كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ [الأنعام: ٩١] قَالَ: «اللَّهُ أَنْزَلَهُ» وَلَوْ قِيلَ: مَعْنَاهُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ) عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ لَهُ بِالْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ لَا عَلَى وَجْهِ الْجَوَابِ إِذْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ﴾ [الأنعام: ٩١] مَسْأَلَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩١] جَوَابًا لَهُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِمُحَمَّدٍ بِمَسْأَلَةِ الْقَوْمِ: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ تَأْوِيلِهِ كَانَ جَائِزًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَلَا يَكُونُ لِلِاسْتِفْهَامِ جَوَابٌ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَرْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا
٩ / ٤٠١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام: ٩١] فَإِنَّهُ يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ثُمَّ ذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ بَعْدَ احْتِجَاجِكَ عَلَيْهِمْ فِي قِيلِهِمْ: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١] بِقَوْلِكَ ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ [الأنعام: ٩١]، وَإِجَابَتِكَ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ كِتَابَهُ ﴿فِي خَوْضِهِمْ﴾ [الأنعام: ٩١] يَعْنِي: فِيمَا يَخُوضُونَ فِيهِ مِنْ بَاطِلِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ، يَقُولُ: يَسْتَهْزِئُونَ وَيَسْخَرُونَ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَعِيدٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَتَهْدِيدٌ لَهُمْ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ثُمَّ دَعْهُمْ لَاعِبِينَ يَا مُحَمَّدُ، فَإِنِّي مِنْ وَرَاءِ مَا هُمْ فِيهِ مِنِ اسْتِهْزَائِهِمْ بِآيَاتِي بِالْمِرْصَادِ وَأُذِيقُهُمْ بَأْسِي، وَأُحِلُّ بِهِمْ إِنْ تَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ سَخَطِي
٩ / ٤٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ
٩ / ٤٠١
وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَهَذَا﴾ [آل عمران: ٦٨] الْقُرْآنُ يَا مُحَمَّدُ ﴿كِتَابٌ﴾ [البقرة: ٨٩] وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ قَدْ بَيَّنْتُهُ وَبَيَّنْتُ مَعْنَاهُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَمَعْنَاهُ: مَكْتُوبٌ، فَوَضَعَ الْكِتَابَ مَكَانَ الْمَكْتُوبِ. ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ [الأنعام: ٩٢] يَقُولُ: أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ، ﴿مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩٢] وَهُوَ مُفَاعَلٌ مِنَ الْبَرَكَةِ، ﴿مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [الأنعام: ٩٢] يَقُولُ: صَدَّقَ هَذَا الْكِتَابُ مَا قَبْلَهُ مِنْ كُتِبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ قَبْلَكَ، لَمْ يُخَالِفْهَا وَلَا بِنَبَأٍ، وَهُوَ مَعْنَى ﴿نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ [الأنعام: ٩١]، يَقُولُ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْكِتَابَ مُبَارَكًا مُصَدِّقًا كِتَابَ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْهُ، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْخَبَرَ عَنْ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِهِ مُتَّصِلٌ، فَقَالَ: وَهَذَا ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾ [ص: ٢٩]، وَمَعْنَاهُ: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا مُبَارَكًا، كَالَّذِي أَنْزَلْتُ مِنَ التَّوْرَاةِ إِلَى مُوسَى هُدًى وَنُورًا
٩ / ٤٠٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢] فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْكِتَابَ مُصَدِّقًا مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَلِتُنْذِرَ بِهِ عَذَابَ اللَّهِ وَبَأْسَهُ مَنْ فِي أُمِّ الْقُرَى وَهِيَ مَكَّةُ وَمَنْ حَوْلَهَا شَرْقًا وَغَرْبًا مِنَ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ غَيْرَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَالْجَاحِدِينَ بِرُسُلِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢] يَعْنِي بِأُمِّ الْقُرَى: مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ “
٩ / ٤٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢]: وَأُمُّ الْقُرَى: مَكَّةُ، وَمَنْ حَوْلَهَا: الْأَرْضُ كُلُّهَا
٩ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ [الأنعام: ٩٢] قَالَ: هِيَ مَكَّةُ “
٩ / ٤٠٣
وَبِهِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ الْأَرْضَ دُحِيَتْ مِنْ مَكَّةَ»
٩ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢]: كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ أُمَّ الْقُرَى: مَكَّةُ، وَكُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ مِنْهَا دُحِيَتِ الْأَرْضُ
٩ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢]: «أَمَا أُمُّ الْقُرَى فَهِيَ مَكَّةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أُمَّ ⦗٤٠٤⦘ الْقُرَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ بِهَا» وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى الْعِلَّةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٩ / ٤٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ [الأنعام: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ وَالْمَعَادِ فِي الْآخِرَةِ إِلَى اللَّهِ، وَيُصَدِّقُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَإِنَّهُ يُؤْمِنُ بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، وَيُصَدِّقُ بِهِ وَيُقِرُّ بِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِإِقَامَتِهَا لِأَنَّهُ مُنْذِرٌ مَنْ بَلَغَهُ وَعِيدَ اللَّهِ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَعَلَى مَعَاصِيهِ، وَإِنَّمَا يَجْحَدُ بِهِ وَبِمَا فِيهِ وَيُكَذِّبُ أَهْلُ التَّكْذِيبِ بِالْمَعَادِ وَالْجُحُودِ لَقِيَامِ السَّاعَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو مِنَ اللَّهِ إِنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ ثَوَابًا، وَلَا يَخَافُ إِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ مَا يَأْمُرُهُ بِاجْتِنَابِهِ عِقَابًا
٩ / ٤٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ يَعْنِي جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: ٢١]: وَمَنْ أَخْطَأُ قَوْلًا وَأَجْهَلُ فِعْلًا مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، يَعْنِي: مِمَّنِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعَثَهُ نَبِيًّا وَأَرْسَلَهُ نَذِيرًا، وَهُوَ فِي دَعْوَاهُ مُبْطِلٌ وَفِي قِيلِهِ كَاذِبٌ. وَهَذَا تَسْفِيهٌ مِنَ اللَّهِ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَتَجْهِيلٌ مِنْهُ لَهُمْ فِي مُعَارَضَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَالْحَنَفِيِّ مُسَيْلِمَةَ لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا النُّبُوَّةَ، وَدَعْوَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَنَفْي مِنْهُ عَنْ نَبِيِّهِ
٩ / ٤٠٤
مُحَمَّدٍ ﷺ اخْتِلَاقَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَدَعْوَى الْبَاطِلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
٩ / ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣] قَالَ: نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ حَنِيفَةَ فِيمَا كَانَ يُسَجِّعُ وَيَتَكَهَّنُ بِهِ. ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٣]: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، أَخِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ فِيمَا يُمْلِي «عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، فَيَكْتُبُ «غَفُورٌ رَحِيمٌ»، فَيُغَيِّرُهُ، ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا لِمَا حَوَّلَ، فَيَقُولُ: نَعَمْ سَوَاءٌ، فَرَجَعَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِقُرَيْشٍ وَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ (عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فَأُحَوِّلُهُ ثُمَّ أَقُولُ لِمَا أَكْتُبُ، فَيَقُولُ: «نَعَمْ سَوَاءٌ»، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، إِذْ نَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَرٍّ ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ خَاصَّةً
٩ / ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣]⦗٤٠٦⦘ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: ٩٣] قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، أَسْلَمَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَكَانَ إِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ «سَمِيعًا عَلِيمًا» كَتَبَ هُوَ: «عَلِيمًا حَكِيمًا»، وَإِذَا قَالَ: «عَلِيمًا حَكِيمًا» كَتَبَ: «سَمِيعًا عَلِيمًا»، فَشَكَّ وَكَفَرَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يُنْزِلُهُ فَقَدْ أَنْزَلْتُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: (سَمِيعًا عَلِيمًا)، فَقُلْتُ أَنَا: (عَلِيمًا حَكِيمًا) . فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَوَشَى بِعَمَّارٍ وَجُبَيْرٍ عِنْدَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ أَوْ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَأَخَذُوهُمْ فَعُذِّبُوا حَتَّى كَفَرُوا، وَجُدِعَ أُذُنُ عَمَّارٍ يَوْمَئِذٍ، فَانْطَلَقَ عَمَّارٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا لَقِيَ وَالَّذِي أَعْطَاهُمْ مِنَ الْكُفْرِ، فَأَبَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَتَوَلَّاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ وَعَمَّارٍ وَأَصْحَابِهِ: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ [النحل: ١٠٦]، فَالَّذِي أُكْرِهَ عَمَّارٌ وَأَصْحَابُهُ، وَالَّذِي شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَهُوَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْقَائِلُ: ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣] مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ
٩ / ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٣]، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا فِي مَنَامِي الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: كَذَّابُ الْيَمَامَةِ مُسَيْلِمَةُ، وَكَذَّابُ صَنْعَاءَ الْعَنْسِيُّ»، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْأَسْوَدُ
٩ / ٤٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ»
٩ / ٤٠٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ فِيَ يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُ ذَلِكَ كَذَّابَ الْيَمَامَةِ، وَكَذَّابَ صَنْعَاءَ الْعَنْسِيَّ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣] وَلَا تَمَانُعٌ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَنَّ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ كَانَ مِمَّنْ قَالَ: إِنِّي قَدْ قُلْتُ مِثْلَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ إِسْلَامِهِ وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ. فَكَانَ لَا شَكَّ بِذَلِكَ مِنْ قِيلِهِ مُفْتَرِيًا كَذِبًا. وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيَّ الْكَذَّابَيْنِ ادَّعَيَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَنَّهُ بَعَثَهُمَا نَبِيَّيْنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي قِيلِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ مَنْ كَانَ مُخْتَلِقًا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَقَائِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَفِي غَيْرِهِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي قِيلِهِ كَاذِبٌ لَمْ يُوحِ اللَّهُ إِلَيْهِ شَيْئًا. فَأَمَّا التَّنْزِيلُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِسَبَبِ بَعْضِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِسَبَبِ جَمِيعِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِهِ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ، إِذْ كَانَ قَائِلُو ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى ⦗٤٠٨⦘ تَرْكِهِمْ نَكِيرَ ذَلِكَ. وَمَعَ تَرْكِهِمْ نَكِيرَهُ، هُمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُكَذِّبُونَ، وَلِنُبُوَّتِهِ جَاحِدُونَ، وَلِآيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ دَافِعُونَ، فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ادَّعَى عَلَى النُّبُوَّةِ كَاذِبًا وَقَالَ: ﴿أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: ٩٣]، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩١]، فَيَنْقُضُ قَوْلَهُ بِقَوْلِهِ، وَيُكَذِّبُ بِالَّذِي تَحَقَّقَهُ، وَيَنْفِي مَا يُثْبِتُهُ، وَذَلِكَ إِذَا تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ الْأَرِيبُ عَلِمَ أَنَّ فَاعِلَهُ مِنْ عَقْلِهِ عَدِيمٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٣]
٩ / ٤٠٧
مَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٣]، قَالَ: «زَعَمَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ قَالَ مِثْلَهُ، يَعْنِي الشِّعْرَ» فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ يُوَجِّهُ مَعْنَى قَوْلِ قَائِلٍ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَى: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا قَالَ اللَّهُ مِنَ الشِّعْرِ. وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ السُّدِّيُّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ قَبْلُ فِيمَا مَضَى
٩ / ٤٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ حِينَ يَغْمُرُ الْمَوْتُ بِسَكَرَاتِهِ هَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ، الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ، وَالْقَائِلِينَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، وَالْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، الزَّاعِمِينَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَالْقَائِلِينَ: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَتُعَاينُهُمْ
٩ / ٤٠٨
وَقَدْ غَشِيَتْهُمْ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ، وَنَزَلَ بِهِمْ أَمْرُ اللَّهِ، وَحَانَ فَنَاءُ آجَالِهِمْ، وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ [محمد: ٢٨]، يَقُولُونَ لَهُمْ: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ. وَالْغَمَرَاتُ: جَمْعُ غَمْرَةٍ، وَغَمْرَةُ كُلِّ شَيْءٍ: كَثْرَتُهُ وَمُعْظَمُهُ، وَأَصْلُهُ: الشَّيْءُ الَّذِي يَغْمُرُ الْأَشْيَاءَ فَيُغَطِّيهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] وَهَلْ يُنْجِي مِنَ الْغَمَرَاتِ إِلَّا … بَرَاكَاءُ الْقِتَالِ أَوِ الْفِرَارُ
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ
[البحر الوافر] وَهَلْ يُنْجِي مِنَ الْغَمَرَاتِ إِلَّا … بَرَاكَاءُ الْقِتَالِ أَوِ الْفِرَارُ
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ
٩ / ٤٠٩
مَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ [الأنعام: ٩٣] قَالَ: «سَكَرَاتُ الْمَوْتِ»
٩ / ٤٠٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ [الأنعام: ٩٣] يَعْنِي: «سَكَرَاتِ الْمَوْتِ» وَأَمَّا بَسْطُ الْمَلَائِكَةِ أَيْدِيَهُمْ فَإِنَّهُ مَدُّهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي سَبَبِ بَسْطِهَا أَيْدِيَهَا عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
٩ / ٤٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾ قَالَ: «هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْبَسْطُ: الضَّرْبُ، يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ»
٩ / ٤١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي: قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾ يَقُولُ: «الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ. وَالظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ يَتَوَفَّاهُمْ»
٩ / ٤١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾: «يَضْرِبُونَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ بَسْطُهَا أَيْدِيَهَا بِالْعَذَابِ
٩ / ٤١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾ قَالَ: «بِالْعَذَابِ»
٩ / ٤١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، ⦗٤١١⦘ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾ «بِالْعَذَابِ» وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ بِمَعْنَى: بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ بِإِخْرَاجِ أَنْفُسِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٣]، وَنُفُوسُ بَنِي آدَمَ إِنَّمَا يُخْرِجُهَا مِنْ أَبْدَانِ أَهْلِهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَكَيْفَ خُوطِبَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ، وَأُمِرُوا فِي حَالِ الْمَوْتِ بِإِخْرَاجِ أَنْفُسِهِمْ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَنُو آدَمَ هُمْ يَقْبِضُونَ أَنْفُسَ أَجْسَامِهِمْ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الَّذِي إِلَيْهِ ذَهَبْتَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ أَرْوَاحَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مِنْ أَجْسَامِهِمْ، بِأَدَاءِ مَا أَسْكَنَهَا رَبُّهَا مِنَ الْأَرْوَاحِ إِلَيْهِ وَتَسْلِيمِهَا إِلَى رُسُلِهِ الَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَهَا
٩ / ٤١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: ٩٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا تَقُولُ رُسُلُ اللَّهِ الَّتِي تَقْبِضُ أَرْوَاحَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ لَهَا، يُخْبِرُ عَنْهَا أَنَّهَا تَقُولُ لِأَجْسَامِهَا وَلِأَصْحَابِهَا: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ، فَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تُثَابُونَ عَلَى كُفْرِكُمْ بِاللَّهِ، وَقِيلِكُمْ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ، وَزَعْمِكُمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْكُمْ وَلَمْ يُوحِ إِلَيْكُمْ شَيْئًا، وَإِنْكَارِكُمْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ ⦗٤١٢⦘ شَيْئًا، وَاسْتِكْبَارِكُمْ عَنِ الْخُضُوعِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ، وَالِانْقِيَادِ لِطَاعَتِهِ. ﴿عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: ٩٣] وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ الَّذِي يُهِينُهُمْ فَيُذِلُّهُمْ، حَتَّى يَعْرِفُوا صَغَارَ أَنْفُسِهِمْ وَذِلَّتَهَا
٩ / ٤١١
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا ﴿عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: ٩٣] فَالَّذِي يُهِينُهُمْ»
٩ / ٤١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: ٩٣] قَالَ: «عَذَابَ الْهُونِ فِي الْآخِرَةِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» وَالْعَرَبُ إِذَا أَرَادَتْ بِالْهُونِ مَعْنَى الْهَوَانِ ضَمَّتِ الْهَاءَ، وَإِذَا أَرَادَتْ بِهِ الرِّفْقَ وَالدَّعَةَ وَخِفَّةَ الْمَؤُونَةِ فَتَحَتِ الْهَاءَ، فَقَالُوا: هُوَ قَلِيلُ هَوْنِ الْمَؤُونَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] يَعْنِي: بِالرِّفْقِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَنْدَلَ بْنِ الْمُثَنَّى الطُّهَوِيِّ:
[البحر الرجز] وَنَقْضِ أَيَّامٍ نَقَضْنَ أَسْرَهُ … هَوْنًا وَأَلْقَى كُلُّ شَيْخٍ فَخْرَهُ
وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] هَوْنَكُمَا لَا يَرُدُّ الدَّهْرُ مَا فَاتَا … لَا تَهْلِكَا أَسَفًا فِي إِثْرِ مَنْ مَاتَا
[البحر الرجز] وَنَقْضِ أَيَّامٍ نَقَضْنَ أَسْرَهُ … هَوْنًا وَأَلْقَى كُلُّ شَيْخٍ فَخْرَهُ
وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] هَوْنَكُمَا لَا يَرُدُّ الدَّهْرُ مَا فَاتَا … لَا تَهْلِكَا أَسَفًا فِي إِثْرِ مَنْ مَاتَا
٩ / ٤١٢
يُرِيدُ: رَوْدًا. وَقَدْ حُكِيَ فَتْحُ الْهَاءِ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى الْهَوَانِ، وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ عَامِرِ بْنِ جُوَيْنٍ:
[البحر المتقارب] نُهِينُ النُّفُوسَ وَهَوْنُ النُّفُو … سِ عِنْدَ الْكَرِيهَةِ أَعْلَى لَهَا
وَالْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِهِمْ ضَمُّ الْهَاءِ مِنْهُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْهَوَانِ وَالذُّلِّ، كَمَا قَالَ ذُو الْإِصْبَعِ الْعُدْوَانِيِّ:
[البحر البسيط] اذْهَبْ إِلَيْكَ فَمَا أُمِّي بِرَاعِيَةٍ … تَرْعَى الْمَخَاضَ وَلَا أُغْضِي عَلَى الْهُونِ
يَعْنِي عَلَى الْهَوَانِ. وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الرِّفْقِ فَفَتْحُهَا
[البحر المتقارب] نُهِينُ النُّفُوسَ وَهَوْنُ النُّفُو … سِ عِنْدَ الْكَرِيهَةِ أَعْلَى لَهَا
وَالْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِهِمْ ضَمُّ الْهَاءِ مِنْهُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْهَوَانِ وَالذُّلِّ، كَمَا قَالَ ذُو الْإِصْبَعِ الْعُدْوَانِيِّ:
[البحر البسيط] اذْهَبْ إِلَيْكَ فَمَا أُمِّي بِرَاعِيَةٍ … تَرْعَى الْمَخَاضَ وَلَا أُغْضِي عَلَى الْهُونِ
يَعْنِي عَلَى الْهَوَانِ. وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الرِّفْقِ فَفَتْحُهَا
٩ / ٤١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتِمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٤] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا هُوَ قَائِلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ، يُخْبِرُ عِبَادَهُ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ: ﴿لَقَدْ جِئْتِمُونَا فُرَادَى﴾ [الأنعام: ٩٤]، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: (فُرَادَى): وُحْدَانًا، لَا مَالَ مَعَهُمْ، وَلَا أَثَاثَ، وَلَا رَفِيقَ، وَلَا شَيْءَ مِمَّا كَانَ اللَّهُ خَوَّلَهُمْ فِي الدُّنْيَا. ﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤] عُرَاةً غُلْفًا غُرْلًا حُفَاةً
٩ / ٤١٣
كَمَا وَلَدَتْهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ، وَكَمَا خَلَقَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَعَهُمْ مِمَّا كَانُوا يَتَبَاهَوْنَ بِهِ فِي الدُّنْيَا. وَفُرَادَى جَمْعٌ، يُقَالُ لِوَاحِدِهَا: فَرَدٌ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ:
[البحر البسيط] مِنْ وَحْشِ وَجَرَةَ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ … طَاوِي الْمَصِيرِ كَسِيفِ الصَّيْقَلِ الْفَرَدِ
وَفَرَدٌ وَفَرِيدٌ، كَمَا يُقَالُ: وَحَدٌ وَوَحِدٌ وَوَحِيدٌ فِي وَاحِدِ (الْأَوْحَادِ)، وَقَدْ يُجْمَعُ الْفَرَدُ الْفُرَادَ، كَمَا يُجْمَعُ الْوَحَدُ الْوُحَادَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ فَوْقَ لَبَانِهِ … فُرَادَ وَمَثْنَى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُهُ
وَكَانَ يُونُسُ الْجَرْمِيُّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُولُ: فُرَادٍ جَمْعُ فَرَدٍ، كَمَا قِيلَ: تَوْءَمٌ وَتُؤَامٌ لِلْجَمِيعِ، وَمِنْهُ الْفُرَادَى وَالرُّدَافَى وَالْغَوَانِي. وَيُقَالُ: رَجُلٌ فَرْدٌ، وَامْرَأَةٌ فَرْدٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخٌ، وَقَدْ فَرَدَ الرَّجُلُ فَهُوَ يَفْرُدُ فُرُودًا، يُرَادُ بِهِ تَفَرَّدَ، فَهُوَ فَارِدٌ
[البحر البسيط] مِنْ وَحْشِ وَجَرَةَ مَوْشِيٍّ أَكَارِعُهُ … طَاوِي الْمَصِيرِ كَسِيفِ الصَّيْقَلِ الْفَرَدِ
وَفَرَدٌ وَفَرِيدٌ، كَمَا يُقَالُ: وَحَدٌ وَوَحِدٌ وَوَحِيدٌ فِي وَاحِدِ (الْأَوْحَادِ)، وَقَدْ يُجْمَعُ الْفَرَدُ الْفُرَادَ، كَمَا يُجْمَعُ الْوَحَدُ الْوُحَادَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ فَوْقَ لَبَانِهِ … فُرَادَ وَمَثْنَى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُهُ
وَكَانَ يُونُسُ الْجَرْمِيُّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُولُ: فُرَادٍ جَمْعُ فَرَدٍ، كَمَا قِيلَ: تَوْءَمٌ وَتُؤَامٌ لِلْجَمِيعِ، وَمِنْهُ الْفُرَادَى وَالرُّدَافَى وَالْغَوَانِي. وَيُقَالُ: رَجُلٌ فَرْدٌ، وَامْرَأَةٌ فَرْدٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخٌ، وَقَدْ فَرَدَ الرَّجُلُ فَهُوَ يَفْرُدُ فُرُودًا، يُرَادُ بِهِ تَفَرَّدَ، فَهُوَ فَارِدٌ
٩ / ٤١٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ ابْنَ أَبِي هِلَالٍ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ الْقُرْطُبِيَّ، يَقُولُ: قَرَأَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَلَقَدْ جِئْتِمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤]، فَقَالَتْ: “وَاسَوْأَتَاهُ، إِنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ يُحْشَرُونَ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْأَةِ بَعْضٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، لَا يَنْظُرُ الرِّجَالُ إِلَى النِّسَاءِ، وَلَا النِّسَاءُ إِلَى الرِّجَالِ، شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ»
٩ / ٤١٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] فَإِنَّهُ يَقُولُ: خَلَّفْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَا مَكَّنَّاكُمْ فِي الدُّنْيَا مِمَّا كُنْتُمْ تَتَبَاهَوْنَ بِهِ فِيهَا خَلْفَكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَلَمْ تَحْمِلُوهُ مَعَكُمْ. وَهَذَا تَعْيِيرُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِمُبَاهَاتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَاهَوْنَ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِأَمْوَالِهِمْ، وَكُلُّ مَا مَلَّكْتَهُ غَيْرَكَ وَأَعْطَيْتَهُ فَقَدْ خَوَّلْتَهُ، يُقَالُ مِنْهُ: خَالَ الرَّجُلُ يَخَالُ أَشَدَّ الْخِيَالِ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَهُوَ خَائِلٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
[البحر الرجز] أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخِّلِ … كُومَ الذُّرَا مِنْ خَوَلِ الْمُخَوِّلِ
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ كَانَ يُنْشِدُ بَيْتَ زُهَيْرٍ:
[البحر الطويل] ⦗٤١٦⦘ هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلُوا الْمَالَ يُخْوِلُوا … وَإِنْ يُسْأَلُوا يُعْطُوا وَإِنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الرجز] أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخِّلِ … كُومَ الذُّرَا مِنْ خَوَلِ الْمُخَوِّلِ
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ كَانَ يُنْشِدُ بَيْتَ زُهَيْرٍ:
[البحر الطويل] ⦗٤١٦⦘ هُنَالِكَ إِنْ يُسْتَخْوَلُوا الْمَالَ يُخْوِلُوا … وَإِنْ يُسْأَلُوا يُعْطُوا وَإِنْ يَيْسِرُوا يُغْلُوا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] مِنَ الْمَالِ وَالْخَدَمِ ﴿وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] فِي الدُّنْيَا
٩ / ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام: ٩٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَنْدَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَشْفَعُونَ لَكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ لِقِيلِهِ: إِنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى يَشْفَعَانِ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَوْلَ كَافَّةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ
٩ / ٤١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ﴾ [الأنعام: ٩٤]، «فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْآلِهَةَ، لِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ يَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْآلِهَةَ شُرَكَاءُ لِلَّهِ»
٩ / ٤١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: “قَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ: سَوْفَ تَشْفَعُ لِيَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلَقَدْ جِئْتِمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿شُرَكَاءُ﴾ [النساء: ١٢] .
٩ / ٤١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٤] يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قِيلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْأَنْدَادَ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] يَعْنِي: تَوَاصُلُهُمُ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَلَا تَوَاصُلَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَوَادَّ وَلَا تَنَاصُرَ، وَقَدْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَتَوَاصَلُونَ وَيَتَنَاصَرُونَ فَاضْمَحَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا أَحَدَ مِنْهُمْ يَنْصُرُ صَاحِبَهُ وَلَا يُوَاصِلُهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] الْبَيْنُ: تَوَاصُلُهُمْ
٩ / ٤١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] قَالَ: «تَوَاصُلُهُمْ فِي الدُّنْيَا»
٩ / ٤١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] قَالَ: «وَصْلُكُمْ»
٩ / ٤١٨
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] قَالَ: «مَا كَانَ بَيْنَكُمْ مِنَ الْوَصْلِ»
٩ / ٤١٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٤] يَعْنِي: «الْأَرْحَامَ وَالْمَنَازِلَ»
٩ / ٤١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] يَقُولُ: «تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ»
٩ / ٤١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤] «التَّوَاصُلُ
٩ / ٤١٨
فِي الدُّنْيَا» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤]، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ نَصْبًا بِمَعْنَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْعِرَاقِيِّينَ: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ) رَفْعًا، بِمَعْنَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ وَصْلُكُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِاتِّفَاقِ الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَنْصُبُ (بَيْنَ) فِي مَوْضِعِ الِاسْمِ، ذُكِرَ سَمَاعًا مِنْهَا: إِيَابِي نَحْوَكَ وَدُونَكَ وِسَوَاءَكَ، نَصْبًا فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهَا سَمَاعًا الرَّفْعُ فِي (بَيْنَ) إِذَا كَانَ الْفِعْلُ لَهَا وَجُعِلَتِ اسْمًا، وَيُنْشِدُ بَيْتَ مُهَلْهَلٍ:
[البحر الوافر] كَأَنَّ رِمَاحَهُمْ أَشْطَانُ بِئْرٍ … بَعِيدٍ بَيْنُ جَالِيهَا جَرُورُ
بِرَفْعِ (بَيْنُ) إِذْ كَانَتِ اسْمًا. غَيْرَ أَنَّ الْأَغْلَبَ عَلَيْهِمْ فِي كَلَامِهِمُ النَّصْبُ فِيهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا صِفَةً، وَفِي حَالِ كَوْنِهَا اسْمًا
[البحر الوافر] كَأَنَّ رِمَاحَهُمْ أَشْطَانُ بِئْرٍ … بَعِيدٍ بَيْنُ جَالِيهَا جَرُورُ
بِرَفْعِ (بَيْنُ) إِذْ كَانَتِ اسْمًا. غَيْرَ أَنَّ الْأَغْلَبَ عَلَيْهِمْ فِي كَلَامِهِمُ النَّصْبُ فِيهَا فِي حَالِ كَوْنِهَا صِفَةً، وَفِي حَالِ كَوْنِهَا اسْمًا
٩ / ٤١٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٤] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَحَادَ عَنْ طَرِيقِكُمْ وَمِنْهَاجِكُمْ مَا كُنْتُمْ مِنْ آلِهَتِكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَرِيكُ رَبِّكُمْ، وَأَنَّهُ لَكُمْ شَفِيعٌ عِنْدَ رَبِّكُمْ، فَلَا يَشْفَعُ لَكُمُ الْيَوْمَ
٩ / ٤٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] وَهَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ عَلَى مَوْضِعِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْرِيفٌ مِنْهُ لَهُمْ خَطَأَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ إِشْرَاكِ الْأَصْنَامِ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ أَيُّهَا النَّاسُ دُونَ كُلِّ مَا تَعْبُدُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّ، يَعْنِي: شَقَّ الْحَبَّ مِنْ كُلِّ مَا يُنْبِتُ مِنَ النَّبَاتِ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ الزَّرْعَ وَالنَّوَى مِنْ كُلِّ مَا يُغْرَسُ مِمَّا لَهُ نَوَاةٌ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ الشَّجَرَ. وَالْحَبُّ جَمْعُ حَبَّةٍ، وَالنَّوَى: جَمْعُ النَّوَاةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥]، أَمَّا فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى: فَفَالِقُ الْحَبِّ عَنِ السُّنْبُلَةِ، وَفَالِقُ النَّوَاةِ عَنِ النَّخْلَةِ
٩ / ٤٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «يَفْلِقُ الْحَبَّ وَالنَّوَى عَنِ النَّبَاتِ»
٩ / ٤٢٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥]، قَالَ: «اللَّهُ فَالِقُ ذَلِكَ، فَلَقَهُ فَأَنْبَتَ مِنْهُ مَا أَنَبْتَ، فَلَقَ النَّوَاةَ فَأَخْرَجَ مِنْهَا نَبَاتَ نَخْلَةٍ، وَفَلَقَ الْحَبَّةَ فَأَخْرَجَ نَبَاتَ الَّذِي خَلَقَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى (فَالِقُ): خَالِقٌ
٩ / ٤٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «خَالِقُ الْحَبَّ وَالنَّوَى» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
٩ / ٤٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «خَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَلَقَ الشِّقَّ الَّذِي فِي الْحَبَّةِ وَالنَّوَاةِ
٩ / ٤٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «الشِقَّانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا» ⦗٤٢٢⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٤٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «الشِّقُّ الَّذِي يَكُونُ فِي النَّوَاةِ وَفِي الْحِنْطَةِ»
٩ / ٤٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «الشِّقَّانِ اللَّذَانِ فِيهِمَا»
٩ / ٤٢٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] يَقُولُ: «خَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى، يَعْنِي: كُلَّ حَبَّةٍ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا قَدَّمْنَا الْقَوْلَ بِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ عَنْ إِخْرَاجِهِ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى بِإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ فَالِقُ الْحَبِّ عَنِ النَّبَاتِ، وَالنَّوَى عَنِ الْغُرُوسِ وَالْأَشْجَارِ، كَمَا هُوَ مُخْرِجُ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَالْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي حُكِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي مَعْنَى فَالِقٍ أَنَّهُ خَالِقٌ، فَقَوْلٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ خَالِقٌ مِنْهُ النَّبَاتَ وَالْغُرُوسَ بِفَلْقِهِ إِيَّاهُ، لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَقَ اللَّهُ الشَّيْءَ بِمَعْنَى: خَلَقَ
٩ / ٤٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُخْرِجُ السُّنْبُلَ الْحَيَّ مِنَ الْحَبِّ الْمَيِّتِ، وَمُخْرِجُ الْحَبِّ الْمَيِّتِ مِنَ السُّنْبُلِ الْحَيِّ، وَالشَّجَرِ الْحَيِّ مِنَ النَّوَى الْمَيِّتِ، وَالنَّوَى الْمَيِّتِ مِنَ الشَّجَرِ الْحَيِّ. وَالشَّجَرُ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَى أُصُولِهِ لَمْ يَجِفَّ، وَالنَّبَاتُ عَلَى سَاقِهِ لَمْ يَيْبَسْ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهِ حَيًّا، فَإِذَا يَبِسَ وَجَفَّ أَوْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ سَمَّوْهُ مَيِّتًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ [الأنعام: ٩٥]، «فَيُخْرِجُ السُّنْبُلَةَ الْحَيَّةَ مِنَ الْحَبَّةِ الْمَيْتَةِ، وَيُخْرِجُ الْحَبَّةَ الْمَيْتَةَ مِنَ السُّنْبُلَةِ الْحَيَّةِ، وَيُخْرِجُ النَّخْلَةَ الْحَيَّةَ مِنَ النَّوَاةِ الْمَيْتَةِ، وَيُخْرِجُ النَّوَاةَ الْمَيْتَةَ مِنَ النَّخْلَةِ الْحَيَّةِ»
٩ / ٤٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «النَّخْلَةِ مِنَ النَّوَاةِ، وَالنَّوَاةِ مِنَ النَّخْلَةِ، وَالْحَبَّةِ مِنَ السُّنْبُلَةِ، وَالسُّنْبُلَةِ مِنَ الْحَبَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ
٩ / ٤٢٣
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ ⦗٤٢٤⦘ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الأنعام: ٩٥] قَالَ: «يُخْرِجُ النُّطْفَةَ الْمَيِّتَةَ مِنَ الْحَيِّ، ثُمَّ يُخْرِجُ مِنَ النُّطْفَةِ بَشَرًا حَيًّا» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا التَّأْوِيلَ الَّذِي اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عُقَيْبُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الأنعام: ٩٥] وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَنْ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحَبِّ السُّنْبُلَ، وَمِنَ السُّنْبُلِ الْحَبَّ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِهِ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: وَكُلُّ مَيِّتٍ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ جِسْمٍ حَيٍّ، وَكُلُّ حَيٍّ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ جِسْمٍ مَيِّتٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٩٥]، فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَاعِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ اللَّهُ ﷻ. ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] يَقُولُ: فَأَيُّ وُجُوهِ الصَّدِّ عَنِ الْحَقِّ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ تَصُدُّونَ عَنِ الصَّوَابِ وَتُصْرَفُونَ، أَفَلَا تَتَدَبَّرُونَ فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِفَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى، فَأَخْرَجَ لَكُمْ مِنْ يَابِسِ الْحَبِّ وَالنَّوَى زُرُوعًا وَحُرُوثًا وَثِمَارًا تَتَغَذَّوْنَ بِبَعْضِهِ وَتَفَكَّهُونَ بِبَعْضِهِ، شَرِيكٌ فِي عِبَادَتِهِ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ؟
٩ / ٤٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦]
٩ / ٤٢٤
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦]: شَاقَّ عَمُودِ الصُّبْحِ عَنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ. وَالْإِصْبَاحُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَصْبَحْنَا إِصْبَاحًا وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: «إِضَاءَةُ الصُّبْحِ»
٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: «إِضَاءَةُ الْفَجْرِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: «فَالِقُ الصُّبْحِ»
٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] «يَعْنِي بِالْإِصْبَاحِ: ضَوْءَ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَضَوْءَ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ»
٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: فَالِقُ الْإِصْبَاحِ قَالَ: «فَالِقُ الصُّبْحِ»
٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ مَرَّةً بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: «إِضَاءَةُ الصُّبْحِ»
٩ / ٤٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: «فَلَقَ الْإِصْبَاحَ عَنِ اللَّيْلِ»
٩ / ٤٢٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] يَقُولُ: «خَالِقُ النُّورِ، نُورَ النَّهَارِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: خَالِقُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
٩ / ٤٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا) يَقُولُ: «خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦] بِفَتْحِ الْأَلِفِ كَأَنَّهُ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى جَمْعِ صُبْحٍ، كَأَنَّهُ أَرَادَ صُبْحَ كُلِّ يَوْمٍ، فَجَعَلَهُ أَصْبَاحًا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ سِوَاهُ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ. ⦗٤٢٧⦘ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا نَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا بِكَسْرِ الْأَلِفِ ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦]، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَرَفْضِ خِلَافِهِ
٩ / ٤٢٦
وَأَمَا قَوْلُهُ: (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا) فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ) بِالْأَلِفِ، عَلَى لَفْظِ الِاسْمِ وَرَفَعَهُ عَطْفًا عَلَى (فَالِقُ) وَخَفْضِ (اللَّيْلِ) بِإِضَافَةِ (جَاعِلُ) إِلَيْهِ، وَنَصْبِ (الشَّمْسِ) وَ(الْقَمَرِ) عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ (اللَّيْلِ)، لِأَنَّ (اللَّيْلَ) وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّهُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، لِأَنَّهُ مَفْعُولُ (جَاعِلُ)، وَحَسَنٌ عَطْفُ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى اللَّيْلِ لَا عَلَى لَفْظِهِ، لِدُخُولِ قَوْلِهِ: ﴿سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦] بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّيْلِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] قُعُودًا لَدَى الْأَبْوَابِ طُلَّابَ حَاجَةٍ … عَوَانٍ مِنَ الْحَاجَاتِ أَوْ حَاجَةً بِكْرَا
فَنَصَبَ الْحَاجَةَ الثَّانِيَةَ عَطْفًا بِهَا عَلَى مَعْنَى الْحَاجَةِ الْأُولَى، لَا عَلَى لَفْظِهَا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا النَّصْبُ وَإِنْ كَانَتْ فِي اللَّفْظِ خَفْضًا. وَقَدْ يَجِيءُ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا مَعْطُوفًا بِالثَّانِي عَلَى مَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ لَا عَلَى لَفْظِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
[البحر الوافر]
[البحر الطويل] قُعُودًا لَدَى الْأَبْوَابِ طُلَّابَ حَاجَةٍ … عَوَانٍ مِنَ الْحَاجَاتِ أَوْ حَاجَةً بِكْرَا
فَنَصَبَ الْحَاجَةَ الثَّانِيَةَ عَطْفًا بِهَا عَلَى مَعْنَى الْحَاجَةِ الْأُولَى، لَا عَلَى لَفْظِهَا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا النَّصْبُ وَإِنْ كَانَتْ فِي اللَّفْظِ خَفْضًا. وَقَدْ يَجِيءُ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا مَعْطُوفًا بِالثَّانِي عَلَى مَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ لَا عَلَى لَفْظِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:
[البحر الوافر]
٩ / ٤٢٧
فَبَيْنَا نَحْنُ نَنْظُرُهُ أَتَانَا … مُعَلِّقَ شَكْوَةٍ وَزِنَادَ رَاعِ
وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ﴾ [الأنعام: ٩٦] عَلَى (فَعَلَ) بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَنَصْبِ (اللَّيْلَ) . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْهِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي الْإِعْرَابِ وَالْمَعْنَى. وَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، لِأَنَّهُ يَسْكُنُ فِيهِ كُلُّ مُتَحَرِّكٍ بِالنَّهَارِ، وَيَهْدَأُ فِيهِ فَيَسْتَقِرُّ فِي مَسْكَنِهِ وَمَأْوَاهُ
وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ﴾ [الأنعام: ٩٦] عَلَى (فَعَلَ) بِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَنَصْبِ (اللَّيْلَ) . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلِفَتَيْهِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي الْإِعْرَابِ وَالْمَعْنَى. وَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، لِأَنَّهُ يَسْكُنُ فِيهِ كُلُّ مُتَحَرِّكٍ بِالنَّهَارِ، وَيَهْدَأُ فِيهِ فَيَسْتَقِرُّ فِي مَسْكَنِهِ وَمَأْوَاهُ
٩ / ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَجْرِيَانِ فِي أَفْلَاكِهِمَا بِحِسَابٍ
٩ / ٤٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] يَعْنِي: «عَدَدَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ»
٩ / ٤٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٢٩⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: «يَجْرِيَانِ إِلَى أَجَلٍ جُعِلَ لَهُمَا»
٩ / ٤٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] يَقُولُ: «بِحِسَابٍ»
٩ / ٤٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: “الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي حِسَابٍ، فَإِذَا خَلَتْ أَيَّامُهُمَا فَذَاكَ آخِرُ الدَّهْرِ، وَأَوَّلُ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦]
٩ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: «يَدُورَانِ فِي حِسَابٍ»
٩ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] قَالَ: “هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣]، وَمِثْلُ قَوْلِهِ: وَ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ [الرحمن: ٥] وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ضِيَاءً
٩ / ٤٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦]: «أَيْ ضِيَاءً» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ وَعَدَدٍ لِبُلُوغِ أَمْرِهِمَا وَنَهَايَةِ آجَالِهِمَا، وَيَدُورَانِ لِمَصَالِحِ الْخَلْقِ الَّتِي جُعِلَا لَهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَيَادِيهِ عِنْدَ خَلْقِهِ وَعِظَمَ سُلْطَانِهِ، بِفَلْقِهِ الْإِصْبَاحَ لَهُمْ وَإِخْرَاجَ النَّبَاتِ وَالْغِرَاسِ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ خَلْقَ النُّجُومِ لِهِدَايَتِهِمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَكَانَ وَصْفُهُ إِجْرَاءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِمَنَافِعِهِمْ أَشْبَهَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ ذِكْرِ إِضَاءَتِهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَ ذَلِكَ قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦]، فَلَا مَعْنَى لِتَكْرِيرِهِ مَرَّةً أُخْرَى فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِغَيْرِ مَعْنًى. وَالْحُسْبَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: جَمْعُ حِسَابٍ، كَمَا الشُهْبَانُ جَمْعُ شِهَابٍ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحُسْبَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: حَسَبْتُ الْحِسَابَ أَحْسُبُهُ حِسَابًا وَحُسْبَانًا. وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: عَلَى اللَّهِ حُسْبَانُ فُلَانٍ وَحِسْبَتُهُ: أَيْ حِسَابُهُ. وَأَحْسَبُ أَنَّ قَتَادَةَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِمَعْنَى الضِّيَاءِ، ذَهَبَ إِلَى شَيْءٍ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠]، قَالَ: نَارًا، فَوَجَّهَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] إِلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي شَيْءٍ. ⦗٤٣١⦘ وَأَمَّا (الْحِسْبَانُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَإِنَّهُ جَمْعُ الْحِسْبَانَةِ: وَهِيَ الْوِسَادَةُ الصَّغِيرَةُ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْأُولَيَيْنِ أَيْضًا فِي شَيْءٍ، يُقَالُ: حَسِبْتُهُ: أَجْلَسْتُهُ عَلَيْهَا، وَنَصَبَ قَوْلَهُ: ﴿حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ﴾ [الأنعام: ٩٦] . وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: وَ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] أَيْ بِحِسَابٍ، فَحَذَفَ الْبَاءَ كَمَا حَذَفَهَا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١١٧]، أَيْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ
٩ / ٤٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيرِ الْعَلِيمِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَذَا الْفِعْلُ الَّذِي وَصَفَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَهُوَ فَلْقُهُ الْإِصْبَاحَ، وَجَعْلُهُ اللَّيْلَ سَكَنًا، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا، تَقْدِيرُ الَّذِي عَزَّ سُلْطَانُهُ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَرَادَهُ بِسُوءٍ وَعِقَابٍ أَوِ انْتِقَامٍ مِنَ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، الْعَلِيمُ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ وَتَدْبِيرِهِمْ، لَا تَقْدِيرَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ، وَلَا تَفْقَهُ شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُهُ، وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَإِنْ أُرِيدَتْ بِسُوءٍ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ مِمَّنْ أَرَادَهَا بِهِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَخْلِصُوا أَيُّهَا الْجَهَلَةُ عِبَادَتَكُمْ لِفَاعِلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلَا تُشْرِكُوا فِي عِبَادَتِهِ شَيْئًا غَيْرَهُ
٩ / ٤٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ النُّجُومَ أَدِلَّةً فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إِذَا ضَلَلْتُمُ الطَّرِيقَ، أَوْ تَحَيَّرْتُمْ فَلَمْ تَهْتَدُوا فِيهَا لَيْلًا تَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الْمَحَجَّةِ، فَتَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الطَّرِيقِ وَالْمَحَجَّةِ فَتَسْلُكُونَهُ، وَتَنْجَوْنَ بِهَا مِنْ ظُلُمَاتِ
٩ / ٤٣١
ذَلِكَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦]، أَيْ مِنْ ضَلَالِ الطَّرِيقِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَعَنَى بِالظُّلُمَاتِ: ظُلْمَةَ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ، وَظُلْمَةَ الْأَرْضِ أَوِ الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٧] يَقُولُ: قَدْ مَيَّزْنَا الْأَدِلَّةَ وَفَرَّقْنَا الْحُجَجَ فِيكُمْ وَبَيَّنَّاهَا أَيُّهَا النَّاسُ لِيَتَدَبَّرَهَا أُولُو الْعِلْمِ بِاللَّهِ مِنْكُمْ وَيَفْهَمَهَا أُولُو الْحِجَا مِنْكُمْ، فَيُنِيبُوا مِنْ جَهْلِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، وَيَنْزَجِرُوا عَنْ خَطَأِ فِعْلِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ ثَابِتُونَ، وَلَا يَتَمَادُوا عِنَادًا لِلَّهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ خَطَأٌ فِي غَيِّهِمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: ٩٧] قَالَ: «يَضِلُّ الرَّجُلُ وَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ وَالْجَوْرِ عَنِ الطَّرِيقِ»
٩ / ٤٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: ٩٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِلَهُكُمْ أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ غَيْرَهُ ﴿الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٨] يَعْنِي: الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ فَأَوْجَدَكُمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، ﴿مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء: ١] يَعْنِي: مِنْ آدَمَ عليه السلام
٩ / ٤٣٢
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء: ١] قَالَ: «آدَمُ عليه السلام»
٩ / ٤٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الأنعام: ٩٨]: «مِنْ آدَمَ عليه السلام»
٩ / ٤٣٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ مُخْتَلِفُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَمِنْكُمْ مُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ، وَمِنْكُمْ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْقَبْرِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ لِنَشْرِ الْقِيَامَةِ
٩ / ٤٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] وَمُسْتَوْدَعَهَا، قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمُسْتَوْدَعُهَا حَيْثُ تَمُوتُ»
٩ / ٤٣٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: «الْمُسْتَوْدَعُ حَيْثُ تَمُوتُ، وَالْمُسْتَقَرُّ: مَا فِي الرَّحِمِ»
٩ / ٤٣٣
حُدِّثْتُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: الْمَكَانُ الَّذِي تَمُوتُ ⦗٤٣٤⦘ فِيهِ»
٩ / ٤٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، وَعَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦]، قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا فِي الْأَرْحَامِ، وَمُسْتَوْدَعُهَا فِي الْأَرْضِ حَيْثُ تَمُوتُ فِيهَا»
٩ / ٤٣٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا فِي الصُّلْبِ حَيْثُ تَأْوِيلُ إِلَيْهِ، وَمُسْتَوْدَعُهَا حَيْثُ تَمُوتُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُسْتَوْدَعُ: مَا كَانَ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ، وَالْمُسْتَقَرُّ: مَا كَانَ فِي بُطُونِ النِّسَاءِ وَبُطُونِ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى ظُهُورِهَا
٩ / ٤٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «مُسْتَوْدَعُونَ مَا كَانُوا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ، فَإِذَا قُرُّوا فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَوْ فِي بَطْنِهَا، فَقَدِ اسْتَقَرُّوا»
٩ / ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «الْمُسْتَوْدَعُونَ: مَا كَانُوا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ، فَإِذَا قُرُّوا ⦗٤٣٥⦘ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَقَدِ اسْتَقَرُّوا»
٩ / ٤٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] وَمُسْتَوْدَعَهَا، قَالَ: «الْمُسْتَوْدَعُ فِي الصُّلْبِ، وَالْمُسْتَقَرُّ: مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الْأَرْضِ عَلَى ظُهُورِهَا، وَمُسْتَوْدَعٌ عِنْدَ اللَّهِ
٩ / ٤٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ تَمِيمِ بْنِ حَذْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الْمُسْتَقَرُّ: الْأَرْضُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: عِنْدَ الرَّحْمَنِ»
٩ / ٤٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: الْأَرْضُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: عِنْدَ رَبِّكَ»
٩ / ٤٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: “مُسْتَقَرُّهَا: فِي الدُّنْيَا، ⦗٤٣٦⦘ وَمُسْتَوْدَعُهَا: فِي الْآخِرَةِ، يَعْنِي: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]
٩ / ٤٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «الْمُسْتَوْدَعُ: فِي الصُّلْبِ، وَالْمُسْتَقَرُّ: فِي الْآخِرَةِ، وَعَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الصُّلْبِ
٩ / ٤٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي الْحَرْثِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] قَالَ: «مُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي صُلْبٍ لَمْ يُخْلَقْ وَسَيُخْلَقُ»
٩ / ٤٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى الْجَابِرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] قَالَ: الْمُسْتَقَرُّ: الَّذِي قَدِ اسْتَقَرَّ فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: الَّذِي قَدِ اسْتُودِعَ فِي الصُّلْبِ “
٩ / ٤٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ تَمِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَلْ فَقُلْتُ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا اسْتُودِعَ فِي الصُّلْبِ»
٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا كَانَ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِمَّا هُوَ خَالِقُهُ وَلَمْ يَخْلُقْ»
٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦]، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: مَا كَانَ فِي الرَّحِمِ مِمَّا هُوَ حَيُّ وَمِمَّا قَدْ مَاتَ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا فِي الصُّلْبِ»
٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَجْهِي: أَتَزَوَّجْتَ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، وَمَا أُرِيدُ ذَاكَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ: فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ سَيَخْرُجُ مَا كَانَ فِي صُلْبِكَ مِنَ الْمُسْتَوْدَعِينَ»
٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَضَرَبَ ظَهْرِي وَقَالَ: «مَا كَانَ مِنْ مُسْتَوْدَعٍ فِي ظَهْرِكَ سَيَخْرُجُ»
٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: فِي الْأَرْحَامِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي الصُّلْبِ لَمْ يُخْلَقْ وَهُوَ خَالِقُهُ»
٩ / ٤٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا اسْتُودِعَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَالدَّوَابِّ»
٩ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: مَا اسْتَقَرَّ فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا اسْتُودِعَ فِي الصُّلْبِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ تَمِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ
٩ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: دَعَانِي ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى فُلَانٍ حَبْرِ تَيْمَاءَ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، قَالَ: فَقُلْتُ: تَبْدَؤُهُ تَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَحَدِّثْنِي عَنْ مُسْتَقَرٍّ وَمُسْتَوْدَعٍ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَنِي بِالْكِتَابِ إِلَى الْيَهُودِيِّ، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: مَرْحَبًا بِكِتَابِ خَلِيلِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَذَهَبَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَفَتَحَ أَسْفَاطًا لَهُ كَبِيرَةً، فَجَعَلَ يَطْرَحُ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، قَالَ: قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: هَذِهِ أَشْيَاءُ كَتَبَهَا الْيَهُودُ، حَتَّى أَخْرَجَ سِفْرَ ⦗٤٣٩⦘ مُوسَى عليه السلام، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ: الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ [الحج: ٥]، وَقَرَأَ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ﴾ [البقرة: ٣٦]، قَالَ: مُسْتَقَرُّهُ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَمُسْتَقَرُّهُ فِي الرَّحِمِ، وَمُسْتَقَرُّهُ تَحْتَ الْأَرْضِ، حَتَّى يَصِيرَ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ»
٩ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: مَا اسْتَقَرَّ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا اسْتُودِعَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ»
٩ / ٤٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ»
٩ / ٤٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي الْأَصْلَابِ»
٩ / ٤٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثني عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ﴾ [الأنعام: ٩٨]: «مَا اسْتَقَرَّ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ، ﴿وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]: مَا كَانَ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
٩ / ٤٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: مَا اسْتَقَرَّ فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا اسْتُودِعَ فِي الصُّلْبِ»
٩ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: الصُّلْبُ»
٩ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: أَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَأَخْبَرُونَا أَنَّهُ، قَدْ مَاتَ، فَقُلْنَا: هَلْ سَأَلَهُ أَحَدٌ عَنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنِ الْمُسْتَقَرِّ وَالْمُسْتَوْدَعِ، فَقَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي الصُّلْبِ»
٩ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ مَاتَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُهُمْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ سَأَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الْمُسْتَقَرِّ وَالْمُسْتَوْدَعِ، فَقَالَ: الْمُسْتَقَرُّ: فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي الصُّلْبِ ” حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَتَيْنَا مَنْزِلَ إِبْرَاهِيمَ فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقَالُوا: قَدْ تُوُفِّيَ، وَسَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ سَأَلَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٩ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ هَارُونَ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى مَنْزِلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ قُبِضَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَلْ سَأَلَهُ أَحَدٌ عَنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: سَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ مُسْتَقَرٍّ وَمُسْتَوْدَعٍ، فَقَالَ: «أَمَّا الْمُسْتَقَرُّ: فَمَا اسْتَقَرَّ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: مَا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ»
٩ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: الصُّلْبُ»
٩ / ٤٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثني سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ، حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا تَنْكِحُ؟ ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنِّي أَقُولُ لَكَ هَذَا وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مِنْ صُلْبِكَ مَا كَانَ فِيهِ مُسْتَوْدَعًا “
٩ / ٤٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «الْمُسْتَقَرُّ: فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي الصُّلْبِ»
٩ / ٤٤١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «مُسْتَقَرٌّ: فِي الرَّحِمِ، وَمُسْتَوْدَعٌ: فِي الصُّلْبِ»
٩ / ٤٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، قَالَ: «مُسْتَقَرٌّ: فِي الرَّحِمِ، وَمُسْتَوْدَعٌ: فِي الصُّلْبِ»
٩ / ٤٤١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، أَمَّا (مُسْتَقَرٌّ): فَمَا اسْتَقَرَّ فِي الرَّحِمِ، وَأَمَّا (مُسْتَوْدَعٌ): فَمَا اسْتُودِعَ فِي الصُّلْبِ
٩ / ٤٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] قَالَ: «مُسْتَقَرٌّ: فِي الْأَرْحَامِ، وَمُسْتَوْدَعٌ: فِي الْأَصْلَابِ»
٩ / ٤٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: (مُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)، «الْمُسْتَقَرُّ: فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي الصُّلْبِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُسْتَقَرُّ: فِي الْقَبْرِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: فِي الدُّنْيَا
٩ / ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: «مُسْتَقَرٌّ: فِي الْقَبْرِ، وَمُسْتَوْدَعٌ: فِي الدُّنْيَا. وَأَوْشَكَ أَنْ يَلْحَقَ بِصَاحِبِهِ» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] كُلَّ خَلْقِهِ الَّذِي أَنْشَأَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مُسْتَقَرًّا وَمُسْتَوْدَعًا، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى. وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ بَنِي آدَمَ مُسْتَقَرًّا فِي الرَّحِمِ، وَمُسْتَوْدَعًا فِي الصُّلْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُسْتَقَرٌّ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَوْ بَطْنِهَا، وَمُسْتَوْدَعٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ، وَمِنْهُمْ مُسْتَقَرٌّ فِي الْقَبْرِ مُسْتَوْدَعٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَكُلُّ مُسْتَقَرٍّ أَوْ مُسْتَوْدَعٍ بِمَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي فَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] وَمُرَادٌ بِهِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ خَبَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ بِأَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، وَخَاصٌّ دُونَ عَامٍّ.
٩ / ٤٤٢
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨]، فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] بِمَعْنَى: فَمِنْهُمْ مِنِ اسْتَقَرَّهُ اللَّهُ فِي مَقَرِّهِ فَهُوَ مُسْتَقَرٌّ، وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ فِيمَا اسْتَوْدَعَهُ فِيهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: (فَمُسْتَقِرٌّ) بِكَسْرِ الْقَافِ، بِمَعْنَى: فَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَقَرَّ فَهُوَ مُسْتَوْدَعٌ فِيهِ، فِي مَقَرِّهِ فَهُوَ مُسْتَقِرٌّ بِهِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي وَإِنْ كَانَ لِكِلَيْهِمَا عِنْدِي وَجْهٌ صَحِيحٌ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ﴾ [الأنعام: ٩٨] بِمَعْنَى: اسْتَقَرَّهُ اللَّهُ فِي مُسْتَقَرِّهِ، لِيَأْتَلِفَ الْمَعْنَى فِيهِ وَفِي (الْمُسْتَوْدَعِ)، فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَفِي إِضَافَةِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ فِي أَنَّهُ الْمُسْتَقِرُّ هَذَا وَالْمُسْتَوْدِعُ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ عَلَى قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: ٩٨] بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَإِجْرَاءُ الْأَوَّلِ، أَعِنِّي قَوْلَهُ: ﴿فَمُسْتَقَرٌّ﴾ [الأنعام: ٩٨] عَلَيْهِ أَشْبَهُ مِنْ عُدُولِهِ عَنْهُ
٩ / ٤٤٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: ٩٨]، يَقُولُ تَعَالَى: قَدْ بَيَّنَّا الْحُجَجَ، وَمَيَّزْنَا الْأَدِلَّةَ وَالْأَعْلَامَ وَأَحْكَمْنَاهَا لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ مَوَاقِعَ الْحُجَجِ وَمَوَاضِعَ الْعِبَرِ، وَيَفْهَمُونَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرَ، فَإِنَّهُمْ إِذَا اعْتَبَرُوا بِمَا نَبَّهْتُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِنْشَائِي مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مَا عَايَنُوا مِنَ الْبَشَرِ، وَخَلْقِي مَا خَلَقْتُ مِنْهَا مِنْ عَجَائِبِ الْأَلْوَانِ وَالصُّوَرِ، عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ وَلَا شَرِيكٌ فَيُشْرِكُوهُ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ
٩ / ٤٤٣
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ [الأنعام: ٩٨]، يَقُولُ: «قَدْ بَيَّنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ»
٩ / ٤٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ خَالِصَةً لَا شِرْكَةَ فِيهِ لِشَيْءٍ سِوَاهُ، هُوَ الْإِلَهِ ﴿الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩٩]، فَأَخْرَجْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ غِذَاءِ الْأَنْعَامِ وَالْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ، وَأَرْزَاقِ بَنِي آدَمَ وَأَقْوَاتِهِمْ مَا يَتَغَذَّوْنَ بِهِ وَيَأْكُلُونَهُ فَيَنْبُتُونَ عَلَيْهِ وَيَنْمُونَ. وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٩٩]، فَأَخْرَجْنَا بِهِ مَا يَنْبُتُ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَيَنْمُو عَلَيْهِ وَيَصْلُحُ. وَلَوْ قِيلَ مَعْنَاهُ: فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ، فَيَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ أَصْنَافَ النَّبَاتِ، كَانَ مَذْهَبًا، وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ: فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ يَعْنِي مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ خَضِرًا رَطِبًا مِنَ الزَّرْعِ، وَالْخَضِرُ: هُوَ الْأَخْضَرُ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: أَرِنِيهَا نَمِرَةً أُرِكْهَا مَطِرَةً، يُقَالُ: خَضِرَتِ الْأَرْضُ خَضِرًا وَخَضَارَةً، وَالْخَضِرُ: رَطْبُ الْبُقُولِ، وَيُقَالُ: نَخْلَةٌ
٩ / ٤٤٤
خُضَيْرَةٌ: إِذَا كَانَتْ تَرْمِي بِبُسْرِهَا أَخْضَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْضُجَ، وَقَدِ اخْتُضِرَ الرَّجُلُ وَاغْتُضِرَ: إِذَا مَاتَ شَابًّا مُصَحَّحًا، وَيُقَالُ: هُوَ لَكَ خَضِرًا مَضِرًا: أَيْ هَنِيئًا مَرِيئًا. قَوْلُهُ: ﴿نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ: نُخْرِجُ مِنَ الْخَضِرِ حَبًّا، يَعْنِي: مَا فِي السُّنْبُلِ، سُنْبُلِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ السَّنَابِلِ الَّتِي حَبُّهَا يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا﴾ [الأنعام: ٩٩]: «فَهَذَا السُّنْبُلُ»
٩ / ٤٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ، وَلِذَلِكَ رُفِعَتِ (الْقِنْوَانُ) . وَالْقِنْوَانُ: جَمْعُ قِنْو، كَمَا الصِّنْوَانُ: جَمْعُ صِنْو، وَهُوَ الْعِذْقُ، يُقَالُ لِلْوَاحِدِ: هُوَ قِنْوٌ وَقُنْوٌ وَقَنَا: يُثَنَّى قِنْوَانِ، وَيُجْمَعُ قِنْوَانٌ وَقُنْوَانٌ، قَالُوا فِي جَمْعِ قَلِيلِهِ: ثَلَاثَةُ أَقْنَاءٍ، وَالْقِنْوَانِ: مِنْ لُغَةِ الْحِجَازِ، وَالْقُنْوَانُ: مِنْ لُغَةِ قَيْسٍ، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] ⦗٤٤٦⦘ فَأَثَّتْ أَعَالِيهِ وَآدَتْ أُصُولُهُ … وَمَالَ بِقِنْوَانٍ مِنَ الْبُسْرِ أَحْمَرَا
وَقِنْيَانٍ، جَمِيعًا، وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل] لَهَا ذَنَبٌ كَالْقِنْوِ قَدْ مَذِلَتْ بِهِ … وَأَسْحَمَ لِلتِّخْطَارِ بَعْدَ التَّشَذُّرِ
وَتَمِيمٌ تَقُولُ: قِنْيَانٌ، بِالْيَاءِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩]: قَرِيبَةً مُتَهَدِّلَةً وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] ⦗٤٤٦⦘ فَأَثَّتْ أَعَالِيهِ وَآدَتْ أُصُولُهُ … وَمَالَ بِقِنْوَانٍ مِنَ الْبُسْرِ أَحْمَرَا
وَقِنْيَانٍ، جَمِيعًا، وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل] لَهَا ذَنَبٌ كَالْقِنْوِ قَدْ مَذِلَتْ بِهِ … وَأَسْحَمَ لِلتِّخْطَارِ بَعْدَ التَّشَذُّرِ
وَتَمِيمٌ تَقُولُ: قِنْيَانٌ، بِالْيَاءِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩]: قَرِيبَةً مُتَهَدِّلَةً وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩]: «يَعْنِي بِالْقِنْوَانِ الدَّانِيَةِ: قِصَارَ النَّخْلِ لَاصِقَةً عُذُوقَهَا بِالْأَرْضِ»
٩ / ٤٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «عُذُوقٌ مُتَهَدِّلَةٌ»
٩ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ: «مُتَهَدِّلَةٌ»
٩ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «قَرِيبَةٌ»
٩ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «قَرِيبَةٌ»
٩ / ٤٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «الدَّانِيَةُ لِتَهَدُّلِ الْعُذُوقِ مِنَ الطَّلْعِ»
٩ / ٤٤٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ ⦗٤٤٨⦘ دَانِيَةٌ﴾ [الأنعام: ٩٩]: يَعْنِي: «النَّخْلَ الْقِصَارَ الْمُلْتَزِقَةَ بِالْأَرْضِ، وَالْقِنْوَانُ: طَلْعُهُ»
٩ / ٤٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَخْرَجْنَا أَيْضًا جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ، يَعْنِي: بَسَاتِينَ مِنْ أَعْنَابٍ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ: ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ [آل عمران: ١٣٦] نَصْبًا، غَيْرَ أَنَّ التَّاءَ كُسِرَتْ لِأَنَّهَا تَاءُ جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ، وَهِيَ تُخْفَضُ فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ
٩ / ٤٤٨
وَقَدْ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، أَنَّهُ قَرَأَ: (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ) بِالرَّفْعِ فَرَفَعَ (جَنَّاتٌ) عَلَى إِتْبَاعِهَا (الْقِنْوَانَ) فِي الْإِعْرَابِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ يُقْرَأَ ذَلِكَ إِلَّا بِهَا النَّصْبُ ﴿وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ [الأنعام: ٩٩]، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَصْوِيبِهَا وَالْقِرَاءَةِ بِهَا وَرَفْضِهِمْ مَا ⦗٤٤٩⦘ عَدَاهَا، وَبُعْدُ مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ الصَّوَابِ إِذْ قُرِئَ رَفْعًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾ [الأنعام: ٩٩] عَطْفٌ بِالزَّيْتُونِ عَلَى (الْجَنَّاتِ) بِمَعْنَى: وَأَخْرَجْنَا الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي مَعْنَى ﴿مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام: ٩٩]
[البحر الكامل] وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ يُقْرَأَ ذَلِكَ إِلَّا بِهَا النَّصْبُ ﴿وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ﴾ [الأنعام: ٩٩]، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَصْوِيبِهَا وَالْقِرَاءَةِ بِهَا وَرَفْضِهِمْ مَا ⦗٤٤٩⦘ عَدَاهَا، وَبُعْدُ مَعْنَى ذَلِكَ مِنَ الصَّوَابِ إِذْ قُرِئَ رَفْعًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ﴾ [الأنعام: ٩٩] عَطْفٌ بِالزَّيْتُونِ عَلَى (الْجَنَّاتِ) بِمَعْنَى: وَأَخْرَجْنَا الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي مَعْنَى ﴿مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام: ٩٩]
٩ / ٤٤٨
مَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «مُشْتَبِهًا وَرَقُهُ، مُخْتَلِفًا ثَمَرُهُ» وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ: مُشْتَبِهًا فِي الْخَلْقِ، مُخْتَلِفًا فِي الطَّعْمِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَشَجَرُ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ، فَاكْتَفَى مِنْ ذِكْرِ الشَّجَرِ بِذِكْرِ ثَمَرِهِ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْقَرْيَةِ مِنْ ذِكْرِ أَهْلِهَا، لِمَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ بِمَعْنَاهُ
٩ / ٤٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: (إِلَى ثُمُرِهِ) بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ. ⦗٤٥٠⦘ فَكَأَنَّ مَنْ فَتَحَ الثَّاءَ وَالْمِيمَ مِنْ ذَلِكَ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ: انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِ هَذِهِ الْأَشْجَارِ الَّتِي سَمَّيْنَا مِنَ النَّخْلِ وَالْأَعْنَابِ وَالزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ إِذَا أَثْمَرَ، وَأَنَّ الثَّمَرَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ، كَمَا الْقَصَبُ جَمْعُ قَصَبَةٍ، وَالْخَشَبُ جَمْعُ خَشَبَةٍ. وَكَأَنَّ مَنْ ضَمَّ الثَّاءَ وَالْمِيمَ، وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ جَمْعُ ثِمَارٍ، كَمَا الْحُمُرُ جَمْعُ حِمَارٍ، وَالْجُرُبُ جَمْعُ جِرَابٍ
٩ / ٤٤٩
وَقَدْ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (إِلَى ثُمُرِهِ) يَقُولُ: «هُوَ أَصْنَافُ الْمَالِ»
٩ / ٤٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الثُّمُرُ: هُوَ الْمَالُ، وَالثَّمَرُ: ثَمَرُ النَّخْلِ» وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثُمُرِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ أَصْنَافًا مِنَ الْمَالِ، كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَكَذَلِكَ حَبَّ الزَّرْعِ الْمُتَرَاكِبَ، وَقِنْوَانَ النَّخْلِ الدَّانِيَةَ، وَالْجَنَّاتِ مِنَ الْأَعْنَابِ وَالزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَنْوَاعًا مِنَ الثَّمَرِ، فَجُمِعَتِ الثَّمَرَةُ ثَمَرًا، ثُمَّ جُمِعَ الثَّمَرُ ثِمَارًا، ثُمَّ جُمِعَ ذَلِكَ فَقِيلَ: (انْظُرُوا إِلَى ثُمُرِهِ)، فَكَانَ ذَلِكَ جَمْعَ الثِّمَارِ، وَالثِّمَارُ جَمْعَ الثَّمَرَةِ، وَإِثْمَارُهُ: عَقْدُ الثَّمَرِ
٩ / ٤٥٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] فَإِنَّهُ: نُضْجُهُ وَبُلُوغُهُ حِينَ يَبْلُغُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي ⦗٤٥١⦘ يَنْعِهِ: إِذَا فُتِحَتْ يَاؤُهُ: هُوَ جَمْعُ يَانِعٍ، كَمَا التَّجْرِ: جَمْعُ تَاجِرٍ، وَالصَّحْبِ: جَمْعُ صَاحِبٍ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَرَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَنَعَ الثَّمَرُ فَهُوَ يَيْنَعُ يَنْعًا، وَيَحْكِي فِي مَصْدَرِهِ عَنِ الْعَرَبِ لُغَاتٍ ثَلَاثًا: يَنْعٌ، وَيُنْعٌ، وَيَنَعٍ، وَكَذَلِكَ فِي النَّضْجِ النُّضْجُ وَالنَّضَجُ. وَأَمَّا فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: (وَيَانِعِهِ)، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: وَنَاضِجِهِ وَبَالِغِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ فِي مَصْدَرِهِ يُنُوعًا، وَمَسْمُوعٌ عِنْدَ الْعَرَبِ: أَيْنَعَتِ الثَّمَرَةُ تُونِعُ إِينَاعًا، وَمِنْ لُغَةِ الَّذِينَ قَالُوا يَنَعَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر المديد] فِي قِبَابٍ عِنْدَ دَسْكَرَةٍ … حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر المديد] فِي قِبَابٍ عِنْدَ دَسْكَرَةٍ … حَوْلَهَا الزَّيْتُونُ قَدْ يَنَعَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَعْنِي: «إِذَا نَضَجَ»
٩ / ٤٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٥٢⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «يَنْعُهُ: نُضْجُهُ»
٩ / ٤٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩]: «أَيْ نُضْجُهُ»
٩ / ٤٥٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «نُضْجُهُ»
٩ / ٤٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ: «وَنُضْجُهُ»
٩ / ٤٥٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: يَعْنِي: «نُضْجَهُ»
٩ / ٤٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَنْعِهِ﴾ [الأنعام: ٩٩] قَالَ: «نُضْجُهُ»
٩ / ٤٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي إِنْزَالِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْخَضِرَ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْهُ الْحَبَّ الْمُتَرَاكِبَ، وَسَائِرَ مَا عَدَّدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ صُنُوفِ خَلْقِهِ، ﴿لَآيَاتٍ﴾ [البقرة: ١٦٤] يَقُولُ: فِي ذَلِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا أَنْتُمْ
٩ / ٤٥٢
نَظَرْتُمْ إِلَى ثَمَرِهِ عِنْدَ عَقْدَ ثَمَرِهِ، وَعِنْدَ يَنْعِهِ وَانْتِهَائِهِ، فَرَأَيْتُمُ اخْتِلَافَ أَحْوَالِهِ وَتَصَرُّفَهُ فِي زِيَادَتِهِ وَنُمُوِّهِ، عَلِمْتُمْ أَنَّ لَهُ مُدَبِّرًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَكَانَ فِيهِ حُجَجٌ وَبُرْهَانٌ وَبَيَانٌ ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَقُولُ: لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ. وَخَصَّ بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْقَوْمَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِحُجَجِ اللَّهِ وَالْمُعْتَبِرُونَ بِهَا، دُونَ مَنْ قَدْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ فَلَا يَعْرِفُ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا يَتَبَيَّنُ هُدًى مِنْ ضَلَالَةٍ
٩ / ٤٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمُ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ لِلَّهِ ﴿شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠] كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات: ١٥٨] . وَفِي الْجِنِّ وَجْهَانِ مِنَ النَّصْبِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلشُّرَكَاءِ، وَالْآخِرَةُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ الْجِنَّ شُرَكَاءَ وَهُوَ خَالِقُهُمْ) . وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٠]، فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٠] عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ مُنْفَرِدًا بِخَلْقِهِ إِيَّاهُمْ. وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ مَا
٩ / ٤٥٣
حَدَّثَنِي بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ وَاصِلٍ، مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرٍ، أَنَّهُ قَالَ: (شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلْقَهُمْ) بِجَزْمِ اللَّامِ ⦗٤٥٤⦘ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْجِنَّ شُرَكَاءُ لِلَّهِ فِي خَلْقِهِ إِيَّانَا وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٠]، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
٩ / ٤٥٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠]، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿خَرَقُوا﴾ [الأنعام: ١٠٠] اخْتَلَقُوا، يُقَالُ: اخْتَلَقَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ كَذِبًا وَاخْتَرَقَهُ: إِذَا افْتَعَلَهُ وَافْتَرَاهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠] وَاللَّهُ خَلَقَهُمْ، ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَعْنِي: أَنَّهُمْ تَخَرَّصُوا
٩ / ٤٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قَالَ: «جَعَلُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ»
٩ / ٤٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قَالَ: «كَذَبُوا» ⦗٤٥٥⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٤٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠]: «كَذَبُوا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ عَمَّا يَكْذِبُونَ، أَمَّا الْعَرَبُ فَجَعَلُوا لَهُ الْبَنَاتِ، وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ مِنَ الْغِلْمَانِ، وَأَمَّا الْيَهُودُ فَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا، وَلَقَدْ عَلِمْتِ الْجِنَّةُ أَنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ»
٩ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قَالَ: «خَرَصُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ»
٩ / ٤٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَقُولُ: «قَطَعُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، قَالَتِ الْعَرَبُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: الْمَسِيحُ وَعُزَيْرٌ ابْنَا اللَّهِ»
٩ / ٤٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قَالَ: «خَرَقُوا: كَذَبُوا، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ بَنُونَ وَلَا بَنَاتٍ، قَالَتِ النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، فَكُلٌّ خَرَقُوا الْكَذِبَ. وَخَرَقُوا: اخْتَرَقُوا»
٩ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿⦗٤٥٦⦘ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قَالَ: «قَوْلُ الزَّنَادِقَةِ» . ﴿وَخَرَقُوا لَهُ﴾ [الأنعام: ١٠٠]، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «خَرَقُوا: كَذَبُوا»
٩ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قَالَ: «وَصَفُوا لَهُ»
٩ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي عُمَرَ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قَالَ: «تَفْسِيرُهَا: وَكَذَبُوا» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ الْجِنَّ وَشُرَكَاءَ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِخَلْقِهِمْ بِغَيْرِ شَرِيكٍ وَلَا مُعِينٍ وَلَا ظَهِيرٍ. ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَقُولُ: وَتَخَرَّصُوا لِلَّهِ كَذِبًا، فَافْتَعَلُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُمْ بِحَقِيقَةِ مَا يَقُولُونَ، وَلَكِنْ جَهْلًا بِاللَّهِ وَبِعَظَمَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ إِلَهًا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ وَلَا صَاحِبَةٌ، وَلَا أَنْ يَشْرِكَهُ فِي خَلْقِهِ شَرِيكٌ
٩ / ٤٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَنَزَّهَ اللَّهُ وَعَلَا فَارْتَفَعَ عَنِ الَّذِي يَصِفُهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنْ خَلْقِهِ فِي ادِّعَائِهِمْ لَهُ شُرَكَاءَ مِنَ الْجِنِّ، وَاخْتِرَاقِهِمْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ صِفَتِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ خَلْقِهِ الَّذِينَ يَكُونُ مِنْهُمُ الْجِمَاعُ الَّذِي يَحْدُثُ عَنْهُ الْأَوْلَادُ، وَالَّذِينَ تَضْطَرُّهُمْ لِضَعْفِهِمُ الشَّهَوَاتُ إِلَى اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ لِقَضَاءِ اللَّذَّاتِ، وَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالْعَاجِزِ فَيَضْطَرُّهُ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ، وَلَا بِالضَّعِيفِ الْمُحْتَاجِ فَتَدْعُوهُ حَاجَتُهُ إِلَى النِّسَاءِ إِلَى اتِّخَاذِ صَاحِبَةٍ لِقَضَاءِ لَذَّةٍ. ⦗٤٥٧⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿تَعَالَى﴾ [النحل: ٣]: تَفَاعَلَ مِنَ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ. وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٠]: أَنَّهُ يَكْذِبُونَ
٩ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٠]: «عَمَّا يَكْذِبُونَ» وَأَحْسَبُ أَنَّ قَتَادَةَ عَنَى بِتَأْوِيلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ فِي وَصْفِهِمُ اللَّهَ بِمَا كَانُوا يَصِفُونَهُ مِنِ ادِّعَائِهِمْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، لَا أَنَّهُ وَجَّهَ تَأْوِيلَ الْوَصْفِ إِلَى الْكَذِبِ
٩ / ٤٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ بِهِ لَهُ الْجِنَّ شُرَكَاءَ، وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ، ﴿بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: يَعْنِي مُبْتَدِعُهَا وَمُحْدِثُهَا وَمُوجِدُهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ
٩ / ٤٥٧
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «هُوَ الَّذِي ابْتَدَعَ خَلْقَهُمَا ﷻ فَخَلَقَهُمَا وَلَمْ تَكُونَا شَيْئًا قَبْلَهُ» ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام: ١٠١]، وَالْوَلَدُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الذِّكْرِ وَالْأُنْثَى، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ صَاحِبَةٌ فَيَكُونُ لَهُ وَلَدٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي ⦗٤٥٨⦘ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ. يَقُولُ: فَإِذَا كَانَ لَا شَيْءَ إِلَّا اللَّهُ خَلَقَهُ، فَأَنَّى يَكُونُ لِلَّهِ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ فَيَكُونُ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ؟
٩ / ٤٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٠١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا تَدْعُونَ أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ خَلْقُهُ وَعَبِيدُهُ، مَلَكًا كَانَ الَّذِي تَدْعُونَهُ رَبًّا وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ جِنِيًّا أَوْ إِنْسِيًّا. ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] يَقُولُ: وَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا خَلَقَ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، عَالِمٌ بِعَدَدِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ وَأَعْمَالِ مَنْ دَعَوْتُمُوهُ رَبًّا أَوْ لِلَّهِ وَلَدًا، وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ
٩ / ٤٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، هُوَ اللَّهُ رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ، وَالْجَاعِلُونَ لَهُ الْجِنَّ شُرَكَاءَ، وَآلِهَتَكُمُ الَّتِي لَا تَمْلِكُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَلَا تَفْعَلُ خَيْرًا وَلَا شَرًّا. ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣]: وَهَذَا تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْجِنَّ شُرَكَاءُ اللَّهِ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ: أَيُّهَا الْجَاهِلُونُ، إِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ الْأُلُوهِيَّةُ وَالْعِبَادَةُ إِلَّا الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِبَادَتُكُمْ وَعِبَادَةُ جَمِيعِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا لَهُ خَالِصَةً بِغَيْرِ شَرِيكٍ تُشْرِكُونَهُ فِيهَا، فَإِنَّهُ خَالِقُ كُلِّ
٩ / ٤٥٨
شَيْءٍ وَبَارِئُهُ وَصَانِعُهُ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَصْنُوعِ أَنْ يُفْرِدَ صَانِعَهُ بِالْعِبَادَةِ. ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾ [آل عمران: ٥١] يَقُولُ: فَذِلُّوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْخِدْمَةِ، وَاخْضَعُوا لَهُ بِذَلِكَ. ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: ١٠٢] يَقُولُ: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ رَقِيبٌ وَحَفِيظٌ يَقُومُ بِأَرْزَاقِ جَمِيعِهِ وَأَقْوَاتِهِ وَسِيَاسَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ بِقُدْرَتِهِ
٩ / ٤٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]
٩ / ٤٥٩
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ، وَهُوَ يُحِيطُ بِهَا
٩ / ٤٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣] يَقُولُ: «لَا يُحِيطُ بَصُرُ أَحَدٍ بِالْمُلْكِ»
٩ / ٤٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، «وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ»
٩ / ٤٥٩
حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو عَرْفَجَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٣]، قَالَ: “هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ، لَا تُحِيطُ أَبْصَارُهُمْ بِهِ مِنْ عَظَمَتِهِ، ⦗٤٦٠⦘ وَبَصَرُهُ يُحِيطُ بِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] الْآيَةَ وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ﴾ [يونس: ٩٠]، قَالُوا: فَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْغَرَقَ بِأَنَّهُ أَدْرَكَ فِرْعَوْنَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَرَقَ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ رَآهُ، وَلَا هُوَ مِمَّا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ يَرَى شَيْئًا. قَالُوا: فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] بِمَعْنَى: لَا تَرَاهُ بَعِيدًا، لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُدْرِكُ الشَّيْءَ وَلَا يَرَاهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ أَصْحَابِ مُوسَى ﷺ حِينَ قَرُبَ مِنْهُمْ أَصْحَابُ فِرْعَوْنَ: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: ٦١]، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيَّهُ مُوسَى ﷺ أَنَّهُمْ لَا يُدْرَكُونَ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] . قَالُوا: فَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ قَدْ يَرَى الشَّيْءَ وَلَا يُدْرِكُهُ، وَيُدْرِكُهُ وَلَا يَرَاهُ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] مِنْ مَعْنَى لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ بِمَعْزِلٍ، وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ، لِأَنَّ الْإِحَاطَةَ بِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ. قَالُوا: فَالْمُؤْمِنُونَ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُهُمْ، بِمَعْنَى: أَنَّهَا لَا تُحِيطُ بِهِ، إِذْ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِأَنَّ شَيْئًا يُحِيطُ بِهِ. قَالُوا: وَنَظِيرُ جَوَازِ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ جَوَازُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥] . قَالُوا: فَنَفَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ خَلْقِهِ أَنْ يَكُونُوا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا ⦗٤٦١⦘ شَاءَ. قَالُوا: وَمَعْنَى الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَعْلُومُ، قَالُوا: فَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِهِ عَنْ خَلْقِهِ أَنْ يُحِيطُوا بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ نَفْيٌ عَنْ أَنْ يَعْلَمُوهُ. قَالُوا: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ الْإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ عِلْمًا نَفْيٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ إِدْرَاكِ اللَّهِ عَنِ الْبَصَرِ نَفْيُ رُؤْيَتِهِ لَهُ. قَالُوا: وَكَمَا جَازَ أَنْ يَعْلَمَ الْخَلْقُ أَشْيَاءَ وَلَا يُحِيطُونَ بِهَا عِلْمًا، كَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَرَوْا رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَلَا يُدْرِكُوهُ بِأَبْصَارِهِمْ، إِذْ كَانَ مَعْنَى الرُّؤْيَةِ غَيْرَ مَعْنَى الْإِدْرَاكِ، وَمَعْنَى الْإِدْرَاكِ غَيْرَ مَعْنَى الرُّؤْيَةِ، وَأَنَّ مَعْنَى الْإِدْرَاكِ: إِنَّمَا هُوَ الْإِحَاطَةُ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ قَالُوا: فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]: لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ؟ قُلْنَا لَهُ: أَنْكَرْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ وُجُوهًا فِي الْقِيَامَةِ إِلَيْهِ نَاظِرَةٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ أَنَّهُمْ سَيَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يُرَى الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ. قَالُوا: فَإِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ بِمَا أَخْبَرَ، وَحَقَّقَتْ أَخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ قِيلِهِ ﷺ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢]، أَنَّهُ نَظَرُ أَبْصَارِ الْعُيونِ لِلَّهِ ﷻ، وَكَانَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ، إِذْ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي الْأَخْبَارِ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا: (كِتَابُ لَطِيفِ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ) وَغَيْرِهِ، عُلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] غَيْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ⦗٤٦٢⦘ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢]، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ بِأَبْصَارِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى اللَّهِ وَلَا يُدْرِكُونَهُ بِهَا، تَصْدِيقًا لِلَّهِ فِي كِلَا الْخَبَرَيْنِ، وَتَسْلِيمًا لِمَا جَاءَ بِهِ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فِي السُّورَتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ، وَهُوَ يَرَى الْأَبْصَارَ
٩ / ٤٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]: «لَا يَرَاهُ شَيْءٌ، وَهُوَ يَرَى الْخَلَائِقَ»
٩ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: ٥١]، وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ
٩ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى وَابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ ⦗٤٦٣⦘ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بِنَحْوِهِ
٩ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: “مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ [الأنعام: ١٠٣] فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ: مَعْنَى الْإِدْرَاكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الرُّؤْيَةُ، وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٣] بِمَعْنَى انْتِظَارِهَا رَحْمَةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ. وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَأْوِيلَاتٍ. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ مَجِيئَهَا، وَدَافَعُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرَدُّوا الْقَوْلَ فِيهِ إِلَى عُقُولِهِمْ، فَزَعَمُوا أَنَّ عُقُولَهُمْ تُحِيلُ جَوَازَ الرُّؤْيَةِ عَلَى اللَّهِ عز وجل بِالْأَبْصَارِ، وَأْتَوْا فِي ذَلِكَ بِضُرُوبٍ مِنَ التَّمْوِيهَاتِ، وَأَكْثَرُوا الْقَوْلَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِخْرَاجَاتِ. وَكَانَ مِنْ أَجَلِّ مَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِهِ صِحَّةَ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ مِنَ الدَّلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا أَبْصَارَهُمْ تَرَى شَيْئًا إِلَّا مَا بَايَنَهَا دُونَ مَا لَاصَقَهَا، فَإِنَّهَا لَا تَرَى مَا لَاصَقَهَا. قَالُوا: فَمَا كَانَ لِلْأَبْصَارِ مُبَايِنًا مِمَّا عَايَنْتُهُ، فَإِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَضَاءً وَفُرْجَةً. قَالُوا: فَإِنْ كَانَتِ الْأَبْصَارُ تَرَى رَبَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تُرَى الْأَشْخَاصُ الْيَوْمَ، فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصَّانِعُ مَحْدُودًا. قَالُوا: وَمَنْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ فَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِ الْأَجْسَامِ الَّتِي يَجُوزُ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ. قَالُوا: وَأُخْرَى، أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْأَبْصَارِ أَنْ تُدْرِكَ الْأَلْوَانَ كَمَا مِنْ شَأْنِ الْأَسْمَاعِ ⦗٤٦٤⦘ أَنْ تُدْرِكَ الْأَصْوَاتِ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُتَنَسِّمِ أَنْ يُدْرِكَ الْأَعْرَافَ. قَالُوا: فَمِنَ الْوَجْهِ الَّذِي فَسَدَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا أَنْ يُقْضَى لِلسَّمْعِ بِغَيْرِ إِدْرَاكِ الْأَصْوَاتِ، وَلِلْمُتَنَسِّمِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ الْأَعْرَافِ، فَسَدَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا الْقَضَاءُ لِلْبَصَرِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ الْأَلْوَانِ. قَالُوا: وَلَمَّا كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ ذُو لَوْنٍ، صَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ مَرْئِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا تُدْرِكُهُ. وَقَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: الْإِدْرَاكُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الرُّؤْيَةُ. وَاعْتَلَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنْ قَالُوا: الْإِدْرَاكُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِغَيْرِ مَعْنَى الرُّؤْيَةِ، فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ أَحَدِ مَعَانِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَلْحَقَ بَصَرُهُ شَيْئًا فَيَرَاهُ، وَهُوَ لِمَا أَبْصَرَهُ وَعَايَنَهُ غَيْرُ مُدْرِكٍ، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِأَجْزَائِهِ كُلِّهَا رُؤْيَةً. قَالُوا: فَرُؤْيَةُ مَا عَايَنَهُ الرَّائِي إِدْرَاكٌ لَهُ دُونَ مَا لَمْ يَرَهُ. قَالُوا: وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ وُجُوهًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَيْهِ نَاظِرَةٌ، قَالُوا: فَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ إِلَيْهِ نَاظِرَةٌ، وَهِيَ لَهُ غَيْرُ مُدْرِكَةٍ رُؤْيَةً. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي أَخْبَارِ اللَّهِ تَضَادٌّ وَتَعَارُضٌ، وَجَبَ وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] عَلَى الْخُصُوصِ لَا عَلَى الْعُمُومِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدِ اسْتَثْنَى مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢] . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: الْآيَةُ عَلَى الْخُصُوصِ، إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ⦗٤٦٥⦘ مَعْنَى الْآيَةِ: لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الظَّالِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ. قَالُوا: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ بِالنَّهَايَةِ وَالْإِحَاطَةِ، وَأَمَّا بِالرُّؤْيَةِ فَبَلَى. قَالُوا: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا وَتُدْرِكُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا: لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ مَنْ يَرَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُدْرِكُ بِهِ الْقَدِيمُ أَبْصَارَ خَلْقِهِ، فَيَكُونُ الَّذِي نَفَى عَنْ خَلْقِهِ مِنْ إِدْرَاكِ أَبْصَارِهِمْ إِيَّاهُ، هُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ، إِذْ كَانَتْ أَبْصَارُهُمْ ضَعِيفَةً لَا تَنْفُذُ إِلَّا فِيمَا قَوَّاهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى النُّفُوذِ فِيهِ، وَكَانَتْ كُلُّهَا مُتَجَلِّيَةً لِبَصَرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ. قَالُوا: وَلَا شَكَّ فِي خُصُوصِ قَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] وَأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ سَيَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ، غَيْرَ أَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّ مَعَانِي الْخُصُوصِ الْأَرْبَعَةِ أُرِيدَ بِالْآيَةِ. وَاعْتَلُّوا بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِنَحْوِ عِلَلِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَنْ يُدْرِكَ اللَّهَ بَصَرُ أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَاسَّةً سَادِسَةً سِوَى حَوَاسِّهِمُ الْخَمْسِ فَيَرَوْنَهُ بِهَا. وَاعْتَلُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا، بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَفَى عَنِ الْأَبْصَارِ أَنْ تُدْرِكَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ فِيهَا أَوْ بِآيَةٍ غَيْرِهَا عَلَى خُصُوصِهَا. قَالُوا: وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ وُجُوهًا إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاظِرَةٌ. قَالُوا: فَأَخْبَارُ اللَّهِ لَا تَتَبَايَنُ وَلَا تَتَعَارَضُ، وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيلُ. وَاعْتَلُّوا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ بِأَنْ قَالُوا: إِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ نَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ بِأَبْصَارِنَا هَذِهِ وَإِنْ زِيدَ فِي قُوَاهَا وَجَبَ أَنْ نَرَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ ضَعُفَتْ، لِأَنَّ كُلَّ حَاسَّةٍ خُلِقَتْ لِإِدْرَاكِ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، فَهِيَ وَإِنْ ضَعُفَتْ كُلَّ الضَّعْفِ فَقَدْ تُدْرِكُ مَعَ ⦗٤٦٦⦘ ضَعْفِهَا مَا خُلِقَتْ لِإِدْرَاكِهِ، وَإِنْ ضَعُفَ إِدْرَاكُهَا إِيَّاهُ مَا لَمْ تُعْدَمْ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ فِي الْبَصَرِ أَنْ يُدْرِكَ صَانِعَهُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَوْ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَيَرَاهُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يُدْرِكُهُ فِي الدُّنْيَا وَيَرَاهُ فِيهَا وَإِنْ ضَعُفَ إِدْرَاكُهُ إِيَّاهُ. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَوْجُودٍ مِنْ أَبْصَارِنَا فِي الدُّنْيَا، كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِهَيْئَتِهَا فِي الدُّنْيَا، أَنَّهَا لَا تُدْرِكُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا إِدْرَاكُهُ فِي الدُّنْيَا. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ وُجُوهًا فِي الْآخِرَةِ تَرَاهُ، عُلِمَ أَنَّهَا تَرَاهُ بِغَيْرِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ، إِذْ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ إِلَّا حَقًّا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»، فَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَهُ، وَالْكَافِرُونَ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ مَحْجُوبُونَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] . فَأَمَّا مَا اعْتَلَّ بِهِ مُنْكِرُو رُؤْيَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْأَبْصَارِ، لَمَّا كَانَتْ لَا تَرَى إِلَّا مَا بَايَنَهَا، وَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَضَاءٌ وَفُرْجَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَةُ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ كَذَلِكَ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِثْبَاتُ حَدٍّ لَهُ وَنَهَايَةٍ، فَبَطَلَ عِنْدَهُمْ لِذَلِكَ جَوَازُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: هَلْ عَلِمْتُمْ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ سِوَى صَانِعِكُمْ إِلَّا مُمَاسًّا لَكُمْ أَوْ مُبَايِنًا؟ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ كُلِّفُوا تَبْيِينَهُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ. وَإِنْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ، ⦗٤٦٧⦘ قِيلَ لَهُمْ: أَوَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتُمُوهُ لَا مُمَاسًّا لَكُمْ وَلَا مُبَايِنًا، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ، وَلَمْ يَجِبْ عِنْدَكُمْ إِذْ كُنْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ غَيْرَهُ إِلَّا مُمَاسًّا لَكُمْ أَوْ مُبَايِنًا أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ، لَا مُمَاسٌّ وَلَا مُبَايِنٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ كَذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ: فَمَا تُنْكِرُونَ أَنْ تَكُونَ الْأَبْصَارُ كَذَلِكَ لَا تَرَى إِلَّا مَا بَايَنَهَا، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فُرْجَةٌ قَدْ تَرَاهُ وَهُوَ غَيْرُ مُبَايِنٌ لَهَا، وَلَا فُرْجَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَلَا فَضَاءَ، كَمَا لَا تَعْلَمُ الْقُلُوبُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ إِلَّا مُمَاسًّا لَهَا أَوْ مُبَايِنًا وَقَدْ عَلِمْتُهُ عِنْدَكُمْ لَا كَذَلِكَ؟ وَهَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ مَعْلُومًا لَا مُمَاسًّا لِلْعَالِمِ بِهِ أَوْ مُبَايِنًا، وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِرُؤْيَةِ الْأَبْصَارِ لَا مُمَاسًّا لَهَا وَلَا مُبَايِنًا فَرْقٌ؟ ثُمَّ يُسْأَلُونَ الْفَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَكَذَلِكَ يُسْأَلُونَ فِيمَا اعْتَلُّوا بِهِ فِي ذَلِكَ، إِنَّ مِنْ شَأْنِ الْأَبْصَارِ إِدْرَاكَ الْأَلْوَانِ، كَمَا أَنَّ مِنَ شَأْنِ الْأَسْمَاعِ إِدْرَاكَ الْأَصْوَاتِ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُتَنَسِّمِ دَرَكَ الْأَعْرَافِ، فَمِنَ الْوَجْهِ الَّذِي فَسَدَ أَنْ يُقْتَضَى السَّمْعُ لِغَيْرِ دَرَكِ الْأَصْوَاتِ فَسَدَ أَنْ تُقْتَضَى الْأَبْصَارُ لِغَيْرِ دَرَكِ الْأَلْوَانِ. ⦗٤٦٨⦘ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَلَسْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا فِيمَا شَاهَدْتُمْ وَعَايَنْتُمْ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ إِلَّا ذَا لَوْنٍ، وَقَدْ عَلِمْتُمُوهُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ لَا ذَا لَوْنٍ؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ، لَا يَجِدُوا مِنَ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ بُدًّا، إِلَّا أَنْ يَكْذِبُوا فَيَزْعُمُوا أَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا وَعَايَنُوا مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ غَيْرِ ذِي لَوْنٍ، فَيُكَلَّفُوا بَيَانَ ذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الْأَبْصَارُ فِيمَا شَاهَدْتُمْ وَعَايَنْتُمْ لَمْ تَجِدُوهَا تُدْرِكُ إِلَّا الْأَلْوَانَ، كَمَا لَمْ تَجِدُوا أَنْفُسَكُمْ تَعْلَمُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ إِلَّا ذَا لَوْنٍ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهَا عَلِمَتْهُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ غَيْرِ ذِي لَوْنٍ؟ ثُمَّ يُسْأَلُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَلِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَسَائِلُ فِيهَا تَلْبِيسٌ كَرِهْنَا ذِكْرَهَا وَإِطَالَةَ الْكِتَابِ بِهَا وَبِالْجَوَابِ عَنْهَا، إِذْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا قَصْدَ الْكَشْفِ عَنْ تَمْوِيهَاتِهِمْ، بَلْ قَصْدُنَا فِيهِ الْبَيَانُ عَنْ تَأْوِيلِ آيِ الْفُرْقَانِ. وَلَكِنَّا ذَكَرْنَا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا، لِيَعْلَمَ النَّاظِرُ فِي كِتَابِنَا هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِلَّا إِلَى مَا لَبَّسَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ مِمَّا يَسْهُلُ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ الْبَيَانُ عَنْ فَسَادِهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ فِي قَوْلِهِمْ إِلَى آيَةٍ مِنَ التَّنْزِيلِ مُحْكَمَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، فَهُمْ فِي الظُّلُمَاتِ يَخْبِطُونَ، وَفِي الْعَمْيَاءِ يَتَرَدَّدُونَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحِيرَةِ وَالضَّلَالَةِ
٩ / ٤٦٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْمُيَسَّرُ لَهُ مِنْ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ، وَالْمُتَأَتِّي لَهُ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِهَا رُؤْيَةَ مَا يَعْسُرُ عَلَى الْأَبْصَارِ مِنْ إِدْرَاكِهَا إِيَّاهُ وِإِحَاطَتِهَا بِهِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا. ﴿الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٨] يَقُولُ: الْعَلِيمُ بِخَلْقِهِ وَأَبْصَارِهِمْ، وَالسَّبَبُ الَّذِي لَهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا إِدْرَاكُهُ فَلَطَّفَ بِقُدْرَتِهِ، فَهَيَّأَ ⦗٤٦٩⦘ أَبْصَارَ خَلْقِهِ هَيْئَةً لَا تُدْرِكُهُ، وَخَبَرَ بِعِلْمِهِ كَيْفَ تَدْبِيرُهَا وَشِئُونُهَا وَمَا هُوَ أَصْلَحُ بِخَلْقِهِ
٩ / ٤٦٨
كَالَّذِي حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] قَالَ: «اللَّطِيفُ بِاسْتِخْرَاجِهَا، الْخَبِيرُ بِمَكَانِهَا»
٩ / ٤٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [الأنعام: ١٠٤] وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ أَنْ يَقُولَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَبَّهَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ [الأنعام: ٩٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] عَلَى حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى تَبْيِينِ خَلْقِهِ مَعَهُمْ، الْعَادِلِينَ بِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَنْدَادَ، وَالْمُكَذِّبِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: قَدْ جَاءَكُمْ أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ وَالْمُكَذِّبُونَ رَسُولَهُ ﴿بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٤]: أَيْ مَا تُبْصِرُونَ بِهِ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَالْإِيمَانَ مِنَ الْكُفْرِ، وَهِيَ جَمْعُ بَصِيرَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
٩ / ٤٦٩
حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ … وَبَصِيرَتِي يَعْدُو بِهَا عَتَدٌ وَأَى
يَعْنِي بِالْبَصِيرَةِ: الْحُجَّةَ الْبَيِّنَةَ الظَّاهِرَةَ
يَعْنِي بِالْبَصِيرَةِ: الْحُجَّةَ الْبَيِّنَةَ الظَّاهِرَةَ
٩ / ٤٧٠
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٤] قَالَ: «الْبَصَائِرُ: الْهُدَى، بَصَائِرُ فِي قُلُوبِهِمْ لِدِينِهِمْ، وَلَيْسَتْ بِبَصَائِرِ الرُّءُوسِ. وَقَرَأَ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]، قَالَ: إِنَّمَا الدِّينُ بَصَرُهُ وَسَمْعُهُ فِي هَذَا الْقَلْبِ»
٩ / ٤٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٤]: «أَيْ بَيِّنَةٌ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ﴾ [الأنعام: ١٠٤] يَقُولُ: فَمَنْ تَبَيَّنَ حُجَجَ اللَّهِ وَعَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا وَآمَنَ بِمَا دَلَّتْهُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ، فَإِنَّمَا أَصَابَ حَظَّ نَفْسِهِ وَلِنَفْسِهِ عَمِلَ، وَإِيَّاهَا بَغَى الْخَيْرَ. ﴿وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٠٤] يَقُولُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهَا وَلَمْ يُصَدِّقْ بِمَا دَلَّتْهُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَلَكِنَّهُ عَمِيَ عَنْ دَلَالَتِهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهَا يَقُولُ: فَنَفْسُهُ ضَرَّ، وَإِلَيْهَا أَسَاءَ لَا إِلَى غَيْرِهَا
٩ / ٤٧٠
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [الأنعام: ١٠٤] يَقُولُ: وَمَا أَنَا عَلَيْكُمُ ⦗٤٧١⦘ بِرَقِيبٍ أُحْصِي عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَأَفْعَالَكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ أُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ، وَاللَّهُ الْحَفِيظُ عَلَيْكُمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ
٩ / ٤٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا صَرَّفْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْآيَاتِ وَالْحُجَجَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَبَيَّنْتُهَا، فَعَرَّفْتُكُمُوهَا فِي تَوْحِيدِي وَتَصْدِيقِ رَسُولِي وَكِتَابِي، وَوَصَّيْتُكُمْ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ أُبَيِّنُ لَكُمْ آيَاتِي وَحُجَجِي فِي كُلِّ مَا جَهِلْتُمُوهُ فَلَمْ تَعْرِفُوهُ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي
٩ / ٤٧١
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ﴾ [الأنعام: ١٠٥] «لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمْ، كَمَا صَرَّفْتُهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَلِئَلَّا يَقُولُوا: دَرَسْتَ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥]، يَعْنِي قَرَأْتَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، بِغَيْرِ أَلِفٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِيهِ، وَغَيْرُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُوَ قِرَاءَةُ بَعْضِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: (وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ) بِأَلِفٍ، بِمَعْنَى: قَارَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
٩ / ٤٧١
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (دُرِسَتْ) بِمَعْنَى: قُرِئَتْ وَتُلِيَتْ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (دَرَسَتْ) بِمَعْنَى: انْمَحَتْ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] بِتَأْوِيلِ: قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ قِيلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيُّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيُّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، فَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ يُنْبِئُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا يَتَعَلَّمُ مُحَمَّدٌ مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَقِرَاءَةُ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] يَا مُحَمَّدُ، بِمَعْنَى: تَعَلَّمْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَشْبَهُ بِالْحَقِّ وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ: (دَارَسْتَ) بِمَعْنَى: قَارَأْتَهُمْ وَخَاصَمْتَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي قِرَاءَتِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَتَأْوِيلُهُ بِمَعْنَى: تَعَلَّمْتَ وَقَرَأْتَ
٩ / ٤٧٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] قَالُوا: «قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ، تَقُولُ ذَلِكَ قُرَيْشٌ»
٩ / ٤٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] قَالَ: «قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ»
٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ وَافَقَهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] قَالَ: «قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ»
٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] يَقُولُ: «قَرَأْتَ الْكُتُبَ»
٩ / ٤٧٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] يَقُولُ: «تَعَلَّمْتَ وَقَرَأْتَ»
٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: ﴿دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] قَالَ: «قَرَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ (دَارَسْتَ)، وَتَأَوُّلِهِ بِمَعْنَى: جَادَلْتَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ
٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (دَارَسْتَ) يَقُولُ: «قَارَأْتَ»
٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: (وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ) أَحْسَبُهُ قَالَ: «قَارَأْتَ أَهْلَ الْكِتَابِ»
٩ / ٤٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ) قَالَ: «قَارَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ»
٩ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ التَّمِيمِيَّ يَقُولُ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: (وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ) قَالَ: «قَارَأْتَ وَتَعَلَّمْتَ»
٩ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: (دَارَسْتَ)
٩ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: ثنا أَبُو الْمُعَلَّى قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: (دَارَسْتَ) بِالْأَلِفِ، بِجَزْمِ السِّينِ وَنَصْبِ التَّاءِ
٩ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ كَيْسَانَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَأُ: (⦗٤٧٥⦘ دَارَسْتَ): «تَلَوْتَ، خَاصَمْتَ، جَادَلْتَ»
٩ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي (دَارَسْتَ)، قَالَ: «تَلَوْتَ، خَاصَمْتَ، جَادَلْتَ»
٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ)، قَالَ: «قَارَأْتَ»
٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا آدَمُ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: (دَارَسْتَ) بِالْأَلِفِ أَيْضًا مُنْتَصِبَةَ التَّاءِ، وَقَالَ: «قَارَأْتَ»
٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ: (دَارَسْتَ): أَيْ «نَاسَخْتَ»
٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: (دَارَسْتَ) قَالَ: «فَاقَهْتَ: قَرَأْتَ عَلَى يَهُودَ وَقَرءُوا عَلَيْكَ»
٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ) قَالَ: «قَارَأْتَ، قَرَأْتَ عَلَى يَهُودَ وَقَرءُوا عَلَيْكَ»
٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: (دَارَسْتَ) يَعْنِي: «أَهْلَ الْكِتَابِ»
٩ / ٤٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (دَارَسْتَ) قَالَ: «قَرَأْتَ عَلَى يَهُودَ، وَقَرءُوا عَلَيْكَ»
٩ / ٤٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] قَالَ: قَالُوا دَارَسْتَ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَقَرَأْتَ الْكُتُبَ وَتَعَلَّمْتَهَا ” ذِكْرُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ (دُرِسْتَ) بِمَعْنَى: نُبِّئْتَ وَقُرِئْتَ، عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ
٩ / ٤٧٦
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ، وَسَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دُرِسْتَ): «أَيْ قُرِئْتَ وَتَعَلَّمْتَ»
٩ / ٤٧٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ: (دُرِسْتَ): قُرِئْتَ وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (دَرَسَ) ⦗٤٧٧⦘ ذِكْرُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: (دَرَسَتْ) بِمَعْنَى: انْمَحَتْ وَتَقَادَمَتْ، أَيْ هَذَا الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا قَدْ مَرَّ بِنَا قَدِيمًا وَتَطَاوَلَتْ مُدَّتُهُ
٩ / ٤٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ «يَقْرَأُ: (وَلِيَقُولُوا دَرَسَتْ): أَيِ انْمَحَتْ»
٩ / ٤٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (دَرَسَتْ) بِغَيْرِ أَلِفٍ، بِنَصْبِ السِّينِ وَوَقْفِ التَّاءِ
٩ / ٤٧٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: «إِنَّ صِبْيَانًا هَهُنَا يَقْرَءُونَ: (دَارَسْتَ)، وَإِنَّمَا هِيَ: (دَرَسَتْ)»
٩ / ٤٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ الْحَسَنُ: (وَلِيَقُولُوا دَرَسَتْ) يَقُولُ: «تَقَادَمَتْ وَانْمَحَتْ» وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: (دَرَسَ)، مِنْ دَرَسَ الشَّيْءَ: تَلَاهُ
٩ / ٤٧٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الثَّعْلَبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: هِيَ فِي حَرْفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ: (وَلِيَقُولُوا دَرَسَ)، قَالَ: يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ مَرَّةً دَرَسَتْ، وَمَرَّةً دَرَسَ، فَيُخَاطِبُ مَرَّةً وَيُخْبِرُ مَرَّةً، مِنْ أَجْلِ الْقَوْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، وَالدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ مَا اخْتَرْنَا مِنْهَا
٩ / ٤٧٨
وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا صَرَّفْنَا الْآيَاتِ وَالْعِبَرَ وَالْحُجَجَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ، كَذَلِكَ نُصَرِّفُ لَهُمُ الْآيَاتِ فِي غَيْرِهَا، كَيْلَا يَقُولُوا لِرَسُولِنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ: إِنَّمَا تَعَلَّمْتَ مَا تَأْتِينَا بِهِ تَتْلُوهُ عَلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيَنْزَجِرُوا عَنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَتَقَوُّلِهِمْ عَلَيْهِ الْإِفْكَ وَالزُّورَ، وَلِنُبَيِّنَ تَصْرِيفَنَا الْآيَاتِ الْحَقَّ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ، فَيَتَّبِعُوهُ وَيَقْبَلُوهُ، وَلَيْسُوا كَمَنْ إِذَا بُيِّنَ لَهُمْ عَمُوا عَنْهُ فَلَمْ يَعْقِلُوهُ وَازْدَادُوا مِنَ الْفَهْمِ بِهِ بُعْدًا
٩ / ٤٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام: ١٠٧]
٩ / ٤٧٨
يقولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: اتَّبِعْ يَا مُحَمَّدُ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ فِي وَحْيِهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْكَ، فَاعْمَلْ بِهِ، وَانْزَجِرْ عَمَّا زَجَرَكَ عَنْهُ فِيهِ، وَدَعْ مَا يَدْعُوكَ إِلَيْهِ مُشْرِكُو قَوْمِكَ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، فَإِنَّهُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣] يَقُولُ: لَا مَعْبُودَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْكَ إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لَهُ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي هُوَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَفَالِقُ الْإِصْبَاحِ، وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا. ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٠٦] يَقُولُ: وَدَعْ عَنْكَ جِدَالَهُمْ وَخُصُومَتَهُمْ. ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ فِي بَرَاءَةَ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] الْآيَةَ
٩ / ٤٧٩
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٠٦] وَنَحْوِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَفْوِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّهُ نَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ “
٩ / ٤٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام: ١٠٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَعْرِضْ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَدَعْ عَنْكَ جِدَالَهُمْ وَخُصُومَتَهُمْ وَمُسَابَّتَهُمْ. ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧] يَقُولُ: لَوْ أَرَادَ رَبُّكَ هِدَايَتَهُمْ وَاسْتِنْقَاذَهُمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ لَلَطَفَ لَهُمْ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلَآمَنُوا بِكَ فَاتَّبَعُوكَ وَصَدَّقُوا مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ. ﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [الأنعام: ١٠٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّمَا بَعَثْتُكَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا مُبَلِّغًا، وَلَمْ نَبْعَثْكَ حَافِظًا عَلَيْهِمْ مَا هُمْ عَامِلُوهُ وَتُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِلَيْنَا دُونَكَ. ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام: ١٠٧] يَقُولُ: وَلَسْتَ عَلَيْهِمْ بِقَيِّمٍ تَقُومُ
٩ / ٤٧٩
بِأَرْزَاقِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ، وَلَا بِحِفْظِهِمْ فِيمَا لَمْ يُجْعَلْ إِلَيْكَ حِفْظُهُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا﴾ [الأنعام: ١٠٧] «يَقُولُ سُبْحَانَهُ: لَوْ شِئْتُ لَجَمَعْتُهُمْ عَلَى الْهُدَى أَجْمَعِينَ»
٩ / ٤٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُو الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، فَيَسُبُّ الْمُشْرِكُونَ اللَّهَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ وَاعْتِدَاءً بِغَيْرِ عِلْمٍ
٩ / ٤٨٠
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨] قَالَ: «قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا أَوْ لَنَهْجُوَنَّ رَبَّكَ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ»
٩ / ٤٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨] «: كَانَ الْمُسْلِمُونَ ⦗٤٨١⦘ يَسُبُّونَ أَوْثَانَ الْكُفَّارِ، فَيَرُدُّونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَسِبُّوا لِرَبِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ جَهَلَةٌ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِاللَّهِ»
٩ / ٤٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨]، قَالَ: «لَمَّا حَضَرَ أَبَا طَالِبٍ الْمَوْتُ قَالَتْ قُرَيْشٌ: انْطَلِقُوا بِنَا فَلْنَدْخُلْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَلْنَأْمُرْهُ أَنْ يَنْهَى عَنَّا ابْنَ أَخِيهِ، فَإِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نَقْتُلَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَتَقُولُ الْعَرَبُ: كَانَ يَمْنَعُهُ، فَلَمَّا مَاتَ قَتَلُوهُ، فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأُمَيَّةُ وَأُبَيُّ ابْنَا خَلَفٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ، وَبَعَثُوا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: الْمُطَّلِبُ، قَالُوا: اسْتَأْذِنْ عَلَى أَبِي طَالِبٍ، فَأَتَى أَبَا طَالِبٍ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ مَشْيَخَةُ قَوْمِكَ، يُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْكَ. فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَنْتَ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ آذَانَا وَآذَى آلِهَتَنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تَدَعُوهُ فَتَنْهَاهُ عَنْ ذِكْرِ آلِهَتِنَا، وَلْنَدَعُهُ وِإِلَهَهُ. فَدَعَاهُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ وَبَنُو عَمِّكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا تُرِيدُونَ؟» قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَدَعَنَا وَآلَهَتَنَا، وَنَدَعَكَ وِإِلَهَكَ. قَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ قَوْمُكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذَا، هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً إِنْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمُ الْعَرَبَ، وَدَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ بِالْخَرَاجِ؟» قَالَ أَبُو جَهْلٍ: نَعَمْ وَأَبِيكَ لَنُعْطِينَّكَهَا وَعَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَمَا هِيَ؟ قَالَ:»قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ “، فَأَبَوْا وَاشْمَأَزُّوا. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ غَيْرَهَا، ⦗٤٨٢⦘ فَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ فَزِعُوا مِنْهَا، قَالَ: «يَا عَمُّ، مَا أَنَا بِالَّذِي أَقُولُ غَيْرَهَا حَتَّى يَأْتُوا بِالشَّمْسِ فَيَضَعُوهَا فِي يَدَيَّ، وَلَوْ أَتَوْنِي بِالشَّمْسِ فَوَضَعُوهَا فِي يَدَيَّ مَا قُلْتُ غَيْرَهَا»، إِرَادَةَ أَنْ يُؤَيِّسَهُمْ. فَغَضِبُوا وَقَالُوا: لَتَكُفَّنَّ عَنْ شَتْمِكَ آلِهَتَنَا، أَوْ لَنَشْتُمَنَّكَ وَلَنَشْتُمَنَّ مَنْ يَأْمُرُكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨]
٩ / ٤٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: “كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَصْنَامَ الْكُفَّارِ، فَيَسُبُّ الْكُفَّارُ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨]
٩ / ٤٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨] قَالَ: «إِذَا سَبَبْتَ إِلَهَهُ سَبَّ إِلَهَكَ، فَلَا تَسُبُّوا آلِهَتَهُمْ» وَأَجْمَعَتِ الْحُجَّةُ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ: ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٨]، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَسْكِينِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿عَدْوًا﴾ [البقرة: ٩٧]، عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: عَدَا فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا ظَلَمَهُ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ، يَعْدُو عَدْوًا وَعُدْوَانًا، وَالِاعْتِدَاءُ: إِنَّمَا هُوَ افْتِعَالٌ مِنْ ذَلِكَ. رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (عَدُوًّا) مُشَدَّدَةَ الْوَاوِ
٩ / ٤٨٢
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ،
٩ / ٤٨٢
عَنْ هَارُونَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا) مَضْمُومَةُ الْعَيْنِ مُثَقَّلَةٌ ” وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدُوًّا) يُوَجِّهُ تَأْوِيلَهُ إِلَى أَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٧٧]، وَكَمَا قَالَ: ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: ١]، وَيَجْعَلُ نَصْبَ (الْعَدُوَّ) حِينَئِذٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ذِكْرِ الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَيَسُبُّوا﴾ [الأنعام: ١٠٨]، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَا تَسُبُّوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَدْعُو الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَسُبُّ الْمُشْرِكُونَ اللَّهَ أَعْدَاءُ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. وَإِذَا كَانَ التَّأْوِيلُ هَكَذَا كَانَ الْعَدُوُّ مِنْ صِفَةِ الْمُشْرِكِينَ وَنَعْتِهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَيَسُبُّ الْمُشْرِكُونَ أَعْدَاءُ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَكِنَّ الْعَدُوَّ لَمَّا خَرَجَ مَخْرَجَ النَّكِرَةَ وَهُوَ نَعْتٌ لِلْمَعْرِفَةِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ خِلَافُهَا فِيمَا جَاءَتْ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ
٩ / ٤٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا زَيَّنَّا لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ عِبَادَةَ ⦗٤٨٤⦘ الْأَوْثَانِ وَطَاعَةَ الشَّيْطَانِ بِخُذْلَانِنَا إِيَّاهُمْ عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ، كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ جَمَاعَةٍ اجْتَمَعَتْ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ عَمَلَهُمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مُجْتَمِعُونَ، ثُمَّ مَرْجِعُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَصِيرُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، يَقُولُ: فَيُوقِفُهُمْ وَيُخْبِرُهُمْ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يُجَازِيهِمْ بِهَا إِنْ كَانَ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَشَرٌّ، أَوْ يَعْفُو بِفَضْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكًا أَوْ كُفْرًا
٩ / ٤٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حَلَفَ بِاللَّهِ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ جَهْدَ حَلِفِهِمْ، وَذَلِكَ أَوْكَدُ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَيْمَانِ وَأَصْعَبُهَا وَأَشَدُّهَا: ﴿لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ﴾ [الأنعام: ١٠٩] يَقُولُ: قَالُوا: نُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ جَاءَتْنَا آيَةٌ تُصَدِّقُ مَا تَقُولُ يَا مُحَمَّدُ مِثْلُ الَّذِي جَاءَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ. ﴿لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩] يَقُولُ: قَالُوا: لَنُصَدِّقُنَّ بِمَجِيئِهَا بِكَ، وَأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ مَا جِئْتَنَا بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ: (لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا)، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنِ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى لِمَجِيءِ الْآيَةِ. يَقُولُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٠٩] وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى إِتْيَانِكُمْ بِهَا دُونَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ. ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] يَقُولُ: وَمَا يُدْرِيكُمْ ﴿أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]، وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ الْآيَةَ مِنْ قَوْمِهِ هُمُ الَّذِينَ آيَسَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مِنْ إِيمَانِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ.
٩ / ٤٨٤
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٤٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام: ١١١]، ” سَأَلَتْ قُرَيْشٌ مُحَمَّدًا ﷺ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ، وَاسْتَحْلَفَهُمْ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: ﴿لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩]، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
٩ / ٤٨٥
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: “كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُرَيْشًا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، تُخْبِرُنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ مَعَهُ عَصًا يَضْرِبُ بِهَا الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، وَتُخْبِرُنَا أَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَتُخْبِرُنَا أَنَّ ثَمُودَ كَانَتْ لَهُمْ نَاقَةٌ، فَأْتِنَا بِشَيْءٍ مِنَ الْآيَاتِ حَتَّى نُصَدِّقَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيُّ شَيْءٍ تُحِبُّونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ؟» قَالُوا: تَجْعَلُ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَقَالَ لَهُمْ: «فَإِنْ فَعَلْتُ تُصَدِّقُونِي؟» قَالُوا: نَعَمْ وَاللَّهِ، لَئِنْ فَعَلْتَ لَنَتَّبِعَكَ أَجْمَعُونَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام
٩ / ٤٨٥
فَقَالَ: لَكَ مَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ ذَهَبًا، وَلَئِنْ أَرْسَلَ آيَةً فَلَمْ يُصَدِّقُوا عِنْدَ ذَلِكَ لَنُعَذِّبَنَّهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَاتْرُكْهُمْ حَتَّى يَتُوبَ تَائِبُهُمْ. فَقَالَ: «بَلْ يَتُوبُ تَائِبُهُمْ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾ [الأنعام: ١٠٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام: ١١١] “
٩ / ٤٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خُوطِبَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] الْمُشْرِكُونَ الْمُقْسِمُونَ بِاللَّهِ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ، وَانْتَهَى الْخَبَرُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩]، ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ عِنْدَ مَجِيئِهَا اسْتِئْنَافًا مُبْتَدَأً
٩ / ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] قَالَ: «مَا يُدْرِيكُمْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»
٩ / ٤٨٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩]: “وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ؟ قَالَ: أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]
٩ / ٤٨٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ: «إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ، ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ فَيَقُولُ: ﴿أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]»
٩ / ٤٨٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩]: “وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ إِذَا جَاءَتْ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ يُخْبِرُ عَنْهُمْ فَقَالَ: ﴿إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِكَسْرِ أَلِفِ: (إِنَّهَا)، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: (إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْأَوَّلِ، وَمِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ ذَلِكَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ ﷺ وَأَصْحَابَهُ، قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ، الْمُؤْمِنُونَ بِهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبُ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ حَلَفُوا أَنَّ الْآيَةَ إِذَا جَاءَتْ آمَنُوا وَاتَّبَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: سَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَبَّكَ ذَلِكَ، فَسَأَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ وَفِي مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ بِكَ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْآيَاتِ إِذَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ، فَفَتَحُوا الْأَلِفَ مِنْ (أَنَّ) وَمِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ، وَقَالُوا: أُدْخِلَتْ ⦗٤٨٨⦘ (لَا) فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] صِلَةً، كَمَا أُدْخِلَتْ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢]، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٥]، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: وَحَرَامٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ. وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْمٌ قَرَءُوا ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ: ﴿أَنَّهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩] بِمَعْنَى: لَعَلَّهَا، وَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا مِنْهَا: اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ أَنَّكَ تَشْتَرِي لِي شَيْئًا، بِمَعْنَى: لَعَلَّكَ تَشْتَرِي، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْعِبَادِيِّ:
[البحر الطويل] أَعَاذِلَ مَا يُدْرِيكَ أَنَّ مَنِيَّتِي … إِلَى سَاعَةٍ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ
بِمَعْنَى: لَعَلَّ مَنِيَّتِي، وَقَدْ أَنْشَدُونِي بَيْتَ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ:
[البحر الطويل] ذَرِينِي أُطَوِّفْ فِي الْبِلَادِ لِأَنَّنِي … أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدَا
بِمَعْنَى: لَعَلَّنِي. وَالَّذِي أَنْشَدَنِي أَصْحَابُنَا عَنِ الْفَرَّاءِ: (لَعَلَّنِي أَرَى مَا تَرَيْنَ) . وَقَدْ أُنْشِدَ أَيْضًا بَيْتُ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ:
[البحر الطويل] ⦗٤٨٩⦘ لَعَلَّكَ يَا تَيْسًا نَزَا فِي مَرِيرَةٍ … مُعَذِّبَ لَيْلَى أَنْ تَرَانِي أَزُورُهَا
(لَهَنَّكَ يَا تَيْسًا)، بِمَعْنَى: لِأَنَّكَ الَّتِي فِي مَعْنَى لَعَلَّكَ، وَأُنْشِدَ بَيْتُ أَبِي النَّجْمِ الْعِجْلِيِّ:
[البحر الرجز] قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهِ … إِنَّا نُغَدِّي الْقَوْمَ مِنْ شِوَائِهِ
يَعْنِي: لَعَلَّنَا نُغَدِّي الْقَوْمَ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِهِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَنَّهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩] بِمَعْنَى: (لَعَلَّهَا) . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِالصَّوَابِ لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِالْيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] بِالتَّاءِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ كَذَلِكَ، فَقِرَاءَةٌ خَارِجَةٌ عَمَّا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَكَفَى بِخِلَافِ جَمِيعِهِمْ لَهَا دَلِيلًا عَلَى ذَهَابِهَا وَشُذُوذِهَا. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يُدْرِيكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّ الْآيَاتِ إِذَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ، فَيُعَاجَلُوا بِالنِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُوا بِهِ
[البحر الطويل] أَعَاذِلَ مَا يُدْرِيكَ أَنَّ مَنِيَّتِي … إِلَى سَاعَةٍ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ
بِمَعْنَى: لَعَلَّ مَنِيَّتِي، وَقَدْ أَنْشَدُونِي بَيْتَ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ:
[البحر الطويل] ذَرِينِي أُطَوِّفْ فِي الْبِلَادِ لِأَنَّنِي … أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدَا
بِمَعْنَى: لَعَلَّنِي. وَالَّذِي أَنْشَدَنِي أَصْحَابُنَا عَنِ الْفَرَّاءِ: (لَعَلَّنِي أَرَى مَا تَرَيْنَ) . وَقَدْ أُنْشِدَ أَيْضًا بَيْتُ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ:
[البحر الطويل] ⦗٤٨٩⦘ لَعَلَّكَ يَا تَيْسًا نَزَا فِي مَرِيرَةٍ … مُعَذِّبَ لَيْلَى أَنْ تَرَانِي أَزُورُهَا
(لَهَنَّكَ يَا تَيْسًا)، بِمَعْنَى: لِأَنَّكَ الَّتِي فِي مَعْنَى لَعَلَّكَ، وَأُنْشِدَ بَيْتُ أَبِي النَّجْمِ الْعِجْلِيِّ:
[البحر الرجز] قُلْتُ لِشَيْبَانَ ادْنُ مِنْ لِقَائِهِ … إِنَّا نُغَدِّي الْقَوْمَ مِنْ شِوَائِهِ
يَعْنِي: لَعَلَّنَا نُغَدِّي الْقَوْمَ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِهِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَنَّهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩] بِمَعْنَى: (لَعَلَّهَا) . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِالصَّوَابِ لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِالْيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] خِطَابًا لِلْمُشْرِكِينَ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩] بِالتَّاءِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ كَذَلِكَ، فَقِرَاءَةٌ خَارِجَةٌ عَمَّا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَكَفَى بِخِلَافِ جَمِيعِهِمْ لَهَا دَلِيلًا عَلَى ذَهَابِهَا وَشُذُوذِهَا. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يُدْرِيكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّ الْآيَاتِ إِذَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يُؤْمِنُونَ، فَيُعَاجَلُوا بِالنِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُوا بِهِ
٩ / ٤٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام: ١١٠] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَوْ أَنَّا جِئْنَاهُمْ بِآيَةٍ كَمَا سَأَلُوا مَا آمَنُوا كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِمَا قَبْلَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، لِأَنَّ اللَّهَ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ
٩ / ٤٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠] الْآيَةَ، قَالَ: «لَمَّا جَحَدَ الْمُشْرِكُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَمْ تَثْبُتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَرُدَّتْ عَنْ كُلِّ أَمْرٍ»
٩ / ٤٩٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ [الأنعام: ١١٠] قَالَ: “نَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فَعَلْنَا بِهِمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَقَرَأَ: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠]
٩ / ٤٩٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ [الأنعام: ١١٠] قَالَ: «نَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ، وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ فَلَا يُؤْمِنُونَ، كَمَا حُلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ، لَوْ رُدُّوا مِنَ الْآخِرَةِ إِلَى ⦗٤٩١⦘ الدُّنْيَا فَلَا يُؤْمِنُونَ، كَمَا فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا فِي الدُّنْيَا. قَالُوا: وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]
٩ / ٤٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ مَا الْعِبَادُ قَائِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوهُ وَعَمَلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهُ، قَالَ: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لِمَنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِيَ كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾، يَقُولُ: مِنَ الْمُهْتَدِينَ. فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، وَقَالَ: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠] قَالَ: لَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهُدَى، كَمَا حُلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا، أَنَّهُ يُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وَيُصَرِّفُهَا كَيْفَ شَاءَ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهِ يُقِيمُهُ إِذَا شَاءَ وَيُزِيغُهُ إِذَا أَرَادَ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠] دَلِيلٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: (كَمَا) تَشْبِيهُ مَا بَعْدَهُ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ. ⦗٤٩٢⦘ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ فَنُزِيغُهَا عَنِ الْإِيمَانِ، وَأَبْصَارَهُمْ عَنْ رُؤْيَةِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَةِ مَوْضِعِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ جَاءَتْهُمُ الْآيَةُ الَّتِي سَأَلُوهَا فَلَا يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِتَقْلِيبِنَا إِيَّاهَا قَبْلَ مَجِيئِهَا مَرَّةً قَبْلَ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ كَانَتِ الْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ﴾ [الأنعام: ١١٠] كِنَايَةَ ذِكْرِ التَّقْلِيبِ
٩ / ٤٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام: ١١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَذَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا عِنْدَ مَجِيئِهَا فِي تَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَاعْتِدَائِهِمْ فِي حُدُودِهِ، يَتَرَدَّدُونَ لَا يَهْتَدُونَ لَحِقٍ، وَلَا يُبْصِرُونَ صَوَابًا، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْخِذْلَانُ وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ
٩ / ٤٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ، ايْئَسْ مِنْ فَلَاحِ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، الْقَائِلِينَ لَكَ: لَئِنْ جِئْتَنَا بِآيَةٍ لَنُؤْمِنُنَّ لَكَ، فَإِنَّنَا لَوْ ﴿نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ﴾ [الأنعام: ١١١] حَتَّى يَرَوْهَا عِيَانًا، ﴿وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى﴾ [الأنعام: ١١١] بِإِحْيَائِنَا إِيَّاهُمْ، حُجَّةً لَكَ وَدِلَالَةً عَلَى نُبُوَّتِكَ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّكَ مُحِقٌّ فِيمَا تَقُولُ، وَأَنَّ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١١١] فَجَعَلْنَاهُمْ لَكَ ﴿قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] مَا آمَنُوا وَلَا صَدَّقُوكَ، وَلَا اتَّبَعُوكَ، ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام: ١١١] يَقُولُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَجْهَلُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، يَحْسَبُونَ أَنَّ الْإِيمَانَ إِلَيْهِمْ وَالْكُفْرَ
٩ / ٤٩٢
بِأَيْدِيهِمْ، مَتَى شَاءُوا آمَنُوا، وَمَتَى شَاءُوا كَفَرُوا. وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، ذَلِكَ بِيَدِي، لَا يُؤْمِنُ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ لَهُ فَوَفَّقْتُهُ، وَلَا يَكْفُرُ إِلَّا مَنْ خَذَلْتُهُ عَنِ الرُّشْدِ فَأَضْلَلْتُهُ. وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ
٩ / ٤٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: “نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ الْآيَةَ، فَقَالَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَنَزَلَ فِيهِمْ: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ [الأنعام: ١١١] يُرَادُ بِهِ أَهْلَ الشَّقَاءِ، وَقِيلَ: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] فَاسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لِيُؤْمِنُوا﴾ [الأنعام: ١١١]، يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالسَّعَادَةِ
٩ / ٤٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ [الأنعام: ١١١]: «وَهُمْ أَهْلُ الشَّقَاءِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١]: وَهُمْ أَهْلُ السَّعَادَةِ الَّذِينَ سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَدْخُلُوا فِي ⦗٤٩٤⦘ الْإِيمَانِ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ [الأنعام: ١١١] الْقَوْمَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ [الأنعام: ١٠٩] . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ سَأَلُوا الْآيَةَ كَانُوا هُمُ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: إِنَّهُمْ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا خَبَرَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَالْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْعُمُومِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ عُنِيَ بِهِ أَهْلُ الشَّقَاءِ مِنْهُمْ أَوْلَى لِمَا وَصَفْنَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١]، فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (قِبَلًا) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، بِمَعْنَى مُعَايَنَةً، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: لَقِيتُهُ قِبَلًا: أَيْ مُعَايَنَةً وَمُجَاهَرَةً. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ ﴿قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ. وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ مِنَ التَّأْوِيلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْقُبُلُ جَمْعَ قَبِيلٍ كَالرُّغُفِ الَّتِي هِيَ جَمْعُ رَغِيفٍ، وَالْقُضُبِ الَّتِي هِيَ جَمْعُ قَضِيبٍ، وَيَكُونُ الْقُبُلُ: الضُمَنَاءُ وَالْكُفَلَاءُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ كُفَلَاءَ يَكْفُلُونَ لَهُمْ بِأَنَّ الَّذِي نَعِدُهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ ⦗٤٩٥⦘ بِاللَّهِ إِنْ آمَنُوا، أَوْ نُوعِدُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ إِنْ هَلَكُوا عَلَى كُفْرِهِمْ، مَا آمَنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ (الْقُبُلُ) بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَالْمُوَاجَهَةِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَتَيْتُكَ قُبُلًا لَا دُبُرًا، إِذَا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قَبِيلَةً قَبِيلَةً، صِنْفًا صِنْفًا، وَجَمَاعَةً جَمَاعَةً. فَيَكُونُ الْقُبُلُ حِينَئِذٍ جَمْعُ قَبِيلٍ الَّذِي هُوَ جَمْعُ قَبِيلَةٍ، فَيَكُونُ الْقُبُلُ جَمْعَ الْجَمْعِ. وَبِكُلِّ ذَلِكَ قَدْ قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مُعَايَنَةٌ
٩ / ٤٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] يَقُولُ: «مُعَايَنَةً»
٩ / ٤٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] حَتَّى يُعَايِنُوا ذَلِكَ مُعَايَنَةً، ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: قَبِيلَةً قَبِيلَةً، صِنْفًا صِنْفًا
٩ / ٤٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، مَنْ قَرَأَ: ﴿قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] مَعْنَاهُ: «قَبِيلًا قَبِيلًا»
٩ / ٤٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١]: «أَفْوَاجًا، قَبِيلًا قَبِيلًا»
٩ / ٤٩٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: ثني طَلْحَةُ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَرَأَ فِي الْأَنْعَامِ: ﴿كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] قَالَ: «قَبَائِلَ، قَبِيلًا وَقَبِيلًا وَقَبِيلًا» ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: مُقَابَلَةٌ
٩ / ٤٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] يَقُولُ: «لَوِ اسْتَقْبَلَهُمْ ذَلِكَ كُلُّهُ، لَمْ يُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ»
٩ / ٤٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] قَالَ: «حَشَرُوا إِلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَقَابَلُوهُمْ وَوَاجَهُوهُمْ»
٩ / ٤٩٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَرَأَ عِيسَى: ﴿قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] وَمَعْنَاهُ: «عِيَانًا» وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا﴾ [الأنعام: ١١١] بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنِ احْتِمَالِ ذَلِكَ الْأَوْجُهَ الَّتِي بَيَّنَّا مِنَ الْمَعَانِي، وَأَنَّ مَعْنَى الْقِبَلِ دَاخِلٌ فِيهِ، وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْقِبَلِ مَعَانِي الْقُبُلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [الأنعام: ١١١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَجَمَعْنَا عَلَيْهِمْ، وَسُقْنَا إِلَيْهِمْ
٩ / ٤٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ١١٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، مُسَلِّيَهُ بِذَلِكَ عَمَّا لَقِيَ مِنْ كَفَرَةِ قَوْمِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَحَاثًّا لَهُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا نَالَ فِيهِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ [الأنعام: ١١٢] يَقُولُ: وَكَمَا ابْتَلَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِأَنْ جَعَلْنَا لَكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ أَعْدَاءً شَيَاطِينَ ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ﴾ [الأنعام: ١١٢] لِيَصُدُّوهُمْ بِمُجَادَلَتِهِمْ إِيَّاكَ بِذَلِكَ عَنِ اتِّبَاعِكَ وَالْإِيمَانِ بِكَ وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، كَذَلِكَ ابْتَلَيْنَا مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، بِأَنْ جَعَلْنَا لَهُمْ أَعْدَاءً مِنْ قَوْمِهِمْ يُؤْذُونَهُمْ بِالْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ، يَقُولُ: فَهَذَا الَّذِي امْتَحَنْتُكَ بِهِ لَمْ تُخَصَّصْ بِهِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَحْدَكَ، بَلْ قَدْ عَمَّمْتُهُمْ بِذَلِكَ مَعَكَ لِأَبْتَلِيَهُمْ وَأَخْتَبِرَهُمْ مَعَ قُدْرَتِي عَلَى مَنْعِ مَنْ آذَاهُمْ مِنْ إِيذَائِهِمْ، فَلَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا لَأَعْرِفَ أُولِي الْعَزْمِ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، يَقُولُ: فَاصْبِرْ أَنْتَ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. وَأَمَّا شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَإِنَّهُمْ مَرَدَتُهُمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْفِعْلَ الَّذِي مِنْهُ بُنِيَ هَذَا الِاسْمُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَنَصَبَ الْعَدُوَّ وَالشَّيَاطِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿جَعَلْنَا﴾ [البقرة: ١٢٥]
٩ / ٤٩٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّهُ يُلْقِي الْمُلْقِي مِنْهُمُ الْقَوْلَ الَّذِي زَيَّنَهُ وَحَسَّنَهُ بِالْبَاطِلِ إِلَى صَاحِبِهِ، لِيَغْتَرَّ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ فَيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢] فَقَالَ ⦗٤٩٨⦘ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: شَيَاطِينُ الْإِنْسِ الَّتِي مَعَ الْإِنْسِ، وَشَيَاطِينُ الْجِنِّ الَّتِي مَعَ الْجِنِّ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسِ شَيَاطِينُ
٩ / ٤٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا. وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢]: «أَمَّا شَيَاطِينُ الْإِنْسِ: فَالشَّيَاطِينُ الَّتِي تُضِلُّ الْإِنْسَ، وَشَيَاطِينُ الْجِنِّ الَّذِينَ يُضِلُّونَ الْجِنَّ، يَلْتَقِيَانِ فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِنِّي أَضْلَلْتُ صَاحِبِي بِكَذَا وَكَذَا، وَأَضْلَلْتَ أَنْتَ صَاحِبَكَ بِكَذَا وَكَذَا، فَيُعَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
٩ / ٤٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢] قَالَ: «لَيْسَ فِي الْإِنْسِ شَيَاطِينُ، وَلَكِنْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، وَشَيَاطِينُ الْإِنْسِ يُوحُونَ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ»
٩ / ٤٩٨
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: ١١٢] قَالَ: «لِلْإِنْسَانِ شَيْطَانٌ، وَلِلْجِنِّيِّ شَيْطَانٌ، فَيَلْقَى شَيْطَانُ الْإِنْسِ شَيْطَانَ الْجِنِّ، فَيُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا»
٩ / ٤٩٨
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: جَعَلَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ فِي تَأْوِيلِهِمَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ عَنْهُمَا، عَدُوَّ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا﴾ [الأنعام: ١١٢] أَوْلَادَ إِبْلِيسَ دُونَ أَوْلَادِ آدَمَ وَدُونَ الْجِنِّ، وَجَعَلَ الْمُوصُوفِينَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُوحِي إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، وَلَدَ إِبْلِيسَ، وَأَنَّ مَنْ مَعَ ابْنِ آدَمَ مِنْ وَلَدِ إِبْلِيسَ يُوحِي إِلَى مَنْ مَعَ الْجِنِّ مِنْ وَلَدِهِ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا. وَلَيْسَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ إِبْلِيسَ وَوَلَدَهُ أَعْدَاءَ ابْنِ آدَمَ، فَكُلُّ وَلَدِهِ لِكُلِّ وَلَدِهِ عَدُوٌّ. وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْخَبَرَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ أَعْدَاءً، فَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ السُّدِّيُّ، الَّذِينَ هُمْ وَلَدُ إِبْلِيسَ، لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمُ الشَّيَاطِينَ أَعْدَاءً وَجْهٌ. وَقَدْ جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ لِأَعْدَى أَعْدَائِهِ مِثْلَ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَالَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّهِ مَعْنِيُّ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ مَرَدَةَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الْقَوْلِ مَا يُؤْذِيهِمْ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٩ / ٤٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: ثني رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَعَوَّذْتَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِلْإِنْسِ مِنْ شَيَاطِينَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
٩ / ٤٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَشْيَخَةِ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي مَجْلِسٍ قَدْ أَطَالَ فِيهِ الْجُلُوسَ، قَالَ: فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ صَلَّيْتَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ»، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هَلْ تَعَوَّذْتَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ لِلْإِنْسِ مِنْ شَيَاطِينَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، شَرٌّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ»
٩ / ٥٠٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا ذَرٍّ، قَامَ يَوْمًا يُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «تَعَوَّذْ يَا أَبَا ذَرٍّ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَ إِنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
٩ / ٥٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢] قَالَ: مِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينُ، وَمِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينُ، يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَوْمًا يُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «تَعَوَّذْ يَا أَبَا ذَرٍّ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ»، فَقَالَ: ⦗٥٠١⦘ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَ إِنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «نَعَمْ»