حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، قَالَ: لَمَّا هَمَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالِانْصِرَافِ إِلَى مِصْرَ حِينَ أَخْبَرَهُمُ النُّقَبَاءُ بِمَا أَخْبَرُوهُمْ مِنْ أَمْرِ الْجَبَابِرَةِ، خَرَّ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَى وُجُوهِهِمَا سُجُودًا قُدَّامَ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَخَرَقَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بْنُ يُوفَنَا ثِيَابَهُمَا، وَكَانَا مِنْ جِوَاسِيسِ الْأَرْضِ، وَقَالَا لِجَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ الْأَرْضَ مَرَرْنَا بِهَا وَجَسَسْنَاهَا صَالِحَةً رَضِيَهَا رَبُّنَا لَنَا فَوَهَبَهَا لَنَا، وَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَلَكِنِ افْعَلُوا وَاحِدَةً، لَا تَعْصُوا اللَّهَ، وَلَا تَخْشَوُا الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا، فَإِنَّهُمْ جُبَنَاءُ، مَدْفُوعُونَ فِي أَيْدِينَا، إِنْ حَارَبْنَاهُمْ ذَهَبَتْ مِنْهُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَلَا تَخْشَوْهُمْ. فَأَرَادَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ “
٨ / ٣٠١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا، عُيُونًا لَهُمْ، وَلِيَأْتُوهُمْ بِأَخْبَارِ الْقَوْمِ. فَأَمَّا ⦗٣٠٢⦘ عَشْرَةٌ فَجَبَّنُوا قَوْمَهُمْ وَكَرَّهُوا إِلَيْهِمُ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الرَّجُلَانِ فَأَمَرَا قَوْمَهُمَا أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَأَنْ يَتَّبِعُوا أَمْرَ اللَّهِ، وَرَغِبَا فِي ذَلِكَ، وَأَخْبَرَا قَوْمَهُمَا أَنَّهُمْ غَالِبُونَ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ “
٨ / ٣٠١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ [المائدة: ٢٣] قَرْيَةُ الْجَبَّارِينَ “
٨ / ٣٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣] وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، عَنْ قَوْلِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّهَ أَنَّهُمَا قَالَا لِقَوْمِ مُوسَى يُشَجِّعَانِهِمْ بِذَلِكَ، وَيُرَغِّبَانِهِمْ فِي الْمُضِيِّ لِأَمْرِ اللَّهِ بِالدُّخُولِ عَلَى الْجَبَّارِينَ فِي مَدِينَتِهِمْ: تَوَكَّلُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى اللَّهِ فِي دُخُولِكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَقُولَانِ لَهُمْ: ثِقُوا بِاللَّهِ فَإِنَّهُ مَعَكُمْ إِنْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ مِنْ جِهَادِ عَدُوِّكُمْ. وعَنَيَا بِقَوْلِهِمَا ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي نَبِيَّكُمْ ﷺ، فِيمَا أَنْبَأَكُمْ عَنْ رَبِّكُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إِخْبَارِهِ عَنْ رَبِّهِ، وَمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ رَبَّكُمْ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ لَكُمْ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنْ تَمْكِينِكُمْ فِي بِلَادِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكُمْ
٨ / ٣٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ الْمَلَإِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى لِمُوسَى، إِذْ رَغِبُوا فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَوُعِدُوا نَصْرَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، إِنْ هُمْ نَاهَضُوهُمْ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ بَابَ
٨ / ٣٠٢
مَدِينَتِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا﴾ [المائدة: ٢٤] يَعْنُونَ: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَ مَدِينَتَهُمْ أَبَدًا. وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا﴾ [المائدة: ٢٤] مِنْ ذِكْرِ الْمَدِينَةِ. ويَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿أَبَدًا﴾ [البقرة: ٩٥] أَيَّامَ حَيَاتِنَا مَا دَامُوا فِيهَا، يَعْنِي: مَا كَانَ الْجَبَّارُونَ مُقِيمِينَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُمْ وَأُمِرُوا بِدُخُولِهَا. ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ﴾ لَا نَجِيءُ مَعَكَ يَا مُوسَى إِنْ ذَهَبْتَ إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ، وَلَكِنْ نَتْرُكُكَ تَذْهَبْ أَنْتَ وَحْدَكَ وَرَبُّكَ فَتُقَاتِلَانِهِمْ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: لَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ: اذْهَبْ أَنْتَ وَلْيَذْهَبْ مَعَكَ رَبُّكَ فَقَاتِلَا، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ: اذْهَبْ أَنْتَ يَا مُوسَى، وَلْيُعِنْكَ رَبُّكَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الذَّهَابُ. وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ يَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْمَخْرَجِ لَهُ لَوْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا قَوْمٌ أَهْلُ خِلَافٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَرَسُولِهِ، فَلَا وَجْهَ لِطَلَبِ الْمَخْرَجِ لِكَلَامِهِمْ فِيمَا قَالُوا فِي اللَّهِ عز وجل وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا يُشْبِهُ كُفْرَهُمْ وَضَلَالَتَهُمْ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خِلَافَ مَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى
٨ / ٣٠٣
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ: أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ، قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّا لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ وَلَكِنْ نَقُولُ: «اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا، إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ»
٨ / ٣٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، حِينَ صَدَّ الْمُشْرِكُونَ الْهَدْيَ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ: «إِنِّي ذَاهِبٌ بِالْهَدْيِ فَنَاحِرُهُ عِنْدَ الْبَيْتِ» فَقَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: أَمَا وَاللَّهِ لَا نَكُونُ كَالْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ، وَلَكِنِ: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ فَلَمَّا سَمِعَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ تَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ ” وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمَا يَقُولُونَ: إِنَّمَا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ لِمُوسَى عليه السلام حِينَ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَمْرُ الْجَبَّارِينَ وَشِدَّةُ بَطْشِهِمْ
٨ / ٣٠٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَسِيرُوا، إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مَعَ نَبِيِّهِمْ مُوسَى ﷺ، فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ لَهُمْ مُوسَى: ادْخُلُوهَا فَأَبَوْا وَجَبُنُوا، وَبَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ. فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا، فَجَاءُوا بِحَبَّةِ فَاكِهَةٍ مِنْ فَاكِهَتِهِمْ بِوِقْرِ الرَّجُلِ، فَقَالُوا: قَدِّرُوا قُوَّةَ قَوْمٍ وَبَأْسَهُمْ هَذِهِ فَاكِهَتُهُمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ
٨ / ٣٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قِيلِ قَوْمِ مُوسَى حِينَ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ مَا قَالُوا مِنْ قَوْلِهِمْ: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤] أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَغَضِبَ مِنْ قِيلِهِمْ لَهُمْ دَاعِيًا: يَا رَبِّ ﴿إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾ [المائدة: ٢٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ أَحْمِلَهُ عَلَى مَا أُحِبُّ وَأُرِيدُ مِنْ طَاعَتِكَ وَاتِّبَاعِ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ، إِلَّا عَلَى نَفْسِي وَعَلَى أَخِي. منْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَا أَمْلِكُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا إِلَّا كَذَا وَكَذَا، بِمَعْنَى: لَا أَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] افْصِلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِقَضَاءٍ مِنْكَ تَقْضِيهِ فِينَا وَفِيهِمْ فَتُبَعِّدُهُمْ مِنَّا، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَرَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ، بِمَعْنَى: فَصَلْتُ بَيْنَهُمَا؛ مِنْ قَوْلِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] يَا رَبِّ فَافْرُقْ بَيْنَهُ وَبَيْنِي … أَشَدَّ مَا فَرَقْتَ بَيْنَ اثْنَيْنِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الرجز] يَا رَبِّ فَافْرُقْ بَيْنَهُ وَبَيْنِي … أَشَدَّ مَا فَرَقْتَ بَيْنَ اثْنَيْنِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٣٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٣٠٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] يَقُولُ: «اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ»
٨ / ٣٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] يَقُولُ: «اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ»
٨ / ٣٠٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: غَضِبَ مُوسَى ﷺ حِينَ قَالَ لَهُ الْقَوْمُ: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] وَكَانَتْ عَجْلَةً مِنْ مُوسَى عَجِلَهَا “
٨ / ٣٠٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] يَقُولُ: «اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، كُلُّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ: اقْضِ بَيْنَنَا، فَقَضَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ سَمَّاهُمْ فَاسِقِينَ» وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] الْخَارِجِينَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِهِ، إِلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفِسْقِ: الْخُرُوجُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، فِيمَا مَضَى، بِمَا ⦗٣٠٧⦘ أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ “
٨ / ٣٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي النَّاصِبِ لِلْأَرْبَعِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: النَّاصِبُ لَهُ قَوْلُهُ: ﴿مُحَرَّمَةٌ﴾ [المائدة: ٢٦] وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عَصَوْهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى وَأَبَوْا حَرْبَ الْجَبَّارِينَ، دُخُولَ مَدِينَتِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، وَأُسْكِنُوهَا، وَأَهْلَكَ الْجَبَّارِينَ بَعْدَ حَرْبٍ مِنْهُمْ لَهُمْ، بَعْدَ أَنْ قُضِيَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَخَرَجُوا مِنَ التِّيهِ “
٨ / ٣٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: لَمَّا قَالَ لَهُمُ الْقَوْمُ مَا قَالُوا وَدَعَا مُوسَى عَلَيْهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: ﴿إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِيمَا ذُكِرَ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ فَجَعَلَهُمْ فَاسِقِينَ بِمَا عَصَوْا، فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي فَرَاسِخَ سِتَّةٍ، أَوْ دُونَ ذَلِكَ، يَسِيرُونَ كُلَّ يَوْمٍ جَادِّينَ لِكَيْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، حَتَّى يُمْسُوا وَيَنْزِلُوا، فَإِذَا هُمْ فِي الدَّارِ الَّتِي مِنْهَا ارْتَحِلُوا. وَإِنَّهُمُ اشْتَكَوْا إِلَى مُوسَى مَا فُعِلَ بِهِمْ، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى، وَأُعْطُوا مِنَ الْكِسْوَةِ مَا هِيَ قَائِمَةٌ لَهُمْ، يَنْشَأُ النَّاشِئُ فَتَكُونُ مَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ. وسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يَسْقِيَهُمْ، فَأَتَى بِحَجَرِ الطُّورِ، وَهُوَ
٨ / ٣٠٧
حَجَرٌ أَبْيَضٌ، إِذَا مَا نَزَلَ الْقَوْمُ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنٌ، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ. حَتَّى إِذَا خَلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَكَانَتْ عَذَابًا بِمَا اعْتَدَوْا وَعَصَوْا، أُوحِيَ إِلَى مُوسَى أَنْ مُرْهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاهُمْ عَدُوَّهُمْ، وَقُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوُا الْمَسْجِدَ أَنْ يَأْتُوا الْبَابَ وَيَسْجُدُوا إِذَا دَخَلُوا، وَيَقُولُوا حِطَّةٌ. وَإِنَّمَا قَوْلُهُمْ حِطَّةٌ، أَنْ يَحُطَّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ. فَأَبَى عَامَّةُ الْقَوْمِ، وَعَصَوْا، وَسَجَدُوا عَلَى خَدِّهِمْ، وَقَالُوا حِنْطَةٌ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ [البقرة: ٥٩] إِلَى: ﴿بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: ٥٩] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ النَّاصِبُ لِلْأَرْبَعِينَ: ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦] قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قَالَ: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالُوا: وَلَمْ يَدْخُلْ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ أَحَدٌ مِمَّنْ قَالَ: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤]، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَإِنَّمَا دَخَلَهَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ: يُوشَعُ وَكِلَابُ اللَّذَانِ قَالَا لَهُمْ: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ [المائدة: ٢٣] وَأَوْلَادُ الَّذِينَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُخُولُهَا، فَتَيَّهَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ
٨ / ٣٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ قَالَ: «أَبَدًا»
٨ / ٣٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦] قَالَ: «أَرْبَعِينَ سَنَةً»
٨ / ٣٠٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هَارُونُ النَّحْوِيُّ، قَالَ: ثني الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦] قَالَ: «التَّحْرِيمُ لَا مُنْتَهَى لَهُ»
٨ / ٣٠٩
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: غَضِبَ مُوسَى عَلَى قَوْمِهِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي﴾ [المائدة: ٢٥] الْآيَةُ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦] فَلَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ، نَدِمَ مُوسَى، وَأَتَاهُ قَوْمُهُ الَّذِينَ كَانُوا يُطِيعُونَهُ، فَقَالُوا لَهُ: مَا صَنَعْتَ بِنَا يَا مُوسَى؟ فَمَكَثُوا فِي التِّيهِ؛ فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ التِّيهِ، رُفِعَ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى، وَأَكَلُوا مِنَ الْبُقُولِ. وَالْتَقَى مُوسَى وَعُوجُ، فَوَثَبَ مُوسَى فِي السَّمَاءِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَكَانَتْ عَصَاهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، وَكَانَ طُولُهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، فَأَصَابَ كَعْبَ عُوجٍ فَقَتَلَهُ. وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ مَعَ مُوسَى إِلَّا مَاتَ، وَلَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً بَعَثَ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ نَبِيًّا، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيُّ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْجَبَّارِينَ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ، فَهَزَمَ الْجَبَّارِينَ، وَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِمْ يُقَاتِلُونَهُمْ، فَكَانَتِ الْعِصَابَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عُنُقِ الرَّجُلِ يَضْرِبُونَهَا لَا يَقْطَعُونَهَا “
٨ / ٣٠٩
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، ⦗٣١٠⦘ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا دَعَا مُوسَى، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦] قَالَ: «فَدَخَلُوا التِّيهَ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ التِّيهَ مِمَّنْ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ سَنَةً مَاتَ فِي التِّيهِ. قَالَ: فَمَاتَ مُوسَى فِي التِّيهِ، وَمَاتَ هَارُونُ قَبْلَهُ. قَالَ: فَلَبِثُوا فِي تِيهِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَنَاهَضَ يُوشَعُ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ، فَافْتَتَحَ يُوشَعُ الْمَدِينَةِ»
٨ / ٣٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ [المائدة: ٢٦] حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الْقُرَى، وَكَانُوا لَا يَهْبِطُونَ قَرْيَةً، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، إِنَّمَا يَتْبَعُونَ الْأَطْوَاءَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُوسَى ﷺ مَاتَ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مِنْهُمْ إِلَّا أَبْنَاؤُهُمْ وَالرِّجْلَانِ اللَّذَانِ قَالَا مَا قَالَا “
٨ / ٣١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثني بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، قَالَ: لَمَّا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا فَعَلَتْ، مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ نَبِيَّهُمْ، وَهَمِّهِمْ بِكَالِبٍ وَيُوشَعَ، إِذْ أَمَرَاهُمْ بِدُخُولِ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ، وَقَالَا لَهُمْ مَا قَالَا، ظَهَرَتْ عَظَمَةُ اللَّهِ بِالْغَمَامِ عَلَى نَارٍ فِيهِ الرَّمْزُ عَلَى كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
٨ / ٣١٠
لِمُوسَى: إِلَى مَتَى يَعْصِينِي هَذَا الشَّعْبُ وَإِلَى مَتَى لَا يُصَدِّقُونَ بِالْآيَاتِ كُلِّهَا الَّتِي وَضَعْتُ بَيْنَهُمْ؟ أَضْرِبُهُمْ بِالْمَوْتِ فَأُهْلِكُهُمْ، وَأَجْعَلُ لَكَ شَعْبًا أَشَدَّ مِنْهُمْ. فَقَالَ مُوسَى يَسْمَعُ أَهْلُ الْمِصْرِ الَّذِينَ أَخْرَجْتَ هَذَا الشَّعْبَ بِقُوَّتِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَيَقُولُ سَاكِنُو هَذِهِ الْبِلَادِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ فِي هَذَا الشَّعْبِ، فَلَوْ أَنَّكَ قَتَلْتَ هَذَا الشَّعْبَ كُلَّهُمْ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، لَقَالَتِ الْأُمَمُ الَّذِينَ سَمِعُوا بِاسْمِكَ: إِنَّمَا قَتَلَ هَذَا الشَّعْبَ مِنْ أَجْلِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ، فَقَتَلَهُمْ فِي الْبَرِيَّةِ، وَلَكِنْ لِتَرْتَفِعْ أَيَادِيكَ، وَيَعْظُمْ جَزَاؤُكَ يَا رَبِّ كَمَا كُنْتَ تَكَلَّمْتَ وَقُلْتَ لَهُمْ، فَإِنَّهُ طَوِيلٌ صَبْرُكَ، كَثِيرَةٌ نِعَمُكَ، وَأَنْتَ تَغْفِرُ الذُّنُوبَ فَلَا تُوبِقُ، وَإِنَّكَ تَحْفَظُ الْآبَاءَ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَأَبْناءِ الْأَبْنَاءِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَجْيَالٍ وَأَرْبَعَةٍ، فَاغْفِرْ أَيْ رَبِّ آثَامَ هَذَا الشَّعْبِ، بِكَثْرَةِ نِعَمِكَ، كَمَا غَفَرْتَ لَهُمْ مُنْذُ أَخْرَجْتَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى الْآنَ. فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُوسَى ﷺ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ بِكَلِمَتِكَ، وَلَكِنْ قَدْ أَنَى لِي أَنَا اللَّهُ، وَقَدْ مَلَأَتِ الْأَرْضَ مَحْمَدَتِي كُلَّهَا، أَلَا يَرَى الْقَوْمُ الَّذِينَ قَدْ رَأَوْا مَحْمَدَتِي وَآيَاتِي الَّتِي فَعَلْتُ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي الْقِفَارِ، سَأَلُونِي عَشْرَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يُطِيعُونِي، لَا يَرَوْنَ الْأَرْضَ الَّتِي
٨ / ٣١١
خَلَقْتُ لِآبَائِهِمْ، وَلَا يَرَاهَا مَنْ أَغْضَبَنِي؛ فَأَمَّا عَبْدِي كَالِبٌ الَّذِي كَانَ رُوحُهُ مَعِي وَاتَّبَعَ هَوَايَ، فَإِنِّي مُدْخِلُهُ الْأَرْضَ الَّتِي دَخَلَهَا، وَيَرَاهَا خَلْفَهُ. وَكَانَ الْعَمَالِيقُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ جُلُوسًا فِي الْجِبَالِ، ثُمَّ غَدَوْا فَارْتَحَلُوا فِي الْقِفَارِ فِي طَرِيقٍ يَحْرُسُونَ، وَكَلَّمَ اللَّهُ عز وجل مُوسَى وَهَارُونَ، وَقَالَ لَهُمَا: إِلَى مَتَى تُوَسْوِسُ عَلَيَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ جَمَاعَةُ السُّوءِ؟ قَدْ سَمِعْتُ وَسْوَسَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ: لَأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا قُلْتُ لَكُمْ، وَلَتُلْقَيَنَّ جِيَفُكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ، وَحِسَابُكُمْ مِنْ بَنِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ عَلَيَّ، فَلَا تَدْخُلُوا الْأَرْضَ الَّتِي دَفَعْتُ إِلَيْهَا، وَلَا يَنْزِلْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ غَيْرَ كَالِبِ بْنِ يُوفَنَا وَيُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَتَكُونُ أَثْقَالُكُمْ كَمَا كُنْتُمُ الْغَنِيمَةَ. وَأَمَّا بَنُوكُمُ الْيَوْمَ الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْأَرْضَ، وَإِنِّي بِهِمْ عَارِفٌ لَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي أَرَدْتُ لَهُمْ وَتَسْقُطُ جِيَفُكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ، وَتَتِيهُونَ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ عَلَى حِسَابِ الْأَيَّامِ الَّتِي جَسَسْتُمُ الْأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ سَنَةً وَتُقْتَلُونَ بِخَطَايَاكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ: قَدْ أَنَى لِي أَنَا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ، جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ وُعِدُوا بِأَنْ يَتِيهُوا فِي الْقِفَارِ، فِيهَا يَمُوتُونَ
٨ / ٣١٢
فَأَمَّا الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانَ مُوسَى بَعَثَهُمْ يَتَجَسَّسُونَ الْأَرْضَ، ثُمَّ حَرَّشُوا الْجَمَاعَةَ، فَأَفْشَوْا فِيهِمْ خَبَرَ الشَّرِّ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ بَغْتَةً، وَعَاشَ يُوشَعُ وَكَالِبُ بْنُ يوفنا مِنَ الرَّهْطِ الَّذِينَ انْطَلَقُوا يَتَحَسَّسُونَ الْأَرْضَ. فَلَمَّا قَالَ مُوسَى عليه السلام هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، حَزِنَ الشَّعْبُ حُزْنًا شَدِيدًا، وَغَدَوْا فَارْتَفَعُوا عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَقَالُوا: نَرْتَقِي الْأَرْضَ الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّا قَدْ أَخْطَأْنَا. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: لِمَ تَعْتَدُونَ فِي كَلَامِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، لَا يَصْلُحُ لَكُمْ عَمَلٌ، وَلَا تَصْعَدُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ مَعَكُمْ، فَالْآنَ تَنْكَسِرُونَ مِنْ قُدَّامِ أَعْدَائِكُمْ مِنْ أَجْلِ الْعَمَالِقَةِ وَالْكَنْعَانِيِّينَ أَمَامَكُمْ، فَلَا تَقَعُوا فِي الْحَرْبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمُ انْقَلَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَكُمْ فَأَخَذُوا يَرْقُونَ فِي الْجَبَلِ، وَلَمْ يَبْرَحِ التَّابُوتُ الَّذِي فِيهِ مَوَاثِيقُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَمُوسَى مِنَ الْمَحِلَّةِ؛ يَعْنِي مِنَ الْحِكْمَةِ، حَتَّى هَبَطَ الْعَمَالِيقُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ، فَحَرَّقُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. فتَيَّهُّمُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بِالْمَعْصِيَةِ، حَتَّى هَلَكَ مَنْ كَانَ اسْتَوْجَبَ الْمَعْصِيَةَ مِنَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ: فَلَمَّا شَبَّ النَّوَاشِئُ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ، وَهَلَكَ آبَاؤُهُمْ، وَانْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً الَّتِي تَتَيَّهُوا فِيهَا وَسَارَ بِهِمْ مُوسَى وَمَعَهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بْنُ يوفنا، وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ عَلَى مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ أُخْتِ مُوسَى وَهَارُونَ، وَكَانَ لَهُمَا صِهْرًا؛ قَدِمَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى أَرِيحَاءَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَخَلَهَا بِهِمْ، وَقَتَلَ الْجَبَابِرَةَ الَّذِينَ كَانُوا فِيهَا، ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ لَا يَعْلَمُ قَبْرَهُ أَحَدٌ مِنَ
٨ / ٣١٣
الْخَلَائِقِ «وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَرْبَعِينَ مَنْصُوبَةٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ [المائدة: ٢٦] مَعْنِيٌّ بِهِ جَمِيعُ قَوْمِ مُوسَى لَا بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ عَمَّ بِذَلِكَ الْقَوْمَ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ «وَقَدْ وَفَى اللَّهُ بِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ، فَتَيَّهَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَحَرَّمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً الَّتِي مَكَثُوا فِيهَا تَائِهِينَ دُخُولَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَلَمْ يَدْخُلْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، لَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ وَلَا صَالِحٌ وَلَا طَالِحٌ، حَتَّى انْقَضَتِ السُّنُونَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْهِمْ فِيهَا دُخُولَهَا. ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَذَرَارِيِهِمْ بِدُخُولِهَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى، وَالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا. وَافْتَتَحَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى ﷺ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ يُوشَعُ، وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ عُوجَ بْنَ عُوقٍ قَتَلَهُ مُوسَى ﷺ، فَلَوْ كَانَ قَتْلُهُ إِيَّاهُ قَبْلَ مَصِيرِهِ فِي التِّيهِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَبَّارِينَ خَلْقًا لَمْ تَكُنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَجْزَعُ مِنَ الْجَبَّارِينَ الْجَزَعَ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهَا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ فَنَاءِ الْأُمَّةِ الَّتِي جَزَعَتْ وَعَصَتْ رَبَّهَا وَأَبَتِ الدُّخُولَ عَلَى الْجَبَّارِينَ مَدِينَتَهُمْ» وَبَعْدُ: فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ بَلْعَمَ بْنَ بَاعُورَاءَ كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ الْجَبَّارِينَ بِالدُّعَاءِ عَلَى مُوسَى؛ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ وَقَوْمُ مُوسَى مُمْتَنِعُونَ مِنْ حَرْبِهِمْ وَجِهَادِهِمْ، لِأَنَّ الْمَعُونَةَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَطْلُوبًا، فَأَمَّا وَلَا طَالِبَ فَلَا وَجْهَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا»
٨ / ٣١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ نَوْفٍ، قَالَ: كَانَ سَرِيرُ عِوَجٍ ثَمَانِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَ طُولُ مُوسَى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَعَصَاهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَوَثَبَ فِي السَّمَاءِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، فَضَرَبَ عِوَجًا فَأَصَابَ كَعْبَهُ، فَسَقَطَ مَيِّتًا، فَكَانَ جِسْرًا لِلنَّاسِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ “
٨ / ٣١٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ عَصَا مُوسَى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَوَثْبَتُهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَطُولُهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، فَوَثَبَ فَأَصَابَ كَعْبَ عِوَجٍ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ جِسْرًا لِأَهْلِ النِّيلِ سَنَةً “
٨ / ٣١٥
وَمَعْنَى: ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٢٦] يَحَارُونَ فِيهَا وَيَضِلُّونَ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الضَّالِّ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ: تَائِهٌ. وَكَانَ تِيهُهُمْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصْبِحُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً كُلَّ سَنَةٍ يَوْمٌ جَادِّينَ فِي قَدْرِ سِتَّةِ فَرَاسِخَ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ، فَيُمْسُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَءُوا السَّيْرَ مِنْهُ ” حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ
٨ / ٣١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسَوْا، وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا فِي تِيهِهِمْ “
٨ / ٣١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَأْسَ﴾ [المائدة: ٢٦] فَلَا تَحْزَنْ، يُقَالَ مِنْهُ: أَسِيَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا يَأْسَى أَسًى، وَقَدْ أَسَيْتُ مِنْ كَذَا: أَيْ حَزِنْتُ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ … يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
يَعْنِي: لَا تَهْلِكْ حُزْنًا «وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ»
[البحر الطويل] وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ … يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
يَعْنِي: لَا تَهْلِكْ حُزْنًا «وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ»
٨ / ٣١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَلَا تَأْسَ﴾ [المائدة: ٢٦] يَقُولُ: «فَلَا تَحْزَنْ»
٨ / ٣١٦
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٦] قَالَ: «لَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ، نَدِمَ مُوسَى ﷺ. فَلَمَّا نَدِمَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٦] لَا تَحْزَنْ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ سَمَّيْتُهُمْ فَاسِقِينَ»
٨ / ٣١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
٨ / ٣١٦
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَيْكُمْ، عَلَيْكَ وَعَلَى أَصْحَابِكَ مَعَكَ، وَعَرِّفْهُمْ مَكْرُوهَ عَاقِبَةِ الظُّلْمِ وَالْمَكْرِ، وَسُوءَ مَغَبَّةِ الْجَوْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ، وَمَا جَزَاءُ النَّاكِثِ وَثَوَابُ الْوَافِي، خَبَرَ ابْنَيْ آدَمَ هَابِيلَ وَقَابِيلَ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْمُطِيعِ مِنْهُمَا رَبَّهُ الْوَافِي بِعَهْدِهِ، وَمَا إِلَيْهِ صَارَ أَمْرُ الْعَاصِي مِنْهُمَا رَبَّهُ الْجَائِرِ النَّاقِضِ عَهْدَهُ؛ فَلْتَعْرِفْ بِذَلِكَ الْيَهُودُ وَخَامَةَ غِبِّ غَدْرِهِمْ، وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَهَمِّهِمْ بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ. فَإِنَّ لَكَ وَلَهُمْ فِي حُسْنِ ثَوَابِي وَعِظَمِ جَزَائِي عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ الَّذِي جَازَيْتُ الْمَقْتُولَ الْوَافِيَ بِعَهْدِهِ مِنِ ابْنَيْ آدَمَ، وَعَاقَبْتُ بِهِ الْقَاتِلَ النَّاكِثَ عَهْدَهُ؛ عَزَاءً جَمِيلًا «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سَبَبِ تَقْرِيبِ ابْنَيْ آدَمَ الْقُرْبَانَ، وَسَبَبِ قَبُولِ اللَّهِ عز وجل مَا تَقَبَّلَ مِنْهُ، وَمَنِ اللَّذَانِ قَرَّبَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِيَّاهُمَا بِتَقْرِيبِهِ. وَكَانَ سَبَبُ الْقَبُولِ أَنَّ الْمُتَقَبَّلَ مِنْهُ قَرَّبَ خَيْرَ مَالِهِ وَقَرَّبَ الْآخَرَ شَرَّ مَالِهِ، وَكَانَ الْمُقَرِّبَانِ ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ أَحَدُهُمَا: هَابِيلُ، وَالْآخَرُ قَابِيلُ»
٨ / ٣١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، ⦗٣١٨⦘ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَيْ آدَمَ لَمَّا أُمِرَا بِالْقُرْبَانِ، كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ غَنَمٍ، وَكَانَ أُنْتِجَ لَهُ حَمَلٌ فِي غَنَمِهِ، فَأَحَبَّهُ حَتَّى كَانَ يُؤْثِرُهُ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ حُبِّهِ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ. فَلَمَّا أُمِرَ بِالْقُرْبَانِ، قَرَّبَهُ لِلَّهِ فَقَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ، فَمَا زَالَ يَرْتَعُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى فُدِيَ بِهِ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ ﷺ “
٨ / ٣١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ حَرْثٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبَ غَنَمٍ، وَأَنَّهُمَا أُمِرَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا؛ وَإِنَّ صَاحِبَ الْغَنَمِ قَرَّبَ أَكْرَمَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا وَأَحْسَنَهَا طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْحَرْثِ قَرَّبَ شَرَّ حَرْثِهِ الْكُوزَنَ وَالزُّوَانِ غَيْرَ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ؛ وَإِنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْغَنَمِ وَلَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْحَرْثِ. وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: أَيْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ يَدَهُ إِلَى أَخِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمَا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِهِ “
٨ / ٣١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينٌ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ يُقَرِّبُهُ الرَّجُلُ. فبَيْنَا ابْنَا آدَمَ قَاعِدَانِ، إِذْ قَالَا: لَوْ قَرَّبْنَا قُرْبَانًا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَّبَ قُرْبَانًا فَرَضِيَهُ اللَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ نَارًا فَأَكَلَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَضِيَهُ اللَّهُ خَبَتِ النَّارُ. فقَرَّبَا قُرْبَانًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاعِيًا، وَكَانَ الْآخَرُ حَرَّاثًا، وَإِنَّ صَاحِبَ الْغَنَمِ قَرَّبَ خَيْرَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا وَقَرَّبَ الْآخَرُ أَبْغَضَ زَرْعِهِ، فَجَاءَتِ النَّارُ، فَنَزَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَأَكَلَتِ الشَّاةَ وَتَرَكَتِ الزَّرْعَ. وَإِنَّ ابْنَ آدَمَ قَالَ لِأَخِيهِ: أَتَمْشِي فِي النَّاسِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ قَرَّبْتَ قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْكَ وَرُدَّ عَلَيَّ؟ فَلَا وَاللَّهِ، لَا تَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيَّ وَإِلَيْكَ وَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنْبِي، إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ “
٨ / ٣١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: «ابْنَا آدَمَ هَابِيلُ وَقَابِيلُ لِصُلْبِ آدَمَ، فَقَرَّبَ أَحَدُهُمَا شَاةً وَقَرَّبَ الْآخَرُ بَقْلًا، فَقَبِلَ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، فَقَتَلَهُ صَاحِبُهُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٣١٩
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: “هَابِيلُ وَقَابِيلُ، فَقَرَّبَ هَابِيلُ عَنَاقًا مِنْ أَحْسَنِ غَنَمِهِ، وَقَرَّبَ قَابِيلُ زَرْعًا مِنْ زَرْعِهِ. قَالَ: فَأَكَلَتِ النَّارُ الْعَنَاقَ، وَلَمْ تَأْكُلِ الزَّرْعَ، فَ ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧]
٨ / ٣٢٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا رَجُلٌ، سَمِعَ مُجَاهِدًا، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: «هُوَ هَابِيلُ وَقَابِيلُ لِصُلْبِ آدَمَ، قَرَّبَا قُرْبَانًا، قَرَّبَ أَحَدُهُمَا شَاةً مِنْ غَنَمِهِ وَقَرَّبَ الْآخَرُ بَقْلًا، فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: لَأَقْتُلَنَّكَ، فَقَتَلَهُ، فَعَقَلَ اللَّهُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ إِلَى الشَّمْسِ حَيْثُمَا دَارَتْ عَلَيْهِ حَظِيرَةً مِنْ ثَلْجِ فِي الشِّتَاءِ وَعَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةً مِنْ نَارٍ، وَمَعَهُ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ كُلَّمَا ذَهَبَ مَلَكٌ جَاءَ الْآخَرُ»
٨ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، ح، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: «قَرَّبَ هَذَا كَبْشًا وَقَرَّبَ هَذَا صَبِرَةً مِنْ طَعَامٍ؛ فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا. قَالَ: تُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ»
٨ / ٣٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾ [المائدة: ٢٧] كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ “
٨ / ٣٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: «كَانَ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ قَابِيلُ وَالْآخَرُ هَابِيلُ؛ أَحَدُهُمَا صَاحِبُ غَنَمٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ زَرْعٍ، فَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَمْثَلِ غَنَمِهِ حَمَلًا، وَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَرْدَإِ زَرْعِهِ. قَالَ: فَنَزَلَتِ النَّارُ، فَأَكَلَتِ الْحَمَلَ، فَقَالَ لِأَخِيهِ: لَأَقْتُلَنَّكَ»
٨ / ٣٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ: “أَنَّ آدَمَ أَمَرَ ابْنَهُ قَابِيلَ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهُ تَوْأَمَةَ هَابِيلَ، وَأَمَرَ هَابِيلَ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهُ تَوْأَمَةَ قَابِيلَ. فسَلَّمَ لِذَلِكَ هَابِيلُ وَرَضِيَ، وَأَبَى قَابِيلُ ذَلِكَ وَكَرِهَهُ، تَكَرُّمًا عَنْ أُخْتِ هَابِيلَ، وَرَغِبَ بِأُخْتِهِ عَنْ هَابِيلَ، وَقَالَ: نَحْنُ وِلَادَةُ الْجَنَّةِ وَهُمَا مِنْ وِلَادَةِ الْأَرْضِ، وَأَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي، وَيَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ: كَانَتْ أُخْتُ قَابِيلَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَضَنَّ بِهَا عَلَى أَخِيهِ وَأَرَادَهَا لِنَفْسِهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ
٨ / ٣٢١
كَانَ. فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَكَ. فَأَبَى قَابِيلُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ فَقَرِّبْ قُرْبَانًا، وَيُقَرِّبُ أَخُوكَ هَابِيلُ قُرْبَانًا، فَأَيُّكُمَا قَبِلَ اللَّهُ قُرْبَانَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَكَانَ قَابِيلُ عَلَى بِذْرِ الْأَرْضِ، وَكَانَ هَابِيلُ عَلَى رِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ، فَقَرَّبَ قَابِيلُ قَمْحًا وَقَرَّبَ هَابِيلُ أَبْكَارًا مِنْ أبكارِ غَنَمِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قَرَّبَ بَقَرَةً، فَأَرْسَلَ اللَّهُ نَارًا بَيْضَاءَ، فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، وَبِذَلِكَ كَانَ يَقْبَلُ الْقُرْبَانَ إِذَا قَبِلَهُ “
٨ / ٣٢٢
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: كَانَ لَا يُولَدُ لِآدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَةٌ، فَكَانَ يُزَوِّجُ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ الْآخَرِ، وَيُزَوِّجُ جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ غُلَامَ الْبَطْنِ هَذَا الْآخَرِ. حَتَّى وُلِدَ لَهُ ابْنَانِ يُقَالَ لَهُمَا: «قَابِيلُ، وَهَابِيلُ، وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ ضَرْعٍ. وَكَانَ قَابِيلُ أَكْبَرَهُمَا، وَكَانَ لَهُ أُخْتٌ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ. وَإِنَّ هَابِيلَ طَلَبَ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ قَابِيلَ، فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ أُخْتِي وُلِدَتْ مَعِي، وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِكَ، وَأَنَا أَحَقُّ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا. فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا هَابِيلَ فَأَبَى. وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ، وَكَانَ آدَمُ يَوْمَئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا إِلَى مَكَّةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ لِيَ بَيْتًا فِي الْأَرْضَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّةَ فَأْتِهِ. فَقَالَ آدَمُ لِلسَّمَاءِ: احْفَظِي وَلَدِي بِالْإِمَانَةِ، فَأَبَتْ. وَقَالَ لِلْأَرْضِ فَأَبَتْ، وَقَالَ لِلْجِبَالِ فَأَبَتْ، وَقَالَ لقَابِيلَ، فَقَالَ: نَعَمْ تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ وَتَجِدُ أَهْلَكَ كَمَا يَسُرُّكَ. فَلَمَّا انْطَلَقَ آدَمُ قَرَّبَا قُرْبَانًا، ⦗٣٢٣⦘ وَكَانَ قَابِيلُ يَفْخَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ، هِيَ أُخْتِي، وَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكَ، وَأَنَا وَصِيُّ وَالِدِي. فَلَمَّا قَرَّبَا، قَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً، وَقَرَّبَ قَابِيلُ حُزْمَةَ سُنْبِلٍ، فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً عَظِيمَةً فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا. فَنَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، فَغَضِبَ وَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِحَ أُخْتِي. فَقَالَ هَابِيلُ ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧]»
٨ / ٣٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ [المائدة: ٢٧] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا هَابِيلُ وَقَابِيلُ. فَأَمَّا هَابِيلُ فَكَانَ صَاحِبَ مَاشِيَةٍ، فَعَمَدَ إِلَى خَيْرِ مَاشِيَتِهِ، فَتَقَرَّبَ بِهَا، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَكَلَتْهُ. وَكَانَ الْقُرْبَانُ إِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَكَلَتْهُ، وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِمْ أَكَلَتْهُ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ. وَأَمَّا قَابِيلُ فَكَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ، فَعَمَدَ إِلَى أَرْدَإِ زَرْعِهِ، فَتَقَرَّبَ بِهِ، فَلَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِ النَّارُ، فَحَسَدَ أَخَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] “
٨ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: «هُمَا قَابِيلُ وَهَابِيلُ. قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ زَرْعٍ وَالْآخَرُ صَاحِبَ مَاشِيَةٍ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا بِخَيْرِ مَالِهِ وَجَاءَ الْآخَرُ بِشَرِّ مَالِهِ، فَجَاءَتِ النَّارُ، فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ أَحَدِهِمَا وَهُوَ هَابِيلُ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ الْآخَرِ، فَحَسَدَهُ فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ»
٨ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ⦗٣٢٤⦘: ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: «قَرَّبَ هَذَا زَرْعًا وَذَا عَنَاقًا، فَتَرَكَتِ النَّارُ الزَّرْعَ وَأَكَلَتِ الْعَنَاقَ» وَقَالَ آخَرُونَ: اللَّذَانِ قَرَّبَا قُرْبَانًا وَقَصَّ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قِصَصَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ لِصُلْبِهِ
٨ / ٣٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ فِي الْقُرْآنِ، اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ [المائدة: ٢٧] مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُونَا ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ آدَمُ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ ” وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، أَنَّ اللَّذَيْنِ قَرَّبَا الْقُرْبَانَ كَانَ ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، لَا مَنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ عِبَادَهُ بِمَا لَا يُفِيدُهُمْ بِهِ فَائِدَةً، وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا عَالِمِينَ أَنَّ تَقْرِيبَ الْقُرْبَانِ لِلَّهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي وَلَدِ آدَمَ دُونَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ غَيْرِهِمْ. فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَمَعْقُولٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًّا بِابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ابْنَاهُ لِصُلْبِهِ، لَمْ يُفِدْهُمْ بِذِكْرِهِ ﷻ إِيَّاهُمَا فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ
٨ / ٣٢٤
عِنْدَهُمْ. وَإِذَا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ خِطَابًا لَا يُفِيدُهُمْ بِهِ مَعْنًى، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَنَى ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، لَا ابْنَيْ بَنِيهِ الَّذِينَ بَعُدَ مِنْهُ نَسَبُهُمْ مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالسِّيَرِ وَالْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ وَفِي عَهْدِ آدَمَ وَزَمَانِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ نُصَّ عَنْهُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ كَثِيرًا مِمَّنْ لَمْ يُذْكَرْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
٨ / ٣٢٥
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا حُسَامُ بْنُ مِصَكٍّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: «لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، مَكَثَ آدَمُ مِائَةَ سَنَةٍ حَزِينًا لَا يَضْحَكُ، ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: حَيَّاكَ اللَّهُ وَبَيَّاكَ. فَقَالَ: بَيَّاكَ: أَضْحَكَكَ»
٨ / ٣٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، بَكَى آدَمُ فَقَالَ:
[البحر الوافر] تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا … فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ … وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الْمَلِيحِ
فَأُجِيبَ آدَمُ عليه السلام ⦗٣٢٦⦘:
[البحر الوافر] أَبَا هَابِيلَ قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا … وَصَارَ الْحَيُّ كَالْمَيْتِ الذَّبِيحِ
وَجَاءَ بِشَرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا … عَلَى خَوْفٍ فَجَاءَ بِهَا يَصِيحُ
وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي تَقْرِيبِهِمَا مَا قَرَّبَا، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ قَرَّبَا، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ تَقْرِيبَهُمَا مَا قَرَّبَا كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَلَمْ يُقَرِّبَا ذَلِكَ إِلَّا طَلَبَ قُرْبَةٍ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾ [المائدة: ٢٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: قَالَ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ قُرْبَانُهُ لِلَّذِي تُقُبِّلَ مِنْهُ قُرْبَانُهُ: لَأَقْتُلَنَّكَ. فَتَرَكَ ذِكْرَ الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ وَالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ قُرْبَانُهُ، اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرِهِمَا عَنْ إِعَادَتِهِ، وَكَذَلِكَ تَرَكَ ذِكْرَ الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
[البحر الوافر] تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا … فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ … وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الْمَلِيحِ
فَأُجِيبَ آدَمُ عليه السلام ⦗٣٢٦⦘:
[البحر الوافر] أَبَا هَابِيلَ قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا … وَصَارَ الْحَيُّ كَالْمَيْتِ الذَّبِيحِ
وَجَاءَ بِشَرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا … عَلَى خَوْفٍ فَجَاءَ بِهَا يَصِيحُ
وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي تَقْرِيبِهِمَا مَا قَرَّبَا، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ قَرَّبَا، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ تَقْرِيبَهُمَا مَا قَرَّبَا كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَلَمْ يُقَرِّبَا ذَلِكَ إِلَّا طَلَبَ قُرْبَةٍ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾ [المائدة: ٢٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: قَالَ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ قُرْبَانُهُ لِلَّذِي تُقُبِّلَ مِنْهُ قُرْبَانُهُ: لَأَقْتُلَنَّكَ. فَتَرَكَ ذِكْرَ الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ وَالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ قُرْبَانُهُ، اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرِهِمَا عَنْ إِعَادَتِهِ، وَكَذَلِكَ تَرَكَ ذِكْرَ الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
٨ / ٣٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾ [المائدة: ٢٧] فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنْبِي ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] “
٨ / ٣٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا ⦗٣٢٧⦘ يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] قَالَ: «يَقُولُ: إِنَّكَ لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ فِي قُرْبَانِكَ تُقُبِّلَ مِنْكَ، جِئْتَ بِقُرْبَانٍ مَغْشُوشٍ بِأَشَرِّ مَا عِنْدَكَ، وَجِئْتُ أَنَا بِقُرْبَانٍ طَيِّبٍ بِخَيْرِ مَا عِنْدِي؛ قَالَ: وَكَانَ قَالَ: يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْكَ وَلَا يَتَقَبَّلُ مِنِّي» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] مِنَ الَّذِينَ اتَّقُوا اللَّهَ وَخَافُوهُ بِأَدَاءِ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: الْمُتَّقُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِينَ اتَّقُوا الشِّرْكَ
٨ / ٣٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ ” وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْقُرْبَانِ فِيمَا مَضَى، وَأَنَّهُ الْفُعْلَانُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَرَّبَ، كَمَا الْفُرْقَانُ: الْفُعْلَانُ مِنْ فَرَّقَ، وَالْعُدْوَانُ مِنْ عَدَا. وَكَانَتْ قَرَابِينُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أُمَّتِنَا كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فِينَا، غَيْرَ أَنَّ قَرَابِينَهُمْ كَانَ يُعْلَمُ الْمُتَقَبَّلُ مِنْهَا وَغَيْرُ الْمُتَقَبَّلُ فِيمَا ذُكِرَ بِأَكْلِ النَّارِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا وَتَرْكِ النَّارِ مَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهَا. وَالْقُرْبَانُ فِي أُمَّتِنَا: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ: مِنَ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَلَا سَبِيلَ لَهَا إِلَى الْعِلْمِ فِي عَاجِلٍ بِالْمُتَقَبَّلِ مِنْهَا وَالْمَرْدُودِ.
٨ / ٣٢٧
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ، أَنَّهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: ⦗٣٢٨⦘ مَا يُبْكِيكَ، فَقَدْ كُنْتَ وَكُنْتَ؟ فَقَالَ: يُبْكِينِي أَنِّي أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عَامِرٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قُرْبَانُ الْمُتَّقِينَ: الصَّلَاةُ
٨ / ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «كَانَ قُرْبَانُ الْمُتَّقِينَ: الصَّلَاةَ»
٨ / ٣٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٨] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْمَقْتُولِ مِنَ ابْنَيْ آدَمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَخُوهُ الْقَاتِلُ لَأَقْتُلَنَّكَ: وَاللَّهِ ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ﴾ [المائدة: ٢٨] يَقُولُ: «مَدَدْتَ إِلَيَّ يَدَكَ ﴿لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: ٢٨] يَقُولُ:»مَا أَنَا بَمَادٍّ يَدِيَ إِلَيْكَ ﴿لِأَقْتُلَكَ﴾ [المائدة: ٢٨] وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَ الْمَقْتُولُ ذَلِكَ لِأَخِيهِ وَلَمْ يُمَانِعْهُ مَا فَعَلَ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ ذَلِكَ إِعْلَامًا مِنْهُ لِأَخِيهِ الْقَاتِلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُ وَلَا بَسْطَ يَدِهِ إِلَيْهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِهِ
٨ / ٣٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ: «وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ إِلَى أَخِيهِ»
٨ / ٣٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: ٢٨] لَا أَنَا بِمُنْتَصِرٍ، وَلَأَمْسِكَنَّ يَدِي عَنْكَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَمْنَعْهُ مِمَّا أَرَادَ مِنْ قَتْلِهِ، وَقَالَ مَا قَالَ لَهُ مِمَّا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. إِلَّا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ مِمَّنْ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ
٨ / ٣٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا رَجُلٌ، سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ﴾ [المائدة: ٢٨] قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا تَرَكَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ ” وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ قَتْلَ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ظُلْمًا، وَأَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ لِأَخِيهِ: مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ إِنْ
٨ / ٣٢٩
بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِ أَخِيهِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَى أَخِيهِ الْقَاتِلِ مِنْ قَتْلِهِ. فَأَمَّا الامْتِنَاعُ مِنْ قَتْلِهِ حِينَ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَلَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ حِينَ أَرَادَ قَتْلَهُ وَعَزَمَ عَلَيْهِ كَانَ الْمَقْتُولُ عَالِمًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ عَازِمٌ مِنْهُ وَمُحَاوِلٌ مَنْ قَتَلَهُ، فَتَرَكَ دَفْعَهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ بَلْ قَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً، اغْتَالَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَشَدَخَ رَأْسَهُ بِصَخْرَةٍ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَرْكِ مَنْعِ أَخِيهِ مِنْ قَتْلِهِ، لَمْ يَكُنْ جَائِزًا ادِّعَاءُ مَا لَيْسَ فِي الْآيَةِ إِلَّا بِبُرْهَانٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٨] فَإِنِّي أَخَافُ اللَّهَ فِي بَسْطِ يَدِيَ إِلَيْكَ إِنْ بَسَطْتُهَا لِقَتْلِكَ. ﴿رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٨] يَعْنِي: مَالِكَ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا أَنْ يُعَاقِبَنِيَ عَلَى بَسْطِ يَدِيَ إِلَيْكَ
٨ / ٣٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٢٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي مِنْ قَتْلِكَ إِيَّايَ وَإِثْمِكَ فِي مَعْصِيَتِكَ اللَّهَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِيكَ
٨ / ٣٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ ⦗٣٣١⦘ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] يَقُولُ: “إِثْمَ قَتْلِي إِلَى إِثْمِكَ الَّذِي فِي عُنُقِكَ ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [المائدة: ٢٩]
٨ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] يَقُولُ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ، وَإِثْمِكَ قَبْلَ ذَلِكَ “
٨ / ٣٣١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] قَالَ: «بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِكَ»
٨ / ٣٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] يَقُولُ: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتِكَ وَدَمِي، تَبُوءَ بِهِمَا جَمِيعًا»
٨ / ٣٣١
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] يَقُولُ: “إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ ﴿وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] قَالَ: «بِمَا كَانَ مِنْكَ قَبْلَ ذَلِكَ»
٨ / ٣٣١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] قَالَ: «أَمَّا إِثْمُكَ، فَهُوَ الْإِثْمُ الَّذِي عَمِلَ قَبْلَ قَتْلِ النَّفْسِ، يَعْنِي أَخَاهُ. وَأَمَّا إِثْمُهُ: ⦗٣٣٢⦘ فَقَتْلُهُ أَخَاهُ» وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] أَيْ ” إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي، فَحَذَفَ الْقَتْلَ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْإِثْمِ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِخَطِيئَتِي فَتَتَحَمَّلَ وِزْرَهَا وَإِثْمَكَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ. وَهَذَا قَوْلٌ وَجَدْتُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ غَلَطًا، لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ
٨ / ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ، بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] يَقُولُ: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتِي وَدَمِي، فَتَبُوءَ بِهِمَا جَمِيعًا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ تَأْوِيلَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَنْصَرِفَ بِخَطِيئَتِكَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي﴾ [المائدة: ٢٩] وَأَمَّا مَعْنَى ﴿وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩] فَهُوَ إِثْمُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ، وَذَلِكَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَعْمَالٍ سِوَاهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ فَجَزَاءُ عَمَلِهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمُهُ فِي خَلْقِهِ فَغَيْرُ ⦗٣٣٣⦘ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ آثَامُ الْمَقْتُولِ مَأْخُوذًا بِهَا الْقَاتِلُ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْقَاتِلُ بِإِثْمِهِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَسَائِرِ آثَامِ مَعَاصِيهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بِنَفْسِهِ دُونَ مَا رَكِبَهُ قَتِيلُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ لَيْسَ قَتْلُ الْمَقْتُولِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَانَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ مِنَ الْقَاتِلِ؟ قِيلَ: بَلَى، وَأَعْظِمْ بِهَا مَعْصِيَةً. فَإِنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْصِيَةٌ، فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمَقْتُولُ وَيَقُولُ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي﴾ [المائدة: ٢٩] وَقَدْ ذَكَرْتَ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي؟ فَمَعْنَاهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي إِنْ قَتَلْتَنِي لِأَنِّي لَا أَقَتُلُكَ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَنِي فَإِنِّي مَرِيدٌ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ مَعْصِيَتِكَ اللَّهَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ. وَهُوَ إِذَا قَتَلَهُ، فَهُوَ لَا مَحَالَةَ بَاءَ بِهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ، فَإِرَادَتُهُ ذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ الدُّخُولَ فِي الْخَطَأِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٢٩] يَقُولُ: «فَتَكُونَ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ مِنْ سُكَّانِ الْجَحِيمِ، وَوَقُودِ النَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٢٩] يَقُولُ:»وَالنَّارُ ثَوَابُ التَّارِكِينَ طَرِيقَ الْحَقِّ الزَّائِلِينَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، الْمُتَعَدِّينِ مَا جُعِلَ لَهُمْ إِلَى مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَانَ أَمَرَ وَنَهَى آدَمَ بَعْدَ أَنْ أَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَالَ الْمَقْتُولُ لِلْقَاتِلِ: فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ، وَلَا أَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: عَلَقَتْ إِحْدَى رِجْلَيِ الْقَاتِلِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذِهَا مِنْ يَوْمَئِذِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَوَجْهُهُ فِي الشَّمْسِ حَيْثُمَا دَارَتْ دَارَ، عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ ⦗٣٣٤⦘ مِنْ نَارٍ وَعَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ حَظِيرَةٌ مِنْ ثَلْجِ
٨ / ٣٣٢
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: «إِنَّا لَنَجِدُ ابْنَ آدَمَ الْقَاتِلَ يُقَاسِمُ أَهْلَ النَّارِ قِسْمَةً صَحِيحَةَ الْعَذَابَ، عَلَيْهِ شَطْرُ عَذَابِهِمْ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو خَبَرٌ
٨ / ٣٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا، ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ
٨ / ٣٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: «مَا مِنْ مَقْتُولٍ يُقْتَلُ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ وَالشَّيْطَانِ كِفْلٌ مِنْهُ»
٨ / ٣٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ أَشْقَى النَّاسِ رَجُلًا لِابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، مَا سُفِكَ دَمٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ قَتَلَ أَخَاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا لَحِقَ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» وَبِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ فِي ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ، ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَلَكِنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ، أَنَّ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ آدَمُ، وَأَنَّ الْقُرْبَانَ الَّذِي كَانَتِ النَّارُ تَأْكُلُهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ خَطَأً؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ هَذَا الْقَاتِلِ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ. أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ⦗٣٣٦⦘ الْقَتْلَ، وَقَدْ كَانَ لَا شَكَّ الْقَتْلُ قَبْلَ إِسْرَائِيلَ، فَكَيْفَ قَبْلُ ذُرِّيَّتِهِ، وَخَطَأٌ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٨ / ٣٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٣٠] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿فَطَوَّعَتْ﴾ [المائدة: ٣٠] فَأَقَامَتهُ وَسَاعَدَتْهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ فَعَّلَتْ مِنَ الطَّوْعِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: طَاعَنِي هَذَا الْأَمْرُ: إِذَا انْقَادَ لَهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَشَجَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ.
٨ / ٣٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ﴾ [المائدة: ٣٠] قَالَ: «شَجَّعَتْ»
٨ / ٣٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٣٣٧⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ﴾ [المائدة: ٣٠] قَالَ: «فَشَجَّعَتْهُ»
٨ / ٣٣٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: ٣٠] قَالَ: «شَجَّعَتْهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: زَيَّنَتْ لَهُ»
٨ / ٣٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ﴾ [المائدة: ٣٠] قَالَ: «زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ، فَقَتَلَهُ» ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صِيغَةِ قَتْلِهِ إِيَّاهُ كَيْفَ كَانَتْ، وَالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَتَلَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَدَهُ نَائِمًا فَشَدَخَ رَأْسَهُ بِصَخْرَةٍ
٨ / ٣٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: ٣٠] فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَرَاغَ الْغُلَامُ مِنْهُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ. وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَلٍ وَهُوَ نَائِمٌ، فَرَفَعَ صَخْرَةً فَشَدَخَ بِهَا رَأْسَهُ، فَمَاتَ، فَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ “
٨ / ٣٣٧
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَشْعَثَ السِّجِسْتَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ، قَالَ: ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ صَاحَبَهُ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلُهُ، فَتَمَثَّلَ إِبْلِيسُ لَهُ فِي هَيْئَةِ طَيْرٍ، فَأَخَذَ طَيْرًا فَقَصَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَشَدَخَ رَأْسَهُ، فَعَلَّمَهُ الْقَتْلَ “
٨ / ٣٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَتَلَهُ حَيْثُ يَرْعَى الْغَنَمَ، فَأَتَى فَجَعَلَ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقْتُلُهُ، فَلَوَى بِرَقَبَتِهِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ، فَنَزَلَ إِبْلِيسُ، وَأَخَذَ دَابَّةً أَوْ طَيْرًا، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ، ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا آخَرَ فَرَضَخَ بِهِ رَأْسَهُ، وَابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ يَنْظُرُ، فَأَخَذَ أَخَاهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ وَأَخَذَ حَجَرًا آخَرَ فَرَضَخَ بِهِ رَأْسَهُ ” حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا رَجُلٌ، سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٨ / ٣٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَ ابْنِ آدَمَ الَّذِي تُقُبَّلَ قُرْبَانُهُ، قَالَ الْآخَرُ لِأَخِيهِ: أَتَمْشِي فِي النَّاسِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ قَرَّبْتَ قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْكَ وَرُدَّ عَلَيَّ؟ وَاللَّهِ لَا تَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيَّ وَإِلَيْكَ وَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي. فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكِ. فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنْبِي ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧] فَخَوَّفَهُ بِالنَّارِ، فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِرْ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ ⦗٣٣٩⦘ قَتْلَ أَخِيهِ، فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ “
٨ / ٣٣٨
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَرْمِي الْجَمْرَةَ وَهُوَ مُتَقَنِّعٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِي، حَتَّى إِذَا وَازَيْنَا بِمَنْزِلِ سَمُرَةَ الصَّرَّافِ، وَقَفَ يُحَدِّثُنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “نَهَى أَنْ يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ أَخُوهَا تَوْأَمُهَا وَيَنْكِحَهَا غَيْرُهُ مِنْ إِخْوَتِهَا، وَكَانَ يُولَدُ فِي كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَوُلِدَتِ امْرَأَةٌ وَسِيمَةٌ، وَوُلِدَتِ امْرَأَةٌ دَمِيمَةٌ قَبِيحَةٌ، فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَةِ: أَنْكِحْنِي أُخْتَكَ وَأُنْكِحُكَ أُخْتِي. قَالَ: لَا، أَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي. فقَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الْكَبْشِ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ صَاحِبِ الزَّرْعِ، فَقَتَلَهُ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْكَبْشُ مَحْبُوسًا عِنْدَ اللَّهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ فِي فِدَاءِ إِسْحَاقَ، فَذَبَحَهُ عَلَى هَذَا الصَّفَا فِي ثَبِيرٍ عِنْدَ مَنْزِلِ سَمُرَةَ الصَّرَّافِ، وَهُوَ عَلَى يَمِينِكَ حِينَ تَرْمِي الْجِمَارَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بَنُو آدَمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَرْبَعَةُ آبَاءٍ، فَنَكَحَ ابْنَةَ عَمِّهِ، وَذَهَبَ نِكَاحُ الْأَخَوَاتِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الْقَاتِلِ أَنَّهُ قَتَلَ أَخَاهُ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَنَا يَقْطَعُ الْعُذْرَ بِصِفَتِهِ قَتْلَهُ إِيَّاهُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى نَحْوِ
٨ / ٣٣٩
مَا قَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي خَبَرِهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، غَيْرَ أَنَّ الْقَتْلَ قَدْ كَانَ لَا شَكَّ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٣٠] فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ: فَأَصْبَحَ الْقَاتِلُ أَخَاهُ مِنِ ابْنَيْ آدَمَ مِنْ حِزْبِ الْخَاسِرِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ بَاعُوا آخِرَتَهُمْ بِدُنْيَاهُمْ بِإِيثَارِهِمْ إِيَّاهَا عَلَيْهَا فَوُكِسُوا فِي بَيْعِهِمْ وَغُبِنُوا فِيهِ، وَخَابُوا فِي صِفْقَتِهِمْ
٨ / ٣٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثَ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِي سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَيْضًا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي أَمْرِ ابْنَيْ آدَمَ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عَمْرٌو عَنِ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَوْ كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَجْهَلِ الْقَاتِلُ دَفْنَ أَخِيهِ وَمُوَارَاةَ سَوْأَةِ أَخِيهِ، وَلَكِنَّهُمَا كَانَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ لِصُلْبِهِ. وَلَمْ يَكُنِ الْقَاتِلُ مِنْهُمَا أَخَاهُ عَلِمَ سُنَّةَ اللَّهِ فِي عَادَةِ الْمَوْتَى، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِأَخِيهِ الْمَقْتُولِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ حِينًا حَتَّى أَرَاحَتْ جِيفَتُهُ، فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعْرِيفَهُ السُّنَّةَ فِي مَوْتَى خَلْقِهِ، فَقَيَّضَ لَهُ الْغُرَابَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ صِفَتَهُمَا فِي كِتَابِهِ
٨ / ٣٤٠
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِالَّذِي كَانَ مِنْ فِعْلِ الْقَاتِلِ مِنَ ابْنَيْ آدَمَ بِأَخِيهِ الْمَقْتُولِ بَعْدَ قَتْلِهِ إِيَّاهُ:
٨ / ٣٤٠
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي رَوْقٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ⦗٣٤١⦘ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَكَثَ يَحْمِلُ أَخَاهُ فِي جِرَابٍ عَلَى رَقَبَتِهِ سَنَةً، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الْغُرَابَيْنِ، فَرَآهُمَا يَبْحَثَانِ، فَقَالَ: أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ؟ فَدَفَنَ أَخَاهُ “
٨ / ٣٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثَ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾ بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ غُرَابًا حَيًّا إِلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ، فَجَعَلَ الْغُرَابُ الْحَيُّ يُوَارِي سَوْأَةَ الْغُرَابِ الْمَيِّتِ، فَقَالَ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١] الْآيَةُ “
٨ / ٣٤١
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: لَمَّا مَاتَ الْغُلَامُ تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَا يَعْلَمُ كَيْفَ يُدْفَنُ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَحَفَرَ لَهُ، ثُمَّ حَثَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِي سَوْأَةَ أَخِي﴾ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾
٨ / ٣٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَبْحَثُ﴾ [المائدة: ٣١] قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا حَتَّى حَفَرَ لِآخَرَ إِلَى جَنْبِهِ مَيِّتٍ وَابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ بَحَثَ عَلَيْهِ حَتَّى غَيَّبَهُ»
٨ / ٣٤١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣١] حَتَّى حَفَرَ لِآخَرَ مَيِّتٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَغَيَّبَهُ، وَابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ حَيْثُ يَبْحَثُ عَلَيْهِ، حَتَّى غَيَّبَهُ فَقَالَ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١] الْآيَةَ “
٨ / ٣٤٢
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣١] قَالَ: “بَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا إِلَى غُرَابٍ، فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَجَعَلَ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَقَالَ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾
٨ / ٣٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣١] قَالَ: «جَاءَ غُرَابٌ إِلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ، فَحَثَى عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ حَتَّى وَارَاهُ، فَقَالَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١] الْآيَةُ»
٨ / ٣٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: «لَمَّا قَتَلَهُ نَدِمَ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْوَحَ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ تَنْتَظِرُ مَتَى يَرْمِي بِهِ فَتَأْكُلَهُ»
٨ / ٣٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ﴾ [المائدة: ٣١] أَنَّهُ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا غُرَابَانِ اقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَذَلِكَ، يَعْنِي ابْنَ آدَمَ، يَنْظُرُ، وَجَعَلَ الْحَيُّ يَحْثِي عَلَى الْمَيِّتِ التُّرَابَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١] الْآيَةُ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنَ النَّادِمِينَ﴾ [المائدة: ٣١]
٨ / ٣٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا﴾ [المائدة: ٣١] قَالَ: “قَتَلَ غُرَابٌ غُرَابًا. فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ حِينَ رَآهُ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾
٨ / ٣٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾ قَالَ: “وَارَى الْغُرَابُ الْغُرَابَ. قَالَ: كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ مِائَةَ سَنَةٍ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهِ، يَحْمِلُهُ وَيَضَعُهُ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى رَأَى الْغُرَابَ يَدْفِنُ الْغُرَابَ، فَقَالَ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾
٨ / ٣٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١] قَالَ: “بَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا، فَجَعَلَ يَبْحَثُ عَلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ التُّرَابَ، قَالَ: فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ ⦗٣٤٤⦘ ﴿أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾
٨ / ٣٤٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣١] بَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا حَيًّا إِلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ، فَجَعَلَ الْغُرَابُ الْحَيُّ يُوَارِي سَوْأَةَ الْغُرَابِ الْمَيِّتِ، فَقَالَ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١] الْآيَةُ “
٨ / ٣٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ، أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَهُ سَقَطَ فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُوَارِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَأَوَّلُ مَيِّتٍ قَالَ ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي﴾ الْآيَةُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: “وَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ قَابِيلَ حِينَ قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيلَ، قَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا قَابِيلُ أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا كُنْتُ عَلَيْهِ رَقِيبًا. فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَهُ: إِنَّ صَوْتَ دَمِ أَخِيكَ لَيُنَادِينِي مِنَ الْأَرْضِ، الْآنَ أَنْتَ مَلْعُونٌ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا فَبَلَعَتْ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ، فَإِذَا أَنْتَ عَمِلْتَ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ تُعْطِيكَ حَرْثَهَا حَتَّى تَكُونَ فَزِعًا تَائِهًا فِي
٨ / ٣٤٤
الْأَرْضِ. قَالَ قَابِيلُ: عَظُمَتْ خَطِيئَتِي عَنْ أَنْ تَغْفِرَهَا، قَدْ أَخْرَجْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَأَتَوَارَى مِنْ قُدَّامِكَ، وَأَكُونُ فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَنْ لَقِيَنِي قَتَلَنِي. فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ كُلُّ قَاتِلٍ قَتِيلًا يُجْزَى وَاحِدًا، وَلَكِنْ يُجْزَى سَبْعَةً، وَجَعَلَ اللَّهُ فِي قَابِيلَ آيَةً، لِئَلَّا يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ. وَخَرَجَ قَابِيلُ مِنْ قُدَّامِ اللَّهِ عز وجل، مِنْ شَرْقِيَّ عَدْنِ الْجَنَّةِ “
٨ / ٣٤٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: «لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ نَشَفَتِ الْأَرْضُ دَمَهُ، فَلُعِنَتْ، فَلَمْ تُنَشِّفِ الْأَرْضُ دَمًا بَعْدُ» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَأَثَارَ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ إِذْ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِأَخِيهِ الْمَقْتُولِ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ: يَحْفِرُ فِي الْأَرْضِ، فَيُثِيرُ تُرَابَهَا لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ، يَقُولُ: لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي جِيفَةَ أَخِيهِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِالسَّوْءَةِ الْفَرْجَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْجِيفَةِ، وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَفِي ذَلِكَ مَحْذُوفٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ، وَهُوَ: فَأَرَاهُ بِأَنْ بَحَثَ فِي الْأَرْضِ لِغُرَابٍ آخَرَ مَيِّتٍ، فَوَارَاهُ فِيهَا، فَقَالَ الْقَاتِلُ أَخَاهُ حِينَئِذٍ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ [المائدة: ٣١] الَّذِي وَارَى الْغُرَابَ الْآخَرَ
٨ / ٣٤٥
الْمَيِّتَ ﴿فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي﴾ فَوَارَاهُ حِينَئِذٍ ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ [المائدة: ٣١] عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي قَتْلِهِ أَخَاهُ. وَكُلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِبَنِي آدَمَ، وَحَرَّضَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ الْيَهُودِ، الَّذِينَ كَانُوا هَمُّوا بِقَتْلِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَتَلَهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، إِذْ أَتَوْهُمْ يَسْتَعِينُونَهُمْ فِي دِيَةِ قَتِيلَيْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وَعَرَّفَهُمْ جَلَّ وَعَزَّ رَدَاءَةَ سَجِيَّةِ أَوَائِلِهِمْ وَسُوءَ اسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى مَنْهَجِ الْحَقِّ مَعَ كَثْرَةِ أَيَادِيهِ وَآلَائِهِ عِنْدَهُمْ، وَضَرَبَ مَثَلَهُمْ فِي عَدُوِّهِمْ وَمَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَفَاءِ لَهُمْ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ بِابْنَيْ آدَمَ الْمُقَرِّبِينَ قَرَابِينَهُمَا اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ. ثُمَّ ذَلِكَ مَثَلٌ لَهُمْ عَلَى التَّأَسِّي بِالْفَاضِلِ مِنْهُمَا دُونَ الطَّالِحِ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٨ / ٣٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَيْ آدَمَ مَثَلًا، فَخُذُوا خَيْرَهُمَا وَدَعُوا شَرَّهُمَا»؟ قَالَ: بَلَى “
٨ / ٣٤٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ ضُرِبَا مَثَلًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَخُذُوا ⦗٣٤٧⦘ بِالْخَيْرِ مِنْهُمَا»
٨ / ٣٤٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَيْ آدَمَ مَثَلًا، فَخُذُوا مِنْ خَيْرِهِمْ وَدَعُوا الشَّرَّ»
٨ / ٣٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ [المائدة: ٣٢] مِنْ جَرَّ ذَلِكَ وَجَرِيرَتِهِ وَجِنَايَتِهِ، يَقُولُ: مِنْ جَرَّ الْقَاتِلِ أَخَاهُ مِنِ ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ اقْتَصَصْنَا قِصَّتَهُمَا الْجَرِيرَةَ الَّتِي جَرَّهَا وَجِنَايَتَهُ الَّتِي جَنَاهَا، كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. يقَالَ مِنْهُ: أَجَلْتُ هَذَا الْأَمْرَ: أَيْ جَرَرْتُهُ إِلَيْهِ وَكَسَبْتُهُ آجُلُهُ أَجَلًا، كَقَوْلِكَ: أَخَذْتُهُ أَخْذًا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَأَهْلُ خِبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتُ بَيْنِهِمْ … قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَنَا آجِلُهُ: أَنَا الْجَارُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْجَانِي. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: مِنْ جِنَايَةِ ابْنِ آدَمَ الْقَاتِلِ أَخَاهُ ظُلْمًا، حَكَمْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا ظُلْمًا بِغَيْرِ نَفْسٍ قُتِلَتْ فَقَتَلَ بِهَا قِصَاصًا ﴿أَوْ فَسَادٍ فِي
[البحر الطويل] وَأَهْلُ خِبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتُ بَيْنِهِمْ … قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَنَا آجِلُهُ: أَنَا الْجَارُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْجَانِي. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: مِنْ جِنَايَةِ ابْنِ آدَمَ الْقَاتِلِ أَخَاهُ ظُلْمًا، حَكَمْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا ظُلْمًا بِغَيْرِ نَفْسٍ قُتِلَتْ فَقَتَلَ بِهَا قِصَاصًا ﴿أَوْ فَسَادٍ فِي
٨ / ٣٤٧
الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٢] يَقُولُ: “أَوْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا بِغَيْرِ فَسَادٍ كَانَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ، فَاسْتَحَقَّتْ بِذَلِكَ قَتْلَهَا. وفَسَادُهَا فِي الْأَرْضِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِخَافَةِ السَّبِيلِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٣٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [المائدة: ٣٢] يَقُولُ: «مِنْ أَجْلِ ابْنِ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ ظُلْمًا» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامَ عَدْلٍ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ شَدَّ عَلَى عَضُدِ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامِ عَدْلٍ، فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
٨ / ٣٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ شَدَّ عَلَى عَضُدِ نَبِيٍّ أَوْ ⦗٣٤٩⦘ إِمَامِ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامَ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»
٨ / ٣٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] يَقُولُ: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا وَاحِدَةً حَرَّمْتُهَا، فَهُوَ مِثْلُ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢] يَقُولُ: «مَنْ تَرَكَ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ حَرَّمْتُهَا مَخَافَتِي وَاسْتَحْيَا أَنْ يَقْتُلَهَا، فَهُوَ مِثْلُ اسْتِحْيَاءِ النَّاسِ جَمِيعًا؛ يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ» وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] عِنْدَ الْمَقْتُولِ فِي الْإِثْمِ ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢] فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَةٍ ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] عِنْدَ الْمُسْتَنْقِذِ
٨ / ٣٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِيمَا ذَكَرَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَوْلُهُ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] عِنْدَ الْمَقْتُولِ، يَقُولُ فِي الْإِثْمِ: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَةٍ، فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ⦗٣٥٠⦘ جَمِيعًا عِنْدَ الْمُسْتَنْقِذِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ قَاتِلَ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهَا يَصْلَى النَّارَ كَمَا يَصْلَاهَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا: مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا
٨ / ٣٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. قَالَ: وَمَنْ أَوْبَقَهَا»
٨ / ٣٥٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مَنْ أَوْبَقَ نَفْسًا فَكَمَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا وَسَلِمَ مِنْ طَلَبِهَا فَلَمْ يَقْتُلْهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا وَسَلِمَ مِنْ طَلَبِهَا فَلَمْ يَقْتُلْهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا “
٨ / ٣٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ ⦗٣٥١⦘ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] لَمْ يَقْتُلْهَا، وَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ النَّاسُ جَمِيعًا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا “
٨ / ٣٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا. أَوْ سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا كَانَ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»
٨ / ٣٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجِ قِرَاءَةً، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: “الَّذِي يَقْتُلُ النَّفْسَ الْمُؤْمِنَةَ مُتَعَمِّدًا، جَعَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ جَهَنَّمَ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا يَقُولُ: لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا لَمْ يَزِدْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا فَقَدِ اسْتَرَاحَ النَّاسُ مِنْهُ»
٨ / ٣٥١
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَوْبَقَ نَفْسًا»
٨ / ٣٥٢
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْإِثْمِ»
٨ / ٣٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: ٩٣] قَالَ: «يَصِيرُ إِلَى جَهَنَّمَ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا لَصَارَ إِلَى جَهَنَّمَ»
٨ / ٣٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «هُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] فَإِحْيَاؤُهَا لَا يَقْتُلُ نَفْسًا حَرَّمَهَا اللَّهُ، فَذَلِكَ الَّذِي أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، يَعْنِي أَنَّهُ مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا»
٨ / ٣٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «وَمَنْ حَرَّمَهَا فَلَمْ يَقْتُلْهَا»
٨ / ٣٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: ﴿مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا فَقَدْ ⦗٣٥٣⦘ أَحْيَاهَا»
٨ / ٣٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «هِيَ كَالَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ [النساء: ٩٣] فِي جَزَائِهِ»
٨ / ٣٥٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] كَالَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾ [النساء: ٩٣] فِي جَزَائِهِ ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢] وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا فَقَدْ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ “
٨ / ٣٥٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «الْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: هُوَ هَذَا وَهَذَا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِصَاصِ بِهِ وَالْقَوَدِ بِقَتْلِهِ، مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوَدِ وَالْقِصَاصِ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
٨ / ٣٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ⦗٣٥٤⦘ الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ مِثْلُ لَوْ أَنَّهُ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢] مَنْ عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْهُ فَلَمْ يَقْتُلْهُ
٨ / ٣٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] يَقُولُ: «مَنْ أَحْيَاهَا أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ لَوْ أَنَّهُ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. احْيَاهَا فَلَمْ يَقْتُلْهَا وَعَفَا عَنْهَا. قَالَ: وَذَلِكَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ، وَالْقَتِيلُ نَفْسُهُ يَعْفُو عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ. قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ»
٨ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ عَفَا»
٨ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ قُتِلَ حَمِيمٌ لَهُ فَعَفَا عَنْ دَمِهِ»
٨ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «الْعَفْوُ بَعْدَ ⦗٣٥٥⦘ الْقُدْرَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] وَمَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ
٨ / ٣٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ هَلَكَةٍ»
٨ / ٣٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ»
٨ / ٣٥٥
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: “أَنْجَاهَا.
٨ / ٣٥٥
وَقَالَ الضَّحَّاكُ بِمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «مَنْ تَوَرَّعَ أَوْ لَمْ يَتَوَرَّعْ»
٨ / ٣٥٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ⦗٣٥٦⦘ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] يَقُولُ: “لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَكَانَ قَدْ أَحْيَا النَّاسَ، فَلَمْ يَسْتَحِلَّ مُحَرَّمًا.
٨ / ٣٥٥
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «عَظُمَ ذَلِكَ»
٨ / ٣٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [المائدة: ٣٢] الْآيَةُ: مَنْ قَتَلَهَا عَلَى غَيْرِ نَفْسٍ وَلَا فَسَادٍ أَفْسَدَتْهُ ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] عَظُمَ وَاللَّهِ أَجْرُهَا، وَعَظُمَ وِزْرُهَا. فأَحْيِهَا يَا ابْنَ آدَمَ بِمَالِكَ، وَأَحْيِهَا بِعَفْوِكَ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَإِنَّا لَا نَعْلَمُهُ يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ، أَوْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ “
٨ / ٣٥٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «عَظُمَ وَاللَّهِ أَجْرُهَا، وَعَظُمَ وَاللَّهِ وِزْرُهَا»
٨ / ٣٥٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ، قَالَ: ثني سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّبْعِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [المائدة: ٣٢] الْآيَةُ، أَهِيَ لَنَا ⦗٣٥٧⦘ يَا أَبَا سَعِيدٍ كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَا جَعَلَ دِمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ دِمَائِنَا “
٨ / ٣٥٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدًا أَبَا الْفَضْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: ٣٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] ثُمَّ قَالَ: عَظَّمَ وَاللَّهِ فِي الْوِزْرِ كَمَا تَسْمَعُونَ، وَرَغَّبَ وَاللَّهِ فِي الْأَجْرِ كَمَا تَسْمَعُونَ، إِذَا ظَنَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ لَوْ قَتَلْتَ النَّاسَ جَمِيعًا فَإِنَّ لَكَ مِنْ عَمَلِكَ مَا تَفُوزُ بِهِ مِنَ النَّارِ، كَذَبَتْكَ وَاللَّهِ نَفْسُكَ، وَكَذَبَكَ الشَّيْطَانُ “
٨ / ٣٥٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: “وِزْرًا ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] قَالَ: «أَجْرًا» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ قَتَلَتْهَا فَاسْتَحَقَّتِ الْقَوَدَ بِهَا وَالْقَتْلَ قِصَاصًا، أَوْ بِغَيْرِ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، بِحَرْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَحَرْبِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا فِيمَا اسْتَوْجَبَ مِنْ عَظِيمِ الْعُقُوبَةِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، كَمَا أَوْعَدَهُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ رَبُّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ
٨ / ٣٥٧
اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] فَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَ مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قَتْلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَدْ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ بِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ، وَذَلِكَ إِحْيَاؤُهُ إِيَّاهَا. وَذَلِكَ نَظِيرُ خَبَرِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَمَّنْ حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، إِذْ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] فَكَانَ مَعْنَى الْكَافِرِ فِي قِيلِهِ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ: أَنَا أَتْرُكُ مَنْ قَدَرْتُ عَلَى قَتْلِهِ؛ وَفِي قَوْلِهِ: وَأُمِيتُ: قَتْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ. فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ [المائدة: ٣٢] مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ قَتْلِهِ إِيَّاهُمْ، إِلَّا فِيمَا أَذِنَ اللَّهُ فِي قَتْلِهِ مِنْهُمْ ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ لَا نَفْسَ يَقُومُ قَتْلُهَا فِي عَاجِلِ الضُّرُّ مَقَامَ قَتْلَ جَمِيعِ النُّفُوسِ، وَلَا إِحْيَاؤُهَا مَقَامَ إِحْيَاءِ جَمِيعِ النُّفُوسِ فِي عَاجِلِ النَّفْعِ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ: سَلَامَةُ جَمِيعِ النُّفُوسِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ جَمِيعُ النُّفُوسِ، وَأَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا الَّتِي يَقُومُ قَتَلُهَا مَقَامَ جَمِيعِهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْوِزْرِ، لِأَنَّهُ لَا نَفْسَ مِنْ نُفُوسِ بَنِي آدَمَ يَقُومُ فَقْدُهَا مَقَامَ فَقْدِ جَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَ فَقْدُ بَعْضِهَا أَعَمَّ ضَرَرًا مِنْ فَقْدِ بَعْضٍ
٨ / ٣٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾
٨ / ٣٥٨
وَهَذَا قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَقْسَمَ بِهِ، أَنَّ رُسُلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ أَتَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَصَّ اللَّهُ قَصَصَهُمْ وَذَكَرَ نَبَّأَهُمْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [البقرة: ٩٢] يَعْنِي: «بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَةِ، وَالْحُجَجِ الْبَيِّنَةِ عَلَى حَقِّيَّةِ مَا أَرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ وَصِحَّةِ مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِمْ وَأَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ [المائدة: ٣٢] يَعْنِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٣٢] مِنْ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ﴾ [الأعراف: ١٠١] بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي بَعْدَ مَجِيءِ رُسُلِ اللَّهِ بِالْبَيِّنَاتِ فِي الْأَرْضِ ﴿لَمُسْرِفُونَ﴾ [المائدة: ٣٢] يَعْنِي:»أَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ لَعَامِلُونَ بِمَعَاصِي اللَّهِ، وَمُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ، وَمُحَادُّو اللَّهَ وَرُسُلَهُ، بِاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ وَخِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ؛ وَذَلِكَ كَانَ إِسْرَافَهُمْ فِي الْأَرْضِ
٨ / ٣٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْي فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٣] وَهَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ حُكْمِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٢] أَعْلَمَ عِبَادَهُ مَا الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْمُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، فَقَالَ تبارك وتعالى: لَا جَزَاءَ لَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ وَقَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ أَوِ النَّفْي مِنَ الْأَرْضِ، خِزْيًا لَهُمْ؛ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي
٨ / ٣٥٩
الدُّنْيَا فَعَذَابٌ عَظِيمٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَانُوا أَهْلَ مُوَادَعَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فَعَرَّفَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ الْحُكْمَ فِيهِمْ
٨ / ٣٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ؛ فَخَيَّرَ اللَّهُ رَسُولَهُ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْتُلَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ»
٨ / ٣٦٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: كَانَ قَوْمٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِيثَاقٌ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ؛ فَخَيَّرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ نَبِيَّهُ ﷺ فِيهِمْ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ «حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
٨ / ٣٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: قَالَ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] إِلَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ، فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ؛ وَلَيْسَتْ تَحْرُزُ هَذِهِ الْآيَةُ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ مِنَ الْحَدِّ إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ فِيهِ الْحَدُّ الَّذِي أَصَابَ “
٨ / ٣٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَعُكْلٍ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
٨ / ٣٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَهْطًا، مِنْ عُكْلِ وَعُرَيْنَةَ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَهْلُ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَإِنَّا اسْتَوْخَمْنَا الْمَدِينَةَ. فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا. فَقَتَلُوا رَاعِيَ ⦗٣٦٢⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ. فأُتِيَ بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا. فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا رَوْحٌ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ
٨ / ٣٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَسُئِلَ، عَنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ الْمُحَارِبِينَ، فَقَالَ: كَانَ نَاسٌ أَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالُوا: نُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. فبَايَعُوهُ وَهُمْ كَذْبَةٌ، وَلَيْسَ الْإِسْلَامَ يُرِيدُونَ. ثُمَّ قَالُوا: إِنَّا نَجْتَوِي الْمَدِينَةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَذِهِ اللِّقَاحُ تَغْدُو عَلَيْكُمْ وَتَرُوحُ، فَاشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» . قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ الصَّرِيخُ، فَصَرَخَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: قَتَلُوا الرَّاعِي، ⦗٣٦٣⦘ وَسَاقُوا النَّعَمَ. فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ فَنُودِيَ فِي النَّاسِ، أَنْ: يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي. قَالَ: فَرَكِبُوا لَا يَنْتَظِرُ فَارِسٌ فَارِسًا. قَالَ: فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَثَرِهِمْ، فَلَمْ يَزَالُوا يَطْلُبُونَهُمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مَأْمَنَهُمْ، فَرَجَعَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ أَسَرُوا مِنْهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمُ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ، قَالَ: فَكَانَ نَفْيُهُمْ أَنْ نَفَوْهُمْ، حَتَّى أَدْخَلُوهُمْ مَأْمَنَهُمْ وَأَرْضَهُمْ، وَنَفَوْهُمْ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْهُمْ وَصَلَّبَ وَقَطَّعَ وَسَمَلَ الْأَعْيُنَ قَالَ: فَمَا مَثَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. قَالَ: «نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ، وَقَالَ: وَلَا تُمَثِّلُوا بِشَيْءٍ» قَالَ: فَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ بَعْدَ مَا قَتَلَهُمْ. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُمْ نَاسٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ عُرَيْنَةَ وَنَاسٌ مِنْ بَجِيلَةَ “
٨ / ٣٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ هَنَّادٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَوْمٌ مِنْ عُرَيْنَةَ حُفَاةً مَضْرُورِينَ، فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ،
٨ / ٣٦٣
فَلَمَّا صَحُّوا وَاشْتَدُّوا قَتَلُوا رِعَاءَ اللِّقَاحِ، ثُمَّ خَرَجُوا بِاللِّقَاحِ عَامِدِينَ بِهَا إِلَى أَرْضِ قَوْمِهِمْ. قَالَ جَرِيرٌ: فَبَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُمْ بَعْدَ مَا أَشْرَفُوا عَلَى بِلَادِ قَوْمِهِمْ، فَقَدِمْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: الْمَاءَ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «النَّارُ» حَتَّى هَلَكُوا. قَالَ: وَكَرِهَ اللَّهُ سَمْلَ الْأَعْيُنِ، فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ “
٨ / ٣٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنُ سَمْعَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَغَارَ نَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَاسْتَاقُوهَا وَقَتَلُوا غُلَامًا لَهُ فِيهَا، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ فَأُخِذُوا، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ” ⦗٣٦٥⦘ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَوْ عَمْرٍو، شَكَّ يُونُسُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، وَنَزَلَتْ فِيهِمْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ
٨ / ٣٦٤
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَسْلَمُوا، ثُمَّ اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا، فَقَتَلُوا رُعَاتِهَا، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَثَرِهِمْ قَافَةً، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ فَلَمْ يَحْسِمْهُمْ ⦗٣٦٦⦘ حَتَّى مَاتُوا “
٨ / ٣٦٥
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: ثني سَعِيدُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:. كَانُوا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَثَلَاثَةً مِنْ عُكْلٍ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمْ قَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ، وَتَرَكَهُمْ يَتَلَقَّمُونَ الْحِجَارَةَ بِالْحَرَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي ذَلِكَ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ “
٨ / ٣٦٦
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، كَتَبَ إِلَى أَنَسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَسٌ يُخْبِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُولَئِكِ النَّفْرِ الْعُرَنِيِّينَ، وَهُمْ مِنْ بَجِيلَةَ، قَالَ أَنَسٌ: فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلُوا الرَّاعِي، وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، وَأَخَافُوا السَّبِيلَ، وَأَصَابُوا الْفَرْجَ الْحَرَامَ “
٨ / ٣٦٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: “أُنْزِلَتْ فِي سُودَانِ عُرَيْنَةَ، قَالَ: أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَبِهِمُ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا إِلَى إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: «اشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، حَتَّى إِذَا صَحُّوا وَبَرِئُوا،
٨ / ٣٦٦
قَتَلُوا الرُّعَاةَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ ” وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ مُعَرِّفَةً حُكْمَهُ عَلَى مَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، بَعْدَ الَّذِي كَانَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَصَصَ الَّتِي قَصَّهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَعْدَهَا مِنْ قِصَصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْبَائِهِمْ، فَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَوَسِّطًا مِنْهُ يُعَرِّفُ الْحُكْمُ فِيهِمْ وَفِي نُظَرَائِهِمْ، أَوْلَى وَأَحَقُّ. وَقُلْنَا: كَانَ نُزُولُ ذَلِكَ بَعْدَ الَّذِي كَانَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْآيَةِ لَمَا وَصَفْنَا، فَتَأْوِيلُهَا: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ سَعَى بِفَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ، يَقُولُ: لَسَاعُونَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادَ، وَقَاتِلُو النُّفُوسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَغَيْرِ سَعْي فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ حَرْبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ يَا مُحَمَّدُ، فَإِنَّمَا جَزَاؤُهُ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْحَالِ الَّتِي ذَكَرْتَ مِنْ حَالِ نَقْضِ كَافِرٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَهْدَهُ، وَمِنْ قَوْلِكَ إِنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمٌ
٨ / ٣٦٧
مِنَ اللَّهِ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ: جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّتِنَا وَمِلَّتِنَا وَاحِدٌ، وَالَّذِينَ عُنُوا بِالْآيَةِ كَانُوا أَهْلَ عَهْدٍ وَذِمَّةٍ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلَا فِي حُكْمِهَا كُلُّ ذَمِّيٍّ وَمِلِّيٍّ، وَلَيْسَ يُبْطِلُ بِدُخُولِ مَنْ دَخَلَ فِي حُكْمِ الْآيَةِ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا نُزُولُهَا فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَسْخِ حُكْمِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْعُرَنِيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ حُكْمٌ مَنْسُوخٌ، نَسَخَهُ نَهْيُهُ عَنِ الْمُثْلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، أَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، وَقَالُوا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِتَابًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا فَعَلَ بِالْعُرَنِيِّينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ فِعْلُ النَّبِيُّ ﷺ بِالْعُرَنِيِّينَ حُكْمٌ ثَابِتٌ فِي نُظَرَائِهِمْ أَبَدًا، لَمْ يُنْسَخْ وَلَمْ يُبَدَّلْ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ فِيمَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا بِالْحِرَابَةِ. قَالُوا: وَالْعُرَنِيُّونَ ارْتَدُّوا وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَحُكْمُهُمْ غَيْرُ حُكْمِ الْمُحَارِبِ السَّاعِي فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالذِّمَّةِ وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَسْمُلِ النَّبِيُّ ﷺ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَسْمُلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ يُعَرِّفُهُ الْحُكْمَ فِيهِمْ وَنَهَاهُ عَنْ سَمْلِ أَعْيُنِهُمْ
٨ / ٣٦٨
ذِكْرُ الْقَائِلِينَ مَا وَصَفْنَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ذَاكَرْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ ⦗٣٦٩⦘ مَا كَانَ مِنْ سَمْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَعْيُنَهُمْ وَتَرْكِهِ حَسْمَهُمْ حَتَّى مَاتُوا، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَجْلَانَ يَقُولُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُعَاتِبَةً فِي ذَلِكَ، وَعَلَّمَهُ عُقُوبَةَ مِثْلِهِمْ مِنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَالنَّفْيِ، وَلَمْ يَسْمُلْ بَعْدَهُمْ غَيْرَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ ذُكِرَ لِأَبِي عَمْرٍو، فَأَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ مُعَاتِبَةً، وَقَالَ: بَلَى كَانَتْ عُقُوبَةُ أُولَئِكَ النَّفْرِ بِأَعْيَانِهِمْ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عُقُوبَةِ غَيْرِهِمْ مَنْ حَارَبَ بَعْدَهُمْ فَرَفَعَ عَنْهُمُ السَّمْلَ “
٨ / ٣٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثني أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأُتِيَ بِهِمْ، يَعْنِي الْعُرَنِيِّينَ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْمُلَ أَعْيُنَهُمْ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِمُ الْحُدُودَ كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ ” وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُسْتَحِقِّ اسْمَ الْمُحَارِبِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُ هَذِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اللِّصُّ الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ
٨ / ٣٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، قَالَا: هَذَا هُوَ اللِّصُّ الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، فَهُوَ ⦗٣٧٠⦘ مُحَارِبٌ “
٨ / ٣٦٩
وَقَالَ آخَرُونَ: “هُوَ اللِّصُّ الْمُجَاهِرُ بِلُصُوصِيَّتِهِ، الْمُكَابِرُ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْعَبَّاسُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْهُ وَعَنْ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَابْنُ لَهِيعَةَ
٨ / ٣٧٠
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: «تَكُونُ مُحَارَبَةٌ فِي الْمِصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالْمُحَارِبُ عِنْدَنَا مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْرٍ أَوْ خَلَاءٍ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ نَائِرَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَلَا ذَحْلٍ وَلَا عَدَاوَةٍ، قَاطِعًا لِلسَبِيلِ وَالطَّرِيقِ وَالدِّيَارِ، مُخِيفًا لَهُمْ بِسِلَاحِهِ، فَقَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ كَقَتْلِهِ الْمُحَارِبَ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِيهِ عَفْوٌ وَلَا قَوَدٌ»
٨ / ٣٧٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ، وَابْنَ لَهِيعَةَ، قُلْتُ: تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ فِي دُورِ الْمِصْرِ وَالْمَدَائِنِ وَالْقُرَى؟ فَقَالَا: «نَعَمْ، إِذَا هُمْ ⦗٣٧١⦘ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ بِالسُّيُوفِ عَلَانِيَةً، أَوْ لَيْلًا بِالنِّيرَانِ. قُلْتُ: فَقَتَلُوا أَوْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يُقَتَّلُوا؟ فَقَالَ: نَعَمْ هُمُ الْمُحَارِبُونَ، فَإِنْ قَتَلُوا قُتِلُوا، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُطِعُوا مِنْ خِلَافٍ إِذَا هُمْ خَرَجُوا بِهِ مِنَ الدَّارِ، لَيْسَ مَنْ حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْخَلَاءِ وَالسَّبِيلِ بِأَعْظَمَ مِنْ مُحَارَبَةِ مَنْ حَارَبَهُمْ فِي حَرِيمِهِمْ وَدُورِهِمْ»
٨ / ٣٧٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَتَكُونُ الْمُحَارَبَةُ فِي الْمِصْرِ شَهَرَ عَلَى أَهْلِهِ بِسِلَاحِهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا.
٨ / ٣٧١
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ الْوَلِيدُ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ قَتْلَ الْغِيلَةِ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَارَبَةِ. قُلْتُ: وَمَا قَتْلُ الْغِيلَةِ؟ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَخْدَعُ الرَّجُلَ وَالصَّبِيَّ، فَيُدْخِلُهُ بَيْتًا أَوْ يَخْلُو بِهِ فَيَقْتُلَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ، فَالْإِمَامُ وَلِيُّ قَتْلِ هَذَا، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ وَالْجُرْحِ قَوَدٌ وَلَا قِصَاصٌ ” وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيعُ وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُحَارِبُ: هُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ؛ فَأَمَّا الْمُكَابِرُ فِي الْأَمْصَارِ فَلَيْسَ بِالْمُحَارِبِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِينَ. وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
٨ / ٣٧١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا الْمُحَارِبَ وَنَحْنُ عِنْدَ ابْنِ هُبَيْرَةَ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ أَنَّ الْمُحَارِبَ مَا كَانَ خَارِجًا مِنَ الْمِصْرِ.
٨ / ٣٧١
وَقَالَ مُجَاهِدٌ بِمَا: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ، وَقَتْلُ النَّاسِ، وَإِهْلَاكُ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ»
٨ / ٣٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «الْفَسَادُ: الْقَتْلُ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُحَارِبُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَنْ حَارَبَ فِي سَابِلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَذِمَّتِهِمْ، وَالْمُغِيرُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْصَارِهِمْ وَقُرَاهُمْ حِرَابَةٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْحُجَّةِ أَنَّ مَنْ نَصَبَ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الظُّلْمِ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَهُمْ مُحَارِبٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. فَالَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ، لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَهُمْ مُنَاصِبٌ حَرْبًا ظُلْمًا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ كَانَ نَصْبُهُ الْحَرْبَ لَهُمْ فِي مِصْرِهِمْ وَقُرَاهُمْ أَوْ فِي سُبُلِهِمْ وَطُرُقِهِمْ فِي أَنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُحَارِبٌ بِحَرْبِهِ مَنْ نَهَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْ حَرْبِهِ
٨ / ٣٧٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: يَعْمَلُونَ فِي أَرْضِ اللَّهِ بِالْمَعَاصِي مِنْ إِخَافَةِ سُبُلِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، أَوْ سُبُلِ ذِمَّتِهِمْ وَقَطْعِ طُرُقِهِمْ، وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَالتَّوَثُّبِ عَلَى حُرُمِهِمْ فُجُورًا وَفُسُوقًا
٨ / ٣٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا لِلَّذِي حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ⦗٣٧٣⦘ مِنْ أَهْلِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ ذِمَّتِهِمْ إِلَّا بَعْضَ هَذِهِ الْخِلَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الْخِلَالِ أَتَلْزَمُ الْمُحَارِبَ بِاسْتِحْقَاقِهِ اسْمَ الْمُحَارَبَةِ، أَمْ يَلْزَمُهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ إِجْرَامِهِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَلْزَمُهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ جُرْمِهِ، مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ إِجْرَامِهِ
٨ / ٣٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «إِذَا حَارَبَ فَقَتَلَ، فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ إِذَا ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ. وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ، فَعَلَيْهِ الصَّلْبُ إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ. وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَذَ وَلَمْ يَقْتُلْ، فَعَلَيْهِ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ إِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ. وَإِذَا حَارَبَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّفْي»
٨ / ٣٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «إِذَا خَرَجَ فَأَخَافَ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ. وَإِذَا أَخَافَ السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ وَقَتَلَ، صُلِبَ»
٨ / ٣٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِيمَا ⦗٣٧٤⦘ أَرَى، فِي الرَّجُلِ يَخْرُجُ مُحَارِبًا، قَالَ: «إِنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ قُتِلَ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ وَمَثَّلَ: صُلِبَ»
٨ / ٣٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ. قَالَ: إِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ صُلِبَ، وَإِذَا قَتَلَ لَمْ يَعْدُ ذَلِكَ قُتِلَ، إِذَا أَخَذَ الْمَالَ لَمْ يَعْدُ ذَلِكَ قُطِعَ، وَإِذَا كَانَ يُفْسِدُ نُفِيَ “
٨ / ٣٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «إِذَا أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ نُفِيَ»
٨ / ٣٧٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالَ: مَنْ حَارَبَ فَأَخَافَ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ: «قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ. وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقُتِلَ: صُلِبَ»
٨ / ٣٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ أَنْزَلَهَا اللَّهُ. فَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الدَّمَ وَالْمَالَ جَمِيعًا: صُلِبَ؛ وَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الدَّمَ وَكَفَّ عَنِ الْمَالِ: قُتِلَ؛ وَمَنْ أَصَابَ الْمَالَ وَكَفَّ عَنِ الدَّمِ: قُطِعَ؛ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ هَذَا: نُفِيَ “
٨ / ٣٧٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: نَهَى اللَّهُ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام عَنْ أَنْ يَسْمُلَ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِمُ الْحُدُودَ كَمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ. فنَظَرَ إِلَى مَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ فَقَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى. ونَظَرَ إِلَى مَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا فَقَتَلَهُ. ونَظَرَ إِلَى مَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ فَصَلَبَهُ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ أَخَافَ طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ أَنْ يُصْنَعَ بِهِ إِنْ أُخِذَ وَقَدْ أَخَذَ مَالًا قُطِعَتْ يَدُهُ بِأَخْذِهِ الْمَالَ وَرِجْلُهُ بِإِخَافَةِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا قُتِلَ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ: صُلْبَ “
٨ / ٣٧٥
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، يَسْأَلُ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ، عَنْ رَجُلٍ مُحَارِبٍ، خَرَجَ فَأَخَذَ وَلَمْ يُصِبْ مَالًا وَلَمْ يُهْرِقْ دَمًا. قَالَ: «النَّفْي بِالسَّيْفِ؛ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا فَيَدُهُ بِالْمَالِ وَرِجْلُهُ بِمَا أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا: قُتِلَ؛ وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ: صُلِبَ. وأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ: تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ»
٨ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، قَالَ: هَذَا اللِّصُّ الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، فَهُوَ مُحَارِبٌ. فَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا: صُلِبَ؛ وَإِنْ قَتَلَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا: قُتِلَ؛ وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ: قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ؛ وَإِنْ أُخِذَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: نُفِيَ “
٨ / ٣٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: “مَنْ خَرَجَ فِي الْإِسْلَامِ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَتَلَ وَأَصَابَ مَالًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ؛ وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يُصِبْ مَالًا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَمَا قَتَلَ؛ وَمَنْ أَصَابَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ خِلَافٍ؛ وَإِنْ أَخَافَ سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ نُفِيَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣]
٨ / ٣٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «كَانَ نَاسٌ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَقَتَلُوا وَقَطَعُوا السَّبِيلَ، فَصَلَبَ أُولَئِكَ. وَكَانَ آخَرُونَ حَارَبُوا وَاسْتَحَلُّوا الْمَالَ وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ، فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ. وَآخَرُونَ حَارَبُوا وَاعْتَزَلُوا وَلَمْ يَعْدُوا ذَلِكَ، فَأُولَئِكَ أُخْرِجُوا مِنَ الْأَرْضِ»
٨ / ٣٧٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ، فِي الْمُحَارِبِ، قَالَ: «إِنْ كَانَ خَرَجَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ: صُلِبَ؛ وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ: قُتِلَ؛ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ: قُطِعَ؛ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مُشَاقًّا لِلْمُسْلِمِينَ: نُفِيَ»
٨ / ٣٧٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الْمُحَارِبُ وَأَخَافَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ: قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ؛ فَإِنْ هُوَ خَرَجَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ: قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ صُلِبَ؛ ⦗٣٧٧⦘ وَإِنْ خَرَجَ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ: قُتِلَ؛ وَإِنْ أَخَافَ السَّبِيلَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالِ: نُفِيَ»
٨ / ٣٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثني أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَا: إِنْ أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ، فَاقْتَطَعَ الْمَالَ، وَلَمْ يَسْفِكْ: قُطِعَ؛ وَإِذَا سَفَكَ دَمًا: قُتِلَ وَصُلِبَ؛ وَإِنْ جَمَعَهُمَا فَاقْتَطَعَ مَالًا وَسَفَكَ دَمًا: قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ. كَأَنَّ الصَّلْبَ مُثْلَةٌ، وَكَأَنَّ الْقَطْعَ ﴿السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، وَكَأَنَّ الْقَتْلَ. النَّفْسُ بِالنَّفْسِ. وَإِنِ امْتَنَعَ فَإِنَّ مِنَ الْحَقِّ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَطْلُبُوهُ حَتَّى يَأْخُذُوهُ فَيُقِيمُوا عَلَيْهِ حُكْمَ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَرْضِ الْكُفْرِ «وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا، بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدَ، وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعَ؛ وَقَالُوا: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:»لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِلَالٍ: رَجُلٌ قَتَلَ فَقُتِلَ، وَرَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ فَرُجِمَ، وَرَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ ” ⦗٣٧٨⦘ قَالُوا: فَحَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ قَتْلَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَالِ الثَّلَاثِ، فَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ مِنْ أَجْلِ إِخَافَتِهِ السَّبِيلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَأْخُذَ مَالًا، فَذَلِكَ تَقَدُّمٌ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْخِلَافِ عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْإِمَامُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِذَا قَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ؛ فَهُنَالِكَ خِيَارُ الْإِمَامِ فِي قَوْلِهِمْ بَيْنَ الْقَتْلِ أَوِ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، أَوْ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ. وَأَمَّا صَلْبُهُ بِاسْمِ الْمُحَارَبَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ قَتْلٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ، فَذَلِكَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْإِمَامُ فِيهِ بِالْخِيَارِ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ
٨ / ٣٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي الْمُحَارِبِ: «أَنَّ الْإِمَامَ، مُخَيَّرٌ فِيهِ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ»
٨ / ٣٧٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «الْإِمَامُ ⦗٣٧٩⦘ مُخَيَّرٌ فِي الْمُحَارِبِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ: إِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ، وَإِنْ شَاءَ نَفَى، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ»
٨ / ٣٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «يَأْخُذُ الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا أَحَبَّ»
٨ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهَا» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٣٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: يَصْنَعُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ: إِنْ شَاءَ قَتَلَ، أَوْ قَطَعَ، أَوْ نَفَى، لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] فَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ الْحَاكِمِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ “
٨ / ٣٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، قَالَ: مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ ⦗٣٨٠⦘ فِي فِئَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَخَافَ السَّبِيلَ، ثُمَّ ظُفِرَ بِهِ وَقُدِرَ عَلَيْهِ، فَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ “
٨ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحَارِبِ: ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ، إِذَا أَخَذَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ “
٨ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الْمُحَارِبِ، قَالَ: ذَاكَ إِلَى الْإِمَامِ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ “
٨ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ» وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنْ قَالُوا: وَجَدْنَا الْعُطُوفَ الَّتِي بِأَوْ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي كُلِّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ بِهِ فَرْضًا مِنْهَا، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: ٨٩] وَكَقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَكَقَوْلِهِ: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥] قَالُوا: فَإِذَا كَانَتِ الْعُطُوفُ الَّتِي بِأَوْ فِي
٨ / ٣٨٠
الْقُرْآنِ فِي كُلِّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ بِهِ فَرْضًا مِنْهَا فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي آيَةِ الْمُحَارِبِينَ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيمَا رَأَى الْحُكْمَ بِهِ عَلَى الْمُحَارِبِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا تَأْوِيلُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُحَارِبِ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ وَجَعَلَ الْحُكْمَ عَلَى الْمُحَارِبِينَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَفْعَالِهِمْ، فَأَوْجَبَ عَلَى مُخِيفِ السَّبِيلِ مِنْهُمْ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَقَبْلَ أَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلٍ: النَّفْيَ مِنَ الْأَرْضِ؛ وَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمُ قَتْلُهَا: الصَّلْبُ؛ لِمَا ذَكَرْتُ مِنَ الْعِلَّةِ قَبْلُ لِقَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ. فَأَمَّا مَا اعْتَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ: إِنَّ الْإِمَامَ فِيهِ بِالْخِيَارِ مِنْ أَنَّ أَوْ فِي الْعَطْفِ تَأْتِي بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي الْفَرْضِ، فَنَقُولُ: لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَدْ تَأْتِي بِضُرُوبٍ مِنَ الْمَعَانِي لَوْلَا كَرَاهَةُ إِطَالَةِ الْكِتَابِ بِذِكْرِهَا لَذَكَرْتُهَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ كَثِيرًا مِنْ مَعَانِيهَا فِيمَا مَضَى وَسَنَأْتِي عَلَى بَاقِيهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فِي أَمَاكِنِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَمَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا: التَّعْقِيبُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّ جَزَاءَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْفَعَ مَنَازِلَهُمْ فِي عِلِّيِّينَ، أَوْ يُسْكِنَهُمْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ. فَمَعْلُومٌ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ غَيْرُ قَاصِدٍ بِقِيلِهِ إِلَى أَنَّ جَزَاءَ كُلِّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهُوَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ وَمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ بِإِيمَانِهِ، بَلِ الْمَعْقُولُ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ جَزَاءَ الْمُؤْمِنِ لَمْ يَخْلُو عِنْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَنَازِلِ، فَالْمُقْتَصِدُ مَنْزِلَتُهُ دُونَ مَنْزِلَةِ السَّابِقِ بِالْخَيْرَاتِ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ أَعْلَى مِنْهُ مَنْزِلَةً، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ دُونَهُمَا، وَكُلٌّ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
٨ / ٣٨١
: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [الرعد: ٢٣] فَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَعْطُوفِ بِأَوْ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، إِنَّمَا هُوَ التَّعْقِيبُ. فَتَأْوِيلُهُ: إِنَّ الَّذِي يُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَسْعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، لَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْجَزَاءَ بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَالِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ، لَا أَنُّ الْإِمَامَ مُحَكَّمٌ فِيهِ، وَمُخَيَّرٌ فِي أَمْرِهِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ حَالَتُهُ، عَظُمَتْ جَرِيرَتُهُ أَوْ خَفَّتْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لِلْإِمَامِ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ مُخِيفًا السَّبِيلَ وَصَلْبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَا قَتَلَ أَحَدًا، وَكَانَ لَهُ نَفْي مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ. وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالَهُ قَائِلٌ خِلَافُ مَا صَحَّتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَوْلِهِ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا فَقُتِلَ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ فَرُجِمَ، أَوِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ» وَخِلَافُ قَوْلِهِ: «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَغَيْرُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْكَامِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي ذَكَرْتَ كَانَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ، وَلِلْمُحَارِبِ حُكْمٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْفَرِدٌ بِهِ؟ قِيلَ لَهُ: فَمَا الْحُكْمُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ الْمُحَارِبُ فِي سُنَنِهِ، فَإِنِ ادَّعَى عَنْهُ ﷺ حُكْمًا خِلَافَ الَّذِي ذَكَرْنَا، أَكْذَبَهُ جَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بِنَقْلِ وَاحِدٍ وَلَا جَمَاعَةٍ، وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ هُوَ مَا فِي ظَاهِرِ الْكِتَابِ. قِيلَ لَهُ: فَإِنَّ أَحْسَنَ حَالَاتِكَ أَنْ يُسَلَّمَ لَكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ قَدْ يَحْتَمِلُ مَا قُلْتَ، وَمَا قَالَهُ مَنْ خَالَفَكَ فَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِنْ تَأْوِيلِهِ.
٨ / ٣٨٢
وَبَعْدُ: فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُحَارِبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدَكَ، أَفَلَهُ أَنْ يَصْلُبَهُ حَيًّا وَيَتْرُكَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ مَصْلُوبًا حَتَّى يَمُوتَ مِنْ غَيْرِ قَتْلِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: ذَلِكَ لَهُ، خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأُمَّةَ. وَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ قَتْلُهُ ثُمَّ صَلْبُهُ أَوْ صَلْبُهُ ثُمَّ قَتْلُهُ، تَرَكَ عِلَّتَهُ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُحَارِبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَوْ تَأْتِي بِمَعْنَى التَّخْيِيرِ، وَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْقَتْلِ أَوِ النَّفْيِ أَوِ الْقَطْعِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الصَّلْبِ وَحْدَهُ، حَتَّى تُجْمَعَ إِلَيْهِ عُقُوبَةٌ أُخْرَى؟ وَقِيلَ لَهُ: هَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ جَعَلَ الْخِيَارَ حَيْثُ أَبَيْتَ وَأَبَى ذَلِكَ حَيْثُ جَعَلْتَهُ لَهُ، فَرْقٌ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ؟ فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتَصْحِيحِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ. وَذَلِكَ مَا:
٨ / ٣٨٣
حَدَّثَنَا بِهِ، عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، كَتَبَ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَسٌ يُخْبِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُولَئِكَ النَّفْرِ الْعُرَنِيِّينَ، وَهُمْ مِنْ بَجِيلَةَ. قَالَ أَنَسٌ: فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلُوا الرَّاعِي، وَسَاقُوا الْإِبِلَ، وَأَخَافُوا السَّبِيلَ، وَأَصَابُوا الْفَرْجَ الْحَرَامَ. قَالَ أَنَسٌ: فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ عليه السلام عَنِ الْقَضَاءِ فِيمَنْ حَارَبَ، فَقَالَ: «مَنْ سَرَقَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ فَاقْطَعْ يَدَهُ بِسَرِقَتِهِ وَرِجْلِهِ بِإِخَافَتِهِ. وَمَنْ قَتَلَ فَاقْتُلْهُ. وَمَنْ قَتَلَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَاسْتَحَلَّ الْفَرْجَ الْحَرَامَ فَاصْلُبْهُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [المائدة: ٣٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي ⦗٣٨٤⦘ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّهُ تُقَطَّعُ أَيْدِيهِمْ مُخَالِفًا فِي قَطْعِهَا قَطْعَ أَرْجُلِهِمْ، وَذَلِكَ أَنْ تُقْطَعَ أَيْمَنُ أَيْدِيهِمْ وَأَشْمَلُ أَرْجُلِهِمْ، فَذَلِكَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْقَطْعِ. وَلَوْ كَانَ مَكَانَ مِنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى أَوِ الْبَاءِ، فَقِيلَ: أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ خِلَافٌ أَوْ بِخِلَافٍ، لَأَدَّيَا عَمَّا أَدَّتْ عَنْهُ مِنْ مِنَ الْمَعْنَى وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّفْيِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُطْلَبَ حَتَّى يُقْدَرَ عَلَيْهِ، أَوْ يَهْرُبَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ
٨ / ٣٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «يَطْلُبُهُمُ الْإِمَامُ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَالِ حَتَّى يَأْخُذَهُمْ، فَيُقِيمَ فِيهِمُ الْحُكْمَ، أَوْ يُنْفَوْا مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ»
٨ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَفْيُهُ: أَنْ يُطْلَبَ»
٨ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] يَقُولُ: «أَوْ يَهْرُبُوا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ»
٨ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ كِتَابِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: ⦗٣٨٥⦘ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ: «وَنَفْيُهُ: أَنْ يَطْلُبَهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَأْخُذَهُ، فَإِذَا أَخَذَهُ أَقَامَ عَلَيْهِ إِحْدَى هَذِهِ الْمَنَازِلِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِمَا اسْتَحَلَّ» حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، فَقَالَ: نَفْيُهُ: طَلَبُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى يُؤْخَذَ، أَوْ يُخْرِجَهُ طَلَبُهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَى دَارِ الشِّرْكِ وَالْحَرْبِ، إِذَا كَانَ مُحَارِبًا مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْوَلِيدُ: وَسَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، فَقَالَ مِثْلَهُ
٨ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ: وَكَذَلِكَ يُطْلَبُ الْمُحَارِبُ الْمُقِيمُ عَلَى إِسْلَامِهِ، يَضْطَرُّهُ بِطَلَبِهِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَقٌّ يَصِيرُ إِلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَقْصَى جِوَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ طَلَبُوهُ دَخَلَ دَارَ الشِّرْكِ؟ قَالَا: لَا يُضْطَرُّ مُسْلِمٌ إِلَى ذَلِكَ “
٨ / ٣٨٥
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «أَنْ يَطْلُبُوهُ حَتَّى يَعْجَزُوا» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٨ / ٣٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿أَوْ ⦗٣٨٦⦘ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «يُنْفَى حَتَّى لَا يُقْدَرَ عَلَيْهِ»
٨ / ٣٨٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «أُخْرِجُوا مِنَ الْأَرْضِ أَيْنَمَا أُدْرِكُوا، أُخْرِجُوا حَتَّى يَلْحَقُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ»
٨ / ٣٨٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «نَفْيُهُ: أَنْ يُطْلَبَ فَلَا يُقْدَرَ عَلَيْهِ، كُلَّمَا سُمِعَ بِهِ فِي أَرْضٍ طُلِبَ»
٨ / ٣٨٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «إِذَا لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا، طُلِبَ حَتَّى يُعْجِزَ»
٨ / ٣٨٦
حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثني أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَرْضِ الْكُفْرِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى النَّفْيِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ نَفَاهُ مِنْ بَلْدَتِهِ إِلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى غَيْرِهَا
٨ / ٣٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] قَالَ: «مَنْ أَخَافَ سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ نُفِيَ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣]»
٨ / ٣٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ حَبَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي اللُّصُوصِ، وَوَصَفَ لَهُ لُصُوصِيَّتَهُمْ وَحَبَسَهُمْ فِي السُّجُونِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [المائدة: ٣٣]، وَتَرَكَ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَذْكُرُ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [المائدة: ٣٣] وَتَرَكْتَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣]، فَنَبِيُّ أَنْتَ يَا حَبَّانُ ابْنَ أُمِّ حَبَّانَ، لَا تُحَرِّكِ الْأَشْيَاءَ عَنْ مَوَاضِعِهَا، أَتَجَرَّدْتَ لِلْقَتْلِ وَالصَّلْبِ كَأَنَّكَ عَبْدُ بَنِي عَقِيلٍ مِنْ غَيْرِ مَا أُشَبِّهُكَ بِهِ؟ إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَانْفِهِمْ إِلَى شَغْبٍ “
٨ / ٣٨٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ وَغَيْرِهِ بِنَحْوِ هَذَا الْحَدِيثِ، غَيْرَ أَنَّ يُونُسَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: كَأَنَّكَ عَبْدُ بَنِي أَبِي عِقَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُشَبِّهَكَ بِهِ
٨ / ٣٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ الصَّلْتَ كَاتِبَ حِبَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّ حِبَّانَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُمْ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ﴾ [المائدة: ٣٣] وَسَكَتَ عَنِ النَّفْيِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءَ اللَّهِ فِيهِمْ، فَلْيَكْتُبْ بِذَلِكَ. فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كِتَابَهُ، قَالَ: لَقَدِ اجْتَزَأَ حَبَّانُ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَلَقَدِ اجْتَزَأْتَ كَأَنَّمَا كَتَبْتَ بِكِتَابِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ أَوْ عِلْجٍ صَاحِبِ الْعِرَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُشَبِّهَكَ بِهِمَا، فَكَتَبْتَ بِأَوَّلِ الْآيَةِ ثُمَّ سَكَتَّ عَنْ آخِرِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] فَإِنْ كَانَتْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبَيِّنَةُ بِمَا كَتَبْتَ بِهِ، فَاعْقِدْ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَدِيدًا، ثُمَّ غَيِّبْهُمْ إِلَى شَغْبٍ وَبَدَا ” قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: شَغْبٌ وَبَدَا: مَوْضِعَانِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى النَّفْيِ مِنَ الْأَرْضِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْحَبْسُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ،
٨ / ٣٨٨
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَعْنَى النَّفْيِ مِنَ الْأَرْضِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هُوَ نَفْيُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ غَيْرِهِ وَحَبْسِهِ فِي السِّجْنِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ، حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ مِنْ فُسُوقِهِ وَنُزُوعُهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ رَبَّهُ. وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةَ، لِأَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْتُ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا جَعَلَ جَزَاءَ الْمُحَارِبِ: الْقَتْلَ أَوِ الصَّلْبَ، أَوْ قَطْعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ خِلَافٍ، بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِ؛ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ النَّفْيَ أَيْضًا إِنَّمَا هُوَ جَزَاؤُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا قَبْلَهَا، وَلَوْ كَانَ هُرُوبُهُ مِنَ الطَّلَبِ نَفْيًا لَهُ مِنَ الْأَرْضِ، كَانَ قَطْعُ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلَافٍ فِي حَالِ امْتِنَاعِهِ وَحَرْبِهِ عَلَى وَجْهِ الْقِتَالِ بِمَعْنَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقُومُ مَقَامَ نَفْيِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ عز وجل حَدًّا لَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ، وَهُوَ النَّفْي مِنْ بَلْدَةٍ إِلَى أُخْرَى غَيْرِهَا أَوِ السِّجْنِ. فَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا نُفِيَ مِنْ بَلْدَةٍ إِلَى أُخْرَى غَيْرِهَا فَلَمْ يُنْفَ مِنَ الْأَرْضِ، بَلْ إِنَّمَا نُفِيَ مِنْ أَرْضٍ دُونَ أَرْضٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِنَفْيِهِ مِنَ الْأَرْضِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى نَفْيِهِ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِحَبْسِهِ فِي بُقْعَةٍ مِنْهَا عَنْ سَائِرِهَا، فَيَكُونُ مَنْفِيًّا حِينَئِذٍ عَنْ جَمِيعِهَا، إِلَّا مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَى نَفْيِهِ مِنْهُ. وَأَمَّا مَعْنَى النَّفْيِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: فَهُوَ الطَّرْدُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
[البحر الكامل]
[البحر الكامل]
٨ / ٣٨٩
يُنْفَوْنَ عَنْ طُرُقِ الْكِرَامِ كَمَا … يَنْفِي الْمُطَارِقُ مَا يَلِي الْقَرَدُ
وَمِنْهُ قِيلَ لِلدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: النُّفَايَةُ. وَأَمَّا الْمَصْدَرُ مِنْ نَفَيْتُ، فَإِنَّهُ النَّفْي وَالنِّفَايَةُ، وَيُقَالَ: الدَّلْوُ يَنْفِي الْمَاءَ. وَيُقَالَ لِمَا تَطَايَرَ مِنَ الْمَاءِ مِنَ الدَّلْوِ النَّفْي، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] كَأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنَ النَّفِيِّ … مَوَاقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ
وَمِنْهُ قِيلَ: نَفَى شَعْرُهُ: إِذَا سَقَطَ، يُقَالَ: حَالَ لَوْنُكَ وَنَفَى شَعْرُكَ
وَمِنْهُ قِيلَ لِلدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: النُّفَايَةُ. وَأَمَّا الْمَصْدَرُ مِنْ نَفَيْتُ، فَإِنَّهُ النَّفْي وَالنِّفَايَةُ، وَيُقَالَ: الدَّلْوُ يَنْفِي الْمَاءَ. وَيُقَالَ لِمَا تَطَايَرَ مِنَ الْمَاءِ مِنَ الدَّلْوِ النَّفْي، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] كَأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنَ النَّفِيِّ … مَوَاقِعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ
وَمِنْهُ قِيلَ: نَفَى شَعْرُهُ: إِذَا سَقَطَ، يُقَالَ: حَالَ لَوْنُكَ وَنَفَى شَعْرُكَ
٨ / ٣٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْي فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ هَذَا الْجَزَاءُ الَّذِي جَازَيْتُ بِهِ الَّذِينَ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ قَتْلٍ، أَوْ صَلْبٍ، أَوْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافِ لَهُمْ يَعْنِي لِهَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ خِزْي فِي الدُّنْيَا يَقُولُ هُوَ لَهُمْ شَرٌّ وَعَارٌ وَذِلَّةٌ، وَنَكَالٌ وَعُقُوبَةٌ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ، يُقَالَ مِنْهُ: أَخْزَيْتُ فُلَانًا فَخَزِيَ هُوَ خِزْيًا. وَقَوْلُهُ: وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَلَمْ يَتُوبُوا مِنْ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ، حَتَّى ⦗٣٩١⦘ هَلَكُوا فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْخِزْيِ الَّذِي جَازَيْتُهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْعُقُوبَةُ الَّتِي عَاقَبْتُهُمْ بِهَا فِيهَا عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ
٨ / ٣٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ شِرْكِهِمْ وَمُنَاصَبَتِهِمُ الْحَرْبَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ بِالْإِسْلَامِ، وَالدُّخُولِ فِي الْإِيمَانِ مِنْ قَبْلِ قُدْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ جَزَاءً لِمَنْ حَارَبَهُ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، مِنْ قَتْلٍ، أَوْ صَلْبٍ، أَوْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ، أَوْ نَفْي مِنَ الْأَرْضِ، فَلَا تِبَاعَةَ قِبَلَهُ لِأَحَدٍ فِيمَا كَانَ أَصَابَ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَحَرْبِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَالٍ وَلَا دَمٍ وَلَا حُرْمَةٍ قَالُوا: فَأَمَّا الْمُسْلِمُ إِذَا حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْمُعَاهَدِينَ وَأَتَى بَعْضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ، فَلَنْ تَضَعَ تَوْبَتُهُ عَنْهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ، بَلْ تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَعَلَى الْإِمَامِ إِقَامَةُ الْحَدِّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَخَذُهُ بِحُقُوقِ النَّاسِ
٨ / ٣٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٤] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُشْرِكِينَ، فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَلَيْسَ تَحْرُزُ هَذِهِ الْآيَةُ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ مِنَ الْحَدِّ إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْلَ أَنْ ⦗٣٩٢⦘ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، ذَلِكَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الَّذِي أَصَابَ “
٨ / ٣٩١
حَدَّثَنَا بَشَّارٌ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، أَنَّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٤] قَالَ: «هَذَا لِأَهْلِ الشِّرْكِ إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا فِي شِرْكِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِذَا تَابُوا وَأَسْلَمُوا»
٨ / ٣٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٣٣] بِالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَإِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ “
٨ / ٣٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: كَانَ قَوْمٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ ﷺ مِيثَاقٌ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فَخَيَّرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ فِيهِمْ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، فَمَنْ تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣] الْآيَةُ، فَذَكَرَ نَحْوَ قَوْلِ الضَّحَّاكِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا فَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا سَلَفَ
٨ / ٣٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] قَالَ: «هَذَا لِأَهْلِ الشِّرْكِ إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ هَذَا فِي شِرْكِهِمْ ثُمَّ تَابُوا وَأَسْلَمُوا، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
٨ / ٣٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَقَتَادَةَ، أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] فَهَذِهِ لِأَهْلِ الشِّرْكِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ لَهُمْ حَرْبٌ، فَأَخَذَ مَالًا أَوْ أَصَابَ دَمًا ثُمَّ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِ، أُهْدِرَ عَنْهُ مَا مَضَى ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعْنِيٌّ بِالْحُكْمِ بِهَا الْمُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْحُرَّابُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مَنْ قَطَعَ مِنْهُمُ الطَّرِيقَ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى إِسْلَامِهِ، ثُمَّ اسْتَأْمَنَ فَأُومِنَ عَلَى جِنَايَاتِهِ الَّتِي جَنَاهَا وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرْبٌ. وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ اسْتَأْمَنَ فَأُومِنَ؛ قَالُوا: فَإِذَا أَمَّنَهُ الْإِمَامُ عَلَى جِنَايَاتِهِ الَّتِي سَلَفَتْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ لِأَحَدٍ تَبِعَةٌ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ أَصَابَهُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ وَقَبْلَ أَمَانِ الْإِمَامِ إِيَّاهُ
٨ / ٣٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ، خَرَجَ مُحَارِبًا فَأَخَافَ السَّبِيلَ، وَسَفَكَ الدَّمَ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، فَقَبِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام تَوْبَتَهُ، وَجَعَلَ لَهُ أَمَانًا مَنْشُورًا عَلَى مَا كَانَ أَصَابَ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ “
٨ / ٣٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ ⦗٣٩٤⦘ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ، حَارَبَ فِي عَهْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْمِنَ لَهُ مِنْ عَلِيٍّ، فَأَبَى. ثُمَّ أَتَى ابْنَ جَعْفَرٍ، فَأَبَى عَلَيْهِ. فَأَتَى سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ فَأَمَّنَهُ، وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: اسْتَأْمِنْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: فَلَمَّا صَلَّى عَلِيٌّ الْغَدَاةَ، أَتَاهُ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣] . قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] . قَالَ سَعِيدٌ: وَإِنْ كَانَ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ حَارِثَةَ بْنَ بَدْرٍ. قَالَ: فَهَذَا حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ قَدْ جَاءَ تَائِبًا فَهُوَ آمِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَجَاءَ بِهِ فَبَايَعَهُ، وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَكَتَبَ لَهُ أَمَانًا “
٨ / ٣٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ قَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ وَحَارَبَ ثُمَّ تَابَ، وَكُلِّمَ لَهُ عَلِيٌّ فَلَمْ يُؤَمِّنْهُ. فَأَتَى سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ فَكَلَّمَهُ، فَانْطَلَقَ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَقُولُ فِيمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَقَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ. قَالَ: فَإِنَّهُ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ. قَالَ: فَأَمَّنَهُ عَلِيٌّ فَقَالَ حَارِثَةُ:
[البحر الطويل] ⦗٣٩٥⦘ أَلَا أَبْلِغَنْ هَمْدَانَ إِمَّا لَقِيتَهَا … عَلَى النَّأْيِ لَا يَسْلَمْ عَدُوٌّ يَعِيبُهَا
لَعَمْرُ أَبِيهَا إِنَّ هَمْدَانَ … تَتَّقِي الْإِلَهَ وَيَقْضِي بِالْكِتَابِ خَطِيبُهَا
[البحر الطويل] ⦗٣٩٥⦘ أَلَا أَبْلِغَنْ هَمْدَانَ إِمَّا لَقِيتَهَا … عَلَى النَّأْيِ لَا يَسْلَمْ عَدُوٌّ يَعِيبُهَا
لَعَمْرُ أَبِيهَا إِنَّ هَمْدَانَ … تَتَّقِي الْإِلَهَ وَيَقْضِي بِالْكِتَابِ خَطِيبُهَا
٨ / ٣٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] وَتَوْبَتُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْإِمَامِ يَسْتَأْمِنُهُ عَلَى مَا قَتَلَ وَأَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ: فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنِّي عَلَى ذَلِكَ ازْدَدْتُ فَسَادًا وَقَتْلًا وَأَخْذًا لِلْأَمْوَالِ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلْتُ ذَلِكَ قَبْلُ. فَعَلَى الْإِمَامِ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُؤَمِّنَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا أَمَّنَّهُ الْإِمَامُ جَاءَ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْإِمَامِ. فلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَتْبَعَهُ وَلَا يَأْخُذَهُ بِدَمٍ سَفَكَهُ وَلَا مَالٍ أَخَذَهُ، وَكُلُّ مَالٍ كَانَ لَهُ فَهُوَ لَهُ، لِكَيْلَا يَقْتُلَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَيُفْسِدَهُ. فَإِذَا رَجَعَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَهُوَ وَلِيُّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا صَنَعَ. وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، فَإِذَا أَخَذَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ تَابَ فِيمَا يَزْعُمُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَمِّنَهُ الْإِمَامُ فَلْيُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ “
٨ / ٣٩٥
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنِي مَكْحُولٌ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ أَمَانًا، فَهُوَ آمِنٌ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ مَا كَانَ أَصَابَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: كُلُّ مَنْ جَاءَ تَائِبًا مِنَ الْحِرَابِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، اسْتَأْمَنَ الْإِمَامَ فَأَمَّنَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَأْمِنْهُ بَعْدَ أَنْ يَجِيءَ مُسْتَسْلِمًا تَارِكًا لِلْحَرْبِ
٨ / ٣٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُرَادِ إِلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ عَلَى الْكُوفَةِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى هَذَا مَقَامَ الْعَائِذِ بِكَ، أَنَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ الْمُرَادِيُّ، ⦗٣٩٦⦘ كُنْتُ حَارَبْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَيْتُ فِي الْأَرْضِ، وَإِنِّي تُبْتُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيَّ. فَقَامَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: هَذَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، وَإِنَّهُ كَانَ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَإِنَّهُ تَابَ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلَا يَعْرِضْ لَهُ إِلَّا بِخَيْرٍ. فَأَقَامَ الرَّجُلُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ، فَأَدْرَكَهُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِ فَقَتَلَهُ ” حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٨ / ٣٩٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ هَذَا الْمُحَارِبَ الَّذِي قَدْ أَخَافَ السَّبِيلَ وَأَصَابَ الدَّمَ وَالْمَالَ، فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ تَمَنَّعَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. قَالَ: قُلْتُ: فَلَا يُتَّبَعُ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثِهِ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ مَالٌ بِعَيْنِهِ فَيَرُدُّ إِلَى صَاحِبِهِ، أَوْ يَطْلُبَهُ وَلِيُّ مَنْ قَتَلَ بِدَمٍ فِي حَرْبِهِ يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ أَوِ اعْتِرَافٍ فَيُقَادُ بِهِ؛ وَأَمَّا الدِّمَاءُ الَّتِي أَصَابَهَا وَلَمْ يَطْلُبْهَا أَوْلِيَاؤُهَا فَلَا يَتْبَعُهُ الْإِمَامُ بِشَيْءٍ. قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ الْوَلِيدُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَمْرٍو، فَقَالَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إِذَا كَانَ مُحَارِبًا لِلْعَامَّةِ وَالْأَئِمَّةِ قَدْ آذَاهُمْ بِحَرْبِهِ فَشَهَرَ سِلَاحَهُ وَأَصَابَ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ، فَكَانَتْ لَهُ مَنَعَةٌ أَوْ فِئَةٌ يَلْجَأُ إِلَيْهِمْ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْهُ “
٨ / ٣٩٦
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ ذَلِكَ
٨ / ٣٩٧
حَدَّثَنِي عَلَى بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَبِي عَمْرٍو وَمَالِكٍ لِلَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: «إِذَا أَعْلَنَ بِالْمُحَارَبَةِ لِلْعَامَّةِ وَالْأَئِمَّةِ وَأَصَابَ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ، فَامْتَنَعَ بِمُحَارَبَتِهِ مِنَ الْحَكُومَةِ عَلَيْهِ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثِهِ فِي حَرْبِهِ مِنْ دَمِ خَاصَّةً وَلَا عَامَّةٍ وَإِنْ طَلَبَهُ وَلِيُّهُ»
٨ / ٣٩٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ: وَكَذَلِكَ ثني مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ، وَهُوَ الْأَمِيرُ عِنْدَنَا: أَنَّ عَلِيًّا الْأَسَدِيَّ حَارَبَ وَأَخَافَ السَّبِيلَ وَأَصَابَ الدَّمَ وَالْمَالَ، فَطَلَبَتْهُ الْأَئِمَّةُ وَالْعَامَّةُ، فَامْتَنَعَ وَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، حَتَّى جَاءَ تَائِبًا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] الْآيَةُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَعِدْ قِرَاءَتَهَا فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ. فغَمَدَ سَيْفَهُ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا، حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ السَّحَرِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ قَعَدَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غِمَارِ أَصْحَابِهِ؛ فَلَمَّا أَسْفَرَ عَرَفَهُ النَّاسُ وَقَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيَّ، جِئْتُ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَدَقَ. وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى أَتَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فِي إِمْرَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: هَذَا عَلِيُّ، جَاءَ تَائِبًا وَلَا
٨ / ٣٩٧
سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَلَا قَتْلَ. قَالَ: فَتُرِكَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ: وَخَرَجَ عَلِيٌّ تَائِبًا مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْبَحْرِ، فَلَقُوا الرُّومَ، فَقَرَّبُوا سَفِينَتَهُ إِلَى سَفِينَةٍ مِنْ سُفُنِهِمْ، فَاقْتَحَمَ عَلَى الرُّومِ فِي سَفِينَتِهِمْ، فَهُزِمُوا مِنْهُ إِلَى سَفِينَتِهِمُ الْأُخْرَى، فَمَالَتْ بِهِمْ وَبِهِ فَغَرِقُوا جَمِيعًا “
٨ / ٣٩٨
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا مُطَرِّفُ بْنُ مَعْقِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، قَالَ فِي رَجُلٍ سَرَقَ سَرِقَةُ فَجَاءَ بِهَا تَائِبًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ: فَهَلْ عَلَيْهِ حَدٌّ؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] الْآيَةُ “
٨ / ٣٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثني أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَا: إِنْ جَاءَ تَائِبًا لَمْ يَقْتَطِعْ مَالًا وَلَمْ يَسْفِكْ دَمًا تُرِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَسْفِكْ دَمًا وَلَمْ يَقْتَطِعْ مَالًا ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ التَّائِبَ مِنْ حَرْبِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالسَّعْيَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، بَعْدَ لَحَاقِهِ فِي حَرْبِهِ بِدَارِ الْكُفْرِ؛ فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ حَرَابَتُهُ وَحَرْبُهُ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَاخِلٌ فِي غِمَارِ الْأُمَّةِ، فَلَيْسَتْ تَوْبَتُهُ وَاضِعَةً عَنْهُ شَيْئًا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَلَا مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهِدِينَ، بَلْ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ
٨ / ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عُرْوَةَ عَمَّنْ تَلَصَّصَ فِي الْإِسْلَامِ فَأَصَابَ ⦗٣٩٩⦘ حُدُودًا ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا، فَقَالَ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمُ اجْتَرَءُوا عَلَيْهِ وَكَانَ فَسَادًا كَبِيرًا، وَلَكِنْ لَوْ فَرَّ إِلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا، لَمْ أَرْ عَلَيْهِ عُقُوبَةً “
٨ / ٣٩٨
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: «يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ مَا فَرَّ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ فِيهِ أَمَانٌ، يَعْنِي: الَّذِي يُصِيبُ حَدًّا، ثُمَّ يَفِرُّ فَيَلْحَقُ الْكُفَّارَ، ثُمَّ يَجِيءُ تَائِبًا» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَتْ حَرَابَتُهُ وَحَرْبُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ فِي غَيْرِ مَنَعَةٍ مِنْ فِئَةٍ يَلْجَأُ إِلَيْهَا، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ لَا تَضَعُ عَنْهُ شَيْئًا مِنَ الْعُقُوبَةِ وَلَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ. وَإِنْ كَانَتْ حَرَابَتُهُ وَحَرْبُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ هُوَ لَاحِقٌ بِدَارِ الْكُفْرِ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ يَلْجَأُ إِلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ تَضَعُ عَنْهُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ أَحْدَاثِهِ فِي أَيَّامِ حَرَابَتِهِ تِلْكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَصَابَ حَدًّا أَوْ أَمَرَ الرُّفْقَةَ بِمَا فِيهِ عُقُوبَةٌ أَوْ غُرْمٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُلْتَجِئٍ إِلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ تَوْبَتَهُ
٨ / ٣٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ لِصٌّ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنَ اللُّصُوصِ، فَأَصَابُوا مَا أَصَابُوا مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ⦗٤٠٠⦘ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إِلَيْهَا وَلَا مَنَعَةٌ وَلَا يَأْمَنُونَ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِي غِمَارِ أُمَّتِهِمْ وَسَوَادِ عَامَّتِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ مَا كَانَ “
٨ / ٣٩٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: ذَكَرْتُ لِأَبِي عَمْرٍو قَوْلَ عُرْوَةَ: يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ مَا فَرَّ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ فِيهِ أَمَانٌ. فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: إِنْ فَرَّ مِنْ حَدَثِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْطَاهُ إِمَامٌ أَمَانًا، لَمْ يَجُزْ أَمَانُهُ. وَإِنْ هُوَ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ سَأَلَ إِمَامًا عَلَى أَحْدَاثِهِ، لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَمَانًا، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ أَمَانًا وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَحْدَاثِهِ، فَهُوَ آمِنٌ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يَطْلُبُهُ بِدَمٍ أَوْ مَالٍ، رُدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ فَهُوَ آمِنٌ، وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ. قَالَ: وَإِنْ أَعْطَاهُ أَمَانًا عَلَى أَحْدَاثِهِ وَهُوَ يَعْرِفُهَا، فَالْإِمَامُ ضَامِنٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عَقْلُ مَا كَانَ أَصَابَ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، وَكَانَ فِيمَا عَطَّلَ مِنْ تِلْكَ الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ آثِمًا، وَأَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: فَإِذَا أَصَابَ ذَلِكَ وَكَانَتْ لَهُ مَنَعَةٌ أَوْ فِئَةٌ يَلْجَأُ إِلَيْهَا، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَلَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثِهِ الَّتِي أَصَابَهَا فِي حَرْبِهِ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ شَيْءٌ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ فَيُرَدُّ إِلَى صَاحِبِهِ “
٨ / ٤٠٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْدَاثِهِ فِي حَرْبِهِ إِلَّا أَنْ يَطْلُبَهُ أَحَدٌ بِدَمٍ كَانَ أَصَابَهُ فِي سِلْمِهِ قَبْلَ حَرْبِهِ فَإِنَّهُ يُقَادُ بِهِ “
٨ / ٤٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ الرَّقِّيُّ، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْحَجَّاجَ، إِنْ كَانَ لِيَفْقَهَ، أَمَّنَ رَجُلًا مِنْ مُحَارَبَتِهِ،