سُورَةُ الَأنْفَالِ 1

وَآيَاتُهَا خَمْسٌ وَسَبْعُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْأَنْفَالُ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ﴾ [الأنفال: ١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْأَنْفَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْغَنَائِمُ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: يَسْأَلُكَ أَصْحَابُكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْغَنَائِمِ الَّتِي غَنِمْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ يَوْمَ بَدْرٍ لِمَنْ هِيَ، فَقُلْ هِيَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ
١١ ‏/ ٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ»
١١ ‏/ ٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنِ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ»
١١ ‏/ ٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْأَنْفَالُ: الْمَغْنَمُ»
١١ ‏/ ٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ⦗٦⦘: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: الْغَنَائِمُ»
١١ ‏/ ٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «الْأَنْفَالُ قَالَ: يَعْنِي الْغَنَائِمَ»
١١ ‏/ ٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ»
١١ ‏/ ٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ»
١١ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ»
١١ ‏/ ٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ»
١١ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: الْغَنَائِمُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أَنْفَالُ السَّرَايَا
١١ ‏/ ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، قَالَ: «بَلَغَنِي فِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: السَّرَايَا» وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَنْفَالُ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ، قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: هُوَ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ دَابَّةٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ مَتَاعٌ، ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ»
١١ ‏/ ٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: هِيَ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ نَفَلٍ، فَهُوَ لِلنَّبِيِّ ﷺ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ»
١١ ‏/ ٧
قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، «سُئِلَ عَنِ الْأَنْفَالِ، ⦗٨⦘ فَقَالَ: السَّلَبُ وَالْفَرَسُ»
١١ ‏/ ٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَيُقَالُ: الْأَنْفَالُ: مَا أُخِذَ مِمَّا سَقَطَ مِنَ الْمَتَاعِ بَعْدَمَا تُقْسَمُ الْغَنَائِمُ، فَهِيَ نَفَلٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ»
١١ ‏/ ٨
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا الْأَنْفَالُ؟ قَالَ: «الْفَرَسُ وَالدِّرْعُ وَالرُّمْحُ»
١١ ‏/ ٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: «الْأَنْفَالُ: الْفَرَسُ الشَّاذُّ، وَالدِّرْعُ، وَالثَّوْبُ»
١١ ‏/ ٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ يُنَفَّلُ الرَّجُلُ فَرَسَ الرَّجُلِ وَسَلَبَهُ»
١١ ‏/ ٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَنْفَالِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ، وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ. ثُمَّ عَادَ لِمَسْأَلَتِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا هِيَ؟ قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ يُحَرِّجَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا؟ ⦗٩⦘ مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه»
١١ ‏/ ٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ: لَا آمُرُكَ وَلَا أَنْهَاكَ» ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَاللَّهِ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عليه السلام إِلَّا زَاجِرًا آمِرًا مُحَلِّلًا مُحَرِّمًا» قَالَ الْقَاسِمُ: فَسُلِّطَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَجُلٌ يَسْأَلُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ الرَّجُلُ يُنَفَّلُ فَرَسَ الرَّجُلِ وَسِلَاحَهُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ حَتَّى أَغْضَبَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ هَذَا؟ مَثَلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ حَتَّى سَالَتِ الدِّمَاءُ عَلَى عَقِبَيْهِ، أَوْ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدِ انْتَقَمَ اللَّهُ لِعُمَرَ مِنْكَ»
١١ ‏/ ٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: يَسْأَلُونَكَ فِيمَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ قِتَالٍ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ، فَهُوَ نَفَلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: النَّفَلُ: الْخُمُسُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ
١١ ‏/ ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: هُوَ الْخُمُسُ. قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: لَمْ يُرْفَعْ عَنَّا هَذَا الْخُمُسُ؟ لَمْ يَخْرُجْ مِنَّا؟ فَقَالَ اللَّهُ: هُوَ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ»
١١ ‏/ ١٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْخُمُسِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١]» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي مَعْنَى الْأَنْفَالِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ زِيَادَاتٌ يَزِيدُهَا الْإِمَامُ بَعْضَ الْجَيْشِ أَوْ جَمِيعَهُمْ إِمَّا مِنْ سَلَبِهِ عَلَى حُقُوقَهِمْ مِنَ الْقِسْمَةِ، وَإِمَّا مِمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ بِالنَّفَلِ، أَوْ بِبَعْضِ أَسْبَابِهِ، تَرْغِيبًا لَهُ وَتَحْرِيضًا لِمَنْ مَعَهُ مِنْ جَيْشِهِ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَصَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ صَلَاحُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ الْفَرَسُ وَالدِّرْعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا قَالَهُ عَطَاءٌ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَا عَادَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ لِغَلَبَةٍ وَقَهْرٍ، يَفْعَلُ مَا فِيهِ صَلَاحُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِيهِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْجَيْشُ بِقَهْرٍ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ لِأَنَّ النَّفَلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِنَّمَا هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ: نَفَلْتُكَ كَذَا، وَأَنْفَلْتُكَ: إِذَا زِدْتُكَ، ⦗١١⦘ وَالْأَنْفَالُ: جَمْعُ نَفَلٍ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
[البحر الرمل] إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرُ نَفَلْ … وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ
فَإِذَا كَانَ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَا، فَكُلُّ مَنْ زِيدَ مِنْ مَقَاتِلَةِ الْجَيْشِ عَلَى سَهْمِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ أَبْلَاهُ أَوْ لِغَنَاءٍ كَانَ مِنْهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، بِتَنْفِيلِ الْوَالِي ذَلِكَ إِيَّاهُ، فَيَصِيرُ حُكْمُ ذَلِكَ لَهُ كَالسَّلَبِ الَّذِي يَسْلُبُهُ الْقَاتِلُ فَهُوَ مُنَفَّلٌ مَا زِيدَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْجَبَةً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِحَقٍّ، فَلَيْسَتْ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الْقِسْمَةُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا رَضَخَ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَهُوَ نَفَلٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ مِمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقِسْمَةُ. فَالْفَصْلُ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَالنَّفَلِ، أَنَّ الْغَنِيمَةُ هِيَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ بِغَلَبَةٍ وَقَهْرٍ نَفَلَ مِنْهُ مُنَفَّلٌ أَوَلَمْ يُنَفَّلُ وَالنَّفَلُ: هُوَ مَا أُعْطِيهِ الرَّجُلَ عَلَى الْبَلَاءِ وَالْغَنَاءِ عَنِ الْجَيْشِ عَلَى غَيْرِ قِسْمَةٍ. ⦗١٢⦘ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى النَّفَلِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: يَسْأَلُكَ أَصْحَابُكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْفَضْلِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ مِنْ غَنِيمَةِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ لِمَنْ هُوَ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: هُوَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ دُونَكُمْ، يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ. وَاخْتُلِفَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ نَفَلَ أَقْوَامًا عَلَى بَلَاءٍ، فَأَبْلَى أَقْوَامٌ وَتَخَلَّفَ آخَرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَاخْتَلَفُوا فِيهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى رَسُولِهِ، يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ مَا فَعَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَمَاضٍ جَائِزٌ
١١ ‏/ ١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاودَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، أَوْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» . فَتَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّانُ، وَبَقِيَ الشُّيُوخُ عِنْدَ الرَّايَاتِ. فَلَمَّا فَتْحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، جَاءُوا يَطْلُبُونَ مَا جَعَلَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ لَهُمُ الْأَشْيَاخُ: لَا تَذْهَبُوا بِهِ دُونَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْآيَةَ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١]
١١ ‏/ ١٢
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا، فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» قَالَ: فَتَسَارَعَ فِي ذَلِكَ شُبَّانُ الرِّجَالِ، وَبَقِيَتِ الشُّيُوخُ تَحْتَ الرَّايَاتِ فَلَمَّا كَانَتِ الْغَنَائِمُ، جَاءُوا يَطْلُبُونَ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ، فَقَالَتِ الشُّيُوخُ: لَا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا، فَإِنَّا كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، وَكُنَّا تَحْتَ الرَّايَاتِ، وَلَوِ انْكَشَفْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا، فَتَنَازَعُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١]
١١ ‏/ ١٣
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّفَلِ» قَالَ: فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ، فَلَمْ يَبْرَحُوا، فَلَمَّا فُتِحَ عَلَيْهِمْ، قَالَتِ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، فَلَوِ انْهَزَمْتُمُ انْحَزْتُمْ إِلَيْنَا، لَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ دُونَنَا، فَأَبَى الْفِتْيَانُ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا: أَطِيعُونِي فَإِنِّي أَعْلَمُ “
١١ ‏/ ١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ، قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ صَنَعَ كَذَا فَلَهُ مِنَ النَّفَلِ كَذَا» فَخَرَجَ شُبَّانٌ مِنَ الرِّجَالِ فَجَعَلُوا يَصْنَعُونَهُ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، قَالَ الشُّيُوخُ: نَحْنُ أَصْحَابُ الرَّايَاتِ، وَقَدْ كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١]
١١ ‏/ ١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثني الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، مَوْلَى هُذَيْلٍ، عَنِ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ حِينَ اخْتَلَفَ الْقَوْمُ فِي الْغَنَائِمِ يَوْمَ بَدْرٍ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُمْ عَنْ سَوَاءٍ»
١١ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى الْأَسَدِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: «فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ ⦗١٥⦘ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ سَوَاءٍ، يَقُولُ: عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ ﷺ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَأَلَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ شَيْئًا قَبْلَ قِسْمَتِهَا، فَلَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهُ؛ إِذْ كَانَ شِرْكًا بَيْنَ الْجَيْشِ، فَجَعَلَ اللَّهُ جَمِيعَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّيْفُ قَدْ شَفَى اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَسَأَلْتُهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: «لَيْسَ هَذَا لِي وَلَا لَكَ» . قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ، قُلْتُ: أَخَافُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي. فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَلْفِي، قَالَ: فَقُلْتُ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ، قَالَ: «إِنَّ السَّيْفَ قَدْ صَارَ لِي» . قَالَ: فَأَعْطَانِيهِ، وَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١]
١١ ‏/ ١٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا عَاصِمٌ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، جِئْتُ بِسَيْفٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا ⦗١٦⦘ رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ، فَقَالَ لِي: «هَذَا لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ» . فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: عَسَى أَنْ يُعْطِيَ هَذَا مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي، فَجَاءَنِي الرَّسُولُ، فَقُلْتُ: حَدَثَ فِيَّ حَدَثٌ: فَلَمَّا انْتَهَيْتُ، قَالَ: «يَا سَعْدُ إِنَّكَ سَأَلْتَنِي السَّيْفَ وَلَيْسَ لِي، وَإِنَّهُ قَدْ صَارَ لِي فَهُوَ لَكَ» . وَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١]
١١ ‏/ ١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أَصَبْتُ سَيْفًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْهُ لِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١]»
١١ ‏/ ١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، ثني أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: ثنا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ وَقَتَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَأَخَذْتُ سَيْفَهُ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكُتَيْفَةِ، فَجِئْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «⦗١٧⦘ اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ فِي الْقَبْضِ»، فَطَرَحْتُهُ وَرَجَعْتُ وَبِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَتْلِ أَخِي وَأَخْذِ سَلَبِي، قَالَ: فَمَا جَاوَزْتُ إِلَّا قَرِيبًا حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَخُذْ سَيْفَكَ» . وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِابْنِ الْمُثَنَّى “
١١ ‏/ ١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَاعِدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُسَيْدِ بْنَ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ، يَقُولُ: «أَصَبْتُ سَيْفَ ابْنِ عَائِدٍ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ السَّيْفُ يُدْعَى الْمَرْزُبَانَ فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَرُدُّوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ النَّفَلِ، أَقْبَلْتُ بِهِ فَأَلْقَيْتُهُ فِي النَّفَلِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ، فَرَآهُ الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ»
١١ ‏/ ١٧
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ جَدِّهِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: «رُدُّوا مَا كَانَ مِنَ الْأَنْفَالِ،» فَوَضَعَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ سَيْفَ ابْنِ عَائِدٍ الْمَرْزُبَانَ، فَعَرَفَهُ الْأَرْقَمُ فَقَالَ. هَبْهُ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ “
١١ ‏/ ١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَصَبْتُ سَيْفًا. قَالَ: فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفِّلْنِيهِ، فَقَالَ: «ضَعْهُ» ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفِّلْنِيهِ، قَالَ: «ضَعْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفِّلْنِيهِ، أُجْعَلُ كَمَنْ لَا غَنَاءَ لَهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١]
١١ ‏/ ١٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: «أَخَذْتُ سَيْفًا مِنَ الْمَغْنَمِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْ لِي هَذَا، فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١]»
١١ ‏/ ١٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: «كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: ⦗١٩⦘ أَعْطِنِي هَذَا السَّيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَكَتَ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] قَالَ: فَأَعْطَانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَأَلُوا قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ بَيْنَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ دُونَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ. وَقَالُوا: مَعْنَى: عَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: يَسْأَلُونَكَ مِنَ الْأَنْفَالِ، وَقَالُوا: قَدْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَؤُهُ: «يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ» عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَقْرَءُونَهَا: «يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ»
١١ ‏/ ١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: هِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ»
١١ ‏/ ١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ، قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: الْأَنْفَالُ: الْمَغَانِمُ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَالِصَةً لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهَا شَيْءٌ، مَا أَصَابَ سَرَايَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَيْءٍ أَتَوْهُ بِهِ، فَمَنْ حَبَسَ مِنْهُ إِبْرَةً أَوْ سِلْكًا فَهُوَ غُلُولٌ. فَسَأَلُوا ⦗٢٠⦘ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهَا، قَالَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ﴾ [الأنفال: ١] لِي جَعَلْتُهَا لِرَسُولِي لَيْسَ لَكُمْ فِيهَا شَيْءٌ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١]، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] ثُمَّ قُسِمَ ذَلِكَ الْخُمُسُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِمَنْ سُمِّيَ فِي الْآيَةِ»
١١ ‏/ ١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ،﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا. قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا أَثْلَاثًا. قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] وَمَلَّكَهُ اللَّهُ رَسُولَهُ، فَقَسَمَهُ كَمَا أَرَاهُ اللَّهُ»
١١ ‏/ ٢٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ الْغَنَائِمَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١]»
١١ ‏/ ٢٠
قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: يَسْأَلُونَكَ أَنْ تُنَفِّلَهُمْ»
١١ ‏/ ٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي
١١ ‏/ ٢٠
قَوْلِهِ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ قَوْمٍ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْأَنْفَالَ أَنْ يُعْطِيَهُمُوهَا، فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّهَا لِلَّهِ وَأَنَّهُ جَعَلَهَا لِرَسُولِهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا كَانَ مِنْ أَجْلِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَةِ مَنْ سَأَلَهُ السَّيْفَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ إِيَّاهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَةِ مَنْ سَأَلَهُ قَسْمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْجَيْشِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، أَمَنْسُوخَةٌ هِيَ أَمْ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَقَالُوا: نَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ
١١ ‏/ ٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: «كَانَتِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَنَسَخَتْهَا: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١]»
١١ ‏/ ٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٢٢⦘ السُّدِّيِّ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: أَصَابَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفًا، فَاخْتَصَمَ فِيهِ وَنَاسٌ مَعَهُ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ ﷺ مِنْهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١] الْآيَةَ، فَكَانَتِ الْغَنَائِمُ يَوْمَئِذٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً، فَنَسَخَهَا اللَّهُ بِالْخُمُسِ»
١١ ‏/ ٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمٌ، مَوْلَى أُمِّ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: نَسَخَتْهَا: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]»
١١ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، أَوْ عِكْرِمَةَ وَعَامِرٍ، قَالَا: «نَسَخَتِ الْأَنْفَالَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: قُلِ الْأَنْفَالَ لِلَّهِ، وَهِيَ لَا شَكَّ لِلَّهِ مَعَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا وَالْآخِرَةِ، وَلِلرَّسُولِ يَضَعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِوَضْعِهَا فِيهِ
١١ ‏/ ٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿⦗٢٣⦘ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ [الأنفال: ١] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] فَسَلَّمُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَحْكُمَانِ فِيهَا بِمَا شَاءَا وَيَضَعَانِهَا حَيْثُ أَرَادَا، فَقَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ، وَلَكُمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ: «وَهَذَا الْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَى فُقَرَائِكُمْ يَصْنَعُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي ذَلِكَ الْخُمُسِ مَا أَحَبَّا، وَيَضَعَانِهِ حَيْثُ أَحَبَّا، ثُمَّ أَخْبَرَنَا اللَّهُ الَّذِي يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ» ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دَوْلَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: ٧]» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَنْفَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ يُنَفِّلُ مَنْ شَاءَ، فَنَفَّلَ الْقَاتِلَ السَّلَبَ، وَجَعَلَ لِلْجَيْشِ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَنَفَّلَ قَوْمًا بَعْدَ سُهْمَانِهِمْ بَعِيرًا بَعِيرًا فِي بَعْضِ الْمَغَازِي. فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حُكْمَ الْأَنْفَالِ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ يُنَفِّلُ عَلَى مَا يَرَى مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا مَنْسُوخٌ لِاحْتِمَالِهَا مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُحْكُمَ بِحُكْمٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، فَقَدْ دَلَلْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا عَلَى أَنْ لَا مَنْسُوخَ إِلَّا مَا أَبْطَلَ حُكْمَهُ حَادِثٌ حَكَمَ بِخِلَافِهِ يَنْفِيهِ مِنْ كُلِّ مَعَانِيهِ، أَوْ يَأْتِي خَبَرٌ يُوجِبُ ⦗٢٤⦘ الْحُجَّةَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ الْآخَرَ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ التَّنْفِيلَ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَأْوِيلًا مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ١]
١١ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَرْسَلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ غُلَامَهُ إِلَى قَوْمٍ سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ تَسْأَلُونِي عَنِ الْأَنْفَالِ، فَلَا نَفَلَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَتَأَسَّوْا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَغَازِيهِمْ بِفِعْلِهِ، فَيُنَفِّلُوا عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ يُنَفَّلُ، إِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ
١١ ‏/ ٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَخَافُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَاتَّقُوهُ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَأَصْلِحُوا الْحَالَ بَيْنَكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عنيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلَّذِينَ غَنِمُوا الْغَنِيمَةَ يَوْمَ بَدْرٍ وَشَهِدُوا الْوَقْعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْغَنِيمَةِ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَصَابُوا مِنْهَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
١١ ‏/ ٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ يُنَفِّلُ الرَّجُلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سَلَبَ الرَّجُلِ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا قَتَلَهُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] أَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ»
١١ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُنَفِّلُ الرَّجُلَ عَلَى قَدْرِ جَدِّهِ وَغَنَائِهِ عَلَى مَا رَأَى، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَمَلَأَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ غَنَائِمَ، قَالَ أَهْلُ الضَّعْفِ مِنَ النَّاسِ: ذَهَبَ أَهْلُ الْقُوَّةِ بِالْغَنَائِمِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] لِيَرُدَّ أَهْلُ الْقُوَّةِ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا تَحْرِيجٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْقَوْمِ، وَنَهْيٌ لَهُمْ عَنِ الاخْتِلَافِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهِ
١١ ‏/ ٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَا: ثنا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] قَالَ: حَرَّجَ عَلَيْهِمْ»
١١ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١]⦗٢٦⦘ قَالَ هَذَا تَحْرِيجٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّقُوا وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ. قَالَ عَبَّادٌ، قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا حِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْغَنَائِمِ يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] أَيْ: لَا تَسْتَبُّوا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَأْنِيثِ الْبَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أَضَافَ ذَاتَ إِلَى الْبَيْنِ وَجَعَلَهُ ذَاتًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ يُوضَعُ عَلَيْهِ اسْمٌ مُؤَنَّثٌ، وَبَعْضًا يُذَكَّرُ نَحْوُ الدَّارِ، وَالْحَائِطِ أَنَّثَ الدَّارَ وَذَكَّرَ الْحَائِطَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١] الْحَالَ الَّتِي لِلْبَيْنِ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ «ذَاتُ الْعَشَاءِ» يُرِيدُ السَّاعَةَ الَّتِي فِيهَا الْعَشَاءُ. قَالَ: وَلَمْ يَضَعُوا مُذَكَّرًا لِمُؤَنَّثٍ وَلَا مُؤَنَّثًا لِمُذَكَّرٍ إِلَّا لِمَعْنَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَهُ
١١ ‏/ ٢٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَانْتَهُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ الطَّالِبُونَ الْأَنْفَالَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ وُجُوهَهُ ⦗٢٧⦘ وَسُبُلَهُ. ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا آتَاكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ
١١ ‏/ ٢٦
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١] فَسَلَّمُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَحْكُمَانِ فِيهَا بِمَا شَاءَا، وَيَضَعَانِهَا حَيْثُ أَرَادَا»
١١ ‏/ ٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالَّذِي يُخَالِفُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتْرُكُ اتِّبَاعَ مَا أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ، وَالِانْقِيَادَ لِحُكْمِهِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَ قَلْبُهُ وَانْقَادَ لَأَمْرِهِ وَخَضَعَ لَذِكْرِهِ خَوْفًا مِنْهُ وَفَرَقًا مِنْ عِقَابِهِ، وَإِذَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ آيَاتُ كِتَابِهِ صَدَّقَ بِهَا وَأَيْقَنَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَازْدَادَ بِتَصْدِيقِهِ بِذَلِكَ إِلَى تَصْدِيقِهِ بِمَا كَانَ قَدْ بَلَغَهُ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا وَذَلِكَ هُوَ زِيَادَةُ مَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ إِيمَانًا. ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢] يَقُولُ: وَبِاللَّهِ يُوقِنُونَ فِي أَنَّ قَضَاءَهُ فِيهِمْ مَاضٍ فَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ وَلَا يَرْهَبُونَ سِوَاهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٢٨⦘ قَوْلُهُ: «﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: الْمُنَافِقُونَ لَا يَدْخُلُ قُلُوبَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَلَا يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ، وَلَا يُصَلُّونَ إِذَا غَابُوا، وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ. فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] فَأَدُّوا فَرَائِضَهُ، ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال: ٢] يَقُولُ: تَصْدِيقًا، ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢] يَقُولُ: لَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ»
١١ ‏/ ٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: فَرِقَتْ»
١١ ‏/ ٢٨
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عِنْدَ الشَّيْءِ وَجِلَ قَلْبُهُ»
١١ ‏/ ٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] يَقُولُ: إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَ قَلْبُهُ.»
١١ ‏/ ٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: فَرِقَتْ»
١١ ‏/ ٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] فَرِقَتْ»
١١ ‏/ ٢٨
قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَظْلِمَ أَوْ قَالَ: يَهِمَّ بِمَعْصِيَةٍ أَحْسِبُهُ قَالَ: فَيَنْزِعَ عَنْهُ»
١١ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: الْوَجَلُ فِي الْقَلْبِ كَإِحْرَاقِ السَّعَفَةِ، أَمَا تَجِدُ لَهُ قَشْعَرِيرَةً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: إِذَا وَجَدْتَ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ فَادْعُ اللَّهَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَذْهَبُ بِذَلِكَ»
١١ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: فَرَقًا مِنَ اللَّهِ، وَوَجَلًا مِنَ اللَّهِ، وَخَوْفًا مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى»
١١ ‏/ ٢٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال: ٢] فَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ
١١ ‏/ ٢٩
مَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: «﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: ⦗٣٠⦘ خَشْيَةً»
١١ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: هَذَا نَعْتُ أَهْلِ الْإِيمَانِ، فَأَثْبَتَ نَعْتَهُمْ، وَوَصَفَهُمْ فَأَثْبَتَ صِفَتَهُمْ»
١١ ‏/ ٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهْمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ يُؤَدُّونَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا، وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأَمْوَالِ فِيمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُنْفِقُوهَا فِيهِ مِنْ زَكَاةٍ وَجِهَادٍ وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَنَفَقَةٍ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُ، فَيُؤَدُّونَ حُقُوقَهُمْ. ﴿أُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ. ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [الأنفال: ٤] لَا الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ آمَنَّا وَقُلُوبُهُمْ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى خِلَافِهِ نِفَاقًا، لَا يُقِيمُونَ صَلَاةً وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [الأنفال: ٣] يَقُولُ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ⦗٣١⦘. ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] يَقُولُ: زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ. ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤] يَقُولُ: بَرِئُوا مِنَ الْكُفْرِ. ثُمَّ وَصَفَ اللَّهُ النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٥٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾ [النساء: ١٥١] فَجَعَلَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنًا حَقًّا، وَجَعَلَ الْكَافِرَ كَافِرًا حَقًّا، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: ٢]»
١١ ‏/ ٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤] قَالَ: اسْتَحَقُّوا الْإِيمَانَ بِحَقٍّ، فَأَحَقَّهُ اللَّهُ لَهُمْ»
١١ ‏/ ٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ﴾ [الأنفال: ٤] لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ دَرَجَاتٌ، وَهِيَ مَرَاتِبُ رَفِيعَةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَذِهِ الدَّرَجَاتِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهَا لَهُمْ عندَهُ مَا هِيَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ أَعْمَالٌ رَفِيعَةٌ وَفَضَائِلُ قَدَّمُوهَا فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ
١١ ‏/ ٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنفال: ٤] قَالَ: أَعْمَالٌ رَفِيعَةٌ» ⦗٣٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَرَاتِبُ فِي الْجَنَّةِ
١١ ‏/ ٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ: «﴿لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الأنفال: ٤] قَالَ: الدَّرَجَاتُ سَبْعُونَ دَرَجَةً، كُلُّ دَرَجَةٍ حَضَرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ سَبْعِينَ سَنَةً» وَقَوْلُهُ ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ [الأنفال: ٤] يَقُولُ: وَعَفْوٌ عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَتَغْطِيَةٌ عَلَيْهَا. ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] قِيلَ: الْجَنَّةُ. وَهُوَ عِنْدِي مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ لَهُمْ مِنْ مَزِيدِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَهَنِيءِ الْعَيْشِ
١١ ‏/ ٣٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ [الأنفال: ٤] قَالَ: لِذُنُوبِهِمْ. ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] قَالَ: الْجَنَّةُ»
١١ ‏/ ٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ [الأنفال: ٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْجَالِبِ لِهَذِهِ الْكَافِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ﴾ [الأنفال: ٥] وَمَا الَّذِي شُبِّهَ بِإِخْرَاجِ اللَّهِ نَبِيَّهُ ﷺ مِنْ بَيْتِهِ بِالْحَقِّ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: شُبِّهَ بِهِ فِي الصَّلَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ، اتِّقَاؤُهُمْ رَبَّهُمْ، وَإِصْلَاحُهُمْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَطَاعَتُهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: يَقُولُ اللَّهُ: وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ ⦗٣٣⦘ لَكُمْ، كَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ بَيْتِهِ بِالْحَقِّ كَانَ خَيْرًا لَهُ
١١ ‏/ ٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١]، ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥] الْآيَةَ: أَيْ: إِنَّ هَذَا خَيْرٌ لَكُمْ، كَمَا كَانَ إِخْرَاجُكَ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ خَيْرًا لَكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ عَلَى كُرْهٍ مِنْ فَرِيقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ هُمْ يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ، فَهُمْ يُجَادِلُونَكَ فِيهِ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ
١١ ‏/ ٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥] قَالَ: كَذَلِكَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ»
١١ ‏/ ٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥] كَذَلِكَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ: الْقِتَالُ»
١١ ‏/ ٣٣
قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥] قَالَ: كَذَلِكَ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ»
١١ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ فِي خُرُوجِهِ يَعْنِي خُرُوجَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى بَدْرٍ وَمُجَادَلَتِهِمْ إِيَّاهُ، فَقَالَ: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال: ٥] لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ، ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾» اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ ﷺ أَنْ يَمْضِيَ لَأَمْرِهِ فِي الْغَنَائِمِ، عَلَى كُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، كَمَا مَضَى لِأَمْرِهِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ لِطَلَبِ الْعِيرِ وَهُمْ كَارِهُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ مُجَادَلَةً كَمَا جَادَلُوكَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالُوا: أَخْرَجْتَنَا لِلْعِيرِ، وَلَمْ تُعْلِمْنَا قِتَالًا فَنَسْتَعِدَّ لَهُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَافُ فِي: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ﴾ [الأنفال: ٥] عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤] ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ ⦗٣٥⦘ بَيْتِكِ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥] وَقِيلَ: الْكَافُ بِمَعْنَى «عَلَى» . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هِيَ بِمَعْنَى الْقَسَمِ. قَالَ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَالَّذِي أَخْرَجَكَ رَبُّكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ مَعْنَاهُ: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ بِالْحَقِّ عَلَى كُرْهٍ مِنْ فَرِيقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَذَلِكَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ. لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ كَانَ، أَعني خُرُوجَ بَعْضِ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ كَارِهًا، وَجِدَالَهُمْ فِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ عِنْدَ دُنُوِّ الْقَوْمِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَتَشْبِيهُ بَعْضِ ذَلِكَ بِبَعْضٍ مَعَ قُرْبِ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ أَوْلَى مِنْ تَشْبِيهِهِ بِمَا بَعُدَ عَنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي الْحَقِّ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُمْ يُجَادِلُونَ فِيهِ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَ مَا تَبَيَّنُوهُ: هُوَ الْقِتَالُ
١١ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٦] قَالَ: الْقِتَالُ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٦⦘ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٣٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ بَيْتِكَ﴾ [الأنفال: ٥] فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: مَعْنَاهُ مِنَ الْمَدِينَةِ
١١ ‏/ ٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَزَّةَ: «﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ﴾ [الأنفال: ٥] الْمَدِينَةِ إِلَى بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥] قَالَ: مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٣٦
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال: ٥] فَإِنَّ كَرَاهَتَهُمْ كَانَتْ
١١ ‏/ ٣٦
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ، مِنْ عُلَمَائِنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالُوا: “لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَبِي سُفْيَانَ مُقْبِلًا مِنَ الشَّأْمِ، نَدَبَ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُنَفِّلَكُمُوهَا، فَانْتَدَبَ النَّاسُ، فَخَفَّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَلْقَى حَرْبًا»
١١ ‏/ ٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٣٧⦘ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال: ٥] لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنِي بِذَلِكَ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ حِينَ تَوَجَّهَ إِلَى بَدْرٍ لِلِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ
١١ ‏/ ٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا شَاوَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي لِقَاءِ الْقَوْمِ، وَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَا قَالَ: وَذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَمَرَ النَّاسَ، فَتَعَبَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَأَمَرَهُمْ بِالشَّوْكَةِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَهْلُ الْإِيمَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾»
١١ ‏/ ٣٧
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْمَ، يَعْنِي أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ سَارَتْ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال: ٥] أَيْ: كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ، وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ حِينَ ذُكِرُوا لَهُمْ» ⦗٣٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عنيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ
١١ ‏/ ٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ جَادَلُوكَ فِي الْحَقِّ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ حِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ﴿وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: ٦] قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ صِفَةِ الْآخَرِينَ، هَذِهِ صِفَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لِأَهْلِ الْكُفْرِ»
١١ ‏/ ٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُفَسِّرُ: ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: ٦] خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْعِيرِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ، مِنْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ فَرِيقٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَكَانَ جِدَالُهُمْ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أَنْ قَالُوا: لَمْ يُعْلِمْنَا أَنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ فَنَسْتَعِدَّ لِقِتَالِهِمْ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا لِلْعِيرِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] فَفِي ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ لِمَنْ فَهِمَ عَنِ اللَّهِ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ كَانُوا لِلشَّوْكَةِ كَارِهِينَ وَأَنَّ جِدَالَهُمْ كَانَ فِي الْقِتَالِ كَمَا
١١ ‏/ ٣٨
قَالَ مُجَاهِدٌ، كَرَاهِيَةً مِنْهُمْ لَهُ، وَأَنْ لَا مَعْنَى لَمَّا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٦] خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَالَّذِي يَتْلُوهُ خَبَرٌ عَنْهُمْ، فَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنْ لَمْ يُجْرَ لَهُ ذِكْرٌ
١١ ‏/ ٣٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾ [البقرة: ١٠٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّكَ لَا تَفْعَلُ إِلَّا مَا أَمَرَكَ اللَّهُ
١١ ‏/ ٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾ [البقرة: ١٠٩] أَنَّكَ لَا تَصْنَعُ إِلَّا مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ يُجَادِلُونَكَ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ مَا أُمِرْتَ بِهِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
١١ ‏/ ٣٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: ٦] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: كَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكَ فِي لِقَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ كَرَاهَتِهِمْ لِلِقَائِهِمْ إِذَا دُعُوا إِلَى لِقَائِهِمْ لِلْقِتَالِ يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ. ⦗٤٠⦘ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: ٦] أَيْ: كَرَاهَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ، وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ حِينَ ذُكِرُوا لَهُمْ»
١١ ‏/ ٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُّحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٧] يَعْنِي: إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَالْعِيرِ، وَفِرْقَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَفَرُوا مِنْ مَكَّةَ لِمَنْعِ عِيرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَنَّهَا لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] يَقُولُ: إِنَّ مَا مَعَهُمْ غَنِيمَةٌ لَكُمْ. ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] يَقُولُ: وَتُحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا شَوْكَةٌ، يَقُولُ: لَيْسَ لَهَا حَدٌّ وَلَا فِيهَا قِتَالٌ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ، يَقُولُ: تَوَدُّونَ أَنْ تَكُونَ لَكُمُ الْعِيرُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قِتَالٌ لَكُمْ دُونَ جَمَاعَةِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ جَاءُوا لِمَنْعِ عِيرِهِمُ الَّذِينَ فِي لِقَائِهِمُ الْقِتَالَ وَالْحَرْبَ.
١١ ‏/ ٤٠
وَأَصْلُ الشَّوْكَةِ مِنَ الشَّوْكِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ: «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، أَقْبَلَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رُكْبَانِ قُرَيْشٍ مُقْبِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَسَلَكُوا طَرِيقَ السَّاحِلِ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ نَدَبَ أَصْحَابَهُ، وَحَدَّثَهُمْ بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَبِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ. فَخَرَجُوا لَا يُرِيدُونَ إِلَّا أَبَا سُفْيَانَ، وَالرَّكَبَ مَعَهُ لَا يَرَوْنَهَا إِلَّا غَنِيمَةً لَهُمْ، لَا يَظُنُّونَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرُ قِتَالٍ إِذَا رَأَوْهُمْ. وَهِيَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧]»
١١ ‏/ ٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ، مِنْ عُلَمَائِنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْضَ، هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْتُ مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ، قَالُوا: لَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَبِي سُفْيَانَ مُقْبِلًا مِنَ الشَّأْمِ نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُنَفِّلَكُمُوهَا،» فَانْتَدَبَ النَّاسَ، فَخَفَّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَلْقَى حَرْبًا. ⦗٤٢⦘ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنَ الْحِجَازِ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنَ الرُّكْبَانِ تَخَوُّفًا مِنَ النَّاسِ، حَتَّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرُّكْبَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدِ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَكَ وَلِعِيرِكَ، فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ، فَبَعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إِلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي أَصْحَابِهِ، حَتَّى بَلَغَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ ذَفِرَانُ، فَخَرَجَ مِنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِهِ نَزَلَ وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ، فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ فَأَحْسَنَ ثُمَّ قَامَ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ فَأَحْسَنَ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ امْضِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بِرْكِ الْغِمَادِ يَعْنِي مَدِينَةَ الْحَبَشَةِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ حَتَّى تَبْلُغَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْرًا، ثُمَّ دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ» ⦗٤٣⦘ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَدَدَ النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ عَلَى الْعَقَبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دِيَارِنَا، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَيْنَا فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِنَا، نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. فَكَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَافَ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نُصْرَتَهُ إِلَّا مِمَّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى عَدُوٍّ مِنْ بِلَادِهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَجَلْ» . قَالَ: فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانَا عَدُوُّنَا غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ، صُدُقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُرِيَكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشَّطَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: «سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ الْآنَ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ غَدًا»
١١ ‏/ ٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، أَقْبَلَ فِي عِيرٍ مِنَ الشَّأْمِ فِيهَا تِجَارَةُ قُرَيْشٍ، وَهِيَ اللَّطِيمةُ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّهَا قَدْ أَقْبَلَتْ فَاسْتَنْفَرَ النَّاسَ، فَخَرَجُوا مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ
١١ ‏/ ٤٣
رَجُلًا، فَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ جُهَيْنَةَ، حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ يُدْعَى ابْنُ الْأُرَيْقِطِ، فَأَتَاهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ. وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ خُرُوجُ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَعِينُهُمْ، فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُدْعَى ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا يَشْعُرُ بِخُرُوجِ قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِخُرُوجِهِمْ، فَتَخَوَّفَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَخْذُلُوهُ وَيَقُولُوا: إِنَّا عَاهَدْنَا أَنْ نَمْنَعْكَ إِنْ أَرَادَكَ أَحَدٌ بِبَلَدِنَا. فَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي طَلَبِ الْعِيرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: إِنِّي قَدْ سَلَكْتُ هَذَا الطَّرِيقَ، فَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ، وَقَدْ فَارَقَهُمُ الرَّجُلُ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَسَكَتَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ عَادَ فَشَاوَرَهُمْ، فَجَعَلُوا يُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِالْعِيرِ. فَلَمَّا أَكْثَرَ الْمَشُورَةَ، تَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ تُشَاوِرُ أَصْحَابَكَ فَيُشِيرُونَ عَلَيْكَ وَتَعُودُ فَتُشَاوِرُهُمْ، فَكَأَنَّكَ لَا تَرْضَى مَا يُشِيرُونَ عَلَيْكَ وَكَأَنَّكَ تَتَخَوَّفُ أَنْ تَتَخَلَّفَ عنكَ الْأَنْصَارُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ الْكِتَابُ، وَقَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِالْقِتَالِ وَوَعَدَكَ النَّصْرَ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا يَتَخَلَّفُ عنكَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ وَلَكِنَّا نَقُولِ: أَقْدِمْ فَقَاتِلْ إِنَّا مَعَكَ مُقَاتِلُونَ، فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ وَقَالَ: «إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي الْقَوْمَ وَقَدْ خَرَجُوا فَسِيرُوا إِلَيْهِمْ» فَسَارُوا “
١١ ‏/ ٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] قَالَ: الطَّائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِذْ أَقْبَلَ بِالْعِيرِ مِنَ الشَّأْمِ، ⦗٤٥⦘ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى أَبُو جَهْلٍ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الشَّوْكَةَ وَالْقِتَالَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَلْقَوُا الْعِيرَ، وَأَرَادَ اللَّهُ مَا أَرَادَ»
١١ ‏/ ٤٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٧] قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرُ أَهْلِ مَكَّةَ يُرِيدُ: مِنَ الشَّامِ فَبَلَغَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ذَلِكَ، فَخَرَجُوا وَمَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُونَ الْعِيرَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ، فَسَارَعُوا السَّيْرَ إِلَيْهَا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، فَسَبَقْتُ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ اللَّهُ وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، فَكَانُوا أَنْ يَلْقَوُا الْعِيرَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ وَأَيْسَرَ شَوْكَةً وَأَحْضَرَ مَغْنَمًا. فَلَمَّا سَبَقَتِ الْعِيرُ، وَفَاتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، سَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ الْقَوْمَ، فَكَرِهَ الْقَوْمُ مَسِيرَهُمْ لِشَوْكَةٍ فِي الْقَوْمِ»
١١ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] قَالَ: أَرَادُوا الْعِيرَ قَالَ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ يُرِيدُ سَرْحَ الْمَدِينَةِ ⦗٤٦⦘ حَتَّى بَلَغَ الصَّفْرَاءَ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَرَكِبَ فِي أَثَرِهِ، فَسَبَقَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَقَامَ سَنَتَهُ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَقْبَلَ مِنَ الشَّأْمِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ، نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] فَنَفَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَمِائَتَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَسَائِرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ الْخَبَرَ وَهُوَ بِالْبُطْمِ، فَبَعَثَ إِلَى جَمِيعِ قُرَيْشٍ وَهُمْ بِمَكَّةَ، فَنَفَرَتْ قُرَيْشٌ وَغَضِبَتْ»
١١ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] قَالَ: كَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام قَدْ نَزَلَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَسِيرِ قُرَيْشٍ وَهِيَ تُرِيدُ عِيرَهَا، وَوَعَدَهُ: إِمَّا الْعِيرَ، وَإِمَّا قُرَيْشًا وَذَلِكَ كَانَ بِبَدْرٍ، وَأَخَذُوا السُّقَاةَ وَسَأَلُوهُمْ، فَأَخْبَرُوهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ»
١١ ‏/ ٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى بَدْرٍ وَهُمْ يُرِيدُونَ يَعْتَرِضُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ قَالَ: وَخَرَجَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ، حَتَّى أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ، فَاسْتَغْوَاهُمْ وَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا
١١ ‏/ ٤٦
وَأَصْحَابَهُ قَدْ عُرِضُوا لِعِيرِكُمْ، وَقَالَ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ مَنْ مَثَلُكُمْ؟ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا عَلَى مَا يَكْرَهُ اللَّهُ. فَخَرَجُوا وَنَادَوْا أَنْ لَا يَتَخَلَّفَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا هَدَمْنَا دَارَهُ وَاسْتَبَحْنَاهُ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ بِالرَّوْحَاءِ عَيْنًا لِلْقَوْمِ، فَأَخْبَرَهُ بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَكُمُ الْعِيرَ أَوِ الْقَوْمَ» . فَكَانَتِ الْعِيرُ أَحَبَّ إِلَى الْقَوْمِ مِنَ الْقَوْمِ، كَانَ الْقِتَالُ فِي الشَّوْكَةِ، وَالْعِيرُ لَيْسَ فِيهَا قِتَالٌ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] قَالَ: الشَّوْكَةُ: الْقِتَالُ، وَغَيْرُ الشَّوْكَةِ: الْعِيرُ “
١١ ‏/ ٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: «أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] فَلَمَّا وَعَدَنَا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَنَا طَابَتْ أَنْفُسُنَا. وَالطَّائِفَتَانِ: عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ، أَوْ قُرَيْشٌ»
١١ ‏/ ٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ، أَحْسِبُهُ قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: «﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ⦗٤٨⦘ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] قَالُوا: الشَّوْكَةُ: الْقَوْمُ وَغَيْرُ الشَّوْكَةِ: الْعِيرُ، فَلَمَّا وَعَدَنَا اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا الْعِيرُ، وَإِمَّا الْقَوْمُ، طَابَتْ أَنْفُسُنَا»
١١ ‏/ ٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثني يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثني غَيْرُ وَاحِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] إِنَّ الشَّوْكَةَ قُرَيْشٌ»
١١ ‏/ ٤٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] هِيَ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ، وَدَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الْعِيرَ كَانَتْ لَهُمْ وَأَنَّ الْقِتَالَ صُرِفَ عَنْهُمْ»
١١ ‏/ ٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] أَيْ: الْغَنِيمَةُ دُونَ الْحَرْبِ»
١١ ‏/ ٤٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَنَّهَا لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] فَفُتِحَتْ عَلَى تَكْرِيرِ يَعِدُ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَعِدُكُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٧] قَدْ عَمِلَ فِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٧] يَعِدُكُمْ أَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَكُمْ، كَمَا قَالَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمُ بَغْتَةً﴾ [الزخرف: ٦٦] قَالَ: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٧] فَأَنَّثَ ذَاتَ لِأَنَّهُ مُرَادٌ بِهَا الطَّائِفَةُ. ⦗٤٩⦘ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَتَوَدُّونَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي هِيَ غَيْرُ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ، دُونَ الطَّائِفَةِ ذَاتِ الشَّوْكَةِ
١١ ‏/ ٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْإِسْلَامَ وَيُعْلِيَهُ بِكَلِمَاتِهِ يَقُولُ: بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ الْغَنِيمَةَ وَالْمَالَ
١١ ‏/ ٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ٧] يَقُولُ: يُرِيدُ أَنْ يَجُبَّ أَصْلَ الْجَاحِدِينَ تَوْحِيدَ اللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى دَابِرٍ، وَأَنَّهُ الْمُتَأَخِّرُ، وَأَنَّ مَعْنَى قَطَعَهُ الْإِتْيَانُ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْهُمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ [الأنفال: ٧] أَنْ يَقْتُلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ دَابِرَهُمْ، هَذَا خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْعِيرِ»
١١ ‏/ ٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ ⦗٥٠⦘ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ٧] أَيِ: الْوَقْعَةُ الَّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ كَيْمَا يُحِقَّ الْحَقَّ، كَيْمَا يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ، وَيُعَزَّ الْإِسْلَامُ، وَذَلِكَ هُوَ تَحْقِيقُ الْحَقِّ ﴿وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ﴾ [الأنفال: ٨] يَقُولُ وَيُبْطِلَ عِبَادَةَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ وَالْكُفْرِ ﴿وَلَوْ كَرِهَ﴾ [الأنفال: ٨] ذَلِكَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا، فَاكْتَسَبُوا الْمَآثِمَ وَالْأَوْزَارَ مِنَ الْكُفَّارِ
١١ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: ٨] هُمُ الْمُشْرِكُونَ» وَقِيلَ: إِنَّ الْحَقَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: اللَّهُ عز وجل
١١ ‏/ ٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ حِينَ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ، فَـ «إِذْ» مِنْ صِلَةِ «يُبْطِلَ» وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] تَسْتَجِيرُونَ بِهِ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَتَدْعُونَهُ لِلنَّصْرِ عَلَيْهِمْ. ﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] يَقُولُ: فَأَجَابَ دُعَاءَكُمْ بِأَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ ⦗٥١⦘ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَرْدَفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتْلُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَجَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ٥٠
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: ثني سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: ثني عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَعِدَّتِهِمْ، وَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ نَيِّفًا عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَجَعَلَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ،» فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، وَأَخَذَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَفَاكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩]»
١١ ‏/ ٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “لَمَّا اصْطَفَّ الْقَوْمُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ أَوْلَانَا بِالْحَقِّ فَانْصُرْهُ، وَرَفَعَ ⦗٥٢⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ، فَقَالَ: «يَا رَبِّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا»
١١ ‏/ ٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزَلْتَ عَلَيَّ الْكِتَابَ، وَأَمَرْتَنِي بِالْقِتَالِ، وَوَعَدْتَنِي بِالنَّصْرِ، وَلَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدُكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: ١٢٥]»
١١ ‏/ ٥٢
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْعَرِيشِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو يَقُولُ: «اللَّهُمَّ انْصُرْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنْ تَعْبُدَ فِي الْأَرْضِ» قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَعْضُ مُنَاشَدَتِكَ مُنْجِزُكَ مَا وَعَدَكَ “
١١ ‏/ ٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥٣⦘ السُّدِّيِّ، قَالَ: «أَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو اللَّهَ وَيَسْتَغِيثُهُ وَيَسْتَنْصِرُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ»
١١ ‏/ ٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: دُعَاءُ النَّبِيِّ ﷺ»
١١ ‏/ ٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٩] أَيْ: بِدُعَائِكُمْ حِينَ نَظَرُوا إِلَى كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، فَاسْتَجَابَ لَكُمْ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَدُعَائِكُمْ مَعَهُ»
١١ ‏/ ٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يُنَاشِدُ رَبَّهُ أَشَدَّ النِّشْدَةِ، يَدْعُو فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْضُ نِشْدَتِكَ، فَوَاللَّهِ لَيَفِيَنَّ اللَّهُ لَكَ بِمَا وَعَدَكَ»
١١ ‏/ ٥٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] فَقَدْ بَيَّنَا مَعْنَاهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] يَقُولُ: الْمَزِيدُ، ⦗٥٤⦘ كَمَا تَقُولُ: ائْتِ الرَّجُلَ فَزِدْهُ كَذَا وَكَذَا»
١١ ‏/ ٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عنتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: مُتَتَابِعِينَ». قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عنتَرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٥٤
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: وَرَاءَ كُلِّ مَلَكٍ مَلَكٌ»
١١ ‏/ ٥٤
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْنِ الْمُهَلَّبِ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: مُتَتَابِعَيْنِ»
١١ ‏/ ٥٤
قَالَ: ثنا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ قَابُوسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ظَبْيَانَ، يَقُولُ: «﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ»
١١ ‏/ ٥٤
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: بَعْضُهُمْ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٥٥⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: مُمَدِّينَ»
١١ ‏/ ٥٥
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرِ قَالَ: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] الْإِرْدَافُ: الْإِمْدَادُ بِهِمْ “
١١ ‏/ ٥٥
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] أَيْ: مُتَتَابِعِينَ»
١١ ‏/ ٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
١١ ‏/ ٥٥
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] قَالَ: الْمُرْدِفِينَ: بَعْضُهُمْ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»
١١ ‏/ ٥٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] يَقُولُ: مُتَتَابِعِينَ يَوْمَ بَدْرٍ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (مُرْدَفِينَ) بِنَصْبِ الدَّالِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يَقْرَؤُهُ كَذَلِكَ، وَيَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ: هُوَ مِنْ أَرْدَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَمْرٍو بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَالَ: إِنَّمَا الْإِرْدَافُ: أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ خَلْفَهُ قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ هَذَا فِي نَعْتِ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِفَتْحِ الدَّالِ أَوْ بِكَسْرِهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ: مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالْكَسْرِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ جَاءَتْ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: أَرْدَفْتُهُ، وَقَالُوا: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَرْدَفْتُهُ وَرَدِفْتُهُ، بِمَعْنَى: تَبِعْتُهُ وَأَتْبَعْتُهُ. وَاسْتُشْهِدَ لِصِحَّةِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] إِذَا الْجَوْزَاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا … ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا
١١ ‏/ ٥٦
قَالُوا: فَقَالَ الشَّاعِرُ: «أَرْدَفَتِ»، وَإِنَّمَا أَرَادَ «رَدِفَتْ» جَاءَتْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْجَوْزَاءَ تَجِئُ بَعْدَ الثُّرَيَّا. وَقَالُوا مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ ﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِمْ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ: بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُرْدِفُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا كُسِرَتِ الدَّالُ: أَرْدَفَتِ الْمَلَائِكَةُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِذَا قُرِئَ بِفَتْحِهَا: أَرْدَفَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] بِكَسْرِ الدَّالِ؛ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ تَأْوِيلِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ: يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَمُتَتَابِعِينَ. فَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ الدَّالِ، بِمَعْنَى: أَرْدَفَ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ بَعْضًا، وَمَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ: جِئْتُ مُرْدِفًا لِفُلَانٍ: أَيْ: جِئْتُ بَعْدَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ (مُرْدَفِينَ) بِفَتْحِ الدَّالِ: أَنَّ اللَّهَ أَرْدَفَ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ، فقولٌ لَا مَعْنَى لَهُ إِذِ الذِّكْرُ الَّذِي فِي مُرْدِفِينَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: أَنْ يُمِدَّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُرْدِفُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ حَذَفَ ذِكْرَ الْفَاعِلِ، وَأَخْرَجَ الْخَبَرَ غَيْرَ مُسَمًّى فَاعِلُهُ، فَقِيلَ: ﴿مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] بِمَعْنَى: مُرْدِفٌ بَعْضَ الْمَلَائِكَةِ بِبَعْضٍ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُرْدِفِينَ ذِكْرُ الْمُسْلِمِينَ لَا ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةٌ أُخْرَى
١١ ‏/ ٥٧
وَهِيَ مَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ: «مُرْدِفِينَ، ومُرْدَفِينَ وَمُرَدِّفِينَ مُثَقَّلٌ عَلَى ⦗٥٨⦘ مَعْنَى: مُرْتَدِفِينَ»
١١ ‏/ ٥٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ عَنِ الرَّبَعِيِّ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْمَنَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَفِيهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَنَزَلَ مِيكَائِيلُ عليه السلام فِي أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَنْ مَيْسَرَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَا فِيهَا»
١١ ‏/ ٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى﴾ [آل عمران: ١٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ إِرْدَافَ الْمَلَائِكَةِ بَعْضِهَا بَعْضًا وَتَتَابِعَهَا بِالْمَصِيرِ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَدَدًا لَكُمْ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ: أَيْ: بِشَارَةً لَكُمْ تُبَشِّرُكُمْ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ. ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأنفال: ١٠] يَقُولُ: وَلِتَسْكُنَ قُلُوبُكُمْ بِمَجِيئِهَا إِلَيْكُمْ، وَتُوقِنَ بِنُصْرَةِ اللَّهِ لَكُمْ، يَقُولُ: وَمَا تُنْصَرُونَ عَلَى عَدُوِّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَنْ يَنْصُرَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، لَا بِشِدَّةِ بَأْسِكُمْ وَقُوَاكُمْ، بَلْ بِنَصْرِ اللَّهِ لَكُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِيَدِهِ وَإِلَيْهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ. يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ الَّذِي يَنْصُرُكُمْ وَبِيَدِهِ نَصْرُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، عَزِيزٌ لَا يَقْهَرُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ،
١١ ‏/ ٥٨
بَلْ يَقْهَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَيَغْلِبُهُ؛ لِأَنَّهُ خَلَقَهُ، ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩] يَقُولُ: حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ وَنَصْرِهِ مَنْ نَصَرَ، وَخُذْلَانِهِ مَنْ خَذَلَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا يَدْخُلُ تَدْبِيرَهُ وَهَنٌ وَلَا خَلَلٌ. وَرُوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ
١١ ‏/ ٥٩
مَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ كَثِيرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: «مَا مُدَّ النَّبِيُّ ﷺ مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ غَيْرَ أَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ، وَذَكَرَ الثَّلَاثَةَ وَالْخَمْسَةَ بُشْرَى، مَا مُدُّوا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عز وجل فِي الْأَنْفَالِ. وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ وَالْخَمْسَةُ، فَكَانَتْ بُشْرَى» وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ آلَ عِمْرَانَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ
١١ ‏/ ٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾ [الأنفال: ١١] يُلْقِي عَلَيْكُمُ النُّعَاسَ، ﴿أَمَنَةً﴾ [آل عمران: ١٥٤] يَقُولُ: أَمَانًا مِنَ اللَّهِ لَكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ أَنْ يَغْلِبَكُمْ، وَكَذَلِكَ النُّعَاسُ فِي الْحَرْبِ أَمَنَةً مِنَ اللَّهِ عز وجل
١١ ‏/ ٥٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، ⦗٦٠⦘ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ أَمَنَةً مِنَ اللَّهِ عز وجل، وَفِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ» . حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، فِي قَوْلِهِ: يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِنَحْوِهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ. وَالْأَمَنَةُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَمِنْتُ مِنْ كَذَا أَمَنَةً وَأَمَانًا وَأَمْنًا، وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَمَنَةً مِنْهُ﴾ [الأنفال: ١١] أَمَانًا مِنَ اللَّهِ عز وجل»
١١ ‏/ ٦٠
قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَمَنَةً﴾ [الأنفال: ١١] قَالَ: «أَمْنًا مِنَ اللَّهِ»
١١ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ
١١ ‏/ ٦٠
: «﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾ [الأنفال: ١١] قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنَ الْخَوْفِ الَّذِي أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ. فَقَرَأَ: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران: ١٥٤]» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (إِذْ يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (يُغْشِيكُمُ النُّعَاسَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ وَنَصْبِ النُّعَاسَ، مِنْ أَغْشَاهُمُ اللَّهُ النُّعَاسَ، فَهُوَ يُغْشِيهِمْ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿يُغَشِّيكُمْ﴾ [الأنفال: ١١] بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ مِنْ غَشَّاهُمُ اللَّهُ النُّعَاسَ، فَهُوَ يُغَشِّيهِمْ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَرَفْعِ (النُّعَاسُ)، بِمَعْنَى غَشِيَهُمُ النُّعَاسُ، فَهُوَ يَغْشَاهُمْ، وَاسْتَشْهَدَ هَؤُلَاءِ لِصِحَّةِ قِرَاءَتِهِمْ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي آلَ عِمْرَانَ: ﴿يَغْشَى طَائِفَةً﴾ [آل عمران: ١٥٤] . وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمْ﴾ [الأنفال: ١١] عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ؛ لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الأنفال: ١١] بِتَوْجِيهِ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ عز وجل، فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ: ﴿يُغَشِّيكُمْ﴾ [الأنفال: ١١] إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿وَيُنَزِّلُ﴾ [الأنفال: ١١] عَطْفًا عَلَى يُغَشِّي، لِيَكُونَ الْكَلَامُ مُتَّسِقًا عَلَى نَحْو وَاحِدٍ
١١ ‏/ ٦١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] فَإِنَّ
١١ ‏/ ٦١
ذَلِكَ مَطَرٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ، لِيُطَهِّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ لِصَلَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْبَحُوا يَوْمَئِذٍ مُجْنِبِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ اغْتَسَلُوا وَتَطَهَّرُوا. وَكَانَ الشَّيْطَانُ وَسْوَسَ لَهُمْ بِمَا حَزَنَهُمْ بِهِ مِنْ إِصْبَاحِهِمْ مُجْنِبِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ بِالْمَطَرِ فَذَلِكَ رَبْطُهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَتَقْوِيَتُهُ أَسْبَابَهُمْ وَتَثْبِيتُهُ بِذَلِكَ الْمَطَرِ أَقْدَامَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا الْتَقَوْا مَعَ عَدُوِّهِمْ عَلَى رَمْلَةٍ هَشَّاءَ فَلَبَّدَهَا الْمَطَرُ حَتَّى صَارَتِ الْأَقْدَامُ عَلَيْهَا ثَابِتَةً لَا تَسُوخُ فِيهَا، تَوْطِئَةً مِنَ اللَّهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام وَأَوْلِيَائِهِ أَسْبَابَ التَّمَكُّنِ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَالظَّفَرِ بِهِمْ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا تَتَابَعَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
١١ ‏/ ٦٢
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: «أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنَ الْمَطَرِ يَعْنِي اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي صَبِيحَتِهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ ⦗٦٣⦘ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ: «اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ» فَلَمَّا أَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ نَادَى: الصَّلَاةَ عِبَادَ اللَّهِ، فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَحَرَّضَ عَلَى الْقِتَالِ»
١١ ‏/ ٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: «﴿مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] قَالَ: طَشُّ يَوْمِ بَدْرٍ». حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدٍ، بِنَحْوِهِ
١١ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَا: «طَشُّ يَوْمِ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأنفال: ١١] قَالَا: طَشٌّ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَثَبَّتَ اللَّهُ بِهِ الْأَقْدَامَ»
١١ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «(إِذْ يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ) الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمَئِذٍ حَتَّى سَالَ الْوَادِي مَاءً، ⦗٦٤⦘ وَاقْتَتَلُوا عَلَى كَثِيبٍ أَعْفَرَ، فَلَبَّدَهُ اللَّهُ بِالْمَاءِ، وَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَوَضَّئُوا وَسَقَوْا، وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسْوَاسَ الشَّيْطَانِ»
١١ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْنِي حِينَ سَارَ إِلَى بَدْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ دِعْصَةٌ فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ، وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمُ الْغَيْظَ، فَوَسْوَسَ بَيْنَهُمْ: تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ، فَأَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا، فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا، وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، وَثَبَّتَ الرَّمْلَ حِينَ أَصَابَهُ الْمَطَرُ، وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ وَالدَّوَابُّ فَسَارُوا إِلَى الْقَوْمِ، وَأَمَدَّ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُجَنِّبَةً، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبَةً»
١١ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: «(إِذْ يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ) إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ لَمَّا خَرَجُوا لِيَنْصُرُوا الْعِيرَ وَيُقَاتِلُوا عنهَا، نَزَلُوا عَلَى الْمَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَغَلَبُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ، فَأَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الظَّمَأُ، فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ، حَتَّى تَعَاظَمَ ذَلِكَ فِي صُدُورِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ ⦗٦٥⦘ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً حَتَّى سَالَ الْوَادِي، فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَمَلَئُوا الْأَسْقِيَةَ، وَسَقَوُا الرِّكَابَ وَاغْتَسَلُوا مِنَ الْجَنَابَةِ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ طَهُورًا، وَثَبَّتَ الْأَقْدَامَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَوْمِ رَمْلَةٌ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْمَطَرَ. فَضَرَبَهَا حَتَّى اشْتَدَّتْ، وَثَبَتَتْ عَلَيْهَا الْأَقْدَامُ»
١١ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمُونَ، فَسَبَقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى مَاءِ بَدْرٍ، فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ تِلْقَاءَ الْبَحْرِ، فَانْطَلَقُوا. قَالَ: فَنَزَلُوا عَلَى أَعْلَى الْوَادِي، وَنَزَلَ مُحَمَّدٌ ﷺ فِي أَسْفَلِهِ. فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام يُجْنِبُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَيُصَلِّي جُنُبًا، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ: كَيْفَ تَرْجُونَ أَنْ تَظْهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَحَدُكُمْ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ جُنُبًا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؟ قَالَ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ، فَاغْتَسَلُوا وَتَوَضَّئُوا وَشَرِبُوا، وَاشْتَدَّتْ لَهُمُ الْأَرْضُ، وَكَانَتْ بَطْحَاءَ تَدْخُلُ فِيهَا أَرْجُلُهُمْ، فَاشْتَدَّتْ لَهُمْ مِنَ الْمَطَرِ وَاشْتَدُّوا عَلَيْهَا»
١١ ‏/ ٦٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «غَلَبَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ عَلَى الْمَاءِ فَظَمِئَ الْمُسْلِمُونَ، وَصَلُّوا مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ رِمَالٌ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الْحُزْنَ، فَقَالَ: تَزْعُمُونَ أَنَّ فِيكُمْ نَبِيًّا وَأَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَقَدْ غُلِبْتُمْ عَلَى الْمَاءِ وَتُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَاءً مِنَ السَّمَاءِ، فَسَالَ كُلُّ وَادٍ، ⦗٦٦⦘ فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا، وَثَبَتَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَذَهَبَتْ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ»
١١ ‏/ ٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] قَالَ: الْمَطَرُ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ النُّعَاسِ. ﴿رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأنفال: ١١] قَالَ: وَسْوَسَتَهُ. قَالَ: فَأَطْفَأَ بِالْمَطَرِ الْغُبَارَ، وَالْتَبَدَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ»
١١ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ النُّعَاسِ، طَبَّقَ الْمَطَرُ الْغُبَارَ، وَلَبَّدَ بِهِ الْأَرْضَ، وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَثَبَتَتْ بِهِ الْأَقْدَامُ»
١١ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] قَالَ: الْقَطْرُ ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأنفال: ١١] وَسَاوِسَهُ. أَطْفَأَ بِالْمَطَرِ الْغُبَارَ، وَلَبَّدَ بِهِ الْأَرْضَ، وَطَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ»
١١ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «رِجْزُ الشَّيْطَانِ: وَسْوَسَتُهُ»
١١ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْقَطْرَ. ﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأنفال: ١١] الَّذِي أَلْقَى فِي قُلُوبِكُمْ لَيْسَ لَكُمْ بِهَؤُلَاءِ ⦗٦٧⦘ طَاقَةٌ. ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١]»
١١ ‏/ ٦٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «(إِذْ يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ) إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١] إِنَّ الْمُشْرِكِينَ نَزَلُوا بِالْمَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَغَلَبُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ الظَّمَأُ، وَصَلُّوا مُحْدِثِينَ مُجْنِبِينَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الْحُزْنَ، وَوَسْوَسَ فِيهَا: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيُّ اللَّهِ، وَقَدْ غُلِبْتُمْ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُحْدِثِينَ مُجْنِبِينَ، فَأَمْطَرَ اللَّهُ السَّمَاءَ حَتَّى سَالَ كُلُّ وَادٍ، فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَمَلَئُوا أَسْقِيَتَهُمْ وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ وَاغْتَسَلُوا مِنَ الْجَنَابَةِ، وَثَبَّتَ اللَّهُ بِهِ الْأَقْدَامَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ رَمْلَةٌ لَا تَجُوزُهَا الدَّوَابُّ، وَلَا يَمْشِي فِيهَا الْمَاشِي إِلَّا بِجَهْدٍ، فَضَرَبَهَا اللَّهُ بِالْمَطَرِ حَتَّى اشْتَدَّتْ وَثَبَتَتْ فِيهَا الْأَقْدَامُ»
١١ ‏/ ٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «(إِذْ يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ): أَيْ: أُنْزِلَتْ عَلَيْكُمُ الْأَمَنَةُ حَتَّى نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ، وَنَزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ الْمَطَرُ الَّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَحُبِسَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَسْبِقُوا إِلَى الْمَاءِ، وَخُلِّيَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ. ﴿لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١] لِيُذْهِبَ عَنْهُمْ شَكَّ الشَّيْطَانِ بِتَخْوِيفِهِ إِيَّاهُمْ ⦗٦٨⦘ عَدُوَّهُمْ، وَاسْتِجْلَادِ الْأَرْضِ لَهُمْ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَنْزِلِهِمُ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ عَدُوُّهُمْ»
١١ ‏/ ٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ شَأْنِ الْجَنَابَةِ وَقِيَامِهِمْ يُصَلُّونَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَقَالَ: (إِذْ يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) حَتَّى تَشْتَدُّونَ عَلَى الرَّمْلِ، وَهُوَ كَهَيْئَةِ الْأَرْضِ»
١١ ‏/ ٦٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ مَرَّةً قَرَأَ: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّمَا هِيَ: ﴿وَيُنْزِلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطْهِرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١]
١١ ‏/ ٦٨
قَالَ: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «كَانَ ذَلِكَ طَشًّا يَوْمَ بَدْرٍ» وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْغَرِيبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، أَنَّ مَجَازَ قَوْلِهِ: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١] وَيُفْرِغُ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ وَيُنَزِّلُهُ عَلَيْهِمْ، فَيَثْبُتُونَ لِعَدُوِّهِمْ. وَذَلِكَ قَوْلٌ ⦗٦٩⦘ خِلَافٌ لِقَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَحَسْبُ قَوْلٍ خَطَأً أَنْ يَكُونَ خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَقْوَالَهُمْ فِيهِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: وَيُثَبِّتَ أَقْدَامَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَلْبِيدِ الْمَطَرِ الرَّمْلَ حَتَّى لَا تَسُوخَ فِيهِ أَقْدَامُهُمْ وَحَوَافِرُ دَوَابِّهِمْ
١١ ‏/ ٦٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ﴾ [الأنفال: ١٢] أَنْصُرُكُمْ، ﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال: ١٢] يَقُولُ: قَوُّوا عَزْمَهُمْ، وَصَحِّحُوا نِيَّاتَهُمْ فِي قِتَالِ عَدُوِّهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ تَثْبِيتَ الْمَلَائِكَةِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ حُضُورَهُمْ حَرْبَهُمْ مَعَهُمْ، وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ مَعُونَتَهُمْ إِيَّاهُمْ بِقِتَالِ أَعْدَائِهِمْ، وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَلَكَ يَأْتِي الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَقُولُ: سَمِعْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَمَلُوا عَلَيْنَا لَنَنْكَشِفَنَّ، فَيُحَدِّثُ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ، فَتَقْوَى أَنْفُسُهُمْ. قَالُوا: وَذَلِكَ كَانَ وَحْيَ اللَّهِ إِلَى مَلَائِكَتِهِ. وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ
١١ ‏/ ٦٩
بِمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال: ١٢] أَيْ: فَآزِرُوا الَّذِينَ آمَنُوا»
١١ ‏/ ٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَأُرْعِبُ قُلُوبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِي أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْكُمْ، وَأَمْلَؤُهَا فَرَقًا حَتَّى يَنْهَزِمُوا عَنْكُمْ، فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعناقِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَوْقَ الْأَعناقِ﴾ [الأنفال: ١٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ⦗٧٠⦘ مَعْنَاهُ: فَاضْرِبُوا الْأَعناقَ
١١ ‏/ ٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ: «﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعناقِ﴾ [الأنفال: ١٢] قَالَ: اضْرِبُوا الْأَعناقَ»
١١ ‏/ ٧٠
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لِأُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، إِنَّمَا بُعِثْتُ لِضَرْبِ الْأَعناقِ وَشَدِّ الْوَثَاقِ»
١١ ‏/ ٧٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعناقِ﴾ [الأنفال: ١٢] يَقُولُ: اضْرِبُوا الرِّقَابَ» وَاحْتَجَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: رَأَيْتُ نَفْسَ فُلَانٍ، بِمَعْنَى رَأَيْتُهُ، قَالُوا: فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعناقِ﴾ [الأنفال: ١٢] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: فَاضْرِبُوا الْأَعناقَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَاضْرِبُوا الرُّءُوسَ
١١ ‏/ ٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ،
١١ ‏/ ٧٠
عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعناقِ﴾ [الأنفال: ١٢] قَالَ: الرُّءُوسَ» وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ الَّذِي فَوْقَ الْأَعناقِ الرُّءُوسُ، وَقَالُوا: وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَقُولَ: فَوْقَ الْأَعناقِ، فَيَكُونَ مَعْنَاهُ الْأَعناقَ. قَالُوا: وَلَوْ جَازَ كَانَ أَنْ يُقَالَ تَحْتَ الْأَعناقِ، فَيَكُونَ مَعْنَاهُ الْأَعناقَ. قَالُوا: وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَعْقُولِ مِنَ الْخَطَّابِ، وَقَلْبُ مَعَانِي الْكَلَامِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَاضْرِبُوا عَلَى الْأَعناقِ. وَقَالُوا: «عَلَى» و«فَوْقَ» مَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبَانِ، فَجَازَ أَنْ يُوضَعَ أَحَدُهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ مُعَلِّمَهُمْ كَيْفِيَّةَ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَضَرْبِهِمْ بِالسَّيْفِ أَنْ يَضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعناقِ مِنْهُمْ وَالْأَيْدِيَ وَالْأَرْجُلَ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَوْقَ الْأَعناقِ﴾ [الأنفال: ١٢] مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الرُّءُوسُ، وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ فَوْقَ جِلْدَةِ الْأَعناقِ، فَيَكُونَ مَعْنَاهُ: عَلَى الْأَعناقِ وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ صَحَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ الْأَعناقُ. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ مُحْتَمِلًا مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ، لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُوَجِّهَهُ إِلَى بَعْضِ مَعَانِيهِ دُونَ بَعْضٍ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَلَا حُجَّةَ تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِضَرْبِ رُءُوسِ الْمُشْرِكِينَ وَأَعناقِهِمْ وَأَيْدِيِهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ أَصْحَابَ نَبِيِّهِ ﷺ الَّذِينَ شَهِدُوا مَعَهُ بَدْرًا
١١ ‏/ ٧١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَاضْرِبُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عَدُوِّكُمْ كُلَّ طَرَفٍ وَمِفْصَلٍ مِنْ أَطْرَافِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ. ⦗٧٢⦘ وَالْبَنَانُ: جَمْعُ بَنَانَةٍ، وَهِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] أَلَا لَيْتَنِي قَطَّعْتُ مِنِّي بَنَانَةً … وَلَاقَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ حَاذِرَا
يَعني بِالْبَنَانَةِ وَاحِدَةَ الْبَنَانِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ: «﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] قَالَ: كُلَّ مِفْصَلٍ»
١١ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ: «﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] قَالَ: الْمَفَاصِلَ»
١١ ‏/ ٧٢
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] قَالَ: كُلَّ مَفْصِلٍ»
١١ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] قَالَ: الْأَطْرَافَ، وَيُقَالُ: كُلَّ مَفْصِلٍ»
١١ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗٧٣⦘ عَبَّاسٍ: «﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] يَعْنِي بِالْبَنَانِ الْأَطْرَافَ»
١١ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] قَالَ: الْأَطْرَافُ»
١١ ‏/ ٧٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: ١٢] يَعْنِي الْأَطْرَافَ»
١١ ‏/ ٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ [البقرة: ٦١] هَذَا الْفِعْلُ مِنْ ضَرْبِ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ فَوْقَ الْأَعناقِ، وَضَرْبِ كُلِّ بَنَانٍ مِنْهُمْ، جَزَاءٌ لَهُمْ بِشِقَاقِهِمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعِقَابٌ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ١٣] فَارَقُوا أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَصَوْهُمَا، وَأَطَاعُوا أَمْرَ الشَّيْطَانِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ١٣] وَمَنْ يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ، وَفَارَقَ طَاعَتَهُمَا. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة: ٢١١] لَهُ، وَشِدَّةُ عِقَابِهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا: إِحْلَالُهُ بِهِ مَا كَانَ يَحِلُّ بِأَعْدَائِهِ مِنَ النِّقَمِ، وَفِي الْآخِرَةِ الْخُلُودُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. وَحَذَفَ «لَهُ» مِنَ الْكَلَامِ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا
١١ ‏/ ٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ﴾ [الأنفال: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْعِقَابُ الَّذِي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ الْمُشَاقُّونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الدُّنْيَا، مِنَ الضَّرْبِ فَوْقَ الْأَعناقِ مِنْكُمْ، وَضَرْبِ كُلِّ بَنَانٍ بِأَيْدِي أَوْلِيَائِي الْمُؤْمِنِينَ، فَذُوقُوهُ عَاجِلًا، وَاعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ فِي الْآجِلِ وَالْمَعَادِ عَذَابَ النَّارِ. وَلِفَتْحِ «أَنَّ» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٤] مِنَ الْإِعْرَابِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الرَّفْعُ، وَالْآخَرُ النَّصْبُ. فَأَمَّا الرَّفْعُ فَبِمَعْنَى: ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ، ذَلِكُمْ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ بُنَيَّةِ تَكْرِيرِ «ذَلِكُمْ»، كَأَنَّهُ قِيلَ: ذَلِكُمُ الْأَمْرُ وَهَذَا. وَأَمَّا النَّصْبُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ، وَاعْلَمُوا، أَوْ وَأَيْقِنُوا أَنَّ لِلْكَافِرِينَ، فَيَكُونُ نَصْبُهُ بُنَيَّةِ فَعْلٍ مُضْمَرٍ قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
بِمَعْنَى: وَحَامِلًا رُمْحًا. وَالْآخَرُ بِمَعْنَى: ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ، وَبِأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْبَاءُ فَنُصِبَتْ
١١ ‏/ ٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال: ١٦]
١١ ‏/ ٧٤
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال: ١٥] فِي الْقِتَالِ ﴿زَحْفًا﴾ [الأنفال: ١٥] يَقُولُ: مُتَزَاحِفًا بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَالتَّزَاحُفُ التَّدَانِي وَالتَّقَارُبُ. ﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾ [الأنفال: ١٥] يَقُولُ: فَلَا تُوَلُّوهُمْ ظُهُورَكُمْ فَتَنْهَزِمُوا عَنْهُمْ، وَلَكِنِ اثْبُتُوا لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ عَلَيْهِمْ. ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] يَقُولُ: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ مِنْكُمْ ظَهْرَهَ ﴿إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ﴾ [الأنفال: ١٦] يَقُولُ: إِلَّا مُسْتَطْرِدًا لِقِتَالِ عَدُوِّهِ بِطَلَبِ عَوْرَةٍ لَهُ يُمْكِنُهُ إِصَابَتُهَا فَيَكِرُّ عَلَيْهِ ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦] أَوْ إِلَّا أَنْ يُوَلِّيَهُمْ ظَهْرَهُ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ يَقُولُ: صَائِرًا إِلَى حَيِّزِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَفِيئُونَ بِهِ مَعَهُمْ إِلَيْهِمْ لِقِتَالِهِمْ وَيَرْجِعُونَ بِهِ مَعَهُمْ إِلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: الْمُتَحَرِّفُ: الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَرَى غُرَّةً مِنَ الْعَدُوِّ فَيُصِيبَهَا. قَالَ: وَالْمُتَحَيِّزُ: الْفَارُّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّ الْيَوْمَ إِلَى أَمِيرِهِ أَوْ أَصْحَابِهِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: وَإِنَّمَا هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ لَا يَفِرُّوا، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام فِئَتَهُمْ»
١١ ‏/ ٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦] أَمَّا الْمُتَحَرِّفُ يَقُولُ: إِلَّا مُسْتَطْرِدًا، يُرِيدُ الْعَوْدَةَ. ﴿أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: الْمُتَحَيِّزُ إِلَى الْإِمَامِ وَجُنْدِهِ إِنْ هُوَ كَرَّ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِمْ طَاقَةٌ، وَلَا يُعْذَرُ النَّاسُ وَإِنْ كَثُرُوا أَنْ يُوَلُّوا عَنِ الْإِمَامِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ﴾ [الأنفال: ١٦] هَلْ هُوَ خَاصٌّ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، أَمْ هُوَ فِي الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ لِأَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَعَ عَدُوِّهِ وَيَنْهَزِمُوا عَنْهُ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَهُمُ الِانْهِزَامُ
١١ ‏/ ٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: ذَاكَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا، وَلَوِ انْحَازَ أَحَدٌ لَمْ يَنْحَزْ إِلَّا إِلَيَّ. قَالَ أَبُو مُوسَى: يَعْنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ» ⦗٧٧⦘ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَوْلُهُ عز وجل: «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَوِ انْحَازُوا انْحَازُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمٌ فِي الْأَرْضِ غَيْرَهُمْ»
١١ ‏/ ٧٦
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦]»
١١ ‏/ ٧٧
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ، وَقَالَ عَلِيٌّ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ دَاوُدَ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: “﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ أَبُو مُوسَى: حُدِّثْتُ أَنَّ فِيَ كِتَابِ غُنْدَرٍ هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
١١ ‏/ ٧٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِئَةٌ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ ⦗٧٨⦘ فِئَةٌ لِبَعْضٍ»
١١ ‏/ ٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ: «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٧٨
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] أَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَمْ هُوَ بَعْدُ؟ قَالَ: «وَكَتَبَ إِلِيَّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٧٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا زَيْدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ الْفِرَارُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَلْجَأٌ يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَيْسَ فِرَارٌ»
١١ ‏/ ٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ يَوْمَ بَدْرٍ خَاصَّةً، لَيْسَ الْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ مِنَ الْكَبَائِرِ»
١١ ‏/ ٧٨
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ” ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ يَوْمَ بَدْرٍ خَاصَّةً
١١ ‏/ ٧٨
قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٧٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: ذَلِكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: ذَلِكَ يَوْمُ بَدْرٍ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنِ انْحَازَ إِلَى فِئَةٍ أَوْ مِصْرٍ أَحْسِبُهُ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِهِ»
١١ ‏/ ٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: إِنَّمَا هَذَا يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: «أَوْجَبَ اللَّهُ لِمَنْ فَرَّ يَوْمَ بَدْرٍ النَّارَ قَالَ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ١٦] فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٥] ثُمَّ كَانَ حُنَيْنٌ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبْعِ سِنِينَ، فَقَالَ ﴿ثُمَّ وَلْيُتِمَّ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥] ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: ٢٧]»
١١ ‏/ ٧٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه بَلَغَهُ قَتْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ: «لَوْ تَحَيَّزَ إِلَيَّ لَكُنْتُ لَهُ فِئَةً»
١١ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: ثني قَيْسُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ قَوْلِهِ: «﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ: هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْأَنْفَالِ: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ قَالَ: وَلَيْسَ لِقَوْمٍ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ مِثْلَيْهِمْ. قَالَ: وَنُسِخَتْ تِلْكَ إِلَّا هَذِهِ الْعِدَّةَ»
١١ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبُو عُبَيْدٍ جَاءَ الْخَبَرُ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا ⦗٨١⦘ فِئَتُكُمْ»
١١ ‏/ ٨٠
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: «أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ حُكْمُهَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ عَنِ الْعَدُوِّ مُنْهَزِمًا
١١ ‏/ ٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ﴾ [الأنفال: ١٦]، ﴿فَقَدْ بَاءَ﴾ [الأنفال: ١٦] بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: حُكْمُهَا مُحْكَمٌ، وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، وَحُكْمُهَا ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذَا لَقَوُا الْعَدُوَّ أَنْ يُولُّوهُمُ الدُّبُرَ مُنْهَزِمِينَ، إِلَّا لِتَحَرُّفِ الْقِتَالِ، أَوْ لِتَحَيُّزٍ إِلَى فِئَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ مَنْ وَلَّاهُمُ الدُّبُرَ بَعْدَ ⦗٨٢⦘ الزَّحْفِ لِقِتَالٍ مُنْهَزِمًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ إِحْدَى الْخَلَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَبَاحَ اللَّهُ التَّوْلِيَةَ بِهِمَا، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ مِنَ اللَّهِ وَعِيدَهُ إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هِيَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، لَمَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمِ لِحُكْمِ آيَةٍ بِنَسْخٍ وَلَهُ فِي غَيْرِ النَّسْخِ وَجْهٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا مِنْ خَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ أَوْ حُجَّةِ عَقْلٍ، وَلَا حُجَّةَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعنيَيْنِ تَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حُكْمِ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦]
١١ ‏/ ٨١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ١٦] يَقُولُ: فَقَدْ رَجَعَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، ﴿وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ﴾ [آل عمران: ١٦٢] يَقُولُ: وَمَصِيرُهُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ فِي مَعَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَقُولُ: وَبِئْسَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَصِيرَ
١١ ‏/ ٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلْيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلًاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَاتَلَ أَعْدَاءَ دِينِهِ مَعَهُ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: فَلَمْ تَقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ. وَأَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَتْلَهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الَّذِينَ قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ؛ إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ مُسَبِّبٌ قَتَلَهُمْ، وَعَنْ أَمْرِهِ كَانَ قِتَالُ الْمُؤْمِنِينَ إِيَّاهُمْ، فَفِي ذَلِكَ أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُنْكِرِينَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ فِي أَفْعَالِ خَلْقِهِ
١١ ‏/ ٨٢
صُنْعٌ بِهِ وَصَلُوا إِلَيْهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧] فَأَضَافَ الرَّمْيَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ، ثُمَّ نَفَاهُ عَنْهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ هُوَ الرَّامِي؛ إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْمَوْصِلُ الْمَرْمِيَّ بِهِ إِلَى الَّذِينَ رُمُوا بِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُسَبِّبُ الرَّمِيَّةَ لِرَسُولِهِ. فَيُقَالُ لِلْمُسْلِمِينَ مَا ذَكَرْنَا: قَدْ عَلِمْتُمْ إِضَافَةَ اللَّهِ رَمْيَ نَبِيِّهِ ﷺ الْمُشْرِكِينَ إِلَى نَفْسِهِ بَعْدَ وَصْفِهِ نَبِيَّهُ بِهِ وَإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ، ذَلِكَ فِعْلٌ وَاحِدٌ كَانَ مِنَ اللَّهِ بِتَسْبِيبِهِ وَتَسْدِيدِهِ، وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْحَذْفُ وَالْإِرْسَالُ، فَمَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ سَائِرُ أَفْعَالِ الْخَلْقِ الْمُكْتَسِبَةُ: مِنَ اللَّهِ الْإِنْشَاءُ وَالْإِنْجَازُ بِالتَّسْبِيبِ، وَمِنَ الْخَلْقِ الِاكْتِسَابُ بِالْقُوَى؟ فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾ [الأنفال: ١٧] لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ قَالَ هَذَا: قَتَلْتُ، وَهَذَا: قَتَلْتُ. ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ [الأنفال: ١٧] قَالَ لِمُحَمَّدٍ حِينَ حَصَبَ الْكُفَّارَ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٨٤⦘ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٨٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧] قَالَ: رَمَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَصْبَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ»
١١ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «مَا وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا فِي عَيْنِ رَجُلٍ»
١١ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا أَبَانُ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: «لَمَّا وَرَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَدْرًا قَالَ: «هَذِهِ مَصَارِعُهُمْ» . وَوَجَدَ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ وَنَزَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا طَلَعُوا عَلَيْهِ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا تُحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مَا وَعَدْتَنِي» فَلَمَّا أَقْبَلُوا اسْتَقْبَلَهُمْ، فَحَثَا فِي وُجُوهِهِمْ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل»
١١ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، ⦗٨٥⦘ سَمِعْنَا صَوْتًا، وَقَعَ مِنَ السَّمَاءِ كَأَنَّهُ صَوْتُ حَصَاةٍ وَقَعَتْ فِي طَسْتٍ، وَرَمَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ الرَّمِيَّةَ، فَانْهَزَمْنَا»
١١ ‏/ ٨٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَا: «لَمَّا دَنَا الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَدَخَلَتْ فِي أَعْيُنِهِمْ كُلِّهِمْ، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ، وَكَانَتْ هَزِيمَتُهُمْ فِي رَمْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهِ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧] الْآيَةَ، إِلَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٨١]»
١١ ‏/ ٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ [الأنفال: ١٧] الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أَخَذَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ وَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ، فَهُزِمُوا عِنْدَ الْحَجَرِ الثَّالِثِ»
١١ ‏/ ٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ يَوْمَ بَدْرٍ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: «أَعْطِنِي ⦗٨٦⦘ حَصًا مِنَ الْأَرْضِ» فَنَاوَلَهُ حَصًى عَلَيْهِ تُرَابٌ فَرَمَى بِهِ وُجُوهَ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ شَيْءٌ. ثُمَّ رَدَفَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ. فَذَكَرَ رَمْيَةَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧]
١١ ‏/ ٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧] قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ، فَرَمَى بِحَصَاةٍ فِي مَيْمَنَةِ الْقَوْمِ وَحَصَاةٍ فِي مَيْسَرَةِ الْقَوْمِ وَحَصَاةٍ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَقَالَ: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» فَانْهَزَمُوا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧]»
١١ ‏/ ٨٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: «يَا رَبِّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا،» فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: خُذْ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهِمْ فَمَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا أَصَابَ عَيْنَيْهِ وَمِنْخَرَيْهِ وَفَمَهُ تُرَابٌ مِنْ تِلْكَ الْقَبْضَةِ، فَوَلُّوا مُدْبِرِينَ»
١١ ‏/ ٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل فِي ⦗٨٧⦘ رَمْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ حِينَ رَمَاهُمْ: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧] أَيْ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِكَ لَوْلَا الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِكَ، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوِّكَ مِنْهَا حِينَ هَزَمْتَهُمْ» وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ خِلَافَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ
١١ ‏/ ٨٦
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ [الأنفال: ١٧] قَالَ: جَاءَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِعَظْمِ حَائِلٍ، فَقَالَ: اللَّهُ مُحْيِي هَذَا يَا مُحَمَّدُ وَهُوَ رَمِيمٌ؟ وَهُوَ يَفُتُّ الْعَظْمَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يُحْيِيهِ اللَّهُ، ثُمَّ يُمِيتُكَ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ» قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا رَأَيْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
١١ ‏/ ٨٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا﴾ [الأنفال: ١٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَلِيُنْعِمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالظَّفَرِ بِأَعْدَائِهِمْ، وَيُغْنِمَهُمْ مَا مَعَهُمْ، وَيُثْبِتَ لَهُمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ وَجِهَادِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَذَلِكَ الْبَلَاءُ الْحَسَنُ رَمْي اللَّهِ ⦗٨٨⦘ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ. وَيَعني بِالْبَلَاءِ الْحَسَنِ النِّعْمَةَ الْحَسَنَةَ الْجَمِيلَةَ، وَهِيَ مَا وَصَفْتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ
١١ ‏/ ٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلْيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا﴾ [الأنفال: ١٧] أَيْ: لِيُعَرِّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ فِي إِظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقَّهُ وَلِيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ»
١١ ‏/ ٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٨١] يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِدُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ وَمُنَاشَدَتِهِ رَبَّهُ وَمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ إِهْلَاكَ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكُمْ وَلِقِيلِكُمْ وَقِيلِ جَمِيعِ خَلْقِهِ، عَلِيمٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبِمَا فِيهِ صَلَاحُكُمْ وَصَلَاحُ عِبَادِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ مُحِيطٌ بِهِ، فَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُوا أَمْرَهُ وَأَمْرَ رَسُولِهِ
١١ ‏/ ٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] هَذَا الْفِعْلُ مِنْ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَرَمْيِهِمْ حَتَّى انْهَزَمُوا، وَابْتِلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْبَلَاءَ الْحَسَنَ بِالظَّفَرِ بِهِمْ وَإِمْكَانِهِمْ مِنْ قَتْلِهِمْ وَأَسْرِهِمْ، فَعَلْنَا الَّذِي فَعَلْنَا. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيَدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨] يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ ذَلِكَ مُضْعِفُ كَيَدِ الْكَافِرِينَ، يَعْنِي مَكْرَهُمْ، حَتَّى يَذِلُّوا، وَيَنْقَادُوا لِلْحَقِّ وَيَهْلَكُوا. وَفَي فَتْحِ «أَنَّ» مِنَ الْوُجُوهِ مَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ
١١ ‏/ ٨٨
لِلْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٤] وَقَدْ بَيَّنْتُهُ هُنَالِكَ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مُوهِنُ﴾ [الأنفال: ١٨] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (مُوَهِّنُ) بِالتَّشْدِيدِ، مِنْ وَهَّنْتُ الشَّيْءَ: ضَعَّفْتُهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿مُوهِنُ﴾ [الأنفال: ١٨] مِنْ أَوْهَنْتُهُ فَأَنَا مُوهِنُهُ، بِمَعْنَى أَضْعَفْتُهُ. وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَنْقُضُ مَا يُبْرِمُهُ الْمُشْرِكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، عَقْدًا بَعْدَ عَقْدٍ، وَشَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ وَجْهًا صَحِيحًا
١١ ‏/ ٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِبَدْرٍ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] يَعْنِي: إِنْ تَسْتَحْكِمُوا اللَّهَ عَلَى أَقْطَعِ الْحِزْبَيْنِ لِلرَّحِمِ وَأَظْلَمِ الْفِئَتَيْنِ، وَتَسْتَنْصِرُوهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ جَاءَكُمْ حُكْمُ اللَّهِ وَنَصْرُهُ الْمَظْلُومَ عَلَى الظَّالِمِ، وَالْمُحِقَّ عَلَى الْمُبْطِلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿إِنْ ⦗٩٠⦘ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: إِنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْقَضَاءُ»
١١ ‏/ ٨٩
قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: إِنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْقَضَاءُ»
١١ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ، إِنْ تَسْتَنْصِرُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْمَدَدُ»
١١ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: إِنْ تَسْتَقْضُوا الْقَضَاءَ، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا﴾ [الأنفال: ١٩] قُلْتُ: لِلْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ إِلَّا ذَلِكَ»
١١ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ فِي قَوْلِهِمْ: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَفَتَحَ بَيْنَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٩١⦘ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: اسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ يَعْنِي مُحَمَّدًا وَنَفْسَهُ أَيُّنَا كَانَ أَفْجَرَ لَكَ اللَّهُمَّ وَأَقْطَعَ لِلرَّحِمِ فَأَحِنْهُ الْيَوْمَ قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩]»
١١ ‏/ ٩١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: اسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَيُّنَا كَانَ أَفْجَرَ لَكَ وَأَقْطَعَ لِلرَّحِمِ فَأَحِنْهُ الْيَوْمَ، يَعْنِي مُحَمَّدًا عليه الصلاة والسلام وَنَفْسَهُ. قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] فَضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ: عَوْفُ وَمُعَوِّذٌ، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ»
١١ ‏/ ٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ قَالَ: ثَنَّى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ «أَنَّ الْمُسْتَفْتِحَ يَوْمَئِذٍ أَبُو جَهْلٍ، وَأَنَّهُ قَالَ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ: أَيُّنَا أَقْطَعُ لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، فَكَانَ ذَلِكَ اسْتِفْتَاحَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿إِنْ ⦗٩٢⦘ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] الْآيَةَ يَقُولُ: قَدْ كَانَتْ بَدْرٌ قَضَاءً وَعِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ»
١١ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ، أَخَذُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَاسْتَنْصَرُوا اللَّهَ، وَقَالُوا: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَعَزَّ الْجُنْدَيْنِ، وَأَكْرَمَ الْفِئَتَيْنِ، وَخَيْرَ الْقَبِيلَتَيْنِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] يَقُولُ: نَصَرْتُ مَا قُلْتُمْ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ»
١١ ‏/ ٩٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] وَذَلِكَ حِينَ خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ عِيرَهُمْ، وَإِنَّ أَهْلَ الْعِيرِ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ أَرْسَلُوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ يَسْتَنْصِرُونَهُمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّنَا كَانَ خَيْرًا عِنْدَكَ فَانْصُرْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ [الأنفال: ١٩] يَقُولُ: تَسْتَنْصِرُوا»
١١ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الْعَذَابَ، فَعُذِّبُوا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ: وَكَانَ اسْتِفْتَاحُهُمْ بِمَكَّةَ، قَالُوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]⦗٩٣⦘ قَالَ: فَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَخْبَرَ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ: ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩]»
١١ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: «قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَهْدَى الْفِئَتَيْنِ، وَخَيْرَ الْفِئَتَيْنِ وَأَفْضَلَ فَنَزَلَتْ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩]»
١١ ‏/ ٩٣
قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، «أَنَّ أَبَا جَهْلٍ هُوَ الَّذِي اسْتَفْتَحَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَيُّنَا كَانَ أَفْجَرَ وَأَقْطَعَ لِرَحِمِهِ، فَأَحِنْهُ الْيَوْمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩]»
١١ ‏/ ٩٣
قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ: «أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهُمَّ أَقْطَعنا لِرَحِمِهِ، وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، وَكَانَ ذَلِكَ اسْتِفْتَاحًا مِنْهُ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩]» الْآيَةَ
١١ ‏/ ٩٣
قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ قَالَ: «كَانَ الْمُسْتَفْتِحُ يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا جَهْلٍ قَالَ: اللَّهُمَّ أَقْطَعنا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩]»
١١ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ قَالَ: «لَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ أَقْطَعنا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ، فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ، فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ عَلَى نَفْسِهِ» قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ اللَّهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ: اللَّهُمَّ أَقْطَعنا لِلرَّحِمِ، وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ، فَأَحِنْهُ لِلْغَدَاةِ قَالَ: الِاسْتِفْتَاحُ: الْإِنْصَافُ فِي الدُّعَاءِ
١١ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَغَيْرِهِ، «قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ: اللَّهُمَّ انْصُرْ أَحَبَّ الدِّينَيْنِ إِلَيْكَ، دِينَنَا الْعَتِيقَ، أَمْ دِينَهُمُ الْحَدِيثَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] إِلَى ⦗٩٥⦘ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩]» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ١٩] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَإِنْ تَنْتَهُوا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَجَمَاعَةَ الْكُفَّارِ عَنِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقِتَالِ نَبِيِّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ. ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ [الأنفال: ١٩] يَقُولُ: وَإِنْ تَعُودُوا لِحَرْبِهِ وَقِتَالِهِ وَقِتَالِ أَتْبَاعِهِ الْمُؤْمِنِينَ، نَعُدْ: أَيْ: بِمِثْلِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أُوقِعَتْ بِكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ
١١ ‏/ ٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ﴾ [الأنفال: ١٩] يَقُولُ: وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ لِهَلَاكِكُمْ بِأَيْدِي أَوْلِيَائِي وَهَزِيمَتِكُمْ، وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ عِنْدَ عَوْدِي لِقَتْلِكُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَسَبْيِكُمْ وَهَزْمِكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ، يَعْنِي جُنْدَهُمْ وَجَمَاعَتَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، كَمَا لَمْ يُغْنُوا عَنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْهُمْ، يَنْصُرُهُمْ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَظْهَرَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ١٩] قَالَ: يَقُولُ لِقُرَيْشٍ: وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ لِمِثْلِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أَصَابَتْكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ
١١ ‏/ ٩٥
الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] أَيْ: وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ يُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ ” وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ [الأنفال: ١٩] وَإِنْ تَعُودُوا لِلِاسْتِفْتَاحِ نَعُدْ لَفَتْحِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا مَعْنًى لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ ضَمِنَ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ أَذِنَ لَهُ فِي حَرْبِ أَعْدَائِهِ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِعْلَاءَ كَلِمَتِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَفْتِحَ أَبُو جَهْلٍ وَحِزْبُهُ، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إِنْ تَنْتَهُوا عَنِ الِاسْتِفْتَاحِ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيَّهُ ﷺ الْفَتْحَ بِقَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] اسْتَفْتَحَ الْمُشْرِكُونَ أَوْ لَمْ يَسْتَفْتِحُوا
١١ ‏/ ٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ﴾ [الأنفال: ١٩] إِنْ تَسْتَفْتِحُوا الثَّانِيَةَ نَفْتَحْ لِمُحَمَّدٍ ﷺ. ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] فَفَتَحَهَا عَامَّةُ قُرَّاءِ ⦗٩٧⦘ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، بِمَعْنَى: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ. فَعَطَفَ بِـ «أَنَّ» . عَلَى مَوْضِعِ «وَلَوْ كَثُرَتْ» كَأَنَّهُ قَالَ: لِكَثْرَتِهَا، وَلِأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ «أَنَّ» حِينَئِذٍ نَصْبًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَزْعُمُ أَنَّ فَتَحَهَا إِذَا فُتِحَتْ عَلَى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيَدِ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: ١٨]، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩] عَطْفًا بِالْأُخْرَى عَلَى الْأُولَى. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (وَإِنَّ اللَّهَ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَاعْتَلُّوا بِأَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ» . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ كَسِرَ إِنَّ لِلِابْتِدَاءِ، لِتَقَضِّيَ الْخَبَرُ قَبْلَ ذَلِكَ عَمَّا يَقْتَضِي قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
١١ ‏/ ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ٢٠] فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ. ﴿وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ [الأنفال: ٢٠] يَقُولُ: وَلَا تُدْبِرُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُخَالِفِينَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أَمْرَهُ إِيَّاكُمْ وَنَهْيَهُ، وَأَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
١١ ‏/ ٩٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ⦗٩٨⦘ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢٠] أَيْ: لَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ، وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ»
١١ ‏/ ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: لَا تَكُونُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ إِذَا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا بِآذَانِنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ؛ يَقُولُ: وَهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ مَا يَسْمَعُونَ بآذَانِهِمْ. وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهُ، وَتَرَكِهِمْ أَنْ يُوعُوهُ قُلُوبَهُمْ وَيَتَدَبَّرُوهُ فَجَعَلَهُمُ اللَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَوَاعِظِ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوهَا بِآذَانِهِمْ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لَا تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَتَرْكِ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَهُ بَآذَانِكُمْ كَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ مَوَاعِظَ كِتَابِ اللَّهِ بِآذَانِهِمْ، وَيَقُولُونَ: قَدْ سَمِعْنَا، وَهُمْ عَنِ الِاسْتِمَاعِ لَهَا وَالِاتِّعَاظِ بِهَا مُعْرِضُونَ، كَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا
١١ ‏/ ٩٨
وَكَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢١] أَيْ: كَالْمُنَافِقِينَ ⦗٩٩⦘ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطَّاعَةَ، وَيُسِرُّونَ الْمَعْصِيَةَ»
١١ ‏/ ٩٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢١] قَالَ: عَاصُونَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَلِلَّذِي قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَجْهٌ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال: ٢١] فِي سِيَاقِ قَصَصِ الْمُشْرِكِينَ، وَيَتْلُوهُ الْخَبَرُ عَنْهُمْ بِذَمِّهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢] فَلَأَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَهُمَا خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ غَيْرِهِمْ
١١ ‏/ ٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ شَرَّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ يَصْغُونَ عَنِ الْحَقِّ لِئَلَّا يَسْتَمِعُوهُ فَيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَتَّعِظُوا بِهِ وَيَنْكُصُونَ عَنْهُ إِنْ نَطَقُوا بِهِ، الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَيَسْتَعْمِلُوا بِهِمَا أَبْدَانَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٢٢] قَالَ: الدَّوَابُّ: الْخَلْقُ»
١١ ‏/ ١٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّا صُمٌّ بُكْمٌ عَمَّا يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ، لَا نَسْمَعُهُ مِنْهُ، وَلَا نُجِيبُهُ بِهِ بِتَصْدِيقٍ. فَقُتِلُوا جَمِيعًا بِأُحُدٍ، وَكَانُوا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ»
١١ ‏/ ١٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ قَالَ: الَّذِينَ لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ»
١١ ‏/ ١٠٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الأنفال: ٢٢] وَلَيْسَ بِالْأَصَمِّ فِي الدُّنْيَا وَلَا بِالْأَبْكَمِ، وَلَكِنْ صُمُّ الْقُلُوبِ وَبُكْمُهَا وَعُمْيُهَا. وَقَرَأَ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]» وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ عنيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عنيَ بِهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
١١ ‏/ ١٠٠

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …