سُورَةُ التَّوْبَةِ 4

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٨٠] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: «أَسْمَعُ رَبِّي قَدْ رَخَّصَ لِي فِيهِمْ، فَوَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً، فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ» فَقَالَ اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المنافقون: ٦]
١١ ‏/ ٦٠١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: «قَدْ خَيَّرَنِي رَبِّي فَلَأَزِيدَنَّهُمْ عَلَى سَبْعِينَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦] الْآيَةَ
١١ ‏/ ٦٠١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَأَزِيدَنَّ عَلَى سَبْعِينَ» فَقَالَ اللَّهُ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]
١١ ‏/ ٦٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حُرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرِحَ الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ عَنِ الْغَزْوِ مَعَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَجِهَادِ أَعْدَائِهِ بِمَقْعَدِهِمْ ﴿خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٨١] يَقُولُ: بِجُلُوسِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: عَلَى الْخِلَافِ لِرَسُولِ اللَّهِ فِي جُلُوسِهِ وَمَقْعَدِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَهُمْ بِالنَّفْرِ إِلَى جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، فَخَالَفُوا أَمْرَهُ وَجَلَسُوا فِي مَنَازِلِهِمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿خِلَافَ﴾ [المائدة: ٣٣] مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَالَفَ فُلَانٌ فُلَانًا فَهُوَ يُخَالِفُهُ خِلَافًا فَلِذَلِكَ جَاءَ مَصْدَرُهُ عَلَى تَقْدِيرِ فِعَالٍ، كَمَا يُقَالُ: قَاتَلَهُ فَهُوَ يُقَاتِلُهُ قِتَالًا، وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا مِنْ خَلَفَهُ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ: بِمَقْعَدِهِمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ خَلَفَهُ خَلْفٌ، لَا خِلَافٌ، وَلَكِنَّهُ عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ أَنَّهُ مَصْدَرُ خَالَفَ. فَقُرِئَ: ﴿خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٨١] وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَهِيَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا. وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ، بِمَعْنَى: بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلَافَهُمْ فَكَأَنَّمَا … بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا
١١ ‏/ ٦٠٢
وَذَلِكَ قَرِيبٌ لِمَعْنَى مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّهُمْ قَعَدُوا بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ لَهُ
١١ ‏/ ٦٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَرِهَ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفُونَ أَنْ يُغْزُوا الْكُفَّارَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي: فِي دِينِ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ لِيَنْصُرُوهُ، مَيْلًا إِلَى الدَّعَةِ وَالْخَفْضِ، وَإِيثَارًا لِلرَّاحَةِ عَلَى التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، وَشُحًّا بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقُوهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. ﴿وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ [التوبة: ٨١] وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَنْفَرَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ نَارُ جَهَنَّمَ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَعَصَى رَسُولَهُ، أَشَدُّ حُرًّا مِنْ هَذَا الْحَرِّ الَّذِي تَتَوَاصَوْنَ بَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَنْفِرُوا فِيهِ. يَقُولُ: الَّذِي هُوَ أَشَدُّ حَرًّا أَحْرَى أَنْ يُحْذَرَ وَيُتَّقَى مِنَ الَّذِي هُوَ أَقَلُّهُمَا أَذًى. ﴿لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨١] يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ وَعْظَهُ وَيَتَدَبَّرُونَ آيَ كِتَابِهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ، فَهُمْ يَحْذَرُونَ مِنَ الْحَرِّ أَقَلَّهُ مَكْرُوهًا وَأَخَفَّهُ أَذًى، وَيُوَافِقُونَ أَشَدَّهُ مَكْرُوهًا وَأَعْظَمَهُ عَلَى مَنْ يَصْلَاهُ بَلَاءً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٦٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٨١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨١] وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَنْبَعِثُوا مَعَهُ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَقَالَ رِجَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَرُّ شَدِيدٌ وَلَا نَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ، فَلَا تَنْفِرْ فِي الْحَرِّ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حُرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨١] فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْخُرُوجِ»
١١ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: «﴿بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٨١] قَالَ: مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ»
١١ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٨١] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، حِينَ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْجِهَادِ، وَأَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى تَبُوكَ عَلَى شِدَّةِ الْحَرِّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ ⦗٦٠٥⦘ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حُرًّا﴾ [التوبة: ٨١]»
١١ ‏/ ٦٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَرِحَ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ، فَلْيَضْحَكُوا فَرِحِينَ قَلِيلًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَهْوِهِمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ سَيَبْكُونَ طَوِيلًا فِي جَهَنَّمَ مَكَانَ ضَحِكِهِمُ الْقَلِيلِ فِي الدُّنْيَا ﴿جَزَاءً﴾ [البقرة: ٨٥] يَقُولُ: ثَوَابًا مِنَّا لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ بِتَرْكِهِمُ النَّفْرَ إِذِ اسْتُنْفِرُوا إِلَى عَدُوِّهِمْ وَقُعُودِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ. ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٩] يَقُولُ: بِمَا كَانُوا يَجْتَرِحُونَ مِنَ الذُّنُوبِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: الدُّنْيَا قَلِيلٌ، فَلْيَضْحَكُوا فِيهَا مَا شَاءُوا، فَإِذَا صَارُوا إِلَى الْآخِرَةِ بَكَوْا بُكَاءً لَا يَنْقَطِعُ، فَذَلِكَ الْكَثِيرُ»
١١ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: فِي الدُّنْيَا ﴿وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢]⦗٦٠٦⦘ قَالَ: فِي الْآخِرَةِ»
١١ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: فِي الْآخِرَةِ»
١١ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: لِيَضْحَكُوا فِي الدُّنْيَا قَلِيلًا، وَلْيَبْكُوا فِي النَّارِ كَثِيرًا، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ١٦] قَالَ: أَجَلُهُمْ أَحَدُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ رَفَعَهُ إِلَى رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ»
١١ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: لِيَضْحَكُوا قَلِيلًا فِي الدُّنْيَا ﴿وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] فِي الْآخِرَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٨٢]»
١١ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٨٢] أَيْ فِي الدُّنْيَا ﴿وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] أَيْ فِي النَّارِ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «⦗٦٠٧⦘ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ نُودِيَ عِنْدَ ذَلِكَ، أَوْ قِيلَ لَهُ: لَا تُقَنِّطْ عِبَادِي
١١ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمِ «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: فِي الدُّنْيَا ﴿وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: فِي الْآخِرَةِ»
١١ ‏/ ٦٠٧
قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا صَارُوا إِلَى الْآخِرَةَ بَكَوْا بُكَاءً لَا يَنْقَطِعُ، فَذَلِكَ الْكَثِيرُ»
١١ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] قَالَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَالْكُفَّارُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا، يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ [التوبة: ٨٢] فِي الدُّنْيَا ﴿وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾ [التوبة: ٨٢] فِي النَّارِ»
١١ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلْيَضْحَكُوا﴾ [التوبة: ٨٢] فِي الدُّنْيَا ﴿قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا﴾ [التوبة: ٨٢] يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦] وَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين: ٢٩] حَتَّى بَلَغَ: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين: ٣٦]»
١١ ‏/ ٦٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَإِنْ رَدَّكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ غَزْوَتِكَ هَذِهِ، فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ مَعَكَ فِي أُخْرَى غَيْرِهَا، فَقُلْ لَهُمْ: ﴿لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [التوبة: ٨٣] وَذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى تَبُوكَ ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] يَقُولُ: فَاقْعُدُوا مَعَ الَّذِينَ قَعَدُوا مِنَ الْمُنَافِقِينَ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ لِأَنَّكُمْ مِنْهُمْ، فَاقْتَدُوا بِهَدْيِهِمْ وَاعْمَلُوا مِثْلَ الَّذِي عَمِلُوا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ سَخِطَ عَلَيْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٦٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَرُّ شَدِيدٌ وَلَا نَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ، فَلَا تَنْفِرْ فِي الْحَرِّ، وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حُرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨١] فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْخُرُوجِ، فَتَخَلَّفَ عَنْهُ رِجَالٌ، فَأَدْرَكَتْهُمْ نُفُوسُهُمْ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا صَنَعْنَا شَيْئًا، فَانْطَلَقَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ، فَلَحِقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ⦗٦٠٩⦘ فَلَمَّا أَتَوْهُ تَابُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٨٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَلَكَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ لَمَّا تَابُوا، فَقَالَ: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١١٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١١٨] وَقَالَ: ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
١١ ‏/ ٦٠٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٨٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] أَيْ مَعَ النِّسَاءِ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقِيلَ فِيهِمْ مَا قِيلَ»
١١ ‏/ ٦٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] وَالْخَالِفُونَ: الرِّجَالُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ ﴿الْخَالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. فَأَمَّا مَا قَالَ قَتَادَةُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ النِّسَاءُ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَجْمَعُ النِّسَاءَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رِجَالٌ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَلَا بِالْوَاوِ وَالنُّونِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ النِّسَاءَ، لَقِيلَ: فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَوَالِفِ، أَوْ مَعَ الْخَالِفَاتِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهِ أُرِيدَ بِهِ: فَاقْعُدُوا مَعَ مَرْضَى الرِّجَالِ وَأَهْلِ زَمَانَتِهِمْ وَالضُّعَفَاءِ مِنْهُمْ وَالنِّسَاءِ. وَإِذَا
١١ ‏/ ٦٠٩
اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي الْخَبَرِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ الذُّكُورَ عَلَى الْإِنَاثِ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ [التوبة: ٨٣] وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا. وَلَوْ وُجِّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى: فَاقْعُدُوا مَعَ أَهْلِ الْفَسَادِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: خَلَفَ الرِّجَالَ عَنْ أَهْلِهِ يَخْلُفُ خُلُوفًا، إِذَا فَسَدَ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ خَلَفُ سُوءٍ، كَانَ مَذْهَبًا. وَأَصْلُهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ خَلَفَ اللَّبَنُ يَخْلُفُ خُلُوفًا إِذَا خَبُثَ مِنْ طُولِ وَضْعِهِ فِي السِّقَاءِ حَتَّى يَفْسُدَ، وَمَنْ قَوْلِهِمْ: خَلَفَ فَمُ الصَّائِمِ: إِذَا تَغَيَّرَتْ رِيحُهُ
١١ ‏/ ٦١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٨٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَا تُصَلِّ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَحَدٍ مَاتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْخُرُوجِ مَعَكَ أَبَدًا. ﴿وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] يَقُولُ: وَلَا تَتَوَلَّ دَفْنَهُ وَتُقْبِرْهُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَامَ فُلَانٌ بِأَمْرِ فُلَانٍ: إِذَا كَفَاهُ أَمْرَهُ. ﴿إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ﴾ [التوبة: ٨٤] يَقُولُ إِنَّهُمْ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ، وَمَاتُوا وَهُمْ خَارِجُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مُفَارِقُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ
١١ ‏/ ٦١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: ⦗٦١١⦘ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالُوا: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ مَاتَ أَبُوهُ، فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَكَ حَتَّى أُكَفِّنَهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ، وَقَالَ: «إِذَا فَرَغْتُمْ فَآذِنُونِي» فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، جَذَبَهُ عُمَرُ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: “بَلْ خَيَّرَنِي وَقَالَ ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] قَالَ: فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ
١١ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَأَخَذَ بِثَوْبِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ابْنُ سَلُولَ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «إِنَّمَا خَيَّرَنِي رَبِّي، فَقَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ». فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤]
١١ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، قَالَ: ⦗٦١٢⦘ ثني عَامِرُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، فَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنْ يُكَفَّنَ فِي قَمِيصِهِ. فَكَفَّنَهُ فِي قَمِيصِهِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤]»
١١ ‏/ ٦١١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِثَوْبِهِ فَقَالَ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤]»
١١ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَقَدْ أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَخْرَجَهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَتَفَلَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ»
١١ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ⦗٦١٣⦘ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْقَائِلِ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا، أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام يَتَبَسَّمُ. حَتَّى إِذَا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، وَقَدْ قِيلَ لِي ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ» قَالَ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَمَشَى مَعَهُ فَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ، قَالَ: أَتَعْجَبُ لِي وَجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة: ٨٤] فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ، وَلَا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ
١١ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، أَتَى ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ قَمِيصَهُ، فَأَعْطَاهُ، فَكَفَّنَ فِيهِ أَبَاهُ» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ ⦗٦١٤⦘ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ
١١ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] الْآيَةَ، قَالَ: بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مَرِيضٌ لَيَأْتِيَهُ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ، فَأَتَاهُ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «أَهْلَكَكَ حُبُّ الْيَهُودِ» . قَالَ: فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ لِتُؤَنِّبَنِي، وَلَكِنْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَغْفِرَ لِي، وَسَأَلَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَمَاتَ، فَكُفِّنَ فِي قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَنَفَثَ فِي جِلْدِهِ وَدَلَّاهُ فِي قَبْرِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة: ٨٤] الْآيَةَ. قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «وَمَا يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي مِنَ اللَّهِ أَوْ رَبِّي وَصَلَاتِي عَلَيْهِ؟ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُسْلِمَ بِهِ أَلْفٌ مِنْ قَوْمِهِ»
١١ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَهُوَ مَرِيضٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ: ﷺ: «أَهْلَكَكَ حُبُّ يَهُودَ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَغْفِرَ لِي وَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ لِتُؤَنِّبَنِي. ثُمَّ سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ، ⦗٦١٥⦘ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤]
١١ ‏/ ٦١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَا تُعْجِبْكَ يَا مُحَمَّدُ أَمْوَالُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَأَوْلَادُهُمْ فَتُصَلِّي عَلَى أَحَدِهِمْ إِذَا مَاتَ وَتَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ مِنْ أَجْلِ كَثْرَةِ مَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَإِنِّي إِنَّمَا أَعْطَيْتُهُ مَا أَعْطَيْتُهُ مِنْ ذَلِكَ لِأُعَذِّبَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِالْغُمُومِ وَالْهُمُومِ، بِمَا أُلْزِمُهُ فِيهَا مِنَ الْمُؤَنِ وَالنَّفَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَبِمَا يَنُوبُهُ فِيهَا مِنَ الرَّزَايَا وَالْمُصِيبَاتِ. ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ﴾ [التوبة: ٥٥] يَقُولُ: وَلِيَمُوتَ فَتَخْرُجَ نَفْسُهُ مِنْ جَسَدِهِ، فَيُفَارِقَ مَا أَعْطَيْتُهُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ حَسْرَةً عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَوَبَالًا عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَوَبَالًا عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ بِمَوْتِهِ، جَاحِدًا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَنُبُوَّةَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ
١١ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ﴾ [التوبة: ٥٥] فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»
١١ ‏/ ٦١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ، بِأَنْ يُقَالَ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ﴾ [النساء: ٣٩] يَقُولُ: صَدِّقُوا بِاللَّهِ ﴿وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٨٦] يَقُولُ: اغْزُوا الْمُشْرِكِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿اسْتَأْذَنَكِ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ﴾ يَقُولُ: اسْتَأْذَنَكِ ذَوُو الْغِنَى وَالْمَالِ مِنْهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنْكَ وَالْقُعُودِ فِي ⦗٦١٦⦘ أَهْلِهِ ﴿وَقَالُوا ذَرْنَا﴾ [التوبة: ٨٦] يَقُولُ: وَقَالُوا لَكَ: دَعْنَا نَكُنْ مِمَّنْ يَقْعُدُ فِي مَنْزِلِهِ مَعَ ضُعَفَاءِ النَّاسِ وَمَرْضَاهُمْ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَكَ فِي السَّفَرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٦١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ﴾ قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ الْغِنَى»
١١ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ﴾ يَعْنِي الْأَغْنِيَاءَ»
١١ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ﴾ كَانَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، فَنَعَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ»
١١ ‏/ ٦١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: رَضِيَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ، اسْتَأْذَنَكَ أَهْلُ الْغِنَى مِنْهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْغَزْوِ وَالْخُرُوجِ مَعَكَ ⦗٦١٧⦘ لِقِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، أَنْ يَكُونُوا فِي مَنَازِلِهِمْ كَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي لَيْسَ عَلَيْهِنَّ فُرِضَ الْجِهَادُ، فَهُنَّ قُعُودٌ فِي مَنَازِلِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ. ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٨٧] يَقُولُ: وَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ مَوَاعِظَهُ فَيَتَّعِظُونَ بِهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطَّبْعِ وَكَيْفَ الْخَتْمُ عَلَى الْقُلُوبِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] قَالَ: وَالْخَوَالِفُ: هُنَّ النِّسَاءُ»
١١ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] يَعْنِي النِّسَاءَ»
١١ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ: «﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] قَالَ: النِّسَاءُ»
١١ ‏/ ٦١٧
قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] قَالَ: مَعَ النِّسَاءِ»
١١ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: «﴿رَضُوا بِأَنْ ⦗٦١٨⦘ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] أَيْ مَعَ النِّسَاءِ»
١١ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ: «﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] قَالَا: النِّسَاءُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] قَالَ: مَعَ النِّسَاءِ»
١١ ‏/ ٦١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التوبة: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ يُجَاهِدْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ اقْتَصَصْتُ قَصَصَهُمُ الْمُشْرِكِينَ، لَكِنِ الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ ﷺ وَالَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَهُ هُمُ الَّذِينَ جَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَأَنْفَقُوا فِي جِهَادِهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَأَتْعَبُوا فِي قِتَالِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَبَذَلُوهَا. ﴿وَأُولَئِكَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ: وَلِلرَّسُولِ وَلِلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ الَّذِينَ جَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمُ الْخَيْرَاتُ، وَهِيَ خيراتُ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ نِسَاؤُهَا وَجَنَّاتُهَا وَنَعِيمُهَا،
١١ ‏/ ٦١٨
وَاحِدَتُهَا: خَيْرَةٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] وَلَقَدْ طَعَنْتُ مَجَامِعَ الرَّبَلَاتِ … رَبَلَاتِ هِنْدٍ خَيْرَةِ الْمَلَكَاتِ
وَالْخَيْرَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الْفَاضِلَةُ. ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُخَلَّدُونَ فِي الْجَنَّاتِ الْبَاقُونَ فِيهَا الْفَائِزُونَ بِهَا
١١ ‏/ ٦١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَعَدَّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلِلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَنَّاتٍ، وَهِيَ الْبَسَاتِينُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: لَابِثِينَ فِيهَا، لَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَلَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا. ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [المائدة: ١١٩] يَقُولُ: ذَلِكَ النَّجَاءُ الْعَظِيمُ وَالْحَظُّ الْجَزِيلُ
١١ ‏/ ٦١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَجَاءَ﴾ [الأعراف: ١١٣] رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ﴿الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٠] فِي التَّخَلُّفِ. ﴿وَقَعَدَ﴾ [التوبة: ٩٠] عَنِ الْمَجِيءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْجِهَادِ مَعَهُ ﴿الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ٩٠] وَقَالُوا الْكَذِبَ، وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ مِنْهُمْ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَيُصِيبُ
١١ ‏/ ٦١٩
الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَنُبُوَّةَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ [التوبة: ٩٠] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُعَذِّرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يُعَذِّرُ فِي الْأَمْرِ، فَلَا يُبَالِغْ فِيهِ وَلَا يَحْكُمُهُ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةَ هَؤُلَاءِ، وَإِنَّمَا صِفَتُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اجْتَهَدُوا فِي طَلَبِ مَا يَنْهَضُونَ بِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى عَدُوِّهِمْ، وَحَرَصُوا عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَجِدُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَهُمْ بِأَنْ يُوصَفُوا بِأَنَّهُمْ قَدْ أُعْذِرُوا أَوْلَى وَأَحَقُّ مِنْهُمْ بِأَنْ يُوصَفُوا بِأَنَّهُمْ عُذِّرُوا. وَإِذَا وُصِفُوا بِذَلِكَ فَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا قَرَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
١١ ‏/ ٦٢٠
وَذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: «(وَجَاءَ الْمُعْذِرُونَ) مُخَفَّفَةً، وَيَقُولُ: هُمْ أَهْلُ الْعُذْرِ» مَعَ مُوَافَقَةِ مُجَاهِدٍ إِيَّاهُ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَجَاءَ الْمُعْتَذِرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَلَكِنِ التَّاءُ لَمَّا جَاوَرَتِ الذَّالَ أُدْغِمَتْ فِيهَا، فَصِيرَتَا ذَالًا مُشَدَّدَةً لِتَقَارُبِ مَخْرَجِ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى، كَمَا قِيلَ: يَذَّكَّرُونَ فِي يَتَذَكَّرُونَ، وَيَذَّكَّرُ فِي يَتَذَكَّرُ. وَخَرَجَتِ الْعَيْنُ مِنَ الْمُعَذَّرِينَ إِلَى الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ حَرَكَةَ التَّاءِ مِنَ الْمُعْتَذِرِينَ وَهِيَ الْفَتْحَةُ نُقِلَتْ إِلَيْهَا فَحُرِّكَتْ بِمَا كَانَتْ بِهِ مُحَرَّكَةً، وَالْعَرَبُ قَدْ تُوَجِّهُ فِي مَعْنَى الِاعْتِذَارِ إِلَى الْإِعْذَارِ، فَتَقُولُ: قَدِ اعْتَذَرَ فُلَانٌ ⦗٦٢١⦘ فِي كَذَا، يَعْنِي: أَعْذَرَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ لَبِيدٍ:
[البحر الطويل] إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا … وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ
فَقَالَ: فَقَدِ اعْتَذَرَ، بِمَعْنَى: فَقَدْ أَعْذَرَ. عَلَى أَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ، قَدِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ جَاءُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُعَذَّرِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانُوا كَاذِبِينَ فِي اعْتِذَارِهِمْ، فَلَمْ يُعْذِرْهُمُ اللَّهُ
١١ ‏/ ٦٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: كَانَ قَتَادَةُ يَقْرَأُ: «﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ [التوبة: ٩٠] قَالَ: اعْتَذَرُوا بِالْكَذِبِ»
١١ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ [التوبة: ٩٠] قَالَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ جَاءُوا فَاعْتَذَرُوا، فَلَمْ يَعْذِرْهُمُ اللَّهُ» فَقَدْ أَخْبَرَ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ إِنَّمَا كَانُوا أَهْلَ اعْتِذَارٍ بِالْبَاطِلِ لَا بِالْحَقِّ. فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفُوا بِالْإِعْذَارِ إِلَّا أَنْ يُوصَفُوا بِأَنَّهُمْ أَعْذَرُوا فِي الِاعْتِذَارِ بِالْبَاطِلِ. فَأَمَّا بِالْحَقِّ عَلَى مَا قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنْ
١١ ‏/ ٦٢١
هَؤُلَاءِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفُوا بِهِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّمَا جَاءُوا مُعَذِّرِينَ غَيْرَ جَادِّينَ، يَعْرِضُونَ مَا لَا يُرِيدُونَ فِعْلَهُ. فَمَنْ وَجَّهَهُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَلَا كُلْفَةَ فِي ذَلِكَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَجَّهَ تَأْوِيلَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَسْتَحِبُّ الْقَوْلَ بِهِ. وَبَعْدُ، فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ التَّشْدِيدُ فِي الذَّالِ، أَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ: ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ [التوبة: ٩٠] فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى الِاعْتِذَارِ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ وُصِفُوا بِذَلِكَ لَمْ يُكَلَّفُوا أَمْرًا عُذِرُوا فِيهِ، وَإِنَّمَا كَانُوا فِرْقَتَيْنِ إِمَّا مُجْتَهِدٌ طَائِعٌ وَإِمَّا مُنَافِقٌ فَاسِقٌ لِأَمْرِ اللَّهِ مُخَالِفٌ، فَلَيْسَ فِي الْفَرِيقَيْنِ مَوْصُوفٌ بِالتَّعْذِيرِ فِي الشُّخُوصِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَذِّرٌ مُبَالِغٌ، أَوْ مُعْتَذِرٌ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الْحُجَّةُ مِنَ الْقُرَّاءِ مُجْمِعَةً عَلَى تَشْدِيدِ الذَّالِ مِنْ الْمُعَذِّرِينَ، عُلِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا وَصَفْنَاهُ مِنَ التَّأْوِيلِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي ذَلِكَ مُوَافَقَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ
١١ ‏/ ٦٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَرَأَ مُجَاهِدٌ: (وَجَاءَ الْمُعْذِرُونَ) مُخَفَّفَةً، وَقَالَ: هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ الْعَذْرُ “
١١ ‏/ ٦٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ الْمُعَذِّرُونَ. . . . . . . . . .»
١١ ‏/ ٦٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانَةِ وَأَهْلِ الْعَجْزِ عَنِ السَّفَرِ وَالْغَزْوِ، وَلَا عَلَى الْمَرْضَى، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ نَفَقَةً يَتَبَلَّغُ بِهَا إِلَى مَغْزَاهُ حَرَجٌ، وَهُوَ الْإِثْمُ، يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِثْمٌ إِذَا نَصَحُوا للَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي مَغِيبِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١] يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ فَنَصَحَ للَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ جِهَادٍ مَعَهُ لِعُذْرٍ يُعْذَرُ بِهِ طَرِيقٌ يُتَطَرَّقُ عَلَيْهِ فَيُعَاقَبَ مِنْ قِبَلِهِ. ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] يَقُولُ: وَاللَّهُ سَاتِرٌ عَلَى ذُنُوبِ الْمُحْسِنِينَ، يَتَغَمَّدَهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، رَحِيمٌ بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهَا. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ
١١ ‏/ ٦٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩١] نَزَلَتْ فِي عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو»
١١ ‏/ ٦٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ مُغَفَّلٍ: ⦗٦٢٤⦘ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى﴾ [التوبة: ٩١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿حَزَنًا أَن لَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَنْبَعِثُوا غَازِينَ مَعَهُ، فَجَاءَتْهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَاللَّهِ مَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» فَتَوَلَّوْا وَلَهُمْ بُكَاءٌ، وَعَزَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَجْلِسُوا عَنِ الْجِهَادِ وَلَا يَجِدُونَ نَفَقَةً وَلَا مَحْمَلًا. فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ حِرْصَهُمْ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ، أَنْزَلَ عُذْرَهُمْ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ﴾ [التوبة: ٩١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٩٣]
١١ ‏/ ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ [التوبة: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَلَا سَبِيلَ أَيْضًا عَلَى النَّفْرِ الَّذِينَ إِذَا مَا جَاءُوكَ لِتَحْمِلَهُمْ يَسْأَلُونَكَ الْحُمْلَانَ لِيَبْلُغُوا إِلَى مَغْزَاهُمْ لِجِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ مَعَكَ يَا مُحَمَّدُ، قُلْتَ لَهُمْ: لَا أَجِدُ حَمُولَةً أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهَا. ﴿تَوَلَّوْا﴾ [البقرة: ١١٥] يَقُولُ: أَدْبَرُوا عَنْكَ ﴿وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾ [التوبة: ٩٢] وَهُمْ يَبْكُونَ مِنْ حَزَنٍ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ وَيَتَحَمَّلُونَ بِهِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ مُزَيْنَةَ
١١ ‏/ ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: ⦗٦٢٥⦘ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ [التوبة: ٩٢] قَالَ: هُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ»
١١ ‏/ ٦٢٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] قَالَ: هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ»
١١ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قِرَاءَةً عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿حَزَنًا أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ قَالَ: هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ»
١١ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] قَالَ: هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ»
١١ ‏/ ٦٢٥
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ «وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ الَّذِينَ أُنْزِلَتْ فِيهِمْ: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾ [التوبة: ٩٢] قَالَ: مِنْهُمُ ابْنُ مُقَرِّنٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ: قَالَ النَّاسُ: مِنْهُمْ عِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ
١١ ‏/ ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، وَحُجْرِ بْنِ حُجْرٍ الْكَلَاعِيِّ، قَالَا: «دَخَلْنَا عَلَى عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، وَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] الْآيَةَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ، قَالَ: ثنا ثَوْرٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَحُجْرِ بْنِ حُجْرٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ سَبْعَةٍ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى
١١ ‏/ ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْتَحْمِلُونَهُ، فَقَالَ: «لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] الْآيَةَ، ⦗٦٢٧⦘ قَالَ: هُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنْ بَنِي وَاقِفٍ: حَرَمِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، يُكْنَى أَبَا لَيْلَى، وَمِنْ بَنِي الْمُعَلَّى: سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ، وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو عَبْلَةَ، وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ فَقَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ عَمْرُو بْنُ غَنَمَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ
١١ ‏/ ٦٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿حَزَنًا﴾ [التوبة: ٩٢] وَهُمُ الْبَكَّاءُونَ كَانُوا سَبْعَةً». وَاللَّهُ أَعْلَمُ
١١ ‏/ ٦٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا السَّبِيلُ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى أَهْلِ الْعُذْرِ يَا مُحَمَّدُ، وَلَكِنَّهَا عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ فِي التَّخَلُّفِ خِلَافَكَ، وَتَرْكِ الْجِهَادَ مَعَكَ وَهُمْ أَهْلُ غِنًى وَقُوَّةٍ وَطَاقَةٍ لِلْجِهَادِ وَالْغَزْوِ، نِفَاقًا وَشَكًّا فِي وَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ. ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ [التوبة: ٨٧] يَقُولُ: رَضُوا بِأَنْ يَجْلِسُوا بَعْدَكَ مَعَ النِّسَاءِ، وَهُنَّ الْخَوَالِفُ خَلْفَ
١١ ‏/ ٦٢٧
الرِّجَالِ فِي الْبُيُوتِ، وَيَتَرُكُوا الْغَزْوَ مَعَكَ. ﴿وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٩٣] يَقُولُ: وَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِمَا كَسَبُوا مِنَ الذُّنُوبِ. ﴿فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٩٣] سُوءَ عَاقِبَتِهِمْ بِتَخَلُّفِهِمْ عَنْكَ وَتَرْكِهِمُ الْجِهَادَ مَعَكَ وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ قَبِيحِ الثَّنَاءِ فِي الدُّنْيَا وَعَظِيمِ الْبَلَاءِ فِي الْآخِرَةِ
١١ ‏/ ٦٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ٩٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفُونَ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، التَّارِكُونَ جِهَادَ الْمُشْرِكِينَ مَعَكُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِالْأَبَاطِيلِ وَالْكَذِبِ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ سَفَرِكُمْ وَجِهَادِكُمْ؛ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ﴾ [التوبة: ٩٤] يَقُولُ: لَنْ نُصَدِّقَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ. ﴿قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ [التوبة: ٩٤] يَقُولُ: قَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ، وَأَعْلَمَنَا مِنْ أَمْرِكُمْ مَا قَدْ عَلِمْنَا بِهِ كَذِبَكُمْ. ﴿وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٩٤] يَقُولُ: وَسَيَرَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيمَا بَعْدُ عَمَلَكُمْ، أَتَتُوبُونَ مِنْ نِفَاقِكُمْ أَمْ تُقِيمُونَ عَلَيْهِ ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [التوبة: ٩٤] يَقُولُ: ثُمَّ تَرْجِعُونَ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ يَعْنِي الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ بَوَاطِنُ أُمُورِكُمْ وَظَوَاهِرُهَا. ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٥] فَيُخْبِرُكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ
١١ ‏/ ٦٢٨
كُلِّهَا سَيِّئِهَا وَحَسَنِهَا، فَيُجَازِيكُمْ بِهَا الْحَسَنُ مِنْهَا بِالْحَسَنِ وَالسَّيِّئُ مِنْهَا بِالسَّيِّئِ
١١ ‏/ ٦٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَيَحْلِفُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ فَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ، ﴿إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٩٥] يَعْنِي: إِذَا انْصَرَفْتُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ غَزْوِكُمْ، ﴿لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ﴾ [التوبة: ٩٥] فَلَا تُؤَنِّبُوهُمْ. ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ﴾ [التوبة: ٩٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: فَدَعُوا تَأْنِيبَهُمْ وَخَلُّوهُمْ وَمَا اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ. ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ [التوبة: ٩٥] يَقُولُ: إِنَّهُمْ نَجَسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، يَقُولُ: وَمَصِيرُهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ وَهِيَ مَسْكَنُهُمُ الَّذِي يَأْوُونَهُ فِي الْآخِرَةِ. ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٨٢] يَقُولُ: ثَوَابًا بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَا مَا
١١ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: “﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا﴾ [التوبة: ٩٥] . . إِلَى: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٩٥] وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَغْزُو بَنِي الْأَصْفَرَ لَعَلَّكَ أَنْ تُصِيبَ بِنْتَ عَظِيمِ الرُّومِ، فَإِنَّهُمْ حِسَانٌ فَقَالَ رَجُلَانِ: قَدْ عَلِمْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ النِّسَاءَ فِتْنَةٌ، فَلَا تَفْتِنَّا بِهِنَّ، فَأْذَنْ لَنَا فَأَذِنَ لَهُمَا؛ فَلَمَّا انْطَلَقَا، قَالَ أَحَدُهُمَا: إِنْ هُوَ إِلَّا شَحْمَةٌ لَأَوَّلِ آكِلٍ. فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ نَزَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى بَعْضِ الْمِيَاهِ: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا
١١ ‏/ ٦٢٩
قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾ [التوبة: ٤٢]، وَنَزَلَ عَلَيْهِ: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣]، وَنَزَلَ عَلَيْهِ: ﴿لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٤٤]، وَنَزَلَ عَلَيْهِ: ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٩٥] فَسَمِعَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِمَّنْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَتَاهُمْ وَهُمْ خَلْفُهُمْ، فَقَالَ: تَعْلَمُونَ أَنْ قَدْ أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَكُمْ قُرْآنٌ، قَالُوا: مَا الَّذِي سَمِعْتَ؟ قَالَ مَا أَدْرِي، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ أَنَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ [التوبة: ٩٥]، فَقَالَ رَجُلٌ يُدْعَى مَخْشِيًّا: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَأَنِّي لَسْتُ مَعَكُمْ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ؟» فَقَالَ: وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَسْفَعُهُ الرِّيحُ وَأَنَا فِي الْكِنِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولِ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي﴾ [التوبة: ٤٩] ﴿وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ [التوبة: ٨١] وَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي أُجْلَدُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، قَوْلُ اللَّهِ: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٦٤] فَقَالَ رَجُلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ: لَئِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ كَمَا يَقُولُونَ مَا فِينَا خَيْرٌ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعْتُ؟» فَقَالَ: لَا وَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٤] وَأَنْزَلَ فِيهِ: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ٤٧]
١١ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ تَبُوكَ، جَلَسَ ⦗٦٣١⦘ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونِ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بَضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَّلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَصَدَقَتِهِ حَدِيثِي. فَقَالَ كَعْبٌ: وَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِيَ لِلْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِكَ مِنْ صِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَّا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلَكُ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا، إِنَّ اللَّهَ، قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ، شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة: ٩٥] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٩٦]»
١١ ‏/ ٦٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٩٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَحْلِفُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ اعْتِذَارًا بِالْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ ﴿لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٩٦] يَقُولُ: فَإِنْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ رَضِيتُمْ عَنْهُمْ وَقَبِلْتُمْ مَعْذِرَتَهُمْ، إِذَا كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صِدْقَهُمْ مِنْ كَذِبَهُمْ، فَإِنَّ رِضَاكُمْ عَنْهُمْ غَيْرَ نَافِعِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مِنْ سَرَائِرِ أَمْرِهِمْ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَمِنْ خَفِيِّ اعْتِقَادِهِمْ مَا تَجْهَلُونَ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ، يَعْنِي أَنَّهُمُ الْخَارِجُونَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَمِنَ الطَّاعَةِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ
١١ ‏/ ٦٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ جُحُودًا لِتَوحِيدِ اللَّهِ، وَأَشَدُّ نِفَاقًا مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ. وَإِنَّمَا وَصَفَّهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ لِجَفَائِهِمْ وَقَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ وَقِلَّةِ مُشَاهَدَتِهِمْ لِأَهْلِ الْخَيْرِ، فَهُمْ لِذَلِكَ أَقْسَى قُلُوبًا وَأَقَلُّ عِلْمًا بِحُقُوقِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩٧] يَقُولُ: وَأَخْلَقُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ؛ وَذَلِكَ فِيمَا قَالَ قَتَادَةُ: السُّنَنُ
١١ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩٧] قَالَ: هُمْ أَقَلُّ عِلْمًا بِالسُّنَنِ»
١١ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «جَلَسَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، وَكَانَتْ يَدُهُ قَدْ أُصِيبَتْ يَوْمُ نَهَاوَنْدَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ حَدِيثَكَ لَيُعْجِبُنِي، وَإِنَّ يَدَكَ لَتُرِيبُنِي فَقَالَ زَيْدٌ: وَمَا يَرِيبُكَ مِنْ يَدِي، إِنَّهَا الشِّمَالُ؟ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي الْيَمِينَ يَقْطَعُونَ أَمِ الشِّمَالَ؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ: صَدَقَ اللَّهُ: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩٧]» ⦗٦٣٣⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٧] يَقُولُ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَنْ يَعْلَمُ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ، وَالْمُنَافِقِ مِنْ خَلْقِهِ وَالْكَافِرِ مِنْهُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ، وَفِي حِلْمِهِ عَنْ عِقَابِهِمْ مَعَ عَلْمِهِ بِسَرَائِرِهِمْ وَخِدَاعِهِمْ أَوْلِيَاءَهُ
١١ ‏/ ٦٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَعُدُّ نَفَقَتَهُ الَّتِي يُنْفِقُهَا فِي جِهَادِ مُشْرِكٍ أَوْ فِي مَعُونَةِ مُسْلِمٍ أَوْ فِي بَعْضِ مَا نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ عِبَادَهُ ﴿مَغْرَمًا﴾ [التوبة: ٩٨] يَعْنِي غُرْمًا لَزِمَهُ لَا يَرْجُو لَهُ ثَوَابًا وَلَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ عِقَابًا. ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ [التوبة: ٩٨] يَقُولُ: وَيَنْتَظِرُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ أَنْ تَدُورَ بِهَا الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي إِلَى مَكْرُوهٍ وَنَفْيِ مَحْبُوبٍ، وَغَلَبَةِ عَدُوٍّ لَكُمْ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ [التوبة: ٩٨] يَقُولُ: جَعَلَ اللَّهُ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ، وَنُزُولَ الْمَكْرُوهِ بِهِمْ لَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَلَا بِكُمْ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِدُعَاءِ الدَّاعِينَ عَلِيمٌ بِتَدْبِيرِهِمْ وَمَا هُوَ بِهِمْ نَازِلٌ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَمَا هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ﴾ [التوبة: ٩٨] قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ ⦗٦٣٤⦘ مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ إِنَّمَا يُنْفِقُونَ رِيَاءً اتِّقَاءَ أَنْ يُغْزَوْا، أَوْ يُحَارَبُوا، أَوْ يُقَاتَلُوا، وَيَرَوْنَ نَفَقَتَهُمْ مَغْرَمًا، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ [التوبة: ٩٨]» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: «﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ [التوبة: ٩٨]» بِفَتْحِ السِّينِ، بِمَعْنَى النَّعْتِ لِلدَّائِرَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّائِرَةُ مُضَافَةً إِلَيْهِ، كَقَولِهِمْ: هُوَ رَجُلُ السَّوْءِ، وَامْرُؤُ الصِّدْقِ، كَأَنَّهُ إِذَا فُتِحَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: سُؤْتُهُ أَسُوءُهُ سَوْءًا وَمَسَاءَةً وَمَسَائِيَّةً. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: «عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوءِ» بِضَمِّ السِّينِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا، كَمَا يُقَالُ عَلَيْهِ دَائِرَةُ الْبَلَاءِ وَالْعَذَابِ. وَمَنْ قَالَ: «عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوءِ» فَضَمَّ، لَمْ يَقُلْ هَذَا رَجُلُ السُّوءِ بِالضَّمِ، وَالرَّجُلُ السُّوءُ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَكُنْتَ كَذِئْبِ السَّوْءِ لَمَّا رَأَى دَمًا … بِصَاحِبِهِ يَوْمًا أَحَالَ عَلَى الدَّمِ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِفَتْحِ السِّينِ، بِمَعْنَى: عَلَيْهِمُ الدَّائِرَةُ الَّتِي تَسُوءُهُمْ سُوءًا كَمَا يُقَالُ هُوَ رَجُلٌ صِدْقٌ عَلَى وَجْهِ النَّعْتِ
١١ ‏/ ٦٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيُتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ٩٩]
١١ ‏/ ٦٣٤
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُصَدِّقُ اللَّهَ وَيَقِرُّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَيَنْوِي بِمَا يُنْفِقُ مِنْ نَفَقَةٍ فِي جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي سَفَرِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٩٩] الْقُرُبَاتُ: جَمْعُ قُرْبَةٍ، وَهُوَ مَا قَرَّبَهُ مِنْ رَضِيَ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ ﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ٩٩]، يَعْنِي بِذَلِكَ: وَيَبْتَغِي بِنَفَقَةِ مَا يُنْفِقُ مَعَ طَلَبِ قُرْبَتِهِ مِنَ اللَّهِ دُعَاءَ الرَّسُولِ وَاسْتِغْفَارَهُ لَهُ وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا عَلَى أَنَّ مِنْ مَعَانِي الصَّلَاةِ الدُّعَاءَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ٩٩] يَعْنِي اسْتِغْفَارَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام»
١١ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ٩٩] قَالَ: دُعَاءُ الرَّسُولِ، قَالَ: هَذِهِ ثَنِيَّةُ اللَّهِ مِنَ الْأَعْرَابِ»
١١ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٦٣٦⦘ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٩٩] قَالَ: هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾ [التوبة: ٩٢] قَالَ: هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ»
١١ ‏/ ٦٣٥
قَالَ: ثَنِي حَجَّاجُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾ [التوبة: ٩٧] ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٩٩] . . الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٣٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، عَنِ الْبَخْتَرِيِّ بْنِ الْمُخْتَارِ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «كُنَّا عَشْرَةَ وَلَدٍ مُقَرِّنٍ، فَنَزَلَتْ فِينَا: ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٩٩] . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ» قَالَ اللَّهُ: ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ صَلَوَاتِ الرَّسُولِ قُرْبَةٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: أَلَا إِنَّ نَفَقَتَهُ الَّتِي يُنْفِقُهَا كَذَلِكَ قُرْبَةٌ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ ﴿سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [التوبة: ٩٩] يَقُولُ: سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ رَحِمَهُ فَأَدْخَلَهُ بِرَحْمَتِهِ الْجَنَّةَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِمَا اجْتَرَمُوا، رَحِيمٌ بِهِمْ مَعَ تَوْبَتِهِمْ وَإِصْلَاحِهِمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ
١١ ‏/ ٦٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ سَبَقُوا النَّاسَ أَوَّلًا إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمَهُمْ وَعَشِيرَتَهُمْ وَفَارَقُوا مَنَازِلَهُمْ وَأَوْطَانَهُمْ، وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ نَصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: ١٠٠] يَقُولُ: وَالَّذِينَ سَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، طَلَبَ رَضِيَ اللَّهِ، ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة: ١١٩] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ [التوبة: ١٠٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ أَوْ أَدْرَكُوا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ، «﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ»
١١ ‏/ ٦٣٧
قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ مَنْ أَدْرَكَ الْبَيْعَةَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»
١١ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ ⦗٦٣٨⦘ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ»
١١ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ: مَنْ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعَةِ إِلَى الْبَيْعَةِ فَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ، وَمَنْ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعَةِ فَلَيْسَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ»
١١ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ وَمُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ»
١١ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَهِيَ بَيْعَةُ الْحُدَيْبِيَةِ»
١١ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَمُطَرِّفٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ»
١١ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا عَبْثَرُ أَبُو زُبَيْدٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ: مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ ⦗٦٣٩⦘ مَوْلًى لِأَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ: مَنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ»
١١ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مَوْلَى لِأَبِي مُوسَى، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، عَنْ قَوْلِهِ: «﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا»
١١ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: لِمَ سُمُّوا الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ؟ قَالَ: «مَنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا، فَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ»
١١ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ: الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ»
١١ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَوْلُهُ: «﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ بَعْضِ، أَصْحَابِهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وعَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، فِي قَوْلِهِ ⦗٦٤٠⦘: «﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ»
١١ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: «الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ: الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ»
١١ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا» وَأَمَّا الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارَ بِإِحْسَانٍ، فَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّهِ إِسْلَامَهُمْ وَسَلَكُوا مِنْهَاجَهُمْ فِي الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ. كَمَا
١١ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «مَرَّ عُمَرُ بِرَجُلٍ وَهُو يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَالَ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ الْآيَةَ؟ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. قَالَ: لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَذْهِبَ بِكَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَنْتَ أَقْرَأْتَ هَذَا هَذِهِ الْآيَةَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: وَسَمِعْتَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَانَا رُفِعْنَا رِفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا. قَالَ: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْجُمُعَةِ، وَأَوْسَطِ الْحَشْرِ، وَآخَرِ الْأَنْفَالِ؛ أَمَا أَوَّلُ الْجُمُعَةِ: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا ⦗٦٤١⦘ يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ [الجمعة: ٣]، وَأَوْسَطُ الْحَشْرِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾، وَأَمَّا آخِرُ الْأَنْفَالِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٥]»
١١ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] . . حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: ١٠٠] قَالَ: وَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَقَالَ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذَا؟ قَالَ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. فَقَالَ: لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَذْهِبَ بِكَ إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَقْرَأَتَ هَذَا هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّا رُفِعْنَا رِفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا، فَقَالَ أُبَيُّ: بَلَى تَصْدِيقُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾ [الجمعة: ٣] . . إِلَى: ﴿وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤]، وَفِي سُورَةِ الْحَشْرِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾، وَفِي الْأَنْفَالِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٧٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ» وَرُوِي عَنْ عُمَرَ، فِي ذَلِكَ مَا
١١ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنِي بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وعَنِ ابْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَرَأَ: «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» فَرَفَعَ «الْأَنْصَارُ» وَلَمْ يُلْحِقِ الْوَاوَ فِي «الَّذِينَ»، فَقَالَ لَهُ زَيْدُ ⦗٦٤٢⦘ بْنُ ثَابِتٍ: «وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ»، فَقَالَ عُمَرُ: «الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ» . فَقَالَ زَيْدٌ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ فَقَالَ عُمَرُ: ائْتُونِي بِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أُبَيُّ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ [التوبة: ١٠٠] فَقَالَ عُمَرُ: إِذًا نُتَابِعُ أُبَيًّا «وَالْقِرَاءَةُ عَلَى خَفْضِ» الْأَنْصَارِ «عَطْفًا بِهِمْ عَلَى» الْمُهَاجِرِينَ». وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «الْأَنْصَارُ» بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِهِمْ عَلَى «السَّابِقِينَ» وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهُمَا الْخَفْضَ فِي «الْأَنْصَارِ»، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ السَّابِقَ كَانَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَإِنَّمَا قَصَدَ الْخَبَرَ عَنِ السَّابِقِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمِيعِ، وَإِلْحَاقَ الْوَاوِ فِي «الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ»، لِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا، عَلَى أَنَّ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ غَيْرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَأَمَّا السَّابِقُونَ فَإِنَّهُمْ مَرْفُوعُونَ بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة: ١١٩] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ لِمَا أَطَاعُوهُ وَأَجَابُوا نَبِيَّهُ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَرَضِيَ عَنْهُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ لِمَا أَجْزَلَ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَإِيمَانِهِمْ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ يَدْخُلُونَهَا خَالِدِينَ فِيهَا لَابِثِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠]
١١ ‏/ ٦٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: ١٠١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ حَوْلَ مَدِينَتِكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ مَدِينَتِكُمْ أَيْضًا أَمْثَالُهُمْ أَقْوَامٌ مُنَافِقُونَ. وَقَوْلُهُ: ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ [التوبة: ١٠١] يَقُولُ: مَرَنُوا عَلَيْهِ وَدَرَبُوا بِهِ، وَمِنْهُ شَيْطَانٌ مَارِدٌ وَمُرِيدٌ: وَهُو الْخَبِيثُ الْعَاتِي، وَمِنْهُ قِيلَ: تَمَرَّدَ فُلَانٌ عَلَى رَبِّهِ: أَيْ عَتَا وَمَرَدَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَاعْتَادَهَا وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ، مَا
١١ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: أَقَامُوا عَلَيْهِ لَمْ يَتُوبُوا كَمَا تَابَ الْآخَرُونَ»
١١ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ [التوبة: ١٠١] أَيْ لَجُّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْرَهُ. ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠١] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا تَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَكِنَّا نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ» كَمَا
١١ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ⦗٦٤٤⦘ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ﴾ [التوبة: ١٠١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَكَلَّفُونَ عِلْمَ النَّاسِ، فُلَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَفُلَانٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا سَأَلْتَ أَحَدَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ لَا أَدْرِي لَعَمْرِي أَنْتَ بِنَفْسِكَ أَعْلَمُ مِنْكَ بِأَعْمَالِ النَّاسِ، وَلَقَدْ تَكَلَّفْتَ شَيْئًا مَا تَكَلَّفَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَكُمْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٌ عليه السلام: ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١٢]، وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ شُعَيْبٌ عليه السلام: ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [هود: ٨٦]، وَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام: ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠١]» وَقَوْلُهُ: ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] يَقُولُ: سَنُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَرَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا فِي الدُّنْيَا، وَالْأُخْرَى فِي الْقَبْرِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّتِي فِي الدُّنْيَا مَا هِيَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ فَضِيحَتُهُمْ فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِكَشْفِ أُمُورِهِمْ وَتَبْيِينِ سَرَائِرِهُمْ لِلنَّاسِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي قَالَ، ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ [التوبة: ١٠١] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [البقرة: ٧] قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَطِيبًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ «اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ اخْرُجْ يَا فُلَانُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ» فَأَخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ⦗٦٤٥⦘ نَاسًا مِنْهُمْ فَضَحَهُمْ. فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ وَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَبَأَ مِنْهُمْ حَيَاءً أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةَ، وَظَنَّ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا وَاخْتَبَئُوا هُمْ مِنْ عُمَرَ، ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَمْرِهِمْ. فَجَاءَ عُمَرُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا النَّاسُ لَمْ يُصَلُّوا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَقَدْ فَضَحَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ فَهَذَا الْعَذَابُ الْأَوَّلُ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْعَذَابُ الثَّانِي: عَذَابُ الْقَبْرِ»
١١ ‏/ ٦٤٤
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ، فَيَذْكُرُ الْمُنَافِقِينَ فَيُعَذِّبُهُمْ بِلِسَانِهِ، قَالَ: وَعَذَابُ الْقَبْرِ» ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: الْقَتْلُ وَالسِّبَاءُ»
١١ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] بِالْجُوعِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَ: ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: ١٠١] يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١١ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، وَالْقَاسِمُ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: بِالْجُوعِ وَالْقَتْلِ» وَقَالَ يَحْيَى: بِالْخَوفِ وَالْقَتْلِ
١١ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «بِالْجُوعِ وَالْقَتْلِ»
١١ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: بِالْجُوعِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ»
١١ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: بِالْجُوعِ وَالْقَتْلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَنُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابًا فِي الْآخِرَةِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ⦗٦٤٧⦘ «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْقَبْرِ ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: ١٠١] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أَسَرَّ إِلَى حُذَيْفَةَ بِاثَنِي عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: «سِتَّةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ، سِرَاجٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَأْخُذُ فِي كَتِفِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يُفْضِي إِلَى صَدْرِهِ، وَسِتَّةٌ يَمُوتُونَ مَوْتًا» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رحمه الله كَانَ إِذَا مَاتَ رَجُلٌ يَرَى أَنَّهُ مِنْهُمْ نَظَرَ إِلَى حُذَيْفَةَ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِحُذَيْفَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَا أُؤَمِّنُ مِنْهَا أَحَدًا بَعْدَكَ»
١١ ‏/ ٦٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْقَبْرِ»
١١ ‏/ ٦٤٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَا: ثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: عَذَابًا فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابًا فِي الْقَبْرِ»
١١ ‏/ ٦٤٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الْقَبْرِ؛ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابِ النَّارِ» ⦗٦٤٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ عَذَابُهُمْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ مَصَائِبَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، وَالْمَرَّةُ الْأُخْرَى فِي جَهَنَّمَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: أَمَا عَذَابًا فِي الدُّنْيَا: فَالْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [التوبة: ٥٥] بِالْمَصَائِبِ فِيهِمْ، هِيَ لَهُمْ عَذَابٌ وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْرٌ. قَالَ: وَعَذَابًا فِي الْآخِرَةِ فِي النَّارِ. ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: النَّارُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ: الْحُدُودُ، وَالْأُخْرَى: عَذَابُ الْقَبْرِ. ذِكْرُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ مَرَضِيٍّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ: أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَالْأُخْرَى: عَذَابُ الْقَبْرِ. ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ عَذَابُهُمْ بِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَيْظِ فِي أَمْرِ الْإِسْلَامِ ⦗٦٤٩⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ [التوبة: ١٠١] قَالَ: الْعَذَابُ الَّذِي وَعَدَهُمْ مَرَّتَيْنِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ، ثُمَّ عَذَابُهُمْ فِي الْقَبْرِ إِذْ صَارُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الَّذِي يُرَدُّونَ إِلَيْهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ وَيُخَلَّدُونَ فِيهِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُعَذِّبُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يَضَعْ لَنَا دَلِيلًا نَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى عِلْمِ صِفَةِ ذَيْنَكَ الْعَذَابَيْنِ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَا ذَكَرْنَا عَنِ الْقَائِلِينَ مَا أُنْبِئْنَا عَنْهُمْ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا عِلْمٌ بِأَيِّ ذَلِكَ مِنْ أَيٍّ. عَلَى أَنَّ فِيَ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: ١٠١] دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ فِي الْمَرَّتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِمُ النَّارَ، وَالْأَغْلَبُ مِنْ إِحْدَى الْمَرَّتَيْنِ أَنَّهَا فِي الْقَبْرِ. وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ [التوبة: ١٠١] يَقُولُ: ثُمَّ يُرَدُّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ بَعْدَ تَعْذِيبِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مَرَّتَيْنِ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ، وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ
١١ ‏/ ٦٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُنَافِقُونَ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ، وَمِنْهُمْ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، يَقُولُ: أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ. ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا﴾ [التوبة: ١٠٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي خَلَطُوهُ بِالْعَمَلِ السَّيِّئِ: اعْتِرَافَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَتَوْبَتَهُمْ مِنْهَا، وَالْآخَرُ السَّيِّئُ هُوَ تَخَلُّفُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ خَرَجَ غَازِيًا، وَتَرْكُهُمُ الْجِهَادَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ: خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا بِآخَرَ سَيِّئٍ؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بِآخَرَ كَمَا تَقُولُ: اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ؛ أَيْ بِالْخَشَبَةِ، وَخَلَطْتُ الْمَاءَ وَاللَّبَنَ. وَأَنْكَرَ آخَرُونَ أَنْ يَكُونَ نَظِيرَ قَوْلِهِمُ: اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ. وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْخِلْطِ عَامِلٌ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَجَائِزٌ تَقْدِيمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ الْخَشَبَةِ عَلَى الْمَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ فِي قَوْلِهِمُ: اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ دَلِيلًا عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْخَلْطِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِهِمْ: خَلَطْتُ
١١ ‏/ ٦٥٠
الْمَاءَ وَاللَّبَنَ، بِمَعْنَى خَلَطْتُهُ بِاللَّبَنِ ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] يَقُولُ: لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: سَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَا وَصَفْتُ. ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو صَفْحٍ وَعَفْوٌ لِمَنْ تَابَ عَنْ ذُنُوبِهِ وَسَاتِرٌ لَهُ عَلَيْهَا رَحِيمٌ أَنْ يُعَذِّبَهُ بِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ أُنْزِلَتْ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي عَشْرَةِ أَنْفُسٍ كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، فَرَبَطَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ إِلَى السَّوَارِي عِنْدَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ ﷺ تَوْبَةً مِنْهُمْ مِنْ ذَنْبِهِمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: كَانُوا عَشْرَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا حَضَرَ رُجُوعُ النَّبِيِّ ﷺ أَوْثَقَ سَبْعَةٌ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَمَرُّ النَّبِيِّ ﷺ إِذَا رَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوَثِّقَونَ أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي؟» قَالُوا: هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى تُطْلِقَهُمْ وَتَعْذُرَهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: «وَأَنَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ وَلَا أَعْذُرُهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُمْ رَغِبُوا عَنِّي وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ» فَلَمَّا ⦗٦٥٢⦘ بَلَغَهُمْ ذَلِكَ، قَالُوا: وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ الَّذِي يُطْلِقُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ. فَلَمَّا نَزَلَتْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَطْلَقَهُمْ وَعَذَرَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا سِتَّةً، أَحَدُهُمْ أَبُو لُبَابَةَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ﴾ [التوبة: ١٠٢] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَتَخَلَّفَ أَبُو لُبَابَةَ وَخَمْسَةٌ مَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا لُبَابَةَ وَرَجُلَيْنِ مَعَهُ تَفَكَّرُوا وَنَدِمُوا وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، وَقَالُوا: نَكُونُ فِي الْكِنِّ وَالطُّمَأْنِينَةِ مَعَ النِّسَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ فِي الْجِهَادِ؟ وَاللَّهِ لَنُوثِقَنَّ أَنْفُسَنَا بِالسَّوَارِي، فَلَا نُطْلِقُهَا حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ يُطْلِقُنَا وَيَعْذُرُنَا فَانْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ وَأَوْثَقُ نَفْسَهُ، وَرَجُلَانِ مَعَهُ بِسَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ لَمْ يُوَثِّقُوا أَنْفُسَهُمْ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ، وَكَانَ طَرِيقُهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ الْمُوَثِقُو أَنْفُسِهِمْ بِالسَّوَارِي؟» فَقَالُوا: هَذَا أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابٌ لَهُ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ لَا يُطْلِقُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تُطْلِقُهُمْ وَتَرْضَى عَنْهُمْ، وَقَدِ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَاللَّهِ لَا أُطْلِقُهُمْ حَتَّى أُومَرَ ⦗٦٥٣⦘ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَلَا أَعْذَرَهُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ يَعْذُرُهُمْ، وَقَدْ تَخَلَّفُوا عَنِّي وَرَغِبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ غَزْوِ الْمُسْلِمِينَ وَجِهَادِهِمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٢] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ. فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ أَطْلَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَذَرَهُمْ، وَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي كَانُوا ثَمَانِيَةً. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: هُمُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، مِنْهُمْ كَرْدَمُ وَمِرْدَاسُ وَأَبُو لُبَابَةَ»
١١ ‏/ ٦٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي: هِلَالٌ، وَأَبُو لُبَابَةَ، وَكَرْدَمُ، وَمِرْدَاسُ، وَأَبُو قَيْسٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا سَبْعَةً. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَآخَرُونَ ⦗٦٥٤⦘ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَةَ رَهْطٍ تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأَمَّا أَرْبَعَةٌ فَخَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو لُبَابَةَ، وَحَرَامٌ، وَأَوْسٌ، وَكُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] . . الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٥٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ: مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، وَمِنْهُمْ جَدُّ بْنُ قَيْسٍ؛ تِيبَ عَلَيْهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: وَلَيْسُوا بِثَلَاثَةٍ»
١١ ‏/ ٦٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: هُمْ سَبْعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ كَانُوا تَخَلَّفُوا عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَلَيْسُوا بِالثَّلَاثَةِ»
١١ ‏/ ٦٥٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ١٠٢] نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ تَخَلَّفُوا عَنْ نَبِيِّ ⦗٦٥٥⦘ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ، وَكَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، نَدِمُوا عَلَى تَخَلُّفِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَالُوا: نَكُونُ فِي الظِّلَالِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالنِّسَاءِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ وَاللَّأْوَاءِ؟ وَاللَّهِ لَنُوثِقَنَّ أَنْفُسَنَا بِالسَّوَارِي ثُمَّ لَا نُطْلِقُهَا حَتَّى يَكُونَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يُطْلِقُنَا وَيَعْذُرُنَا وَأَوْثَقُوا أَنْفُسَهُمْ، وَبَقِيَ ثَلَاثَةٌ لَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسَهُمْ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ، فَمَرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ طَرِيقَهُ، فَأَبْصَرَهُمْ، فَسَأَلَ عَنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ تَخَلَّفُوا عَنْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَصَنَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَا تَرَى، وَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ لَا يُطْلِقُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تُطْلِقُهُمْ. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «لَا أُطْلِقُهُمْ حَتَّى أُومَرَ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَلَا أَعْذُرَهُمْ حَتَّى يَعْذُرَهُمُ اللَّهُ، قَدْ رَغِبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ الْمُسْلِمِينَ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] . . إِلَى: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ. فَأَطْلَقَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ وَعَذَرَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَبُو لُبَابَةَ خَاصَّةً وَذَنْبُهُ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ فَتِيبَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. ⦗٦٥٦⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ قَالَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ مَا قَالَ»
١١ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ أَبُو لُبَابَةَ إِذْ قَالَ لِقُرَيْظَةَ مَا قَالَ، أَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا ذَابِحُكُمْ إِنْ نَزَلْتُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] فَذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ نَزَلْتُمْ عَلَى حُكْمِهِ
١١ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «رَبَطَ أَبُو لُبَابَةَ نَفْسَهُ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: لَا أُحِلُّ نَفْسِي حَتَّى يُحِلَّنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: فَحَلَّهُ النَّبِيُّ ﷺ، وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا﴾ [التوبة: ١٠٢] . . الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بِسَبَبِ تُخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ. ⦗٦٥٧⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: “كَانَ أَبُو لُبَابَةَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَرَبَطَ نَفْسَهُ بِسَارِيَةٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُحِلُّ نَفْسِي مِنْهَا وَلَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتُ أَوْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقَ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ يَا أَبَا لُبَابَةَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُحِلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ يُحِلُّنِي قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهُ صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. قَالَ: «يُجْزِيكَ يَا أَبَا لُبَابَةَ الثُّلُثُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الْأَعْرَابَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ١٠٢] قَالَ: فَقَالَ إِنَّهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ»
١١ ‏/ ٦٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، يَقُولُ: «مَا فِي الْقُرْآنِ أَرْجَى عِنْدِي لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] . . إِلَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣]» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُعْتَرِفِينَ بِخَطَأَ فِعْلِهِمْ فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَرْكِهِمُ الْجِهَادَ مَعَهُ وَالْخُرُوجِ لِغَزْوِ الرُّومِ حِينَ شَخَصَ إِلَى تَبُوكَ، وَأَنَّ الَّذِينَ نَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ جَمَاعَةٌ أَحَدُهُمْ أَبُو لُبَابَةَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] فَأَخْبَرَ عَنِ اعْتِرَافِ جَمَاعَةً بِذُنُوبِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُعْتَرِفُ بِذَنَبِهِ الْمُوثِقُ نَفْسَهُ بِالسَّارِيَةِ فِي حِصَارِ قُرَيْظَةَ غَيْرَ أَبِي لُبَابَةَ وَحْدَهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تبارك وتعالى قَدْ وَصَفَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٢] بِالِاعْتِرَافِ بِذُنُوبِهِمْ جَمَاعَةً، عُلِمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ السَّبَبِ غَيْرُ الْوَاحِدِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ إِذَا لَمْ تَكُنْ إِلَّا لِجَمَاعَةٍ، وَكَانَ لَا جَمَاعَةَ فَعَلَتْ ذَلِكَ فِيمَا نَقَلَهُ أَهْلُ السَّيَرِ وَالْأَخْبَارِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ إِلَّا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ صَحَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَقُلْنَا: كَانَ مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ خُذْ مِنْ أَمْوَالِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ فَتَابُوا مِنْهَا صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: وَتُنَمِيهِمْ وَتَرْفَعُهُمْ عَنْ خَسِيسِ مَنَازِلِ أَهْلِ النِّفَاقِ بِهَا، إِلَى مَنَازِلِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ. ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: وَادْعُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِذُنُوبِهِمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ مِنْهَا. ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: إِنَّ دُعَاءَكَ وَاسْتِغْفَارَكَ طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْهُمْ وَقَبِلَ تَوْبَتَهُمْ ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمُ﴾ [البقرة: ٢٢٤] يًقُولُ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِدُعَائِكَ إِذَا دَعَوْتَ لَهُمْ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ خَلْقِهِ، عَلِيمٌ بِمَا تَطْلُبُ بِهِمْ بِدُعَائِكَ رَبَّكَ لَهُمْ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ عِبَادِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءُوا بِأَمْوَالِهِمْ يَعْنِي أَبَا لُبَابَةَ وَأَصْحَابَهُ حِينَ أُطْلِقُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنَّا وَاسْتَغْفَرْ لَنَا قَالَ: «مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] يَعْنِي بِالزَّكَاةِ: طَاعَةَ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصَ. ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ»
١١ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا لُبَابَةَ وَصَاحِبَيْهِ، انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ وَصَاحِبَاهُ بِأَمْوَالِهِمْ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: خُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَنَّا، وَصَلِّ عَلَيْنَا يَقُولُونَ: اسْتَغْفِرْ لَنَا وَطَهِّرْنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا آخُذُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى أُومَرَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جُزْءًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ»
١١ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: «لَمَّا أَطْلَقَ النَّبِيُّ ﷺ أَبَا لُبَابَةَ وَالَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا صَدَقَةً تُطَهِّرُنَا بِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] . . الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «قَالَ الَّذِينَ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي حِينَ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ طَهِّرْ أَمْوَالَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣]، وَكَانَ الثَّلَاثَةُ إِذَا اشْتَكَى أَحَدُهُمُ اشْتَكَى الْآخَرَانِ مِثْلَهُ، وَكَانَ عَمِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ، فَلَمْ يَزَلْ الْآخَرُ يَدْعُو حَتَّى عَمِيَ»
١١ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الْأَرْبَعَةُ: جَدُّ بْنُ ⦗٦٦١⦘ قَيْسٍ، وَأَبُو لُبَابَةَ، وَحَرَامٌ، وَأَوْسٌ، وَهُمُ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] أَيْ وَقَارٌ لَهُمْ. وَكَانُوا وَعَدُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يُنَفِقُوا وَيُجَاهِدُوا وَيَتَصَدَّقُوا»
١١ ‏/ ٦٦٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، قَالَ: «لَمَّا أَطْلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ أَبَا لُبَابَةَ وَأَصْحَابَهُ، أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ خُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا فَتَصَدَّقَ بِهِ عَنَّا، وَطَهِّرْنَا وَصَلِّ عَلَيْنَا يَقُولُونَ: اسْتَغْفِرْ لَنَا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: «لَا آخُذُ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا حَتَّى أُومَرَ فِيهَا» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] مِنْ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي أَصَابُوا. ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ. فَفَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ»
١١ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: ١٠٣] أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ. ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ لِذُنُوبِهِمُ الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا»
١١ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] قَالَ: هَؤُلَاءِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِمَّنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، اعْتَرَفُوا بِالنِّفَاقِ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِ ارْتَبْنَا وَنَافَقْنَا وَشَكَكْنَا، وَلَكِنْ تَوْبَةٌ جَدِيدَةٌ وَصَدَقَةٌ نُخْرِجُهَا مِنْ أَمْوَالِنَا فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام: ﴿خُذْ مِنْ ⦗٦٦٢⦘ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] بَعْدَ مَا قَالَ: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ رَفْعِ» تُزَكِّيهِمْ»، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: رَفَعَ «تُزَكِّيهِمْ بِهَا» فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مِنْ صِفَةِ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ جِئْتَ بِهَا تَوْكِيدًا، وَكَذَلِكَ «تُطَهِّرُهُمْ» . وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فَالِاخْتِيَارُ أَنْ تَجْزِمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ عَلَى الصَّدَقَةِ عَائِدٌ، ﴿وَتُزَكِّيهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] مُسْتَأْنَفٌ، وَإِنْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ تُطَهِّرُهُمْ، وَأَنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا جَازَ أَنْ تَجْزِمَ الْفِعْلَيْنِ وَتَرْفَعْهُمَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ أَنَّ قَوْلَهَ: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] مِنْ صِلَةِ «الصَّدَقَةِ»، لِأَنَّ الْقُرَّاءَ مُجْمِعَةٌ عَلَى رَفْعِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ صِلَةِ الصَّدَقَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] فَخَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ، بِمَعْنَى: وَأَنْتَ تُزَكِّيهِمْ بِهَا، فَلِذَلِكَ رَفَعَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَحْمَةٌ لَهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗٦٦٣⦘ عَبَّاسٍ، «﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] يَقُولُ: رَحْمَةٌ لَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: إِنَّ صَلَاتَكَ وَقَارٌ لَهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] أَيْ وَقَارٌ لَهُمْ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ: «إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ» بِمَعْنَى دَعَوَاتِكَ. وَقَرَأَ قُرَّاءُ الْعِرَاقِ وَبَعْضِ الْمَكِّيِّينَ: ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣] بِمَعْنَى إِنَّ دُعَاءَكَ. وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ عَلَى التَّوْحِيدِ رَأَوْا أَنَّ قِرَاءَتَهُ بِالتَّوْحِيدِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ مَعْنَى الْجَمْعِ وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لَهُمْ» إِذْ كَانَتِ الصَّلَوَاتُ هِيَ جَمَعٌ لِمَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ مِنَ الْعَدَدِ دُونَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالَّذِي قَالُوا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَمَا قَالُوا. وَبِالتَّوحِيدِ عِنْدَنَا الْقِرَاءَةُ لَا لِعِلَّةِ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَلَكِنِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْخَبَرُ عَنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَلَاتِهِ أَنَّهُ سَكَنٌ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا الْخَبَرُ عَنِ الْعَدَدِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ التَّوْحِيدُ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى
١١ ‏/ ٦٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٤] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّ قَبُولَ تَوْبَةِ مَنْ تَابَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِذَا أَعْطُوهَا لَيْسَا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ حِينَ أَبَى أَنْ يُطْلِقَ مَنْ رَبَطَ نَفْسَهُ بِالسَّوَارِي مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزْوِ مَعَهُ وَحِينَ تَرَكَ قَبُولَ صَدَقَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَطْلَقَ اللَّهُ عَنْهُمْ حِينَ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ ﷺ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ دُونَ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا إِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ تَرْكٍ وَإِطْلَاقٍ، وَأَخْذِ صَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوثِقُو أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، الْقَائِلُونَ لَا نُطْلِقُ أَنْفُسَنَا حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُنَا، السَّائِلُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخْذَ الصَّدَقَةِ أَمْوَالِهِمْ؛ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ أَوْ يَرُدُّهَا، وَيَأْخُذُ صَدَقَةَ مَنْ تَصَدَّقَ مِنْهُمْ، أَوْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ دُونَ مُحَمَّدٍ، فَيُوَجِّهُوا تَوْبَتَهُمْ وَصَدَقَتَهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَيَقْصُدُوا بِذَلِكَ قَصْدَ وَجْهِهِ دُونَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ، وَيُخْلِصُوا التَّوْبَةَ لَهُ وَيُرِيدُوهُ بِصَدَقَتِهِمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ؟ يَقُولُ: الْمُرْجِعُ بِعَبِيدِهِ إِلَى الْعَفْوِ عَنْهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَى طَاعَتِهِ، الرَّحِيمُ بِهِمْ إِذَا هُمْ أَنَابُوا إِلَى رِضَاهُ مِنْ عِقَابِهِ وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا
١١ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «قَالَ الْآخَرُونَ، يَعْنِي الَّذِينَ لَمْ يَتُوبُوا مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ: هَؤُلَاءِ؛ يَعْنِي الَّذِينَ ⦗٦٦٥⦘ تَابُوا كَانُوا بِالْأَمْسِ مَعَنَا لَا يُكَلَّمُونَ وَلَا يُجَالَسُونَ، فَمَا لَهُمْ؟ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٤]»
١١ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ – كَانَ يَأْتِي حَمَّادًا وَلَمْ يَجْلِسْ إِلَيْهِ قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ هُوَ قَتَادَةُ، أَوِ ابْنُ قَتَادَةَ رَجُلٌ مِنْ مُحَارِبٍ – قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ، وَكَانَ جَارَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ اللَّهِ، فَيَكُونُ هُوَ الَّذِي يَضَعُهَا فِي يَدِ السَّائِلِ. وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤]»
١١ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: “مَا تَصَدَّقَ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، وَهُو يَضَعُهَا فِي يَدِ السَّائِلِ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ⦗٦٦٦⦘ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِنَحْوِهِ
١١ ‏/ ٦٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤]»
١١ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمْ يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: ﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤] وَ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦]» حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْأَقْطَعِ الرَّقِّيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ»، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ إِذَا كَانَتْ مِنْ طَيِّبٍ، ⦗٦٦٧⦘ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ اللُّقْمَةِ، فَيُرَبِّيهَا اللَّهُ لَهُ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَصِيلَهُ أَوْ مُهْرَهُ، فَتَرْبُو فِي كَفِّ اللَّهِ أَوْ قَالَ فِي يَدِ اللَّهِ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ»
١١ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ١٠٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَتَصَدَّقُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ فَتَقَعُ فِي يَدِ السَّائِلِ حَتَّى تَقَعَ فِي يَدِ اللَّهِ»
١١ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿» وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٤] يَعْنِي إِنِ اسْتَقَامُوا “
١١ ‏/ ٦٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَقُلْ﴾ [آل عمران: ٢٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا لَكَ بِذُنُوبِهِمْ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَكَ: ﴿اعْمَلُوا﴾ [الأنعام: ١٣٥] لِلَّهِ بِمَا يُرْضِيهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، ﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ١٠٥] يَقُولُ: فَسَيَرَى اللَّهُ إِنْ عَمِلْتُمْ عَمَلَكُمْ، وَيَرَاهُ رَسُولُهُ. ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٥] فِي الدُّنْيَا ﴿وَسَتُرَدُّونَ﴾ [التوبة: ١٠٥] يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ سَرَائِرَكُمْ وَعَلَانِيَتَكُمْ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَاطِنِ أُمُورِكُمْ وَظَوَاهِرِهَا
١١ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: ١٠٥] قَالَ: هَذَا وَعِيدٌ»
١١ ‏/ ٦٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْكُمْ حِينَ شَخَصْتُمْ لِعَدُوِّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ آخَرُونَ. وَرَفَعَ قَوْلَهُ آخَرُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ١٠٢] . ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ﴾ [التوبة: ١٠٦] يَعْنِي مُرْجَئُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ، يُقَالُ مِنْهُ أَرْجَأْتُهُ أَرْجِئْهُ إِرْجَاءً وَهُو مُرْجَأٌ بِالْهَمْزِ وَتَرْكُ الْهَمِزِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَقَدْ قَرَأَتِ الْقُرَّاءُ بِهِمَا جَمِيعًا. وَقِيلَ: عَنِيَ بِهَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ نَفَرًا مِمَّنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَنَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ مَقْدِمِهِ، وَلَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي، فَأَرْجَأَ اللَّهُ أَمَرَهُمْ إِلَى أَنْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُمْ، فَتَابَ عَلَيْهِمْ
١١ ‏/ ٦٦٨
وَعَفَا عَنْهُمْ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «وَكَانَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ يَعْنِي مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ لَمْ يُوثِقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالسَّوَارِي أَرْجَئُوا سَبْتَةً لَا يَدْرُونَ أَيُعَذَّبُونَ أَوْ يُتَابُ عَلَيْهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ [التوبة: ١١٧] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١١٨]»
١١ ‏/ ٦٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَعْنِي مِنْ أَمْوَالِ أَبِي لُبَابَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ، وَبَقِيَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَبَا لُبَابَةَ، وَلَمْ يُوثِقُوا، وَلَمْ يُذْكَرُوا بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَنْزِلْ عُذْرُهُمْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ. وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٦] فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَلَكُوا إِذْ لَمْ يَنْزِلْ لَهُمْ عُذْرًا وَجَعَلَ آخَرُونَ يَقُولُونَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ فَصَارُوا مُرْجَئِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ
١١ ‏/ ٦٦٩
الْعُسْرَةِ﴾ [التوبة: ١١٧] الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ ﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ . ثُمَّ قَالَ: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة: ١١٨] يَعْنِي الْمُرْجَئِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ التَّوْبَةُ فَعُمُّوا بِهَا، فَقَالَ: ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٨] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١١٨]
١١ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦] قَالَ: هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا»
١١ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦] قَالَ: هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ»
١١ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦] هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ ⦗٦٧١⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٦٧٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦] هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنِ التَّوْبَةِ يُرِيدُ غَيْرَ أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ وَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ عُذْرَهُمْ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ. وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: هَلَكُوا حِينَ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ فِيهِمْ مَا أَنْزَلَ فِي أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَتَقُولُ فِرْقَةٌ أُخْرَى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانُوا مُرْجَئِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ رَحْمَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، فَقَالَ: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾ [التوبة: ١١٧] . . الْآيَةَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة: ١١٨] . . الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦] قَالَ: كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ»
١١ ‏/ ٦٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦] قَالَ: هُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا»
١١ ‏/ ٦٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَآخَرُونَ مُرْجَونَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٦] وَهُمُ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمَرَهُمْ حَتَّى أَتَتْهُمْ تَوْبَتُهُمْ مِنَ اللَّهِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٦] فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِمَّا أَنْ يَحْجِزَهُمُ اللَّهُ عَنِ التَّوْبَةِ بِخُذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ، فَيُعَذِّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي مَاتُوا عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ ﴿وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١٠٦] يَقُولُ: وَإِمَّا يُوَفِقُهُمْ لِلتَّوْبَةِ، فَيَتُوبُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ. ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٠٦] يَقُولُ: وَاللَّهُ ذُو عِلْمٍ بِأَمْرِهِمْ، وَمَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ، وَالْمُقَامِ عَلَى الذَّنْبِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِمْ وَتَدْبِيرِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ خَلْقِهِ، لَا يَدْخُلُ حُكْمَهُ خَلَلٌ
١١ ‏/ ٦٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: ١٠٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ ابْتَنُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا، وَهُمْ فِيمَا ذَكَرْنَا اثَنَا عَشَرَ نَفْسًا مِنَ الْأَنْصَارِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ
١١ ‏/ ٦٧٢
رُومَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا: “أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْنِي مِنْ تَبُوكَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي أَوَانَ، بَلَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ. وَكَانَ أَصْحَابُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ قَدْ كَانُوا أَتَوْهُ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِذِي الْعِلَّةِ وَالْحَاجَةِ وَاللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَاللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، وَإِنَّا نُحِبُّ أَنْ تَأْتِينَا فَتُصَلِّي لَنَا فِيهِ فَقَالَ: «إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ وَحَالِ شُغِلٍ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «وَلَوْ قَدْ قَدِمْنَا أَتَيْنَاكُمْ إِنَّ شَاءَ اللَّهُ فَصَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ» . فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي أَوَانَ أَتَاهُ خَبَرُ الْمَسْجِدِ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ أَخَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ أَوْ أَخَاهُ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: «انْطَلِقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الظَّالِمِ أَهْلُهُ فَاهْدِمَاهُ وَحَرِّقَاهُ» فَخَرَجَا سَرِيعِينَ حَتَّى أَتَيَا بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُمْ رَهْطُ مَالِكِ بْنِ الدُّخْشُمِ، فَقَالَ مَالِكُ لِمَعْنٍ: أَنْظِرْنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ بِنَارٍ مِنْ أَهْلِي فَدَخَلَ أَهْلَهُ فَأَخَذَ سَعَفًا مِنَ النَّخْلِ، فَأَشْعَلَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ خَرَجَا يَشْتَدَّانِ حَتَّى دَخَلَا الْمَسْجِدَ وَفِيهِ أَهْلُهُ، فَحَرِّقَاهُ وَهَدَمَاهُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ. وَنَزَلَ فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مَا نَزَلَ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ [التوبة: ١٠٧] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثَنِي عَشَرَ رَجُلًا: خِذَامُ بْنُ خَالِدٍ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ دَارِهِ أَخْرَجَ مَسْجِدَ الشِّقَاقِ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَهُو إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَمُعْتَبُ بْنُ قُشَيْرٍ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبُوحَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبَّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو
١١ ‏/ ٦٧٣
بْنِ عَوْفٍ، وَجَارِيَةُ بْنُ عَامِرٍ وَابْنَاهُ: مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ، وَزَيْدُ بْنُ جَارِيَةَ، وَنَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُمْ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبَحْزَجُ وَهُو إِلَى بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَبِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُو مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ، وَوَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُو إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ رَهْطِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ” فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالَّذِينَ ابْتَنُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكُفْرًا بِاللَّهِ لِمُحَادَّتِهِمْ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَيُفَرِّقُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ بَعْضُهُمْ دُونَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَبَعْضُهُمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَخْتَلِفُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَفْتَرِقُوا. ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة: ١٠٧] يَقُولُ: وَإِعْدَادًا لَهُ، لِأَبِي عَامِرِ الْكَافِرِ الَّذِي خَالَفَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكَفَرَ بِهِمَا وَقَاتَلَ رَسُولَ اللَّهِ. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَعْنِي مِنْ قَبْلِ بِنَائِهِمْ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ. وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَامِرٍ هُوَ الَّذِي كَانَ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ، يَعْنِي حَزَّبَ الْأَحْزَابَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا خَذَلَهُ اللَّهُ، لَحِقَ بِالرُّومِ يَطْلُبُ النَّصْرَ مِنْ مَلِكِهِمْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ يَأْمُرُهُمْ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الَّذِي كَانُوا بَنَوْهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ فِيمَا يَزْعُمُ إِذَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ؛ فَفَعَلُوا ذَلِكَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ
١١ ‏/ ٦٧٤
وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى﴾ [التوبة: ١٠٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَيَحْلِفُنَّ بَانُوهُ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى بِبِنَائِنَا إِلَّا الرِّفْقَ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْمَنْفَعَةَ وَالتَّوْسِعَةَ عَلَى أَهْلِ الضَّعْفِ وَالْعِلَّةَ وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْمَسِيرِ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِلصَّلَاةِ فِيهِ. وَتِلْكَ هِيَ الْفَعْلَةُ الْحَسَنَةُ. ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: ١٠٧] فِي حَلِفِهِمْ ذَلِكَ، وَقِيلِهِمْ مَا بَنَيْنَاهُ إِلَّا وَنَحْنُ نُرِيدُ الْحُسْنَى، وَلَكِنَّهُمْ بَنَوْهُ يُرِيدُونَ بِبِنَائِهِ السُّوأَى ضِرَارًا لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكُفْرًا بِاللَّهِ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْصَادًا لِأَبِي عَامِرٍ الْفَاسِقِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ [التوبة: ١٠٧] وَهُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ابْتَنَوْا مَسْجِدًا، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو عَامِرٍ: ابْنُوا مَسْجِدَكُمْ، وَاسْتَعِدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ سِلَاحٍ، فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى قَيْصَرِ مَلَكِ الرُّومِ فَآتِي بِجُنْدٍ مِنَ الرُّومِ فَأُخْرِجُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ مَسْجِدِهِمْ أَتَوْا النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام، فَقَالُوا: قَدْ فَرَغْنَا مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدِنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وَتَدْعُو لَنَا بِالْبَرَكَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ [التوبة: ١٠٨] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ ⦗٦٧٦⦘ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٠٩]»
١١ ‏/ ٦٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَسْجِدَ قُبَاءٍ، خَرَجَ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْهُمْ بَخْدَجُ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَوَدِيعَةَ بْنِ حِزَامٍ، وَمُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ، فَبَنَوْا مَسْجِدَ النِّفَاقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِبَخْدَجٍ: «وَيْلَكَ مَا أَرَدْتَ إِلَى مَا أَرَى؟» فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْحُسْنَى وَهُو كَاذِبٌ. فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَرَادَ أَنْ يَعْذِرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ١٠٧] يَعْنِي رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ كَانَ مُحَارِبًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ قَدِ انْطَلَقَ إِلَى هِرَقْلِ، فَكَانُوا يَرْصُدُونَ أَبَا عَامِرٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ مُحَارِبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: ١٠٧]»
١١ ‏/ ٦٧٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ انْطَلَقَ إِلَى قَيْصَرِ، فَقَالُوا: إِذَا جَاءَ يُصَلِّي فِيهِ. كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى ⦗٦٧٧⦘ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١١ ‏/ ٦٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ” ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ الْمُنَافِقُونَ لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لِأَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٦٧٧
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقَ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: هُوَ أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٦٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: هُمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ»
١١ ‏/ ٦٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، ⦗٦٧٨⦘ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: هُمْ حَيُّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ»
١١ ‏/ ٦٧٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: هُمْ حَيُّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ»
١١ ‏/ ٦٧٨
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ١٠٧] أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ، فَقَالَ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ: إِنَّمَا بَنَيْنَاهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ أَبُو عَامِرٍ»
١١ ‏/ ٦٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ [التوبة: ١٠٧] . . الْآيَةَ، عَمَدَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، فَابْتَنُوا مَسْجِدًا بِقُبَاءٍ لِيُضَاهُوا بِهِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ دَعَا بِقَمِيصِهِ لِيَأْتِيَهُمْ حَتَّى أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ١٠٧] فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ، فَرَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ فَقَتَلُوهُ بِإِسْلَامِهِ، قَالَ: إِذَا جَاءَ صَلَّى فِيهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى﴾ [التوبة: ١٠٨] . . الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٧٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا﴾ [التوبة: ١٠٧] هُمْ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَنَوْا مَسْجِدًا بِقُبَاءٍ يُضَارُّونَ بِهِ نَبِيَّ اللَّهِ وَالْمُسْلِمِينَ. ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ١٠٧] كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا رَجَعَ أَبُو عَامِرٍ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ مِنَ الرُّومِ صَلَّى فِيهِ. وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا قَدِمَ ظَهَرَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ»
١١ ‏/ ٦٧٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: مَسْجِدَ قُبَاءٍ، كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ كُلُّهُمْ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْمُنَافِقِينَ، يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ أَبُو حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ، وَصَيفِيِّ وَأَخِيهِ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ. فَخَرَجَ أَبُو عَامِرٍ هَارِبًا هُوَ وَابْنُ بَالِينَ مِنْ ثَقِيفٍ وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ مِنْ قَيْسٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى لَحِقُوا بِصَاحِبِ الرُّومِ. فَأَمَّا عَلْقَمَةُ وَابْنُ بَالِينَ فَرَجَعَا فَبَايَعَا النَّبِيَّ ﷺ وَأَسْلَمَا، وَأَمَّا أَبُو عَامِرٍ فَتَنَصَّرَ وَأَقَامَ. قَالَ: وَبَنَى نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ ⦗٦٨٠⦘ لِأَبِي عَامِرٍ، قَالُوا: حَتَّى يَأْتِي أَبُو عَامِرٍ يُصَلِّي فِيهِ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ جَمِيعًا فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ. وَجَاءُوا يَخْدَعُونَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رُبَّمَا جَاءَ السَّيْلُ يَقْطَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْوَادِي وَيَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ فَنُصَلِّي فِي مَسْجِدِنَا فَإِذَا ذَهَبَ السَّيْلُ صَلَّيْنَا مَعَهُمْ قَالَ: وَبْنَوْهُ عَلَى النِّفَاقِ. قَالَ: وَانْهَارَ مَسْجِدُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: وَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ النَّتِنَ وَالْقِمَامَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ١٠٧] لِئَلَّا يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ، ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة: ١٠٧] أَبِي عَامِرٍ، ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: ١٠٧]»
١١ ‏/ ٦٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا هَارُونُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ لَيْثٍ: «أَنَّ شَقِيقًا، لَمْ يُدْرِكْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَامِرٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ لَمْ يُصَلُّوا بَعْدُ فَقَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى ضِرَارٍ، وَكُلُّ مَسْجِدٍ بُنِيَ ضِرَارًا أَوْ رِيَاءً أَوْ سُمْعَةً فَإِنَّ أَصْلَهُ يَنْتَهِي إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ عَلَى ضِرَارٍ»
١١ ‏/ ٦٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا تَقُمْ يَا مُحَمَّدُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. ثُمَّ أَقْسَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ: ﴿لِمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ﴾ [التوبة: ١٠٨] أَنْتَ فِيهِ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى﴾ [التوبة: ١٠٨] ابْتُدِئَ أَسَاسُهُ وَأَصْلُهُ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ابْتُدِئَ فِي بِنَائِهِ ﴿أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ [التوبة: ١٠٨] يَقُولُ: أَوْلَى أَنْ تَقُومَ فِيهِ مُصَلِّيًا. وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ [التوبة: ١٠٨] مَبْدَأُ أَوَّلِ يَوْمٍ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لَمْ أَرَهُ مِنْ يَوْمِ كَذَا، بِمَعْنَى مَبْدَؤُهُ، وَمِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ يُرَادُ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَيَّامِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَقِيتُ كُلَّ رَجُلٍ، بِمَعْنَى كُلِّ الرِّجَالِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ [التوبة: ١٠٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي فِيهِ مِنْبَرُهُ وَقَبْرُهُ الْيَوْمَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ ⦗٦٨٢⦘ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي، أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، أَيُّ مَسْجِدٍ هُوَ؟ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَسْجِدُ قُبَاءٍ؟ قَالَ: «لَا، مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ»
١١ ‏/ ٦٨١
قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالُوا: «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى: مَسْجِدُ الرَّسُولِ»
١١ ‏/ ٦٨٢
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ»
١١ ‏/ ٦٨٢
قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ ﷺ»
١١ ‏/ ٦٨٢
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدٍ، قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ»
١١ ‏/ ٦٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا حُمَيْدٌ الْخَرَّاطُ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: مَرَّ بِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: كَيْفَ سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ فَقَالَ لِي: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: «فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءِ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا» هَكَذَا سَمِعْتُ أَبَاكَ يَذْكُرُهُ»
١١ ‏/ ٦٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى: هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ الْأَعْظَمِ»
١١ ‏/ ٦٨٣
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «إِنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، هُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ الْأَكْبَرِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: الْأَعْظَمُ
١١ ‏/ ٦٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ ﷺ»
١١ ‏/ ٦٨٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «مَسْجِدُ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنِيَ بِذَلِكَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ،. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٨٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ [التوبة: ١٠٨] يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٦٨٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، «﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ [التوبة: ١٠٨] هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ»
١١ ‏/ ٦٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: «مَسْجِدُ قُبَاءٍ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، بَنَاهُ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ»
١١ ‏/ ٦٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى: مَسْجِدُ قُبَاءٍ»
١١ ‏/ ٦٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، «الَّذِينَ بُنِيَ فِيهِمُ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ ﷺ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٨٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: ثَنَا وَكِيعٌ، وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ، ثَنَا أَبِي، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: “اخْتَلَفَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ؛ وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ. فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَاهُ، فَقَالَ: «هُوَ مَسْجِدِي» هَذَا اللَّفْظُ ⦗٦٨٦⦘ لِحَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، وَحَدِيثُ سُفْيَانَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٦٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ: «مَسْجِدِي هَذَا»
١١ ‏/ ٦٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، وَقَالَ آخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» حَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: تَمَارَى رَجُلَانِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٦٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي سَحْبَلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّيَ، أُنَيْسَ بْنَ أَبِي يَحْيَى يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدِي هَذَا، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
١١ ‏/ ٦٨٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أُنَيْسُ بْنُ أَبِي يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي خُدْرَةَ، وَرَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ امْتَرَيَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، ⦗٦٨٨⦘ فَقَالَ الْخُدْرِيُّ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ ﷺ وَسَأَلَاهُ، فَقَالَ: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ»
١١ ‏/ ٦٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يُنَظِّفُوا مَقَاعِدَهُمْ بِالْمَاءِ إِذَا أَتَوْا الْغَائِطَ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا الطُّهُورُ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ»
١١ ‏/ ٦٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِأَهْلِ قُبَاءٍ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ، فَمَا ⦗٦٨٩⦘ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: إِنَّا نَغْسِلُ عَنَّا أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ “
١١ ‏/ ٦٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨] قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِيهِ؟» قَالُوا: إِنَّا نَسْتَطِيبُ بِالْمَاءِ إِذَا جِئْنَا مِنَ الْغَائِطِ “
١١ ‏/ ٦٨٩
حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ الْكُرْدِيِّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ سَيَّارِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: قَامَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَلَا أَخْبِرُونِي، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطَّهُورِ خَيْرًا» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُ عِنْدَنَا مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ “
١١ ‏/ ٦٨٩
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيَّارًا أَبَا الْحَكَمِ غَيْرَ مَرَّةٍ، يُحَدِّثُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَهْلِ قُبَاءٍ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطَّهُورِ خَيْرًا»، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨] قَالُوا: إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عِنْدَنَا فِي التَّوْرَاةِ: الِاسْتِنْجَاءُ ⦗٦٩٠⦘ بِالْمَاءِ “
١١ ‏/ ٦٨٩
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ يَحْيَى: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَهْلِ قُبَاءٍ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ خَيْرًا» قَالُوا: إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ: الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ. وَفِيهِ نَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨]
١١ ‏/ ٦٩٠
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ الْيَشْكُرِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، وَكَانَ، مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَهْلِ قُبَاءٍ: «إِنِّي أَسْمَعُ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ، فَمَا هَذَا الطُّهُورُ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا أَنَّ جِيرَانًا لَنَا مِنَ الْيَهُودِ رَأَيْنَاهُمْ يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الْغَائِطِ، فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا “
١١ ‏/ ٦٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ، يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: «﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] قَالَ: كَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الْغَائِطِ»
١١ ‏/ ٦٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨]»
١١ ‏/ ٦٩١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي؟ (وَهُو مُحْرِمٌ) قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿» إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢]
١١ ‏/ ٦٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا حَفْصٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَهْلِ قُبَاءٍ «مَا هَذَا الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ؟» قَالُوا: مَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُو يَسْتَنْجِي مِنَ الْخَلَاءِ “
١١ ‏/ ٦٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ ⦗٦٩٢⦘ الْمَدَنِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِعُوَيمِ بْنِ سَاعِدَةَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨]» قَالَ: نُوشِكُ أَنْ نَغْسِلَ الْأَدْبَارَ بِالْمَاءِ
١١ ‏/ ٦٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: «بَدْءُ حَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ، قَالُوا: نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ»
١١ ‏/ ٦٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَمَعْنِ بْنِ عَدِيٍّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَأَبِي الدَّحْدَاحِ، فَأَمَّا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، فَهُوَ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نِعْمَ الرِّجَالُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ» لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ سَمَّى مِنْهُمْ رَجُلًا غَيْرَ عُوَيْمٍ “
١١ ‏/ ٦٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ ⦗٦٩٣⦘ حَسَّانَ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ فِي أَمْرِ الطُّهُورِ، فَأَثْنَى بِهِ عَلَيْكُمْ؟» قَالُوا: نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ»
١١ ‏/ ٦٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَيَّارًا أَبَا الْحَكَمِ يُحَدِّثُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، أَوْ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ خَيْرًا أَفَلَا تُخْبِرُونِي؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَجِدُ عَلَيْنَا مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ: الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨]
١١ ‏/ ٦٩٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨] سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا طُهُورُكُمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ نَدَعْهُ؛ قَالَ: «فَلَا تَدَعُوهُ»
١١ ‏/ ٦٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «كَانَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُوَضِّئُونَ سَفِلَتَهُمْ بِالْمَاءِ يَدْخُلُونَ النَّخْلَ، وَالْمَاءُ يَجْرِي، فَيَتَوَضِّئُونَ. فَأَثْنَى اللَّهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ [التوبة: ١٠٨] . . الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٦٩٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «⦗٦٩٤⦘ أَحْدَثَ قَوْمٌ الْوَضُوءَ بِالْمَاءِ مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨]» وَقِيلَ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨] وَإِنَّمَا هُوَ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَلَكَنْ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، فَجُعِلَتْ طَاءٌ مُشَدَّدَةٌ لِقُرْبِ مَخْرَجِ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى
١١ ‏/ ٦٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٠٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ [التوبة: ١٠٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: «أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمَّنْ أُسِّسَ بُنْيَانُهُ» عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلُهُ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا. وَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: «﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ [التوبة: ١٠٩] «عَلَى وَصْفٍ مِنْ بِنَاءِ الْفَاعِلِ الَّذِي أَسَّسَ بُنْيَانَهُ. وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيِّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ غَيْرَ أَنَّ قِرَاءَتَهُ بِتَوْجِيهِ الْفِعْلِ إِلَى» مَنْ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُؤَسِّسُ أَعْجَبُ إِلَيَّ،
١١ ‏/ ٦٩٤
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامُ إِذًا: أَيُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَنُوا الْمَسَاجِدَ خَيْرٌ أَيُّهَا النَّاسُ عِنْدَكُمُ، الَّذِينَ ابْتَدَءُوا بِنَاءَ مَسْجِدِهِمْ عَلَى اتِّقَاءِ اللَّهِ بِطَاعَتِهِمْ فِي بِنَائِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَرِضًا مِنَ اللَّهِ لِبِنَائِهِمْ مَا بَنُوهُ مِنْ ذَلِكَ، وَفِعْلِهِمْ مَا فَعَلُوهُ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِينَ ابْتَدَءُوا بِنَاءَ مَسْجِدِهِمْ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَى شَفَا جُرُفٍ﴾ [التوبة: ١٠٩] عَلَى حَرْفِ جَرٍّ، وَالْجُرُفُ مِنَ الرَّكِيِّ مَا لَمْ يُبْنَ لَهُ جُولٌ. ﴿هَارٍ﴾ [التوبة: ١٠٩] يَعْنِي مُتَهَوَّرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ هَائِرٌ وَلَكَنَّهُ قُلِبَ، فَأُخِّرَتْ يَاؤُهَا، فَقِيلَ هَارٍ كَمَا قِيلَ: هُوَ شَاكِ السِّلَاحَ وَشَائِكِ، وَأَصْلُهُ مِنْ هَارِ يَهُورُ فَهُوَ هَائِرٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ هَارِ يَهَارُ: إِذَا انْهَدَمَ، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ قَالَ: هَرْتَ يَا جُرُفُ؛ وَمَنْ جَعَلَهُ مِنْ هَارِ يَهُورُ قَالَ: هُرْتُ يَا جُرُفُ؛ وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيُّ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ، وَأَيُّ هَذَيْنِ الْبِنَاءَيْنِ أَثْبَتْ، أَمَّنِ ابْتَدَأَ أَسَاسَ بِنَائِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعُلِمَ مِنْهُ بِأَنَّ بِنَاءَهُ لِلَّهِ طَاعَةً وَاللَّهُ بِهِ رَاضٍ، أَمْ مَّنِ ابْتَدَأَهُ بِنِفَاقٍ وَضَلَالٍ وَعَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنْهُ بِصَوَابِ فِعْلِهِ مِنْ خَطَئِهِ، فَهُوَ لَا يَدْرِي مَتَى يَتَبَيَّنُ لَهُ خَطَأَ فِعْلِهِ وَعَظِيمَ ذَنْبِهِ فَيَهْدُمُهُ، كَمَا يَأْتِي
١١ ‏/ ٦٩٥
الْبِنَاءُ عَلَى جُرُفٍ رَكِيَّةً لَا حَابِسٌ لِمَاءِ السُّيُولِ عَنْهَا وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ تَرَى بِهِ التُّرَابُ مُتَنَاثِرًا لَا تَلْبَثُ السُّيُولُ أَنْ تَهْدِمَهُ وَتَنْثِرَهُ؟ يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ١٠٩] يَعْنِي فَانْتَثَرَ الْجُرُفُ الْهَارِي بِبِنَائِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. كَمَا
١١ ‏/ ٦٩٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «فَانْهَارَ بِهِ قَوَاعِدُهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ»
١١ ‏/ ٦٩٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَانْهَارَ بِهِ﴾ [التوبة: ١٠٩] يَقُولُ: فَخَرَّ بِهِ»
١١ ‏/ ٦٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٩]،. إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ١٠٩] قَالَ: وَاللَّهِ مَا تَنَاهَى أَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ حُفِرَتْ بُقْعَةٌ مِنْهُ فَرُئِيَ مِنْهَا الدُّخَانُ»
١١ ‏/ ٦٩٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ اسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ ﷺ فِي بُنْيَانِهِ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَفَرَغُوا مِنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا فِيهِ الْجُمُعَةَ وَيَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ. قَالَ: وَانْهَارَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ قَدِ اسْتَنْظَرَهُمْ ثَلَاثًا: السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالْإِثْنَيْنِ، فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، مَسْجِدُ الْمُنَافِقِينَ انْهَارَ فَلَمْ يُتَنَاهَ دُونَ أَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا حَفَرُوا فِيهِ، فَأَبْصَرُوا الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ»
١١ ‏/ ٦٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ [التوبة: ١٠٧] قَالَ: رَأَيْتُ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ضِرَارًا يَخْرُجُ مِنْهُ الدُّخَانُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ»
١١ ‏/ ٦٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ، قَالَ: ثَنِي طَلْقُ الْعَنَزِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَارِ»
١١ ‏/ ٦٩٧
حَدَّثَنِي سَلَّامُ بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: ثَنَا خَلَفُ بْنُ يَاسِينَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ أَبِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَعْنِي زَمَانَ بَنِي أُمَيَّةَ فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ مَسْجِدَ الْقِبْلَتَيْنِ يَعْنِي مَسْجِدَ الرَّسُولِ وَفِيهِ قِبْلَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالُوا: يَدْخُلُ الْجَاهِلُ فَلَا يَعْرِفُ الْقِبْلَةَ، فَهَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي يَرَوْنَ جَرَى عَلَى ⦗٦٩٨⦘ يَدِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ. وَرَأَيْتُ مَسْجِدَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، وَفِيهِ حُجْرٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الدُّخَانُ، وَهُو الْيَوْمَ مَزْبَلَةٌ» قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٠٩] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِلْرَشَادِ فِي أَفْعَالِهِ مَنْ كَانَ بَانِيًا بِنَاءَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَمَوْضِعِهِ، وَمَنْ كَانَ مُنَافِقًا مُخَالِفًا بِفِعْلِهِ أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ
١١ ‏/ ٦٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَزَالُ بُنْيَانُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا ﴿رِيبَةً﴾ [التوبة: ١١٠] يَقُولُ: لَا يَزَالُ مَسْجِدُهُمُ الَّذِي بَنَوْهُ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، يَعْنِي شَكًّا وَنِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ، يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي بِنَائِهِ مُحْسِنِينَ. ﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] يَعْنِي إِلَّا أَنْ تَتَصَدَّعَ قُلُوبُهُمْ فَيَمُوتُوا، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ مِنْ شَكِّهِمْ فِي دِينِهِمْ وَمَا قَصَدُوا فِي بِنَائِهِمْ وَأَرَادُوهُ وَمَا إِلَيْهِ صَائِرٌ أَمْرُهُمْ فِي الْآخَرِ وَفِي الْحَيَاةِ مَا عَاشُوا، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ غَيْرِهِمْ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ وَتَدْبِيرِ جَمِيعَ خَلْقِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٦٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١١٠] يَعْنِي شَكًّا ﴿إِلَّا أَنْ ⦗٦٩٩⦘ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] يَعْنِي الْمَوْتَ»
١١ ‏/ ٦٩٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَ: شَكًّا فِي قُلُوبِهِمْ، ﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا»
١١ ‏/ ٦٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] يَقُولُ: حَتَّى يَمُوتُوا»
١١ ‏/ ٦٩٩
حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَ: إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا»
١١ ‏/ ٦٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَ: يَمُوتُوا»
١١ ‏/ ٦٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٧٠٠⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَ: يَمُوتُوا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٦٩٩
قَالَ: ثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، «﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَا: شَكًّا فِي قُلُوبِهِمْ»
١١ ‏/ ٧٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سِنَانٍ، عَنْ حَبِيبٍ، «﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَ: غَيْظًا فِي قُلُوبِهِمْ»
١١ ‏/ ٧٠٠
قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَ: يَمُوتُوا»
١١ ‏/ ٧٠٠
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ حَبِيبٍ، «﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ١١٠] إِلَّا أَنْ يَمُوتُوا»
١١ ‏/ ٧٠٠
قَالَ: ثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ١١٠] قَالَ: كُفْرٌ. قُلْتُ: أَكَفَرَ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهَا حَزَازَةٌ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …