سُورَةُ التَّوْبَةِ 3

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ سَلْمَانَ الْأَقْصُرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [التوبة: ٥٥] قَالَ: بِأَخْذِ الزَّكَاةِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى»
١١ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [التوبة: ٥٥] بِالْمَصَائِبِ فِيهَا، هِيَ لَهُمْ عَذَابٌ وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْرٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ التَّنْزِيلِ، فَصَرْفُ تَأْوِيلِهِ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرَهُ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إِلَى بَاطِنٍ لَا دَلَالَةَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا وَجَّهَ مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى التَّقْدِيمِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ لِتَعْذِيبِ اللَّهِ الْمُنَافِقِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَجْهًا يُوَجِّهْهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: كَيْفَ يُعَذِّبُهُمْ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لَهُمْ فِيهَا سُرُورٌ، وَذَهَبَ عَنْهُ تَوْجِيهُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ عَظِيمِ الْعَذَابِ عَلَيْهِ إِلْزَامُهُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ حُقُوقِهِ وَفَرَائِضِهِ؛ إِذْ كَانَ يَلْزَمُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ طَيِّبِ النَّفْسِ، وَلَا راجٍ مِنَ اللَّهِ جَزَاءً وَلَا مِنَ الْآخِذِ مِنْهُ حَمْدًا وَلَا شُكْرًا عَلَى ضَجَرٍ مِنْهُ وَكُرْهٍ
١١ ‏/ ٥٠١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٥٥] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَتَخْرُجَ أَنْفُسُهُمْ، فَيَمُوتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَجُحُودِهِمْ نُبُوَّةَ نَبِيِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، يُقَالُ مِنْهُ: زَهَقَتْ نَفْسُ فُلَانٍ، وَزَهِقَتْ، فَمَنْ قَالَ: زَهَقَتْ، قَالَ: تَزْهَقُ، وَمَنْ قَالَ: زَهِقَتْ، قَالَ: تَزْهِقُ زُهُوقًا، وَمِنْهُ قِيلَ: زَهِقَ فُلَانٌ بَيْنَ أَيْدِي الْقَوْمِ يَزْهَقُ زُهُوقًا: إِذَا سَبَقَهُمْ فَتَقَدَّمَهُمْ، وَيُقَالُ: زَهَقَ الْبَاطِلُ: إِذَا ذَهَبَ وَدُرِسَ
١١ ‏/ ٥٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ [التوبة: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا خَوْفًا مِنْكُمْ، إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مُكَذِّبًا لَهُمْ: ﴿وَمَا هُمْ مِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٥٦] أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ، بَلْ هُمْ أَهْلُ شَكٍّ وَنِفَاقٍ. ﴿وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ [التوبة: ٥٦] يَقُولُ: وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَخَافُونَكُمْ، فَهُمْ خَوْفًا مِنْكُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ: إِنَّا مِنْكُمْ؛ لِيَأْمَنُوا فِيكُمْ فَلَا يُقْتَلُوا
١١ ‏/ ٥٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ [التوبة: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ يَجِدُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مَلْجَأً، يَقُولُ: عَصَرًا يَعْتَصِرُونَ بِهِ مِنْ حِصْنٍ، وَمَعْقِلًا يَعْتَقِلُونَ فِيهِ مِنْكُمْ. ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ [التوبة: ٥٧] وَهِيَ الْغِيرَانُ فِي الْجِبَالِ، وَاحِدَتُهَا: مَغَارَةُ، وَهِيَ مَفْعَلَةٌ مِنْ غَارَ الرَّجُلُ فِي الشَّيْءِ
١١ ‏/ ٥٠٢
يَغُورُ فِيهِ إِذَا دَخَلَ، وَمِنْهُ قِيلَ: غَارَتِ الْعَيْنُ: إِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَدَقَةِ. ﴿أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] يَقُولُ: سَرَبًا فِي الْأَرْضِ يَدْخُلُونَ فِيهِ، وَقَالَ: أَوْ مُدَّخَلًا الْآيَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنَ ادَّخَلَ يَدَّخِلُ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَوَلَّوْا إِلَيْهِ﴾ [التوبة: ٥٧] يَقُولُ: لَأَدْبَرُوا إِلَيْهِ هَرَبًا مِنْكُمْ. ﴿وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ [التوبة: ٥٧] يَقُولُ: وَهُمْ يُسَارِعُونَ فِي مَشْيِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْجِمَاحَ مَشْي بَيْنَ الْمَشْيَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهِلٍ:
[البحر البسيط] لَقَدْ جَمَحْتُ جِمَاحًا فِي دِمَائِهِمُ … حَتَّى رَأَيْتُ ذَوِي أَحْسَابِهِمْ خَمَدوا
وَإِنَّمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَقَامُوا بَيْنَ أَظْهُرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ، وَلِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي قَوْمِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَفِي دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ وَفِرَاقِهِ، فَصَانَعُوا الْقَوْمَ بِالنِّفَاقِ وَدَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ بِالْكُفْرِ وَدَعْوَى الْإِيمَانِ، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مَا فِيهَا مِنَ الْبُغْضِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَدَاوَةِ لَهُمْ، فَقَالَ اللَّهُ وَاصِفَهُمْ بِمَا فِي ضَمَائِرِهِمْ: ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ [التوبة: ٥٧] الْآيَةَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً﴾ [التوبة: ٥٧] الْمَلْجَأُ: الْحِرْزُ فِي الْجِبَالِ، وَالْمَغَارَاتُ: الْغِيرَانُ فِي الْجِبَالِ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] وَالْمُدَّخَلُ: السَّرَبُ»
١١ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ [التوبة: ٥٧] مَلْجَأً، يَقُولُ: حِرْزًا ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ [التوبة: ٥٧] يَعْنِي الْغِيرَانَ. ﴿أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] يَقُولُ: ذَهَابًا فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ النَّفَقُ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ السَّرَبُ»
١١ ‏/ ٥٠٤
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] قَالَ: حِرْزًا لَهُمْ يَفِرُّونَ إِلَيْهِ مِنْكُمْ»
١١ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] قَالَ: مَحْرِزًا لَهُمْ، لَفَرَّوْا إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً﴾ [التوبة: ٥٧] حِرْزًا أَوْ مَغَارَاتٍ، قَالَ: الْغِيرَانُ. ﴿أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] قَالَ: نَفَقًا فِي الْأَرْضِ»
١١ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا: يَزِيدُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ ⦗٥٠٥⦘ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] يَقُولُ: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً: حُصُونًا ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ [التوبة: ٥٧] غِيرَانًا. ﴿أَوْ مُدَّخَلًا﴾ [التوبة: ٥٧] أَسْرَابًا. ﴿لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ [التوبة: ٥٧]»
١١ ‏/ ٥٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ [التوبة: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ ﴿مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] يَقُولُ: يَعِيبُكَ فِي أَمْرِهَا وَيَطْعَنُ عَلَيْكَ فِيهَا، يُقَالُ مِنْهُ: لَمَزَ فُلَانًا يَلْمِزُهُ، وَيَلْمُزُهُ: إِذَا عَابَهُ وَقَرَصَهُ، وَكَذَلِكَ هَمَزَهُ. وَمِنْهُ قِيلَ: فُلَانٌ هُمَزَةٌ لُمَزَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز] قَارَبْتُ بَيْنَ عَنَقِي وَجَمْزِي … فِي ظِلِّ عَصْرَيْ بَاطِلِي وَلَمْزِي
وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] إِذَا لَقِيتُكَ تُبْدِي لِي مُكَاشَرَةً … وَأَنْ أَغِيبَ فَأَنْتَ الْعَائِبُ اللُّمَزَهْ
١١ ‏/ ٥٠٥
﴿فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا﴾ [التوبة: ٥٨] يَقُولُ: لَيْسَ بِهِمْ فِي عَيْبِهِمْ إِيَّاكَ فِيهَا وَطَعْنِهِمْ عَلَيْكَ بِسَبَبِهَا الدِّينُ، وَلَكِنِ الْغَضَبُ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ أَنْتَ أَعْطَيْتَهُمْ مِنْهَا مَا يُرْضِيهِمْ رَضُوا عَنْكَ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تُعْطِهِمْ مِنْهُمْ سَخِطُوا عَلَيْكَ وَعَابُوكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] قَالَ: يَرُوزُكَ»
١١ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] يَرُوزُكَ وَيَسْأَلُكَ»
١١ ‏/ ٥٠٦
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، قَالَ: قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِصَدَقَةٍ، فَقَسَمَهَا هَاهُنَا وَهَاهُنَا حَتَّى ذَهَبَتْ، قَالَ: وَرَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: مَا هَذَا بِالْعَدْلِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ»
١١ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: “﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] يَقُولُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْكَ فِي الصَّدَقَاتِ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِأَعْرَابِيَّةٍ، أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَقْسِمُ ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَعْدِلَ مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «⦗٥٠٧⦘ وَيْلَكَ فَمَنْ ذَا يَعْدِلُ عَلَيْكَ بَعْدِي؟» ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «احْذَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهَهُ، فَإِنَّ فِي أُمَّتِي أَشْبَاهَ هَذَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ» . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُعْطِيكُمْ شَيْئًا وَلَا أَمْنَعُكُمُوهُ إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ»
١١ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] قَالَ: يَطْعَنُ»
١١ ‏/ ٥٠٧
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْسِمُ قَسْمًا؛ إِذْ جَاءَهُ ابْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: «دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ فِي قُذَذِهِ فَلَا يَنْظُرُ شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي نَصْلِهِ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي رَصَافِهِ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى يَدَيْهِ أَوْ قَالَ: يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ النَّاسِ». قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٥٨] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا مِنْ ⦗٥٠٨⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ قَتَلَهُمْ جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ [التوبة: ٥٨] قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا يُعْطِيهَا مُحَمَّدٌ إِلَّا مَنْ أَحَبَّ وَلَا يُؤْثِرُ بِهَا إِلَّا هَوَاهُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَتْ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لَيْسَ مِنْ مُحَمَّدٍ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٥٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءَ الَّذِينَ يَلْمِزُونَكَ يَا مُحَمَّدُ فِي الصَّدَقَاتِ رَضُوا مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ عَطَاءٍ وَقَسْمٍ لَهُمْ مَنْ قَسَمَ ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١٧٣] يَقُولُ: وَقَالُوا: كَافِينَا اللَّهُ ﴿سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٥٩] يَقُولُ: سَيُعْطِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِ خَزَائِنِهِ وَرَسُولُهُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا ﴿إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ [التوبة: ٥٩] يَقُولُ: وَقَالُوا: إِنَّا إِلَى اللَّهِ نَرْغَبُ فِي أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلِهِ، فَيُغْنِيَنَا ⦗٥٠٩⦘ عَنِ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ صِلَاتِ النَّاسِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِمْ
١١ ‏/ ٥٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تُنَالُ الصَّدَقَاتُ إِلَّا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ سَمَّاهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ الْمُتَعَفِّفُ عَنِ الْمَسْأَلَةِ. وَالْمِسْكِينُ: الْمُحْتَاجُ السَّائِلُ
١١ ‏/ ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: الْفَقِيرُ: الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي يَسْعَى»
١١ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: الْمَسَاكِينُ: الطَّوَّافُونَ، وَالْفُقَرَاءُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ»
١١ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: ثني رَجُلٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْفُقَرَاءِ، قَالَ: «الْفُقَرَاءُ: الْمُتَعَفِّفُونَ، وَالْمَسَاكِينُ: الَّذِينَ يَسْأَلُونَ»
١١ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: الَّذِينَ فِي بُيُوتِهِمْ لَا يَسْأَلُونَ، وَالْمَسَاكِينُ: الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فَيَسْأَلُونَ»
١١ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي يَسْأَلُ»
١١ ‏/ ٥١٠
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ وَهُمْ أَهْلُ حَاجَةٍ، وَالْمَسَاكِينُ: الَّذِينَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ»
١١ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ، وَالْمَسَاكِينُ: الَّذِينَ يَسْأَلُونَ» ⦗٥١١⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: الْفَقِيرُ هُوَ ذُو الزَّمَانَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ. وَالْمِسْكِينُ: هُوَ الصَّحِيحُ الْجِسْمِ
١١ ‏/ ٥١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: الْفَقِيرُ مَنْ بِهِ زَمَانَةٌ، وَالْمِسْكِينُ: الصَّحِيحُ الْمُحْتَاجُ»
١١ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] أَمَّا الْفَقِيرُ: فَالزِّمِنُ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ، وَأَمَّا الْمِسْكِينُ: فَهُوَ الَّذِي لَيْسَتْ بِهِ زَمَانَةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْفُقَرَاءُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ. وَالْمَسَاكِينُ: مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ
١١ ‏/ ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: فُقَرَاءُ ⦗٥١٢⦘ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْمَسَاكِينُ: الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا»
١١ ‏/ ٥١١
قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] الْمُهَاجِرِينَ، قَالَ: سُفْيَانُ: يَعْنِي: وَلَا يُعْطِي الْأَعْرَابَ مِنْهَا شَيْئًا»
١١ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ لِفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ»
١١ ‏/ ٥١٢
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَتْ تُجْعَلُ الصَّدَقَةُ فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى»
١١ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، قَالَا: «كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لِأَحَدِهِمُ الدَّارُ وَالزَّوْجَةُ وَالْعَبْدُ وَالنَّاقَةُ يَحُجُّ عَلَيْهَا وَيَغْزُو، فَنَسَبَهُمُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُمْ فُقَرَاءُ، وَجَعَلَ لَهُمْ سَهْمًا فِي الزَّكَاةِ»
١١ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، ⦗٥١٣⦘ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانَ يُقَالُ: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْمِسْكِينُ: الضَّعِيفُ الْكَسْبِ
١١ ‏/ ٥١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «لَيْسَ الْفَقِيرُ بِالَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَلَكِنَّ الْفَقِيرَ الْأَخْلَقُ الْكَسْبِ. قَالَ يَعْقُوبُ، قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: الْأَخْلَقُ: الْمُحَارَفُ عِنْدَنَا»
١١ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَحِمَهُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الْأَخْلَقُ الْكَسْبِ» وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَقِيرُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمِسْكِينُ أَهْلُ الْكِتَابِ
١١ ‏/ ٥١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٥١٤⦘ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: لَا تَقُولُوا لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَسَاكِينُ، إِنَّمَا الْمَسَاكِينُ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْفَقِيرُ: هُوَ ذُو الْفَقْرِ أَوِ الْحَاجَةِ وَمَعَ حَاجَتِهِ يَتَعَفَّفُ عَنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ وَالتَّذَلُّلِ لَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْمِسْكِينُ: هُوَ الْمُحْتَاجُ الْمُتَذَلِّلُ لِلنَّاسِ بِمَسْأَلَتِهِمْ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْفَرِيقَانِ لَمْ يُعْطَيَا إِلَّا بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ دُونَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ؛ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمِسْكِينَ إِنَّمَا يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ بِالْفَقْرِ، وَأَنَّ مَعْنَى الْمَسْكَنَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ: الذِّلَّةُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾ [البقرة: ٦١] يَعْنِي بِذَلِكَ الْهُونَ وَالذِّلَّةَ لَا الْفَقْرَ. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ صَنَّفَ مَنْ قَسَمَ لَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ قَسْمًا بِالْفَقْرِ فَجَعَلَهُمْ صِنْفَيْنِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ غَيْرُ الْآخَرِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْسُومَ لَهُ بِاسْمِ الْفَقِيرِ غَيْرُ ⦗٥١٥⦘ الْمَقْسُومِ لَهُ بِاسْمِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَالْفَقِيرُ الْمُعْطَى ذَلِكَ بِاسْمِ الْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ هُوَ الَّذِي لَا مَسْكَنَةَ فِيهِ، وَالْمُعْطَى بِاسْمِ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ هُوَ الْجَامِعُ إِلَى فَقْرِهِ الْمَسْكَنَةَ، وَهِيَ الذُّلُّ بِالطَّلَبِ وَالْمَسْأَلَةِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُتَعَفِّفِ مِنْهُمُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَالْمُتَذَلِّلِ مِنْهُمُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَرٌ
١١ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣]» وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: «إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ» عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ جَرَى بِهِ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ أَهْلَ الْفَقْرِ مَسَاكِينَ، لَا عَلَى تَفْصِيلِ الْمِسْكِينِ مِنَ الْفَقِيرِ. ⦗٥١٦⦘ وَمِمَّا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، انْتِزَاعُهُ ﷺ لِقَوْلِ اللَّهِ: “اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣] وَذَلِكَ فِي صِفَةِ مَنِ ابْتَدَأَ اللَّهُ ذِكْرَهُ وَوَصَفَهُ بِالْفَقْرِ، فَقَالَ ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣]
١١ ‏/ ٥١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] وَهُمُ السُّعَاةُ فِي قَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَوَضْعِهَا فِي مُسْتَحِقِّيهَا يُعْطُونَ ذَلِكَ بِالسَّعَايَةِ، أَغْنِيَاءَ كَانُوا أَوْ فُقَرَاءَ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا فَقَالَ: «السُّعَاةُ»
١١ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: جُبَاتُهَا الَّذِينَ يَجْمَعُونَهَا، وَيَسْعَوْنَ فِيهَا»
١١ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] الَّذِي يَعْمَلُ عَلَيْهَا» ⦗٥١٧⦘ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَدْرِ مَا يُعْطَى الْعَامِلُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْطَى مِنْهُ الثُّمُنَ
١١ ‏/ ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا الثُّمُنُ مِنَ الصَّدَقَةِ»
١١ ‏/ ٥١٧
حُدِّثْتُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: يَأْكُلُ الْعُمَّالُ مِنَ السَّهْمِ الثَّامِنِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُعْطَى عَلَى قَدْرِ عُمَالَتِهِ
١١ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ الْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ الْعَامِرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ: أَيُّ مَالٍ هِيَ؟ فَقَالَ: «مَالُ الْعُرْجَانِ وَالْعُورَانِ وَالْعُمْيَانِ وَكُلِّ مُنْقَطِعٍ بِهِ. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِلْعَامِلِينَ حَقًّا وَالْمُجَاهِدِينَ. قَالَ: إِنَّ ⦗٥١٨⦘ الْمُجَاهِدِينَ قَوْمٌ أُحِلَّ لَهُمْ وَلِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ عُمَالَتِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ»
١١ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «يَكُونُ لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا إِنْ عَمِلَ بِالْحَقِّ. وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا أُولَئِكَ يُعْطُونَ الْعَامِلَ الثُّمُنَ، إِنَّمَا يَفْرِضُونَ لَهُ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ»
١١ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: كَانَ يُعْطَى الْعَامِلُونَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُعْطَى الْعَامِلُ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ عُمَالَتِهِ أَجْرَ مِثْلِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَقْسِمْ صَدَقَةَ الْأَمْوَالِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ، وَإِنَّمَا عَرَّفَ خَلْقَهُ أَنَّ الصَّدَقَاتِ لَنْ تُجَاوِزَ
١١ ‏/ ٥١٨
هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ إِلَى غَيْرِهِمْ. وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ بِمَا سَنُوَضِّحُ بَعْدُ وَبِمَا قَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَنْ أُعْطِيَ مِنْهَا حَقًّا، فَإِنَّمَا يُعْطَى عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْمُعْطِي فِيهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْعَامِلُ عَلَيْهَا إِنَّمَا يُعْطَى عَلَى عَمَلِهِ لَا عَلَى الْحَاجَةِ الَّتِي تَزُولُ بِالْعَطِيَّةِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِي أَعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عُوَضٌ مِنْ سَعْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ قَدْرٌ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي لَا يَزُولُ بِالْعَطِيَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْعَزْلِ. وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا يُتَأَلَّفُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِمَّنْ لَمْ تَصِحَّ نُصْرَتُهُ اسْتِصْلَاحًا بِهِ نَفْسَهُ وَعَشِيرَتَهُ، كَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَنُظَرَائِهِمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٠] وَهُمْ قَوْمٌ كَانُوا يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَدْ أَسْلَمُوا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرْضَخُ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَإِذَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ فَأَصَابُوا مِنْهَا خَيْرًا قَالُوا: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، عَابُوهُ وَتَرَكُوهُ»
١١ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: «أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ، وَمَنْ بَنِي جُمَحٍ: صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ: سُفْيَانُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَمِنْ بَنِي فَزَارَةَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ، وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ: الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَمِنْ بَنِي نَصْرٍ: مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ، وَمِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ، وَمِنْ ثَقِيفٍ: الْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ. أَعْطَى النَّبِيُّ ﷺ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِائَةَ نَاقَةٍ، إِلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَرْبُوعٍ وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، فَإِنَّهُ أَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ»
١١ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: «لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»
١١ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «نَاسٌ كَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ بِالْعَطِيَّةِ، عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ وَمَنْ كَانَ ⦗٥٢١⦘ مَعَهُ»
١١ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٠] الَّذِينَ يُؤَلَّفُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ»
١١ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، فَأُنَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يَتَأَلَّفُهُمْ بِالْعَطِيَّةِ كَيْمَا يُؤْمِنُوا»
١١ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: «﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٠] فَقَالَ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ. قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا»
١١ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرَّانِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: «﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: مَنْ هُوَ يَهُودِيُّ أَوْ نَصْرَانِيُّ» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُودِ الْمُؤَلَّفَةِ الْيَوْمَ وَعَدَمِهَا، وَهَلْ يُعْطَى الْيَوْمَ أُحُدٌ عَلَى التَّأَلُّفِ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ بَطُلَتِ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمُ الْيَوْمَ، وَلَا ⦗٥٢٢⦘ سَهْمَ لِأَحَدٍ فِي الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ إِلَّا لِذِي حَاجَةٍ إِلَيْهَا وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا
١١ ‏/ ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: أَمَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَلَيْسَ الْيَوْمَ»
١١ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «لَمْ يَبْقَ فِي النَّاسِ الْيَوْمَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، إِنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
١١ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، «وَأَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] أَيْ لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ»
١١ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ»
١١ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «إِنَّمَا كَانَتِ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ انْقَطَعَتِ الرُّشَى» ⦗٥٢٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَحَقُّهُمْ فِي الصَّدَقَاتِ
١١ ‏/ ٥٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «فِي النَّاسِ الْيَوْمَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ» . حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مِثْلَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الصَّدَقَةَ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ. وَالْآخَرُ مَعُونَةُ الْإِسْلَامِ وَتَقْوِيَتُهُ، فَمَا كَانَ فِي مَعُونَةِ الْإِسْلَامِ وَتَقْوِيَةِ أَسْبَابِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَاهُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطَاهُ مَنْ يُعْطَاهُ بِالْحَاجَةِ مِنْهُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْطَاهُ مَعُونَةً لِلدِّينِ، وَذَلِكَ كَمَا يُعْطَى الَّذِي يُعْطَاهُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا لِلْغَزْوِ لَا لِسَدِّ خُلَّتِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ يُعْطُونَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، اسْتِصْلَاحًا بِإِعْطَائِهِمُوهُ أَمْرَ الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ تَقْوِيَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ. وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ ﷺ مَنْ أَعْطَى مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، بَعْدَ أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ وَفَشَا الْإِسْلَامُ وَعَزَّ أَهْلُهُ، فَلَا حُجَّةَ لِمُحْتَجٍّ بِأَنْ يَقُولَ: لَا يُتَأَلَّفُ الْيَوْمَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَحَدٌ لِامْتِنَاعِ أَهْلِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ ﷺ مَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ فِي الْحَالِ الَّتِي وَصَفْتُ
١١ ‏/ ٥٢٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [البقرة: ١٧٧] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ: هُمُ الْمُكَاتَبُونَ، يُعْطَوْنَ مِنْهَا فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ
١١ ‏/ ٥٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ، فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى، فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ عِمَامَةً وَمُلَاءَةً وَخَاتَمًا، حَتَّى أَلْقَوْا سَوَادًا كَثِيرًا. فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: اجْمَعُوهُ، فَجُمِعَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَبِيعَ، فَأَعْطَى الْمُكَاتَبَ مُكَاتَبَتَهُ، ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَعْطَى النَّاسُ فِي الرِّقَابِ»
١١ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: «الْمُكَاتَبُونَ»
١١ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: الْمُكَاتَبُ»
١١ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: هُمُ الْمُكَاتَبُونَ» وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ تُعْتَقَ الرَّقَبَةُ مِنَ الزَّكَاةِ. ⦗٥٢٥⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالرِّقَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُكَاتَبُونَ؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الزَّكَاةَ حَقًّا وَاجِبًا عَلَى مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ يُخْرِجُهَا مِنْهُ، لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنْهَا نَفْعٌ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَلَا عِوَضٌ، وَالْمُعْتِقُ رَقَبَةً مِنْهَا رَاجِعٌ إِلَيْهِ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَهُ، وَذَلِكَ نَفْعٌ يَعُودُ إِلَيْهِ مِنْهَا. وَأَمَّا الْغَارِمُونَ: فَالَّذِينَ اسْتَدَانُوا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا قَضَاءً فِي عَيْنٍ وَلَا عَرَضٍ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْغَارِمُونَ: مَنِ احْتَرَقَ بَيْتُهُ، أَوْ يُصِيبُهُ السَّيْلُ فَيَذْهَبُ مَتَاعُهُ، وَيُدَانُ عَلَى عِيَالِهِ، فَهَذَا مِنَ الْغَارِمِينَ»
١١ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالْغَارِمِينَ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: مَنِ احْتَرَقَ بَيْتُهُ، وَذَهَبَ السَّيْلُ بِمَالِهِ، وَأَدَانَ عَلَى عِيَالِهِ»
١١ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «الْغَارِمِينَ: الْمُسْتَدِينُ فِي غَيْرِ سَرَفٍ، يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ»
١١ ‏/ ٥٢٦
قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْنَا الزُّهْرِيَّ عَنِ الْغَارِمِينَ، قَالَ: «أَصْحَابُ الدَّيْنِ»
١١ ‏/ ٥٢٦
قَالَ: ثنا مَعْقِلٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني خَادِمٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَدَمَهُ عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنْ يُعْطَى الْغَارِمُونَ» قَالَ أَحْمَدُ: أَكْثَرَ ظَنِّي مِنَ الصَّدَقَاتِ
١١ ‏/ ٥٢٦
قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «الْغَارِمُونَ: الْمُسْتَدِينُ فِي غَيْرِ سَرَفٍ»
١١ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «أَمَّا الْغَارِمُونَ: فَقَوْمٌ غَرَّقَتْهُمُ الدُّيُونُ، فِي غَيْرِ إِمْلَاقٍ وَلَا تَبْذِيرٍ وَلَا فَسَادٍ»
١١ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْغَارِمُ: الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ»
١١ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَالْغَارِمِينَ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: هُوَ الَّذِي يَذْهَبُ السَّيْلُ وَالْحَرِيقُ بِمَالِهِ، وَيُدَانُ عَلَى عِيَالِهِ»
١١ ‏/ ٥٢٧
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «الْمُسْتَدِينُ فِي غَيْرِ فَسَادٍ»
١١ ‏/ ٥٢٧
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «الْغَارِمُونَ: الَّذِينَ يَسْتَدِينُونَ فِي غَيْرِ فَسَادٍ، يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُمْ»
١١ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «هُمْ قَوْمٌ رَكَبَتْهُمُ الدُّيُونُ فِي غَيْرِ فَسَادٍ وَلَا تَبْذِيرٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ سَهْمًا»
١١ ‏/ ٥٢٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَفِي النَّفَقَةِ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ وَطَرِيقِهِ وَشَرِيعَتِهِ الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ بِقِتَالِ أَعْدَائِهِ، وَذَلِكَ هُوَ غَزْوُ الْكُفَّارِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَفِي ⦗٥٢٨⦘ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
١١ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: رَجُلٍ عَمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ ابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا لَهُ»
١١ ‏/ ٥٢٨
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ ابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا لَهُ»
١١ ‏/ ٥٢٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٧٧] فَالْمُسَافِرُ الَّذِي يَجْتَازُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، وَقِيلَ لِلضَّارِبِ فِيهِ ابْنُ السَّبِيلِ لِلُزُومِهِ إِيَّاهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] أَنَا ابْنُ الْحَرْبِ رَبَّتْنِي وَلِيدًا … إِلَى أَنْ شِبْتُ وَاكْتَهَلَتْ لِدَاتِي
وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ، تُسَمِّي اللَّازِمَ لِلشَّيْءِ يُعْرَفُ بِابْنِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «ابْنُ السَّبِيلِ: الْمُجْتَازُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ»
١١ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مِنْدَلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: لِابْنِ السَّبِيلِ حَقٌّ مِنَ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا بِهِ»
١١ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنِ ابْنِ السَّبِيلِ، قَالَ: «يَأْتِي عَلَيَّ ابْنُ السَّبِيلِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ» قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا»
١١ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠] الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ»
١١ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ: «ابْنُ السَّبِيلِ الْمُسَافِرُ مَنْ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا إِذَا أُصِيبَتْ نَفَقَتُهُ، أَوْ فُقِدَتْ، أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، فَحَقُّهُ وَاجِبٌ»
١١ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُ قَالَ فِي «الْغَنِيِّ إِذَا سَافَرَ فَاحْتَاجَ فِي سَفَرِهِ، قَالَ: يَأْخُذُ مِنَ الزَّكَاةِ»
١١ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «ابْنُ السَّبِيلِ: الْمُجْتَازُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ»
١١ ‏/ ٥٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَسَمٌ قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُمْ، فَأَوْجَبَهُ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ لَهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ فِيمَا فَرَضَ لَهُمْ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ. فَعَلَى عِلْمٍ مِنْهُ فَرَضَ مَا فَرَضَ مِنَ الصَّدَقَةِ وَبِمَا فِيهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ، لَا يَدْخُلُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلَلٌ.
١١ ‏/ ٥٣٠
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كَيْفِيَّةِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَلْ يَجِبُ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِيهَا حَقٌّ أَوْ ذَلِكَ إِلَى رَبِّ الْمَالِ، وَمَنْ يَتَوَلَّى قَسْمَهَا فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَ ذَلِكَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ؟ فَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لِلْمُتَوَلِّي قَسْمُهَا وَوَضْعُهَا فِي أَيِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ، وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّهُ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ فِي الْآيَةِ إِعْلَامًا مِنْهُ خَلْقَهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ إِلَى غَيْرِهَا، لَا إِيجَابًا لِقَسْمِهَا بَيْنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
١١ ‏/ ٥٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ، أَوْ صِنْفَيْنٍ، أَوْ لِثَلَاثَةٍ»
١١ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ عَنْكَ»
١١ ‏/ ٥٣١
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُمَرَ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: أَيُّمَا صِنْفٍ أَعْطَيْتَهُ مِنْ هَذَا أَجْزَأَكَ»
١١ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ عَطَاءٍ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ، قَالَ: لَوْ وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَجْزَأَكَ، وَلَوْ نَظَرْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فُقَرَاءَ مُتَعَفِّفِينَ فَجَبَرْتَهُمْ بِهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ»
١١ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] . . . . . ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠] فَأَيُّ صِنْفٍ أَعْطَيْتَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَجْزَأَكَ». قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٥٣٣⦘ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٥٣٢
قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ أَعْلَمَهُ، فَأَيُّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَعْطَيْتَهُ أَجْزَأَ عَنْكَ»
١١ ‏/ ٥٣٣
قَالَ: ثنا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: فِي أَيِّ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَضَعْتَهَا أَجْزَأَكَ»
١١ ‏/ ٥٣٣
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا سَمَّى اللَّهُ أَجْزَأَكَ»
١١ ‏/ ٥٣٣
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «إِذَا وَضَعْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا سَمَّى اللَّهُ أَجْزَأَكَ»
١١ ‏/ ٥٣٣
قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ أَبُو يَزِيدَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] قَالَ: إِذَا جَعَلْتَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَجْزَأَ عَنْكَ»
١١ ‏/ ٥٣٣
قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مَسْعُودٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] الْآيَةَ، قَالَ: أَعْلَمَ أَهْلُهَا مَنْ هُمْ»
١١ ‏/ ٥٣٤
قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُمَرَ: «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَرْضَ فِي الصَّدَقَةِ، وَيَجْعَلُهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ» وَكَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُولُ: إِذَا تَوَلَّى رَبُّ الْمَالِ قَسَمَهَا كَانَ عَلَيْهِ وَضْعُهَا فِي سِتَّةِ أَصْنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ عِنْدَهُ قَدْ ذَهَبُوا، وَأَنَّ سَهْمَ الْعَامِلِينَ يُبْطِلُ بِقَسْمِهِ إِيَّاهَا، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ. وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ تَوَلَّى قَسْمَهَا الْإِمَامُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى سَبْعَةِ أَصْنَافٍ، لَا يَجْزِي عِنْدَهُ غَيْرُ ذَلِكَ
١١ ‏/ ٥٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ لِّلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ جَمَاعَةٌ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَيُعِيبُونَهُ، وَيَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ سَامِعَةٌ، يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مَا يَقُولُ فَيَقْبَلُهُ
١١ ‏/ ٥٣٤
وَيُصَدِّقُهُ. وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أَذَنَةٌ مِثْلُ فَعَلَةٍ: إِذَا كَانَ يُسْرِعُ الِاسْتِمَاعَ وَالْقَبُولَ، كَمَا يُقَالُ: هُوَ يَقَنٌ وَيَقِنٌ: إِذَا كَانَ ذَا يَقِينٍ بِكُلِّ مَا حَدَثَ. وَأَصْلُهُ مِنْ أَذِنَ لَهُ يَأْذَنُ: إِذَا اسْتَمَعَ لَهُ، وَمِنْهُ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ»، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
[البحر الرمل] أَيُّهَا الْقَلْبُ تَعَلَّلْ بِدَدَنْ … إِنَّ هَمِّي فِي سَمَاعٍ وَأَذَنْ
وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ
١١ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “ذَكَرَ اللَّهُ عَيْبَهُمْ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ وَأَذَاهُمْ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ [التوبة: ٦١] الْآيَةَ، وَكَانَ الَّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِيمَا بَلَغَنِي نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدَّثَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ [التوبة: ٦١] أَيْ
١١ ‏/ ٥٣٥
يَسْتَمِعُ الْخَبَرَ وَيُصَدِّقُ بِهِ ” وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ [التوبة: ٦١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ [التوبة: ٦١] بِإِضَافَةِ الْأُذُنِ إِلَى الْخَيْرِ، يَعْنِي: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لَا أُذُنُ شَرٍّ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: (قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ) بِتَنْوِينِ أُذُنٌ، وَيَصِيرُ خَيْرٌ خَبَرًا لَهُ، بِمَعْنَى: قُلْ مَنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ مَا تَقُولُونَ وَيُصَدِّقُكُمْ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ كَمَا وَصَفْتُمُوهُ مَنْ أَنْكَرَ إِذَا آذَيْتُمُوهُ فَأَنْكَرْتُمْ مَا ذُكِرَ لَهُ عَنْكُمْ مِنْ أَذَاكُمْ إِيَّاهُ وَعَيْبِكُمْ لَهُ سَمِعَ مِنْكُمْ وَصَدَّقَكُمْ، خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ يُكَذِّبَكُمْ وَلَا يَقْبَلَ مِنْكُمْ مَا تَقُولُونَ. ثُمَّ كَذَّبَهُمْ فَقَالَ: بَلْ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ [التوبة: ٦١] بِإِضَافَةِ الْأُذُنِ إِلَى الْخَيْرِ، وَخَفْضِ الْخَيْرِ، يَعْنِي: قُلْ هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، لَا أُذُنُ شَرٍّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ⦗٥٣٧⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ [التوبة: ٦١] يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ»
١١ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ [التوبة: ٦١] قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ لَا يُحَدَّثُ عَنَّا شَيْئًا إِلَّا هُوَ أُذُنٌ يَسْمَعُ مَا يُقَالُ لَهُ»
١١ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ [التوبة: ٦١] نَقُولُ مَا شِئْنَا، وَنَحْلِفُ فَيُصَدِّقُنَا»
١١ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿هُوَ أُذُنٌ﴾ [التوبة: ٦١] قَالَ: يَقُولُونَ: نَقُولُ مَا شِئْنَا، ثُمَّ نَحْلِفُ لَهُ فَيُصَدِّقُنَا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٥٣٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُصَدِّقُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] يَقُولُ: وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ لَا الْكَافِرِينَ وَلَا الْمُنَافِقِينَ. وَهَذَا تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوا: مُحَمَّدٌ أُذُنٌ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّمَا مُحَمَّدٌ ﷺ مُسْتَمِعُ خَيْرٍ، يُصَدِّقُ بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ. ⦗٥٣٨⦘ وَقِيلَ: ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] مَعْنَاهُ: وَيُؤْمِنُ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَنْهَا: آمَنْتُ لَهُ وَآمَنْتُهُ، بِمَعْنَى: صَدَّقْتُهُ، كَمَا قِيلَ: ﴿رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] وَمَعْنَاهُ: رَدِفَكُمْ. وَكَمَا قَالَ: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] وَمَعْنَاهُ: لِلَّذِينَ هُمْ رَبَّهُمْ يَرْهَبُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنى مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمَنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] يَعْنِي: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ»
١١ ‏/ ٥٣٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٦١] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ الْأَمْصَارِ: ﴿وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [التوبة: ٦١] بِمَعْنَى: قُلْ هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ. فَرَفَعَ الرَّحْمَةَ عَطْفًا بِهَا عَلَى الْأُذُنِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَرَحْمَةٍ) عَطْفًا بِهَا عَلَى الْخَيْرِ، بِتَأْوِيلِ: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، وَأُذُنُ رَحْمَةٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: ١٥٧] بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِهَا عَلَى الْأُذُنِ، بِمَعْنَى: وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا ⦗٥٣٩⦘ مِنْكُمْ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَاهْتَدَى بِهُدَاهُ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ اسْتَنْقَذَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَأَوْرَثَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ جَنَّاتِهِ
١١ ‏/ ٥٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَعِيبُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَيَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ وَأَمْثَالُهُمْ مِنْ مُكَذِّبِيهِ، وَالْقَائِلِينَ فِيهِ الْهَجْرَ وَالْبَاطِلَ، عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ مُوجِعٌ لَهُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
١١ ‏/ ٥٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ﷺ: يَحْلِفُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ بِاللَّهِ لِيُرْضُوكُمْ فِيمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُمْ مِنْ أَذَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ، بِالطَّعْنِ عَلَيْهِ وَالْعَيْبِ لَهُ، وَمُطَابَقَتِهِمْ سِرًّا أَهْلَ الْكُفْرِ عَلَيْكُمْ بِاللَّهِ، وَالْأَيْمَانِ الْفَاجِرَةِ أَنَّهُمْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ لَعَلَى دِينِكُمْ وَمَعَكُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ، يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ رِضَاكُمْ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢] بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ مِمَّا قَالُوا وَنَطَقُوا ﴿إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦٢] يَقُولُ: إِنْ كَانُوا مُصَدِّقِينَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، مُقِرِّينَ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ﴾ [التوبة: ٦٢] الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَخِيَارُنَا وَأَشْرَافُنَا، وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، لَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، قَالَ: فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَلَأَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْحِمَارِ، فَسَعَى بِهَا الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي قُلْتَ؟» فَجَعَلَ يَلْتَعِنُ وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ: وَجَعَلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَدِّقِ الصَّادِقَ وَكَذِّبِ الْكَاذِبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦٢]
١١ ‏/ ٥٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ كَذِبًا لِلْمُؤْمِنِينَ لِيُرْضُوهُمْ وَهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى النِّفَاقِ، أَنَّهُ مِنْ يُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُخَالِفُهَمَا فَيُنَاوِئُهُمَا بِالْخِلَافِ عَلَيْهِمَا ﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٦٣] فِي الْآخِرَةِ. ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء: ١٤] يَقُولُ: لَابِثًا فِيهَا، مُقِيمًا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ. ﴿ذَلِكَ الْخِزْي الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ٦٣] يَقُولُ: فَلِبِثُهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَخُلُودُهُ فِيهَا هُوَ الْهَوَانُ وَالذُّلُّ الْعَظِيمُ، وَقَرَأَتِ الْقُرَّاءُ: ﴿فَأَنَّ﴾ [الأنفال: ٤١] بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ أَنَّ بِمَعْنَى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ لِمَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نَارَ جَهَنَّمَ، وَإِعْمَالِ يَعْلَمُوا فِيهَا، كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَنَّ الثَّانِيَةَ مُكَرَّرَةً عَلَى الْأُولَى، وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهَا؛ إِذْ كَانَ الْخَبَرُ مَعَهَا دُونَ الْأُولَى.
١١ ‏/ ٥٤٠
وَقَدْ كَانَتْ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَخْتَارُ الْكَسْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِسَبَبِ دُخُولِ الْفَاءِ فِيهَا، وَأَنَّ دُخُولَهَا فِيهَا عِنْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا جَوَّابُ الْجَزَاءِ، وَأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ جَوَّابَ الْجَزَاءِ كَانَ الِاخْتِيَارُ فِيهَا الِابْتِدَاءَ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا فَتْحُ الْأَلْفِ فِي كَلَامِ الْحَرْفَيْنِ، أَعْنِي أَنَّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَلِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ. ﴿ذَلِكَ الْخِزْي الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ٦٣] يَقُولُ: فَلِبِثُهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَخُلُودُهُ فِيهَا هُوَ الْهَوَانُ وَالذُّلُّ الْعَظِيمُ
١١ ‏/ ٥٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَخْشَى الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ فِيهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، يَقُولُ: تُظْهِرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا إِذَا عَابُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَذَكَرُوا شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، قَالُوا: لَعَلَّ اللَّهَ لَا يُفْشِي سِرَّنَا، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ: اسْتَهْزِئُوا، مُتَهَدِّدًا لَهُمْ مُتَوَعِّدًا ﴿إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ٦٤] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ﴾ [التوبة: ٦٤] قَالَ: يَقُولُونَ الْقَوْلَ ⦗٥٤٢⦘ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ: عَسَى اللَّهُ أَنْ لَا يُفْشِيَ سِرَّنَا عَلَيْنَا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: سِرَّنَا هَذَا
١١ ‏/ ٥٤١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ٦٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ مَا كُنْتُمْ تَحْذَرُونَ أَنْ تُظْهِرُوهُ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَفَضَحَهُمْ، فَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تُدْعَى الْفَاضِحَةَ
١١ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَتْ تُسَمَّى هَذِهِ السُّورَةُ الْفَاضِحَةَ فَاضِحَةَ الْمُنَافِقِينَ»
١١ ‏/ ٥٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ عَمَّا قَالُوا مِنَ الْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ، لَيَقُولُنَّ لَكَ: إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لَعِبًا، وَكُنَّا نَخُوضُ فِي حَدِيثِ لَعِبًا وَهُزُوًا. يَقُولُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِ كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. وَكَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ
١١ ‏/ ٥٤٢
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِيمَا بَلَغَنِي وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ»
١١ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا اللَّيْثٌ، قَالَ: ثني هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ لِعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: مَا لِقُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَنَا بُطُونًا وَأَكْذَبَنَا أَلْسِنَةً وَأَجَبَنَنَا عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ لَهُ عَوْفٌ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَذَهَبَ عَوْفٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيُخْبِرَهُ، فَوَجَدَ الْقُرْآنَ قَدْ سَبَقَهُ، فَقَالَ زَيْدٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ مُتَعَلِّقًا بِحَقَبِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، تَنْكُبُهُ الْحِجَارَةُ، يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة: ٦٥] فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ مَا يَزِيدُهُ»
١١ ‏/ ٥٤٣
قَالَ: ثني هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي مَجْلِسٍ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ أَرْغَبَ بُطُونًا وَلَا أَكْذَبَ أَلْسِنَةً وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ، لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بِحَقَبِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، تَنْكُبُهُ الْحِجَارَةُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا ⦗٥٤٤⦘ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾»
١١ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة: ٦٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: ٦٦] قَالَ: فَكَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَفَا عَنْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْمَعُ آيَةً أَنَا أُعْنَى بِهَا، تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وَتَجِلُ مِنْهَا الْقُلُوبُ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ وَفَاتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ، لَا يَقُولُ أَحَدٌ: أَنَا غُسَّلْتُ، أَنَا كَفَّنْتُ، أَنَا دَفَنْتُ، قَالَ: فَأُصِيبَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وُجِدَ غَيْرَهُ»
١١ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة: ٦٥] الْآيَةَ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسِيرُ فِي غَزْوَتِهِ إِلَى تَبُوكَ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ: أَيَرْجُو هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الشَّامِ وَحُصُونَهَا؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «احْبِسُوا عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الرَّكْبَ» . فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: «قُلْتُمْ كَذَا؟ قُلْتُمْ كَذَا؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِيهَا مَا تَسْمَعُونَ
١١ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة: ٦٥] قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَرَكْبٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالُوا: يَظُنُّ هَذَا أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الرُّومِ وَحُصُونَهَا، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ عَلَى مَا قَالُوا، فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ» فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: «قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟» فَحَلَفُوا: مَا كُنَّا إِلَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
١١ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَغَيْرِهِ قَالُوا: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: مَا أَرَى قُرَّاءَنَا هَؤُلَاءِ إِلَّا أَرْغَبَنَا بُطُونًا، وَأَكْذَبَنَا أَلْسِنَةً، وَأَجْبَنَنَا عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدِ ارْتَحَلَ وَرَكِبَ نَاقَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فَقَالَ: «﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: ٦٦]» وَإِنَّ رِجْلَيْهِ لَتُسْفَعَانِ بِالْحِجَارَةِ، وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنِسْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ [التوبة: ٦٥] قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ مِنَ ⦗٥٤٦⦘ الْمُنَافِقِينَ: يُحَدِّثُنَا مُحَمَّدٌ أَنَّ نَاقَةَ فُلَانٍ بِوَادِي كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، وَمَا يُدْرِيهِ مَا الْغَيْبُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١١ ‏/ ٥٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا﴾ [التوبة: ٦٦] بِالْبَاطِلِ، فَتَقُولُوا: كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ﴾ [التوبة: ٦٦] يَقُولُ: قَدْ جَحَدْتُمُ الْحَقَّ بِقَوْلِكُمْ مَا قُلْتُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ ﴿بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [البقرة: ١٠٩] يَقُولُ: بَعْدَ تَصْدِيقِكُمْ بِهِ وَإِقْرَارِكُمْ بِهِ. ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ [التوبة: ٦٦] وَذُكِرَ أَنَّهُ عُنِيَ بِالطَّائِفَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ رَجُلٌ وَاحِدٌ
١١ ‏/ ٥٤٦
وَكَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ فِيمَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا بَلَغَنِي مَخْشِيُّ بْنُ حِمْيَرٍ الْأَشْجَعِيُّ ⦗٥٤٧⦘ حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ»
١١ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حِبَّانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: «﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ، مِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٦٦] قَالَ: طَائِفَةٌ: رَجُلٌ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ بِإِنْكَارِهِ مَا أَنْكَرَ عَلَيْكُمْ مِنْ قَبْلِ الْكُفْرِ، نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِكُفْرِهِ وَاسْتِهْزَائِهِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
١١ ‏/ ٥٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: «قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمْ يُمَالِئْهُمْ فِي الْحَدِيثِ، فَيَسِيرُ مُجَانِبًا لَهُمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ [التوبة: ٦٦] فَسُمِّيَ طَائِفَةً وَهُوَ وَاحِدٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنْ تَتُبْ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَيَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ، يُعَذَّبِ اللَّهُ طَائِفَةً مِنْكُمْ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ
١١ ‏/ ٥٤٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [الدخان: ٣٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: نُعَذِّبُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ⦗٥٤٨⦘ بِاكْتِسَابِهِمُ الْجُرْمَ، وَهُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ، وَطَعْنِهِمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ﴾ [التوبة: ٦٧] وَهُمُ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيُسِرُّونَ الْكُفْرَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٦٧] يَقُولُ: هُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَأَمْرُهُمْ وَاحِدٌ، فِي إِعْلَانِهِمُ الْإِيمَانَ وَاسْتِبْطَانِهِمُ الْكُفْرَ، يَأْمُرُونَ مَنْ قَبِلَ مِنْهُمْ بِالْمُنْكَرِ، وَهُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَتَكْذِيبِهِ. ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: ٦٧] يَقُولُ: وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] يَقُولُ: وَيُمْسِكُونَ أَيْدِيَهُمْ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَكُفُّونَهَا عَنِ الصَّدَقَةِ، فَيَمْنَعُونَ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا فَرَضَ مِنَ الزَّكَاةِ حُقُوقَهُمْ
١١ ‏/ ٥٤٨
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] قَالَ: لَا يُبْسِطُونَهَا بِنَفَقَةٍ فِي حَقٍّ». حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٥٤٩⦘ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] لَا يُبْسِطُونَهَا بِخَيْرٍ»
١١ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] قَالَ: يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ»
١١ ‏/ ٥٤٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: تَرَكُوا اللَّهَ أَنْ يُطِيعُوهُ وَيَتَّبِعُوا أَمْرَهُ، فَتَرَكَهُمُ اللَّهُ مِنْ تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَقَدْ دَلَلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى النِّسْيَانِ التَّرْكُ بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا
١١ ‏/ ٥٤٩
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] نَسُوا مِنَ الْخَيْرِ، وَلَمْ يَنْسُوا مِنَ الشَّرِّ» قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٦٧] يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ يُخَادِعُونَ ⦗٥٥٠⦘ الْمُؤْمِنِينَ بِإِظْهَارِهِمْ لَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَهُمْ لِلْكُفْرِ مُسْتَبْطِنُونَ، هُمُ الْمُفَارِقُونَ طَاعَةَ اللَّهِ الْخَارِجُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ
١١ ‏/ ٥٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ [التوبة: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ﴾ [التوبة: ٦٨] بِاللَّهِ ﴿نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [التوبة: ٣٥] أَنْ يُصْلِيهِمُوهَا جَمِيعًا. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا، لَا يَحْيَوْنَ فِيهَا وَلَا يَمُوتُونَ. ﴿هِيَ حَسْبُهُمْ﴾ [التوبة: ٦٨] يَقُولُ: هِيَ كَافِيَتُهُمْ عِقَابًا وَثَوَابًا عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ. ﴿وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٦٨] يَقُولُ: وَأَبْعَدَهُمُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ. ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٧] يَقُولُ: وَلِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، يَعْنِي مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ عِنْدَ اللَّهِ، عَذَابٌ مُقِيمٌ دَائِمٌ، لَا يَزُولُ وَلَا يَبِيدُ
١١ ‏/ ٥٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [التوبة: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِ كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ فَعَلُوا فِعْلَكُمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَعَجَّلَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا الْخِزْيَ مَعَ مَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ فِي الْآخِرَةِ؟ يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاحْذَرُوا أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ
١١ ‏/ ٥٥٠
مِنْكُمْ قُوَّةً وَبَطْشًا، وَأَكْثَرَ مِنْكُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا. ﴿فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ﴾ [التوبة: ٦٩] يَقُولُ: فَتَمَتَّعُوا بِنَصِيبِهِمْ وَحَظِّهِمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ، وَرَضُوا بِذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا عِوَضًا مِنْ نَصِيبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ. وَقَدْ سَلَكْتُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ سَبِيلَهُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِخَلَاقِكُمْ، يَقُولُ: فَعَلْتُمْ بِدِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الْأُمَمُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِكُمُ الَّذِينَ أَهْلَكْتُهُمْ بِخَلَافِهِمْ أَمْرِي بِخَلَاقِهِمْ، يَقُولُ: كَمَا فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِنَصِيبِهِمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ، وَخُضْتُمْ فِي الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ عَلَى اللَّهِ كَالَّذِي خَاضُوا، يَقُولُ: وَخُضْتُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ كَخَوْضِ تِلْكَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لَتَأْخُذُنَّ كَمَا أَخَذَ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ، ذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَشِبْرًا بِشِبْرٍ، وَبَاعًا بِبَاعٍ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أُولَئِكَ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمُ الْقُرْآنَ: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ [التوبة: ٦٩] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمَا صَنَعَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: «فَهَلِ النَّاسُ ⦗٥٥٢⦘ إِلَّا هُمْ»
١١ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٩] الْآيَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَشْبَهُ اللَّيْلَةِ بِالْبَارِحَةِ ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٩] هَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيلَ شُبِّهْنَا بِهِمْ، لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَتَّبِعُنَّهُمْ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ»
١١ ‏/ ٥٥٢
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَبَاعًا بِبَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ» قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلُ الْكِتَابِ؟ قَالَ: «فَمَهْ؟»
١١ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: «إِنَّهُ قَالَ: فَمَنْ؟»
١١ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ⦗٥٥٣⦘ الْحَسَنِ: «﴿فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ﴾ [التوبة: ٦٩] قَالَ: بِدِينِهِمْ»
١١ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حِذْرَكُمْ أَنْ تُحْدِثُوا فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا» وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ ذَلِكَ أَقْوَامٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقَالَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ [التوبة: ٦٩] وَإِنَّمَا حَسِبُوا أَنْ لَا يَقَعَ بِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ مَا وَقَعَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَهُمْ، وَإِنَّ الْفِتْنَةَ عَائِدَةٌ كَمَا بَدَتْ
١١ ‏/ ٥٥٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [التوبة: ١٧] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، وَفَعَلُوا فِي ذَلِكَ فِعْلَ الْهَالِكِينَ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ. ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧] يَقُولُ: ذَهَبَتْ أَعْمَالُهُمْ بَاطِلًا، فَلَا ثَوَابَ لَهَا إِلَّا النَّارُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِيمَا يُسْخِطُ اللَّهَ وَيَكْرَهُهُ. ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [التوبة: ٦٩] يَقُولُ: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمَغْبُونُونَ صِفْقَتُهُمْ بِبَيْعِهِمْ نَعِيمَ الْآخِرَةِ بِخَلَاقِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا الْيَسِيرِ الزَّهِيدِ
١١ ‏/ ٥٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [التوبة: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ يَأْتِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُسِرُّونَ الْكُفْرَ بِاللَّهِ، وَيَنْهَوْنَ
١١ ‏/ ٥٥٣
عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ﴿نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهُمْ﴾ [التوبة: ٧٠] يَقُولُ: خَبَرُ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهُمْ حِينَ عَصَوْا رُسُلَنَا، وَخَالَفُوا أَمْرَنَا مَاذَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَتِنَا؟ ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ أُولَئِكَ الْأُمَمُ الَّتِي قَالَ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَؤُهُمْ، فَقَالَ: ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: ٦٩] وَلِذَلِكَ خَفَضَ الْقَوْمَ لِأَنَّهُ تَرْجَمَ بِهِنَّ عَنِ الَّذِينَ، وَالَّذِينَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَلَمْ يَأْتِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ خَبَرُ قَوْمِ نُوحٍ وَصَنِيعِي بِهِمْ؛ إِذْ كَذَّبُوا رَسُولِي نُوحًا وَخَالَفُوا أَمْرِي، أَلَمْ أُغْرِقْهُمْ بِالطُّوفَانِ؟ ﴿وَعَادٍ﴾ [التوبة: ٧٠] يَقُولُ: وَخَبَرُ عَادٍ إِذْ عَصَوْا رَسُولِي هُودًا، أَلَمْ أُهْلِكْهُمْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ؟ وَخَبَرُ ثَمُودَ إِذْ عَصَوْا رَسُولِي صَالِحًا، أَلَمْ أُهْلِكْهُمْ بِالرَّجْفَةِ، فَأَتْرُكْهُمْ بِأَفْنِيَتِهِمْ خُمُودًا؟ وَخَبَرُ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ عَصَوْهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْحَقِّ، أَلَمْ أَسْلُبْهُمُ النِّعْمَةَ وَأُهْلِكْ مَلِكَهُمْ نُمْرُوذَ؟ وَخَبَرُ أَصْحَابِ مَدْيَنَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَلَمْ أُهْلِكْهُمْ بِعَذَابِ يَوْمِ الظُّلَّةِ؛ إِذْ كَذَّبُوا رَسُولِي شُعَيْبًا؟ وَخَبَرُ الْمُنْقَلِبَةِ بِهِمْ أَرْضُهُمْ، فَصَارَ أَعْلَاهَا أَسْفَلَهَا؛ إِذْ عَصَوْا رَسُولِي لُوطًا وَكَذَّبُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي مِنَ الْحَقِّ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَأَمِنَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِاللَّهِ وَبِآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ، أَنْ يُسْلَكَ بِهِمْ فِي الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ وَتَعْجِيلِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا سَبِيلُ أَسْلَافِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَيَحِلَّ بِهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولِي مُحَمَّدًا ﷺ مَا حَلَّ بِهِمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَنَا؛ إِذْ أَتَتْهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتِ﴾ [التوبة: ٧٠] قَالَ: قَوْمُ لُوطٍ انْقَلَبَتْ بِهِمْ أَرْضُهُمْ، فَجُعِلَ عَالِيهَا سَافِلَهَا»
١١ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتِ﴾ [التوبة: ٧٠] قَالَ: هُمْ قَوْمُ لُوطٍ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ عَنَى بِالْمُؤْتَفِكَاتِ قَوْمَ لُوطٍ، فَكَيْفَ قِيلَ: الْمُؤْتَفِكَاتِ، فَجُمِعَتْ وَلَمْ تُوَحَّدْ؟ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ قَرْيَاتٍ ثَلَاثًا، فَجُمِعَتْ لِذَلِكَ، وَلِذَلِكَ جُمِعَتْ بِالتَّاءِ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾ [النجم: ٥٣] . فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ قِيلَ: أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ وَاحِدًا؟ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَتَى كُلَّ قَرْيَةٍ مِنَ الْمُؤْتَفِكَاتِ رَسُولٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَتَكُونُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ إِلَيْهِمْ لِلدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ عَنْ رِسَالَتِهِ رُسُلًا إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ لِقَوْمٍ نُسِبُوا إِلَى أَبِي فُدَيْكٍ الْخَارِجِيِّ: الْفُدَيْكَاتُ، وَأَبُو فُدَيْكٍ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّ أَصْحَابَهُ لَمَّا نُسِبُوا إِلَيْهِ وَهُوَ رَئِيسُهُمْ دُعُوا بِذَلِكَ وَنُسِبُوا إِلَى رَئِيسِهِمْ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [التوبة: ٧٠]⦗٥٥٦⦘ وَقَدْ يُحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَتَتْ قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رُسُلُهُمْ مِنَ اللَّهِ بِالْبَيِّنَاتِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَمَا أَهْلَكَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَمَ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ أَهْلَكَهَا إِلَّا بِإِجْرَامِهَا وَظُلْمِهَا أَنْفُسَهَا وَاسْتِحْقَاقِهَا مِنَ اللَّهِ عَظِيمَ الْعِقَابِ، لَا ظُلْمًا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ وَلَا وَضْعًا مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عُقُوبَةً فِي غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهَا أَهْلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ حَكِيمٌ، لَا خَلَلَ فِي تَدْبِيرِهِ وَلَا خَطَأَ فِي تَقْدِيرِهِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ حَتَّى أَسْخَطُوا عَلَيْهِمْ رَبَّهُمْ فَحَقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ فَعُذِّبُوا
١١ ‏/ ٥٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ، وَهُمُ الْمُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَآيَاتِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ صِفَتَهُمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَنْصَارُ بَعْضٍ وَأَعْوَانُهُمْ. ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [التوبة: ٧١] يَقُولُ: يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٣] يَقُولُ: وَيُؤَدُّونَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [المائدة: ٥٥] يَقُولُ: وَيُعْطُونَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَهْلَهَا. ﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ٧١] فَيَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَيْنَاهُمْ عَنْهُ. ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٧١] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمُ الَّذِينَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ، فَيُنْقِذُهُمْ
١١ ‏/ ٥٥٦
مِنْ عَذَابِهِ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّتَهُ، لَا أَهْلُ النِّفَاقِ وَالتَّكْذِيبِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، النَّاهُونَ عَنِ الْمَعْرُوفِ، الْآمِرُونَ بِالْمُنْكَرِ، الْقَابِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عَنْ أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِزَّةٍ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَكُفْرِهِ بِهِ، لَا يَمْنَعُهُ مِنَ الِانْتِقَامِ مِنْهُ مَانِعٌ وَلَا يَنْصُرُهُ مِنْهُ نَاصِرٌ، حَكِيمٌ فِي انْتِقَامِهِ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١١ ‏/ ٥٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «كُلُّ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ: دُعَاءٌ مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ: النَّهْي عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّيَاطِينِ»
١١ ‏/ ٥٥٧
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [التوبة: ٧١] قَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ»
١١ ‏/ ٥٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَرُّوا بِهِ ⦗٥٥٨⦘ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: بَسَاتِينَ تَجْرِي تَحْتَ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ. ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: لَابِثِينَ فِيهَا أَبَدًا مُقِيمِينَ لَا يَزُولُ عَنْهُمْ نَعِيمُهَا. وَلَا يَبِيدُ. ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً﴾ [التوبة: ٧٢] يَقُولُ: وَمَنَازِلَ يَسْكُنُونَهَا طَيِّبَةً. وَ«طِيبُهَا»
١١ ‏/ ٥٥٧
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَأَلْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ آيَةٍ، فِي كِتَابِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] فَقَالَا: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤٍ، فِيهِ سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيرًا»
١١ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ جَسْرِ بْنِ فَرْقَدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] قَالَ: «قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ، فِي ذَلِكَ الْقَصْرِ سَبْعُونَ دَارًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ بَيْتًا مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ فِرَاشًا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً، عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْنًا مِنْ طَعَامٍ، فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفَةً، وَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ مِنَ الْقُوَّةِ فِي غَدَاةٍ ⦗٥٥٩⦘ وَاحِدَةٍ مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْمَعَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَهَذِهِ الْمَسَاكِنُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَفِي مِنْ صِلَةِ مَسَاكِنَ. وَقِيلَ: جَنَّاتُ عَدْنٍ؛ لِأَنَّهَا بَسَاتِينُ خُلْدٍ وَإِقَامَةٍ لَا يَظْعَنُ مِنْهَا أَحَدٌ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهَا جَنَّاتُ عَدْنٍ؛ لِأَنَّهَا دَارُ اللَّهِ الَّتِي اسْتَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: عَدْنُ فُلَانٍ بِأَرْضِ كَذَا، إِذَا أَقَامَ بِهَا وَخَلَدَ بِهَا، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ، وَيُقَالُ: هُوَ فِي مَعْدِنِ صَدْقٍ، يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ فِي أَصْلٍ ثَابِتٍ، وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الرُّوَاةِ بَيْتَ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب]

وَإِنْ تَسْتَضِيفُوا إِلَى حُكْمِهِ … تُضَافُوا إِلَى رَاجِحٍ قَدْ عَدَنْ
وَيُنْشَدُ: «قَدْ وَزَنْ» . وَكَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ

١١ ‏/ ٥٥٨
فِيمَا ذُكِرَ يَتَأَوَّلُونَهُ. ⦗٥٦٠⦘ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] قَالَ: مَعْدِنُ الرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ»
١١ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ: فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَيَمْحُوَ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَلَمْ تَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ، وَلَا يَسْكُنُ مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ: النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ». وَذَكَرَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ
١١ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا زِيَادَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَدْنٌ دَارُهُ» يَعْنِي دَارَ اللَّهِ «الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَلَمْ تَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَهِيَ مَسْكَنُهُ، وَلَا يَسْكُنُهَا مَعَهُ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرُ ثَلَاثٍ: النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] جَنَّاتِ أَعْنَابٍ وَكُرُومٍ
١١ ‏/ ٥٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢]، فَقَالَ: «هِيَ الْكُرُومُ وَالْأَعْنَابُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ اسْمٌ لِبُطْنَانِ الْجَنَّةِ وَوَسَطِهَا
١١ ‏/ ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «عَدْنٌ: بُطْنَانُ الْجَنَّةِ»
١١ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] قَالَ: بُطْنَانُ الْجَنَّةِ. قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ: فَقُلْتُ: مَا بُطْنَانُهَا؟ وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، فِي حَدِيثِهِ: فَقُلْتُ لِلْأَعْمَشِ: مَا بُطْنَانُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: وَسَطُهَا»
١١ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ وَأَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] قَالَ: بُطْنَانُ الْجَنَّةِ». ⦗٥٦٢⦘ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] قَالَ: بُطْنَانُ الْجَنَّةِ»
١١ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] قَالَ: بُطْنَانُ الْجَنَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَدْنٌ: اسْمٌ لِقَصْرٍ
١١ ‏/ ٥٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ أَبُو غَسَّانَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ مُوسَى الْكِنَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «جَنَّاتُ عَدْنٍ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا جَنَّاتُ عَدْنٍ، قَصْرٌ مِنْ ذَهَبٍ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نَبِيُّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ أَوْ حَكَمٌ عَدْلٌ. وَرَفَعَ بِهِ صَوْتَهُ»
١١ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عَوْنُ بْنُ ⦗٥٦٣⦘ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ، يَقُولُ: «جَنَّاتُ عَدْنٍ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا جَنَّاتُ عَدْنٍ، قَصْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نَبِيُّ أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ، أَوْ حَكَمٌ عَدْلٌ وَرَفَعَ الْحَسَنُ بِهِ صَوْتَهُ»
١١ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ: عَدْنٌ، حَوْلَهُ الْبُرُوجُ وَالْمُرُوجُ، لَهُ خَمْسُونَ أَلْفَ بَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ حِبَرَةٌ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نَبِيُّ أَوْ صِدِّيقٌ»
١١ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «أَنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا يُقَالُ لَهُ عَدْنٌ، لَهُ خَمْسَةُ آلَافِ بَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ خَمْسَةُ آلَافِ حِبَرَةٍ، لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا نَبِيُّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» وَقِيلَ: هِيَ مَدِينَةُ الْجَنَّةِ
١١ ‏/ ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿فِي جَنَّاتِ ⦗٥٦٤⦘ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] قَالَ: هِيَ مَدِينَةُ الْجَنَّةِ، فِيهَا الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَأَئِمَّةُ الْهُدَى، وَالنَّاسُ حَوْلَهُمْ بَعْدُ، وَالْجَنَّاتُ حَوْلَهَا» وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ نَهْرٍ
١١ ‏/ ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «عَدْنٌ: نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ، جَنَّاتُهُ عَلَى حَافَتَيْهِ»
١١ ‏/ ٥٦٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة: ٧٢] فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَرِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ أَنَا أَعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا»
١١ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثني يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: «يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ الشَّاحِبِ إِلَى الرَّجُلِ، حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِكَرَامَةِ اللَّهِ، أَبْشِرْ بِرِضْوَانِ اللَّهِ، فَيَقُولُ مِثْلُكَ مَنْ يُبَشِّرُ بِالْخَيْرِ، وَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا الْقُرْآنُ الَّذِي كُنْتُ أُسْهِرُ لَيْلَكَ، وَأُظْمِئُ نَهَارَكَ. فَيَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ رَبَّهُ، فَيَمْثُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ هَذَا اجْزِهِ عَنِّي خَيْرًا، فَقَدْ كُنْتُ أُسْهِرُ لَيْلَهُ، وَأُظْمِئُ نَهَارَهُ، وَآمُرُهُ فَيُطِيعُنِي، وَأَنْهَاهُ فَيُطِيعُنِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى: فَلَهُ حُلَّةُ الْكَرَامَةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ زِدْهُ، فَإِنَّهُ أَهْلُ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: فَلَهُ رِضْوَانِي، قَالَ: وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ» وَابْتُدِئَ الْخَبَرُ عَنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَرُفِعَ، وَإِنْ كَانَ الرِّضْوَانُ فِيمَا قَدْ وَعَدَهُمْ، وَلَمْ يُعْطَفْ بِهِ فِي الْإِعْرَابِ عَلَى الْجَنَّاتِ وَالْمَسَاكِنِ الطَّيِّبَةِ، لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ تَفْضِيلُ اللَّهِ رِضْوَانَهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَائِرِ مَا قَسَمَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْطَاهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ، نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْكَلَامِ الْآخَرِ أَعْطَيْتُكَ وَوَصَلْتُكَ بِكَذَا، وَأَكْرَمْتُكَ، وَرِضَايَ بَعْدُ عَنْكَ أَفْضَلُ ذَلِكَ. ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ٧٢] هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي وَعُدْتُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، يَقُولُ: هُوَ الظَّفَرُ الْعَظِيمُ وَالنَّجَاءُ الْجَسِيمُ؛ لِأَنَّهُمْ ظَفَرُوا بِكَرَامَةِ الْأَبَدِ، وَنَجَوْا مِنَ الْهَوَانِ فِي السَّفَرِ، فَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْهُ
١١ ‏/ ٥٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة: ٧٣]⦗٥٦٦⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالْمُنَافِقِينَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْجِهَادِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ، وَبِكُلِّ مَا أَطَاقَ جِهَادَهُمْ بِهِ
١١ ‏/ ٥٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُنْدُبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [التوبة: ٧٣] قَالَ: بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَكْفَهِرَّ فِي وَجْهِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أَمَرَهُ بِجَهَادِهِمْ بِاللِّسَانِ
١١ ‏/ ٥٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: «﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ بِالسَّيْفِ وَالْمُنَافِقِينَ بِاللِّسَانِ، وَأَذْهَبَ الرِّفْقَ عَنْهُمْ»
١١ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [التوبة: ٧٣] قَالَ: الْكُفَّارَ بِالْقِتَالِ، وَالْمُنَافِقِينَ: أَنْ تَغْلُظَ عَلَيْهِمْ بِالْكَلَامِ»
١١ ‏/ ٥٦٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] يَقُولُ: جَاهِدِ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَاغْلُظْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِالْكَلَامِ، وَهُوَ مُجَاهَدَتُهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أَمَرَهُ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ
١١ ‏/ ٥٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [التوبة: ٧٣] قَالَ: جَاهِدِ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَالْمُنَافِقِينَ بِالْحُدُودِ، أَقِمْ عَلَيْهِمْ حُدُودَ اللَّهِ»
١١ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُجَاهِدَ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَيَغْلُظَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ فِي الْحُدُودِ» ⦗٥٦٨⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ مِنْ جِهَادِ الْمُنَافِقِينَ، بِنَحْوِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ تَرَكَهُمْ ﷺ مُقِيمِينَ بَيْنَ أَظْهُرِ أَصْحَابِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِقِتَالِ مَنْ أَظْهَرَ مِنْهُمْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ، ثُمَّ أَقَامَ عَلَى إِظْهَارِهِ مَا أَظْهَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَأَخَذَ بِهَا، أَنْكَرَهَا وَرَجَعَ عَنْهَا وَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بِلِسَانِهِ، أَنْ يُحْقَنَ بِذَلِكَ لَهُ دَمُهُ وَمَالُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا غَيْرَ ذَلِكَ، وَتَوَكَّلَ هُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِسَرَائِرِهِمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْخَلْقِ الْبَحْثَ عَنِ السَّرَائِرِ، فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ وَاطِّلَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى ضَمَائِرِهِمْ وَاعْتِقَادِ صُدُورِهِمْ، كَانَ يُقِرُّهُمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَسْلُكُ بِجَهَادِهِمْ مَسْلَكَ جِهَادِ مَنْ قَدْ نَاصَبَهُ الْحَرْبَ عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ قَالَ قَوْلًا كَفَرَ فِيهِ بِاللَّهِ ثُمَّ أُخِذَ بِهِ أَنْكَرَهُ، وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بِلِسَانِهِ، فَلَمْ يَكُنْ ﷺ يَأْخُذُهُ إِلَّا بِمَا أَظْهَرَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ حُضُورِهِ إِيَّاهُ وَعَزْمِهِ عَلَى إِمْضَاءِ الْحُكْمِ فِيهِ، دُونَ مَا سَلَفَ مِنْ قَوْلٍ كَانَ نَطَقَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَدُونَ اعْتِقَادِ ضَمِيرِهِ الَّذِي لَمْ يُبِحِ اللَّهُ لِأَحَدٍ الْأَخْذَ بِهِ فِي الْحُكْمِ وَتَوَلَّى الْأَخْذَ بِهِ هُوَ دُونَ خَلْقِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاشْدُدْ عَلَيْهِمْ بِالْجِهَادِ وَالْقِتَالِ ⦗٥٦٩⦘ وَالْإِرْهَابِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ [التوبة: ٧٣] يَقُولُ: وَمَسَاكِنُهُمْ جَهَنَّمُ وَهِيَ مَثْوَاهُمْ وَمَأْوَاهُمْ. ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة: ٧٣] يَقُولُ: وَبِئْسَ الْمَكَانُ الَّذِي يُصَارُ إِلَيْهِ جَهَنَّمُ
١١ ‏/ ٥٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [التوبة: ٧٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ، وَالْقَوْلُ الَّذِي كَانَ قَالَهُ، الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ
١١ ‏/ ٥٦٩
وَكَانَ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا، لَنَحْنُ أَشَرُّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ امْرَأَتِهِ: وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَا قُلْتَ، فَإِنِّي إِنْ لَا أَفْعَلَ أَخَافُ أَنْ تُصِيبَنِيَ قَارِعَةٌ وَأُؤَاخَذَ بِخَطِيئَتِكَ، فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْجُلَاسَ، فَقَالَ: «يَا جُلَاسُ أَقُلْتَ كَذَا وَكَذَا؟» فَحَلَفَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ ⦗٥٧٠⦘ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤]
١١ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٤] فِي الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، أَقْبَلَ هُوَ وَابْنُ امْرَأَتِهِ مُصْعَبٌ مِنْ قُبَاءَ، فَقَالَ الْجُلَاسُ: إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا، لَنَحْنُ أَشَرُّ مِنْ حَمِيرِنَا هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا، فَقَالَ مُصْعَبٌ: أَمَا وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِمَا قُلْتَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ تُصِيبَنِي قَارِعَةٌ أَوْ أَنْ أَخْلِطَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْبَلْتُ أَنَا وَالْجُلَاسُ مِنْ قُبَاءَ، فَقَالَ كَذَا وَكَذَا، وَلَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ أُؤَاخَذَ بِخَطِيئَةٍ أَوْ تُصِيبَنِي قَارِعَةٌ مَا أَخْبَرْتُكَ، قَالَ: فَدَعَا الْجُلَاسَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا جُلَاسُ أَقُلْتَ الَّذِي قَالَ مُصْعَبٌ؟» قَالَ: فَحَلَفَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٤] الْآيَةَ
١١ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَ الَّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِيمَا بَلَغَنِي الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، فَرَفَعَهَا عَنْهُ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ يُقَالُ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ، فَأَنْكَرَ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَهَا، فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِ ⦗٥٧١⦘ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فِيمَا بَلَغَنِي»
١١ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ أَحَدُهُمْ: لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ مَا قَالَ لَحَقٌّ وَلَأَنْتَ شَرٌّ مِنْ حِمَارٍ، قَالَ: فَهَمَّ الْمُنَافِقُونَ بِقَتْلِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤]» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٥٧١
حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسًا فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، فَقَالَ: «إِنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَانٌ فَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ بِعَيْنَيْ شَيْطَانٍ، فَإِذَا جَاءَ فَلَا تُكَلِّمُوهُ» فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَعَ رَجُلٌ أَزْرَقُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «عَلَامَ تَشْتُمُنِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟» فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَجَاءَ بِأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَمَا فَعَلُوا حَتَّى تَجَاوَزَ عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤] ثُمَّ نَعَتَهُمْ جَمِيعًا، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ⦗٥٧٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قَالُوا: وَالْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَهَا
١١ ‏/ ٥٧١
مَا حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: ١٠٧] قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلَيْنِ اقْتَتَلَا، أَحَدُهُمَا مِنْ جُهَيْنَةَ وَالْآخَرُ مِنْ غِفَارٍ، وَكَانَتْ جُهَيْنَةُ حُلَفَاءَ الْأَنْصَارِ. وَظَهَرَ الْغِفَارِيُّ عَلَى الْجُهَنِيِّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِلْأَوْسِ: انْصُرُوا أَخَاكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، وَقَالَ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] فَسَعَى بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ، فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٧٤]»
١١ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ كَذِبًا عَلَى كَلِمَةِ كُفْرٍ تَكَلَّمُوا بِهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوهَا. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ الْجُلَاسَ قَالَهُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَائِلُهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ. وَالْقَوْلُ مَا ذَكَرَهُ قَتَادَةُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ، وَلَا عِلْمَ لَنَا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَيٍّ؛ إِذْ كَانَ لَا خَبَرَ بِأَحَدِهِمَا يُوجِبُ الْحُجَّةَ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى يَقِينِ الْعِلْمِ بِهِ، وَلَيْسَ مِمَّا يُدْرَكُ عِلْمُهُ بِفِطْرَةِ الْعَقْلِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٤]
١١ ‏/ ٥٧٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي كَانَ هَمَّ بِذَلِكَ وَمَا الشَّيْءُ الَّذِي كَانَ هَمَّ بِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَانَ الَّذِي هَمَّ بِهِ قَتْلَ ابْنِ امْرَأَتِهِ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ مَا قَالَ وَخَشِيَ أَنْ يُفْشِيَهُ عَلَيْهِ
١١ ‏/ ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هَمَّ الْمُنَافِقُ بِقَتْلِهِ، يَعْنِي قَتْلَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْحِمَارِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤]» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ الَّذِي هَمَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي هَمَّ بِهِ قَتْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١١ ‏/ ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ هَمَّ بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُقَالُ لَهُ الْأَسْوَدُ» قَالَ آخَرُونَ: الَّذِي هَمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَكَانَ هَمُّهُ الَّذِي لَمْ يَنَلْهُ
١١ ‏/ ٥٧٣
قَوْلَهُ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةَ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] وَقَوْلَهُ: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُنَافِقَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ بِأَنْ قُتِلَ لَهُ مَوْلًى، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دِيَتَهُ. فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا نَقَمُوا﴾ [التوبة: ٧٤] يَقُولُ: مَا أَنْكَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا ﴿إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤]
١١ ‏/ ٥٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤] وَكَانَ الْجُلَاسُ قُتِلَ لَهُ مَوْلًى لَهُ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِدِيَتِهِ، فَاسْتَغْنَى، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤]»
١١ ‏/ ٥٧٤
قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فِي مَوْلًى لِبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ» وَفِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤]
١١ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ: كَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ دِيَةٌ، فَأَخْرَجَهَا ⦗٥٧٥⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَهُ»
١١ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ مَوْلًى، لِبَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ قَتَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالدِّيَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَفِيهِ أُنْزِلَتْ: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ عَمْرٌو: لَمْ أَسْمَعْ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا مِنْ عِكْرِمَةَ، يَعْنِي الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا»
١١ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَوَقِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ: بِأَخْذِ الدِّيَةِ»
١١ ‏/ ٥٧٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ يَتُبْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ مِنْ قِيلِهِمُ الَّذِي قَالُوهُ فَرَجَعُوا عَنْهُ، يَكُ رُجُوعُهُمْ وَتَوْبَتُهُمْ مِنْ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ مِنَ النِّفَاقِ. ﴿وَإِنْ يَتَولَّوْا﴾ [التوبة: ٧٤] يَقُولُ: وَإِنْ يُدْبِرُوا عَنِ التَّوْبَةِ فَيَأْبَوْهَا، وَيُصِرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ ﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [التوبة: ٧٤] يَقُولُ: يُعَذِّبْهُمْ عَذَابًا مُوجِعًا فِي الدُّنْيَا، إِمَّا بِالْقَتْلِ، وَإِمَّا بِعَاجِلِ خِزْي لَهُمْ فِيهَا، وَيُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ.
١١ ‏/ ٥٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [التوبة: ٧٤] يَقُولُ: وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ إِنْ عَذَّبَهُمُ اللَّهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، مِنْ وَلِيٍّ يُوَالِيهِ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَلَا نَصِيرٍ يَنْصُرُهُ مِنَ اللَّهِ، فَيُنْقِذُهُ مِنْ عِقَابِهِ وَقَدْ كَانُوا أَهْلَ عَزٍّ وَمَنَعَةٍ بِعَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ يَمْتَنِعُونَ بِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَمْنَعُونَهُمْ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ، لَا يَمْنَعُونَهُمْ مِنَ اللَّهِ وَلَا يَنْصُرُونَهُمْ مِنْهُ إِذا احْتَاجُوا إِلَى نَصْرِهِمْ. وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِيَ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ تَابَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ النِّفَاقِ
١١ ‏/ ٥٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٤] قَالَ: قَالَ الْجُلَاسُ: «قَدِ اسْتَثْنَى اللَّهُ لِي التَّوْبَةَ، فَأَنَا أَتُوبُ، فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
١١ ‏/ ٥٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٤] الْآيَةَ، فَقَالَ الْجُلَاسُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى اللَّهَ قَدِ اسْتَثْنَى لِيَ التَّوْبَةَ، فَأَنَا أَتُوبُ، فَتَابَ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهُ»
١١ ‏/ ٥٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ صِفَتَهُمْ ﴿مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ [التوبة: ٧٥] يَقُولُهُ: أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا ﴿لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥]
١١ ‏/ ٥٧٦
يَقُولُ: لَئِنْ أَعْطَانَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَرَزَقَنَا مَالًا، وَوَسَّعَ عَلَيْنَا مِنْ عِنْدِهِ ﴿لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ [التوبة: ٧٥] يَقُولُ: لَنُخْرِجَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي رَزَقَنَا رَبُّنَا ﴿وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [التوبة: ٧٥] يَقُولُ: وَلَنَعْمَلَنَّ فِيهَا بِعَمَلِ أَهْلِ الصَّلَاحِ بِأَمْوَالِهِمْ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ بِهِ وَإِنْفَاقِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: فَرَزَقَهُمُ اللَّهُ وَآتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. ﴿فَلَمَّا آتَاهُمْ﴾ [التوبة: ٧٦] اللَّهُ ﴿مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ﴾ [التوبة: ٧٦] بِفَضْلِ اللَّهِ الذي آتَاهُمْ فَلَمْ يَصَّدَّقُوا مِنْهُ وَلَمْ يَصِلُوا مِنْهُ قَرَابَةً وَلَمْ يُنْفِقُوا مِنْهُ فِي حَقِّ اللَّهِ ﴿وَتَوَلَّوْا﴾ [التوبة: ٧٦] يَقُولُ وَأَدْبَرُوا عَنْ عَهْدِهِمُ الَّذِي عَاهَدُوهُ اللَّهَ ﴿وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [آل عمران: ٢٣] عَنْهُ ﴿فَأَعْقَبَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٧] اللَّهُ ﴿نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٧] بِبُخْلِهِمْ بِحَقِّ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فِيمَا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَإِخْلَافِهِمُ الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدُوا اللَّهَ وَنَقْضِهِمْ عَهْدَهُ فِي قُلُوبِهِمْ ﴿إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ﴾ [التوبة: ٧٧] مِنَ الصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ ﴿وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] فِي قِيلِهِمْ وَحَرَمَهُمُ التَّوْبَةَ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اشْتَرَطَ فِي نِفَاقِهِمْ أَنَّهُ أَعْقَبَهُمُوهُ ﴿إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ [التوبة: ٧٧] وَذَلِكَ يَوْمُ مَمَاتِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
١١ ‏/ ٥٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٥٧٨⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَتَى مَجْلِسًا فَأَشْهَدَهُمْ، فَقَالَ: لَئِنْ آتَانِيَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، آتَيْتُ مِنْهُ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَتَصَدَّقْتُ مِنْهُ، وَوَصَلْتُ مِنْهُ الْقَرَابَةَ، فَابْتَلَاهُ اللَّهُ فَآتَاهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَأَخْلَفَ اللَّهَ مَا وَعْدَهُ، وَأَغْضَبَ اللَّهَ بِمَا أَخْلَفَ مَا وَعْدَهُ، فَقَصَّ اللَّهُ شَأْنَهُ فِي الْقُرْآنِ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧]»
١١ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ السُّلَمِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْأَلْهَانِيِّ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِيَ مَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ، خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ» قَالَ: ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيِّ اللَّهِ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ تَسِيرَ مَعِيَ الْجِبَالُ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَسَارَتْ» قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَئِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَرَزَقَنِي مَالًا لَأُعْطِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا» . قَالَ: فَاتَّخَذَ غَنَمًا، فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ فَتَنَحَّى عَنْهَا، فَنَزَلَ وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَتِهَا، حَتَّى جَعَلَ ⦗٥٧٩⦘ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي جَمَاعَةٍ، وَيَتْرُكَ مَا سِوَاهُمَا. ثُمَّ نَمَتْ وَكَثُرَتْ، فَتَنَحَّى حَتَّى تَرَكَ الصَّلَوَاتِ إِلَّا الْجُمُعَةَ، وَهِيَ تَنْمُو كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، حَتَّى تَرَكَ الْجُمُعَةَ. فَطَفِقَ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَسْأَلُهُمْ عَنِ الْأَخْبَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا فَعَلَ ثَعْلَبَةُ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّخَذَ غَنَمًا فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ، فَأَخْبَرُوهُ بِأَمْرِهِ، فَقَالَ: «يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ، يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ، يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ» قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: ١٠٣] الْآيَةَ. وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلَيْنِ عَلَى الصَّدَقَةِ، رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ، وَرَجُلًا مِنْ سُلَيْمٍ، وَكَتَبَ لَهُمَا كَيْفَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ لَهُمَا: «مُرَّا بِثَعْلَبَةَ، وَبِفُلَانٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَخُذَا صَدَقَاتِهِمَا» فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا ثَعْلَبَةَ، فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ، وَأَقْرَأَاهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ، مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ، مَا أَدْرِي مَا هَذَا، انْطَلِقَا حَتَّى تَفْرُغَا ثُمَّ عُودَا إِلَيَّ، فَانْطَلَقَا، وَسَمِعَ بِهِمَا السُّلَمِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى خِيَارِ أَسْنَانِ إِبِلِهِ فَعَزَلَهَا لِلصَّدَقَةِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُمْ بِهَا، فَلَمَّا رَأَوْهَا، قَالُوا: مَا يَجِبُ عَلَيْكَ هَذَا، وَمَا نُرِيدُ أَنْ نَأْخُذَ هَذَا مِنْكَ. قَالَ: بَلَى فَخُذُوهُ، فَإِنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ لِي فَأَخَذُوهَا مِنْهُ. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ صَدَقَاتِهِمَا رَجَعَا، حَتَّى مَرَّا بِثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: أَرُونِي كِتَابَكُمَا، فَنَظَرَ فِيهِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ، انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي. فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمَّا رَآهُمَا قَالَ: «يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ» قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا، وَدَعَا لِلسُّلَمِيِّ بِالْبَرَكَةِ، فَأَخْبَرَاهُ بِالَّذِي صَنَعَ ثَعْلَبَةُ، وَالَّذِي صَنَعَ السُّلَمِيُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِيهِ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [التوبة: ٧٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَاهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ، قَدْ أَنْزَلَ ⦗٥٨٠⦘ اللَّهُ فِيكَ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَجَ ثَعْلَبَةُ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ صَدَقَتَهُ. فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ» فَجَعَلَ يُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ لَّهِ ﷺ: «هَذَا عَمَلُكَ، قَدْ أَمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي» . فَلَمَّا أَبِي أَنْ يَقْبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ حِينَ اسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَوْضِعِي مِنَ الْأَنْصَارِ، فَاقْبَلْ صَدَقَتِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَقْبَلُهَا؟ فَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَقْبِضْهَا. فَلَمَّا وَلِي عُمَرُ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْبَلْ صَدَقَتِي، فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَنَا لَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ، فَقُبِضَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا. ثُمَّ وَلِي عُثْمَانُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ صَدَقَتَهُ، فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَأَنَا لَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ، وَهَلَكَ ثَعْلَبَةُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ “
١١ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ الْآيَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَئِنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَآتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَصَنَعَ فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ. قَالَ: فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ إِلَى ⦗٥٨١⦘ قَوْلِهِ: وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَدَّثَ أَنَّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام لَمَّا جَاءَ بِالتَّوْرَاةِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّ التَّوْرَاةَ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّا لَا نَفْرُغُ لَهَا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ جِمَاعًا مِنَ الْأَمْرِ نُحَافِظُ عَلَيْهِ وَنَتَفَرَّغُ فِيهِ لِمَعَايِشِنَا، قَالَ: يَا قَوْمِ مَهْلًا مَهْلًا، هَذَا كِتَابُ اللَّهِ، وَنُورُ اللَّهِ، وَعِصْمَةُ اللَّهِ. قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، قَالَهَا ثَلَاثًا. قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالَ: يَا رَبِّ يَقُولُونَ: كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ: فَإِنِّي آمُرُهُمْ بِثَلَاثٍ إِنْ حَافَظُوا عَلَيْهِنَّ دَخَلُوا بِهِنَّ الْجَنَّةَ: أَنْ يَنْتَهُوا إِلَى قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ فَلَا يَظْلِمُوا فِيهَا، وَلَا يُدْخِلُوا أَبْصَارَهُمُ الْبُيُوتَ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُمْ، وَأَنْ لَا يَطْعَمُوا طَعَامًا حَتَّى يَتَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ. قَالَ: فَرَجَعَ بِهِنَّ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى قَوْمِهِ، فَفَرِحُوا وَرَأَوْا أَنَّهُمْ سَيَقُومُونَ بِهِنَّ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ الْقَوْمُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَنَحُوا، وَانْقَطَعَ بِهِمْ، فَلَمَّا حَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: «تَكَفَّلُوا لِي بِسِتٍّ أَتَكَفَّلْ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ» قَالُوا: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا حَدَّثْتُمْ فَلَا تَكْذِبُوا، وَإِذَا وَعَدْتُمْ فَلَا تَخْلِفُوا، وَإِذَا اؤْتُمِنْتُمْ فَلَا تَخُونُوا، وَكُفُّوا أَبْصَارَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَفُرُوجَكُمْ أَبْصَارَكُمْ عَنِ الْخِيَانَةِ وَأَيْدِيَكُمْ عَنِ السَّرِقَةِ وَفُرُوجَكُمْ عَنِ الزِّنَا»
١١ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ صَارَ مُنَافِقًا وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَعْنِيُّ بِذَلِكَ: رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا ثَعْلَبَةُ، وَالْآخَرُ مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ
١١ ‏/ ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] إِلَى الْآخِرِ، وَكَانَ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، هُمَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ»
١١ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] قَالَ: رَجُلَانِ خَرَجَا عَلَى مَلَإٍ قُعُودٍ، فَقَالَا: وَاللَّهِ لَئِنْ رَزَقَنَا اللَّهُ لَنَصَّدَّقَنَّ، فَلَمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ بَخِلُوا بِهِ»
١١ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] رَجُلَانِ خَرَجَا عَلَى مَلَإٍ قُعُودٍ، فَقَالَا: وَاللَّهِ لَئِنْ رَزَقَنَا اللَّهُ لَنَصَّدَّقَنَّ، فَلَمَّا رَزَقَهُمْ بَخِلُوا بِهِ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ حِينَ قَالُوا: لَنَصَّدَّقَنَّ، فَلَمْ يَفْعَلُوا». ⦗٥٨٣⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ، قَالَ: هَؤُلَاءِ صِنْفٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمْ ذَلِكَ بَخِلُوا بِهِ، فَلَمَّا بَخِلُوا بِذَلِكَ أَعْقَبَهُمْ بِذَلِكَ نِفَاقًا إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ، لَيْسَ لَهُمْ مِنْهُ تَوْبَةٌ وَلَا مَغْفِرَةٌ وَلَا عَفْوٌ، كَمَا أَصَابَ إِبْلِيسَ حِينَ مَنَعَهُ التَّوْبَةَ» وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْإِبَانَةُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ عَلَامَةِ أَهْلِ النِّفَاقِ، أَعْنِي فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] . وَبِنَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ كَانَ يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَوَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
١١ ‏/ ٥٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «اعْتَبِرُوا الْمُنَافِقَ بِثَلَاثٍ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧]»
١١ ‏/ ٥٨٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ السَّمَّاكِ، عَنْ صُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» قَالَ: وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [التوبة: ٧٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ صُبَيْحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْسِيَّ يَقُولُ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، عَنِ الْمُنَافِقِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ الْمُنَافِقَ يُعْرَفُ بِثَلَاثٍ: بِالْكَذِبِ، وَالْإِخْلَافِ، وَالْخِيَانَةِ. فَالْتَمَسْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ زَمَانًا لَا أَجِدُهَا. ثُمَّ وَجَدْتُهَا فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ: قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ [التوبة: ٧٥] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هَذِهِ الْآيَةُ»
١١ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا أُسَامَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ لَئِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَلَقِيَنِي، فَتَقَاضَانِي وَلَيْسَ عِنْدِي، وَخِفْتُ أَنْ يَحْبِسَنِيَ وَيُهْلِكَنِي، فَوَعَدْتُهُ أَنْ أَقْضِيَهُ رَأْسَ الْهِلَالِ فَلَمْ أَفْعَلْ، أَمُنَافِقٌ أَنَا؟ قَالَ. هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ. ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَاهُ لَمَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ: زَوِّجُوا فُلَانًا فَإِنِّي وَعَدْتُهُ أَنْ أُزَوِّجَهُ، لَا أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ وَيَكُونُ ثُلُثُ الرَّجُلِ مُنَافِقًا وَثُلُثَاهُ مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ. قَالَ: فَحَجَجْتُ فَلَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، فَأَخْبَرْتُهُ الْحَدِيثَ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ الْحَسَنِ، وَبِالَّذِي قُلْتُ لَهُ وَقَالَ لِي فَقَالَ: أَعَجَزْتَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ عليه السلام، أَلَمْ يَعِدُوا أَبَاهُمْ فَأَخْلَفُوهُ وَحَدَّثُوهُ فَكَذَبُوهُ وَأْتَمَنَهُمْ فَخَانُوهُ، أَفَمُنَافِقِينَ كَانُوا؟ أَلَمْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ أَبُوهُمْ نَبِيٌّ وَجَدُّهُمْ نَبِيٌّ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لِعَطَاءٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي بِأَصْلِ النِّفَاقِ، وَبِأَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا قَالَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُنَافِقِينَ خَاصَّةً الَّذِينَ حَدَّثُوا النَّبِيَّ فَكَذَبُوهُ، وَأْتَمَنَهُمْ عَلَى سِرِّهِ فَخَانُوهُ، وَوَعَدُوهُ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ فِي الْغَزْوِ فَأَخْلَفُوهُ. قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ مَكَّةَ، فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ وَاكْتُمُوا» قَالَ: فَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا يُرِيدُكُمْ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ⦗٥٨٦⦘: ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧] وَأَنْزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] إِلَى ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧] فَإِذَا لَقِيتَ الْحَسَنَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ بِأَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِمَا قُلْتُ لَكَ، قَالَ: فَقَدِمْتُ عَلَى الْحَسَنِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ أَخَاكَ عَطَاءً يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَ وَمَا قَالَ لِي. فَأَخَذَ الْحَسَنُ بِيَدِي فَأَمَالَهَا وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ هَذَا؟ سَمِعَ مِنِّيَ حَدِيثًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ حَتَّى اسْتَنْبَطَ أَصْلَهُ، صَدَقَ عَطَاءٌ، هَكَذَا الْحَدِيثُ، وَهَذَا فِي الْمُنَافِقِينَ خَاصَّةً
١١ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُنَافِقٌ» فَقِيلَ لَهُ: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: «إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»
١١ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: ثنا مَيْسَرَةُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَائِلٍ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: «إِنَّ فُلَانًا خَطَبَ إِلَيَّ ابْنَتِي، وَإِنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ فِيهَا قَوْلًا شَبِيهًا بِالْعِدَّةِ، وَاللَّهِ لَا أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ، وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُهُ» وَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ الْعَهْدُ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ شَيْئًا نَوَوْهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ
١١ ‏/ ٥٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، يَقُولُ: «رَكِبْتُ الْبَحْرَ فَأَصَابَنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَنَذَرَ قَوْمٌ مِنَّا نُذُورًا، وَنَوَيْتُ أَنَا لَمْ أَتَكَلَّمْ بِهِ. فَلَمَّا قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، سَأَلْتُ أَبِي سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لِي يَا بَنَيَّ، فُهْ بِهِ»
١١ ‏/ ٥٨٧
قَالَ مُعْتَمِرٌ، وَثَنًا كَهْمَسٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ نَوَوْهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [التوبة: ٧٨]»
١١ ‏/ ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾ [التوبة: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ سِرًّا، وَيُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ بِهِمَا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِمَا جَهْرًا، أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمُ الَّذِي يُسِرُّونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ﴿وَنَجْوَاهُمْ﴾ [التوبة: ٧٨] يَقُولُ: وَنَجْوَاهُمْ إِذَا تَنَاجَوْا بَيْنَهُمْ بِالطَّعْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَذِكْرِهِمْ بِغَيْرِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرُوا بِهِ، فَيَحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ عُقُوبَتَهُ أَنْ يُحِلَّهَا بِهِمْ وَسَطْوَتَهُ أَنْ يُوقِعَهَا بِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَعَيْبِهِمْ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَيَنْزَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيَتُوبُوا مِنْهُ. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [التوبة: ٧٨] يَقُولُ: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ مَا غَابَ عَنْ أَسْمَاعِ خَلْقِهِ
١١ ‏/ ٥٨٧
وَأَبْصَارِهِمْ وَحَوَاسِّهِمْ مِمَّا أَكْنَتْهُ نُفُوسُهُمْ، فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى جَوَارِحِهِمُ الظَّاهِرَةِ فَيَنْهَاهُمْ ذَلِكَ عَنْ خِدَاعِ أَوْلِيَائِهِ بِالنِّفَاقِ وَالْكَذِبِ، وَيَزْجُرُهُمْ عَنْ إِضْمَارِ غَيْرَ مَا يُبْدُونَهُ وَإِظْهَارِ خِلَافَ مَا يَعْتَقِدُونَهُ
١١ ‏/ ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْحَاجَةِ، بِمَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَيَطْعَنُونَ فِيهَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّمَا تَصَدَّقُوا بِهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَلَمْ يُرِيدُوا وَجْهَ اللَّهِ، وَيَلْمِزُونَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَتَصَدَّقُونَ بِهِ إِلَّا جُهْدَهُمْ، وَذَلِكَ طَاقَتَهُمْ، فَيَنْتَقِصُونَهُمْ وَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ اللَّهُ عَنْ صَدَقَةِ هَؤُلَاءِ غَنِيًّا، سُخْرِيَةً مِنْهُمْ بِهِمْ. ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] وَقَدْ بَيَّنَّا صِفَةَ سُخْرِيَةِ اللَّهِ بِمَنْ يَسْخَرُ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا. ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠] يَقُولُ: وَلَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ مُوجِعٌ مُؤْلِمٌ. وَذُكِرَ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٧٩] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ. وَأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] أَبُو عَقِيلٍ الْأَرَاشِيُّ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ
١١ ‏/ ٥٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] قَالَ: جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: وَاللَّهِ مَا جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمَا جَاءَ بِهِ إِلَّا رِيَاءً، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَغَنِيَّيْنِ عَنْ هَذَا الصَّاعِ»
١١ ‏/ ٥٨٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ يَوْمًا فَنَادَى فِيهِمْ: أَنِ اجْمَعُوا صَدَقَاتِكُمْ، فَجَمَعَ النَّاسُ صَدَقَاتَهُمْ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَحْوَجِهِمْ بِمَنٍّ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، بِتُّ لَيْلَتِي أَجُرُّ بِالْجَرِيرِ الْمَاءَ حَتَّى نِلْتُ صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَمْسَكْتُ أَحَدَهُمَا وَأَتَيْتُكَ بِالْآخَرِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَنْثُرَهُ فِي الصَّدَقَاتِ. فَسَخِرَ مِنْهُ رِجَالٌ وَقَالُوا: وَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَغَنِيَّانِ عَنْ هَذَا، وَمَا يَصْنَعَانِ بِصَاعِكَ مِنْ شَيْءٍ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: هَلْ بَقِيَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ ⦗٥٩٠⦘ أَهْلِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ؟ فَقَالَ: «لَا» فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ عِنْدِي مِائَةَ أُوقِيَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي الصَّدَقَاتِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَجْنُونٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِي جُنُونٌ. فَقَالَ: أَتَعْلَمُ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ: أَمَّا أَرْبَعَةٌ فَأُقْرِضُهَا رَبِّي، وَأَمَّا أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَلِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَمْسَكْتَ وَفِيمَا أَعْطَيْتَ» وَكَرِهَ الْمُنَافِقُونَ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَعْطَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَطِيَّتَهُ إِلَّا رِيَاءً، وَهُمْ كَاذِبُونَ، إِنَّمَا كَانَ بِهِ مُتَطَوِّعًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهُ، وَعَذَرَ صَاحِبَهُ الْمِسْكِينَ الَّذِي جَاءَ بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْرِ، فَقَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] الْآيَةَ
١١ ‏/ ٥٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٧٩] قَالَ: جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِصَدَقَةِ مَالِهِ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَلَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: رَاءَى ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، آجَرَ نَفْسَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، فَجَاءَ بِهِ فَلَمَزُوهُ، وَقَالُوا: كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَاعِ هَذَا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. ⦗٥٩١⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٧٩] الْآيَةَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِنِصْفِ مَالِهِ، فَتُقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، فَلَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، فَقَالُوا: مَا أَعْطَى ذَلِكَ إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ: حَبْحَابٌ أَبُو عَقِيلٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِتُّ أَجُرُّ الْجَرِيرَ عَلَى صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ: أَمَّا صَاعٌ فَأَمْسَكْتُهُ لِأَهْلِي، وَأَمَّا صَاعٌ فَهَا هُوَ ذَا. فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: وَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَغَنِيَّانِ عَنْ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ﴾ [التوبة: ٧٩] الْآيَةَ»
١١ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] قَالَ: تَصَدَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِشَطْرِ مَالِهِ، وَكَانَ مَالُهُ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَتَصَدَّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ لَعَظِيمُ الرِّيَاءِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] وَكَانَ لِرَجُلٍ صَاعَانِ مِنْ تَمْرٍ، فَجَاءَ بِأَحَدِهِمَا، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: إِنْ كَانَ اللَّهُ عَنْ صَاعِ هَذَا لَغَنِيًّا، فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَطْعَنُونَ عَلَيْهِمْ وَيَسْخَرُونَ بِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩]»
١١ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «تَصَدَّقُوا فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْثًا،» قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ: أَلْفَيْنِ أُقْرِضُهُمَا اللَّهَ، وَأَلْفَيْنِ لِعِيَالِي. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَمْسَكْتَ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَإِنَّ عِنْدِي صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا لِرَبِّي، وَصَاعًا لِعِيَالِي، قَالَ: فَلَمَزَ الْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: مَا أَعْطَى ابْنُ عَوْفٍ هَذَا إِلَّا رِيَاءً، وَقَالُوا: أَوَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَاعِ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٧٩] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
١١ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَتَصَدَّقُوا، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَرْبَعِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِيمَا أَمْسَكَ» فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا فَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَقَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجَّرْتُ نَفْسِي بِصَاعَيْنِ، فَانْطَلَقْتُ بِصَاعٍ مِنْهُمَا إِلَى أَهْلِي وَجِئْتُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ. فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّهَ غَنِيُّ عَنْ صَاعِ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩]
١١ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ ⦗٥٩٣⦘ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] الْآيَةَ، وَكَانَ مِنَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، تَصَدَّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ أَخُو بَنِي عَجْلَانَ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَغَّبَ فِي الصَّدَقَةِ وَحَضَّ عَلَيْهَا، فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَتَصَدَّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ. فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا: مَا هَذَا إِلَّا رِيَاءٌ، وَكَانَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِجَهْدِهِ أَبُو عَقِيلٍ، أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ الْأَرَاشِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَتَى بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، فَأَفْرَغَهُ فِي الصَّدَقَةِ، فَتَضَاحَكُوا بِهِ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيُّ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ»
١١ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ قَالَ أَبُو النُّعْمَانِ: كُنَّا نَعْمَلُ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعِ تَمْرٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيُّ عَنْ صَاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩]»
١١ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: ثني ⦗٥٩٤⦘ خَالِدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَقِيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بِتُّ أَجُرُّ الْجَرِيرَ عَلَى ظَهْرِي عَلَى صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَانْقَلَبْتُ بِأَحَدِهِمَا إِلَى أَهْلِي يَتَبَلَّغُونَ بِهِ، وَجِئْتُ بِالْآخَرِ أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «انْثُرْهُ فِي الصَّدَقَةِ» فَسَخِرَ الْمُنَافِقُونَ مِنْهُ وَقَالُوا: لَقَدْ كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَدَقَةِ هَذَا الْمِسْكِينِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] الْآيَتَيْنِ
١١ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، قَالَ: وَقَفَ عَلَى الْحَيِّ رَجُلٌ فَقَالَ: ثني أَبِي أَوْ عَمِّي، فَقَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ يَتَصَدَّقُ الْيَوْمَ بِصَدَقَةٍ أَشْهَدُ لَهُ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَالَ: وَعَلَيَّ عِمَامَةٌ لِي، قَالَ: فَنَزَعْتُ لَوْثًا أَوْ لَوْثَيْنِ لِأَتَصَدَّقَ بِهِمَا. قَالَ: ثُمَّ أَدْرَكَنِي مَا يُدْرِكُ ابْنَ آدَمَ، فَعَصَبْتُ بِهَا رَأْسِي. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ لَا أَرَى بِالْبَقِيعِ رَجُلًا أَقْصَرَ قِمَّةً وَلَا أَشَدَّ سَوَادًا وَلَا أَذَمَّ لِعَيْنِي مِنْهُ، يَقُودُ نَاقَةً لَا أَرَى بِالْبَقِيعِ أَحْسَنَ مِنْهَا وَلَا أَجْمَلَ مِنْهَا، قَالَ: أَصَدَقَةٌ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَدُونَكَها، فَأَلْقَى بِخِطَامِهَا أَوْ بِزِمَامِهَا. قَالَ: فَلَمَزَهُ رَجُلٌ جَالِسٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَهِيَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «بَلْ هُوَ خَيْرٌ
١١ ‏/ ٥٩٤
مِنْكَ وَمِنْهَا» . يَقُولُ ذَلِكَ نَبِيُّنَا ﷺ
١١ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، يَقُولُ: «الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ فَلَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ»
١١ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَجَاءَ أَبُو سَهْلٍ الْعَبَّادَانِيُّ، قَالَ: ثنا عَامِرُ بْنُ يَسَافٍ الْيَمَامِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْيَمَامِيِّ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، جِئْتُكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَاجْعَلْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمْسَكْتُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ لِعِيَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَارَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ» وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِتُّ اللَّيْلَةَ أَجُرُّ الْمَاءَ عَلَى صَاعَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَتَرَكْتُ لِعِيَالِي، وَأَمَّا الْآخَرُ فَجِئْتُكَ بِهِ، اجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ» فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: وَاللَّهِ مَا أَعْطَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَلَقَدْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ غَنِيَّيْنِ عَنْ صَاعِ فُلَانٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] يَعْنِي صَاحِبَ الصَّاعِ ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩]
١١ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْمَعُوا صَدَقَاتِهِمْ، وَإِذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَدْ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَقَالَ: هَذَا مَالِي أُقْرِضُهُ اللَّهَ وَقَدْ بَقِيَ لِي مِثْلُهُ فَقَالَ لَهُ: «بُورِكَ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَفِيمَا أَمْسَكْتَ» فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا أَعْطَى إِلَّا رِيَاءً، وَمَا أَعْطَى صَاحِبُ الصَّاعِ إِلَّا رِيَاءً، إِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَغَنِيَّيْنِ عَنْ هَذَا، وَمَا يَصْنَعُ اللَّهُ بِصَاعٍ مِنْ شَيْءٍ؟
١١ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة: ٧٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩] قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَلْقَى مَالًا وَافِرًا، فَأَخَذَ نِصْفَهُ قَالَ: فَجِئْتُ أَحْمِلُ مَالًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: تُرَائِي يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أُرَائِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَمَّا غَيْرَهُمَا فَلَا. قَالَ: وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَآجَرَ نَفْسَهُ لَيَجُرَّ الْجَرِيرَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِصَاعَيْنِ لَيْلَتَهُ، فَتَرَكَ صَاعًا لِعِيَالِهِ وَجَاءَ بِصَاعٍ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَنْ صَاعِكَ لَغَنِيَّانِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] هَذَا الْأَنْصَارِيُّ ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: ٧٩]» ⦗٥٩٧⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى اللَّمْزِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِشَوَاهِدِهِ وَمَا فِيهِ مِنَ اللُّغَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيمَا مَضَى وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿الْمُطَّوِّعِينَ﴾ [التوبة: ٧٩] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: الْمُتَطَوِّعِينَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، فَصَارَتْ طَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا قِيلَ: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٥٨] يَعْنِي يَتَطَوَّعُ. وَأَمَّا الْجَهْدُ فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَيْنِ، يُقَالُ: أَعْطَانِي مِنْ جُهْدِهِ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمَنْ جَهْدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَذَلِكَ لُغَةُ نَجْدٍ. وَعَلَى الضَّمِّ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ هُوَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ رُوَاةِ الشِّعْرِ وَأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا مَفْتُوحَةٌ وَمَضْمُومَةٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ اللُّغَةِ فِيهِ كَمَا اخْتَلَفَتْ لُغَاتُهُمْ فِي الْوُجْدِ وَالْوَجْدِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مِنْ «وَجَدْتُ»
١١ ‏/ ٥٩٦
وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «الْجُهْدُ فِي الْعَمَلِ، وَالْجَهْدُ فِي الْقُوتِ» ⦗٥٩٨⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ
١١ ‏/ ٥٩٧
قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «الْجُهْدُ فِي الْعَمَلِ، وَالْجَهْدُ فِي الْمَعِيشَةِ»
١١ ‏/ ٥٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ادْعُ اللَّهَ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَاتِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِالْمَغْفِرَةِ، أَوْ لَا تَدْعُ لَهُمْ بِهَا. وَهَذَا كَلَامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، وَتَأْوِيلُهُ الْخَبَرُ، وَمَعْنَاهُ: إِنِ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَوْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] يَقُولُ: إِنْ تَسْأَلْ لَهُمْ أَنْ تَسْتُرَ عَلَيْهِمْ ذُنُوبَهُمْ بِالْعَفْوِ مِنْهُ لَهُمْ عَنْهَا وَتَرْكِ فَضِيحَتِهِمْ بِهَا، فَلَنْ يَسْتُرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَلَنْ يَعْفُوَ لَهُمْ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ يَفْضَحُهُمْ بِهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٨٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. هَذَا الْفِعْلُ مِنَ اللَّهِ بِهِمْ، وَهُوَ تَرْكُ عَفْوِهِ لَهُمْ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ جَحَدُوا تَوْحِيدَ
١١ ‏/ ٥٩٨
اللَّهِ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ. ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ١٠٨] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مَنْ آثَرَ الْكُفْرَ بِهِ وَالْخُرُوجَ عَنْ طَاعَتِهِ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ. وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، قَالَ: «لَأَزِيدَنَّ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ عَلَى سَبْعِينَ مَرَّةً» رَجَاءً مِنْهُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، فَنَزَلَتْ ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]
١١ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَوْلَا أَنَّكُمْ تُنْفِقُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ. وَهُوَ الْقَائِلُ: ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون: ٨] فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦] فَأَبَى اللَّهُ تبارك وتعالى أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ
١١ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَعَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ النَّبِيَّ ﷺ إِلَى جَنَازَةِ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ: حُبَابُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، إِنَّ الْحُبَابَ هُوَ الشَّيْطَانُ» ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهُ قَدْ قِيلَ لِي ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فَأَنَا أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ سَبْعِينَ وَسَبْعِينَ ⦗٦٠٠⦘ وَسَبْعِينَ» وَأَلْبَسَهُ النَّبِيُّ ﷺ قَمِيصَهُ وَهُوَ عَرِقٌ
١١ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة: ٨٠] فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «سَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ اسْتِغْفَارَةً» فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرَ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ: ﴿لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦] عَزْمًا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١١ ‏/ ٦٠٠
قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، انْطَلَقَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَبِي قَدْ احْتُضِرَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَشْهَدَهُ وَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا اسْمُكَ؟» قَالَ: الْحُبَابُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، إِنَّ الْحُبَابَ اسْمُ شَيْطَانٍ» . قَالَ: فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى شَهِدَهُ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَهُوَ عَرِقٌ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ مُنَافِقٌ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ ⦗٦٠١⦘ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] وَلَأَسْتَغْفِرَنَّ لَهُ سَبْعِينَ وَسَبْعِينَ». قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَشُكُّ فِي الثَّالِثَةِ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …