَتِهِ وَوَحْيِهِ، وَعَلَى مَنْ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِ فِي قَبُولِهِمْ مِنْكَ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُكَ وَأَمْرُهُمْ، وَهُوَ مُجَازِيكَ بِبَلَاغِكَ مَا وَعَدَكَ، وَمُجَازِيهِمْ مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ جَزَاءَ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ
٧ ‏/ ٢٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: ٨٠] وَهَذَا إِعْذَارٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ فِي نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ: مَنْ يُطِعْ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مُحَمَّدًا،
٧ ‏/ ٢٤٥
فَقَدْ أَطَاعَنِي بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ، فَاسْمَعُوا قَوْلَهُ، وَأَطِيعُوا أَمْرَهُ، فَإِنَّهُ مَهْمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَمِنْ أَمْرِي يَأْمُرُكُمْ، وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ شَيْءٍ فَمِنْ نَهْيِي، فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ مِثْلُنَا يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ: وَمَنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَتِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَعْرِضْ عَنْهُ، فَإِنَّا لَمْ نُرْسِلْكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا، يَعْنِي حَافِظًا لِمَا يَعْمَلُونَ مُحَاسِبًا، بَلْ إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، وَكَفَى بِنَا حَافِظَيْنِ لِأَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ عَلَيْهَا مُحَاسِبِينَ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَا ذُكِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْجِهَادِ. كَمَا:
٧ ‏/ ٢٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ زَيْدٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: ٨٠] قَالَ: “هَذَا أَوَّلُ مَا بَعَثَهُ قَالَ: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [الشورى: ٤٨] قَالَ: «ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ هَذَا يَأْمُرُهُ بِجِهَادِهِمْ وَالْغِلْظَةِ حَتَّى يُسْلِمُوا»
٧ ‏/ ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيَّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: ٨١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ﴾ [النساء: ٨١] يَعْنِي: “الْفَرِيقُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ، خَشَوُا النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ وَأَشَدَّ خَشْيَةً، يَقُولُونَ لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ، وَلَكَ مِنَّا طَاعَةٌ
٧ ‏/ ٢٤٦
فِيمَا تَأْمُرُنَا بِهِ وَتَنْهَانَا عَنْهُ. ﴿فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ﴾ [النساء: ٨١] يَقُولُ: “فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿بَيَّتَ طَائِفَةْ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: غَيَّرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَيْلًا الَّذِي تَقُولُ لَهُمْ. وَكُلُّ عَمَلٍ عُمِلَ لَيْلًا فَقَدْ بُيِّتَ، وَمِنْ ذَلِكَ بَيَّتَ الْعَدُوَّ وَهُوَ الْوقُوعُ بِهِمْ لَيْلًا، وَمِنْهُ قَوْلُ عُبَيْدَةَ بْنِ هَمَّامٍ:
[البحر المتقارب] أَتَوْنِي فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا … وَكَانُوا أَتَوْنِي بِشَيْءٍ نُكُرْ
لِأَنْكِحَ أَيِّمَهُمْ مُنْذِرًا … وَهَلْ يُنْكِحُ الْعَبْدَ حُرٌّ لِحُرّ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا لَيْلًا: أَيْ مَا أَبْرَمُوهُ لَيْلًا وَعَزَمُوا عَلَيْهِ. وَمِنْهُ قَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ الْعُكْلِيِّ:
[البحر الكامل] هَبَّتْ لِتَعْذُلَنِي بِلَيْلٍ أَسْمَعِ سَفَهًا … تُبَيِّتُكِ الْمُلَامَةُ فَاهْجَعِي
يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ [النساء: ٨١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُغَيِّرُونَ مِنْ قَوْلِكَ لَيْلًا فِي كُتُبِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي تَكْتُبُهَا حَفَظَتُهُ.
٧ ‏/ ٢٤٧
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] قَالَ: «يُغَيِّرُونَ مَا عَهِدَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ»
٧ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] قَالَ: «غَيَّرَ أُولَئِكَ مَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ»
٧ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثني أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] قَالَ: «غَيَّرَ أُولَئِكَ مَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ»
٧ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيَّتُونَ﴾ [النساء: ٨١] قَالَ: “هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِذَا حَضَرُوا النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ قَالُوا: طَاعَةٌ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ غَيَّرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَا ⦗٢٤٩⦘ يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ. ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيَّتُونَ﴾ [النساء: ٨١] يَقُولُ: «مَا يَقُولُونَ»
٧ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] قَالَ: «يُغَيِّرُونَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
٧ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] وَهُمْ نَاسٌ كَانُوا يَقُولُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَالَفُوا إِلَى غَيْرِ مَا قَالُوا عِنْدَهُ؛ فَعَابَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ: ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] يَقُولُ: «يُغَيِّرُونَ مَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ»
٧ ‏/ ٢٤٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ [النساء: ٨١] هُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ «وَأَمَّا رَفْعُ» طَاعَةٌ ” فَإِنَّهُ بِالْمَتْرُوكِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ مِنَ الْقَوْلِ، وَهُوَ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ، أَوْ مِنَّا طَاعَةٌ.
٧ ‏/ ٢٤٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ﴾ [النساء: ٨١] فَإِنَّ التَّاءَ مِنْ بَيَّتَ تُحَرِّكُهَا بِالْفَتْحِ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ وَسَائِرُ الْقُرَّاءَ، لِأَنَّهَا لَامُ فَعَّلَ. وَكَانَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ يُسَكِّنُهَا ثُمَّ يُدْغِمُهَا فِي الطَّاءِ لِمُقَارَبَتِهَا فِي الْمَخْرَجِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ، تَرْكُ الْإِدْغَامِ لِأَنَّهَا، أَعْنِي التَّاءَ وَالطَّاءَ، مِنْ حَرْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَرْكُ الْإِدْغَامِ أَفْصَحَ اللُّغَتَيْنِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَاللُّغَةُ الْأُخْرَى جَائِزَةٌ، أَعْنِي الْإِدْغَامَ فِي ذَلِكَ، مَحْكِيَّةٌ
٧ ‏/ ٢٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء: ٨١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: فَأَعْرِضْ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكَ فِيمَا تَأْمُرُهُمْ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ، فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ خَالَفُوا مَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ وَغَيَّرُوهُ إِلَى مَا نَهَيْتَهُمْ عَنْهُ، وَخَلِّهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَارْضَ لَهُمْ بِي مُنْتَقِمًا مِنْهُمْ، وَتَوَكَّلْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى اللَّهِ. يَقُولُ: أَيْ وَحَسْبُكَ بِاللَّهِ وَكِيلًا: أَيْ فِيمَا يَأْمُرُكَ، وَوَلِيًّا لَهَا، وَدَافِعًا عَنْكَ وَنَاصِرًا
٧ ‏/ ٢٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [النساء: ٨٢] أَفَلَا يَتَدَبَّرُ الْمُبَيِّتُونَ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ كِتَابَ اللَّهِ، فَيَعْلَمُوا حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي طَاعَتِكَ وَاتِّبَاعِ أَمْرِكَ، وَأَنَّ الَّذِي أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ التَّنْزِيلِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، لِاتِّسَاقِ مَعَانِيهِ وَائْتِلَافِ أَحْكَامِهِ وَتَأْيِيدِ بَعْضِهِ بَعْضًا بِالتَّصْدِيقِ، وَشَهَادَةِ بَعْضِهِ لِبَعْضٍ بِالتَّحْقِيقِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُ وَتَنَاقَضَتْ مَعَانِيهِ وَأَبَانَ بَعْضُهُ عَنْ فَسَادِ بَعْضٍ. كَمَا:
٧ ‏/ ٢٥١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] أَيْ قَوْلُ اللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ، وَهُوَ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ بَاطِلٌ، وَإِنَّ قَوْلَ النَّاسِ يَخْتَلِفُ “
٧ ‏/ ٢٥١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَلَا يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مَا جَهِلَ النَّاسُ مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَقْصِيرِ عُقُولِهِمْ وَجَهَالَتِهِمْ. وَقَرَأَ: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] قَالَ: «فَحَقٌّ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقُولَ: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيُؤْمِنَ بِالْمُتَشَابَهِ، وَلَا يَضْرِبَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؛ وَإِذَا جَهِلَ أَمْرًا وَلَمْ يَعْرِفْ أَنْ يَقُولَ: الَّذِي قَالَ اللَّهُ حَقٌّ، وَيَعْرِفَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ قَوْلًا وَيَنْقُضَهُ، يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمِنَ بِحَقِّيَّةِ مَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ»
٧ ‏/ ٢٥١
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ [النساء: ٨٢] قَالَ: «يَتَدَبَّرُونَ النَّظَرَ فِيهِ»
٧ ‏/ ٢٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] وَإِذَا جَاءَ هَذِهِ الطَائِفَةَ الْمُبَيِّتَةَ غَيْرَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ. فَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] مِنْ ذِكْرِ الطَائِفَةِ الْمُبَيِّتَةِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِذَا جَاءَهُمْ خَبَرٌ عَنْ سَرِيَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ غَازِيَةٍ بِأَنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ بِغَلَبَتِهِمْ إِيَّاهُمْ ﴿أَوِ الْخَوْفِ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «أَوْ تَخَوُّفُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ بِإِصَابَةِ عَدُوِّهِمْ مِنْهُمْ ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ:»أَفْشَوْهُ وَبَثُّوهُ فِي النَّاسِ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَبْلَ أُمَرَاءِ سَرَايَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] مِنْ ذِكْرِ الْأَمْرِ وَتَأْوِيلِهِ: أَذَاعُوا بِالْأَمْرِ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ الَّذِي جَاءَهُمْ، يُقَالَ مِنْهُ أَذَاعَ فُلَانٌ بِهَذَا الْخَبَرِ وَأَذَاعَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الْأَسْوَدِ:
[البحر الطويل] أَذَاعَ بِهِ فِي النَّاسِ حَتَّى كَأَنَّهُ … بِعَلْيَاءَ نَارٌ أُوقِدَتْ بِثُقُوبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «سَارَعُوا بِهِ وَأَفْشُوهُ»
٧ ‏/ ٢٥٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ أَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ، أَوْ أَنَّهُمْ خَائِفُونَ مِنْهُمْ، أَذَاعُوا بِالْحَدِيثِ حَتَّى يَبْلُغَ عَدُوَّهُمْ أَمْرُهُمْ»
٧ ‏/ ٢٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «أَفْشَوْهُ وَشَنَّعُوا بِهِ»
٧ ‏/ ٢٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: “هَذَا فِي الْأَخْبَارِ إِذَا غَزَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خُبِّرَ النَّاسُ عَنْهَا، فَقَالُوا: أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ⦗٢٥٤⦘ عَدُوِّهِمْ كَذَا وَكَذَا، وَأَصَابَ الْعَدُوُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا وَكَذَا. فأَفْشَوْهُ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُهُمْ بِهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «أَعْلَنُوهُ وَأَفْشَوْهُ»
٧ ‏/ ٢٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «نَشَرُوهُ. قَالَ: وَالَّذِينَ أَذَاعُوا بِهِ قَوْمٌ، إِمَّا مُنَافِقُونَ، وَإِمَّا آخَرُونَ ضُعَفَاءُ»
٧ ‏/ ٢٥٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: «أَفْشَوْهُ وَشَنَّعُوا بِهِ، وَهُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ»
٧ ‏/ ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ رَدُّوهُ: الْأَمْرَ الَّذِي نَالَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِلَى أُولِي أَمْرِهِمْ، يَعْنِي: وَإِلَى أُمَرَائِهِمْ، وَسَكَتُوا فَلَمْ يُذِيعُوا مَا جَاءَهُمْ مِنَ الْخَبَرِ، حَتَّى يَكُونَ
٧ ‏/ ٢٥٤
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوْ ذَوُو أَمْرِهِمْ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَبَرَ عَنْ ذَلِكَ، بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ صِحَّتُهُ أَوْ بُطُولُهُ، فَيُصَحِّحُوهُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ يُبْطِلُوهُ إِنْ كَانَ بَاطِلًا ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: “لَعَلِمَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْخَبَرِ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْهُ، وَيَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْهُمْ، يَعْنِي: أُولِي الْأَمْرِ. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٧٥] مِنْ ذِكْرِ أُولِي الْأَمْرِ. يَقُولُ: لَعَلِمَ ذَلِكَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ مَنْ يَسْتَنْبِطُهُ. وَكُلُّ مُسْتَخْرِجٍ شَيْئًا كَانَ مُسْتَتِرًا عَنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ أَوْ عَنْ مَعَارِفِ الْقُلُوبِ، فَهُوَ لَهُ مُسْتَنْبِطٌ، يُقَالَ: اسْتَنْبَطْتُ الرَّكِيَّةَ: إِذَا اسْتَخْرَجْتُ مَاءَهَا، وَنَبَطْتُهَا أُنْبِطُهَا، وَالنَّبَطُ: الْمَاءُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ
٧ ‏/ ٢٥٥
:
[البحر الطويل] قَرِيبٌ ثَرَاهُ مَا يَنَالُ عَدُوُّهُ … لَهُ نَبَطًا آبِي الْهَوَانِ قَطُوبُ
يَعْنِي بِالنَّبَطِ: الْمَاءَ الْمُسْتَنْبَطَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «وَلَوْ سَكَتُوا وَرَدُّوا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَإِلَى أُولِي أَمْرِهِمْ حَتَّى يَتَكَلَّمَ هُوَ بِهِ ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ [النساء: ٨٣] يَعْنِي عَنِ الْأَخْبَارِ، وَهُمُ الَّذِينَ يُنَقِّرُونَ عَنِ الْأَخْبَارِ»
٧ ‏/ ٢٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «إِلَى عُلَمَائِهِمْ ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَفْحَصُونَ عَنْهُ، وَيُهِمُّهُمْ ذَلِكَ»
٧ ‏/ ٢٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ﴾ [النساء: ٨٣] حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُهُمْ ﴿وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] أُولِي ⦗٢٥٧⦘ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ “
٧ ‏/ ٢٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] يَتَتَبَّعُونَهُ وَيَتَحَسَّسُونَهُ “
٧ ‏/ ٢٥٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْهُ وَيَتَحَسَّسُونَهُ»
٧ ‏/ ٢٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «قَوْلُهُمْ: مَا كَانَ؟ مَاذَا سَمِعْتُمْ؟» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «يَتَحَسَّسُونَهُ»
٧ ‏/ ٢٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَتَحَسَّسُونَهُ مِنْهُمْ»
٧ ‏/ ٢٥٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «يَتَتَبَّعُونَهُ»
٧ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «الْوُلَاةُ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْحَرْبِ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فَيَنْظُرُونَ لِمَا جَاءَهُمْ مِنَ الْخَبَرِ أَصِدْقٌ أَمْ كَذِبٌ؟ أَبَاطِلٌ فَيُبْطِلُونَهُ، أَوْ حَقٌّ فَيُحِقُّونَهُ؟ قَالَ: وَهَذَا فِي الْحَرْبِ، وَقَرَأَ: ﴿أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ﴾ [النساء: ٨٣] فَعَلُوا غَيْرَ هَذَا وَ﴿رَدُّوهُ﴾ [النساء: ٨٣] إِلَى اللَّهِ وَ﴿إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] الْآيَةُ»
٧ ‏/ ٢٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَوْلَا إِنْعَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِفَضْلِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَأَنْقَذَكُمْ مِمَّا ابْتَلَى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِهِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ: طَاعَةٌ، فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِهِ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ، لَكُنْتُمْ مِثْلَهُمْ، فَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا، كَمَا اتَّبَعَهُ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ. وَخَاطَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ [النساء: ٨٣] الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثَبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ [النساء: ٧١] ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ اسْتَثْنَاهُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمُسْتَنْبِطُونَ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ، اسْتَثْنَاهُمْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] وَنَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَعْلَمُوا بِالِاسْتِنْبَاطِ مَا يَعْلَمُ
٧ ‏/ ٢٦١
بِهِ غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ مِنَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ
٧ ‏/ ٢٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «إِنَّمَا هُوَ ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ [النساء: ٨٣]»
٧ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣] يَقُولُ: «لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ كُلُّكُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٨٣] فَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] إِلَّا قَلِيلًا»
٧ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قِرَاءَةً عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا قَالَ: «يَقُولُ: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ كُلُّكُمْ، وَأَمَّا إِلَّا قَلِيلًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، نَحْوَهُ، يَعْنِي نَحْوَ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَقَالَ: لَعَلِمُوهُ إِلَّا قَلِيلًا ⦗٢٦٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الطَائِفَةُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَاعَةٌ، فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِهِ بَيَّتُوا غَيْرَ الَّذِي قَالُوا. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ
٧ ‏/ ٢٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ [النساء: ٨٣] فَانْقَطَعَ الْكَلَامُ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٨٣] فَهُوَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ يُخْبِرُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ قَالَ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣] إِلَّا قَلِيلًا، يَعْنِي بِالْقَلِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَدْلًا قَيِّمًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا “
٧ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَذِهِ الْآيَةُ مُقَدِّمَةٌ وَمُؤَخِّرَةٌ، إِنَّمَا هِيَ: «أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ⦗٢٦٤⦘ وَرَحْمَتُهُ لَمْ يَنْجُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ [النساء: ٨٣] وَقَالُوا: الَّذِينَ اسْتُثْنَوْا هُمْ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا هَمُّوا بِمَا كَانَ الْآخَرُونَ هَمُّوا بِهِ مِنِ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ، فَعَرَّفَ اللَّهُ الَّذِينَ أَنْقَذَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَوْقِعَ نِعْمَتِهِ مِنْهُمْ، وَاسْتَثْنَى الْآخَرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مِنَ الْآخَرِينَ
٧ ‏/ ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣] قَالَ: «هُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، كَانُوا حَدَّثُوا أَنْفُسَهُمْ بِأُمُورٍ مِنْ أُمُورِ الشَّيْطَانِ، إِلَّا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ جَمِيعًا. قَالُوا: وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٨٣] خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْإِحَاطَةِ، وَأَنَّهُ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَتُهُ لَمْ يَنْجُ أَحَدٌ مِنَ الضَّلَالَةِ، فَجَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٨٣] دَلِيلًا عَلَى الْإِحَاطَةِ. وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الطِّرِمَّاحِ بْنِ حَكِيمٍ فِي مَدْحِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ:
[البحر الطويل] ⦗٢٦٥⦘ أَشُمَّ كَثِيرُ يَدِيِّ النَّوَالِ … قَلِيلُ الْمَثَالِبِ وَالْقَادِحَةِ
قَالُوا: فَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ وَصْفُ الْمَمْدُوحِ بِأَنَّ فِيهِ الْمَثَالِبَ وَالْمَعَايِبَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا مَثَالِبَ فِيهِ وَلَا مَعَايِبَ؛ لِأَنَّ مَنْ وَصَفَ رَجُلًا بِأَنَّ فِيهِ مَعَايِبَ وَإِنْ وَصَفَ الَّذِي فِيهِ الْمَعَايِبَ بِالْقِلَّةِ، فَإِنَّمَا ذَمَّهُ وَلَمْ يَمْدَحْهُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ نَفْيِ جَمِيعِ الْمَعَايِبِ عَنْهُ. قَالُوا: فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: لَاتَّبَعْتُمْ جَمِيعَكُمُ الشَّيْطَانَ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِاسْتِثْنَاءِ الْقَلِيلِ مِنَ الْإِذَاعَةِ؛ وَقَالَ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ: ﴿لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ﴾ [النساء: ٨٣] لِأَنَّ مَنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ تُبَّاعِ الشَّيْطَانِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ نَحْمِلَ مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ الْأَغْلَبِ الْمَفْهُومِ بِالظَّاهِرِ مِنَ الْخَطَّابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَنَا إِلَى حَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ سَبِيلٌ فَنُوَجِّهُهُ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَجَّهَهُ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ جَمِيعًا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٨٣] دَلِيلٌ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِالْجَمِيعِ. هَذَا مَعَ ⦗٢٦٦⦘ خُرُوجِهِ مِنْ تَأْوِيلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ لَا وَجْهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَا وَجْهَ لِتَوْجِيهِ ذَلِكَ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ إِذَا رُدَّ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، فَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأُولُو الْأَمْرِ مِنْهُمْ بَعْدَ وُضُوحِهِ لَهُمْ، اسْتَوَى فِي عِلْمِ ذَلِكَ كُلُّ مُسْتَنْبِطٍ حَقِيقَةً، فَلَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمُسْتَنْبِطِينَ مِنْهُمْ وَخُصُوصِ بَعْضِهِمْ بِعِلْمِهِ مَعَ اسْتِوَاءِ جَمِيعِهِمْ فِي عِلْمِهِ. وَإِذْ كَانَ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا قُلْنَا، وَدَخَلَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مَا بَيَّنَّا مِنَ الْخَلَلِ، فَبَيِّنٌ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ هُوَ الرَّابِعُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي قَضَيْنَا لَهُ بِالصَّوَابِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْإِذَاعَةِ.
٧ ‏/ ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [النساء: ٨٤] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤]
٧ ‏/ ٢٦٦
فَجَاهِدْ يَا مُحَمَّدُ أَعْدَاءَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي: فِي دِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لَكَ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، وَقَاتِلْهُمْ فِيهِ بِنَفْسِكَ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: لَا يُكَلِّفُكَ اللَّهُ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكَ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكَ، إِلَّا مَا حَمَّلَكَ مِنْ ذَلِكَ دُونَ مَا حَمَّلَ غَيْرَكَ مِنْهُ: أَيْ إِنَّكَ إِنَّمَا تُتْبَعُ بِمَا اكْتَسَبْتَهُ دُونَ مَا اكْتَسَبَهُ غَيْرُكَ، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ مَا كُلِّفْتَهُ دُونَ مَا كُلِّفَهُ غَيْرُكَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: ﴿وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٨٤] يَعْنِي: «وَحُضَّهُمْ عَلَى قِتَالِ مَنْ أَمَرْتُكَ بِقِتَالِهِمْ مَعَكَ. ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ٨٤] يَقُولُ:»لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُفَّ قِتَالَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَجَحَدَ وَحْدَانِيَّتَهُ، وَأَنْكَرَ رِسَالَتَكَ عَنْكَ وَعَنْهُمْ وَنِكَايَتَهُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [النساء: ٨٤] يَقُولُ: “وَاللَّهُ أَشَدُّ نِكَايَةً فِي عَدُوِّهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ مِنْهُمْ فِيكَ يَا مُحَمَّدُ وَفِي أَصْحَابِكَ، فَلَا تَنْكُلَنَّ عَنْ قِتَالِهِمْ، فَإِنِّي رَاصِدُهُمْ بِالْبَأْسِ وَالنِّكَايَةِ وَالتَّنْكِيلِ وَالْعُقُوبَةِ، لَأُوهِنَ كَيْدَهُمْ وَأُضْعِفَ بَأْسَهُمْ وَأُعْلِيَ الْحَقَّ عَلَيْهِمْ. وَالتَّنْكِيلُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَكَّلْتُ بِفُلَانٍ، فَأَنَا أُنَكِّلُ بِهِ تَنْكِيلًا: إِذَا أَوْجَعْتُهُ عُقُوبَةً.
٧ ‏/ ٢٦٧
كَمَا:
٧ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا﴾ [النساء: ٨٤] أَيْ عُقُوبَةً “
٧ ‏/ ٢٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] مَنْ يَصِرْ يَا مُحَمَّدُ شَفْعًا لِوِتْرِ أَصْحَابِكَ، فَيَشْفَعُهُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَقِتَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ وَهُوَ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ ﴿يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] يَقُولُهُ: يَكُنْ لَهُ مِنْ شَفَاعَتِهِ تِلْكَ نَصِيبٌ، وَهُوَ الْحَظُّ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ، وَجَزِيلِ كَرَامَتِهِ. ﴿وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً﴾ [النساء: ٨٥] يَقُولُ: “وَمَنْ يَشْفَعْ وِتْرَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فَيُقَاتِلَهُمْ مَعَهُمْ، وَذَلِكَ هُوَ الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ. ﴿يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] يَعْنِي بِالْكِفْلِ: النَّصِيبَ وَالْحَظَّ مِنَ الْوِزْرِ وَالْإِثْمِ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كِفْلِ الْبَعِيرِ وَالْمَرْكَبِ، وَهُوَ الْكِسَاءُ أَوِ الشَّيْءُ يُهَيَّأُ عَلَيْهِ شَبِيهٌ بِالسَّرْجِ عَلَى الدَّابَّةِ، يُقَالَ مِنْهُ: جَاءَ فُلَانٌ مُكْتَفِلًا: إِذَا جَاءَ عَلَى مَرْكَبٍ قَدْ وُطِّئَ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِرُكُوبِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] الْآيَةُ، شَفَاعَةُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ عَمَّ بِذَلِكَ كُلَّ شَافِعٍ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا قُلْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيِّهِ ﷺ فِيهَا بِحَضِّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ، فَكَانَ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ لِمَنْ أَجَابَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ،
٧ ‏/ ٢٦٨
وَالْوَعِيدِ لِمَنْ أَبَى إِجَابَتَهُ أَشْبَهَ مِنْهُ مِنَ الْحَثِّ عَلَى شَفَاعَةِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الَّتِي لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ قَبْلُ وَلَا لَهَا ذِكْرٌ بَعْدُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي شَفَاعَةِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ:
٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: «شَفَاعَةُ بَعْضِ النَّاسِ لِبَعْضٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢٦٩
حُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرَانِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] وَلَمْ يَقُلْ: يَشْفَعُ “
٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ أَجْرُهَا مَا جَرَتْ مَنْفَعَتُهَا»
٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ ⦗٢٧٠⦘ زَيْدٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: “الشَّفَاعَةُ الصَّالِحَةُ الَّتِي يَشْفَعُ فِيهَا وَعَمِلَ بِهَا هِيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ هُمَا فِيهَا شَرِيكَانِ ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: «هُمَا شَرِيكَانِ فِيهَا كَمَا كَانَ أَهْلُهَا شَرِيكَيْنِ»
٧ ‏/ ٢٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ الْكِفْلُ النَّصِيبُ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] أَيْ حَظٌّ مِنْهَا ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] وَالْكِفْلُ: هُوَ الْإِثْمُ “
٧ ‏/ ٢٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] أَمَّا الْكِفْلُ: فَالْحَظُّ “
٧ ‏/ ٢٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: «حَظٌّ مِنْهَا، فَبِئْسَ الْحَظُّ»
٧ ‏/ ٢٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: “الْكِفْلُ وَالنَّصِيبُ وَاحِدٌ. وَقَرَأَ: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨]
٧ ‏/ ٢٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥]⦗٢٧١⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظًا وشَهِيدًا
٧ ‏/ ٢٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] يَقُولُ: «حَفِيظًا»
٧ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] شَهِيدًا ” حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ اسْمُهُ مُجَاهِدٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٧ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: «شَهِيدًا، حَسِيبًا، حَفِيظًا»
٧ ‏/ ٢٧١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: «الْمُقِيتُ: الْحَسِيبُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِالتَّدْبِيرِ
٧ ‏/ ٢٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: «الْمُقِيتُ: الْوَاصِبُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْقَدِيرُ
٧ ‏/ ٢٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] أَمَّا الْمُقِيتُ: فَالْقَدِيرُ “
٧ ‏/ ٢٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] قَالَ: «عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا. الْمُقِيتُ: الْقَدِيرُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى الْمُقِيتِ: الْقَدِيرُ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يُذْكَرُ كَذَلِكَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَيُنْشَدُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ:
[البحر الوافر] وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ … وَكُنْتُ عَلَى مُسَاءَتِهِ مُقِيتَا
أَيْ قَدِيرًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مِنْهُ قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: “كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ
٧ ‏/ ٢٧٢
مَنْ يُقِيتُ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهَا: يُقِيتُ: يَعْنِي مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدَيْهِ فِي سُلْطَانِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ، فَيُقَدِّرُ لَهُ قُوتَهُ. يقَالَ مِنْهُ: أَقَاتَ فُلَانٌ الشَّيْءَ يُقِيتُهُ إِقَاتَةً، وَقَاتَهُ يَقُوتُهُ قِيَاتَةً وَقُوتًا، وَالْقُوتُ الِاسْمُ. وَأَمَّا الْمُقِيتُ فِي بَيْتِ الْيَهُودِيِّ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ:
[البحر الخفيف] لَيْتَ شِعْرِي وَأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا … قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ
أَلِيَ الْفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إِذَا حُو … سِبْتُ إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُ
فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مَوْقُوفٌ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى
٧ ‏/ ٢٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٨٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾ [النساء: ٨٦] إِذَا دُعِيَ لَكُمْ بِطُولِ الْحَيَاةِ وَالْبَقَاءِ وَالسَّلَامَةِ، ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] يَقُولُ: «فَادْعُوا لِمَنْ دَعَا لَكُمْ بِذَلِكَ بِأَحْسَنَ مِمَّا دَعَا لَكُمْ، ﴿أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] يَقُولُ:»أَوْ رُدُّوا التَّحِيَّةَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ التَّحِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِمَّا حَيًّا بِهِ الْمُحَيِّي، وَالَّتِي هِيَ مِثْلُهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ إِذَا قِيلَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَيَزِيدُ عَلَى دُعَاءِ الدَّاعِي لَهُ؛ وَالرَّدُّ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ مِثْلُهَا، كَمَا قِيلَ لَهُ، أَوْ يَقُولَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، فَيَدْعُو لِلدَّاعِي لَهُ مِثْلَ الَّذِي دَعَا لَهُ
٧ ‏/ ٢٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] يَقُولُ: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكَ أَحَدٌ، فَقُلْ أَنْتَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، أَوْ تَقْطَعُ إِلَى السَّلَامُ عَلَيْكَ، كَمَا قَالَ لَكَ»
٧ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] قَالَ: «فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ»
٧ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ»
٧ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ شُرَيْحٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، كَمَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ»
٧ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»
٧ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ كَانَ يَرُدُّ: وَعَلَيْكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، أَوْ رُدُّوهَا عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ
٧ ‏/ ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦]»
٧ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٦] لِلْمُسْلِمِينَ ﴿أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ “
٧ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ ⦗٢٧٦⦘ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٦] لِلْمُسْلِمِينَ ﴿أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ “
٧ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٦] يَقُولُ: «حَيُّوا أَحْسَنَ مِنْهَا: أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ﴿أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ»
٧ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] قَالَ: «قَالَ أَبِي: حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُيِّيَ بِتَحِيَّةٍ أَنْ يُحَيِّيَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا، وَإِذَا حَيَّاهُ غَيْرُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا قَالَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَوَجَّهَ مَعْنَاهُ إِلَى أَنَّهُ يَرُدُّ السَّلَامَ عَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا حَيَّاهُ تَحِيَّةً أَحْسَنَ مِنْ تَحِيَّتِهِ أَوْ مِثْلَهَا. وَذَلِكَ أَنَّ الصِّحَاحَ مِنَ الْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ رَدَّ تَحِيَّةَ كُلِّ كَافِرٍ أَحْسَنَ مِنْ تَحِيَّتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِرَدِّ الْأَحْسَنِ؛ وَالْمِثْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ مِنْهُ بَيْنَ الْمُسْتَوْجِبِ رَدَّ الْأَحْسَنِ مِنْ تَحِيَّتِهِ عَلَيْهِ وَالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ مِثْلُهَا بِدَلَالَةٍ يُعْلَمُ بِهَا صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِرَدِّ الْأَحْسَنِ الْمُسْلِمَ، وَبِرَدِّ الْمِثْلِ: أَهْلَ الْكُفْرِ. وَالصَّوَابُ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَلَا بِصِحَّتِهِ أَثَرٌ لَازِمٌ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ، أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ بَيْنَ رَدِّ
٧ ‏/ ٢٧٦
الْأَحْسَنِ أَوِ الْمِثْلِ إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَصَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَكُونُ مُسَلَّمًا لَهَا. وَقَدْ خَصَّتِ السُّنَّةُ أَهْلَ الْكُفْرِ بِالنَّهْيِ عَنْ رَدِّ الْأَحْسَنِ مِنْ تَحِيَّتِهِمْ عَلَيْهِمْ أَوْ مِثْلِهَا، إِلَّا بِأَنْ يُقَالَ: وَعَلَيْكُمْ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا حَدَّ فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَأَمَّا أَهْلُ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ فِي الرَّدِّ مِنَ الْخِيَارِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا خَبَرٌ؛ وَذَلِكَ مَا:
٧ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّرِيِّ الْأَنْطَاكِيُّ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ لَاحِقٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» . ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَقَالَ لَهُ: «وَعَلَيْكَ» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَتَاكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَسَلَّمَا عَلَيْكَ فَرَدَدْتَ عَلَيْهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «إِنَّكَ لَمْ تَدَعْ لَنَا شَيْئًا قَالَ اللَّهُ ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] فَرَدَدْنَاهَا عَلَيْكَ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَوَاجِبٌ رَدُّ التَّحِيَّةِ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ
٧ ‏/ ٢٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُهُ إِلَّا يُوجِبُهُ قَوْلَهُ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦]
٧ ‏/ ٢٧٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «السَّلَامُ: تَطَوُّعٌ، وَالرَّدُّ فَرِيضَةٌ»
٧ ‏/ ٢٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٨٦] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا تَعْمَلُونَ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْأَعْمَالِ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ حَفِيظًا عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُجَازِيَكمْ بِهَا جَزَاءَهُ. كَمَا:
٧ ‏/ ٢٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: حَسِيبًا قَالَ: حَفِيظًا «حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ» وَأَصْلُ الْحَسِيبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي فَعِيلٌ مِنَ الْحِسَابِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى
٧ ‏/ ٢٧٨
الْإِحْصَاءِ، يُقَالَ مِنْهُ: حَاسَبْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَفُلَانٌ حَاسَبَهُ عَلَى كَذَا وَهُوَ حَسِيبُهُ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ صَاحِبَ حِسَابِهِ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ مَعْنَى الْحَسِيبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْكَافِي، يُقَالَ مِنْهُ: أَحْسَبَنِي الشَّيْءَ يُحْسِبُنِي إِحْسَابًا، بِمَعْنَى: كَفَانِي، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَسْبِي كَذَا وَكَذَا. وَهَذَا غَلَطٌ مِنَ الْقَوْلِ وَخَطَأٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَالَ فِي أَحْسَبْتُ الشَّيْءَ: أَحْسَبْتُ عَلَى الشَّيْءِ فَهُوَ حَسِيبٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَالَ: هُوَ حَسْبُهُ وَحَسِيبُهُ، وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٨٦]
٧ ‏/ ٢٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ [النساء: ٨٧] الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعُبُودِيَّةُ إِلَّا لَهُ هُوَ، الَّذِي لَهُ عُبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ وَطَاعَةُ كُلِّ طَائِعٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [النساء: ٨٧] يَقُولُ: «لَيَبْعَثَنَّكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، وَلَيَحْشُرَنَّكُمْ جَمِيعًا إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ الَّذِي يُجَازِي النَّاسَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيَقْضِي فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ طَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَالْكُفْرِ. ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] يَقُولُ:»لَا شَكُّ فِي حَقِيقَةِ مَا أَقُولُ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأُخْبِرُكُمْ مِنْ خَبَرِي: أَنِّي جَامِعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ. ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاعْلَمُوا حَقِيقَةَ مَا أُخْبِرُكُمْ مِنَ الْخَبَرِ، فَإِنِّي جَامِعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلْجَزَاءِ وَالْعَرْضِ
٧ ‏/ ٢٧٩
وَالْحِسَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَقِينًا، فَلَا تَشُكُّوا فِي صِحَّتِهِ، وَلَا تَمْتَرُوا فِي حَقِّيَّتِهِ، فَإِنَّ قُولِيَ الصِّدْقُ الَّذِي لَا كَذِبَ فِيهِ، وَوَعْدِيَ الصِّدْقُ الَّذِي لَا خُلْفَ لَهُ. ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: ٨٧] يَقُولُ: “وَأَيُّ نَاطِقٍ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَاذِبَ إِنَّمَا يَكْذِبُ لِيَجْتَلِبَ بِكَذِبِهِ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ بِهِ عَنْهَا ضُرًّا، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَالِقُ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ كَذِبٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْعُوهُ إِلَى اجْتِلَابِ نَفْعٍ إِلَى نَفْسِهِ، أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ عَنْهَا سِوَاهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي اسْتِحَالَةِ الْكَذِبِ مِنْهُ نَظِيرًا، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا وَخَبَرًا
٧ ‏/ ٢٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٨٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] فَمَا شَأْنُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ فِئَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَاللَّهُ رَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي إِبَاحَةِ دِمَائِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ،
٧ ‏/ ٢٨٠
وَالْإِرْكَاسُ: الرَّدُّ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَّيَةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
[البحر البسيط] فَأُرْكِسُوا فِي حَمِيمِ النَّارِ إِنَّهُمُ … كَانُوا عُصَاةً وَقَالُوا الْإِفْكَ وَالزُّورَا
يُقَالُ مِنْهُ: أَرْكَسَهُمْ وَرَكَسَهُمْ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيِّ: وَاللَّهُ رَكَسَهُمْ بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام وَلِأَصْحَابِهِ: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]
٧ ‏/ ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةٌ تَقُولُ: نَقْتُلُهُمْ، وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا﴾ [النساء: ٨٨] الْآيَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَدِينَةِ: «إِنَّهَا طَيِّبَةٌ وَإِنَّهَا تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ⦗٢٨٢⦘ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٧ ‏/ ٢٨١
حَدَّثَنِي زُرَيْقُ بْنُ السِّخْتِ قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: ذَكَرُوا الْمُنَافِقِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ فَرِيقٌ: نَقْتُلُهُمْ، وَقَالَ فَرِيقٌ: لَا نَقْتُلُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي اخْتِلَافٍ كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْمٍ كَانُوا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ، فَأَظْهَرُوا لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ وَأَظْهَرُوا لَهُمُ الشِّرْكَ
٧ ‏/ ٢٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] قَالَ: «قَوْمٌ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ حَتَّى أَتَوُا الْمَدِينَةَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُهَاجِرُونَ، ثُمَّ ارْتَدُّوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَاسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ ﷺ إِلَى مَكَّةَ لِيَأْتُوا بِبَضَائِعَ لَهُمْ يَتَّجِرُونَ فِيهَا. فَاخْتَلَفَ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُونِ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: هُمْ مُنَافِقُونَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: هُمْ مُؤْمِنُونَ. فبَيَّنَ اللَّهُ نِفَاقَهُمْ، فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ. فجَاءُوا بِبَضَائِعِهِمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُمْ هِلَالُ بْنُ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيُّ، ⦗٢٨٣⦘ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ حِلْفٌ، وَهُوَ الَّذِي حُصِرَ صَدْرُهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ يُقَاتِلَ قَوْمَهُ، فَدَفَعَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يُؤَمِّنُونَ هِلَالًا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ عَهْدٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَبَيَّنَ اللَّهُ نِفَاقَهُمْ، وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوا يَوْمَئِذٍ، فَجَاءُوا بِبَضَائِعِهِمْ يُرِيدُونَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيَّ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِلْفٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِمَكَّةَ، وَكَانُوا يُعِينُونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
٧ ‏/ ٢٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا بِمَكَّةَ قَدْ تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ، وَكَانُوا يُظَاهِرُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَخَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ يَطْلُبُونَ حَاجَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إِنْ لَقِينَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، فَلَيْسَ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بَأْسٌ. وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ قَالَتْ فِئَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: ارْكَبُوا إِلَى الْخُبَثَاءِ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُظَاهِرُونَ عَلَيْكُمْ عَدُوَّكُمْ. وَقَالَتْ فِئَةٌ أُخْرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ كَمَا قَالُوا، أَتَقْتُلُونَ قَوْمًا قَدْ تَكَلَّمُوا بِمِثْلِ مَا تَكَلَّمْتُمْ بِهِ؟ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُهَاجِرُوا ⦗٢٨٤⦘ وَيَتْرُكُوا دِيَارَهُمْ تُسْتَحَلُّ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لِذَلِكَ. فَكَانُوا كَذَلِكَ فِئَتَيْنِ، وَالرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام عِنْدَهُمْ لَا يَنْهَى وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَنْ شَيْءٍ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [النساء: ٨٨] الْآيَةُ “
٧ ‏/ ٢٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] الْآيَةُ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا كَانَا رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، وَكَانَا قَدْ تَكَلَّمَا بِالْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُهَاجِرَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ. فلَقِيَهُمَا نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ وَهُمَا مُقْبِلَانِ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ دِمَاءَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا حَلَالٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَحِلُّ لَكُمْ. فتَشَاجَرُوا فِيهِمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠]
٧ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ نَاسًا، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَتَبُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَذِبًا. فلَقَوْهُمْ، فَاخْتَلَفَ فِيهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: دِمَاؤُهُمْ حَلَالٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: دِمَاؤُهُمْ حَرَامٌ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨]
٧ ‏/ ٢٨٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ ⦗٢٨٥⦘ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] هُمْ نَاسٌ تَخَلَّفُوا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ، وَأَعْلَنُوا الْإِيمَانَ، وَلَمْ يُهَاجِرُوا. فَاخْتَلَفَ فِيهِمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَوَلَّاهُمْ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَبَرَّأَ مِنْ وَلَايَتِهِمْ آخَرُونَ، وَقَالُوا: تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يُهَاجِرُوا. فسَمَّاهُمُ اللَّهُ مُنَافِقِينَ، وَبَرَّأَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَلَايَتِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَتَوَلَّوْهُمْ حَتَّى يُهَاجِرُوا ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ فِي قَوْمٍ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ أَرَادُوا الْخُرُوجَ عَنْهَا نِفَاقًا
٧ ‏/ ٢٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: إِنَّا قَدْ أَصَابَنَا أَوْجَاعٌ فِي الْمَدِينَةِ وَاتَّخَمْنَاهَا، فَلَعَلَّنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى الظَّهْرِ حَتَّى نَتَمَاثَلَ ثُمَّ نَرْجِعَ، فَإِنَّا كُنَّا أَصْحَابَ بَرِيَّةٍ. فَانْطَلَقُوا؛ وَاخْتَلَفَ فِيهِمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَعْدَاءُ اللَّهِ الْمُنَافِقُونَ، وَدِدْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَذِنَ لَنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا، بَلْ إِخْوَانُنَا تَخِمَتْهُمُ الْمَدِينَةُ فَاتَّخَمُوهَا. فَخَرَجُوا إِلَى الظَّهْرِ يَتَنَزَّهُونَ، فَإِذَا بَرَءُوا رَجَعُوا. فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] يَقُولُ:»مَا لَكُمْ
٧ ‏/ ٢٨٥
تَكُونُونَ فِيهِمْ فِئَتَيْنِ ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَمْرِ أَهْلِ الْإِفْكِ
٧ ‏/ ٢٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٨٩] قَالَ: «هَذَا فِي شَأْنِ ابْنِ أُبَيٍّ حِينَ تَكَلَّمَ فِي عَائِشَةَ بِمَا تَكَلَّمَ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: فَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْهُ. يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْمٍ كَانُوا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَهْلِ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ: التَّأْوِيلُ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى مَا قَدْ
٧ ‏/ ٢٨٦
ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ، وَالْآخَرُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [النساء: ٨٩] أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى دَارِهِ وَمَدَينَتِهِ مِنْ سَائِرِ أَرْضِ الْكُفْرِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ مُقِيمًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الشِّرْكِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضُ هِجْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ كَانَ وَطَنُهُ وَمَقَامُهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي نَصْبِ قَوْلِهِ: ﴿فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، كَمَا تَقُولُ: مَا لَكَ قَائِمًا، يَعْنِي مَا لَكَ فِي حَالِ الْقِيَامِ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ؛ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى فِعْلِ مَا لَكَ قَالَ: وَلَا يُبَالَى كَانَ الْمَنْصُوبُ فِي مَا لَكَ مَعْرِفَةً أَوْ نَكِرَةً. قَالَ: وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: مَا لَكَ السَّائِرَ مَعَنَا، لِأَنَّهُ كَالْفِعْلِ الَّذِي يُنْصَبُ بِكَانَ وَأَظُنُّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا. قَالَ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَلَحَتْ فِيهِ فَعَلَ وَيَفْعَلُ مِنَ الْمَنْصُوبِ جَازَ نَصْبُ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُ وَالنَّكِرَةِ، كَمَا يَنْصِبُ كَانَ وَأَظُنُّ لَأَنَّهُنَّ نَوَاقِصُ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّهُنَّ تَامَّاتٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: مَا لَكَ قَائِمًا، الْقِيَامُ، فَهُوَ فِي مَذْهَبِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا وَأَظُنُّ وَصَوَاحِبَاتِهَا
٧ ‏/ ٢٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عز وجل: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ﴾ [النساء: ٨٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: رَدَّهُمْ؛ كَمَا قُلْنَا
٧ ‏/ ٢٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] رَدَّهُمْ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاللَّهُ أَوْقَعَهُمْ
٧ ‏/ ٢٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] يَقُولُ: «أَوْقَعَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَضَلَّهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ
٧ ‏/ ٢٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ﴾ [النساء: ٨٨] قَالَ: «أَهْلَكَهُمْ»
٧ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ⦗٢٨٩⦘: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] «أَهْلَكُهُمْ بِمَا عَمِلُوا»
٧ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [النساء: ٨٨] «أَهْلَكُهُمْ» وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٧ ‏/ ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٨٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [النساء: ٨٨] أَتُرِيدُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تُهْدُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَتُوَفِّقُوا لِلْإِقْرَارِ بِهِ وَالدُّخُولِ فِيهِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَنْهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ: مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُوَفِّقْهُ لِلْإِقْرَارِ بِهِ. وَإِنَّمَا هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْفِئَةِ الَّتِي دَافَعَتْ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَتَبْغُونَ هِدَايَةَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ فَخَذَلَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ بِمُدَافَعَتِكِمْ عَنْ قِتَالِهِمْ مَنْ أَرَادَ قِتَالَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٨٨] يَقُولُهُ: وَمَنْ
٧ ‏/ ٢٨٩
خَذَلَهُ عَنْ دِينِهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَضَلَّهُ عَنْهُ، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ سَبِيلًا، يَقُولُ: فَلَنْ تَجِدَ لَهُ طَرِيقًا تَهْدِيهِ فِيهَا إِلَى إِدْرَاكِ مَا خَذَلَهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا مَنْهَجًا يَصِلُ مِنْهُ إِلَى الْأَمْرِ الَّذِي قَدْ حَرَمَهُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ
٧ ‏/ ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ [النساء: ٨٩] تَمَنَّى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمْ فِئَتَانِ أَنْ تَكْفُرُوا فَتَجْحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ رَبِّكُمْ وَتَصْدِيقَ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿كَمَا كَفَرُوا﴾ [النساء: ٨٩] يَقُولُ: «كَمَا جَحَدُوا هُمْ ذَلِكَ ﴿فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء: ٨٩] يَقُولُ:»فَتَكُونُونَ كُفَّارًا مَثَلَهُمْ، وَتَسْتَوُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ فِي الشِّرْكِ بِاللَّهِ ﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [النساء: ٨٩] يَقُولُ: “حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الشِّرْكِ وَيُفَارِقُوا أَهْلَهَا الَّذِينَ هُمْ بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهَا ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٤] يَعْنِي فِي ابْتِغَاءِ دِينِ اللَّهِ، وَهُوَ سَبِيلُهُ، فَيَصِيرُوا عِنْدَ ذَلِكَ مِثْلَكُمْ، وَيَكُونُ لَهُمْ حِينَئِذٍ حُكْمُكُمْ. كَمَا:
٧ ‏/ ٢٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [النساء: ٨٩] يَقُولُ: «حَتَّى يَصْنَعُوا كَمَا صَنَعْتُمْ، يَعْنِي: الْهِجْرَةَ ⦗٢٩١⦘ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
٧ ‏/ ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَوَلَّوْا عَنِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخُذُوهُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ وَغَيْرِ بِلَادِهِمْ، أَيْنَ أَصَبْتُمُوهُمْ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ. ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا﴾ [النساء: ٨٩] يَقُولُ: وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ خَلِيلًا يُوَالِيكُمْ عَلَى أُمُورِكُمْ، وَلَا نَاصِرًا يَنْصُرُكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، فَإِنَّهُمْ كُفَّارٌ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالَا، وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ، وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِبَانَةٌ عَنْ صِحَّةِ نِفَاقِ الَّذِينَ اخْتَلَفَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَتَحْذِيرٌ لِمَنْ دَافَعَ عَنْهُمْ عَنِ الْمُدَافَعَةِ عَنْهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ﴾ [النساء: ٨٩] فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنِ الْهِجْرَةِ ⦗٢٩٢⦘ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ “
٧ ‏/ ٢٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [النساء: ٨٩] يَقُولُ: «إِذَا أَظْهَرُوا كُفْرَهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ»
٧ ‏/ ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] فَإِنْ تَوَلَّى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ اخْتَلَفْتُمْ فِيهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَبَوُا الْهِجْرَةَ، فَلَمْ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، سِوَى مَنْ وَصَلَ مِنْهُمْ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مُوَادَعَةٌ وَعَهْدٌ وَمِيثَاقٌ، فَدَخَلُوا فِيهِمْ وَصَارُوا مِنْهُمْ وَرَضَوْا بِحُكْمِهِمْ، فَإِنَّ لِمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ فَدَخَلَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ رَاضِيًا بِحُكْمِهِمْ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ بِدُخُولِهِ فِيهِمْ، أَنْ لَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ. كَمَا:
٧ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] يَقُولُ: «إِذَا أَظْهَرُوا كُفْرَهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ دَخَلَ فِي قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، فَأَجْرُوا عَلَيْهِ ⦗٢٩٣⦘ مِثْلَ مَا تُجْرُونَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ»
٧ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] يَصِلُونَ إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ مِنَ الْقَوْمِ، لَهُمْ مِنَ الْأَمَانِ مِثْلُ مَا لِهَؤُلَاءِ “
٧ ‏/ ٢٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيِّ وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَخُزَيْمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ» وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ﴾ [النساء: ٩٠] إِلَّا الَّذِينَ يَتَّصِلُونَ فِي أَنْسَابِهِمْ لِقَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ؛ مِنْ قَوْلِهِمُ: اتَّصَلَ الرَّجُلُ، بِمَعْنَى: انْتَمَى وَانْتَسَبَ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى فِي صِفَةِ امْرَأَةٍ انْتَسَبَتْ إِلَى
٧ ‏/ ٢٩٣
قَوْمٍ:
[البحر الطويل] إِذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ أَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ … وَبَكْرٌ سَبَتْهَا وَالْأُنُوفُ رَوَاغِمُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: اتَّصَلَتِ: انْتَسَبَتْ. وَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْمُوَادَعَةِ أَوِ الْعَهْدِ لَوْ كَانَ يُوجِبُ لِلْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِمْ مَا لَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ مَا لَهُمْ، لَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِيُقَاتِلَ قُرَيْشًا، وَهُمْ أَنْسِبَاءُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. ولِأَهْلِ الْإِيمَانِ مِنَ الْحَقِّ بِإِيمَانِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا لِأَهْلِ الْعَهْدِ بِعَهْدِهِمْ، وَفِي قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِتَرْكِهَا الدُّخُولَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ، مَعَ قُرْبِ أَنْسَابِهِمْ مِنْ أَنْسَابِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّ انْتِسَابَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ إِلَى ذِي الْعَهْدِ مِنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لَهُ مِنَ الْعَهْدِ مَا لِذِي الْعَهْدِ مِنِ انْتِسَابِهِ. فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَةٍ أَنَّ قِتَالَ النَّبِيِّ ﷺ مَنْ قَاتَلَ مِنْ أَنْسِبَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ مَا نُسِخَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَسَخَ قِرَاءَةً نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَدُخُولِ قُرَيْشٍ فِي الْإِسْلَامِ
٧ ‏/ ٢٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ﴾ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ﴾ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ⦗٢٩٥⦘ وَجَدْتُمُوهُمْ، إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، أَوْ: إِلَّا الَّذِينَ جَاءُوكُمْ مِنْهُمْ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ فَدَخَلُوا فِيكُمْ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: ٩٠] ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ أَنْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَنْ ضَاقَتْ نَفْسُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فِعْلٍ أَوْ كَلَامٍ قَدْ حُصِرَ، وَمِنْهُ الْحَصْرُ فِي الْقِرَاءَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ يَقُولُ: «ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ» وَفِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ﴾ مَتْرُوكٌ، تُرِكَ ذِكْرُهُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَوْ جَاءُوكُمْ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ، فَتَرَكَ ذِكْرَ قَدْ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ فِعْلَ مِثْلِ ذَلِكَ، تَقُولُ: أَتَانِي فُلَانٌ ذَهَبَ عَقْلُهُ، بِمَعْنَى: قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ؛ وَمَسْمُوعٌ مِنْهُمْ: أَصْبَحْتُ نَظَرْتُ إِلَى ذَاتِ التَّنَانِيرِ، بِمَعْنَى: قَدْ نَظَرْتُ. ولِإِضْمَارِ قَدْ مَعَ الْمَاضِي جَازَ وَضْعُ الْمَاضِي مِنَ الْأَفْعَالِ فِي مَوْضِعِ
٧ ‏/ ٢٩٥
الْحَالِ، لِأَنَّ قَدْ إِذَا دَخَلَتْ مَعَهُ أَدْنَتْهُ مِنَ الْحَالِ وَأَشْبَهَ الْأَسْمَاءَ. وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، أَعْنِي: ﴿حَصِرَتْ﴾ [النساء: ٩٠] قَرَأَ الْقُرَّاءَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَبِهَا يُقْرَأُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورَهُمْ» نَصَبًا، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَصِيحَةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ الْقِرَاءَةُ بِهَا عِنْدِي لِشُذُوذِهَا وَخُرُوجُهَا عَنْ قِرَاءَةِ قُرَّاءِ الْإِسْلَامِ
٧ ‏/ ٢٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٩٠] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، فَيَدْخُلُونَ فِي جِوَارِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ، وَالَّذِينَ يَجِيئُونَكُمْ قَدْ حَصِرَتْ
٧ ‏/ ٢٩٦
صُدُورُهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ وَقِتَالِ قَوْمِهِمْ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَقَاتَلُوكُمْ مَعَ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَفَّهُمْ عَنْكُمْ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَطِيعُوا الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِكَفِّهِمْ عَنْكُمْ مَعَ سَائِرِ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الْكَفِّ عَنْهُمْ إِذَا وَصَلُوا إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ وَقِتَالِ قَوْمِهِمْ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] يَقُولُ: «فَإِنِ اعْتَزَلَكُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِدُخُولِهِمْ فِي أَهْلِ عَهْدِكُمْ أَوْ مَصِيرِهِمْ إِلَيْكُمْ. حصِرَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ وَقِتَالِ قَوْمِهِمْ، فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ ﴿وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ [النساء: ٩٠] يَقُولُ:»وَصَالَحُوكُمْ. وَالسَّلَمُ: هُوَ الِاسْتِسْلَامُ، وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَعْطَيْتُكَ قِيَادِي وَأَلْقَيْتُ إِلَيْكَ خِطَامِي، إِذَا اسْتَسْلَمَ لَهُ وَانْقَادَ لِأَمْرِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ [النساء: ٩٠] إِنَّمَا هُوَ: أَلْقَوْا إِلَيْكُمْ قِيَادَهُمْ وَاسْتَسْلَمُوا لَكُمْ صُلْحًا مِنْهُمْ لَكُمْ وَسَلَمًا. ومِنَ السَّلَمِ قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:
[البحر البسيط] وَذَاكَ أَنَّ تَمِيمًا غَادَرَتْ سَلَمًا … لِلْأُسْدِ كُلَّ حَصَانٍ وَعْثَةِ اللِّبَدِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ سَلَمًا: اسْتِسْلَامًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٧ ‏/ ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿فَإِنِ ⦗٢٩٨⦘ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ [النساء: ٩٠] قَالَ: «الصُّلْحَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٩٠] فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِذَا اسْتَسْلَمَ لَكُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ صُلْحًا مِنْهُمْ لَكُمْ، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا: أَيْ فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ طَرِيقًا إِلَى قَتْلٍ أَوْ سِبَاءٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، بِإِبَاحَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ لَكُمْ وَلَا إِذْنٍ، فَلَا تَعَرَّضُوا لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا سَبِيلَ خَيْرٍ. ثُمَّ نَسْخَ اللَّهُ جَمِيعَ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٥]
٧ ‏/ ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، قَالَا: قَالَ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٩١] وَقَالَ فِي الْمُمْتَحِنَةِ ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمُ﴾ [الممتحنة: ٨] وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَقَالَ فِيهَا: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي
٧ ‏/ ٢٩٨
الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ [الممتحنة: ٩] إِلَى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] فَنَسَخَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ الْأَرْبَعَةَ فِي شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ١] فَجَعَلَ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ، وَأَبْطَلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الَّتِي تَلِيهَا: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥] ثُمَّ نَسَخَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [التوبة: ٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ [التوبة: ٦]
٧ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ﴾ [النساء: ٩٠] قَالَ: «نَسَخَتْهَا: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]»
٧ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: ٩٠] ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بَعْدُ فِي بَرَاءَةَ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ ⦗٣٠٠⦘ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ [التوبة: ٥]
٧ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ [النساء: ٩٠] الْآيَةُ، قَالَ: نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ أَجْمَعُ، نَسَخَهُ الْجِهَادُ، ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ “
٧ ‏/ ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾ وَهَؤُلَاءِ فَرِيقٌ آخَرُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ لِيَأْمَنُوا بِهِ عِنْدَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَهُمْ كُفَّارٌ، يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَوْمُهُمْ، إِذَا لَقُوهُمْ كَانُوا مَعَهُمْ وَعَبَدُوا مَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَيَأْمَنُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ يَعْنِي: “كُلَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ ارْتَدُّوا فَصَارُوا مُشْرِكِينَ مِثْلَهُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ نَاسٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا عَلَى مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التُّقْيَةِ وَهُمْ كُفَّارٌ، لِيَأْمَنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ يَعْنِي: «كُلَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ ارْتَدُّوا، فَصَارُوا مُشْرِكِينَ مِثْلَهُمْ لِيَأْمَنُوا عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …