سُورَةُ الْأَنْعَامِ 5

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢] الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَامَ ذَاتَ يَوْمٍ يُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَ لِلْإِنْسِ شَيَاطِينُ كَشَيَاطِينِ الْجِنِّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَوَ كَذَبْتُ عَلَيْهِ؟»
٩ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢] فَقَالَ: «كُفَّارُ الْجِنِّ شَيَاطِينُ يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ كُفَّارِ الْإِنْسِ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا»
٩ ‏/ ٥٠١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] فَإِنَّهُ الْمُزَيَّنُ بِالْبَاطِلِ كَمَا وَصَفْتُ قَبْلُ، يُقَالُ مِنْهُ: زَخْرَفَ كَلَامَهُ وَشَهَادَتَهُ إِذَا حَسَّنَ ذَلِكَ بِالْبَاطِلِ وَوَشَّاهُ،
٩ ‏/ ٥٠١
كَمَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] قَالَ: «تَزْيِينُ الْبَاطِلِ بِالْأَلْسِنَةِ»
٩ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا الزُّخْرُفُ، فَزَخْرَفُوهُ: زَيَّنُوهُ»
٩ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] قَالَ: «تَزْيِينُ الْبَاطِلِ بِالْأَلْسِنَةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] يَقُولُ: «حَسَّنَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الْقَوْلَ لِيَتَّبِعُوهُمْ فِي فِتْنَتِهِمْ»
٩ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] قَالَ: “الزُّخْرُفُ: الْمُزَيَّنُ، حَيْثُ زَيَّنَ لَهُمْ هَذَا الْغُرُورُ، كَمَا زَيَّنَ إِبْلِيسُ لِآدَمَ مَا جَاءَهُ بِهِ وَقَاسَمَهُ إِنَّهُ لِمَنَ النَّاصِحِينَ. وَقَرَأَ: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ﴾ [فصلت: ٢٥]، قَالَ: ذَلِكَ الزُّخْرُفُ وَأَمَّا الْغُرُورُ: فَإِنَّهُ مَا غَرَّ الْإِنْسَانَ فَخَدَعَهُ فَصَدَّهُ عَنِ الصَّوَابِ إِلَى الْخَطَأِ، وَمِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ. وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: غَرَرْتُ فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا، فَأَنَا أَغُرُّهُ غُرُورًا وَغَرًّا،
٩ ‏/ ٥٠٢
كَالَّذِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠] قَالَ: «يَغُرُّونَ بِهِ النَّاسَ وَالْجِنَّ»
٩ ‏/ ٥٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ شِئْتُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ يُؤْمِنَ الَّذِينَ كَانُوا لِأَنْبِيَائِي أَعْدَاءً مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَا يَنَالُهُمْ مَكْرُهُمْ وَيَأْمَنُوا غَوَائِلَهُمْ وَأَذَاهُمْ، فَعَلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي لَمْ أَشَأْ ذَلِكَ لِأَبْتَلِيَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فَيَسْتَحِقَّ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مَا سَبَقَ لَهُ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ. ﴿فَذَرْهُمْ﴾ [الأنعام: ١١٢] يَقُولُ: فَدَعْهُمْ، يَعْنِي الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكَ بِالْبَاطِلِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ وَيُخَاصِمُونَكَ بِمَا يُوحِي إِلَيْهِمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، ﴿وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢] يَعْنِي: وَمَا يَخْتَلِقُونَ مِنْ إِفْكٍ وَزُورٍ، يَقُولُ لَهُ ﷺ: اصْبِرْ عَلَيْهِمْ، فَإِنِّي مِنْ وَرَاءِ عِقَابِهِمْ عَلَى افْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَاخْتِلَاقِهِمْ عَلَيْهِ الْكَذِبَ وَالزُّورَ
٩ ‏/ ٥٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢]، ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يُوحِي بَعْضُ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِينِ إِلَى بَعْضٍ الْمُزَيَّنَ مِنَ الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ، لِيَغُرُّوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، فَيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [الأنعام: ١١٣] يَقُولُ: وَلِتَمِيلَ إِلَيْهِ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ. وَهُوَ مِنْ صَغَوْتَ تَصْغَى وَتَصْغُو، وَالتَّنْزِيلُ جَاءَ بِتَصْغَى صَغْوًا وَصُغُوًّا، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ صَغَيْتُ بِالْيَاءِ، حُكِيَ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسَدٍ: صَغَيْتُ إِلَى حَدِيثِهِ، فَأَنَا أَصْغَى صُغِيًّا بِالْيَاءِ، وَذَلِكَ إِذَا مِلْتُ، يُقَالُ: صَغْوِي مَعَكَ: إِذَا كَانَ هَوَاكَ مَعَهُ وَمَيْلُكَ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: ضِلْعِي مَعَكَ، وَيُقَالُ: أَصْغَيْتُ الْإِنَاءَ: إِذَا أَمَلْتُهُ
٩ ‏/ ٥٠٣
لِيَجْتَمِعَ مَا فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] تَرَى السَّفِيهَ بِهِ عَنْ كُلِّ مُحْكَمَةٍ … زَيْغٌ وَفِيهِ إِلَى التَّشْبِيهِ إِصْغَاءُ
وَيُقَالُ لِلْقَمَرِ إِذَا مَالَ لِلْغُيُوبِ: صَغَا وَأَصْغَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ﴾ [الأنعام: ١١٣] يَقُولُ: «تَزِيغُ إِلَيْهِ أَفْئِدَةٌ»
٩ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [الأنعام: ١١٣] قَالَ: «لِتَمِيلَ»
٩ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [الأنعام: ١١٣] يَقُولُ: «تَمِيلُ إِلَيْهِ قُلُوبُ الْكُفَّارِ وَيُحِبُّونَهُ وَيَرْضَوْنَ بِهِ»
٩ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [الأنعام: ١١٣] قَالَ: «وَلِتَصْغَى: وَلِيَهْوَوْا ذَلِكَ وَلِيَرْضَوْهُ، قَالَ: يَقُولُ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ: صَغَيْتُ إِلَيْهَا: هَوَيْتُهَا»
٩ ‏/ ٥٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِيَكْتَسِبُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ. حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا مِنْهَا: خَرَجَ يَقْتَرِفُ لِأَهْلِهِ، بِمَعْنَى يَكْسِبُ لَهُمْ، وَمِنْهُ قِيلَ: قَارَفَ فُلَانٌ هَذَا الْأَمْرَ: إِذَا وَاقَعَهُ وَعَمِلَهُ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ التُّهْمَةُ وَالِادِّعَاءُ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ قَرَفْتَنِي: أَيِ اتَّهَمْتَنِي، وَيُقَالُ: بِئْسَمَا اقْتَرَفْتَ لِنَفْسِكَ. وَقَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] أَعْيَا اقْتِرَافُ الْكَذِبِ الْمَقْرُوفِ … تَقْوَى التَّقِيِّ وَعِفَّةَ الْعَفِيفِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا﴾ [الأنعام: ١١٣] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٣]: «وَلِيَكْتَسِبُوا مَا هُمْ مُكْتَسِبُونَ»
٩ ‏/ ٥٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥٠٦⦘ السُّدِّيِّ: ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٣] قَالَ: «لِيَعْمَلُوا مَا هُمْ عَامِلُونَ»
٩ ‏/ ٥٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١١٣] قَالَ: «لِيَعْمَلُوا مَا هُمْ عَامِلُونَ»
٩ ‏/ ٥٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [الأنعام: ١١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، الْقَائِلِينَ لَكَ: كُفَّ عَنْ آلِهَتِنَا وَنَكُفَّ عَنْ إِلَهِكَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ عَلَيَّ بِذِكْرِ آلِهَتِكُمْ بِمَا يَكُونُ صَدًّا عَنْ عِبَادَتِهَا، ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ [الأنعام: ١١٤] أَيْ قُلْ: فَلَيْسَ لِي أَنْ أَتَعَدَّى حُكْمَهُ وَأَتَجَاوَزَهُ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ أَعْدَلَ مِنْهُ، وَلَا قَائِلَ أَصْدَقَ مِنْهُ. ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعام: ١١٤] يَعْنِي: الْقُرْآنَ، مُفَصَّلًا يَعْنِي: مُبَيَّنًا فِيهِ الْحُكْمُ فِيمَا تَخْتَصِمُونَ فِيهِ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِكُمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّفْصِيلِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
٩ ‏/ ٥٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [الأنعام: ١١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ أَنْكَرَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ مِنْ قَوْمِكَ تَوْحِيدَ اللَّهِ، وَأَشْرَكُوا مَعَهُ الْأَنْدَادَ، وَجَحَدُوا مَا أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ حَقًّا، وَكَذَّبُوا بِهِ، فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١١٤] يَعْنِي: الْقُرْآنَ وَمَا فِيهِ، ﴿بِالْحَقِّ﴾ [البقرة: ٧١]
٩ ‏/ ٥٠٦
يَقُولُ: فَصْلًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الصَّادِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَكَذِبِ الْكَاذِبِ الْمُفْتَرِي عَلَيْهِ. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] يَقُولُ: فَلَا تَكُونَنَّ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الشَّاكِّينَ فِي حَقِّيَّةِ الْأَنْبَاءِ الَّتِي جَاءَتْكَ مِنَ اللَّهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَضَمَّنَهُ، لِأَنَّ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ مَعَ الرِّوَايَةِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهِ،
٩ ‏/ ٥٠٧
وَقَدْ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] يَقُولُ: «لَا تَكُونَنَّ فِي شَكٍّ مِمَّا قَصَصْنَا عَلَيْكَ»
٩ ‏/ ٥٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَلَتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ. سَمَّاهُ كَلِمَةً كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ لِلْقَصِيدَةِ مِنَ الشِّعْرِ يَقُولُهَا الشَّاعِرُ: هَذِهِ كَلِمَةُ فُلَانٍ. ﴿صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام: ١١٥] يَقُولُ: كَمَلَتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ مِنَ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، وَالصِّدْقُ وَالْعَدْلُ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ لِلْكَلِمَةِ، كَمَا يُقَالُ: عِنْدِي عِشْرُونَ دِرْهَمًا
٩ ‏/ ٥٠٧
﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الأنعام: ١١٥] يَقُولُ: لَا مُغَيِّرَ لِمَا أَخْبَرَ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنْ وُقُوعِهِ فِي حِينِهِ وَأَجَلِهِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِيهِ. وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥] فَكَانَتْ إِرَادَتُهُمْ تَبْدِيلَ كَلَامِ اللَّهِ مَسْأَلَتَهُمْ نَبِيَّ اللَّهِ أَنْ يَتْرُكَهُمْ يَحْضُرُونَ الْحَرْبَ مَعَهُ، وَقَوْلَهُمْ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعَكُمْ﴾ [الفتح: ١٥] بَعْدَ الْخَبَرِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا﴾ [التوبة: ٨٣] الْآيَةَ، فَحَاوَلُوا تَبْدِيلَ كَلَامِ اللَّهِ وَخَبَرَهُ بِأَنَّهُمْ لَنْ يَخْرُجُوا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ فِي غَزَاةٍ، وَلَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ عَدُوًّا بِقَوْلِهِمْ لَهُمْ: ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعَكُمْ﴾ [الفتح: ١٥]، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا بِمَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ كَلَامَ اللَّهِ وَخَبَرَهُ، ﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥]، فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الأنعام: ١١٥] إِنَّمَا هُوَ: لَا مُغَيَّرَ لِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ خَبَرٍ أَنَّهُ كَائِنٌ فَيُبْطِلُ مَجِيئَهُ وَكَوْنَهُ وَوُقُوعَهُ، عَلَى مَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُفْتَرُونَ فِي كُتُبِ اللَّهِ وَلَا يُنْقِصُونَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ كُتِبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ غَيْرَ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا مُبَدِّلَ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ يَقُولُ: «صِدْقًا وَعَدْلًا فِيمَا حَكَمَ»
٩ ‏/ ٥٠٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَاللَّهُ السَّمِيعُ لِمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ، الْمُقْسِمُونَ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ: لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ خَلْقِهِ، الْعَلِيمُ بِمَا تَئُولُ إِلَيْهِ أَيْمَانُهُمْ مِنْ بَرٍّ وَصِدْقٍ، وَكَذِبٍ وَحِنْثٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ عِبَادِهِ
٩ ‏/ ٥٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا تُطِعْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَنْدَادَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ مِنْ أَكْلِ مَا ذَبَحُوا لِآلِهَتِهِمْ، وَأَهَلُّوا بِهِ لِغَيْرِ رَبِّهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، فَإِنَّكَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَمَحَجَّةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ فَيَصُدُّوكَ عَنْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنعام: ١١٦] مِنْ بَنِي آدَمَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ كُفَّارًا ضُلَّالًا، فَقَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا تُطِعْهُمْ فِيمَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ، فَإِنَّكَ إِنْ تُطِعْهُمْ ضَلَلْتَ ضَلَالَهُمْ وَكُنْتَ مِثْلَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَدْعُونَكَ إِلَى الْهُدَى وَقَدْ أَخْطَئُوهُ. ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ حَالِ الَّذِينَ نَهَى نَبِيَّهُ عَنْ طَاعَتِهِمْ فِيمَا دَعَوْهُ إِلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ [الأنعام: ١١٦]، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَى ظَنٍّ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ، وَحُسْبَانٍ عَلَى صِحَّةِ عَزْمٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فِي الْحَقِيقَةِ. ﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦] يَقُولُ: مَا هُمْ إِلَّا مُتَخَرِّصُونَ يَظُنُّونَ وَيُوقِعُونَ حَزَرًا لَا يَقِينَ عِلْمٍ، يُقَالُ مِنْهُ: خَرَصَ يَخْرُصُ خَرْصًا وَخِرْصًا: أَيْ كَذِبَ، وَتَخَرَّصَ بِظَنٍّ وَتَخَرَّصَ بِكَذِبٍ، وَخَرَصْتُ النَّخْلَ أَخْرُصُهُ، وَخَرِصَتْ إِبِلُكَ: أَصَابَهَا الْبَرْدُ وَالْجُوعُ
٩ ‏/ ٥٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
٩ ‏/ ٥٠٩
بِالْمُهْتَدِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ الَّذِي نَهَاكَ أَنْ تُطِيعَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ، لِئَلَّا يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِهِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ وَمِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، أَيُّ خَلْقِهِ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ الَّذِي يُوحِي الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَيَصُدُّوا عَنْ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ. ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ يَقُولُ: وَهُوَ أَعْلَمُ أَيْضًا مِنْكَ وَمِنْهُمْ بِمَنْ كَانَ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ. يَقُولُ: وَاتَّبِعْ يَا مُحَمَّدُ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَانْتَهِ عَمَّا نَهَيْتُكَ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ نَهَيْتُكَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَإِنِّي أَعْلَمُ بِالْهَادِي وَالْمُضِلِّ مِنْ خَلْقِي مِنْكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ (مَنْ) فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ﴾ [الأنعام: ١١٧]، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَوْضِعُهُ خَفْضٌ بِنِيَّةِ الْبَاءِ، قَالَ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَضِلُّ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَوْضِعُهُ رَفْعٌ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَيٍّ، وَالرَّافِعُ لَهُ (يَضِلُّ) . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ رُفِعَ بِـ (يَضِلُّ) وَهُوَ فِي مَعْنَى أَيٍّ. وَغَيْرُ مَعْلُومٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ مَخْفُوضٌ بِغَيْرِ خَافِضٍ فَيَكُونُ هَذَا لَهُ نَظِيرًا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَعْلَمُ﴾ [البقرة: ٣٠] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى (يَعْلَمُ)، وَاسْتَشْهَدَ لِقِيلِهِ بِبَيْتِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:
[البحر البسيط] فَحَالَفَتْ طَيِّئٌ مِنْ دُونِنَا حِلَفًا … وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا كُنَّا لَهُمْ خُذُلَا
٩ ‏/ ٥١٠
وَبِقَوْلِ الْخَنْسَاءِ:
[البحر السريع] الْقَوْمُ أَعْلَمُ أَنَّ جَفْنَتَهُ … تَغْدُو غَدَاةَ الرِّيحِ أَوْ تَسْرِي
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَائِلُ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَلَيْسَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١١٧] مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ فَأَبَانَ بِدُخُولِ الْبَاءِ فِي (الْمُهْتَدِينَ) أَنَّ (أَعْلَمَ) لَيْسَ بِمَعْنَى (يَعْلَمُ)، لِأَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ بِمَعْنَى يَفْعَلُ لَمْ يُوصَلْ بِالْبَاءِ، كَمَا لَا يُقَالُ هُوَ يَعْلَمُ بِزَيْدٍ، بِمَعْنَى يَعْلَمُ زَيْدًا
٩ ‏/ ٥١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ١١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِآيَاتِهِ، فَكُلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَبَائِحِكُمْ وَذَبَحْتُمُوهُ الذَّبْحَ الَّذِي بَيَّنْتُ لَكُمْ أَنَّهُ تَحِلُّ بِهِ الذَّبِيحَةُ لَكُمْ، وَذَلِكَ مَا ذَبَحَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِي مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ دِينِ الْحَقِّ، أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ دَانَ بِتَوْحِيدِي مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، دُونَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. ﴿إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ١١٨] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ بِحُجَجِ اللَّهِ الَّتِي أَتَتْكُمْ، وَإِعْلَامِهِ بِإِحْلَالِ مَا أَحْلَلْتُ لَكُمْ، وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَآكِلِ مُصَدِّقِينَ، وَدَعُوا عَنْكُمْ زُخْرُفَ مَا تُوحِيهِ الشَّيَاطِينُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ مِنْ زُخْرُفِ الْقَوْلِ لَكُمْ، وَتَلْبِيسِ دِينِكُمْ عَلَيْكُمْ غُرُورًا. وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
٩ ‏/ ٥١١
مَا حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا ⦗٥١٢⦘ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٨] قَالَ: «يَأْمُرُ بِذِكْرِ اسْمِهِ عَلَى الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَالذَّبْحِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى ذِكْرِهِ يَأْمُرُ بِهِ»
٩ ‏/ ٥١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَلَّ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ١١٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا﴾ [الأنعام: ١١٩]، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي أَنْ لَا تَأْكُلُوا؟ قَالَ: وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ﴾ [البقرة: ٢٤٦]، يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ لَنَا فِي تَرْكِ الْقِتَالِ؟ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ لَا زَائِدَةً لَا يَقَعُ الْفِعْلُ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَعْنَى: وَمَا لَنَا وَكَذَا، لَكَانَتْ: وَمَا لَنَا وَأَنْ لَا نُقَاتِلَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا دَخَلَتْ لَا لِلْمَنْعِ، لِأَنَّ تَأْوِيلَ (مَا لَكَ)، و(مَا مَنَعَكَ) وَاحِدٌ، مَا مَنَعَكَ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمَا لَكَ لَا تَفْعَلُ، وَاحِدٌ، فَلِذَلِكَ دَخَلَتْ (لَا) . قَالَ: وَهَذَا الْمَوْضِعُ تَكُونُ فِيهِ (لَا) وَتَكُونُ فِيهِ (أَنْ)، مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦]، وَ(أَنْ لَا تَضِلُّوا): يَمْنَعُكُمْ مِنَ الضَّلَالِ بِالْبَيَانِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَكُمْ﴾ [البقرة: ١٠٧] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِتَحْلِيلِ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِبَاحَةِ أَكْلِ مَا
٩ ‏/ ٥١٢
ذُبِحَ بِدِينِهِ أَوْ دِينِ مَنْ كَانَ يَدِينُ بِبَعْضِ شَرَائِعِ كُتُبِهِ الْمَعْرُوفَةِ، وَتَحْرِيمِ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَزَجَرَهُمْ عَنِ الْإِصْغَاءِ لِمَا يُوحِي الشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ زُخْرُفِ الْقَوْلِ فِي الْمَيْتَةِ، وَالْمُنْخَنِقَةِ، وَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَسَائِرِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ بِدِينِي الَّذِي ارْتَضَيْتُهُ، وَقَدْ فَصَّلْتُ لَكُمُ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ فِيمَا تَطْعَمُونَ، وَبَيَّنْتُهُ لَكُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] فَلَا لَبْسَ عَلَيْكُمْ فِي حَرَامِ ذَلِكَ مِنْ حَلَالِهِ، فَتَمْتَنِعُوا مِنْ أَكْلِ حَلَالِهِ حَذَرًا مِنْ مُوَاقَعَةِ حَرَامِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مُتَأَوِّلِي ذَلِكَ: وَأَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي أَنْ لَا تَأْكُلُوا، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُقَالُ كَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ كَفَّ عَنْ أَكْلِهِ رَجَاءَ ثَوَابٍ بِالْكَفِّ عَنْ أَكْلِهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِمَّنْ آمَنَ بِالْكَفِّ فَكَفَّ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَسْلِيمًا لِحُكْمِهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَفَّ عَنْ أَكْلِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنَ الذَّبَائِحِ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ عَلَى تَرْكِهِ ذَلِكَ، وَاعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ. فَبَيَّنٌ بِذَلِكَ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قُلْنَا. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَصَّلَ)، وَ(فَصَّلْنَا) وَ(فُصِّلَ): بَيَّنَ، أَوْ بُيِّنَ، بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٩ ‏/ ٥١٣
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١١٩] يَقُولُ: «قَدْ بَيَّنَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ، مِثْلَهُ ⦗٥١٤⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١١٩]، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِ الْحَرْفَيْنِ مِنْ (فَصَّلَ) وَ(حَرَّمَ): أَيْ فَصَّلَ مَا حَرَّمَهُ مِنْ مَطَاعِمِكُمْ، فَبَيَّنَهُ لَكُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: وَقَدْ فَصَلِّ بِفَتْحِ فَاءِ فَصَّلَ وَتَشْدِيدِ صَادِهِ، (مَا حُرِّمَ) بِضَمِّ حَائِهِ وَتَشْدِيدِ رَائِهِ، بِمَعْنَى: وَقَدْ فَصَّلَ اللَّهُ لَكُمُ الْمُحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ مَطَاعِمِكُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ) بِضَمِّ فَائِهِ وَتَشْدِيدِ صَادِهِ، (مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) بِضَمِّ حَائِهِ وَتَشْدِيدِ رَائِهِ، عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا. وَرُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (وَقَدْ فَصَلَ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، بِمَعْنَى: وَقَدْ أَتَاكُمْ حُكْمُ اللَّهِ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، سِوَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ عَطِيَّةَ، قِرَاءَاتٌ مَعْرُوفَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ الْقِرَاءَةُ بِهَا فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، وَهُنَّ مُتَّفِقَاتُ الْمَعَانِي غَيْرُ مُخْتَلِفَاتٍ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فِيهِ الصَّوَابَ
٩ ‏/ ٥١٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٩] فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنَّ مَا اضْطُرِرْنَا ⦗٥١٥⦘ إِلَيْهِ مِنَ الْمَطَاعِمِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي بُيِّنَ تَحْرِيمُهَا لَنَا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ لَنَا حَلَالٌ مَا كُنَّا إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ، حَتَّى تَزُولَ الضَّرُورَةُ
٩ ‏/ ٥١٤
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٩] «مِنَ الْمَيْتَةِ»
٩ ‏/ ٥١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ١١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا﴾ [المائدة: ٤٩] مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكُمْ فِي أَكْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ مِنَ الْمَيْتَةِ ﴿لَيُضِلُّونَ﴾ [الأنعام: ١١٩] أَتْبَاعَهُمْ ﴿بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١١٩] مِنْهُمْ بِصِحَّةِ مَا يَقُولُونَ، وَلَا بُرْهَانَ عِنْدَهُمْ بِمَا فِيهِ يُجَادِلُونَ، إِلَّا رُكُوبًا مِنْهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ، وَاتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِدَوَاعِي نُفُوسِهِمْ، اعْتِدَاءً وَخِلَافًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَطَاعَةً لِلشَّيَاطِينِ. ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ١١٩] يَقُولُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي أَحَلَّ لَكَ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ عَلَيْكَ مَا حَرَّمَ، هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اعْتَدَى حُدُودَهُ فَتَجَاوَزَهَا إِلَى خِلَافِهَا، وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَيُضِلُّونَ﴾ [الأنعام: ١١٩]، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: لَيُضِلُّونَ بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُضِلُّونَ غَيْرَهُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ: (لَيَضِلُّونَ) بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنِ الْحَقِّ فَيَجُورُونَ عَنْهُ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١١٩] بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُضِلُّونَ غَيْرَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ ﷺ
٩ ‏/ ٥١٥
عَنْ إِضْلَالِهِمْ مَنْ تَبِعَهُمْ، وَنَهَاهُ عَنْ طَاعَتِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمْ إِلَى مَا يَدْعُونَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦]، ثُمَّ أَخْبَرَ أَصْحَابَهُ عَنْهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَهُ عَنْهُمْ، وَنَهَاهُمْ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِمْ عَنْ مِثْلِ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا﴾ [المائدة: ٤٩] مِنْهُمْ ﴿لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١١٩]، نَظِيرُ الَّذِي قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦]
٩ ‏/ ٥١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَدَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَانِيَةَ الْإِثْمِ، وَذَلِكَ ظَاهِرُهُ، وَسِرَّهُ، وَذَلِكَ بَاطِنُهُ
٩ ‏/ ٥١٦
كَذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠]: «أَيْ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَسِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ»
٩ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠] قَالَ: «سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ»
٩ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠] يَقُولُ: «سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ»، وَقَوْلُهُ: ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، قَالَ: «سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ»
٩ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠] قَالَ: «نَهَى اللَّهُ عَنْ ⦗٥١٧⦘ ظَاهِرِ الْإِثْمِ وَبَاطِنِهِ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ سِرًّا، أَوْ عَلَانِيَةً، وَذَلِكَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ»
٩ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠]: «مَعْصِيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ»
٩ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠] قَالَ: «هُوَ مَا يَنْوِي مِمَّا هُوَ عَامِلٌ» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالظَّاهِرِ مِنَ الْإِثْمِ وَالْبَاطِنِ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الظَّاهِرُ مِنْهُ: مَا حَرَّمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٢٢]، قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] الْآيَةَ، وَالْبَاطِنُ مِنْهُ الزِّنَا
٩ ‏/ ٥١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠] قَالَ: الظَّاهِرُ مِنْهُ: ﴿لَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢]، وَالْأُمُّهَاتِ، وَالْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ. وَالْبَاطِنُ: الزِّنَا وَقَالَ آخَرُونَ: الظَّاهِرُ: أُولَاتِ الرَّايَاتِ مِنَ الزَّوَانِي، وَالْبَاطِنُ: ذَوَاتُ الْأَخْدَانِ
٩ ‏/ ٥١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠] «أَمَا ظَاهِرُهُ: فَالزَّوَانِي فِي الْحَوَانِيتِ. وَأَمَّا بَاطِنُهُ: فَالصَّدِيقَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ فَيَأْتِيهَا سِرًّا»
٩ ‏/ ٥١٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَسِرُّونَ بِالزِّنَا، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ حَلَالًا مَا كَانَ سِرًّا، فَحَرَّمَ اللَّهُ السِّرَّ مِنْهُ وَالْعَلَانِيَةَ. مَا ظَهَرَ مِنْهَا: يَعْنِي الْعَلَانِيَةَ، وَمَا بَطَنَ: يَعْنِي السِّرَّ»
٩ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي مَكِينٍ، وَأَبِيهِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] قَالَ: «مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَتَزْوِيجِ الرَّجُلِ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَمَا بَطَنَ: الزِّنَا» وَقَالَ آخَرُونَ: الظَّاهِرُ: التَّعَرِّي وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الثِّيَابِ وَمَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فِي الطَّوَافِ، وَالْبَاطِنُ: الزِّنَا
٩ ‏/ ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا
٩ ‏/ ٥١٨
تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، قَالَ: “ظَاهِرُهُ الْعُرْيَةُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهَا حِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَبَاطِنُهُ: الزِّنَا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ إِلَى خَلْقِهِ بِتَرْكِ ظَاهِرِ الْإِثْمِ وَبَاطِنِهِ وَذَلِكَ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ، وَالْإِثْمُ: كُلُّ مَا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَحَارِمِهِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ سِرُّ الزِّنَا وَعَلَانِيَتُهُ، وَمُعَاهَرَةُ أَهْلِ الرَّايَاتِ وَأُولَاتِ الْأَخْدَانِ مِنْهُنَّ، وَنِكَاحُ حَلَائِلِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ ظَهَرَتْ أَوْ بَطَنَتْ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ جَمِيعُ ذَلِكَ إِثْمًا، وَكَانَ اللَّهُ عَمَّ بَقَوْلِهِ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠] جَمِيعَ مَا ظَهَرَ مِنَ الْإِثْمِ وَجَمِيعَ مَا بَطَنَ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ إِلَّا بِحُجَّةٍ لِلْعُذْرِ قَاطِعَةً. غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُوَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى الْخُصُوصِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ، كَانَ تَوْجِيهُهُ إِلَى أَنَّهُ عُنِيَ بِظَاهِرِ الْإِثْمِ وَبَاطِنِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَآكِلِ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، أَوْلَى، إِذْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْآيَاتِ قَبْلَهَا بِذِكْرِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ جَرَى وَهَذِهِ فِي سِيَاقِهَا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهَا ذَلِكَ، وَأَدْخَلَ فِيهَا الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِ كُلِّ مَا جَانَسَهُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، فَخَرَجَ الْأَمْرُ عَامًّا بِالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ مَا ظَهَرَ أَوْ بَطَنَ مِنَ الْإِثْمِ
٩ ‏/ ٥١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَرْكَبُونَ مَعَاصِيَ اللَّهِ، ⦗٥٢٠⦘ وَيَأْتُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، ﴿سَيُجْزَوْنَ﴾ [الأنعام: ١٢٠] يَقُولُ: سَيُثِيبُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ مِنْ مَعَاصِيهِ
٩ ‏/ ٥١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]: لَا تَأْكُلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا مَاتَ فَلَمْ تَذْبَحُوهُ أَنْتُمْ أَوْ يَذْبَحُهُ مُوَحِّدٌ يَدِينُ لِلَّهِ بِشَرَائِعَ شَرَعَهَا لَهُ فِي كِتَابٍ مُنَزَّلٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، وَلَا مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا ذَبَحَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَوْثَانِهِمْ، فَإِنَّ أَكْلَ ذَلِكَ فِسْقٌ، يَعْنِي: مَعْصِيَةُ كُفْرٍ. فَكَنَّى بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّهُ) عَنِ (الْأَكْلِ)، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفِعْلَ، كَمَا قَالَ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ [آل عمران: ١٧٣]، يُرَادُ بِهِ: فَزَادَ قَوْلُهُمْ ذَلِكَ إِيمَانًا، فَكَنَّى عَنِ الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُهُ بِفِعْلٍ. ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]، اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: شَيَاطِينَ فَارِسَ، وَمَنْ عَلَى دِينِهِمْ مِنَ ٠ الْمَجُوسِ ٠ ﴿إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] مِنْ مَرَدَةِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، يُوحُونَ إِلَيْهِمْ زُخْرُفَ الْقَوْلِ بِجِدَالِ نَبِيِّ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ
٩ ‏/ ٥٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقِنْبَارِيُّ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ قَالَ: أَوْحَتْ فَارِسُ إِلَى أَوْلِيَائِهَا مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ خَاصِمُوا مُحَمَّدًا وَكَانَتْ ⦗٥٢١⦘ أَوْلِيَاءَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقُولُوا لَهُ: إِنَّ مَا ذَبَحْتَ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا ذَبَحَ اللَّهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِشِمْشَارٍ مِنْ ذَهَبٍ فَهُوَ حَرَامٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: الشَّيَاطِينُ: فَارِسُ، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ: قُرَيْشٌ»
٩ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ” أَنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ كَاتَبُوا فَارِسَ عَلَى الرُّومِ، وَكَاتَبَتْهُمْ فَارِسُ، وَكَتَبَتْ فَارِسُ إِلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ، فَمَا ذَبَحَ اللَّهُ بِسِكِّينٍ مِنْ ذَهَبٍ فَلَا يَأْكُلُهُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ لِلْمَيْتَةِ، وَأَمَّا مَا ذَبَحُوا هُمْ يَأْكُلُونَ. وَكَتَبَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِ نَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] الْآيَةَ، وَنَزَلَتْ: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عُنِيَ بِالشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَغُرُّونَ بَنِي آدَمَ أَنَّهُمْ أَوْحَوْا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ
٩ ‏/ ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: “كَانَ مِمَّا أَوْحَى الشَّيَاطِينُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ: كَيْفَ تَعْبُدُونَ شَيْئًا لَا ⦗٥٢٢⦘ تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ، وَتَأْكُلُونَ أَنْتُمْ مَا قَتَلْتُمْ؟ فَرُوِيَ الْحَدِيثُ حَتَّى بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: «إِبْلِيسُ الَّذِي يُوحِي إِلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «شَيَاطِينُ الْجِنِّ يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يُوحُونَ إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: مَا الَّذِي يَمُوتُ وَمَا الَّذِي تَذْبَحُونَ إِلَّا سَوَاءٌ، يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا بِذَلِكَ مُحَمَّدًا ﷺ، ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ: أَمَّا مَا ذَبَحَ اللَّهُ لِلْمَيْتَةِ فَلَا تَأْكُلُونَ، وَأَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَحَلَالٌ
٩ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ” أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: مَا قَتَلَ رَبُّكُمْ فَلَا تَأْكُلُونَ، وَمَا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ تَأْكُلُونَهُ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْتَةَ أَمَرَ الشَّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ فَقَالَ لَهُمْ: مَا قَتَلَ اللَّهُ لَكُمْ خَيْرٌ مِمَّا تَذْبَحُونَ أَنْتُمْ بِسَكَاكِينِكُمْ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “جَادَلَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: مَا بَالُ مَا قَتَلَ اللَّهُ لَا تَأْكُلُونَهُ، وَمَا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهُ، وَأَنْتُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
٩ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] يَقُولُونَ: “مَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُوهُ، وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ فَكُلُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ نَاسًا، مِنَ الْمُشْرِكِينَ دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنِ الشَّاةِ إِذَا مَاتَتْ مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالَ: «اللَّهُ قَتَلَهَا»، قَالُوا: فَتَزْعُمُ أَنَّ مَا قَتَلْتَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ حَلَالٌ، وَمَا قَتَلَهُ اللَّهُ حَرَامٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّ نَاسًا، مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: أَمَّا مَا قَتَلَ الصَّقْرُ وَالْكَلْبُ فَتَأْكُلُونَهُ، وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُونَهُ؟
٩ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ⦗٥٢٤⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ١١٨] قَالَ: قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَمَّا مَا قَتَلْتُمْ وَذَبَحْتُمْ فَتَأْكُلُونَهُ، وَأَمَّا مَا قَتَلَ رَبُّكُمْ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِي أَكْلِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، إِنَّكُمْ إِذَنْ لَمُشْرِكُونَ
٩ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا قَتَلْتُمْ فَتَأْكُلُونَهُ، وَمَا قَتَلَ رَبُّكُمْ لَا تَأْكُلُونَهُ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنَّ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ: أَمَّا مَا ذَبَحَ اللَّهُ لِلْمَيْتَةِ فَلَا تَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَهُوَ حَلَالٌ؟ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: «جَادَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فِي الذَّبِيحَةِ فَقَالُوا: أَمَّا مَا قَتَلْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَتَأْكُلُونَهُ، وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُونَهُ؟ يَعْنُونَ: الْمَيْتَةَ. فَكَانَتْ هَذِهِ مُجَادَلَتَهُمْ إِيَّاهُمْ»
٩ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] الْآيَةَ، يَعْنِي: “عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ أَوْحَى إِلَى أَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَقَالَ لَهُمْ: خَاصِمُوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَيْتَةِ فَقُولُوا: أَمَّا مَا ذَبَحْتُمْ وَقَتَلْتُمْ فَتَأْكُلُونَ، وَأَمَّا مَا قَتَلَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُونَ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ أَمْرَ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُهُ كَانَ شِرْكٌ قَطُّ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: أَنْ يَدْعُوَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، أَوْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ يَسَمِّي الذَّبَائِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ
٩ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]: “إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: كَيْفَ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَتَّبِعُونَ مَرْضَاةَ اللَّهِ، وَمَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُونَهُ، وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهُ؟ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] فَأَكَلْتُمُ الْمَيْتَةَ ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: “كَانُوا يَقُولُونَ: مَا ذُكِرَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَا ذَبَحْتُمْ فَكُلُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: يَقُولُ: يُوحِي الشَّيَاطِينُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ: تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ، وَلَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي قَتَلْتُمْ يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الَّذِي مَاتَ لَمْ يُذْكَرِ اسْمٌ عَلَيْهِ
٩ ‏/ ٥٢٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]: «هَذَا فِي شَأْنِ الذَّبِيحَةِ، قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ: تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ، وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا تَذْبَحُونَ أَنْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا ذَبَحَ هُوَ لَكُمْ، وَكَيْفَ هَذَا وَأَنْتُمْ تَعَبُدُونُهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ الَّذِينَ جَادَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي ذَلِكَ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ
٩ ‏/ ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى: خَاصَمَتِ الْيَهُودُ النَّبِيَّ ﷺ، وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ: جَاءَتِ الْيَهُودُ إِلَيَّ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: نَأْكُلُ مَا قَتَلْنَا، وَلَا نَأْكُلُ مَا قَتَلَ اللَّهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ ⦗٥٢٧⦘ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوا الْمُؤْمِنِينَ فِي تَحْرِيمِهِمْ أَكْلَ الْمَيْتَةِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ جِدَالِهِمْ إِيَّاهُمْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُوحُونَ كَانُوا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْهُمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا شَيَاطِينَ الْجِنِّ أَوْحَوْا إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْجِنْسَانِ كِلَاهُمَا تَعَاوَنَا عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢]، بَلْ ذَلِكَ الْأَغْلَبُ مِنْ تَأْوِيلِهِ عِنْدِي، لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَعْدَاءً مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، كَمَا جَعَلَ لِأَنْبِيَائِهِ مِنْ قَبْلِهِ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْمُزَيَّنَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ، ثُمَّ أَعْلَمُهُ أَنَّ أُولَئِكَ الشَّيَاطِينَ يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ لِيُجَادِلُوهُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْمَيْتَةِ عَلَيْهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِنَهْيِهِ عَنْ أَكْلِهِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ ذَبَائِحُ كَانَتِ الْعَرَبُ تَذْبَحُهَا لِآلِهَتِهَا
٩ ‏/ ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٨]؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِذِكْرِ اسْمِهِ عَلَى الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَالذَّبْحِ. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: فَمَا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا ⦗٥٢٨⦘ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْأَوْثَانِ، كَانَتْ تَذْبَحُهَا الْعَرَبُ وَقُرَيْشٌ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْمَيْتَةُ
٩ ‏/ ٥٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: «الْمَيْتَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ كُلَّ ذَبِيحَةٍ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا
٩ ‏/ ٥٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ، سَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ لَهُ: أُتِيتُ بِطَيْرٍ كَذَا، فَمِنْهُ مَا ذُبِحَ، فَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ مَا نُسِيَ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَطَ الطَّيْرُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ: «كُلْهُ كُلَّهُ»، قَالَ: وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١]
٩ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَهِشَامٍ، عَنْ ⦗٥٢٩⦘ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ، قَالَ: «كُلُوا مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ»
٩ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: “كُنْتُ أَجْلِسُ إِلَيْهِ فِي حَلْقَةٍ، فَكَانَ يَجْلِسُ فِيهَا نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ هُوَ رَأْسُهُمْ، فَإِذَا جَاءَ سَائِلٌ فَإِنَّمَا يَسْأَلُهُ وَيَسْكُتُونَ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: رَجُلٌ ذَبَحَ فَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ؟ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنَى بِذَلِكَ: مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْآلِهَةِ، وَمَا مَاتَ أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ فَنَسِيَ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ، فَقَوْلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوَابِ لِشُذُوذِهِ وَخُرُوجِهِ عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ مِنْ تَحْلِيلِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى فَسَادِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى (لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ)، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٩ ‏/ ٥٢٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَإِنَّ أَكْلَ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنَ الْمَيْتَةِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَفِسْقٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْفِسْقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: الْمَعْصِيَةُ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا: وَإِنَّ أَكْلَ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَإِثْمٌ
٩ ‏/ ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١] قَالَ: «الْفِسْقُ: الْمَعْصِيَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: الْكُفْرُ
٩ ‏/ ٥٣٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]، فَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]، وَالصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ. وَأَمَّا إِيحَاؤُهُمْ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَهُوَ إِشَارَتُهُمْ إِلَى مَا أَشَارُوا لَهُمْ إِلَيْهِ، إِمَّا بِقَوْلٍ، وَإِمَّا بِرِسَالَةٍ، وَإِمَّا بِكِتَابٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْوَحْيِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٩ ‏/ ٥٣٠
وَقَدْ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، زَعَمَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ اللَّيْلَةَ يَعْنِي الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ، فَنَفَرْتُ فَقُلْتُ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُمَا وَحْيَانِ: وَحْيُ اللَّهِ، وَوَحْيُ الشَّيْطَانِ، فَوَحْيُ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَوَحْيُ الشَّيَاطِينِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]⦗٥٣١⦘ وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ: فَهُمُ النُّصَرَاءُ وَالظُّهَرَاءُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] لِيُخَاصِمُوكُمْ، بِالْمَعْنَى الَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ قَبْلُ
٩ ‏/ ٥٣٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ
٩ ‏/ ٥٣١
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] يَقُولُ: «وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ فِي أَكْلِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ»
٩ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١] «فَأَكَلْتُمُ الْمَيْتَةَ»
٩ ‏/ ٥٣١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] يَعْنِي: إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلَهُمْ، إِذْ كَانَ هَؤُلَاءِ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ اسْتِحْلَالًا، فَإِذَا أَنْتُمْ أَكَلْتُمُوهَا كَذَلِكَ فَقَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهُمْ مُشْرِكِينَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هَلْ نُسِخَ مِنْ حُكْمِهَا شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهِيَ مُحْكَمَةٌ فِيمَا عُنِيَتْ بِهِ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ
٩ ‏/ ٥٣١
مَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: قَالَ
٩ ‏/ ٥٣١
: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ١١٨]، ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١]، فَنَسَخَ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: ٥] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ فِيمَا أُنْزِلَتْ لَمْ يُنْسَخْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ، وَذَبَائِحَهُمْ ذَكِيَّةٌ. وَذَلِكَ مِمَّا حَكَمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَكْلَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] بِمَعْزِلٍ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الْآيَةَ الْمَيْتَةَ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِلطَّوَاغِيتِ، وَذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ ذَكِيَّةٌ سَمَّوْا عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُسَمُّوا، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ تَوْحِيدٍ وَأَصْحَابُ كُتُبٍ لِلَّهِ يَدِينُونَ بِأَحْكَامِهَا، يَذْبَحُونَ الذَّبَائِحَ بِأَدْيَانِهِمْ كَمَا ذَبَحَ الْمُسْلِمُ بِدِينِهِ، سَمَّى اللَّهَ عَلَى ذَبِيحَتِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَ مِنْ ذِكْرِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِ عَلَى الدَّيْنُونَةِ بِالتَّعْطِيلِ، أَوْ بِعِبَادَةِ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ، فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ سَمَّى اللَّهَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ
٩ ‏/ ٥٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وَهَذَا الْكَلَامُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يَدُلُّ عَلَى نَهْيِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِهِ يَوْمَئِذٍ عَنْ طَاعَةِ بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَادَلُوهُمْ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ مِنْ جِدَالِهِمْ إِيَّاهُمْ بِهِ، وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِطَاعَةِ مُؤْمِنٍ مِنْهُمْ كَانَ كَافِرًا فَهَدَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِرُشْدِهِ وَوَفَّقَهُ لِلْإِيمَانِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِطَاعَةُ مَنْ كَانَ مَيْتًا يَقُولُ: مَنْ كَانَ كَافِرًا. فَجَعَلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِانْصِرَافِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، وَجَهْلِهِ بِتَوْحِيدِهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ، وَتَرْكِهِ الْأَخْذَ بِنَصِيبِهِ مِنَ الْعَمَلِ لِلَّهِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إِلَى نَجَاتِهِ، بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ نَفْسَهُ بِنَافِعَةٍ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا
٩ ‏/ ٥٣٢
مِنْ مَكْرُوهِ نَازِلَةٍ، ﴿فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام: ١٢٢] يَقُولُ: فَهَدَيْنَاهُ لِلْإِسْلَامِ، فَأَنْعَشْنَاهُ، فَصَارَ يَعْرِفُ مَضَارَّ نَفْسِهِ وَمَنَافِعَهَا، وَيَعْمَلُ فِي خَلَاصِهَا مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فِي مَعَادِهِ، فَجَعَلَ إِبْصَارَهُ الْحَقَّ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْدَ عَمَاهُ عَنْهُ، وَمَعْرِفَتَهُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ بَعْدَ جَهْلِهِ بِذَلِكَ، حَيَاةً وَضِيَاءً يَسْتَضِيءُ بِهِ، فَيَمْشِي عَلَى قَصْدِ السَّبِيلِ وَمَنْهَجِ الطَّرِيقِ فِي النَّاسِ. ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] لَا يَدْرِي كَيْفَ يَتَوَجَّهُ وَأَيَّ طَرِيقٍ يَأْخُذُ لِشِدَّةِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وِإِضْلَالِهِ الطَّرِيقَ، فَكَذَلِكَ هَذَا الْكَافِرُ الضَّالُّ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ لَا يُبْصِرُ رُشْدًا وَلَا يَعْرِفُ حَقًّا، يَعْنِي فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ. يَقُولُ: أَفَطَاعَةُ هَذَا الَّذِي هَدَيْنَاهُ لِلْحَقِّ، وَبَصَّرْنَاهُ الرَّشَادَ كَطَاعَةِ مَنْ مَثَلُهُ مَثَلُ مَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَاتِ مُتَرَدِّدٌ لَا يَعْرِفُ الْمَخْرَجَ مِنْهَا، فِي دُعَاءِ هَذَا إِلَى تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْلِيلِ مَا أَحَلَّ، وَتَحْلِيلِ هَذَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْرِيمِهِ مَا أَحَلَّ؟ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا مَعْرُوفَيْنِ، أَحَدُهُمَا مُؤْمِنٌ، وَالْآخَرُ كَافِرٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَاهُ اللَّهُ فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَأَمَّا الَّذِي مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا: فَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ
٩ ‏/ ٥٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي هَوْذَةَ، عَنْ شُعَيْبٍ السَّرَّاجِ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾، قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] قَالَ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ⦗٥٣٤⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَيْتُ الَّذِي أَحْيَاهُ اللَّهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه، وَأَمَّا الَّذِي مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا: فَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ
٩ ‏/ ٥٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ تَيْمٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ»
٩ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ تَيْمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢]: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْآيَةِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ قَالَ: ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] قَالَ: هُدًى، ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢] قَالَ: فِي الضَّلَالَةِ أَبَدًا
٩ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٥٣٥⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾: هَدَيْنَاهُ، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢]: «فِي الضَّلَالَةِ أَبَدًا»
٩ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ قَالَ: «ضَالًّا فَهَدَيْنَاهُ»
٩ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ يَعْنِي: مَنْ كَانَ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] يَعْنِي بِالنُّورِ: الْقُرْآنَ، مَنْ صَدَّقَ بِهِ وَعَمِلَ بِهِ، ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ: الْكُفْرَ وَالضَّلَالَةَ
٩ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ يَقُولُ: “الْهُدَى يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ يَقُولُ: فَهُوَ الْكَافِرُ يَهْدِيهِ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ يَقُولُ: كَانَ مُشْرِكًا فَهَدَيْنَاهُ، ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢]
٩ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾: “هَذَا الْمُؤْمِنُ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَبَيِّنَةٌ يَعْمَلُ بِهَا وَيَأْخُذُ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي: كِتَابُ اللَّهِ. ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ١٢٢]: وَهَذَا مَثَلُ الْكَافِرِ فِي الضَّلَالَةِ مُتَحَيِّرٌ فِيهَا مُتَسَكِّعٌ، لَا يَجِدُ مَخْرَجًا وَلَا مَنْفَذًا
٩ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ كَافِرًا فَجَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، يَقُولُ: هَذَا كَمَنْ هُوَ فِي الظُّلُمَاتِ، يَعْنِي الشِّرْكَ»
٩ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] قَالَ: “الْإِسْلَامُ الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ. ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢]: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَقَرَأَ: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، قَالَ: وَالنُّورُ يَسْتَضِيءُ بِهِ مَا فِي بَيْتِهِ وَيُبْصِرُهُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ هَذَا النُّورَ يَسْتَضِيءُ بِهِ فِي دِينِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ فِي نُورِهِ كَمَا يَسْتَضِيءُ صَاحِبُ هَذَا السِّرَاجِ. قَالَ: ﴿كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] لَا يَدْرِي مَا يَأْتِي، وَلَا مَا يَقَعُ عَلَيْهِ
٩ ‏/ ٥٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا خَذَلْتُ هَذَا الْكَافِرَ الَّذِي يُجَادِلُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَكْلِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ عَنِ الْحَقِّ، فَزَيَّنْتُ لَهُ سُوءَ عَمَلِهِ، فَرَآهُ حَسَنًا لِيَسْتَحِقَّ بِهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ، كَذَلِكَ زَيَّنْتُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، لِيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَا لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ مِنَ النَّكَالِ
٩ ‏/ ٥٣٦
وَفِي هَذَا أَوْضَحُ الْبَيَانِ عَلَى تَكْذِيبِ اللَّهِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّهَ فَوَّضَ الْأُمُورَ إِلَى خَلْقِهِ فِي أَعْمَالِهِمْ فَلَا صُنْعَ لَهُ فِي أَفْعَالِهِمْ، وَأَنَّهُ قَدْ سَوَّى بَيْنَ جَمِيعِهِمْ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَصِلُونَ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا، لَكَانَ قَدْ زَيَّنَ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ نَظِيرَ مَا زَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ. وَزَيَّنَ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ نَظِيرَ الَّذِي زَيَّنَ مِنْهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ. وَفِي إِخْبَارِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ زَيَّنَ لِكُلِّ عَامِلٍ مِنْهُمْ عَمَلَهُ مَا يُنْبِئُ عَنْ تَزْيِينِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَخَصَّ أَعْدَاءَهُ وَأَهْلَ الْكُفْرِ بِتَزْيِينِ الْكُفْرِ لَهُمْ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَكَرَّهَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ بِهِ وَالطَّاعَةَ
٩ ‏/ ٥٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِميِهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَكَمَا زَيَّنَّا لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، كَذَلِكَ جَعَلْنَا بِكُلِّ قَرْيَةٍ عُظَمَاءَهَا مُجْرِميِهَا، يَعْنِي: أَهْلَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَالْمَعْصِيَةِ لَهُ، ﴿لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾ [الأنعام: ١٢٣] بِغُرُورٍ مِنَ الْقَوْلِ أَوْ بِبَاطِلٍ مِنَ الْفِعْلِ بِدِينِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ. ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٣]: أَيْ مَا يَحِيقُ مَكْرُهُمْ ذَلِكَ ﴿إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢٣]، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ وَرَاءِ عُقُوبَتِهِمْ عَلَى صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِهِ. وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَقُولُ: لَا يَدْرُونَ مَا قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ، فَهُمْ فِي غَيِّهِمْ وَعُتُوِّهِمْ عَلَى اللَّهِ يَتَمَادَوْنَ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٥٣٨⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ [الأنعام: ١٢٣] قَالَ: «عُظَمَاءَهَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ [الأنعام: ١٢٣] قَالَ: «عُظَمَاءَهَا»
٩ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ» . قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ [الأنعام: ١٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٤] «بِدِينِ اللَّهِ وَبِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ» وَالْأَكَابِرُ: جَمْعُ أَكْبَرَ، كَمَا الْأَفَاضِلُ: جَمْعُ أَفْضَلَ. وَلَوْ قِيلَ: هُوَ جَمْعُ كَبِيرٍ، فَجَمْعُ أَكَابِرَ، لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ أَكْبَرُ، كَمَا قِيلَ: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ [الكهف: ١٠٣]، وَاحِدُهُمُ الْخَاسِرُ لَكَانَ صَوَابًا. وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: الْأَكَابِرَةُ وَالْأَصَاغِرَةُ، وَالْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرُ بِغَيْرِ الْهَاءِ عَلَى نِيَّةِ النَّعْتِ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ أَفْضَلُ مِنْكَ. وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِمَا جَاءَ مِنَ النُّعُوتِ عَلَى (أَفْعَلَ) إِذَا أَخْرَجُوهَا إِلَى الْأَسْمَاءِ، مِثْلُ جَمْعِهِمُ الْأَحْمَرَ وَالْأَسْوَدَ: الْأَحَامِرَ وَالْأَحَامِرَةَ، وَالْأَسَاوِدَ وَالْأَسَاوِدَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
٩ ‏/ ٥٣٨
إِنَّ الْأَحَامِرَةَ الثَّلَاثَةَ أَهْلَكَتْ … مَالِي وَكُنْتُ بِهِنَّ قِدْمًا مُولَعَا
الْخَمْرُ وَاللَّحْمُ السَّمِينُ أُدِيمُهُ … وَالزَّعْفَرَانُ فَلَنْ أَزَالَ مُبَقَّعَا
وَأَمَّا الْمَكْرُ: فَإِنَّهُ الْخَدِيعَةُ وَالِاحْتِيَالُ لِلْمَمْكُورِ بِهِ بِالْقَدَرِ لِيُوَرِّطَهُ الْمَاكِرُ بِهِ مَكْرُوهًا مِنَ الْأَمْرِ
٩ ‏/ ٥٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِزُخْرُفِ الْقَوْلِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴿آيَةٌ﴾ [البقرة: ١٠٦] يَعْنِي: حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَحَقِيقَتِهِ، قَالُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ﴾ [البقرة: ٥٥] يَقُولُ: يَقُولُونَ: لَنْ نُصَدِّقَ بِمَا دَعَانَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُ عَلَيْنَا، ﴿حَتَّى نُؤْتَى﴾ [الأنعام: ١٢٤] يَعْنُونَ: حَتَّى يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مِثْلَ الَّذِي أَعْطَى مُوسَى مِنْ فَلْقِ الْبَحْرِ، وَعِيسَى مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ لَمْ يُعْطَهَا مِنَ الْبَشَرِ إِلَّا رَسُولٌ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ مِنْهُمْ فَيُعْطَوْهَا. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَنَا أَعْلَمُ بِمَوَاضِعِ رِسَالَاتِي وَمَنْ هُوَ لَهَا أَهْلٌ، فَلَيْسَ لَكُمْ أَيُّهَا
٩ ‏/ ٥٣٩
الْمُشْرِكُونَ أَنْ تَتَخَيَّرُوا ذَلِكَ عَلَيَّ أَنْتُمْ، لِأَنَّ تَخَيُّرَ الرَّسُولِ إِلَى الْمُرْسِلِ دُونَ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا أَرْسَلَ رِسَالَةً بِمَوْضِعِ رِسَالَاتِهِ
٩ ‏/ ٥٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، مُعَلِّمَهُ مَا هُوَ صَانِعٌ بِهَؤُلَاءِ الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَيْهِ: سَيُصِيبُ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي اكْتَسَبُوا الْإِثْمَ بِشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ وَعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ ﴿صَغَارٌ﴾ [الأنعام: ١٢٤] يَعْنِي: ذِلَّةٌ وَهَوَانٌ
٩ ‏/ ٥٤٠
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٢٤] قَالَ: الصَّغَارُ: الذِّلَّةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: صَغِرَ يَصْغُرُ صَغَارًا وَصَغَرًا، وَهُوَ أَشَدُّ الذُّلِّ “
٩ ‏/ ٥٤٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٢٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: سَيُصِيبُهُمْ صَغَارٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: سَيَأْتِينِي رِزْقِي عِنْدَ اللَّهِ، بِمَعْنَى: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُرَادُ بِذَلِكَ: سَيَأْتِينِي الَّذِي لِي عِنْدَ اللَّهِ. وَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَنْ قَالَ: (سَيُصِيبُهُمْ صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ) أَنْ يَقُولَ: (جِئْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ) بِمَعْنَى: جِئْتُ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ اللَّهِ، لِأَنَّ مَعْنَى (سَيُصِيبُهُمْ صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ): سَيُصِيبُهُمُ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الذُّلِّ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَظِيرِ (جِئْتُ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ اللَّهِ) . وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٤] يَقُولُ: يُصِيبُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُسْتَحِلِّينَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَيْتَةِ مَعَ ⦗٥٤١⦘ الصَّغَارِ، عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَكِيدُونَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِالْجِدَالِ بِالْبَاطِلِ وَالزُّخْرُفِ مِنَ الْقَوْلِ غُرُورًا لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ
٩ ‏/ ٥٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٥] لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ فَيُوَفِّقُهُ لَهُ، ﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَقُولُ: فَسَّحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ وَهَوَّنَهُ عَلَيْهِ وَسَهَّلَهُ لَهُ بِلُطْفِهِ وَمَعُونَتِهِ، حَتَّى يَسْتَنِيرَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِهِ، فَيُضِيءُ لَهُ وَيَتَّسِعُ لَهُ صَدْرُهُ بِالْقَبُولِ. كَالَّذِي جَاءَ الْأَثَرُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٩ ‏/ ٥٤١
الَّذِي حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالُوا: كَيْفَ يُشْرَحُ الصَّدْرُ؟ قَالَ: «إِذَا نَزَلَ النُّورُ فِي الْقَلْبِ انْشَرَحَ لَهُ الصَّدْرُ وَانْفَسَحَ» . قَالُوا: فَهَلْ لِذَلِكَ آيَةٌ يُعْرَفُ بِهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ الْفَوْتِ»
٩ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا» . قَالَ: وَسُئِلَ ⦗٥٤٢⦘ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالُوا: كَيْفَ يُشْرَحُ صَدْرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نُورٌ يُقْذَفُ فِيهِ فَيَنْشَرِحُ لَهُ وَيَنْفَسِحُ»، قَالُوا: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ قَالَ: «الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ الْمَوْتِ»
٩ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ رَجُلٍ يُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يَسْكُنُ الْمَدَائِنَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ فَيَنْشَرِحُ وَيَنْفَسِحُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَهُ مِنْ أَمَارَةٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ ” ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثَ مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَاقِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]؟ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ وَانْشَرَحَ»، قَالُوا: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ أَمَارَةٍ يُعْرَفُ بِهَا؟ قَالَ: «الْإِنَابَةُ إِلَى ⦗٥٤٣⦘ دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّنَحِّي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ قَبْلَ الْمَوْتِ»
٩ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمِسْوَرِ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا دَخَلَ النُّورُ الْقَلْبَ انْفَسَحَ وَانْشَرَحَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَةٍ تُعْرَفُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، الْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ»
٩ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: ثنا مَحْبُوبُ بْنُ حَسَنٍ الْهَاشِمِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُشْرَحُ صَدْرُهُ؟ قَالَ: «يُدْخَلُ فِيهِ النُّورُ فَيَنْفَسِحَ»، قَالُوا: وَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «التَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَالْإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ، وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْمَوْتُ» ⦗٥٤٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]، «أَمَّا يَشْرَحُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ: فَيُوسِعُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ»
٩ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] «بِـ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٩ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قِرَاءَةً: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] «بِـ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَجْعَلُ لَهَا فِي صَدْرِهِ مُتَّسَعًا»
٩ ‏/ ٥٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ إِضْلَالَهُ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى يَشْغَلْهُ بِكُفْرِهِ وَصَدِّهِ عَنْ سَبِيلِهِ، وَيَجْعَلْ صَدْرَهُ بِخِذْلَانِهِ وَغَلَبَةِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ حَرَجًا. وَالْحَرَجُ: أَشَدُّ الضِّيقِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفُذُ مِنْ شِدَّةِ ضِيقِهِ، وَهُوَ هَهُنَا الصَّدْرُ الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْمَوْعِظَةُ وَلَا يَدْخُلُهُ نُورُ الْإِيمَانُ لِرَيْنِ الشِّرْكِ عَلَيْهِ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَرَجِ، وَالْحَرَجُ جَمْعُ حَرَجَةٍ: وَهِيَ الشَّجَرَةُ الْمُلْتَفُّ بِهَا الْأَشْجَارُ، لَا يَدْخُلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا شَيْءٌ لِشِدَّةِ الْتِفَافِهَا بِهَا
٩ ‏/ ٥٤٤
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمَّارٍ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا ⦗٥٤٥⦘ حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] بِنَصْبِ الرَّاءِ. قَالَ: وَقَرَأَ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (ضَيِّقًا حَرِجًا) . قَالَ صَفْوَانُ: فَقَالَ عُمَرُ: «ابْغُونِي رَجُلًا مِنْ كِنَانَةَ وَاجْعَلُوهُ رَاعِيًا، وَلْيَكُنْ مُدْلَجِيًّا، قَالَ: فَأَتَوْهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا فَتًى، مَا الْحَرَجَةُ؟ قُلِ: الْحَرَجَةُ فِينَا: الشَّجَرَةُ تَكُونُ بَيْنَ الْأَشْجَارِ الَّتِي لَا تَصِلُ إِلَيْهَا رَاعِيَةٌ وَلَا وَحْشِيَّةٌ وَلَا شَيْءٌ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: كَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ»
٩ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ، يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥]، يَقُولُ: «مَنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُضِلَّهُ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ صَدْرَهُ حَتَّى يَجْعَلَ الْإِسْلَامَ عَلَيْهِ ضَيِّقًا، وَالْإِسْلَامُ وَاسِعٌ، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، يَقُولُ: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ضِيقٍ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: شَاكًّا
٩ ‏/ ٥٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «شَاكًّا»
٩ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] أَمَّا حَرَجًا: «فَشَاكًّا» ⦗٥٤٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: مُلْتَبِسًا
٩ ‏/ ٥٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «ضَيِّقًا: مُلْتَبِسًا»
٩ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَقُولُ: «مُلْتَبِسًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الضِّيقِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ
٩ ‏/ ٥٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «لَا يَجِدُ مَسْلَكًا إِلَّا صُعُدًا»
٩ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «لَيْسَ لِلْخَيْرِ فِيهِ مَنْفَذٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿⦗٥٤٧⦘ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] «بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَجِدُ لَهَا فِي صَدْرِهِ مَسَاغًا» .
٩ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قِرَاءَةً، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] «بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ تَدْخُلَهُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: ﴿ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥] بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ مِنْ ﴿حَرَجًا﴾ [النساء: ٦٥]، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ الْمَكِّيِّينَ وَالْعِرَاقِيِّينَ، بِمَعْنَى: حَرَجَةٍ عَلَى مَا وَصَفْتُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (ضَيِّقًا حَرِجًا) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِمَعْنَى الْحَرَجِ، وَقَالُوا: الْحَرَجُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ، وَالْحَرِجُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، مِثْلُ الدَّنَفِ وَالدَّنِفِ، وَالْوَحَدِ وَالْوَحِدِ، وَالْفَرَدِ وَالْفَرِدِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْإِثْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ آثَمٌ حَرِجٌ. وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا مِنْهَا: حَرِجٌ عَلَيْكَ ظُلْمِي، بِمَعْنَى: ضِيقٌ وَإِثْمٌ وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْعَرَبِ فِي الْوَحَدِ وَالْفَرَدِ بِفَتْحِ الْحَاءِ مِنَ الْوَحَدِ وَالرَّاءِ مِنَ الْفَرَدِ وَكَسْرِهِمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ⦗٥٤٨⦘ وَأَمَّا الضَّيِّقُ، فَإِنَّ عَامَّةَ الْقُرَّاءِ عَلَى فَتْحِ ضَادِهِ وَتَشْدِيدِ يَائِهِ، خَلَا بَعْضِ الْمَكِّيِّينَ فَإِنَّهُ قَرَأَهُ: (ضَيْقًا) بِفَتْحِ الضَّادِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهِ. وَقَدْ يَتَّجِهُ لِتَسْكِينِهِ ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ سَكَّنَهُ وَهُوَ يَنْوِي مَعْنَى التَّحْرِيكِ وَالتَّشْدِيدِ، كَمَا قِيلَ: هَيْنٌ لَيْنٌ، بِمَعْنَى: هَيِّنٌ لَيِّنٌ. وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ سَكَّنَهُ بِنِيَّةِ الْمَصْدَرِ مِنْ قَوْلِهِمْ: ضَاقَ هَذَا الْأَمْرُ يَضِيقُ ضَيْقًا، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] وَقَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ كُلِّ مَأْزِقِ … ضَيْقٍ بِوَجْهِ الْأَمْرِ أَيِّ مَضْيَقِ
وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل: ١٢٧] . وَقَالَ رُؤْبَةُ أَيْضًا:
وَشَفَّهَا اللَّوْحُ بِمَأْزُولٍ ضَيَقْ بِمَعْنَى: ضَيِّقٍ. وَحُكِيَ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الضِّيقُ بِالْكَسْرِ: فِي الْمَعَاشِ وَالْمَوْضِعِ، وَفِي الْأَمْرِ الضَّيْقُ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَبْيَنُ الْبَيَانِ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهَا عَنْ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ تُوِصِّلَ إِلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ غَيْرُ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ تُوِصِّلَ إِلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَأَنَّ كِلَّا ⦗٥٤٩⦘ السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يَشْرُحُ صَدْرَ مَنْ أَرَادَ هِدَايَتَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَيَجْعَلُ صَدْرَ مَنْ أَرَادَ إِضْلَالَهُ ضَيِّقًا عَنِ الْإِسْلَامِ حَرَجًا، كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَرْحَ الصَّدْرِ لِلْإِيمَانِ خِلَافُ تَضْيِيقِهِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ تُوِصِّلَ بِتَضْيِيقِ الصَّدْرِ عَنِ الْإِيمَانِ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ تَضْيِيقِهِ عَنْهُ وَبَيْنَ شَرْحِهِ لَهُ فَرْقٌ، وَلَكَانَ مَنْ ضَيَّقَ صَدْرَهُ عَنِ الْإِيمَانِ قَدْ شَرَحَ صَدْرَهُ لَهُ، وَمَنْ شَرَحَ صَدْرَهُ لَهُ فَقَدْ ضَيَّقَ عَنْهُ، إِذْ كَانَ مَوْصُولًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَعْنِي مِنَ التَّضْيِيقِ وَالشَّرْحِ، إِلَى مَا يُوصَلُ بِهِ إِلَى الْآخَرِ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ كَانَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي جَهْلٍ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَضَيَّقَ صَدْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ. وَفِي فَسَادِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ آمَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَأَطَاعَهُ الْمُطِيعُونَ، غَيْرُ السَّبَبِ الَّذِي كَفَرَ بِهِ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ وَعَصَاهُ الْعَاصُونَ، وَأَنَّ كِلَا السَّبَبَيْنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبِيَدِهِ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَشْرَحُ صَدْرَ هَذَا الْمُؤْمِنِ بِهِ لِلْإِيمَانِ إِذَا أَرَادَ هِدَايَتَهُ، وَيُضَيِّقُ صَدْرَ هَذَا الْكَافِرِ عَنْهُ إِذَا أَرَادَ إِضْلَالَهُ
٩ ‏/ ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] وَهَذَا مَثَلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ضَرَبَهُ لِقَلْبِ هَذَا الْكَافِرِ فِي شِدَّةِ تَضْيِيقِهِ إِيَّاهُ عَنْ وُصُولِهِ إِلَيْهِ، مِثْلُ امْتِنَاعِهِ مِنَ الصَّعُودِ إِلَى السَّمَاءِ وَعَجْزِهِ عَنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وِسْعِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَقُولُ: «مَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ ⦗٥٥٠⦘ أَنْ يَصَّعَّدَ فِي السَّمَاءِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٤٩
وَبِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قِرَاءَةً: «يَجْعَلُ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ تَدْخُلَهُ، كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] «مِنْ ضِيقِ صَدْرِهِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ: «كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ» بِمَعْنَى: يَتَصَعَّدُ، فَأَدْغَمُوا التَّاءَ فِي الصَّادِ، فَلِذَلِكَ شَدَّدُوا الصَّادَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (يَصَّاعَدُ) بِمَعْنَى: يَتَصَاعَدُ، فَأَدْغَمَ التَّاءَ فِي الصَّادِ وَجَعَلَهَا صَادًا مُشَدَّدَةً. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ: (كَأَنَّمَا يَصْعَدُ) مِنْ صَعِدَ يَصْعَدُ. ⦗٥٥١⦘ وَكُلُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، وَبِأَيِّهَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ، غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ الْقِرَاءَةَ فِي ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ﴾ [الأنعام: ١٢٥] بِتَشْدِيدِ الصَّادِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، بِمَعْنَى: يَتَصَعَّدُ، لِكَثْرَةِ الْقُرَّاءِ بِهَا، وَلِقِيلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: مَا تَصَعَّدَنِي شَيْءٌ مَا تَصَعَّدَتْنِي خُطْبَةُ النِّكَاحِ
٩ ‏/ ٥٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا يَجْعَلُ اللَّهُ صَدْرَ مَنْ أَرَادَ إِضْلَالَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ مِنْ ضِيقِهِ عَنِ الْإِيمَانِ، فَيَجْزِيهِ بِذَلِكَ، كَذَلِكَ يُسَلِّطُ اللَّهُ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَالِهِ مِمَّنْ أَبَى الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُغْوِيهِ وَيَصُدَّهُ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الرِّجْسِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كُلُّ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ
٩ ‏/ ٥٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الرِّجْسُ: مَا لَا خَيْرَ فِيهِ»
٩ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «مَا لَا خَيْرَ فِيهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الرِّجْسُ: الْعَذَابُ
٩ ‏/ ٥٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «الرِّجْسُ: عَذَابُ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الرِّجْسُ: الشَّيْطَانُ
٩ ‏/ ٥٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿الرِّجْسُ﴾ [الأنعام: ١٢٥] قَالَ: «الشَّيْطَانُ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: الرِّجْسُ وَالنِّجْسُ لُغَتَانِ. وَيُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ: مَا كَانَ رِجْسًا، وَلَقَدْ رَجُسَ رَجَاسَةً، وَنَجُسَ نَجَاسَةً. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: الرِّجْسُ وَالرِّجْزُ سَوَاءٌ، وَهُمَا الْعَذَابُ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الرِّجْسَ وَالنَّجِسَ وَاحِدٌ، لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِي
٩ ‏/ ٥٥٢
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ⦗٥٥٣⦘ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ الرِّجْسَ هُوَ النَّجَسُ الْقَذِرُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، وَأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الشَّيْطَانِ
٩ ‏/ ٥٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَذَا الَّذِي بَيَّنَّا لَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، هُوَ صِرَاطُ رَبِّكَ، يَقُولُ: طَرِيقُ رَبِّكَ وَدِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ دِينًا وَجَعَلَهُ مُسْتَقِيمًا لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ، فَاثْبُتْ عَلَيْهِ، وَحَرِّمْ مَا حَرَّمْتُهُ عَلَيْكَ، وَأَحْلِلْ مَا أَحْلَلْتُهُ لَكَ، فَقَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ وَالْحُجَجَ عَلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ وَصِحَّتِهِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ، يَقُولُ: لِمَنْ يَتَذَكَّرُ مَا احْتَجَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ، فَيَعْتَبِرُ بِهَا. وَخَصَّ بِهَا الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ، لِأَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ التَّمْيِيزِ وَالْفَهْمِ وَأُولُو الْحِجَا وَالْفَضْلِ، فَقِيلَ: يَذَّكَّرُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام: ١٢٦] «يَعْنِي بِهِ الْإِسْلَامَ»
٩ ‏/ ٥٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٧] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ﴾ [البقرة: ١١]: لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَذَّكَّرُونَ آيَاتِ اللَّهِ فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيُوقِنُونَ بِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَمِنْ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُصَدِّقُونَ بِمَا وَصَلُوا بِهَا إِلَى عِلْمِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا دَارُ السَّلَامِ، فَهِيَ دَارُ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَةِ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي الدُّنْيَا فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَهِيَ جَنَّتُهُ. وَالسَّلَامُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ
٩ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢٧]: اللَّهُ هُوَ السَّلَامُ، وَالدَّارُ: الْجَنَّةُ
٩ ‏/ ٥٥٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ وَلِيُّهُمْ﴾ [الأنعام: ١٢٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَاللَّهُ نَاصِرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَذَّكَّرُونَ آيَاتِ اللَّهِ. ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٨] يَعْنِي: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَيَتَّبِعُونَ رِضْوَانَهُ
٩ ‏/ ٥٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ ⦗٥٥٥⦘ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ [الأنعام: ١٢٨]: وَيَوْمَ يَحْشُرُ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ كَانُوا يُوحُونَ إِلَيْهِمْ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا لِيُجَادِلُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ لِلْجِنِّ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨] وَحَذَفَ (يَقُولُ لِلْجِنِّ) مِنَ الْكَلَامِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْهُ
٩ ‏/ ٥٥٤
وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨]: اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ إِضْلَالِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ
٩ ‏/ ٥٥٥
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨] يَعْنِي: «أَضْلَلْتُمْ مِنْهُمْ كَثِيرًا»
٩ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨]، قَالَ: «قَدْ أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِنَ الْإِنْسِ»
٩ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨] قَالَ: «كَثُرَ مَنْ أَغْوَيْتُمْ» ⦗٥٥٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ [الأنعام: ١٢٨] يَقُولُ: «أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِنَ الْإِنْسِ»
٩ ‏/ ٥٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعْ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: ١٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَيُجِيبُ أَوْلِيَاءُ الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا اسْتَمْتَعْ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ فِي الدُّنْيَا. فَأَمَّا اسْتِمْتَاعُ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ فَكَانَ
٩ ‏/ ٥٥٦
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعْ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: ١٢٨] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْزِلُ الْأَرْضَ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِكَبِيرِ هَذَا الْوَادِي فَذَلِكَ اسْتِمْتَاعُهُمْ، فَاعْتَذِرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا اسْتِمْتَاعُ الْجِنِّ بِالْإِنْسِ، فَإِنَّهُ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ، مَا يَنَالُ الْجِنُّ مِنَ الْإِنْسِ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي اسْتِعَاذَتِهِمْ بِهِمْ، فَيَقُولُونَ: قَدْ سُدْنَا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ»
٩ ‏/ ٥٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا﴾ [الأنعام: ١٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالُوا: وَبَلَغْنَا الْوَقْتَ الَّذِي وَقَّتَ لِمَوْتِنَا. وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: اسْتَمْتَعْ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَيَّامَ حَيَاتِنَا إِلَى حَالِ مَوْتِنَا
٩ ‏/ ٥٥٦
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، وَأَمَّا، قَوْلُهُ: ﴿وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا﴾ [الأنعام: ١٢٨]: «فَالْمَوْتُ»
٩ ‏/ ٥٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّا هُوَ قَائِلٌ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَادِلِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا الْأَوْثَانَ، وَلِقُرَنَائِهِمْ مِنَ الْجِنِّ، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَمَّا هُوَ كَائِنٌ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَمَّا كَانَ لِتَقَدُّمِ الْكَلَامِ قَبْلَهُ بِمَعْنَاهُ وَالْمُرَادِ مِنْهُ، فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ الَّذِينَ قَدْ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ عَنْهُمْ: ﴿النَّارُ مَثْوَاكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢٨] يَعْنِي: نَارُ جَهَنَّمَ مَثْوَاكُمُ الَّذِي تَثْوُونَ فِيهِ: أَيْ تُقِيمُونَ فِيهِ. وَالْمَثْوَى: هُوَ الْمَفْعَلُ مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَوَى فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا، إِذَا أَقَامَ فِيهِ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: لَابِثِينَ فِيهَا، ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٢٨] يَعْنِي: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ قَدْرِ مُدَّةٍ مَا بَيْنَ مَبْعَثِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى مَصِيرِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، فَتِلْكَ الْمُدَّةُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا اللَّهُ مِنْ خُلُودِهِمْ فِي النَّارِ. ﴿إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ﴾ [الأنعام: ٨٣] فِي تَدْبِيرِهِ فِي خَلْقِهِ، وَفِي تَصْرِيفِهِ إِيَّاهُمْ فِي مَشِيئَتِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ. ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] بِعَوَاقِبِ تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرٌ أَمْرُهُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَمْرَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي مَبْلَغِ عَذَابِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى مَشِيئَتِهِ
٩ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ⦗٥٥٨⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨] قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ آيَةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى اللَّهِ فِي خَلْقِهِ أَنْ لَا يُنْزِلَهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا»
٩ ‏/ ٥٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٩]
٩ ‏/ ٥٥٨
اخْتَلَفُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ﴿نُوَلِّي﴾ [الأنعام: ١٢٩]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: نَجْعَلُ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ وَلِيًّا عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ
٩ ‏/ ٥٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٩] «وَإِنَّمَا يُوَلِّي اللَّهُ بَيْنَ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ. فَالْمُؤْمِنُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِ أَيَّ كَانَ وَحَيْثُ كَانَ، وَالْكَافِرُ وَلِيُّ الْكَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ وَحَيْثُمَا كَانَ. لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: نُتْبِعُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي النَّارِ، مِنَ الْمُوَالَاةِ، وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَالشَّيْءِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَالَيْتَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا: إِذَا تَابَعْتَ بَيْنَهُمَا
٩ ‏/ ٥٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ⦗٥٥٩⦘: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾ [الأنعام: ١٢٩]: «فِي النَّارِ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: نُسَلِّطُ بَعْضَ الظَّلَمَةِ عَلَى بَعْضٍ
٩ ‏/ ٥٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بعْضًا﴾ [الأنعام: ١٢٩] قَالَ: «ظَالِمِي الْجِنِّ وَظَالِمِي الْإِنْسِ. وَقَرَأَ: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضُ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦]، قَالَ: نُسَلِّطُ ظَلَمَةَ الْجِنِّ عَلَى ظَلَمَةِ الْإِنْسِ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَكَذَلِكَ نَجْعَلُ بَعْضَ الظَّالِمِينَ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاءَ. لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعْ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: ١٢٨]، وَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ بَعْضَهُمَ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمَّ عَقَّبَ خَبَرَهُ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ عَنْ أَنَّ وِلَايَةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَوْلِيَتِهِ إِيَّاهُمْ، فَقَالَ: وَكَمَا جَعَلْنَا بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ يَسْتَمْتِعُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، كَذَلِكَ نَجْعَلُ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ فِي كُلِّ الْأُمُورِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَيَعْمَلُونَهُ
٩ ‏/ ٥٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٠] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا هُوَ قَائِلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ مِنْ
٩ ‏/ ٥٥٩
مُشْرِكِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، يُخْبِرُ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَوْمَئِذٍ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ [الأنعام: ١٣٠]؟ يَقُولُ: يُخْبِرُونَكُمْ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ مِنْ تَنْبِيهِي إِيَّاكُمْ عَلَى مَوَاضِعِ حُجَجِي، وَتَعْرِيفِي لَكُمْ أَدِلَّتِي عَلَى تَوْحِيدِي وَتَصْدِيقِ أَنْبِيَائِي، وَالْعَمَلِ بِأَمْرِي وَالِانْتِهَاءِ إِلَى حُدُودِي. ﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الأنعام: ١٣٠] يَقُولُ: يُحَذِّرُونَكُمْ لِقَاءَ عَذَابِي فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، وَعِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّايَ، فَتَنْتَهُوا عَنْ مَعَاصِيَّ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي، وَمَعْنَاهُ: قَدْ أَتَاكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يُنَبِّهُونَكُمْ عَلَى خَطَأِ مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمِينَ بِالْحُجَجِ الْبَالِغَةِ، وَيُنْذِرُونَكُمْ وَعِيدَ اللَّهِ عَلَى مُقَامِكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمِينَ، فَلَمْ تَقْبَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ تَتَذَكَّرُوا وَلَمْ تَعْتَبِرُوا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْجِنِّ، هَلْ أُرْسِلَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رُسُلٌ كَمَا أُرْسِلَ إِلَى الْإِنْسِ مِنْهُمْ رُسُلٌ
٩ ‏/ ٥٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سُئِلَ الضَّحَّاكُ عَنِ الْجِنِّ: هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيُّ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ ﷺ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ [الأنعام: ١٣٠]، يَعْنِي بِذَلِكَ: «رُسُلًا مِنَ الْإِنْسِ وَرُسُلًا مِنَ الْجِنِّ؟ فَقَالُوا: بَلَى»
٩ ‏/ ٥٦٠
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يُرْسَلْ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْجِنِّ قَطُّ رَسُولٌ مُرْسَلٌ، وَإِنَّمَا الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ خَاصَّةً. فَأَمَّا مِنَ الْجِنِّ فَالنُّذُرُ. قَالُوا: وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] وَالرُّسُلُ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، كَمَا قَالَ: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ [الرحمن: ١٩]، ثُمَّ قَالَ: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِهِمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. قَالَ: وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِجَمَاعَةِ أَدْؤُرٍ: إِنَّ فِي هَذِهِ الدُّورِ لَشَرًّا، وَإِنْ كَانَ الشَّرُّ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَيُخْرِجُ الْخَبَرَ عَنْ جَمِيعِهِنَّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ بَعْضِهِنَّ، وَكَمَا يُقَالُ: أَكَلْتَ خُبْزًا وَلَبَنًا: إِذَا اخْتَلَطَا، وَلَوْ قِيلَ: أَكَلْتَ لَبَنًا، كَانَ الْكَلَامُ خَطَأً، لِأَنَّ اللَّبَنَ يُشْرَبُ وَلَا يُؤْكَلُ
٩ ‏/ ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] قَالَ: «جَمَعَهُمْ كَمَا جَمَعَ قَوْلَهُ: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر: ١٢]، وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْهَارِ حِلْيَةٌ»
٩ ‏/ ٥٦١
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هُمُ الْجِنُّ لَقُوا قَوْمَهُمْ، وَهُمْ رُسُلٌ إِلَى قَوْمِهِمْ» فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، أَنَّ مِنَ الْجِنِّ رُسُلًا كَالْإِنْسِ إِلَى قَوْمِهِمْ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ أَيُّهَا الْجِنُّ وَالْإِنْسُ رُسُلٌ مِنْكُمْ؟ فَأَمَّا رُسُلُ الْإِنْسِ، فَرُسُلٌ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَأَمَّا رُسُلُ الْجِنِّ، فَرُسُلُ رُسُلِ اللَّهِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهُمُ الَّذِينَ إِذْ سَمِعُوا الْقُرْآنَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْجِنِّ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْإِنْسِ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ. قَالُوا: وَلَوْ جَازَ
٩ ‏/ ٥٦١
أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ عَنْ رُسُلِ الْجِنِّ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُلُ الْإِنْسِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ عَنْ رُسُلِ الْإِنْسِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُلُ الْجِنِّ. قَالُوا: وَفِي فَسَادِ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا بِمَعْنَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْخِطَابِ دُونَ غَيْرِهِ
٩ ‏/ ٥٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٠] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَوْلِ مُشْرِكِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عِنْدَ تَقْرِيعِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمْ: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الأنعام: ١٣٠]؟ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: ﴿شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٠] بِأَنَّ رُسُلَكَ قَدْ أَتَتْنَا بِآيَاتِكَ، وَأَنْذَرَتْنَا لِقَاءَ يَوْمِنَا هَذَا، فَكَذَّبْنَاهَا وَجَحَدْنَا رِسَالَتَهَا، وَلَمْ نَتَّبِعْ آيَاتِكَ وَلَمْ نُؤْمِنْ بِهَا. قَالَ اللَّهُ خَبَرًا مُبْتَدَأً: وَغَرَّتْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ وَأَوْلِيَاءَهُمْ مِنَ الْجِنِّ ﴿الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٨٥] يَعْنِي: زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَطَلَبَ الرِّيَاسَةَ فِيهَا، وَالْمُنَافَسَةَ عَلَيْهَا، أَنْ يُسْلِمُوا لِأَمْرِ اللَّهِ فَيُطِيعُوا فِيهَا رُسُلَهُ، فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ. فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ ذِكْرِ الْمَعَانِي الَّتِي غَرَّتْهُمْ وَخَدَعَتْهُمْ فِيهَا، إِذْ كَانَ فِي ذِكْرِهَا مُكْتَفًى عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهَا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَرَكَ ذِكْرَهُ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا كَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، لِتَتِمَّ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَتَهُ وَأَلِيمَ عَذَابِهِ
٩ ‏/ ٥٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٣١]
٩ ‏/ ٥٦٢
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٣١]: أَيْ إِنَّمَا أَرْسَلْنَا الرُّسُلَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى مَنْ وَصَفْتُ أَمْرَهُ، وَأَعْلَمْتُكَ خَبَرَهُ مِنْ مُشْرِكِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَهُمْ لِقَاءَ مَعَادِهِمْ إِلَيَّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَبَّكَ لَمْ يَكُنْ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ. وَقَدْ يَتَّجِهُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: (بِظُلْمٍ) وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٣١]: أَيْ بِشِرْكِ مَنْ أَشْرَكَ، وَكُفْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَا قَالَ لُقْمَانُ: ﴿إِنَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] . ﴿وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٣١] يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رُسُلًا تُنَبِّهُهُمْ عَلَى حُجَجِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَتُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللَّهِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يَأْخُذُهُمْ غَفْلَةٌ فَيَقُولُوا: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ. وَالْآخَرُ: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٣١] يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ دُونَ التَّنْبِيهِ وَالتَّذْكِيرِ بِالرُّسُلِ وَالْآيَاتِ وَالْعِبَرِ، فَيَظْلِمَهُمْ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ غَيْرُ ظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَنْ لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ بِشِرْكِهِمْ دُونَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ وَالْإِعْذَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٣١] عُقَيْبُ قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ [الأنعام: ١٣٠]، فَكَانَ فِي ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ نَصَّ قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٣١] إِنَّمَا هُوَ إِنَّمَا فَعَلْنَا
٩ ‏/ ٥٦٣
ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّا لَا نُهْلِكُ الْقُرَى بِغَيْرِ تَذْكِيرٍ وَتَنْبِيهٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا بِمَعْنَى: فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا (أَنْ) فَإِنَّهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى: فَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى، فَإِذَا حَذَفَ مَا كَانَ يَخْفِضُهَا تَعَلَّقَ بِهَا الْفِعْلُ فَنُصِبَ
٩ ‏/ ٥٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِكُلِّ عَامِلٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ مَعْصِيَتِهِ مَنَازِلُ وَمَرَاتِبُ مِنْ عَمَلِهِ، يُبَلِّغُهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، وَيُثِيبُهُ بِهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا. ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِمْ يَا مُحَمَّدُ بِعِلْمٍ مِنْ رَبِّكَ يُحْصِيهَا وَيُثْبِتُهَا لَهُمْ عِنْدَهُ لِيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا عِنْدَ لِقَائِهِمْ إِيَّاهُ وَمَعَادِهِمْ إِلَيْهِ
٩ ‏/ ٥٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي أَمَرَ عِبَادَهُ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَأَثَابَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَاقَبَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، الْغَنِيُّ عَنْ عِبَادِهِ، الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَ وَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَى، وَعَنْ أَعْمَالِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُمُ الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، ⦗٥٦٥⦘ لِأَنَّهُ بِيَدِهِ حَيَاتُهُمْ وَمَمَاتُهُمْ وَأَرْزَاقُهُمْ وَأَقْوَاتُهُمْ وَنَفْعُهُمْ وَضَرُّهُمْ، يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَلَمْ أَخْلُقْهُمْ يَا مُحَمَّدُ، وَلَمْ آمُرْهُمْ بِمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ وَأَنْهَهُمْ عَمَّا نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ، لِحَاجَةٍ لِي إِلَيْهِمْ وَلَا إِلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنْ لِأَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي وَأُثِيبَهُمْ عَلَى إِحْسَانِهِمْ إِنْ أَحْسَنُوا، فَإِنِّي ذُو الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ
٩ ‏/ ٥٦٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ﴾ [الأنعام: ١٣٣] فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنْ يَشَأْ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ ﴿يُذْهِبْكُمْ﴾ [النساء: ١٣٣] يَقُولُ: يُهْلِكْ خَلْقَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ مِنْ وَلَدِ آدَمَ ﴿وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ﴾ [الأنعام: ١٣٣] يَقُولُ: وَيَأْتِ بِخَلْقٍ غَيْرِكُمْ وَأُمَمٍ سِوَاكُمْ يَخْلُفُونَكُمْ فِي الْأَرْضِ، ﴿مِنْ بَعْدِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٣] يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ فَنَائِكُمْ وَهَلَاكِكُمْ. ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٣]، كَمَا أَحْدَثَكُمْ وَابْتَدَعَكُمْ مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ آخَرِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ. وَمَعْنَى (مِنْ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: التَّعْقِيبُ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: أَعْطَيْتُكَ مِنْ دِينَارِكَ ثَوْبًا، بِمَعْنَى: مَكَانَ الدِّينَارِ ثَوْبًا، لَا أَنَّ الثَّوْبَ مِنَ الدِّينَارِ بَعْضٌ، كَذَلِكَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ: ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٣] لَمْ يُرِدْ بِإِخْبَارِهِمْ هَذَا الْخَبَرَ أَنَّهُمْ أُنْشِئُوا مِنْ أَصْلَابِ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُمْ أُنْشِئُوا مَكَانَ خَلْقٍ خَلْفَ قَوْمٍ آخَرِينَ قَدْ هَلَكُوا قَبْلَهُمْ. وَالذُّرِّيَّةُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، بِمَعْنَى خَلَقَهُمْ فَهُوَ يَذْرَؤُهُمْ، ثُمَّ تَرَكَ الْهَمْزَةَ فَقِيلَ: ذَرَا اللَّهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْفَعِيلَةَ بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى مِثَالِ الْعُلِّيَّةِ.
٩ ‏/ ٥٦٥
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (مِنْ ذَرِيئَةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) عَلَى مِثَالِ فَعِيلَةٍ. وَعَنْ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (وَمِنْ ذُرْيَةِ) عَلَى مِثَالِ عُلْيَةَ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْقُرَّاءُ فِي الْأَمْصَارِ: ﴿ذُرِّيَّةِ﴾ [البقرة: ٢٦٦] بِضَمِّ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى مِثَالِ عُلِّيَّةَ. وَقَدْ بَيَّنَّا اشْتِقَاقَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا. وَأَصْلُ الْإِنْشَاءِ: الْإِحْدَاثُ، يُقَالُ: قَدْ أَنْشَأَ فُلَانٌ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، بِمَعْنَى: ابْتَدَأَ وَأَخَذَ فِيهِ
٩ ‏/ ٥٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ: أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، إِنَّ الَّذِي يُوعِدُكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ مِنْ عِقَابِهِ عَلَى إِصْرَارِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَاقِعٌ بِكُمْ، ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٤] يَقُولُ: لَنْ تَعْجِزُوا رَبَّكُمْ هَرَبًا مِنْهُ فِي الْأَرْضِ فَتَفُوتُوهُ، لِأَنَّكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ، وَهُوَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى عُقُوبَتِكُمْ بِمَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ قَادِرٌ، يَقُولُ: فَاحْذَرُوهُ، وَأَنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِكُمْ
٩ ‏/ ٥٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ: ﴿اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٥] يَقُولُ: اعْمَلُوا عَلَى حِيَالِكُمْ وَنَاحِيَتِكُمْ
٩ ‏/ ٥٦٧
كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٥] «يَعْنِي عَلَى نَاحِيَتِكُمْ» يُقَالُ مِنْهُ: هُوَ يَعْمَلُ عَلَى مَكَانَتِهِ وَمَكِينَتِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (عَلَى مَكَانَاتِكُمْ) عَلَى جَمْعِ الْمَكَانَةِ. وَالَّذِي عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٥] عَلَى التَّوْحِيدِ. ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾ [الأنعام: ١٣٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ لَهُمُ: اعْمَلُوا مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ، فَإِنِّي عَامِلٌ مَا أَنَا عَامِلُهُ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي. ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٥] يَقُولُ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عِنْدَ نُزُولِ نِقْمَةِ اللَّهِ بِكُمْ، أَيُّنَا كَانَ الْمُحِقَّ فِي عَمَلِهِ، وَالْمُصِيبَ سَبِيلَ الرَّشَادِ، أَنَا أَمْ أَنْتُمْ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ لِقَوْمِكَ: ﴿يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٥] أَمْرٌ مِنْهُ لَهُ بِوَعِيدِهِمْ وَتَهْدِيدِهِمْ، لَا إِطْلَاقَ لَهُمْ فِي عَمَلِ مَا أَرَادُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ
٩ ‏/ ٥٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾ [الأنعام: ١٣٥]: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْكَفَرَةُ بِاللَّهِ عِنْدَ مُعَايَنَتِكُمُ الْعَذَابَ، مَنِ الَّذِي تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، يَقُولُ: مَنِ الَّذِي يُعَقِّبُ دُنْيَاهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهَا أَوْ شَرٌّ مِنْهَا بِمَا قَدَّمَ فِيهَا مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِ أَوْ سَيِّئِهَا. ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام: ٢١] يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ وَلَا يَفُوزُ بِحَاجَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مَعْنَى ظُلْمِ الظَّالِمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي (مَنْ) الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ تَكُونُ﴾ [الأنعام: ١٣٥] لَهُ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ: الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّصْبُ بِقَوْلِهِ: ﴿تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢] لِإِعْمَالِ الْعِلْمِ فِيهِ، وَالرَّفْعُ فِيهِ أَجْوَدُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّنَا لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ، فَالِابْتِدَاءُ فِي مَنْ أَصَحُّ وَأَفْصَحُ مِنْ إِعْمَالِ الْعِلْمِ فِيهِ
٩ ‏/ ٥٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ لِرَبِّهِمْ ﴿مِمَّا ذَرَأَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]⦗٥٦٩⦘ خَالِقُهُمْ، يَعْنِي: مِمَّا خَلَقَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، يُقَالُ مِنْهُ: ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْأً وَذَرْوًا: إِذَا خَلَقَهُمْ. نَصِيبًا: يَعْنِي قِسْمًا وَجُزْءًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ النَّصِيبِ الَّذِي جَعَلُوا لِلَّهِ وَالَّذِي جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالشَّيْطَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ يُقَرِّرُونَهُ لِهَذَا، وَجُزْءًا لِهَذَا
٩ ‏/ ٥٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٣٦] الْآيَةَ، قَالَ: “كَانُوا إِذَا أَدْخَلُوا الطَّعَامَ فَجَعَلُوهُ حُزَمًا جَعَلُوا مِنْهَا لِلَّهِ سَهْمًا، وَسَهْمًا لِآلِهَتِهِمْ، وَكَانَ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ نَحْوِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ رَدُّوهُ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ، وَإِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ نَحْوِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ أَقَرُّوهُ وَلَمْ يَرُدُّوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]
٩ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٦] قَالَ: “جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَالِهِمْ نَصِيبًا، وَلِلشَّيْطَانِ وَالْأَوْثَانِ نَصِيبًا، فَإِنْ سَقَطَ مِنْ ثَمَرَةِ مَا جَعَلُوا لِلَّهِ فِي نَصِيبِ الشَّيْطَانِ تَرَكُوهُ، وَإِنْ سَقَطَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلشَّيْطَانِ فِي نَصِيبِ اللَّهِ الْتَقَطُوهُ ⦗٥٧٠⦘ وَحَفَظُوهُ وَرَدُّوهُ إِلَى نَصِيبِ الشَّيْطَانِ، وَإِنِ انْفَجَرَ مِنْ سَقْيِ مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ فِي نَصِيبِ الشَّيْطَانِ تَرَكُوهُ، وَإِنِ انْفَجَرَ مِنْ سَقْيِ مَا جَعَلُوهُ لِلشَّيْطَانِ فِي نَصِيبِ اللَّهِ سَدُّوهُ، فَهَذَا مَا جَعَلُوا مِنَ الْحُرُوثِ وَسَقْيِ الْمَاءِ. وَأَمَّا مَا جَعَلُوا لِلشَّيْطَانِ مِنَ الْأَنْعَامِ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]
٩ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٦] الْآيَةَ، «وَذَلِكَ أَنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ كَانُوا إِذَا احْتَرَثُوا حَرْثًا أَوْ كَانَتْ لَهُمْ ثَمَرَةٌ، جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْهَا جُزْءًا، وَلِلْوَثَنِ جُزْءًا، فَمَا كَانَ مِنْ حَرْثٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ نَصِيبِ الْأَوْثَانِ حَفَظُوهُ وَأَحْصَوْهُ، فَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ فِيمَا سُمِّيَ لِلَّهِ رَدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوا لِلْوَثَنِ، وَإِنْ سَبَقَهُمُ الْمَاءُ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ فَسَقَى شَيْئًا جَعَلُوهُ لِلَّهِ، جَعَلُوا ذَلِكَ لِلْوَثَنِ، وَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرْثِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي جَعَلُوا لِلَّهِ فَاخْتَلَطَ بِالَّذِي جَعَلُوا لِلْوَثَنِ، قَالُوا: هَذَا فَقِيرٌ، وَلَمْ يَرُدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوا لِلَّهِ. وَإِنْ سَبَقَهُمُ الْمَاءُ الَّذِي جَعَلُوا لِلَّهِ فَسَقَى مَا سُمِّيَ لِلْوَثَنِ تَرَكُوهُ لِلْوَثَنِ. وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمُ: الْبَحِيرَةَ، وَالسَّائِبَةَ، وَالْوَصِيلَةَ، وَالْحَامَ، فَيَجْعَلُونَهُ لِلْأَوْثَانِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحَرِّمُونَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] الْآيَةَ»
٩ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ ⦗٥٧١⦘ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦]، قَالَ: يُسَمُّونَ لِلَّهِ جُزْءًا مِنَ الْحَرْثِ، ولِشُرَكَائِهِمْ وَأَوْثَانِهِمْ جُزْءًا. فَمَا ذَهَبَتْ بِهِ الرِّيحُ مِمَّا سَمَّوْا لِلَّهِ إِلَى جُزْءِ أَوْثَانِهِمْ تَرَكُوهُ، وَمَا ذَهَبَ مِنْ جُزْءِ أَوْثَانِهِمْ إِلَى جُزْءِ اللَّهِ رَدُّوهُ وَقَالُوا: اللَّهُ عَنْ هَذَا غَنِيُّ. وَالْأَنْعَامُ: السَّائِبَةُ وَالْبَحِيرَةُ الَّتِي سَمَّوْا ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
٩ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] الْآيَةَ، ” عَمَدَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَجَزَّءُوا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ جُزْءًا لِلَّهِ وَجُزْءًا لِشُرَكَائِهِمْ. وَكَانُوا إِذَا خَالَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ فِيمَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ خَلَّوْهُ، فَإِذَا خَالَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ فِيمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ رَدُّوهُ عَلَى شُرَكَائِهِمْ. وَكَانُوا إِذَا أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ اسْتَعَانُوا بِمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ، وَأَقَرُّوا مَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ. قَالَ اللَّهُ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]
٩ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] قَالَ: “كَانُوا يُجَزِّئُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا، فَيَقُولُونَ: هَذَا لِلَّهِ، وَهَذَا لِلْأَصْنَامِ الَّتِي يَعْبُدُونَ. فَإِذَا ذَهَبَ مَا جَعَلُوا لِشُرَكَائِهِمْ فَخَالَطَ مَا جَعَلُوا لِلَّهِ رَدُّوهُ، وَإِنْ ذَهَبَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ فَخَالَطَ شَيْئًا مِمَّا جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ تَرَكُوهُ. وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ، أَكَلُوا مَا جَعَلُوا لِلَّهِ، وَتَرَكُوا مَا جَعَلُوا لِشُرَكَائِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]
٩ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] إِلَى ﴿يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]، قَالَ: “كَانُوا يَقْسِمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ قِسْمًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ، وَيَزْرَعُونَ زَرْعًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ، وَيَجْعَلُونَ لِآلِهَتِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَمَا خَرَجَ لِلْآلِهَةِ أَنْفَقُوهُ عَلَيْهَا، وَمَا خَرَجَ لِلَّهِ تَصَدَّقُوا بِهِ فَإِذَا هَلَكَ الَّذِي يَصْنَعُونَ لِشُرَكَائِهِمْ وَكَثُرَ الَّذِي لِلَّهِ، قَالُوا: لَيْسَ بُدٌّ لِآلِهَتِنَا مِنْ نَفَقَةٍ، وَأَخَذُوا الَّذِي لِلَّهِ فَأَنْفَقُوهُ عَلَى آلِهَتِهِمْ، وَإِذَا أَجْدَبَ الَّذِي لِلَّهِ وَكَثُرَ الَّذِي لِآلِهَتِهِمْ، قَالُوا: لَوْ شَاءَ أَزْكَى الَّذِي لَهُ، فَلَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا لِلْآلِهَةِ. قَالَ اللَّهُ: لَوْ كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا قَسَمُوا لِبِئْسَ إِذًا مَا حَكَمُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنِّي وَلَا يُعْطُونِي. فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦] وَقَالَ آخَرُونَ: النَّصِيبُ الَّذِي كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ فَكَانَ يَصِلُ مِنْهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مَا ذَبَحُوا لِلَّهِ حَتَّى يُسَمُّوا الْآلِهَةَ، وَكَانُوا مَا ذَبَحُوهُ لِلْآلِهَةِ يَأْكُلُونَهُ وَلَا يُسَمُّونَ اللَّهَ عَلَيْهِ
٩ ‏/ ٥٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٦]، قَالَ: “كُلُّ شَيْءٍ جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنْ ذَبْحٍ يَذْبَحُونَهُ لَا يَأْكُلُونَهُ أَبَدًا حَتَّى يَذْكُرُوا مَعَهُ أَسْمَاءَ الْآلِهَةِ، وَمَا كَانَ لِلْآلِهَةِ لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ مَعَهُ. وَقَرَأَ الْآيَةَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]⦗٥٧٣⦘ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ حَرْثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ قِسْمًا مُقَدَّرًا، فَقَالُوا: هَذَا لِلَّهِ، وَجَعَلُوا مِثْلَهُ لِشُرَكَائِهِمْ، وَهُمْ أَوْثَانُهُمْ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذَا لِشُرَكَائِنَا، وَإِنَّ نَصِيبَ شُرَكَائِهِمْ لَا يَصِلُ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ، بِمَعْنَى: لَا يَصِلُ إِلَى نَصِيبِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ وَصَلَ إِلَى نَصِيبِ شُرَكَائِهِمْ. فَلَوْ كَانَ وصُولُ ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ وَتَرْكِ التَّسْمِيَةِ، كَانَ أَعْيَانُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِلْ جَائِزًا أَنْ تَكُونَ قَدْ وَصَلَتْ، وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ لَمْ يَصِلْ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الذَّبِيحَتَيْنِ تُذْبَحُ إِحْدَاهُمَا لِلَّهِ وَالْأُخْرَى لِلْآلِهَةِ، جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ لُحُومُهُمَا قَدِ اخْتَلَطَتْ وَخَلَطُوهُمَا، إِذْ كَانَ الْمَكْرُوهُ عِنْدَهُمْ تَسْمِيَةُ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَ مَذْبُوحًا لِلْآلِهَةِ دُونَ اخْتِلَاطِ الْأَعْيَانِ وَاتِّصَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ
٩ ‏/ ٥٧٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ فِعْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَدْ أَسَاءُوا فِي حُكْمِهِمْ إِذْ أَخَذُوا مِنْ نَصِيبِي لِشُرَكَائِهِمْ، وَلَمْ يُعْطُونِي مِنْ نَصِيبِ شُرَكَائِهِمْ. وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْخَبَرَ عَنْ جَهْلِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ وَذَهَابِهِمْ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا أَنْ عَدَلُوا بِمَنْ خَلَقَهُمْ وَغَذَّاهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنَّعَمِ الَّتِي لَا تُحْصَى مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، حَتَّى فَضَّلُوهُ فِي إِقْسَامِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ بِالْقِسْمِ عَلَيْهِ
٩ ‏/ ٥٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٧]
٩ ‏/ ٥٧٣
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا زَيَّنَ شُرَكَاءُ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ لَهُمْ مَا زَيِّنُوا لَهُمْ، مِنْ تَصْيِيرِهِمْ لِرَبِّهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ قِسْمًا بِزَعْمِهِمْ، وَتَرْكِهِمْ مَا وَصَلَ مِنَ الْقِسْمِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ إِلَى قِسْمِ شُرَكَائِهِمْ فِي قِسْمِهِمْ، وَرَدِّهِمْ مَا وَصَلَ مِنَ الْقِسْمِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ إِلَى قِسْمِ نَصِيبِ اللَّهِ إِلَى قِسْمِ شُرَكَائِهِمْ، ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَحَسَّنُوا لَهُمْ وَأْدَ الْبَنَاتِ، ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] يَقُولُ: لِيُهْلِكُوهُمْ، ﴿وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧]، فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِمْ لِيَخْلِطُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ فَيَلْتَبِسَ، فَيَضِلُّوا وَيَهْلِكُوا بِفِعْلِهِمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ اللَّهُ. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا يَفْعَلُوا مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ قَتْلِهِمْ لَمْ يَفْعَلُوهُ، بِأَنْ كَانَ يَهْدِيهِمْ لِلْحَقِّ وَيُوَفِّقُهُمْ لِلسَّدَادِ، فَكَانُوا لَا يَقْتُلُونَهُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ خَذَلَهُمْ عَنِ الرَّشَادِ فَقَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ وَأَطَاعُوا الشَّيَاطِينَ الَّتِي أَغْوَتْهُمْ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ عَلَى عَظِيمِ فِرْيَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْأَنْصِبَاءِ الَّتِي يَقْسِمُونَهَا: هَذَا لِلَّهِ، وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا، وَفِي قَتْلِهِمْ أَوْلَادَهُمْ: ذَرْهُمْ يَا مُحَمَّدُ وَمَا يَفْتَرُونَ وَمَا يَتَقَوَّلُونَ عَلَيَّ مِنَ الْكَذِبِ وَالزُّورِ، فَإِنِّي لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، وَمِنْ وَرَاءِ الْعَذَابِ وَالْعِقَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ ⦗٥٧٥⦘ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧]: «زَيَّنُوا لَهُمْ، مِنْ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ»
٩ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧]: «شَيَاطِينُهُمْ يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَئِدُوا أَوْلَادَهُمْ خِيفَةَ الْعَيْلَةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
٩ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] الْآيَةَ، قَالَ: «شُرَكَاؤُهُمْ زَيَّنُوا لَهُمْ ذَلِكَ»، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢]
٩ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] قَالَ: «شَيَاطِينُهُمُ الَّتِي عَبَدُوهَا زَيَّنُوا لَهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ»
٩ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧]: «أَمَرَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ أَنْ يَقْتُلُوا الْبَنَاتِ» وَأَمَّا
٩ ‏/ ٥٧٥
﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] فَيُهْلِكُوهُمْ. وَأَمَّا ﴿لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] فَيَخْلِطُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ﴾ [الأنعام: ١٣٧] بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ (زَيَّنَ)، ﴿لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] بِنَصْبِ الْقَتْلِ، ﴿شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] بِالرَّفْعِ. بِمَعْنَى أَنَّ شُرَكَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ زَيَّنُوا لَهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ، فَيَرْفَعُونَ الشُّرَكَاءَ بِفِعْلِهِمْ، وَيَنْصِبُونَ الْقَتْلَ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الشَّامِ: (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ) بِضَمِّ الزَّايِ، (لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ) بِالرَّفْعِ (أَوْلَادَهُمْ) بِالنَّصْبِ، (شُرَكَائِهِمْ) بِالْخَفْضِ، بِمَعْنَى: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ شُرَكَائِهِمْ أَوْلَادِهِمْ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْخَافِضِ وَالْمَخْفُوضِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ مِنَ الِاسْمِ، وَذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبِيحٌ غَيْرُ فَصِيحٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ بَيْتٌ مِنَ الشَّعْرِ يُؤَيِّدُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِمَا ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ الشَّامِ، رَأَيْتُ رُوَاةَ الشَّعْرَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُنْكِرُونَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُ قَائِلِهِمْ:
[البحر الكامل] فَزَجَجْتُهُ مُتَمَكِّنًا … زَجَّ الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَةْ
٩ ‏/ ٥٧٦
وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ «زَيَّنَ» وَنَصْبِ «الْقَتْلِ» بِوُقُوعِ «زَيَّنَ» عَلَيْهِ، وَخَفْضِ «أَوْلَادَهُمْ» بِإِضَافَةِ «الْقَتْلِ» إِلَيْهِمْ، وَرَفْعِ «الشُّرَكَاءِ» بِفِعْلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ زَيَّنُوا لِلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنَ التَّأْوِيلِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِذَلِكَ وَرَدَ، فَفِي ذَلِكَ أَوْضَحُ الْبَيَانِ عَلَى فَسَادِ مَا خَالَفَهَا مِنَ الْقِرَاءَةِ. وَلَوْلَا أَنْ تَأْوِيلَ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِذَلِكَ وَرَدَ ثُمَّ قَرَأَ قَارِئٌ: (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لَكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ) بِضَمِّ الزَّايِ مِنْ (زُيِّنَ)، وَرَفْعِ (الْقَتْلِ)، وَخَفْضِ (الْأَوْلَادِ) (وَالشُّرَكَاءِ)، عَلَى أَنَّ (الشُّرَكَاءَ) مَخْفُوضُونَ بِالرَّدِّ عَلَى (الْأَوْلَادِ) بِأَنَّ (الْأَوْلَادَ) شُرَكَاءُ آبَائِهِمْ فِي النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ كَانَ جَائِزًا. وَلَوْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ قَارِئٌ، غَيْرَ أَنَّهُ رَفَعَ (الشُّرَكَاءَ) وَخَفَضَ (الْأَوْلَادَ) كَمَا يُقَالُ: ضُرِبَ عَبْدُ اللَّهِ أَخُوكَ، فَيَظْهَرُ الْفَاعِلُ بَعْدَ أَنْ جَرَى الْخَبَرُ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فِي الْعَرَبِيَّةِ جَائِزًا
٩ ‏/ ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٨]⦗٥٧٨⦘ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ وَيُحَلِّلُونَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَذِنَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَهْلًا مِنْهُمْ، لِأَنْعَامٍ لَهُمْ وَحَرْثٍ: هَذِهِ أَنْعَامٌ، وَهَذَا حَرْثٌ حِجْرٌ، يَعْنِي بِالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ مَا كَانُوا جَعَلُوهُ لِلَّهِ وَلِآلِهَتِهِمُ الَّتِي قَدْ مَضَى ذِكْرُهَا فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَنْعَامَ: السَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْبَحِيرَةُ الَّتِي سَمَّوْا
٩ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الْأَنْعَامُ: السَّائِبَةُ وَالْبَحِيرَةُ الَّتِي سَمَّوْا» وَالْحِجْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْحَرَامُ، يُقَالُ: حَجَرْتُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا: أَيْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الفرقان: ٢٢] . وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
[البحر البسيط] حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا … حِجْرٌ حَرَامٌ أَلَا ثَمَّ الدَّهَارِيسُ
وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز] وَجَارَةُ الْبَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ
يَعْنِي: الْمُحَرَّمَ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] ⦗٥٧٩⦘ فَبِتُّ مُرْتَفِقًا وَالْعَيْنُ سَاهِرَةٌ … كَأَنَّ نَوْمِي عَلَيَّ اللَّيْلَ مَحْجُورُ
أَيْ حَرَامٌ، يُقَالُ: حِجْرٌ وَحُجْرٌ، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا. وَبِضَمِّهَا كَانَ يَقْرَأُ فِيمَا ذُكِرَ الْحُسَيْنُ وَقَتَادَةُ
٩ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ قَتَادَةَ، «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (وَحَرْثٌ حُجْرٌ) يَقُولُ: حَرَامٌ، مَضْمُومَةُ الْحَاءِ» وَأَمَّا الْقُرَّاءُ مِنَ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ فَعَلَى كَسْرِهَا، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافَهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا اللُّغَةُ الْجُودَى مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَرُوِي
٩ ‏/ ٥٧٩
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ” أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (وَحَرْثٌ حِرْجٌ) بِالرَّاءِ قَبْلَ الْجِيمِ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَرْثُ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ وَهِيَ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الْحِجْرِ وَاحِدٌ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا: جَذَبَ وَجَبَذَ، ⦗٥٨٠⦘ وَنَاءَ وَنَأَى، فَفِي الْحِجْرِ إِذَنْ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: (حِجْرٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ قَبْلَ الرَّاءِ، (وَحُجْرٌ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْجِيمِ قَبْلَ الرَّاءِ، وَ(حِرْجٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ قَبْلَ الْجِيمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الْحِجْرِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي عَمْرٍو: ﴿وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] يَقُولُ: «حَرَامٌ»
٩ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] «فَالْحِجْرُ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْوَصِيلَةِ، وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمُوا»
٩ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] قَالَ: «حَرَامٌ»
٩ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] الْآيَةَ، «تَحْرِيمٌ كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَغْلِيظٌ وَتَشْدِيدٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ اللَّهِ»
٩ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥٨١⦘ السُّدِّيِّ، أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨]، فَيَقُولُونَ: «حَرَامٌ أَنْ نُطْعِمَ إِلَّا مَنْ شِئْنَا»
٩ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] «نَحْتَجِرُهَا عَلَى مَنْ نُرِيدُ وَعَمَّنْ لَا نُرِيدُ، لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ، قَالَ: إِنَّمَا احْتَجَرُوا ذَلِكَ لِآلِهَتِهِمْ، وَقَالُوا: ﴿لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٨]، قَالُوا: نَحْتَجِرُهَا عَنِ النِّسَاءِ، وَنَجْعَلُهَا لِلرِّجَالِ»
٩ ‏/ ٥٨١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ. ﴿أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] «أَمَّا حِجْرٌ يَقُولُ: مُحَرَّمٌ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَشْيَاءَ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهَا، كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ أَشْيَاءَ لَا يَأْكُلُونَهَا، وَيَعْزِلُونَ مِنْ حَرْثِهِمْ شَيْئًا مَعْلُومًا لِآلِهَتِهِمْ، وَيَقُولُونَ: لَا يَحِلُّ لَنَا مَا سَمَّيْنَا لِآلِهَتِنَا»
٩ ‏/ ٥٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨]: «مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ ولِشُرَكَائِهِمْ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٨]⦗٥٨٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحَرَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ظُهُورَ بَعْضِ أَنْعَامِهِمْ، فَلَا يَرْكَبُونَ ظُهُورَهَا، وَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِرَسْلِهَا وَنِتَاجِهَا، وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ مِنْهَا غَيْرِ ظُهُورِهَا لِلرُّكُوبِ. وَحَرَّمُوا مِنْ أَنْعَامِهِمْ أَنْعَامًا أُخَرَ، فَلَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا وَلَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ رَكِبُوهَا بِحَالٍ، وَلَا إِنْ حَلَبُوهَا وَلَا إِنْ حَمَلُوا عَلَيْهَا. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو وَائِلٍ: «أَتَدْرِي مَا أَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: أَنْعَامٌ لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا»
٩ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى قَالَ: ثنا شَاذَانُ قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو وَائِلٍ: أَتَدْرِي مَا قَوْلُهُ: ﴿حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨]؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «هِيَ الْبُحَيْرَةُ كَانُوا لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا»
٩ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّهِيدُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: ﴿وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨] قَالَ: «لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا»
٩ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥٨٣⦘ السُّدِّيِّ: أَمَّا: ﴿أَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨] فَهِيَ الْبَحِيرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْحَامُ، وَأَمَّا الْأَنْعَامُ الَّتِي لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا قَالَ: إِذَا وَلَّدُوهَا، وَلَا إِنْ نَحَرُوهَا “
٩ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨] قَالَ: «كَانَ مِنْ إِبِلِهِمْ طَائِفَةٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهَا، لَا إِنْ رَكِبُوهَا، وَلَا إِنْ حَلَبُوا، وَلَا إِنْ حَمَلُوا، وَلَا إِنْ مَنَحُوا، وَلَا إِنْ عَمِلُوا شَيْئًا»
٩ ‏/ ٥٨٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨] قَالَ: “لَا يَرْكَبُهَا أَحَدٌ، ﴿وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨]
٩ ‏/ ٥٨٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿افْتِرَاءً﴾ [الأنعام: ١٣٨] عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا فَعَلُوا مِنْ تَحْرِيمِهِمْ مَا حَرَّمُوا، وَقَالُوا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، كَذِبًا عَلَى اللَّهِ، وَتَخَرُّصًا الْبَاطِلَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفَهُ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي كِتَابِهِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ، فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَكْذَبَهُمْ، وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ كُذُبَةٌ فِيمَا يَزْعُمُونَ. ثُمَّ قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿سَيَجْزِيهِمْ﴾ [الأنعام: ١٣٨] يَقُولُ: سَيُثِيبُهُمْ رَبُّهُمْ ﴿بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٨] عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ثَوَابَهُمْ، وَيَجْزِيهِمْ بِذَلِكَ جَزَاءَهُمْ
٩ ‏/ ٥٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٣٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ﴾ [الأنعام: ١٣٩]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ اللَّبَنَ
٩ ‏/ ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩]» قَالَ: «اللَّبَنُ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩]: «أَلْبَانُ الْبَحَائِرِ كَانَتْ لِلذُّكُورِ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً اشْتَرَكَ فِيهَا ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ»
٩ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩] قَالَ: «مَا فِي بُطُونِ الْبَحَائِرِ: يَعْنِي أَلْبَانَهَا، كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ»
٩ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ ⦗٥٨٥⦘ عَامِرٍ، قَالَ: الْبَحِيرَةُ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا الرِّجَالُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا شَيْءٌ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ “
٩ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩] الْآيَةَ، «فَهُوَ اللَّبَنُ كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى إِنَاثِهِمْ وَيَشْرَبُهُ ذُكْرَانُهُمْ، وَكَانَتِ الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ وَكَانَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرْكَبْ فَلَمْ تُذْبَحُ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ. فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ مَا فِي بُطُونِ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ مِنَ الْأَجِنَّةِ
٩ ‏/ ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام: ١٣٩] «فَهَذِهِ الْأَنْعَامُ مَا وُلِدَ مِنْهَا مِنْ حَيٍّ فَهُوَ خَالِصٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَأَمَّا مَا وُلِدَ مِنْ مَيِّتٍ فَيَأْكُلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ»
٩ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩]: «السَّائِبَةُ وَالْبَحِيرَةُ» ⦗٥٨٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي أَنْعَامٍ بِأَعْيَانِهَا: مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا دُونَ إِنَاثِنَا. وَاللَّبَنُ مِمَّا فِي بُطُونِهَا، وَكَذَلِكَ أَجِنَّتُهَا، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: بَعْضُ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِنَّ دُونَ بَعْضٍ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ قَالُوا مَا فِي بُطُونِ تِلْكَ الْأَنْعَامِ مِنْ لَبَنٍ وَجَنِينٍ حِلٌّ لِذُكُورِهِمْ خَالِصَةٌ دُونَ إِنَاثِهِمْ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ بِذَلِكَ رِجَالَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي فِي بُطُونِهَا مِنَ الْأَجِنَّةِ مَيِّتًا فَيَشْتَرِكُ حِينَئِذٍ فِي أَكْلِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنِّثَتِ الْخَالِصَةُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: أُنِّثَتْ لِتَحْقِيقِ الْخُلُوصِ، كَأَنَّهُ لَمَّا حَقَّقَ لَهُمُ الْخُلُوصَ أَشْبَهَ الْكَثْرَةَ، فَجَرَى مَجْرَى رَاوِيَةٍ وَنَسَّابَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ الْأَنْعَامِ، لِأَنَّ مَا فِي بُطُونِهَا مِثْلَهَا، فَأُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِهَا. وَمَنْ ذَكَّرَهُ فَلِتَذْكِيرِ (مَا)، قَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (خَالِصٌ)، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ الْخَالِصَةُ فِي تَأْنِيثِهَا مَصْدَرًا، كَمَا تَقُولُ: الْعَافِيَةَ وَالْعَاقِبَةَ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ﴾ [ص: ٤٦] . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: أُرِيدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي خُلُوصِ مَا ⦗٥٨٧⦘ فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ الَّتِي كَانُوا حَرَّمُوا مَا فِي بُطُونِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، لِذُكُورِهِمْ دُونَ إِنَاثِهِمْ، كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ بِالرَّاوِيَةِ وَالنَّسَّابَةِ وَالْعَلَّامَةِ، إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِ مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَتِهِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ خَالِصَةُ فُلَانٍ وَخُلْصَانُهُ
٩ ‏/ ٥٨٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩]، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِالْأَزْوَاجِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا النِّسَاءَ
٩ ‏/ ٥٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩] قَالَ: «النِّسَاءُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ
٩ ‏/ ٥٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩] قَالَ: «الْأَزْوَاجُ: الْبَنَاتُ» وَقَالُوا: لَيْسَ لِلْبَنَاتِ مِنْهُ شَيْءٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِمَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ، يَعْنِي أَنْعَامَهُمْ: هَذَا مُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا. وَالْأَزْوَاجُ إِنَّمَا هِيَ نِسَاؤُهُمْ فِي كَلَامِهِمْ، وَهُنَّ لَا شَكَّ بَنَاتُ مَنْ هُنَّ أَوْلَادُهُ، وَحَلَائِلُ مَنْ هُنَّ أَزْوَاجُهُ. وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩] الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ تَأْنِيثَ (الْخَالِصَةِ) كَانَ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ
٩ ‏/ ٥٨٧
بِالْخُلُوصَةِ لِلذُّكُورِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِتَأْنِيثِ الْأَنْعَامِ لَقِيلَ: وَمُحَرَّمَةٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّأْنِيثُ فِي الْخَالِصَةِ لِمَا ذَكَرْتُ، ثُمَّ لَمْ يَقْصِدَ فِي الْمُحَرَّمِ مَا قَصَدَ فِي الْخَالِصَةِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ، رَجَعَ فِيهَا إِلَى تَذْكِيرِ (مَا)، وَاسْتِعْمَالِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ صِفَتِهِ
٩ ‏/ ٥٨٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام: ١٣٩] فَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ
٩ ‏/ ٥٨٨
فَقَرَأَهُ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ فِي آخَرِينَ: (وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ) بِالتَّاءِ فِي (تَكُنْ)، وَرَفْعِ (مَيْتَةٌ)، غَيْرَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ يُشَدِّدُ الْيَاءَ مِنْ مَيْتَةٍ، وَيُخَفِّفُهَا طَلْحَةُ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ،. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الْقَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً﴾ [الأنعام: ١٣٩] بِالْيَاءِ، وَمِيتَةً بِالنَّصْبِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ. وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَإِنْ يَكُنْ﴾ [الأنعام: ١٣٩] بِالْيَاءِ ﴿مَيْتَةً﴾ [الأنعام: ١٣٩] بِالنَّصْبِ، أَرَادُوا إِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونِ تِلْكَ الْأَنْعَامِ، فَذَكَّرَ (يَكُنْ) لِتَذْكِيرِ (مَا)، وَنَصَبَ (الْمَيْتَةَ) لِأَنَّهُ خَبَرُ (يَكُنْ) . وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ: (وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ) فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَرَادَ: وَإِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونِهَا مَيْتَةٌ، فَأَنَّثَ (تَكُنْ) لِتَأْنِيثِ (مَيْتَةٌ) .
٩ ‏/ ٥٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام: ١٣٩]، فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الرِّجَالَ وَأَزْوَاجَهُمْ شُرَكَاءُ فِي أَكْلِهِ لَا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، كَمَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ قَبْلُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا
٩ ‏/ ٥٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام: ١٣٩] قَالَ: «تَأْكُلُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ، إِنْ كَانَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ، وَقَالُوا: إِنْ شِئْنَا جَعَلْنَا لِلْبَنَاتِ فِيهِ نَصِيبًا، وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَجْعَلْ» وَظَاهِرُ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ زَيْدٍ، لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونِهَا مَيْتَةً فَنَحْنُ فِيهِ شُرَكَاءُ بِغَيْرِ شَرْطِ مَشِيئَةٍ. وَقَدْ زَعَمَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتِهِمْ
٩ ‏/ ٥٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٣٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: سَيَجْزِي: أَيْ سَيُثِيبُ وَيُكَافِئُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ فِي تَحْرِيمِهِمْ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ، وَتَحْلِيلِهِمْ مَا لَمْ يُحَلِّلْهُ اللَّهُ، وَإِضَافَتِهِمْ كَذِبَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩] يَعْنِي بِوَصْفِهِمُ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ [النحل: ٦٢]، وَالْوَصْفُ وَالصِّفَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاحِدٌ، وَهُمَا مَصْدَرَانِ مِثْلُ الْوَزْنِ وَالزِّنَةِ. ⦗٥٩٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى (الْوَصْفِ) قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ ‏/ ٥٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩] قَالَ: «قَوْلَهُمُ الْكَذِبَ فِي ذَلِكَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩] أَيْ «كَذِبَهُمْ»
٩ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩]: «أَيْ كَذِبَهُمْ»
٩ ‏/ ٥٩٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ٨٣]، فَإِنَّهُ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ فِي مُجَازَاتِهِمْ عَلَى وَصْفِهِمُ الْكَذِبَ وَقِيلِهِمُ الْبَاطِلَ عَلَيْهِ، ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] فِي سَائِرِ تَدْبِيرِهِ فِي خَلْقِهِ، ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ
٩ ‏/ ٥٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ هَلَكَ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ عَلَى رَبِّهِمُ الْكَذِبَ، الْعَادِلُونَ بِهِ
٩ ‏/ ٥٩٠
الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ، وَتَحْرِيمِ مَا أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَقَتَلُوا طَاعَةً لَهَا أَوْلَادَهُمْ، وَحَرَّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ وَجَعَلَهُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ أَنْعَامِهِمْ سَفَهًا مِنْهُمْ، يَقُولُ: فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ جَهَالَةً مِنْهُمْ بِمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَنَقَصَ عُقُولٍ، وَضَعْفَ أَحْلَامٍ مِنْهُمْ، وَقِلَّةَ فَهْمٍ بِعَاجِلِ ضَرِّهِ وَآجِلِ مَكْرُوهِهِ مِنْ عَظِيمِ عِقَابِ اللَّهِ عَلَيْهِ لَهُمْ. ﴿افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٤٠] يَقُولُ: تَكْذِيبًا عَلَى اللَّهِ وَتَخَرُّصًا عَلَيْهِ الْبَاطِلَ. ﴿قَدْ ضَلُّوا﴾ [النساء: ١٦٧] يَقُولُ: قَدْ تَرَكُوا مَحَجَّةَ الْحَقِّ فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ، وَزَالُوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ. ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٦] يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُو ذَلِكَ عَلَى هُدًى وَاسْتِقَامَةٍ فِي أَفْعَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٦] لِلصَّوَابِ فِيهَا وَلَا مُوَفَّقِينَ لَهُ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ خَبَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] الَّذِينَ كَانُوا يَبْحَرُونَ الْبَحَائِرَ، وَيُسَيِّبُونَ السَّوَائِبَ، وَيَئِدُونَ الْبَنَاتِ
٩ ‏/ ٥٩١
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٠] قَالَ: «نَزَلَتْ فِيمَنْ يَئِدُ الْبَنَاتِ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، كَانَ الرَّجُلُ يَشْتَرِطُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ تَسْتَحْيِي جَارِيَةً وَتَئِدَ أُخْرَى، فَإِذَا كَانَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي تُوأَدُ غَدَا الرَّجُلُ أَوْ رَاحَ مِنْ عِنْدِ امْرَأَتِهِ وَقَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ رَجَعْتُ إِلَيْكِ وَلَمْ تَئِدِيهَا، فَتَخُدُّ لَهَا فِي الْأَرْضِ خَدًّا، وَتُرْسِلُ إِلَى نِسَائِهَا فَيَجْتَمِعْنَ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَتَدَاوَلْنَهَا، حَتَّى إِذَا ⦗٥٩٢⦘ أَبْصَرَتْهُ رَاجِعًا دَسَّتْهَا فِي حُفْرَتِهَا، ثُمَّ سَوَّتْ عَلَيْهَا التُّرَابَ»
٩ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ” ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعُوا فِي أَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٤٠]
٩ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٠] فَقَالَ: «هَذَا صَنِيعُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ أَحَدُهُمْ يَقْتُلُ ابْنَتَهُ مَخَافَةَ السِّبَاءِ وَالْفَاقَةِ وَيَغْذُو كَلْبَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٤٠] الْآيَةَ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ جَعَلُوا بَحِيرَةً وَسَائِبَةً وَوَصِيلَةً وَحَامِيًا، تَحَكُّمًا مِنَ الشَّيَاطِينِ فِي أَمْوَالِهِمْ»
٩ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: “إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ، فَاقْرَأْ مَا بَعْدَ الْمِائَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٠] الْآيَةَ وَكَانَ أَبُو رَزِينٍ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: ﴿قَدْ ضَلُّوا﴾ [الأنعام: ١٤٠] أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ قَدْ ضَلُّوا قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ وَتَحْرِيمِ الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ بِأُمُورٍ غَيْرِ ذَلِكَ
٩ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٤٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ ⦗٥٩٣⦘ ضَلُّوا﴾ [الأنعام: ١٤٠]، قَالَ: «قَدْ ضَلُّوا قَبْلَ ذَلِكَ»
٩ ‏/ ٥٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١] وَهَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَتَنْبِيهٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى مَوْضِعِ إِحْسَانِهِ، وَتَعْرِيفٌ مِنْهُ لَهُمْ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ وَقَسَمَ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ لِمَنْ قَسَمَ لَهُ فِيهَا حَقًّا. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَبُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿أَنْشَأَ﴾ [الأنعام: ١٤١] أَيْ أَحْدَثَ وَابْتَدَعَ خَلْقًا، لَا الْآلِهَةُ وَالْأَصْنَامُ، ﴿جَنَّاتٍ﴾ [البقرة: ٢٥] يَعْنِي: بَسَاتِينَ، ﴿مَعْرُوشَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] وَهِيَ مَا عَرَشَ النَّاسُ مِنَ الْكُرُومِ، ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١]: غَيْرَ مَرْفُوعَاتٍ مَبْنِيَّاتٍ، لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا يَرْفَعُونَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُهُ وَيُنْبِتُهُ وَيُنَمِّيهِ
٩ ‏/ ٥٩٣
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَعْرُوشَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] يَقُولُ: «مَسْمُوكَاتٌ»
٩ ‏/ ٥٩٣
وَبِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] «فَالْمَعْرُوشَاتٌ: مَا عَرَشَ النَّاسُ، وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ: مَا خَرَجَ فِي الْبَرِّ وَالْجِبَالِ مِنَ الثَّمَرَاتِ»
٩ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا (جَنَّاتٍ) فَالْبَسَاتِينُ، وَأَمَّا (الْمَعْرُوشَاتُ): فَمَا عُرِّشَ كَهَيْئَةِ ⦗٥٩٤⦘ الْكَرْمِ»
٩ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: “مَا يُعْرَشُ مِنَ الْكُرُومِ. ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «مَا لَا يُعْرَشُ مِنَ الْكَرْمِ»
٩ ‏/ ٥٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهِ كُلُوا مِنْ ثَمَرَهِ إِذا أَثْمَرَ﴾ [الأنعام: ١٤١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَنْشَأَ النَّخْلَ وَالزَّرْعِ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ، يَعْنِي بِالْأُكُلِ: الثَّمَرَ، يَقُولُ: وَخَلَقَ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِمَّا يُؤْكَلُ مِنَ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ وَالزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ، مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ فِي الطَّعْمِ، مِنْهُ الْحُلْوُ وَالْحَامِضُ وَالْمُزُّ
٩ ‏/ ٥٩٤
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «مُتَشَابِهًا فِي الْمَنْظَرِ، وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ فِي الطَّعْمِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ [الأنعام: ١٤١] فَإِنَّهُ يَقُولُ: كُلُوا مِنْ رُطَبِهِ مَا كَانَ رُطَبًا ثَمَرُهُ
٩ ‏/ ٥٩٤
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو هَمَّامٍ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: ⦗٥٩٥⦘ ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «مِنْ رُطَبِهِ وَعِنَبِهِ»
٩ ‏/ ٥٩٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «مِنْ رُطَبِهِ وَعِنَبِهِ»
٩ ‏/ ٥٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِإِيتَاءِ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ مِنَ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ
٩ ‏/ ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الزَّكَاةُ»
٩ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ دِرْهَمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ»
٩ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا ⦗٥٩٦⦘ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أبيه فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الزَّكَاةُ»
٩ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ حَيَّانَ الْأَعْرَجِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الزَّكَاةُ»
٩ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «هِيَ الصَّدَقَةُ» . قَالَ: ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: «هِيَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ»
٩ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ»
٩ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «هِيَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ»
٩ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] «يَعْنِي بِحَقِّهِ: زَكَاتَهُ الْمَفْرُوضَةَ، يَوْمَ يُكَالُ أَوْ يُعْلَمُ كَيْلُهُ»
٩ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]: «وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا زَرَعَ فَكَانَ يَوْمُ حَصَادِهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ مَا كَيْلُهُ وَحَقُّهُ، فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدًا، وَمَا يَلْتَقِطُ النَّاسُ مِنْ سُنْبُلِهِ»
٩ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]: “وَحَقُّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ: الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ سَنَّ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوِ الْعَيْنُ السَّائِحَةُ، أَوْ سَقَاهُ الطَّلُّ وَالطَّلُّ: النَّدَى أَوْ كَانَ ⦗٥٩٨⦘ بَعْلًا، الْعُشْرَ كَامِلًا، وَإِنْ سُقِيَ بِرِشَاءٍ: نِصْفُ الْعُشْرِ قَالَ قَتَادَةُ: وَهَذَا فِيمَا يُكَالُ مِنَ الثَّمَرَةِ، وَكَانَ هَذَا إِذَا بَلَغَتِ الثَّمَرَةُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَذَلِكَ ثَلَاثُ مِائَةِ صَاعٍ، فَقَدْ حَقَّ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُعْطُوا مِمَّا لَا يُكَالُ مِنَ الثَّمَرَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ
٩ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَطَاوُسٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، قَالَا: «هُوَ الزَّكَاةُ»
٩ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «يَوْمَ كَيْلِهِ، يُعْطِي الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ»
٩ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الْعُشْرُ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
٩ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَا: «الزَّكَاةُ»
٩ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٩ ‏/ ٥٩٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] يَعْنِي: «يَوْمَ كَيْلِهِ مَا كَانَ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ. وَحَقُّهُ: زَكَاتُهُ»
٩ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «كُلْ مِنْهُ، وَإِذَا حَصَدْتَهُ فَآتِ حَقَّهُ. وَحَقُّهُ: عُشُورُهُ»
٩ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «⦗٦٠٠⦘ الزَّكَاةُ إِذَا كِلْتَهُ»
٩ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، قَالَ: «الزَّكَاةُ»
٩ ‏/ ٦٠٠
حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] فَقُلْتُ لَهُ: «هُوَ الْعُشُورُ»؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَقُلْتُ لَهُ: عَنْ أَبِيكَ؟ قَالَ: عَنْ أَبِي وَغَيْرِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ حَقٌّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ، غَيْرُ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ
٩ ‏/ ٦٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: “شَيْئًا سِوَى الْحَقِّ الْوَاجِبِ قَالَ: وَكَانَ فِي كِتَابِهِ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
٩ ‏/ ٦٠٠
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «الْقَبْضَةُ مِنَ الطَّعَامِ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …