سُورَةُ الَأنْفَالِ 2

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ: نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ»
١١ ‏/ ١٠١
قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢] قَالَ: لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ. قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عنيَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ
١١ ‏/ ١٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢] لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ النِّعْمَةِ وَالسَّعَةِ» ⦗١٠٢⦘ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَّهُ عنيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ
١١ ‏/ ١٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِيمَنْ عنيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَفِي مَعْنَاهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عنيَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ رَزَقَهُمُ اللَّهُ الْفَهْمَ لِمَا أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
١١ ‏/ ١٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَّى حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ [الأنفال: ٢٣] لَقَالُوا ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا﴾ [يونس: ١٥] وَلَقَالُوا: ﴿لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا﴾ [الأعراف: ٢٠٣] وَلَوْ جَاءَهُمْ بِقُرْآنٍ غَيْرِهِ ﴿لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣]»
١١ ‏/ ١٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣] قَالَ: لَوْ أَسْمَعَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ مَا انْتَفَعُوا بِذَلِكَ، وَلَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ». وَحدثني بِهِ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ مَا نَفَعَهُمْ بَعْدَ أَنْ نَفَذَ عَلِمُهُ بِأَنَّهُمْ لَا ⦗١٠٣⦘ يَنْتَفِعُونَ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عنيَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ
١١ ‏/ ١٠٢
قَالُوا: وَمَعْنَاهُ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ [الأنفال: ٢٣] لَأَنْفَذَ لَهُمْ قَوْلَهُمُ الَّذِي قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنِ الْقُلُوبُ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَوْ خَرَجُوا مَعَكُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، فَأَوْفَوْا لَكُمْ بِشَرِّ مِمَّا خَرَجُوا عَلَيْهِ» وَأَوْلَى الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَنْ: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ وَعِبَرَهُ؛ حَتَّى يَعْقِلُوا عَنِ اللَّهِ حُجَجَهُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ كُتِبَ لَهُمُ الشَّقَاءُ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ أَفْهَمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمُوا وَيَفْهَمُوا لَتَوَلَّوْا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَوَاعِظُ اللَّهِ وَعِبَرُهُ وَحُجَجُهُ مُعَانِدُونَ لِلْحَقِّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ
١١ ‏/ ١٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤]⦗١٠٤⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِلْإِيمَانِ
١١ ‏/ ١٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: لِمَا يُحْيِيكُمْ فَهُوَ الْإِسْلَامُ، أَحْيَاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، بَعْدَ كُفْرِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: لِلْحَقِّ
١١ ‏/ ١٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَحِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: الْحَقُّ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: الْحَقُّ»
١١ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ⦗١٠٥⦘ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: لِلْحَقِّ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى مَا فِي الْقُرْآنِ
١١ ‏/ ١٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: هُوَ هَذَا الْقُرْآنُ فِيهِ الْحَيَاةُ وَالْعِفَّةُ وَالْعِصْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى الْحَرْبِ وَجِهَادِ الْعَدُوِّ
١١ ‏/ ١٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] أَيْ: لِلْحَرْبِ الَّذِي أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِهَا بَعْدَ الذُّلِّ، وَقَوَّاكُمْ بَعْدَ الضَّعْفِ، وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوِّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بِالطَّاعَةِ إِذَا دَعَاكُمُ الرَّسُولُ لِمَا يُحْيِيكُمْ مِنَ الْحَقِّ. وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعْنَاهُ كَانَ ⦗١٠٦⦘ دَاخِلًا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِجَابَتِهِمْ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ وَالْجِهَادِ، وَالْإِجَابَةُ إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَفِي الْإِجَابَةِ إِلَى كُلِّ ذَلِكَ حَيَاةُ الْمُجِيبِ. أَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَيُقَالُ: الذِّكْرُ الْجَمِيلُ، وَذَلِكَ لَهُ فِيهِ حَيَاةٌ. وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَحَيَاةُ الْأَبَدِ فِي الْجِنَّانِ وَالْخُلُودِ فِيهَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ الْإِسْلَامُ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنًى لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ وَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ لِلْمُؤْمِنِ اسْتَجِبْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ
١١ ‏/ ١٠٥
وَبَعْدُ: فَفِيمَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أُبَيٍّ وَهُوَ يُصَلِّي، فَدَعَاهُ: أَيْ أُبَيُّ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أُبَيٌّ، وَلَمْ يُجِبْهُ. ثُمَّ إِنَّ أُبَيًّا خَفَّفَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيْ: رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «وَعَلَيْكَ، مَا مَنَعَكَ إِذْ دَعَوْتُكَ أَنَّ تُجِيبَنِي؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أُصَلِّي. قَالَ: «أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤]؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَعُودُ
١١ ‏/ ١٠٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أُبَيٍّ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَصَرَخَ ⦗١٠٧⦘ بِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: «يَا أُبَيُّ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤]» قَالَ أُبَيُّ: لَا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْتُ، وَإِنْ كُنْتُ أُصَلِّي مَا يُبَيِّنُ عِنْ أَنَّ الْمَعنيَّ بِالْآيَةِ هُمُ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى مَا فِيهِ حَيَاتُهُمْ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ
١١ ‏/ ١٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ
١١ ‏/ ١٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿⦗١٠٨⦘ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: بَيْنَ الْكَافِرِ أَنْ يُؤْمِنَ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَكْفُرَ». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَةَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٠٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ»
١١ ‏/ ١٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ وَطَاعَةِ اللَّهِ»
١١ ‏/ ١٠٨
قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ»
١١ ‏/ ١٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ⦗١٠٩⦘ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَطَاعَتِهِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَمَعْصِيَتِهِ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، بِنَحْوِهِ
١١ ‏/ ١٠٨
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: «يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَنْ يَكْفُرَ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ أَنْ يُؤْمِنَ»
١١ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَاعَةِ اللَّهِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ» حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، نَحْوَهُ. وَحُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي رَوَّادٍ يُحَدِّثُ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَمَعْصِيَتِهِ»
١١ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] يَقُولُ: يَحُولُ بَيْنَ ⦗١١٠⦘ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ»
١١ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] يَقُولُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَاعَتِهِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ مَعْصِيَتِهِ»
١١ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ»
١١ ‏/ ١١٠
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] يَقُولُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَاعَتِهِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ مَعْصِيَتِهِ»
١١ ‏/ ١١٠
قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمَعَاصِي، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ»
١١ ‏/ ١١٠
قَالَ: ثنا عُبَيْدَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعَاصِي» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ، فَلَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ
١١ ‏/ ١١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ»
١١ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] حَتَّى يَتْرُكَهُ لَا يَعْقِلُ». حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١١١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: هِيَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ حَتَّى يَتْرُكَهُ لَا يَعْقِلُ»
١١ ‏/ ١١١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: إِذَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَلْبِكَ كَيْفَ تَعْمَلُ»
١١ ‏/ ١١١
قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ قَلْبِ الْكَافِرِ، وَأَنْ يَعْمَلَ خَيْرًا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ
١١ ‏/ ١١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ، يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ ⦗١١٢⦘ الْإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَكْفُرَ إِلَّا بِإِذْنِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ قَلْبِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ أَظْهَرَهُ أَوْ أَسَرَّهُ
١١ ‏/ ١١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] قَالَ: هِيَ كَقَوْلِهِ ﴿أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦]» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل أَنَّهُ أَمْلَكُ لِقُلُوبِ عِبَادِهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِذَا شَاءَ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ ذُو قَلْبٍ أَنْ يُدْرِكَ بِهِ شَيْئًا مِنْ إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ، أَوْ أَنْ يَعِيَ بِهِ شَيْئًا، أَوْ أَنْ يَفْهَمَ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْحَوْلَ بَيْنَ الشَّيْءِ وَالشَّيْءِ إِنَّمَا هُوَ الْحَجْزُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا حَجَزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَ عَبْدٍ وَقَلْبِهِ فِي شَيْءٍ أَنْ يُدْرِكَهُ أَوْ يَفْهَمَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ إِلَى إِدْرَاكِ مَا قَدْ مَنَعَ اللَّهُ قَلْبَهُ إِدْرَاكَهُ سَبِيلٌ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْلِهِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَكْفُرَ إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا حَالَ بَيْنَ عَبْدٍ وَقَلْبِهِ لَمْ يَفْهَمِ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ الَّذِي قَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا مَنَعَ إِدْرَاكَهُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ. غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ ⦗١١٣⦘ وَقَلْبِهِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَالْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ كُلَّ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَالْخَبَرُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
١١ ‏/ ١١٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَيْضًا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، أَنَّ اللَّهَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى قُلُوبِكُمْ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا مِنْكُمْ، إِلَيْهِ مَصِيرُكُمْ وَمَرْجِعُكُمْ فِي الْقِيَامَةِ، فَيُوَفِّيكُمْ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ، الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، فَاتَّقُوهُ وَرَاقِبُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ هُوَ وَرَسُولُهُ أَنْ تُضَيِّعُوهُ، وَأَنْ لَا تَسْتَجِيبُوا لِرَسُولِهِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، فَيُوجِبَ ذَلِكَ سَخَطَهُ، وَتَسْتَحِقُّوا بِهِ أَلِيمَ عَذَابِهِ حِينَ تُحْشَرُونَ إِلَيْهِ
١١ ‏/ ١١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: اتَّقُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِتْنَةً يَقُولُ: اخْتِبَارًا مِنَ اللَّهِ يَخْتَبِرُكُمْ، وَبَلَاءً يَبْتَلِيكُمْ، لَا تُصِيبَنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي حَذَّرْتُكُمُوهَا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَهُمُ الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ فِعْلُهُ، إِمَّا إِجْرَامٌ أَصَابُوهَا وَذُنُوبٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ رَكِبُوهَا، يُحَذِّرُهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَرْكَبُوا لَهُ مَعْصِيَةً أَوْ يَأْتُوا مَأْثَمًا يَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ مِنْهُ عُقُوبَةً. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُمُ الَّذِينَ عنوا بِهَا
١١ ‏/ ١١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ ⦗١١٤⦘ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، رضي الله عنهم»
١١ ‏/ ١١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [سورة: الأنفال، آية رقم: ٢٥] قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: «لَقَدْ نَزَلَتْ وَمَا نَرَى أَحَدًا مِنَّا يَقَعُ بِهَا، ثُمَّ خَصَّتْنَا فِي إِصَابَتِنَا خَاصَّةً»
١١ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ عَوْفٍ أَبُو رَبِيعَةَ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] وَمَا نَظُنُّنَا أَهْلَهَا، وَنَحْنُ عنينَا بِهَا»
١١ ‏/ ١١٤
قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ صَبْهَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَقُولُ: «قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ زَمَانًا وَمَا أُرَانَا مِنْ أَهْلِهَا، فَإِذَا نَحْنُ الْمَعنيُّونَ بِهَا ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: ٢٥]»
١١ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] قَالَ: هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً، وَأَصَابَتْهُمْ يَوْمَ الْجَمَلِ فَاقْتَتَلُوا»
١١ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: ٢٥] قَالَ: أَصْحَابُ الْجَمَلِ»
١١ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُقِرُّوا الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ»
١١ ‏/ ١١٥
قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] قَالَ: هِيَ أَيْضًا لَكُمْ»
١١ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥] قَالَ: الْفِتْنَةُ: الضَّلَالَةُ»
١١ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: قَالَ ⦗١١٦⦘ عَبْدُ اللَّهِ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: ١٥] فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ»
١١ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: «لَقَدْ خُوِّفْنَا بِهَا، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: ٢٥]» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: ﴿اتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنفال: ٢٥] قَوْلُهُ: لَا تُصِيبَنَّ، لَيْسَ بِجَوَابٍ، وَلَكِنَّهُ نَهْي بَعْدَ أَمْرٍ، وَلَوْ كَانَ جَوَابًا مَا دَخَلَتِ النُّونُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: قَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنفال: ٢٥] أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ، وَمِنْكُمْ ظَرْفٌ مِنَ الْجَزَاءِ وَإِنْ كَانَ نَهْيًا. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ﴾ [النمل: ١٨] أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ، وَفِيهِ تَأْوِيلُ الْجَزَاءِ. وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عندَهُ: اتَّقُوا فِتْنَةً إِنْ لَمْ تَتَّقُوهَا أَصَابَتْكُمْ
١١ ‏/ ١١٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [سورة: البقرة، آية رقم: ١٩٦] فَإِنَّهُ تَحْذِيرٌ مِنَ اللَّهِ وَوَعِيدٌ لِمَنْ وَاقَعَ الْفِتْنَةَ الَّتِي حَذَّرَهُ إِيَّاهَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾ [سورة: الأنفال، آية رقم: ٢٥] يَقُولُ: اعْلَمُوا أَيُّهَا ⦗١١٧⦘ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ رَبَّكُمْ شَدِيدٌ عِقَابُهُ لِمَنِ افْتُتِنَ بِظُلْمِ نَفْسِهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، فَأَثِمَ بِهِ
١١ ‏/ ١١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٦] وَهَذَا تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمُنَاصَحَةٌ. يَقُولُ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِمَا فِيهِ عَلَيْكُمُ الْمَشَقَّةُ وَالشِّدَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُهَوِّنْهُ عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ وَيُعَجِّلُ لَكُمْ مِنْهُ مَا تُحِبُّونَ، كَمَا فَعَلَ بِكُمْ إِذْ آمَنْتُمْ بِهِ وَاتَّبَعْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ قَلِيلٌ يَسْتَضْعِفُكُمُ الْكُفَّارُ فَيَفْتِنُونَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَيَنَالُونَكُمْ بِالْمَكْرُوهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَعْرَاضِكُمْ تَخَافُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَتَخَطَّفُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ وَيَصْطَلِمُوا جَمِيعَكُمْ ﴿فَآوَاكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٦] يَقُولُ: فَحَمَلَ لَكُمْ مَأْوًى تَأْوُونَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ. ﴿وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: ٢٦] يَقُولُ: وَقَوَّاكُمْ بِنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلْتُمْ بِبَدْرٍ. ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [الأنفال: ٢٦] يَقُولُ: وَأَطْعَمَكُمْ غَنِيمَتَهُمْ حَلَالًا طَيِّبًا. ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٢] يَقُولُ: لِكَيْ تَشْكُرُوا عَلَى مَا رَزَقَكُمْ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ عِنْدَكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي النَّاسِ الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ: ﴿أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ
١١ ‏/ ١١٧
النَّاسُ﴾ [الأنفال: ٢٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ
١١ ‏/ ١١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ [الأنفال: ٢٦] قَالَ: يَعْنِي بِمَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَحُلَفَائِهَا وَمَوَالِيهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ»
١١ ‏/ ١١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، أَوْ قَتَادَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا: «﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ﴾ [الأنفال: ٢٦] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، كَانُوا يَوْمَئِذٍ يَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَهُمُ النَّاسُ، فَآوَاهُمُ اللَّهُ وَأَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عنيَ بِهِ غَيْرُ قُرَيْشٍ
١١ ‏/ ١١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عز وجل: «﴿تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ ⦗١١٩⦘ النَّاسُ﴾ [الأنفال: ٢٦] قَالَ: فَارِسُ»
١١ ‏/ ١١٨
قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ، وَقَرَأَ: «﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ [الأنفال: ٢٦] وَالنَّاسُ إِذْ ذَاكَ: فَارِسُ، وَالرُّومُ»
١١ ‏/ ١١٩
قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٢٦] قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ أَذَلَّ النَّاسِ ذُلًّا، وَأَشْقَاهُ عَيْشًا، وَأَجْوَعَهُ بُطُونًا، وَأَعْرَاهُ جُلُودًا، وَأَبْيَنَهُ ضَلَالًا، مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَاشَ شَقِيًّا، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رُدِّيَ فِي النَّاسِ، يُؤْكَلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ، وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ قَبِيلًا مِنْ حَاضِرِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ كَانُوا أَشَرَّ مِنْهُمْ مَنْزِلًا. حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَكَّنَ بِهِ فِي الْبِلَادِ، وَوَسَّعَ بِهِ فِي الرِّزْقِ، وَجَعَلَكُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، فَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّهُ مَا رَأَيْتُمْ، فَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ مُنْعِمٌ يُحِبُّ الشُّكْرَ، وَأَهْلُ الشُّكْرِ فِي مَزِيدٍ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عنيَ بِذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَدْنَى الْكُفَّارِ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ، وَأَشَدَّهُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِ ⦗١٢٠⦘ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَآوَاكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: آوَاكُمُ الْمَدِينَةَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: ٢٦] بِالْأَنْصَارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَآوَاكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٦] قَالَ: إِلَى الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ. ﴿وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال: ٢٦] وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ أَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ١٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [الأنفال: ٢٦] يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ»
١١ ‏/ ١٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّهِ ﷺ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ [الأنفال: ٢٧] وَخِيَانَتُهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كَانَتْ بِإِظْهَارِ مَنْ أَظْهَرَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ فِي الظَّاهِرِ وَالنَّصِيحَةَ، وَهُوَ يَسْتَسِرُّ الْكُفْرَ وَالْغِشِّ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ، يَدُلُّونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَتِهِمْ، وَيُخْبِرُونَهُمْ بِمَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْ خَبَرِهِمْ. ⦗١٢١⦘ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَفِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي مُنَافِقٍ كَتَبَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يُطْلِعُهُ عَلَى سِرِّ الْمُسْلِمِينَ
١١ ‏/ ١٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُحْرِمِ، قَالَ: لَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَحدثني قَالَ: ثني جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ وَاكْتُمُوا» قَالَ: فَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُرِيدُكُمْ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ لِلَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ
١١ ‏/ ١٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَوْلُهُ: “﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا ⦗١٢٢⦘ يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ الَّذِي يَحُلُّنِي، فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ بِهَا الذَّنْبَ وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي قَالَ: «يُجْزِيكَ الثُّلُثُ أَنْ تَصَدَّقَ بِهِ»
١١ ‏/ ١٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ، يَقُولُ: «نَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧] فِي أَبِي لُبَابَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُثْمَانَ رضي الله عنه
١١ ‏/ ١٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [الأنفال: ٢٧] الْآيَةَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خِيَانَتِهِ ⦗١٢٣⦘ وَخِيَانَةِ رَسُولِهِ وَخِيَانَةِ أَمَانَتِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي غَيْرِهِ، وَلَا خَبَرَ عندَنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ بِصِحَّتِهِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ وَتَأْوِيلُهَا مَا قَدَّمْنَا ذَكَرَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [الأنفال: ٢٧] قَالَ: نَهَاكُمْ أَنْ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ»
١١ ‏/ ١٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [الأنفال: ٢٧] الْآيَةَ قَالَ: كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ الْحَدِيثَ فَيُفْشُونَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُشْرِكِينَ» وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ. لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خِيَانَةٌ لِأَمَانَاتِكُمْ وَهَلَاكٌ لَهَا
١١ ‏/ ١٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] فَإِنَّهُمْ إِذَا خَانُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَقَدْ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ»
١١ ‏/ ١٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧] أَيْ: لَا تُظْهِرُوا لِلَّهِ مِنَ الْحَقِّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمَّ تُخَالِفُوهُ فِي السِّرِّ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ» فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلَ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ … عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وَيُرْوَى: «وَتَأْتِي مِثْلَهُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
١١ ‏/ ١٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] يَقُولُ: لَا تَخُونُوا: يَعْنِي لَا تُنْقِصُوهَا» فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ. ⦗١٢٥⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْأَمَانَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَا يَخْفَى عَنْ أَعْيَنَ النَّاسِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ
١١ ‏/ ١٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] وَالْأَمَانَةُ: الْأَعْمَالُ الَّتِي آمَنَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعِبَادَ، يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ. يَقُولُ: ﴿لَا تَخُونُوا﴾ [الأنفال: ٢٧] يَعْنِي لَا تُنْقِصُوهَا». حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ﴾ [الأنفال: ٢٧] يَقُولُ: بِتَرْكِ فَرَائِضِهِ ﴿وَالرَّسُولَ﴾ [الأنفال: ٢٧] يَقُولُ: بِتَرْكِ سُنَنِهِ وَارْتِكَابِ مَعْصِيَتِهِ. قَالَ: وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] وَالْأَمَانَةُ: الْأَعْمَالُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْمُثَنَّى. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الْأَمَانَاتِ هَاهُنَا: الدِّينُ
١١ ‏/ ١٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٧] دِينَكُمْ. ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢] قَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ. وَقَرَأَ: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا ⦗١٢٦⦘ كُسَالَى﴾ [النساء: ١٤٢] الْآيَةَ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَمَّنَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى دِينِهِ فَخَانُوا، أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُنْقِصُوا اللَّهَ حُقُوقَهُ عَلَيْكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ وَلَا رَسُولَهُ مِنْ وَاجِبِ طَاعَتِهِ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَطِيعُوهُمَا فِيمَا أَمَرَاكُمْ بِهِ وَنَهَيَاكُمْ عَنْهُ، لَا تُنْقِصُوهُمَا، وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ، وَتُنْقِصُوا أَدْيَانَكُمْ، وَوَاجِبَ أَعْمَالِكُمْ، وَلَازِمَهَا لَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَازِمَةٌ عَلَيْكُمْ وَوَاجِبَةٌ بِالْحُجَجِ الَّتِي قَدْ ثَبَتَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ
١١ ‏/ ١٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمُ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمُ الَّتِي خَوَّلَكُمُوهَا اللَّهُ وَأَوْلَادُكُمُ الَّتِي وَهَبَهَا اللَّهُ لَكُمُ اخْتِبَارٌ وَبَلَاءٌ أَعْطَاكُمُوهَا لِيَخْتَبِرَكُمْ بِهَا وَيَبْتَلِيَكُمْ لَيَنْظُرَ كَيْفَ أَنْتُمْ عَامِلُونَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِيهَا وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فِيهَا ﴿وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٢٨] يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عندَهُ خَيْرٌ وَثَوَابٌ عَظِيمٌ عَلَى طَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمُ الَّتِي اخْتَبَرَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا لَكُمْ فِيهَا تَنَالُوا بِهِ الْجَزِيلَ مِنْ ثَوَابِهِ فِي مَعَادِكُمْ
١١ ‏/ ١٢٦
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ ⦗١٢٧⦘ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: ٢٨] قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، فَمَنِ اسْتَعَاذَ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ»
١١ ‏/ ١٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: ٢٨] قَالَ: فِتْنَةُ الِاخْتِبَارِ، اخْتِبَارُهُمْ. وَقَرَأَ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥]»
١١ ‏/ ١٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ﴾ [الأنفال: ٢٩] بِطَاعَتِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَتَرْكِ خِيَانَتِهِ، خِيَانَةِ رَسُولِهِ وَخِيَانَةِ أَمَانَاتِكُمْ ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] يَقُولُ: يَجْعَلْ لَكُمْ فَصْلًا وَفَرْقًا بَيْنَ حَقِّكُمْ وَبَاطِلِ مَنْ يَبْغِيكُمُ السُّوءَ مِنْ أَعْدَائِكُمُ الْمُشْرِكِينَ بِنَصْرِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِعْطَائِكُمُ الظَّفَرَ بِهِمْ. ﴿وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٩] يَقُولُ: وَيَمْحُو عَنْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ. ﴿ويغفر لكم﴾ [آل عمران: ٣١] يَقُولُ: وَيُغَطِّيهَا، فَيَسْتُرُهَا عَلَيْكُمْ، فَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهَا. ﴿وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: ١٠٥] يَقُولُ: وَاللَّهُ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكُمْ، لَهُ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقِهِ بِفِعْلِهِ
١١ ‏/ ١٢٧
ذَلِكَ وَفِعْلِ أَمْثَالِهِ، وَإِنَّ فَعَلَهُ جَزَاءٌ مِنْهُ لِعَبْدِهِ عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ عَبْدَهُ لِطَاعَتِهِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا حَتَّى اسْتَحَقَّ مِنْ رَبِهِ الْجَزَاءَ الَّذِي وَعَدَهُ عَلَيْهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَخْرَجًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَجَاةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَصْلًا. وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْعِبَارَاتُ عنهَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ صِحَّةَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١١ ‏/ ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ الْمَخْرَجُ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: مَخْرَجًا»
١١ ‏/ ١٢٨
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِنَّ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: مَخْرَجًا»
١١ ‏/ ١٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامُ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] مَخْرَجًا»
١١ ‏/ ١٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: الْفُرْقَانُ الْمَخْرَجُ»
١١ ‏/ ١٢٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] يَقُولُ: مَخْرَجًا»
١١ ‏/ ١٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] مَخْرَجًا». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: ثنا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: مَخْرَجًا»
١١ ‏/ ١٢٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبِيدًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «﴿فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] مَخْرَجًا». ⦗١٣٠⦘ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ جَابِرٍ: عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «الْفُرْقَانُ: الْمَخْرَجُ»
١١ ‏/ ١٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ النَّجَاةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿إِنَّ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: نَجَاةً»
١١ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَخْرَجُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: النَّجَاةُ»
١١ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: نَجَاةً.»
١١ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] يَقُولُ: يَجْعَلْ لَكُمْ نَجَاةً»
١١ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] أَيْ: نَجَاةً» ⦗١٣١⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ فَصْلًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] قَالَ: فُرْقَانٌ يُفَرِّقُ فِي قُلُوبِهِمْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، حَتَّى يَعْرِفُوهُ وَيَهْتَدُوا بِذَلِكَ الْفُرْقَانِ
١١ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] أَيْ: فَصْلًا بَيْنَ الْحَقِّ الْبَاطِلِ، يُظْهِرُ بِهِ حَقَّكُمْ وَيُخْفِي بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ» وَالْفُرْقَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَصْدَرٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَرَّقْتُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَالشَّيْءِ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَفُرْقَانًا
١١ ‏/ ١٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُذَكِّرُهَ نِعَمَهُ عَلَيْهِ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ؛ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ كَيْ يُثْبِتُوكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَيُقَيِّدُوكَ
١١ ‏/ ١٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] يَعْنِي: لِيُوثِقُوكَ»
١١ ‏/ ١٣٢
قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] لِيُوثِقُوكَ»
١١ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] الْآيَةَ يَقُولُ: لِيَشُدُّوكَ وَثَاقًا، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ»
١١ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمِقْسَمٍ، قَالَا: «قَالُوا: أَوْثِقُوهُ بِالْوِثَاقِ»
١١ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: الْإِثْبَاتُ: هُوَ الْحَبْسُ وَالْوَثَاقُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ الْحَبْسُ
١١ ‏/ ١٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ⦗١٣٣⦘ سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: «﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: يَسْجِنُوكَ. وَقَالَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ»
١١ ‏/ ١٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «قَالُوا: اسْجِنُوهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: لِيَسْحَرُوكَ
١١ ‏/ ١٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْوَسَاوِسِيِّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ: «أَنَّ أَبَا طَالِبٍ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَا يَأْتَمِرُ بِهِ قَوْمُكَ؟ قَالَ: «يُرِيدُونَ أَنْ يَسْحَرُونِي وَيَقْتُلُونِي وَيُخْرِجُونِي» فَقَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «رَبِّي» قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ، فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَنَا أَسْتَوْصِي بِهِ؟ بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي خَيْرًا» . فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ١٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: “لَمَّا ائْتَمِرُوا بِالنَّبِيِّ ﷺ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ قَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَلْ تَدْرِي مَا ائْتَمِرُوا لَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: فَأَخْبَرَهُ. قَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: «رَبِّي» . قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ، اسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا قَالَ «أَنَا ⦗١٣٤⦘ أَسْتَوْصِيَ بِهِ، أَوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي؟» وَكَانَ مَعْنَى مَكْرِ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِهِ لِيُثْبِتُوهُ
١١ ‏/ ١٣٣
كَمَا: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَحدثني الْكَلْبِيُّ، عَنْ زَاذَانَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ نَفَرًا، مِنْ قُرَيْشِ مِنْ أَشْرَافِ كُلِّ قَبِيلَةٍ اجْتَمَعُوا لِيَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ نَجْدٍ، سَمِعْتُ أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَكُمْ وَلَنْ يَعْدِمَكُمْ مِنِّي رَأْي وَنُصْحٌ. قَالُوا: أَجَلْ، ادْخُلْ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: انْظُرُوا فِي شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ، وَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يُوَاثِبَكُمْ فِي أُمُورِكُمْ بِأَمْرِهِ قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: احْبِسُوهُ فِي وَثَاقٍ، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ، زُهَيْرٌ وَالنَّابِغَةُ، إِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِهِمْ قَالَ: فَصَرَخَ عَدُوُّ اللَّهِ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ رَأْي، وَاللَّهِ لَيُخْرِجَنَّهُ رَبُّهُ مِنْ مَحْبَسِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَثِبُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ فَيَمْنَعُوهُ مِنْكُمْ، فَمَا آمَنُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، قَالُوا: فَانْظُرُوا فِي غَيْرِ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: أَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ تَسْتَرِيحُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ لَنْ يَضُرَّكُمْ مَا صَنَعَ وَأَيْنَ وَقَعَ إِذَا غَابَ عَنْكُمْ أَذَاهُ ⦗١٣٥⦘ وَاسْتَرَحْتُمْ وَكَانَ أَمْرُهُ فِي غَيْرِكُمْ، فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْي، أَلَمْ تَرَوْا حَلَاوَةَ قَوْلِهِ وَطَلَاقَةَ لِسَانِهِ وَأَخْذَ الْقُلُوبِ مَا تَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِهِ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ ثُمَّ اسْتَعْرَضَ الْعَرَبَ، لَتَجْتَمِعَنَّ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ لَيَأْتِيَنَّ إِلَيْكُمْ حَتَّى يُخْرِجَكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ وَيَقْتُلَ أَشْرَافَكُمْ، قَالُوا: صَدَقَ وَاللَّهِ، فَانْظُرُوا رَأَيًا غَيْرَ هَذَا قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَأَشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْي مَا أَرَاكُمْ أَبْصَرْتُمُوهُ بَعْدُ مَا أَرَى غَيْرَهُ. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ غُلَامًا وَسَطًا شَابًّا نَهْدًا، ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ غُلَامٍ مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، فَلَا أَظُنُّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَقْدِرُونَ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْلَ وَاسْتَرَحْنَا وَقَطَعنا عنا أَذَاهُ. فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: هَذَا وَاللَّهِ الرَّأْي الْقَوْلُ مَا قَالَ الْفَتَى، لَا أَرَى غَيْرَهُ. قَالَ: فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ. قَالَ: فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ عندَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ الْأَنْفَالَ يُذَكِّرُهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عندَهُ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠]؛ وَأَنْزَلَ فِي قَوْلِهِمْ: «تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ» حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] وَكَانَ يُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ: «يَوْمَ الزَّحْمَةِ» لِلَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الرَّأْيِ»
١١ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمِقْسَمٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَا: تَشَاوَرُوا فِيهِ لَيْلَةً وَهُمْ بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَوْثِقُوهُ بِالْوِثَاقِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَأَوْا عَلِيًّا رضي الله عنه، فَرَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ»
١١ ‏/ ١٣٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ، أَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ، فَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَهُ. فَإِذَا رَأَوْهُ نَائِمًا حَسِبُوا أَنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ فَتَرَكُوهُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ فَإِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحُبُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ: فَرَكِبُوا الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ فِي طَلَبِهِ»
١١ ‏/ ١٣٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجُرَيْرِيُّ: أَنَّ مِقْسَمًا، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ، يُرِيدُونَ النَّبِيَّ ﷺ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه ⦗١٣٧⦘ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ ﷺ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا، يَحْسَبُونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ ﷺ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَلِيًّا رضي الله عنه، رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ وَمَرُّوا بِالْغَارِ، رَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعنكَبُوتِ، قَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجٌ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثًا»
١١ ‏/ ١٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ قُرَيْشٍ يَتَشَاوَرُونَ فِي النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ مَا أَسْلَمَتِ الْأَنْصَارُ وَفَرِقُوا أَنْ يَتَعَالَى أَمْرُهُ إِذَا وَجَدَ مَلْجَأً لَجَأَ إِلَيْهِ. فَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَلَمَّا أَنْكَرُوهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَاللَّهِ مَا كُلُّ قَوْمِنَا أَعْلَمْنَاهُمْ مَجْلِسَنَا هَذَا قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ سْمَعُ مِنْ حَدِيثِكُمْ وَأُشِيرُ عَلَيْكُمْ. فَاسْتَحْيُوا فَخَلَّوْا عَنْهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خُذُوا مُحَمَّدًا إِذَا اصْطَبَحَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ وَالرِّيَبُ: هُوَ الْمَوْتُ، وَالْمَنُونُ: هُوَ الدَّهْرُ قَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَمَا قُلْتَ، تَجْعَلُونَهُ فِي بَيْتٍ فَيَأْتِي أَصْحَابُهُ فَيُخْرِجُونَهُ فَيَكُونُ بَيْنَكُمْ قِتَالٌ، قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ. قَالَ: أَخْرِجُوهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ قَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَمَا قُلْتَ، تُخْرِجُونَهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ وَقَدْ أَفْسَدَ سُفَهَاءَكُمْ فَيَأْتِي قَرْيَةً أُخْرَى فَيُفْسِدُ سُفَهَاءَهُمْ فَيَأْتِيكُمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَالِ. قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ. قَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَكَانَ أُولَاهُمْ بِطَاعَةِ إِبْلِيسَ: بَلْ نَعْمِدُ إِلَى كُلِّ بَطْنٍ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ، ⦗١٣٨⦘ فَنُخْرِجُ مِنْهُمْ رَجُلًا فَنُعْطِيهِمُ السِّلَاحَ، فَيَشُدُّونَ عَلَى مُحَمَّدٍ جَمِيعًا فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَسْتَطِيعُ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَقْتِلُوا قُرَيْشًا، فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الدِّيَةُ. قَالَ إِبْلِيسُ: صَدَقَ، وَهَذَا الْفَتَى هُوَ أَجْوَدُكُمْ رَأَيًا. فَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ فَنَامَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَجَعَلُوا عَلَيْهِ الْعُيُونَ. فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، انْطَلَقَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ، وَنَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] وَالْإِثْبَاتُ: هُوَ الْحَبْسُ وَالْوَثَاقُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٦] يَقُولُ: يُهْلِكُهُمْ. فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْقَوْمُ؟ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُمْ قَدْ أُهْلِكُوا حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُصْنَعُ بِالْأُمَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أُخِّرُوا بِالْقِتَالِ»
١١ ‏/ ١٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَرَادُوا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ؛ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَعَلُوا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ
١١ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] الْآيَةَ، هُوَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَرُوا بِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ»
١١ ‏/ ١٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: اقْتُلُوا هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْتُلُهُ رَجُلٌ إِلَّا قُتِلَ بِهِ، قَالُوا: خُذُوهُ فْاسْجِنُوهُ وَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدِيدًا، قَالُوا: فَلَا يَدَعُكُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ. قَالُوا: أَخْرِجُوهُ، قَالُوا: إِذًا يَسْتَغْوِي النَّاسَ عَلَيْكُمْ. قَالَ: وَإِبْلِيسُ مَعَهُمْ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ. وَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ يَطُوفُ الْبَيْتَ وَيَسْتَسْلِمُ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ فَيَغُمُّوهُ وَيَقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَهْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ، فَيَرْضُونَ بِالْعَقْلِ فَنَقْتُلُهُ وَنَسْتَرِيحُ وَنَعْقِلُهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فَغَمَّوْهُ. فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ، فَقِيلَ لَهُ ذَاكَ، فَأَتَى فَلَمْ يَجِدْ مَدْخَلًا؛ فَلَمَّا أَنْ لَمْ يَجِدْ مَدْخَلًا قَالَ: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [غافر: ٢٨] قَالَ: ثُمَّ فَرَّجَهَا اللَّهُ عَنْهُ؛ فَلَمَّا أَنْ كَانَ اللَّيْلُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ: مَنْ أَصْحَابُكَ؟ فَقَالَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ. فَقَالَ: لَا نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْكَ يَا مُحَمَّدُ، هُوَ نَامُوسُ لَيْلٍ قَالَ: وَأُخِذَ أُولَئِكَ مِنْ مَضَاجِعِهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ. فَأُتِيَ بِهِمُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُدِّمَ أَحَدُهُمْ إِلَى جِبْرِيلَ، فَكَحَلَهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَقَالَ: «مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: كُفِيتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. ثُمَّ
١١ ‏/ ١٣٩
قَدِمَ آخَرٌ فَنَقَرَ فَوْقَ رَأْسِهِ. بِعَصًا نَقْرَةً، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَقَالَ: «مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟» فَقَالَ: كُفِيتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِآخَرَ فَنَقَرَ فِي رُكْبَتِهِ، فَقَالَ: «مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: كُفِيتَهُ. ثُمَّ أُتِيَ بِآخَرَ، فَسَقَاهُ مَذْقَةً، فَقَالَ: «مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟» قَالَ: كُفِيتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. وَأُتِيَ بِالْخَامِسِ. فَلَمَّا غَدَا مِنْ بَيْتِهِ مَرَّ بِنِبَالٍ، فَتَعَلَّقَ مِشْقَصٌ بِرِدَائِهِ فَالْتَوَى، فَقَطَعَ الْأَكْحَلَ مِنْ رِجْلِهِ. وَأَمَّا الَّذِي كَحَلْتُ عَيْنَاهُ فَأَصْبَحَ وَقَدْ عَمِي، وَأَمَّا الَّذِي سُقِيَ مَذْقَةً فَأَصْبَحَ وَقَدِ اسْتَسْقَى بَطْنُهُ؛ وَأَمَّا الَّذِي نُقِرَ فَوْقَ رَأْسِهِ فَأَخَذْتُهُ النَّقَدَةُ وَالنَّقَدَةُ: قُرْحَةٌ عَظِيمَةٌ أَخَذَتْهُ فِي رَأْسِهِ. وَأَمَّا الَّذِي طُعِنَ فِي رُكْبَتِهِ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ أُقْعِدَ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠]
١١ ‏/ ١٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] أَيْ: فَمَكَرْتُ لَهُمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتَّى خَلَّصْتُكَ مِنْهُمْ»
١١ ‏/ ١٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗١٤١⦘ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال: ٣٠] قَالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ» فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ نِعْمَتِي عِنْدَكَ بِمَكْرِي بِمَنْ حَاوَلَ الْمَكْرَ بِكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، بِإِثْبَاتِكَ، أَوْ قَتْلِكَ، أَوْ إخْرَاجِكَ مِنْ وَطَنِكَ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُكَ مِنْهُمْ وَأَهْلَكْتُهُمْ، فَامْضِ لِأَمْرِي فِي حَرْبِ مِنْ حَارَبَكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَتَوَلَّى عَنْ إِجَابَةِ مَا أَرْسَلْتُكَ بِهِ مِنَ الدِّينِ الْقَيِّمِ، وَلَا يُرْعِبَنَّكَ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّ رَبَّكَ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ بِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَعَبَدَ غَيْرَهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَكْرِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١١ ‏/ ١٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا آيَاتُ كِتَابِ اللَّهِ الْوَاضِحَةُ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِفَهْمِهِ قَالُوا جَهْلًا مِنْهُمْ وَعنادًا لِلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قِيلِهِمْ: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾ [الأنفال: ٣١] الَّذِي تُلِيَ عَلَيْنَا ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام: ٢٥] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَالْأَسَاطِيرُ: جَمْعُ أَسْطُرٍ، وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ وَاحِدَ الْأَسْطُرِ: سَطْرُ، ثُمَّ يُجْمَعُ السَّطْرُ: أَسْطُرٌ وَسُطُورٌ، ثُمَّ يُجْمَعُ الْأَسْطُرُ: أَسَاطِيرُ وَأَسَاطِرُ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: وَاحِدُ الْأَسَاطِيرِ: أُسْطُورَةٌ
١١ ‏/ ١٤١
وَإِنَّمَا عَنَى الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام: ٢٥] إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي تَتَلْوُهُ عَلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ إِلَّا مَا سَطَرَ الْأَوَّلُونَ وَكَتَبُوهُ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ. كَأَنَّهُمْ أَضَافُوهُ إِلَى أَنَّهُ أُخِذَ عَنْ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوحِهِ اللَّهُ إِلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾ [الأنفال: ٣١] قَالَ: كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ يَخْتَلِفُ تَاجِرًا إِلَى فَارِسَ، فَيَمُرُّ بِالْعِبَادِ وَهُمْ يَقْرَءُونَ الْإِنْجِيلَ، وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ. فَجَاءَ مَكَّةَ، فَوَجَدَ مُحَمَّدًا ﷺ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، فَقَالَ النَّضْرُ: قَدْ سَمِعْنَا، لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا، لِلَّذِي سَمِعَ مِنَ الْعِبَادِ. فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾ [الأنفال: ٣١] قَالَ: فَقَصَّ رَبُّنَا مَا كَانُوا قَالُوا بِمَكَّةَ، وَقَصَّ قَوْلَهُمْ: ﴿إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ١٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ يَخْتَلِفُ إِلَى الْحِيرَةِ، فَيَسْمَعُ سَجْعَ أَهْلِهَا وَكَلَامَهُمْ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، سَمِعَ كَلَامَ النَّبِيِّ ﷺ وَالْقُرْآنَ، فَقَالَ: ﴿قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣١]⦗١٤٣⦘ يَقُولُ: أَسَاجِيعُ أَهْلِ الْحِيرَةِ»
١١ ‏/ ١٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَتَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ؛ وَكَانَ الْمِقْدَادُ أَسَرَ النَّضْرَ، فَلَمَّا أُمِرَ بِقَتْلِهِ قَالَ الْمِقْدَادُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسِيرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا يَقُولُ» . فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَتْلِهِ. فَقَالَ الْمِقْدَادُ: أَسِيرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» فَقَالَ الْمِقْدَادُ: هَذَا الَّذِي أَرَدْتُ. وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا﴾ [الأنفال: ٣١] الْآيَةُ “
١١ ‏/ ١٤٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةَ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ: فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ النَّضْرِ قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: أَسِيرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ مَا كَانَ يَقُولُ» قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» وَكَانَ الْمِقْدَادُ أَسَرَ النَّضْرَ
١١ ‏/ ١٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]⦗١٤٤⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ أَيْضًا مَا حَلَّ بِمَنْ قَالَ: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] إِذْ مَكَرْتُ لَهُمْ، فَأَتَيْتُهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. وَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَابُ قَتْلَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا ذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ
١١ ‏/ ١٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ»
١١ ‏/ ١٤٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] قَالَ: قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ»
١١ ‏/ ١٤٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ»
١١ ‏/ ١٤٤
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗١٤٥⦘ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] قَالَ: هُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ»
١١ ‏/ ١٤٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يُقَالُ لَهُ النَّضْرُ بْنُ كَلَدَةَ: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ٩٤] وَقَالَ: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ﴾ [المعارج: ٢] قَالَ عَطَاءٌ: لَقَدْ نَزَلَ فِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ»
١١ ‏/ ١٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «فَقَالَ: يَعْنِي النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] قَالَ اللَّهُ: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ﴾ [المعارج: ٢]»
١١ ‏/ ١٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الْآيَةَ قَالَ: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ﴾ [المعارج: ٢]»
١١ ‏/ ١٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] الْآيَةَ قَالَ: قَالَ ذَلِكَ سَفَهَةُ هَذِهِ ⦗١٤٦⦘ الْأُمَّةِ وَجَهَلَتُهَا، فَعَادَ اللَّهُ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى سَفَهَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَهَلَتِهَا»
١١ ‏/ ١٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَةَ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ إِذْ قَالُوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] أَيْ: مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] كَمَا أَمْطَرْتَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ ﴿أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢] أَيْ: بِبَعْضِ مَا عُذِّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ قَبْلَنَا «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ» هُوَ «فِي الْكَلَامِ. فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ نَصَبَ» الْحَقَّ «؛ لِأَنَّ» هُوَ «وَاللَّهُ أَعْلَمُ حُوِّلَتْ زَائِدَةً فِي الْكَلَامِ صِلَةَ تَوْكِيدٍ كَزِيَادَةِ» مَا»، وَلَا تُزَادُ إِلَّا فِي كُلِّ فِعْلٍ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ خَبَرٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِصِفَةٍ لِهَذَا؛ لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: «رَأَيْتُ هَذَا هُوَ» لَمْ يَكُنْ كَلَامًا، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْمُضَمَرَةُ مِنْ صِفَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ مِنْ صِفَةِ الْمُضَمَرَةِ، نَحْوُ قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ [الزخرف: ٧٦] ﴿تَجِدُوهُ عندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ [المزمل: ٢٠] لِأَنَّكَ تَقُولُ: «وَجَدْتُهُ هُوَ وَإِيَّايَ» فَتَكُونُ «هُوَ» صِفَةٌ. وَقَدْ تَكُونُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا غَيْرَ صِفَةٍ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ زَائِدَةً كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ. وَقَدْ تَجْرِي فِي جَمِيعِ هَذَا مَجْرَى الِاسْمِ، فَيُرْفَعُ مَا بَعْدَهَا إِنْ كَانَ بَعْدَهَا ظَاهِرًا أَوْ ⦗١٤٧⦘ مُضْمَرًا فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ، يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ﴾ [الأنفال: ٣٢] ﴿وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ [الزخرف: ٧٦] وَ﴿تَجِدُوهُ عندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ [المزمل: ٢٠] كَمَا تَقُولُ: كَانُوا آبَاؤُهُمُ الظَّالِمُونَ، جَعَلُوا هَذَا الْمُضَمَرَ نَحْوُ «هُوَ» وَ«هُمَا» وَ«أَنْتَ» زَائِدًا فِي هَذَا الْمَكَانِ. وَلَمْ تُجْعَلْ مَوَاضِعَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ فَصَلَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَا بَعْدَهُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ خَبَرٌ. وَكَانَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: لَمْ تَدْخُلْ «هُوَ» الَّتِي هِيَ عِمَادٌ فِي الْكَلَامِ إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيحٍ. وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: زَيْدٌ قَائِمٌ، فَقُلْتَ أَنْتَ: بَلْ عَمْرٌو هُوَ الْقَائِمُ؛ فَهُوَ لِمَعْهُودِ الِاسْمِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِمَعْهُودِ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ صِلَةٌ فِي الْكَلَامِ مُخَالَفَةٌ لِمَعْنَى «هُوَ»؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا وَخُرُوجَهَا وَاحِدٌ فِي الْكَلَامِ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ هُوَ؛ وَأَمَّا الَّتِي تَدْخُلُ صِلَةً فِي الْكَلَامِ، فَتَوْكِيدٌ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِمْ: «وَجَدْتُهُ نَفْسَهُ» تَقُولُ ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ بِصِفَةٍ كَالظَّرِيفِ وَالْعَاقِلِ
١١ ‏/ ١٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤]⦗١٤٨⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] أَيْ: وَأَنْتَ مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَاسْتَغْفَرَ مَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِ حِينَ اسْتَغْفَرَ أُولَئِكَ بِهَا: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَعَذَّبَ الْكُفَّارَ
١١ ‏/ ١٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بِمَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: فَكَانَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بَقُوا فِيهَا يَسْتَغْفِرُونَ، يَعْنِي بِمَكَّةَ؛ فَلَمَّا خَرَجُوا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] قَالَ: فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، فَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدَهُمْ»
١١ ‏/ ١٤٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي: مَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. ﴿وَمَا لَهُمْ ⦗١٤٩⦘ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] يَعْنِي مَكَّةَ، وَفِيهَا الْكُفَّارُ»
١١ ‏/ ١٤٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ. ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] وَفِيهِمُ الْمُؤْمِنُونَ، يَسْتَغْفِرُونَ؛ يَغْفِرُ لِمَنْ فِيهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
١١ ‏/ ١٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: بَقِيَّةُ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤]»
١١ ‏/ ١٤٩
قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ١٤٩
وَأَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الأنفال: ٣٤] قَالَ: الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ١٤٩
قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ ⦗١٥٠⦘ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يَسْتَغْفِرُونَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ»
١١ ‏/ ١٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَقُولُ: الَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ يَسْتَغْفِرُونَ بِمَكَّةَ، حَتَّى أُخْرِجَكَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ»
١١ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «لَمْ يُعَذِّبْ قَرْيَةً حَتَّى يُخْرِجَ النَّبِيَّ مِنْهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَيُلْحِقَهُ بِحَيْثُ أَمَرَ. ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ أَعَادَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤]»
١١ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لَيُعَذِّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّدُ، حَتَّى أُخْرِجَكَ مِنْ بَيْنِهِمْ. ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: يَا رَبِّ غُفْرَانَكَ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الِاسْتِغْفَارِ بِالْقَوْلِ. قَالُوا: وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] فِي الْآخِرَةِ
١١ ‏/ ١٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ، عَنْ ⦗١٥١⦘ أَبِي زُمَيْلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «قَدْ قَدْ» فَيَقُولُونَ: لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، وَيَقُولُونَ: غُفْرَانَكَ غُفْرَانَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ: نَبِيُّ اللَّهِ وَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ: فَذَهَبَ النَّبِيُّ ﷺ وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَارُ. ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] قَالَ: فَهَذَا عَذَابُ الْآخِرَةِ قَالَ: وَذَاكَ عَذَابُ الدُّنْيَا “
١١ ‏/ ١٥٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَا: «قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ: مُحَمَّدُ أَكْرَمَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِنَا ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا﴾ [الأنفال: ٣٢] الْآيَةَ؛ فَلَمَّا أَمْسَوْا نَدِمُوا عَلَى مَا قَالُوا، فَقَالُوا: غُفْرَانَكَ اللَّهُمَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤]»
١١ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانُوا يَقُولُونَ ⦗١٥٢⦘ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ: وَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُ، وَلَا يُعَذَّبُ أُمَّةً وَنَبِيُّهَا مَعَهَا حَتَّى يُخْرِجَهُ عنهَا، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ يَذْكُرُ لَهُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرَّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ إِذْ قَالُوا ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] كَمَا أَمْطَرْتَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَقَالَ حِينَ نَعَى عَلَيْهِمْ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣]، أَيْ: بِقَوْلِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا قَالَ: ﴿وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الأنفال: ٣٤] مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَبَدَهُ، أَيْ: أَنْتَ وَمَنْ تَبِعَكَ»
١١ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، قَالَ: ثنا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ فِيكُمْ أَمَانَانِ: قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: أَمَّا النَّبِيُّ ﷺ فَقَدْ مَضَى، وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَهُوَ دَائِرٌ فِيكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١١ ‏/ ١٥٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرٍ أَبِي الْخَطَّابِ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَلَاءِ، يَقُولُ: «كَانَ لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَمَنَتَانِ: فَذَهَبَتْ إِحْدَاهُمَا، وَبَقِيَتِ الْأُخْرَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] الْآيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّدُ، وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، أَيْ: لَوِ اسْتَغْفَرُوا. قَالُوا: وَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الأنفال: ٣٤]
١١ ‏/ ١٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ، وَلَوْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ مَا عُذِّبُوا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: هُمَا أَمَانَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَمَضَى نَبِيُّ اللَّهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَبْقَاهُ اللَّهُ رَحْمَةً بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، الِاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ»
١١ ‏/ ١٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَقُولُ: مَا كُنْتُ أُعَذِّبُهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَلَوِ اسْتَغْفَرُوا وَأَقَرُّوا بِالذُّنُوبِ لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَكَيْفَ لَا أُعَذِّبُهُمْ وَهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ، ⦗١٥٤⦘ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»
١١ ‏/ ١٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: يَقُولُ: لَوِ اسْتَغْفَرُوا لَمْ أُعَذِّبْهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يُسْلِمُونَ. قَالُوا: وَاسْتِغْفَارُهُمْ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِسْلَامَهُمْ
١١ ‏/ ١٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: سَأَلُوا الْعَذَابَ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ»
١١ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: يُسْلِمُونَ»
١١ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗١٥٥⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: وَهُمْ يُسْلِمُونَ. ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الأنفال: ٣٤]»
١١ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: دُخُولُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ
١١ ‏/ ١٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَقُولُ: مَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يُعَذِّبُ قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حَتَّى يُخْرِجَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَقُولُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الدُّخُولُ فِي الْإِيمَانِ، وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] فَعَذَّبَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ» ⦗١٥٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ
١١ ‏/ ١٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي: يُصَلُّونَ، يَعْنِي بِهَذَا أَهْلَ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: يُصَلُّونَ»
١١ ‏/ ١٥٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، يَقُولُ: لَمْ أَكُنْ لِأُعَذِّبَكُمْ وَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] يَعْنِي: يُؤْمِنُونَ وَيُصَلُّونَ»
١١ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] قَالَ: وَهُمْ يُصَلُّونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لَيُعَذِّبَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قَالُوا: ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الأنفال: ٣٤]
١١ ‏/ ١٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَا: «قَالَ فِي الْأَنْفَالِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦] فَقُوتِلُوا بِمَكَّةَ، وَأَصَابَهُمْ فِيهَا الْجُوعُ وَالْحَصْرُ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُهُ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّدُ وَبَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مُقِيمٌ، حَتَّى أُخْرِجَكَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ؛ لِأَنِّي لَا أُهْلِكُ قَرْيَةً وَفِيهَا نَبِيُّهَا. وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُمْ مُصِرُّونَ عَلَيْهِ، فَهُمْ لِلْعَذَابِ مُسْتَحِقُّونَ، كَمَا يُقَالُ: مَا كُنْتُ لِأُحْسِنَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ تُسِيءُ إِلَيَّ، يُرَادُ بِذَلِكَ: لَا أُحْسِنُ إِلَيْكَ إِذَا أَسَأْتَ إِلَيَّ وَلَوْ أَسَأْتَ إِلَيَّ لَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ، وَلَكِنْ أُحْسِنُ إِلَيْكَ لِأَنَّكَ لَا تُسِيءُ إِلَيَّ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ. ثُمَّ قِيلَ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الأنفال: ٣٤] بِمَعْنَى: وَمَا شَأْنُهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ مِنْ كُفْرِهِمْ فَيُؤْمِنُوا بِهِ، وَهُمْ يَصُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ أَعني ⦗١٥٨⦘ مُشْرِكِي مَكَّةَ كَانُوا اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقَّ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: مَا كُنْتُ لِأُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كُنْتُ لِأُعَذِّبَهُمْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا، وَكَيْفَ لَا أُعَذِّبُهُمْ بَعْدَ إِخْرَاجِكَ مِنْهُمْ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَعْلَمَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ حَائِقٌ بِهِمْ وَنَازِلٌ، وَأَعْلَمَهُمْ حَالَ نُزُولِهِ بِهِمْ، وَذَلِكَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ. وَلَا وَجْهَ لِإِيعَادِهِمُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَهُمْ مُسْتَعْجِلُوهُ فِي الْعَاجِلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَى الْعَذَابِ صَائِرُونَ، بَلْ فِي تَعْجِيلِ اللَّهِ لَهُمْ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا. وَكَذَلِكَ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهَ قَوْلَهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] إِلَى أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ وَعَمَّا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهِمْ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ عَنْهُمْ قَدْ تَقَضَّى، وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِهِ عَنَوْا، وَلَا خِلَافَ فِي تَأْوِيلِهِ مِنْ أَهْلِهِ مَوْجُودٌ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الأنفال: ٣٤] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣] خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَسْخٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ النَّسْخُ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ «أَنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ⦗١٥٩⦘ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هِيَ زَائِدَةٌ هَاهُنَا، وَقَدْ عَمِلَتْ كَمَا عَمِلَتْ لَا وَهِيَ زَائِدَةٌ، وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ:
[البحر البسيط] لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَانٌ لَا ذُنُوبَ لَهَا … إِلَيَّ لَامَ ذَوُو أَحْسَابِها عُمَرَا
وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ: لَمْ تَدْخُلْ «أَنْ» إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ﴿وَمَا لَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٤] مَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذَّبُوا، قَالَ: فَدَخَلَتْ «أَنْ» لِهَذَا الْمَعْنَى، وَأُخْرِجَ بِـ لَا، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَحْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ جَحْدٌ. قَالَ: وَلَا فِي الْبَيْتِ صَحِيحٌ مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ الْجَحْدَ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ جَحْدٌ صَارَ خَبَرًا. وَقَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِكَ: مَا زَيْدٌ لَيْسَ قَائِمًا، فَقَدْ أَوْجَبْتَ الْقِيَامَ؟ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَا فِي هَذَا الْبَيْتِ
١١ ‏/ ١٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَمْ يَكُونُوا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ﴾ [الأنفال: ٣٤] يَقُولُ: مَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ إِلَّا الْمُتَّقُونَ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٣٧] يَقُولُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ، بَلْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
١١ ‏/ ١٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾ [الأنفال: ٣٤] الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ عِنْدَهُ، أَيْ: أَنْتَ يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ آمَنَ بِكَ»
١١ ‏/ ١٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِيهِ وَيَعَبُدُونَهُ، وَلَمْ يَكُونُوا لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ، بَلْ أَوْلِيَاؤُهُ
١١ ‏/ ١٦٠
الَّذِينَ يَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ﴾ [الأنفال: ٣٥] يَعْنِي: بَيْتَ اللَّهِ الْعَتِيقَ ﴿إِلَّا مُكَاءً﴾ [الأنفال: ٣٥] وَهُوَ الصَّفِيرُ، يُقَالُ مِنْهُ: مَكا يَمْكُو مَكْوًا وَمُكَاءً، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَكْوَ: أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلَهُمَا فِي فِيهِ ثُمَّ يَصِيحَ، وَيُقَالُ مِنْهُ: مَكَتِ اسْتُ الدَّابَّةِ مُكَاءً: إِذَا نَفَخَتْ بِالرِّيحِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَا يَمْكُو إِلَّا اسْتٌ مَكْشُوفَةٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلِاسْتِ الْمَكْوَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] وَحَلِيلِ غَانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلًا … تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ
وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحُ:
[البحر الكامل] فَنَحَا لِأَوْلَاهَا بِطَعْنَةِ مُحْفَظٍ … تَمْكُو جَوَانِبُهَا مِنَ الْإِنْهَارِ
بِمَعْنَى: تُصَوِّتُ. وَأَمَّا التَّصْدِيَةُ فَإِنَّهَا التَّصْفِيقُ، يُقَالُ مِنْهُ: صَدَّى يُصَدِّي تَصْدِيَةً، وَصَفَّقَ
١١ ‏/ ١٦١
وَصَفَّحَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ: «﴿إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ: التَّصْفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] الْمُكَاءُ: التَّصْفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] يَقُولُ: كَانَتْ صَلَاةُ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْبَيْتِ مُكَاءً يَعْنِي التَّصْفِيرَ، وَتَصْدِيَةً يَقُولُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: التَّصْفِيقُ وَالصَّفِيرُ»
١١ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «الْمُكَاءُ: التَّصْفِيقُ، وَالتَّصْدِيَةُ: الصَّفِيرُ. قَالَ: وَأَمَالَ ابْنُ عُمَرَ خَدَّهُ إِلَى جَانِبٍ»
١١ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ وَالتَّصْدِيَةُ: الصَّفِيرُ وَالتَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ يُحَدِّثُ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ. وَقَالَ قُرَّةُ: وَحَكَى لَنَا عَطِيَّةُ فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ، فَصَفَّرَ وَأَمَالَ خَدَّهُ وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ»
١١ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ بَكْرٌ: فَجَمَعَ لِي ⦗١٦٤⦘ جَعْفَرٌ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا صَفِيرًا، كَمَا قَالَ لَهُ أَبُو سَلَمَةَ»
١١ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٤
قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ سَابُورَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: تَصْفِيرٌ وَتَصْفِيقٌ». قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَبُّويَهْ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتْ قُرَيْشٌ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ [الأعراف: ٣٢] فَأُمِرُوا بِالثِّيَابِ»
١١ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «كَانَتْ قُرَيْشٌ يُعَارِضُونَ النَّبِيَّ ﷺ فِي الطَّوَافِ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، يُصَفِّرُونَ بِهِ وَيُصَفِّقُونَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥]»
١١ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَّا مُكَاءً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: كَانُوا يَنْفُخُونَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ: إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ، يَخْلِطُونَ بِذَلِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ». حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ صَلَاتَهُ
١١ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْمُكَاءُ: إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ. قَالَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَانُوا يَخْلِطُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَاتَهُ»
١١ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ. قَالَ أَحْمَدُ: سَقَطَ عَلَيَّ حَرْفٌ وَمَا أُرَاهُ إِلَّا الْخَذْفَ وَالنَّفْخَ وَالصَّفِيرَ مِنْهَا، وَأَرَانِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ حَيْثُ كَانُوا يَمْكُونَ مِنْ نَاحِيَةِ أَبِي قُبَيْسٍ»
١١ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ: كَانُوا يُشَبِّكُونَ بَيْنَ أَصَابِعِهِمْ وَيُصَفِّرُونَ بِهَا، فَذَلِكَ الْمُكَاءُ. قَالَ: وَأَرَانِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْمَكَانَ الَّذِي كَانُوا يَمْكُونَ فِيهِ نَحْوَ أَبِي قُبَيْسٍ»
١١ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ: النَّفْخُ، وَأَشَارَ بِكَفِّهِ قِبَلَ فِيهِ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «الْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْمُكَاءَ التَّصْفِيقُ بِالْأَيْدِي، وَالتَّصْدِيَةَ صِيَاحٌ كَانُوا يُعَارِضُونَ بِهِ الْقُرْآنَ»
١١ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ: التَّصْفِيرُ، وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] وَالْمُكَاءُ: الصَّفِيرُ، عَلَى نَحْوِ طَيْرٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ الْمُكَاءُ يَكُونُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَالتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ»
١١ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: الْمُكَاءُ: صَفِيرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْلِنُونَ بِهِ. قَالَ: وَقَالَ فِي الْمُكَاءِ أَيْضًا: صَفِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَعِبٌ» وَقَدْ قِيلَ فِي التَّصْدِيَةِ: إِنَّهَا الصَدُّ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ. وَذَلِكَ قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ التَّصْدِيَةَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: صَدَّيْتُ تَصْدِيَةً. وَأَمَّا الصَّدُّ فَلَا يُقَالُ مِنْهُ: صَدَّيْتُ، إِنَّمَا يُقَالُ مِنْهُ صَدَدْتُ، فَإِنْ شَدَّدْتَ مِنْهَا الدَّالَ عَلَى مَعْنَى تَكْرِيرِ الْفِعْلِ، قِيلَ: صَدَّدْتُ تَصْدِيدًا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ وَجَّهَ التَّصْدِيَةَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ صَدَّدْتُ، ثُمَّ قُلِبَتْ إِحْدَى دَالَيْهِ يَاءً، كَمَا يُقَالُ: تَظَنَّيْتُ مِنْ ظَنَّنْتُ، وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: تَقَضِّيَ الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ يَعْنِي: تَقَضُّضَ الْبَازِي، فَقُلِبَ إِحْدَى ضَادَيْهِ يَاءً، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا يُوَجَّهُ إِلَيْهِ
١١ ‏/ ١٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ التَّصْدِيَةِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] صَدَّهُمْ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ»
١١ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ: «﴿وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: التَّصْدِيَةُ: صَدُّهُمُ النَّاسَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ»
١١ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: التَّصْدِيَةُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَصَدُّهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ وَعَنْ دِينِ اللَّهِ»
١١ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] قَالَ: مَا كَانَ صَلَاتُهُمُ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا يُدْرَأُ بِهَا عَنْهُمْ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً، وَذَلِكَ مَا لَا يَرْضَى اللَّهُ وَلَا يُحِبُّ، وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ»
١١ ‏/ ١٦٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي الْعَذَابَ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكِ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] الْآيَةَ، حِينَ أَتَاهُمْ بِمَا اسْتَعْجَلُوهُ مِنَ الْعَذَابِ: ذُوقُوا: أَيْ اطْعَمُوا، وَلَيْسَ بِذَوْقٍ بِفَمٍ، وَلَكِنَّهُ ذَوْقٌ بِالْحِسِّ، وَوُجُودُ طَعْمِ أَلَمِهِ بِالْقُلُوبِ. يَقُولُ لَهُمْ: فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا ⦗١٦٩⦘ كُنْتُمْ تَجْحَدُونَ أَنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُكُمْ بِهِ عَلَى جُحُودِكُمْ تَوْحِيدَ رَبِّكُمْ وَرِسَالَةَ نَبِيِّكُمْ ﷺ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦] أَيْ مَا أَوْقَعَ اللَّهُ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ»
١١ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦] قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَدْرٍ يَوْمَ عَذَّبَهُمُ اللَّهُ»
١١ ‏/ ١٦٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦] يَعْنِي أَهْلَ بَدْرٍ عَذَّبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ»
١١ ‏/ ١٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ، فَيُعْطُونَهَا
١١ ‏/ ١٦٩
أَمَثَالَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِيَتَّقَوَّوْا بِهَا عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، لِيَصُدُّوا الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَسَيُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ ﴿ثُمَّ تَكُونُ﴾ [الأنفال: ٣٦] نَفَقَتُهُمْ تِلْكَ ﴿عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ [الأنفال: ٣٦] يَقُولُ: تَصِيرُ نَدَامَةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ تَذْهَبُ، وَلَا يَظْفَرُونَ بِمَا يَأْمَلُونَ وَيَطْمَعُونَ فِيهِ مِنْ إِطْفَاءِ نُورِ اللَّهِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى كَلِمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ مُعْلِي كَلِمَتِهِ، وَجَاعِلٌ كَلِمَةَ الْكُفْرِ السُّفْلَى، ثُمَّ يَغْلِبُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيَحْشُرُ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ وَبِرَسُولِهِ إِلَى جَهَنَّمَ، فَيُعَذَّبُونَ فِيهَا، فَأَعْظِمْ بِهَا حَسْرَةً وَنَدَامَةً لِمَنْ عَاشَ مِنْهُمْ وَمَنْ هَلَكَ، أَمَا الْحَيُّ فَحُرِبَ مَالُهُ وَذَهَبَ بَاطِلًا فِي غَيْرِ دَرَكٍ وَلَا نَفْعٍ وَرَجَعَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا مَحْزُونًا مَسْلُوبًا، وَأَمَّا الْهَالِكُ: فَقُتِلَ وَسُلِبَ وَعُجِّلَ بِهِ إِلَى نَارِ اللَّهِ يُخَلَّدُ فِيهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى النَّفَقَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِيمَا ذُكِرَ أَبَا سُفْيَانَ
١١ ‏/ ١٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٦] الْآيَةَ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٦] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ اسْتَأْجَرَ يَوْمَ أُحُدٍ أَلْفَيْنِ مِنَ الْأَحَابِيشِ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَاتَلَ بِهِمُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُ فِيهِمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
[البحر الطويل] ⦗١٧١⦘ وَجِئْنَا إِلَى مَوْجٍ مِنَ الْبَحْرِ وَسْطَهُ … أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ … ثَلَاثُ مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا فَأَرْبَعُ
»
١١ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى: «﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [سورة: الأنفال، آية رقم: ٣٦] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ، اسْتَأْجَرَ يَوْمَ أُحُدٍ أَلْفَيْنِ لِيُقَاتِلَ بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سِوَى مَنِ اسْتَجَاشَ مِنَ الْعَرَبِ»
١١ ‏/ ١٧١
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ خَطَّابِ بْنِ عُثْمَانَ الْعُصْفُرِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٦] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ، أَنْفَقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، وَكَانَتِ الْأُوقِيَّةُ يَوْمَئِذٍ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا»
١١ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٦] الْآيَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ إِلَى مَكَّةَ، أَنْشَدَ النَّاسَ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْقِتَالِ حَتَّى غَزَا نَبِيُّ اللَّهِ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَكَانَتْ بَدْرٌ فِي رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَابِعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَتْ أُحُدٌ فِي شَوَّالٍ يَوْمَ السَّبْتِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ فِي الْعَامِ الرَّابِعِ»
١١ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ فِيمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَمِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ يَسْتَأْجِرُونَ الرِّجَالَ يُقَاتِلُونَ مُحَمَّدًا بِهِمْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٦] وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ ﴿فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ [الأنفال: ٣٦] يَقُولُ: نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَيْلًا ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ [الأنفال: ٣٦]»
١١ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٦] الْآيَةَ، حَتَّى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: ٢٧] قَالَ: فِي نَفَقَةِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْكُفَّارِ يَوْمَ أُحُدٍ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗١٧٣⦘ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالُوا: «لَمَّا أَصَابَتِ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ مِنْ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بَعِيرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ بِبَدْرٍ، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتِرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ لَعَلَّنَا أَنْ نُدْرِكَ مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أُصِيبَ مِنَّا، فَفَعَلُوا. قَالَ: فَفِيهِمْ كَمَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٦]»
١١ ‏/ ١٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٦] يَعْنِي النَّفَرَ الَّذِينَ مَشَوْا إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَفَعَلُوا»
١١ ‏/ ١٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ [الأنفال: ٣٦] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ
١١ ‏/ ١٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٦] الْآيَةَ، قَالَ: هُمْ أَهْلُ بَدْرٍ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ، لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، لَمْ يُخْبِرْنَا بِأَيِّ أُولَئِكَ عَنَى، غَيْرَ أَنَّهُ عَمَّ بِالْخَبَرِ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ بِأُحُدٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى الْمُنْفِقِينَ ⦗١٧٥⦘ مِنْهُمْ ذَلِكَ بِبَدْرٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى الْفَرِيقَيْنِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعُمَّ كَمَا عَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قُرَيْشٍ
١١ ‏/ ١٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَحْشُرُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وَيُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى جَهَنَّمَ، لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْخُبْثِ كَمَا قَالَ وَسَمَّاهُمْ ﴿الْخَبِيثَ﴾ [البقرة: ٢٦٧] وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَهُمُ الطَّيِّبُونَ، كَمَا سَمَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. فَمَيَّزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَهُمْ بِأَنْ أَسْكَنَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ جَنَّاتِهِ، وَأَنْزَلَ أَهْلَ الْكُفْرِ نَارَهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [الأنفال: ٣٧] فَمَيَّزَ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ»
١١ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «ثُمَّ ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ، وَمَا يُصْنَعُ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ ⦗١٧٦⦘ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [الأنفال: ٣٧] يَقُولُ: يَمِيزُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ. ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٣٧]» وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الأنفال: ٣٧] فَيَحْمِلُ الْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ. ﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾ [الأنفال: ٣٧] يَقُولُ: فَنَجْعَلَهُمْ رُكَامًا، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكْثُرُوا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَةِ السَّحَابِ: ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ [النور: ٤٣] أَيْ مُجْتَمِعًا كَثِيفًا
١١ ‏/ ١٧٥
وَكَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾ [الأنفال: ٣٧] قَالَ: فَيَجْمَعُهُ جَمِيعًا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾ [الأنفال: ٣٧] يَقُولُ: فَيُجْعَلُ الْخَبِيثَ جَمِيعًا فِي جَهَنَّمَ، فَوَحَّدَ الْخَبَرَ عَنْهُمْ لِتَوْحِيدِ قَوْلِهِ: ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ﴾ [الأنفال: ٣٧] ثُمَّ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: ٢٧] فَجَمَعَ وَلَمْ يَقُلْ: ذَلِكَ هُوَ الْخَاسِرُ، فَرَدَّهُ إِلَى أَوَّلِ الْخَبَرِ. وَيَعْنِي بِـ «أُولَئِكَ» الَّذِينَ كَفَرُوا، وَتَأْوِيلُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿الْخَاسِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٧] الَّذِينَ غُبِنَتْ صَفْقَتُهُمْ وَخَسِرَتْ تِجَارَتُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَوْا بِأَمْوَالِهِمْ عَذَابَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَتَعَجَّلُوا بِإِنْفَاقِهِمْ إِيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقُوا مِنْ قِتَالِ نَبِيِّ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْخِزْيَ وَالذُّلَّ
١١ ‏/ ١٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي
١١ ‏/ ١٧٦
قَوْمِكَ: إِنْ يَنْتَهُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقِتَالِكَ وَقِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ فَيُنِيبُوا إِلَى الْإِيمَانِ، يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُمْ مَا قَدْ خَلَا وَمَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ إِيمَانِهِمْ وَإِنَابَتِهِمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ بِإِيمَانِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ. ﴿وَإِنْ يَعُودُوا﴾ [الأنفال: ٣٨] يَقُولُ: وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِقِتَالِكَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ الَّتِي أَوْقَعْتَهَا بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتِي فِي الْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ وَمَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقُرُونَ الْخَالِيَةِ إِذْ طَغَوْا وَكَذَّبُوا رُسُلِي وَلَمْ يَقْبَلُوا نُصْحَهُمْ مِنْ إِحْلَالِ عَاجِلِ النِّقَمِ بِهِمْ، فَأَحَلَّ بِهَؤُلَاءِ إِنْ عَادُوا لِحَرْبِكَ وَقِتَالِكَ مِثْلُ الَّذِينَ أَحْلَلْتُ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣٨] فِي قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَ ذَلِكَ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗١٧٨⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣٨] قَالَ: فِي قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَ ذَلِكَ»
١١ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا﴾ [الأنفال: ٣٨] لِحَرْبِكَ ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣٨] أَيْ مِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «وَإِنْ يَعُودُوا لِقِتَالِكَ، فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ١٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ لِحَرْبِكَ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ سُنَّتِي فِيمَنْ قَاتَلَكُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنَا عَائِدٌ بِمِثْلِهَا فِيمَنْ حَارَبَكُمْ مِنْهُمْ، فَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ وَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَيَرْتَفِعَ الْبَلَاءُ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ الْفِتْنَةُ ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩] يَقُولُ: حَتَّى تَكُونَ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ كُلُّهَا لِلَّهِ خَالِصَةً دُونَ غَيْرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗١٧٩⦘ قَوْلُهُ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَعْنِي: حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ»
١١ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ: الْفِتْنَةُ: الشِّرْكُ»
١١ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] يَقُولُ: قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ، وَ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩] حَتَّى يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَلَيْهَا قَاتَلَ النَّبِيُّ ﷺ، وَإِلَيْهَا دَعَا»
١١ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ: حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ»
١١ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ: حَتَّى لَا يَكُونَ بَلَاءٌ»
١١ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩] أَيْ لَا يَفْتُرُ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ، وَيَكُونُ التَّوْحِيدُ لِلَّهِ خَالِصًا لَيْسَ فِيهِ شِرْكٌ، وَيُخْلَعُ مَا دُونَهُ مِنَ ⦗١٨٠⦘ الْأَنْدَادِ»
١١ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ: حَتَّى لَا يَكُونَ كُفْرٌ ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩] لَا يَكُونُ مَعَ دِينِكُمْ كُفْرٌ»
١١ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُرْوَةُ: “سَلَامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، وَسَأُخْبِرُكَ بِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ كَانَ مِنْ شَأْنِ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ النُّبُوَّةَ، فَنِعْمَ النَّبِيُّ وَنِعْمَ السَّيِّدُ، وَنِعْمَ الْعَشِيرَةُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَعَرَّفَنَا وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَحْيَانَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَأَمَاتَنَا عَلَيْهَا، وَبَعَثَنَا عَلَيْهَا. وَإِنَّهُ لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ لِمَا بَعَثَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، لَمْ يَنْفِرُوا مِنْهُ أَوَّلَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَكَانُوا يَسْمَعُونَ لَهُ حَتَّى ذَكَرَ طَوَاغِيتَهُمْ. وَقَدِمَ نَاسٌ مِنَ الطَّائِفِ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُمْ أَمْوَالٌ، أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ نَاسٌ، وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِ، وَكَرِهُوا مَا قَالَ، وَأَغْرُوا بِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ، فَانْعَطَفَ عَنْهُ
١١ ‏/ ١٨٠
عَامَّةُ النَّاسِ، فَتَرَكُوهُ، إِلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ. فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ ائْتَمَرَتْ رُءُوسُهُمْ بِأَنْ يَفْتِنُوا مَنِ اتَّبَعَهُ عَنْ دَيْنِ اللَّهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ، فَكَانَتْ فِتْنَةٌ شَدِيدَةُ الزِّلْزَالِ، فَافْتُتِنَ مَنِ افْتُتِنَ، وَعَصَمَ اللَّهُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ. فَلَمَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَ بِالْحَبَشَةِ مَلِكٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ النَّجَاشِيُّ لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ بِأَرْضِهِ، وَكَانَ يُثْنَى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ. وَكَانَتْ أَرْضُ الْحَبَشَةِ مَتْجَرًا لِقُرَيْشٍ يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَمَسَاكِنَ لِتِجَارَتِهِمْ يَجِدُونَ فِيهَا رِتَاعًا مِنَ الرِّزْقِ وَأَمْنًا وَمَتْجَرًا حَسَنًا. فَأَمَرَهُمْ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فَذَهَبَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ لَمَّا قُهِرُوا بِمَكَّةَ، وَخَافُوا عَلَيْهِمُ الْفِتَنَ، وَمَكَثَ هُوَ فَلَمْ يَبْرَحْ، فَمَكَثَ ذَلِكَ سَنَوَاتٍ يَشْتَدُّونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. ثُمَّ إِنَّهُ فَشَا الْإِسْلَامُ فِيهَا، وَدَخَلَ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَمَنَعَتِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اسْتَرْخَوْا اسْتِرْخَاءَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى هِيَ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَخَافَةً وَفِرَارًا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْفِتَنِ وَالزِّلْزَالِ. فَلَمَّا اسْتُرْخِيَ عَنْهُمْ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ، تُحَدِّثَ بِهَذَا الِاسْتِرْخَاءِ عَنْهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَدِ اسْتُرْخِيَ عَمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ وَأَنَّهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ وَكَادُوا
١١ ‏/ ١٨١
يَأْمَنُونَ بِهَا، وَجَعَلُوا يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ. وَإِنَّهُ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَفَشَا بِالْمَدِينَةِ الْإِسْلَامُ، وَطَفِقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ، تَوَامَرَتْ عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ، وَيَشُدُّوا عَلَيْهِمْ، فَأَخَذُوهُمْ وَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ، فَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ، وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ الْآخِرَةُ، فَكَانَتْ ثِنْتَيْنِ: فِتْنَةً أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِهَا وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهَا، وَفِتْنَةً لَمَّا رَجَعُوا وَرَأَوْا مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ سَبْعُونَ نَفْسًا رُءُوسُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، فَوَافَوْهُ بِالْحَجِّ، فَبَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ، وَأَعْطَوْهُ عَلَى: إِنَّا مِنْكَ وَأَنْتَ مِنَّا، وَعَلَى: أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَوْ جِئْتَنَا فَإِنَّا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا. فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ قُرَيْشٌ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصْحَابَهُ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهِيَ الْفِتْنَةُ الْآخِرَةُ الَّتِي أَخْرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصْحَابَهُ وَخَرَجَ هُوَ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٩]». حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّكُ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، وَعِنْدِي بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ بِكُلِّ مَا كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ، وَسَأُخْبِرُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] قَالَ: يَسَافٌ وَنَائِلَةُ صَنَمَانِ كَانَا يُعْبَدَانِ»
١١ ‏/ ١٨٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ [البقرة: ١٩٢] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْفِتْنَةِ، وَهِيَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَصَارُوا إِلَى الدِّينَ الْحَقِّ مَعَكُمْ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: ٣٩] يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْمَلُونَ مِنْ تَرْكِ الْكُفْرِ وَالدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُبْصِرُكُمْ وَيُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مُتَجَلِّيَةٌ لَهُ لَا تَغِيبُ عَنْهُ وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْقِتَالِ. وَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا.
١١ ‏/ ١٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَمَّا دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَرْكِ قِتَالِكُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَأَبَوْا إِلَّا الْإِصْرَارَ عَلَى ⦗١٨٤⦘ الْكُفْرِ وَقِتَالِكُمْ، فَقَاتِلُوهُمْ وَأَيْقِنُوا أَنَّ اللَّهَ مُعِينُكُمْ عَلَيْهِمْ وَنَاصِرُكُمْ. ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى﴾ [الأنفال: ٤٠] هُوَ لَكُمْ، يَقُولُ: نِعْمَ الْمُعِينُ لَكُمْ وَلِأَوْلِيَائِهِ ﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال: ٤٠] وَهُوَ النَّاصِرُ
١١ ‏/ ١٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [البقرة: ١٣٧] عَنْ أَمْرِكَ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ ﴿هُوَ مَوْلَاكُمْ﴾ [الحج: ٧٨] الَّذِي أَعَزَّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِكُمْ. ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال: ٤٠]»
١١ ‏/ ١٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل الْمُؤْمِنِينَ قَسْمَ غَنَائِمِهِمْ إِذَا غَنِمُوهَا، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ غَنِيمَةٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِمَا مَعْنَيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِ
١١ ‏/ ١٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] وَهَذِهِ الْآيَةُ: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [الحشر: ٧] قَالَ ⦗١٨٥⦘ قُلْتُ: مَا الْفَيْءُ وَمَا الْغَنِيمَةُ؟ قَالَ: «إِذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى أَرْضِهِمْ، وَأَخَذُوهُمْ عَنْوَةً فَمَا أَخَذُوا مِنْ مَالِ ظَهَرُوا عَلَيْهِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، وَأَمَّا الْأَرْضُ فَهِيَ فِي سَوَادِنَا هَذَا فَيْءٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْغَنِيمَةُ مَا أُخِذَ عَنْوَةً. وَالْفَيْءُ: مَا كَانَ عَنْ صُلْحٍ
١١ ‏/ ١٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: «الْغَنِيمَةُ: مَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً بِقِتَالٍ فِيهِ الْخُمُسُ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ شَهِدَهَا. وَالْفَيْءُ: مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَلَيْسَ فِيهِ خُمُسٌ، هُوَ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالُوا: هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَنْفَالِ نَاسِخَةُ قَوْلِهِ: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الحشر: ٧] الْآيَةَ
١١ ‏/ ١٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧] قَالَ: كَانَ الْفَيْءُ فِي هَؤُلَاءِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ⦗١٨٦⦘ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: ٤١] فَنَسَخَتْ هَذِهِ مَا كَانَ قَبْلَهَا فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، وَجَعَلَ الْخُمُسَ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْفَيْءُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، وَسَائِرُ ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ» وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى الْغَنِيمَةَ، وَأَنَّهَا الْمَالُ يُوصَلُ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ مَنْ خَوَّلَ اللَّهُ مَالَهُ أَهْلَ دِينِهِ بِغَلَبَةٍ عَلَيْهِ وَقَهْرٍ بِقِتَالٍ. فَأَمَّا الْفَيْءُ، فَإِنَّهُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَهُوَ مَا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بِصُلْحٍ، مِنْ غَيْرِ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مَا رَدَّتْهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا سُيُوفُهُمْ وَرِمَاحُهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ سِلَاحِهِمْ فَيْئًا؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ إِنَّمَا هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَاءَ الشَّيْءُ يَفِيءُ فَيْئًا: إِذَا رَجَعَ، وَأَفَاءَهُ اللَّهُ: إِذَا رَدَّهُ. غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ وَرَدَ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ مِنَ الْفَيْءِ يَحْكِيهِ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ إِنَّمَا هُوَ مَا وَصَفْتُ صِفَتَهُ مِنَ الْفَيْءِ دُونَ مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، لِعِلَلٍ قَدْ بَيَّنْتُهَا فِي كِتَابِنَا: «كِتَابُ لَطِيفِ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ» وَسَنُبَيِّنُهُ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ نَاسِخَةٌ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ فَلَا مَعْنَى لَهُ، إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ يَنْفِي حُكْمَ الْأُخْرَى. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النَّسْخِ، وَهُوَ نَفْي حُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ بِحُكْمٍ بِخِلَافِهِ، فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ⦗١٨٧⦘ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١١ ‏/ ١٨٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ [آل عمران: ٩٢] فَإِنَّهُ مُرَادٌ بِهِ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مِمَّا خَوَّلَهُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَالِ مَنْ غُلِبُوا عَلَى مَالِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْقَسَمُ حَتَّى الْخَيْطِ وَالْمَخِيطِ
١١ ‏/ ١٨٧
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: الْمَخِيطُ مِنَ الشَّيْءِ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: ٤١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] مِفْتَاحُ كَلَامٍ، وَلِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَمَا فِيهِمَا، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: فَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسَهُ
١١ ‏/ ١٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، ⦗١٨٨⦘ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ، لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ»
١١ ‏/ ١٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَوْلِهِ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ، لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ»
١١ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ نَهْشَلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] مِفْتَاحُ كَلَامٍ ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ الرَّسُولِ وَاحِدًا»
١١ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ»
١١ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَخُمُسٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُقْسَمُ مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ»
١١ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَتِ الْغَنِيمَةُ تُقْسَمُ خَمْسَ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَيُقْسَمُ الْخُمُسُ الْبَاقِي عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَخُمُسٌ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ»
١١ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا أَبَانُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَوْصَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِالْخُمُسِ مِنْ مَالِهِ وَقَالَ: «أَلَا أَرْضَى مِنْ مَالِي بِمَا رَضِيَ اللَّهُ لِنَفْسِهِ؟»
١١ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: خُمُسُ اللَّهِ وَخُمُسُ رَسُولِهِ وَاحِدٌ، كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَحْمِلُ مِنْهُ وَيَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ»
١١ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ لِلَّهِ، الْخُمُسُ لِلرَّسُولٍ، وَلِذِي الْقُرْبَى، وَالْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ فَإِنَّ لَبَيْتِ اللَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ
١١ ‏/ ١٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ ⦗١٩٠⦘ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ، فَيَقْسِمُهَا عَلَى خَمْسَةٍ تَكُونُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ شَهِدَهَا، ثُمَّ يَأْخُذُ الْخُمُسَ، فَيَضْرِبُ بِيَدِهِ فِيهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الَّذِي قَبَضَ كَفُّهُ فَيَجْعَلُهُ لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ سَهْمُ اللَّهِ، ثُمَّ يَقْسِمُ مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، فَيَكُونُ سَهْمٌ لِلرَّسُولِ. وَسَهْمٌ لِذِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ»
١١ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَكَانَ يُجَاءُ بِالْغَنِيمَةِ فَتُوضَعُ، فَيَقْسِمُهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، فَيَجْعَلُ أَرْبَعَةً بَيْنَ النَّاسِ وَيَأْخُذُ سَهْمًا، ثُمَّ يَضْرِبُ بِيَدِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ السَّهْمِ، فَمَا قَبَضَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ، فَهُوَ الَّذِي سُمِيَ لِلَّهِ، وَيَقُولُ: «لَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا فَإِنَّ لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ» ثُمَّ يَقْسِمُ بَقِيَّتَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَسَهْمٍ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَسَهْمٍ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٍ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٍ لِابْنِ السَّبِيلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَا سُمِّيَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مُرَادٌ بِهِ قَرَابَتُهُ، وَلَيْسَ لِلَّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ مِنْهُ شَيْءٌ
١١ ‏/ ١٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗١٩١⦘ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتِ الْغَنِيمَةُ تُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمُسٌ وَاحِدٌ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعٍ، فَرُبُعٌ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ ﷺ فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَهُوَ لَقَرَابَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيُّ ﷺ، مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا، وَالرُّبُعُ الثَّانِي لِلْيَتَامَى، وَالرُّبُعُ الثَّالِثُ لِلْمَسَاكِينِ، وَالرُّبُعُ الرَّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ قَوْلُهُ: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] افْتِتَاحُ كَلَامٍ؛ وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ غَيْرُ جَائِزٍ قَسْمُهُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِ سَهْمٌ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ مَقْسُومًا عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَسْمِهِ عَلَى خَمْسَةٍ فَمَا دُونَهَا، فَأَمَّا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَمَا لَا نَعْلَمُ قَائِلًا قَالَهُ غَيْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْخَبَرِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَفِي إِجْمَاعِ مَنْ ذَكَرْتُ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا اخْتَرْنَا. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: سَهْمُ الرَّسُولِ لِذَوِي الْقُرْبَى، فَقَدْ أَوْجَبَ لِلرَّسُولِ سَهْمًا، وَإِنْ كَانَ ﷺ صَرَفَهُ إِلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْقَسَمُ كَانَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ
١١ ‏/ ١٩٠
وَقَدْ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ ⦗١٩٢⦘ اللَّهِ ﷺ إِذَا غَنِمَ غَنِيمَةً جُعِلَتْ أَخْمَاسًا، فَكَانَ خُمُسٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَيَقْسِمُ الْمُسْلِمُونَ مَا بَقِيَ. وَكَانَ الْخُمُسُ الَّذِي جُعِلَ للَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَلِلْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَكَانَ هَذَا الْخُمُسُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ: خُمُسٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَخُمُسٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَخُمُسٌ لِلْيَتَامَى، وَخُمُسٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَخُمُسٌ لِابْنِ السَّبِيلِ»
١١ ‏/ ١٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ،. قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ الْجَزَّارِ عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «هُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ» . حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ. قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَجَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ. قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ١٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْسَ، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِلَّهِ، ⦗١٩٣⦘ وَلِلرَّسُولِ خُمُسُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى، وَخُمُسُهُ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَخُمُسُهُ لِلْيَتَامَى، وَخُمُسُهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ خُمُسُهُ»
١١ ‏/ ١٩٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: ٤١] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
١١ ‏/ ١٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ، فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ»
١١ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَهْلُ بَيْتِهِ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ، فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ»
١١ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ فِيَ بَنِي هَاشِمٍ الْفُقَرَاءَ، فَجَعَلَ لَهُمُ الْخُمُسَ مَكَانَ الصَّدَقَةِ»
١١ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: ثنا الصَّبَّاحُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ ⦗١٩٤⦘ عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّأْمِ: أَمَا قَرَأْتَ فِي الْأَنْفَالِ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَأَنْتُمْ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ»
١١ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هَؤُلَاءِ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِينَ لَا تَحِلُّ لَهُمُ الصَّدَقَةُ»
١١ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ نَجْدَةَ، كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا: تَزْعُمُ أَنَّا نَحْنُ، هُمْ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا»
١١ ‏/ ١٩٤
قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْسَ، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي لِلَّهِ، وَلِلرَّسُولِ خُمُسُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى، وَخُمُسٌ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَخُمُسٌ لِلْيَتَامَى، وَخُمُسٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ خُمُسُهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا
١١ ‏/ ١٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، ⦗١٩٥⦘ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذِي الْقُرْبَى، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: «قَدْ كُنَّا نَقُولُ: إِنَّا هُمْ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا، وَقَالُوا: قُرَيْشٌ كُلُّهَا ذَوُو قُرْبَى» وَقَالَ آخَرُونَ: سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ صَارَ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ
١١ ‏/ ١٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْمِ، ذِي الْقُرْبَى، فَقَالَ: «كَانَ طُعْمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا كَانَ حَيًّا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً
١١ ‏/ ١٩٥
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَكَانَتْ عِلَّتُهُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَرَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَؤُلَاءِ إِخْوَتُكَ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِكَ الَّذِي جَعَلَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ، أَرَأَيْتَ إِخْوَانَنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ ⦗١٩٦⦘ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» ثُمَّ شَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ” وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: سَهْمُ ذِي الْقُرْبَى كَانَ لَقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ؛ لِأَنَّ حَلِيفَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَلِصِحَّةِ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ، أَعْنِي سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصْرَفَانِ فِي مَعُونَةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ
١١ ‏/ ١٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ نَهْشَلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جُعِلَ سَهْمُ اللَّهِ وَسَهْمُ الرَّسُولِ وَاحِدًا وَلِذِي الْقُرْبَى، فَجُعِلَ هَذَانِ السَّهْمَانِ فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ، وَجُعِلَ سَهْمُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا يُعْطَى غَيْرَهُمْ»
١١ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، ⦗١٩٧⦘ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامٍ، لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ قَائِلُونَ: سَهْمُ النَّبِيِّ ﷺ لَقَرَابَةِ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ قَائِلُونَ: سَهْمُ الْقَرَابَةِ لَقَرَابَةِ الْخَلِيفَةِ، وَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْلِ وَالْعِدَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما يَجْعَلَانِ سَهْمَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، فَقُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: مَا كَانَ عَلِيُّ رضي الله عنه يَقُولُ فِيهِ؟ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ “
١١ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ⦗١٩٨⦘ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَتِ الْغَنِيمَةُ تُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةِ أَخْمَاسٍ، أَرْبَعَةٍ بَيْنَ مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا، وَخُمُسٍ وَاحِدٍ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ: لِلَّهِ، وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي الْقُرْبَى، يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَهُوَ لَقَرَابَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئًا. فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ، رَدَّ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه نَصِيبَ الْقَرَابَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»
١١ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، فَقَالَ: «كَانَ طُعْمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى وَلِيِّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ
١١ ‏/ ١٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ حُكَيْمِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: «يُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْخُمُسِ، وَيْلِي الْإِمَامُ سَهْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»
١١ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ⦗١٩٩⦘ سَهْمِ، ذَوِي الْقُرْبَى، فَقَالَ: «كَانَ طُعْمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا كَانَ حَيًّا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَرْدُودٌ فِي الْخُمُسِ، وَالْخُمُسُ مَقْسُومٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: عَلَى الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ. وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْخُمُسُ كُلُّهُ لَقَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ١٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ، قَالَ: ثنا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَنِ الْخُمُسِ، فَقَالَا: «هُوَ لَنَا» فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الأنفال: ٤١] فَقَالَ: «يَتَامَانَا وَمَسَاكِينُنَا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَرْدُودٌ فِي الْخُمُسِ، وَالْخُمُسُ مَقْسُومٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لِلْقَرَابَةِ سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ الْخُمُسَ لِأَقْوَامٍ مُوصُوفِينَ بِصِفَاتٍ، كَمَا أَوْجَبَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ الْآخَرِينَ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ حَقَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لَنْ يَسْتَحِقَّهُ غَيْرُهُمْ، فَكَذَلِكَ حَقُّ أَهْلِ الْخُمُسِ لَنْ يَسْتَحِقَّهُ غَيْرُهُمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، كَمَا غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَخْرُجَ بَعْضُ السَّهْمَانِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِمَنْ سَمَّاهُ فِي كِتَابِهِ بِفَقْدِ بَعْضِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ إِلَى غَيْرِ
١١ ‏/ ١٩٩
أَهْلِ السَّهْمَانِ الْأُخَرِ. وَأَمَّا الْيَتَامَى: فَهُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَدْ هَلَكَ آبَاؤُهُمْ. وَالْمَسَاكِينُ: هُمْ أَهْلُ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَابْنُ السَّبِيلِ: الْمُجْتَازُ سَفَرًا قَدِ انْقَطَعَ بِهِ
١١ ‏/ ٢٠٠
كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْخُمُسُ الرَّابِعُ لِابْنِ السَّبِيلِ، وَهُوَ الضَّيْفُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ»
١١ ‏/ ٢٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ [الأنفال: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيْقِنُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَقْسُومُ الْقَسْمِ الَّذِي بَيَّنْتُهُ، وَصَدِّقُوا بِهِ إِنْ كُنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَوْمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِبَدْرٍ، فَأَبَانَ فَلْجَ الْمُؤْمِنِينَ وَظُهُورَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، جَمْعُ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَمْعُ الْمُشْرِكِينَ. وَاللَّهُ عَلَى إِهْلَاكِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَإِذْلَالِهِمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشَاءُ قَدِيرٌ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٢٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗٢٠١⦘ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ [الأنفال: ٤١] يَعْنِي بِالْفُرْقَانِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَرَّقَ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …