سُورَةُ هُودٍ 3

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: يَسْعَوْنَ إِلَيْهِ»
١٢ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «فَأَتَوْهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، يَقُولُ: سِرَاعًا إِلَيْهِ»
١٢ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ»
١٢ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] يَقُولُ: يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ إِلَيْهِ»
١٢ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: يُهَرْوِلُونَ فِي الْمَشْي»، قَالَ سُفْيَانُ: ﴿يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ
١٢ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: «﴿يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: كَأَنَّهُمْ يُدْفَعُونَ»
١٢ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: «أَقْبَلُوا يُسْرِعُونَ مَشْيًا بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ وَالْجَمْزِ»
١٢ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] يَقُولُ: مُسْرِعَيْنِ» ⦗٥٠٢⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ٧٨]: يَقُولُ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ إِلَى لُوطٍ كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ. كَمَا
١٢ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: يَأْتُونَ الرِّجَالَ» وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ [هود: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ لَمَّا جَاءُوا يُرَاوِدُونَهُ عَنْ ضَيْفِهِ: هَؤُلَاءِ يَا قَوْمِ بَنَاتِي يَعْنِي نِسَاءَ أُمَّتِهِ فَانْكِحُوهُنَّ فَـ ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] كَمَا:
١٢ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: أَمَرَهُمْ لُوطٌ بِتَزْوِيجِ النِّسَاءِ، وَقَالَ: هُنَّ أَطْهُرُ لَكُمْ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: وَبَلَغَنِي هَذَا أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ
١٢ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: لَمْ يَكُنْ ⦗٥٠٣⦘ بَنَاتُهُ، وَلَكِنْ كُنَّ مِنْ أُمَّتِهِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ»
١٢ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِمْ سِفَاحًا»
١٢ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ نِكَاحًا وَلَا سِفَاحًا»
١٢ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨]، قَالَ: «أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، وَأَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقِيَ أَضْيَافَهُ بِبَنَاتِهِ»
١٢ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] يَعْنِي التَّزْوِيجَ»
١٢ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: «﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] يَعْنِي التَّزْوِيجَ»
١٢ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَبِيبٍ الزَّهْرَانِيُّ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ لُوطٍ: «﴿⦗٥٠٤⦘ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] يَعْنِي: نِسَاؤُهُمْ هُنَّ بَنَاتُهُ هُوَ نَبِيُّهُمْ» وَقَالَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ»
١٢ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] قَالُوا: أَوَ لَمْ نَنْهَكَ أَنْ تُضَيِّفَ الْعَالَمِينَ، قَالَ: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ﴾ [هود: ٧٨]»
١٢ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا، أَقْبَلَ قَوْمُهُ إِلَيْهِمْ حِينَ أُخْبِرُوا بِهِمْ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، فَيَزْعُمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ امْرَأَةَ لُوطٍ هِيَ الَّتِي أَخْبَرَتْهُمْ بِمَكَانِهِمْ، وَقَالَتْ: إِنَّ عِنْدَ لُوطٍ لَضِيفَانًا مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ، وَلَا أَجْمَلَ قَطُّ مِنْهُمْ وَكَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ، فَاحِشَةً لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا جَاءُوهُ قَالُوا: ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [الحجر: ٧٠]، أَيْ: أَلَمْ نَقُلْ لَكَ: لَا يَقْرَبَنَّكَ أَحَدٌ، فَإِنَّا لَنْ نَجِدَ عِنْدَكَ أَحَدًا إِلَّا فَعَلْنَا بِهِ الْفَاحِشَةَ. ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] فَأَنَا أَفْدِي ضَيْفِي مِنْكُمْ بِهِنَّ. وَلَمْ يَدْعُهُمْ إِلَّا إِلَى الْحَلَالِ مِنَ النِّكَاحِ»
١٢ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: النِّسَاءُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ بِرَفْعِ أَطْهَرُ، عَلَى أَنْ جَعَلُوا «هُنَّ» اسْمًا، «وَأَطْهَرُ» خَبَرُهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: بَنَاتِي أَطْهُرُ لَكُمْ مِمَّا تُرِيدُونَ مِنَ الْفَاحِشَةِ مِنَ الرِّجَالِ. وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «هُنَّ أَطْهُرَ» لَكُمْ بِنَصْبِ «أَطْهُرَ» . وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ. هَذَا لَا يَكُونُ، إِنَّمَا يُنْصَبُ خَبَرُ الْفِعْلِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْخَبَرِ إِذَا كَانَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُضَمَّرَةُ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَنْ نَصَبَهُ جَعَلَهُ نَكِرَةً خَارِجَةً مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: «هُنَّ» عِمَادًا لِلْفِعْلِ فَلَا يَعْمَلُهُ. وَقَالَ آخِرُ مِنْهُمْ: مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ: هَذَا زَيْدٌ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ، قَالَ: فَقَدْ جَعَلَهُ
١٢ ‏/ ٥٠٥
خَبَرًا لِهَذَا مِثْلَ قَوْلِكَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ الْفِعْلُ هَهُنَا لِأَنَّ التَّقْرِيبَ رَدُّ كَلَامٍ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا لِأَنَّهُ يَتَنَاقَضُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ مَعْهُودٍ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ ابْتِدَاءٍ مَا هُوَ فِيهِ: هَا أَنَا ذَا حَاضِرٌ، أَوْ زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ، فَتَنَاقَضَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَعْهُودُ عَلَى الْحَاضِرِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُجُزْ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافَهَا فِي ذَلِكَ: الرَّفْعُ ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ مَعَ صِحَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَبُعْدُ النَّصْبِ فِيهِ مِنَ الصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ [هود: ٧٨] يَقُولُ: فَاخْشَوُا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاحْذَرُوا عِقَابَهُ فِي إُتْيَانِكُمُ الْفَاحِشَةَ الَّتِي تَأْتُونَهَا وَتَطْلُبُونَهَا. ﴿وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ [هود: ٧٨] يَقُولُ: وَلَا تُذِلُّونِي بِأَنْ تَرْكَبُوا مِنِّي فِي ضَيْفِي مَا يَكْرَهُونَ أَنْ تَرْكَبُوهُ مِنْهُمْ. وَالضَّيْفُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى جَمْعٍ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْوَاحِدَ وَالْجَمْعَ ضَيْفًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالُوا: رَجُلٌ عَدْلٌ، وَقَوْمٌ عَدْلٌ،
١٢ ‏/ ٥٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ﴾ [هود: ٧٨] يَقُولُ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ ذُو رَشَدٍ، يَنْهَى مَنْ أَرَادَ رُكُوبَ الْفَاحِشَةِ مِنْ ضَيْفِي، فَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ؟ كَمَا:
١٢ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ﴾ [هود: ٧٨] أَيْ رَجُلٍ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ»
١٢ ‏/ ٥٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ لُوطٍ لِلُوطٍ: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ [هود: ٧٩] يَا لُوطُ ﴿مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ [هود: ٧٩] لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ لَنَا أَزْوَاجًا. كَمَا:
١٢ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ [هود: ٧٩] أَيْ مِنْ أَزْوَاجٍ؛ ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩]» وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] يَقُولُ: قَالُوا: وَإِنَّكَ يَا لُوطُ لَتَعْلَمُ أَنَّ حَاجَتِنَا فِي غَيْرِ بَنَاتِكَ، وَأَنَّ الَّذِي نُرِيدُ هُوَ مَا تَنْهَانَا عَنْهُ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ⦗٥٠٨⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ «﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] إِنَّا نُرِيدُ الرِّجَالَ»
١٢ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ [هود: ٧٩] أَيْ إِنَّ بُغْيَتَنَا لِغَيْرِ ذَلِكَ» فَلَمَّا لَمْ يَتَنَاهُوا، وَلَمْ يَرُدُّهُمْ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِ ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِيَ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠]
١٢ ‏/ ٥٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ حِينَ أَبَوْا إِلَّا الْمُضِيَّ لِمَا قَدْ جَاءُوا لَهُ مِنْ طَلَبِ الْفَاحِشَةِ وَأَيسَ مِنْ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمْ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ [هود: ٨٠] بِأَنْصَارٍ تَنْصُرُنِي عَلَيْكُمْ وَأَعْوَانٍ تُعِينُنِي، ﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] يَقُولُ: أَوْ أَنْضَمُّ إِلَى عَشِيرَةٍ مَانِعَةٍ تَمْنَعُنِي مِنْكُمْ، لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ مَا جِئْتُمْ تُرِيدُونَهُ مِنِّي فِي أَضْيَافِي. وَحَذَفَ جَوَابَ «لَوْ» لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَفْهُومٌ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ⦗٥٠٩⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «قَالَ لُوطٌ: ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] يَقُولُ: إِلَى جُنْدٍ شَدِيدٍ لَقَاتَلْتُكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ «﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] قَالَ: الْعَشِيرَةَ»
١٢ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] قَالَ: الْعَشِيرَةَ»
١٢ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] قَالَ: إِلَى رُكْنٍ مِنَ النَّاسِ»
١٢ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ قَوْلُهُ: «﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيُّ بَعْدَ لُوطٍ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى النَّبِيُّ ﷺ»
١٢ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ ⦗٥١٠⦘ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] أَيْ عَشِيرَةٍ تَمْنَعُنِي أَوْ شِيعَةٍ تَنْصُرُنِي، لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذَا»
١٢ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] قَالَ: يَعْنِي بِهِ الْعَشِيرَةَ»
١٢ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»
١٢ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَكَانَ»
١٢ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدَةُ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إِذْ قَالَ ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠]، مَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ» قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالثَّرْوَةُ: الْكَثْرَةُ وَالْمَنَعَةُ ⦗٥١١⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِمِثْلِهِ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِمِثْلِهِ
١٢ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] «قَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، يَعْنِي اللَّهَ تبارك وتعالى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَمَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ»
١٢ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ
١٢ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، أَوْ أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا بَعْدَ ⦗٥١٣⦘ لُوطٍ عليه السلام إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ: مِنْ أَوَى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ: أَوَيْتُ إِلَيْكَ، فَأَنَا آوِي إِلَيْكَ أَوْيًا بِمَعْنَى صِرْتُ إِلَيْكَ، وَانْضَمَمْتُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]

يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ مِنَ الْأَرْكَانِ … فِي عَدَدٍ طَيْسٍ وَمَجْدٍ بَانِ
وَقِيلَ: إِنَّ لُوطًا لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَجَدَتِ الرُّسُلُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ

١٢ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: «قَالَ لُوطٌ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] فَوَجَدَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَقَالُوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ»
١٢ ‏/ ٥١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الْلَّيلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١]
١٢ ‏/ ٥١٣
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لِلُوطٍ لَمَّا قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] وَرَأَوْا مَا لَقِيَ مِنَ الْكَرْبِ بِسَبَبِهِمْ مِنْهُمْ: ﴿يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ [هود: ٨١] أُرْسِلْنَا لِإِهْلَاكِهِمْ، وَإِنَّهُمْ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، وَإِلَى ضَيْفِكَ بِمَكْرُوهٍ، فَهَوِّنْ عَلَيْكَ الْأَمْرَ، ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١] يَقُولُ: فَاخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ بِبَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَسْرَى وَسَرَى، وَذَلِكَ إِذَا سَارَ بِلَيْلٍ. ﴿وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: ٨١] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَأَسْرِ﴾ [هود: ٨١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ: «فَاسْرِ» وَصْلٌ بِغَيْرِ هَمْزِ الْأَلِفِ مِنْ «سَرَى» . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿فَأَسْرِ﴾ [هود: ٨١] بِهَمْزِ الْأَلِفِ مِنْ «أَسْرَى» وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ قُدْوَةٍ فِي الْقِرَاءَةِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي الْعَرَبِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: ٨١] فَإِنَّ عَامَّةَ الْقُرَّاءِ مِنَ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَرَءُوا بِالنَّصْبِ ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: ٨١] بِتَأْوِيلِ: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ، وَعَلَى أَنَّ لُوطًا أُمِرَ أَنْ يَسْرِيَ بِأَهْلِهِ سِوَى زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَسْرِيَ بِهَا،
١٢ ‏/ ٥١٤
وَأَمَرَ بِتَخْلِيفِهَا مَعَ قَوْمِهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: «إِلَّا امْرَأَتُكَ» رَفْعًا، بِمَعْنَى: وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ، فَإِنَّ لُوطًا قَدْ أَخْرَجَهَا مَعَهُ، وَإِنَّهُ نُهِيَ لُوطٌ وَمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ أَسْرَى مَعَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ سِوَى زَوْجَتِهِ، وَأَنَّهَا الْتَفَتَتْ فَهَلَكَتْ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ [هود: ٨١] يَقُولُ: إِنَّهُ مُصِيبُ امْرَأَتِكَ مَا أَصَابَ قَوْمُكَ مِنَ الْعَذَابِ. ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ [هود: ٨١] يَقُولُ: إِنَّ مَوْعِدَ قَوْمِكَ الْهَلَاكُ الصُّبْحَ. فَاسْتَبْطَأَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لُوطٌ، وَقَالَ لَهُمْ: بَلَى عَجِّلُوا لَهُمُ الْهَلَاكَ فَقَالُوا: ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] أَيْ عِنْدَ الصُّبْحِ نُزُولُ الْعَذَابِ بِهِمْ. كَمَا
١٢ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] أَيْ إِنَّمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ صُبْحِ لَيْلَتِكَ هَذِهِ، فَامْضِ لِمَا تُؤْمَرُ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «فَمَضَتِ الرُّسُلُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى لُوطٍ، فَلَمَّا أَتَوْا لُوطًا، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ، قَالَ جَبْرَئِيلُ لِلُوطٍ: يَا لُوطُ ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١] فَقَالَ لَهُمْ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ ⦗٥١٦⦘ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] فَأُنْزِلَتْ عَلَى لُوطٍ: ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْرِيَ بِأَهْلِهِ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَهُ» قَالَ: فَسَارَ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أُهْلِكُوا فِيهَا أَدْخَلَ جَبْرَئِيلُ جَنَاحَهُ فَرَفَعَهَا حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، وَنُبَاحَ الْكِلَابِ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهَا حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلٍ، قَالَ: وَسَمِعَتِ امْرَأَةُ لُوطٍ الْهَدَّةَ، فَقَالَتْ: وَاقَوْمَاهُ فَأَدْرَكَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا “
١٢ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: «كَانَ لُوطٌ أَخَذَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لَا تُذِيعَ شَيْئًا مِنْ سِرِّ أَضْيَافِهِ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَمَنْ مَعَهُ، رَأَتْهُمْ فِي صُورَةٍ لَمْ تَرَ مِثْلَهَا قَطُّ فَانْطَلَقَتْ تَسْعَى إِلَى قَوْمِهَا، فَأَتَتِ النَّادِي فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَأَقْبَلُوا يُهْرَعُونَ مَشْيًا بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ وَالْجَمْزِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى لُوطٍ قَالَ لَهُمْ لُوطٌ مَا قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، قَالَ جَبْرَئِيلَ: ﴿يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ [هود: ٨١] قَالَ: فَقَالَ بِيَدِهِ، فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ، فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَهُمْ، يَلْمِسُونَ الْحِيطَانَ، ⦗٥١٧⦘ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»
١٢ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «لَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ، يَعْنِي بِالرُّسُلِ، عَجُوزُ السُّوءِ امْرَأَتُهُ، انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ تَضَيَّفَ لُوطًا قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَحْسَنَ وجُوهًا قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَتْ: وَلَا أَشَدَّ بَيَاضًا، وَأَطْيَبَ رِيحًا، قَالَ: فَأَتَوْهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَأَصْفَقَ لُوطٌ الْبَابَ، قَالَ: فَجَعَلُوا يُعَالِجُونَهُ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ جَبْرَئِيلُ رَبَّهُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَصَفَقَهُمْ بِجَنَاحِهِ، فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا يَتَرَدَّدُونَ فِي أَخْبَثُ لَيْلَةٍ مَا أَتَتْ عَلَيْهِمْ قَطُّ، فَأَخْبَرُوهُ ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ [هود: ٨١] ﴿فَأَسِرْ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١] قَالَ: وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَتْ مَعَ لُوطٍ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْقَرْيَةِ امْرَأَتُهُ، ثُمَّ سَمِعْتِ الصَّوْتَ، فَالْتَفَتَتْ وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا حَجَرًا فَأَهْلَكَهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] فَأَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ مَا هُوَ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ»
١٢ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «انْطَلَقَتِ امْرَأَتُهُ، يَعْنِي امْرَأَةَ لُوطٍ، حِينَ رَأَتْهُمْ، يَعْنِي حِينَ رَأَتِ الرُّسُلَ إِلَى قَوْمِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ ضَافَهُ ⦗٥١٨⦘ اللَّيْلَةَ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمُ قَطُّ أَحْسَنَ وجُوهًا، وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، فَبَادَرَهُمْ لُوطٌ إِلَى أَنْ يَزُجَّهُمْ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: ٧١] فَقَالُوا: ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [الحجر: ٧٠]، فَدَخَلُوا عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَتَنَاوَلَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَطَمَسَتْ أَعْيُنَهُمْ، فَقَالُوا: يَا لُوطُ جِئْتَنَا بِقَوْمٍ سَحَرَةٍ سَحَرُونَا كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ قَالَ: وَاحْتَمَلَ جَبْرَئِيلُ قَرْيَاتَ لُوطٍ الْأَرْبَعَ، فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مِائَةُ أَلْفٍ، فَرَفَعَهُمْ عَلَى جَنَاحِهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا أَصْوَاتَ دِيَكَتِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهُمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا»
١٢ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: «لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، ذَهَبَتْ عَجُوزَةٌ عَجُوزُ السُّوءِ، فَأَتَتْ قَوْمَهَا، فَقَالَتْ: لَقَدْ تَضَيَّفَ لُوطًا اللَّيْلَةَ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا قَطُّ أَحْسَنَ وجُوهًا مِنْهُمْ قَالَ: فَجَاءُوا يُسْرِعُونَ، فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ، فَقَامَ مَلَكٌ فَلَزَّ الْبَابَ، يَقُولُ: فَسَدَّهُ، وَاسْتَأْذَنَ جَبْرَئِيلُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأُذِنَ لَهُ، فَضَرَبَهُمْ جَبْرَئِيلُ بِجَنَاحِهِ، فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا، فَبَاتُوا بِشَرِّ لَيْلَةٍ، ثُمَّ قَالُوا ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ﴾ [هود: ٨١] ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: ٨١] قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّهَا ⦗٥١٩⦘ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَالْتَفَتَتْ فَأَصَابَهَا حَجَرٌ، وَهِيَ شَاذَّةٌ مِنَ الْقَوْمِ، مَعْلُومٌ مَكَانَهَا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ
١٢ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا قَالَ لُوطٌ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] بَسَطَ حِينَئِذٍ جَبْرِيلُ عليه السلام جَنَاحَيْهِ، فَفَقَأَ أَعْيُنَهُمْ وَخَرَجُوا يَدُوسُ بَعْضُهُمْ فِي أَدْبَارِ بَعْضٍ عُمْيَانًا يَقُولُونَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾ [القمر: ٣٧] وَقَالُوا لِلُوطٍ: ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا﴾ [هود: ٨١] وَاتَّبِعْ أَدْبَارَ أَهْلِكَ يَقُولُ: سِرْ بِهِمْ، ﴿وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ [الحجر: ٦٥] فَأَخْرَجَهُمُ اللَّهُ إِلَى الشَّامِ، وَقَالَ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ فَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ إِلَّا بِالصُّبْحِ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟ فَلَمَّا أَنْ كَانَ السَّحَرَ خَرَجَ لُوطٌ وَأَهْلُهُ مَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾ [القمر: ٣٤]»
١٢ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: «كَانَ أَهْلُ سَدُومٍ الَّذِينَ فِيهِمْ لُوطٌ قَوْمًا قَدِ اسْتَغْنَوْا عَنِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ؛ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ ذَلِكَ بَعَثَ الْمَلَائِكَةَ لِيُعَذُّبُوهُمْ، فَأَتَوْا إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَلَمَّا بَشَّرُوا سَارَةَ بِالْوَلَدِ، قَامُوا وَقَامَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيمُ يَمْشِي، قَالَ: أَخْبِرُونِي لِمَ بُعِثْتُمْ وَمَا خَطْبُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى أَهْلِ سَدُومٍ لِنُدَمِّرَهَا، وَإِنَّهُمْ قَوْمُ سُوءٍ قَدِ اسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنِ النِّسَاءِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ رَجُلًا صَالِحًا؟ قَالُوا: إِذَنْ لَا نُعَذِّبُهُمْ. فَجَعَلَ يَنْقِمُ حَتَّى قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِيهَا بَيْتٌ صَالِحٌ؟ قَالَ: فَلُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ. قَالُوا: إِنَّ امْرَأَتَهُ هَوَاهَا مَعَهُمْ. فَلَمَّا يَئِسَ إِبْرَاهِيمُ انْصَرَفَ، وَمَضَوْا إِلَى أَهْلِ سَدُومٍ، فَدَخَلُوا عَلَى لُوطٍ؛ فَلَمَّا رَأَتْهُمُ امْرَأَتُهُ أَعْجَبَهَا حُسْنُهُمْ وَجَمَالُهُمْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِنَا قَوْمٌ لَمْ يُرَ قَوْمٌ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَلَا أَجْمَلَ فَتَسَامَعُوا بِذَلِكَ، فَغَشَوْا دَارَ لُوطٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْجُدْرَانَ. فَلَقِيَهُمْ لُوطٌ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ لَا تَفْضَحُونِي فِي ضَيْفِي، وَأَنَا أُزَوِّجُكُمْ بَنَاتِي فَهُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَقَالُوا: لَوْ كُنَّا نُرِيدُ بَنَاتِكَ لَقَدْ عَرَفْنَا مَكَانَهُنَّ، فَقَالَ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠]، فَوَجَدَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ، قَالُوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ ⦗٥٢١⦘ غَيْرُ مَرْدُودٍ فَمَسَحَ أَحَدُهُمْ أَعْيُنَهُمْ بِجَنَاحَيْهِ، فَطَمَسَ أَبْصَارَهُمْ، فَقَالُوا: سَحَرَنَا، انْصَرِفُوا بِنَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْهِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَدْ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. فَأَدْخَلَ مِيكَائِيلُ، وَهُوَ صَاحِبُ الْعَذَابِ جَنَاحَهُ حَتَّى بَلَغَ أَسْفَلَ الْأَرْضِ، فَقَلَبَهَا، وَنَزَلَتْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، فَتَتَبَّعَتْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ حَيْثُ كَانُوا، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَنَجَّى لُوطًا وَأَهْلَهُ، إِلَّا امْرَأَتَهُ»
١٢ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ: «دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: وَيْحَكُمْ أَنْهَاكُمْ عَنِ اللَّهِ أَنْ تَعَرَّضُوا لِعُقُوبَتِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ لِمَحِلِّ عَذَابِهِمْ، وَسَطَوَاتِ الرَّبِّ بِهِمْ، قَالَ: فَانْتَهَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى لُوطٍ، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الضِّيَافَةِ، فَقَالُوا: إِنَّا مُضَيِّفُوكَ اللَّيْلَةَ. وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَهِدَ إِلَى جِبْرِيلَ عليه السلام أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ ثَلَاثَ شَهَادَاتٍ؛ فَلَمَّا تَوَجَّهَ بِهِمْ لُوطٌ إِلَى الضِّيَافَةِ، ذَكَرَ مَا يَعْمَلُ قَوْمُهُ مِنَ الشَّرِّ، وَالدَّوَاهِي الْعِظَامِ، فَمَشَى مَعَهُمْ سَاعَةً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرًّا مِنْهُمْ، أَيْنَ أَذْهَبُ بِكُمْ؟ إِلَى قَوْمِي، وَهُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ فَالْتَفَتَ جَبْرَئِيلُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ: احْفَظُوا هَذِهِ ⦗٥٢٢⦘ وَاحِدَةً ثُمَّ مَشَى سَاعَةً؛ فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْقَرْيَةَ، وَأَشْفَقَ عَلَيْهِمْ وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ، قَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ وَمَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرًّا مِنْهُمْ، إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ فَالْتَفَتَ جَبْرَئِيلُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ: احْفَظُوا هَاتَانِ ثِنْتَانِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الدَّارِ بَكَى حَيَاءً مِنْهُمْ، وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ، أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَهْلَ قَرْيَةٍ شَرًّا مِنْهُمْ فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْمَلَائِكَةِ: احْفَظُوا هَذِهِ ثَلَاثٌ قَدْ حَقَّ الْعَذَابُ. فَلَمَّا دَخَلُوا ذَهَبَتْ عَجُوزَةٌ، عَجُوزُ السُّوءِ، فَصَعِدَتْ فَلَوَّحَتْ بِثَوْبِهَا، فَأَتَاهَا الْفُسَّاقُ يُهْرَعُونَ سِرَاعًا، قَالُوا: مَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: ضَيَّفَ لُوطٌ اللَّيْلَةَ قَوْمًا مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وجُوهًا مِنْهُمْ، وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا مِنْهُمْ فَهُرِعُوا مُسَارِعِينَ إِلَى الْبَابِ، فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ عَلَى الْبَابِ، فَدَافَعُوهُ طَوِيلًا، هُوَ دَاخِلٌ وَهُمْ خَارِجٌ، يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ وَيَقُولُ: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] فَقَامَ الْمَلَكُ فَلَزَّ الْبَابَ، يَقُولُ: فَسَدَّهُ، وَاسْتَأْذَنَ جَبْرَئِيلُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ، فَقَامَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِي السَّمَاءِ، فَنَشَرَ جَنَاحَهُ، وَلِجَبْرَئِيلَ جَنَاحَانِ، وَعَلَيْهِ وِشَاحٌ مِنْ دُرٍّ مَنْظُومٍ، وَهُوَ بَرَّاقُ الثَّنَايَا أَجْلَى الْجَبِينِ، وَرَأْسُهُ حُبُّكٌ حُبُّكٌ، مِثْلُ الْمَرْجَانِ وَهُوَ ⦗٥٢٣⦘ اللُّؤْلُؤُ، كَأَنَّهُ الثَّلْجُ، وَقَدَمَاهُ إِلَى الْخَضِرَةِ، فَقَالَ: ﴿يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ [هود: ٨١] امْضِ يَا لُوطُ مِنَ الْبَابِ وَدَعْنِي وَإِيَّاهُمْ فَتَنَحَّى لُوطٌ عَنِ الْبَابِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَنَشَرَ جَنَاحَهُ، فَضَرَبَ بِهِ وجُوهَهُمْ ضَرْبَةً شَدَخَ أَعْيُنَهُمْ فَصَارُوا عُمْيًا لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ، وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ. ثُمَّ أَمَرَ لُوطًا فَاحْتَمَلَ بِأَهْلِهِ مِنْ لَيْلَتِهِ، قَالَ: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١]»
١٢ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠] وَالرُّسُلُ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ، وَمَا يُقَالُ لَهُ وَيَرَوْنَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ كَرْبِ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا بَلَغَهُ ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ [هود: ٨١] أَيْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ، ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبَهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: ٨١] أَيْ إِنَّمَا يَنْزِلُ بِهِمُ الْعَذَابُ مِنْ صُبْحِ لَيْلَتِكَ هَذِهِ، فَامْضِ لِمَا تُؤْمَرُ»
١٢ ‏/ ٥٢٣
قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ: «حَدَّثَ أَنَّ الرُّسُلَ عِنْدَ ذَلِكَ سَفَعُوا فِي وجُوهِ الَّذِينَ جَاءُوا لُوطًا مِنْ قَوْمِهِ يُرَاوِدُونَهُ عَنْ ضَيْفِهِ، فَرَجَعُوا عُمْيَانًا. قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ ⦗٥٢٤⦘: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾ [القمر: ٣٧]»
١٢ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١] قَالَ: بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ»
١٢ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١] بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ»
١٢ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ:: «﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١] قَالَ: جَوْفِ اللَّيْلِ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ﴾ [الحجر: ٦٥] يَقُولُ: وَاتَّبِعْ أَدْبَارَ أَهْلِكَ، ﴿وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ [هود: ٨١] وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
١٢ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾ [هود: ٨١] قَالَ: لَا يَنْظُرُ وَرَاءَهُ أَحَدٌ ﴿إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: ٨١]» ⦗٥٢٥⦘ وَرُوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ»
١٢ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: “فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالنَّصْبِ
١٢ ‏/ ٥٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأَوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا بِالْعَذَابِ وَقَضَاؤُنَا فِيهِمْ بِالْهَلَاكِ، ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا﴾ [هود: ٨٢] يَعْنِي عَالِيَ قَرْيَتِهِمْ ﴿سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا﴾ [هود: ٨٢] يَقُولُ: وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهَا ﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى سِجِّيلٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ سِنْكُ وَكُلْ ⦗٥٢٦⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] بِالْفَارِسِيَّةِ، أَوَّلُهَا حَجَرٌ، وَآخِرُهَا طِينٌ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٢ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] قَالَ: فَارِسِيَّةٌ أُعْرِبَتْ سِنْكُ وَكُلْ»
١٢ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «السَّجِيلُ: الطِّينُ»
١٢ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ: «﴿مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] قَالَا: مِنْ طِينٍ»
١٢ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ⦗٥٢٧⦘ ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: «سِجِّيلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ: سِنَّكُ وَكُلْ»
١٢ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] أَمَا السِّجِّيلُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: سِنْكُ وَجُلُّ، سِنَّكَ: هُوَ الْحَجَرُ، وَجُلُّ هُوَ الطِّينُ، يَقُولُ: أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ»
١٢ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] قَالَ: طِينٌ فِي حِجَارَةٍ» وقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ مَا:
١٢ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] قَالَ: السَّمَاءُ الدُّنْيَا، قَالَ: وَالسَّمَاءُ الدُّنْيَا اسْمُهَا سِجِّيلٌ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: السِّجِّيلُ: هُوَ مِنَ الْحِجَارَةِ الصُّلْبِ الشَّدِيدِ وَمِنَ الضَّرْبِ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الْأَبْطَالُ سِجِّيلًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَحَوَّلَ اللَّامُ نُونًا. ⦗٥٢٨⦘ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: هُوَ فَعِيلٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَسْجَلْتُهُ: أَرْسَلْتُهُ، فَكَأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ؛ أَيْ مُرْسَلَةً عَلَيْهِمْ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ مِنْ «سَجَّلْتُ لَهُ سَجْلًا» مِنَ الْعَطَاءِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مُنِحُوا ذَلِكَ الْبَلَاءُ فَأُعْطُوهُ، وَقَالُوا أَسْجَلَهُ: أَهْمَلَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ السِّجِّيلِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا عِلْمٌ كَالْكِتَابِ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ طِينٌ يُطْبَخُ كَمَا يُطْبَخُ الْآجُرُّ، وَيُنْشَدُ بَيْتُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ:
[البحر الرمل] مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِدًا … يَمْلَأُ الدَّلْوَ إِلَى عَقْدِ الْكَرَبْ
فَهَذَا مِنْ سَجَلْتُ لَهُ سَجْلًا: أَعْطَيْتُهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ طِينٍ، وَبِذَلِكَ وَصَفَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي مَوْضِعٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾ [الذاريات: ٣٤] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ فَارِسِيَّةٌ وَنَبَطِيَّةٌ
١٢ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «فَارِسِيَّةٌ وَنَبَطِيَّةٌ سِجْ إِيلْ» فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اسْمَ الطِّينِ بِالْفَارِسِيَّةِ جَلَّ لَا إِيلْ، وَأَنَّ ⦗٥٢٩⦘ ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَكَانَ سِجِلًّا لَا سِجِّيلًا، لِأَنَّ الْحَجَرَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُدْعَى سِجْ، وَالطِّينَ جَلَّ، فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْيَاءِ فِيهَا، وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْلُ الْحِجَارَةِ طِينًا فَشُدِّدَتْ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] فَإِنَّ
١٢ ‏/ ٥٢٨
قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ يَقُولَانِ فِيهِ مَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ «﴿مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] يَقُولُ: مَصْفُوفَةٍ»
١٢ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] يَقُولُ: مَصْفُوفَةٍ»
١٢ ‏/ ٥٢٩
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِيهِ، مَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، «فِي قَوْلِهِ ﴿مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] قَالَ: نَضَدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ»
١٢ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَمَا قَوْلُهُ: «﴿مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] فَإِنَّهَا فِي السَّمَاءِ مَنْضُودَةٌ: مُعَدَّةٌ، وَهِيَ مِنْ عُدَّةِ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّ لِلْظَلَمَةِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْضُودٌ: يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَذَلِكَ نَضْدُهُ.
١٢ ‏/ ٥٢٩
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢] مِنْ نَعْتِ «سِجِّيلٍ»، لَا مِنْ نَعْتِ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّمَا أُمْطِرَ الْقَوْمُ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، صِفَةُ ذَلِكَ الطِّينِ أَنَّهُ نَضَدَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، فَيَصِيرُ حِجَارَةً، وَلَمْ يُمْطَرُوا الطِّينَ، فَيَكُونُ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ تَتَابَعَ عَلَى الْقَوْمِ بِمَجِيئِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ هَذَا الْمُتَأَوِّلُ لَوْ كَانَ التَّنْزِيلُ بِالنَّصْبِ مَنْضُودَةً، فَيَكُونُ مِنْ نَعْتِ الْحِجَارَةِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [هود: ٨٣] فَإِنَّهُ يَقُولُ: مُعَلَّمَةً عِنْدَ اللَّهِ، أَعْلَمَهَا اللَّهُ، وَالْمُسَوَّمَةُ مِنْ نَعْتِ الْحِجَارَةِ، وَلِذَلِكَ نُصِبَتْ وَنُعِتَ بِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿مُسَوَّمَةً﴾ [هود: ٨٣] قَالَ: مُعَلَّمَةً» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ ⦗٥٣١⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ” مُسَوَّمَةً لَا تُشَاكِلُ حِجَارَةَ الْأَرْضِ
١٢ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ، «﴿مُسَوَّمَةً﴾ [هود: ٨٣] قَالَا: مُطَوَّقَةً بِهَا نَضْحٌ مِنْ حُمْرَةِ»
١٢ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿مُسَوَّمَةً﴾ [هود: ٨٣] عَلَيْهَا سِيَمًا مَعْلُومَةٌ حَدَّثَ بَعْضُ مَنْ رَآهَا أَنَّهَا حِجَارَةٌ مُطَوَّقَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ بِهَا نَضْحٌ مِنْ حُمْرَةٍ لَيْسَتْ كَحِجَارَتِكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مُسَوَّمَةً﴾ [هود: ٨٣] قَالَ: عَلَيْهَا سِيَمًا خُطُوطٌ»
١٢ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿مُسَوَّمَةً﴾ [هود: ٨٣] قَالَ: الْمُسَوَّمَةُ: الْمُخَتَّمَةُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُتَهَدِّدًا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: وَمَا هَذِهِ الْحِجَارَةُ الَّتِي أَمْطَرْتُهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ بِبَعِيدٍ أَنْ يُمْطَرُوهَا إِنْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ⦗٥٣٢⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: ثَنَا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] قَالَ: أَنْ يُصِيبَهُمُ مَا أَصَابَ الْقَوْمَ»
١٢ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] قَالَ: يُرْهِبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] يَقُولُ: مَا أَجَارَ اللَّهُ مِنْهَا ظَالِمًا بَعْدَ قَوْمِ لُوطٍ»
١٢ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ⦗٥٣٣⦘ وَعِكْرِمَةَ، «﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] يَقُولُ: لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا ظَالِمٌ بَعْدَهُمْ»
١٢ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] قَالَ: يَعْنِي ظَالِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَجَارَ مِنْهَا ظَالِمًا بَعْدُ»
١٢ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] يَقُولُ: مِنْ ظَلَمَةِ الْعَرَبِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَيُعَذَّبُوا بِهَا»
١٢ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ يَقُولُ: «﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٣] مِنْ ظَلَمَةِ أُمَّتِكَ بِبَعِيدٍ، فَلَا يَأْمَنُهَا مِنْهُمْ ظَالِمٌ، وَكَانَ قَلْبُ الْمَلَائِكَةِ عَالِيَ أَرْضِ سَدُومِ سَافِلَهَا»
١٢ ‏/ ٥٣٣
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَخَذَ جَبْرَئِيلُ ⦗٥٣٤⦘ عليه السلام قَوْمَ لُوطٍ مِنْ سَرْحِهِمْ، وَدُورِهِمْ، حَمَلَهُمْ بِمَوَاشِيهِمْ، وَأَمْتِعَتِهِمْ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ ثُمَّ أَكْفَأَهُمْ»
١٢ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَدْخَلَ جَبْرَائِيلُ جَنَاحَهُ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ بِالْجَنَاحِ الْأَيْمَنِ، فَأَخَذَهُمْ مِنْ سَرْحِهِمْ، وَمَوَاشِيهِمْ ثُمَّ رَفَعَهَا»
١٢ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، كَانَ يَقُولُ: «﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ [هود: ٨٢] قَالَ: لَمَّا أَصْبَحُوا غَدَا جَبْرَئِيلُ عَلَى قَرْيَتِهِمْ، فَفَتَقَهَا مِنْ أَرْكَانِهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ، ثُمَّ حَمْلَهَا عَلَى خَوَافِي جَنَاحِهِ»
١٢ ‏/ ٥٣٤
قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، قَالَ: فحَدَّثَنِي هَذَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: وَلَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «فَحَمَلَهَا عَلَى خَوَافِي جَنَاحِهِ بِمَا فِيهَا، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ ثُمَّ قَلْبَهَا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا سَقَطَ مِنْهَا شُرَفَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا ⦗٥٣٥⦘ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢]» قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَمْ يُصِبْ قَوْمًا مَا أَصَابَهُمْ؛ إِنَّ اللَّهَ طَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَ قَرْيَتَهُمْ، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ “
١٢ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَخَذَ بِعُرْوَةِ الْقَرْيَةِ الْوُسْطَى، ثُمَّ أَلْوَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ ضَوَاغِيَ كِلَابِهِمْ، ثُمَّ دَمَّرَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا ثُمَّ أَتْبَعَهُمُ الْحِجَارَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ»
١٢ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَخَذَ بِعُرْوَتِهَا الْوُسْطَى، ثُمَّ أَلْوَى بِهَا إِلَى جَوِّ السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ ضَوَاغِيَ كِلَابِهِمْ، ثُمَّ دَمَّرَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ أَتْبَعَ شُذَّانَ الْقَوْمِ صَخْرًا، قَالَ: وَهِيَ ثَلَاثُ قُرَى يُقَالُ لَهَا سَدُومٌ، وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ فِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام كَانَ يُشْرِفُ يَقُولُ: سَدُومٌ يَوْمٌ مَا لَكِ»
١٢ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا أَصْبَحُوا يَعْنِي قَوْمُ لُوطٍ نَزَلَ جَبْرَئِيلُ، فَاقْتَلَعَ الْأَرْضَ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ، فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ وَأَصْوَاتَ دِيُوكِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَقَتَلَهُمْ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾ [النجم: ٥٣] الْمُنْقَلِبَةُ حِينَ أَهْوَى بِهَا جَبْرَئِيلُ الْأَرْضَ فَاقْتَلَعَهَا بِجَنَاحِهِ، فَمَنْ لَمْ يَمُتْ حِينَ أَسْقَطَ الْأَرْضَ أَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَحْتَ الْأَرْضِ الْحِجَارَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ شَاذًّا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: ٧٤] ثُمَّ تَتَبَّعَهُمْ فِي الْقُرَى، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِيهِ الْحَجَرُ فَيَقْتُلُهُ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢]»
١٢ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام لَمَّا أَصْبَحَ نَشَرَ جَنَاحَهُ، فَانْتَسَفَ بِهِ أَرْضَهُمْ بِمَا فِيهَا مِنْ قُصُورِهَا، وَدَوَابِهَا، وَحِجَارَتِهَا، وَشَجَرِهَا وَجَمِيعِ مَا فِيهَا، فَضَمَّهَا فِي جَنَاحِهِ، فَحَوَاهَا وَطَوَاهَا فِي جَوْفِ جَنَاحِهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حَتَّى سَمِعَ سُكَّانُ السَّمَاءِ أَصْوَاتَ النَّاسِ ⦗٥٣٧⦘ وَالْكِلَابِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَلَبَهَا فَأَرْسَلَهَا إِلَى الْأَرْضِ مَنْكُوسَةً، دَمْدَمَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ»
١٢ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ عليه السلام إِلَى الْمُؤْتَفِكَةِ قَرْيَةِ لُوطٍ عليه السلام الَّتِي كَانَ لُوطٌ فِيهَا، فَاحْتَمَلَهَا بِجَنَاحِهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا حَتَّى إِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيَسْمَعُونَ نُبَاحَ كِلَابِهَا وَأَصْوَاتَ دَجَاجِهَا، ثُمَّ كَفَأَهَا عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهَا اللَّهُ بِالْحِجَارَةِ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] فَأَهْلَكَهَا اللَّهُ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْمُؤْتَفِكَاتِ، وَكُنَّ خَمْسَ قَرْيَاتٍ: صَنْعَةَ، وَصَعْوَةَ، وَعَثْرَةَ، وَدُومَا، وَسَدُومَ؛ وَسَدُومُ هِيَ الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى، وَنَجَّى اللَّهُ لُوطًا، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهِ، إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ فِيمَنْ هَلَكَ»
١٢ ‏/ ٥٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ
١٢ ‏/ ٥٣٧
بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ﴾ [هود: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَ﴾ [الحجر: ٥٠] أَرْسَلْنَا ﴿إِلَى﴾ [البقرة: ١٤] وَلَدِ ﴿مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾ [الأعراف: ٨٥] فَلَمَّا أَتَاهُمْ ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٦٥] يَقُولُ: أَطِيعُوهُ، وَتَذَلَّلُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ لِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] يَقُولُ: مَا لَكُمْ مِنْ مَعْبُودٍ سِوَاهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ غَيْرُهُ. ﴿وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ [هود: ٨٤] يَقُولُ: وَلَا تُنْقِصُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ فِي مِكْيَالِكُمْ وَمِيزَانِكُمْ، ﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْخَيْرِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِمَدْيَنَ إِنَّهُ يَرَاهُمْ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ رُخْصَ السِّعْرِ، وَحَذَّرَهُمْ غَلَاءَهُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] قَالَ: رُخْصُ السِّعْرِ. ﴿وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ [هود: ٨٤] قَالَ: غَلَاءَ سِعْرٍ»
١٢ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّصْرِيُّ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثَنَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَذَكَرَ قَوْمَ شُعَيْبٍ قَالَ ⦗٥٣٩⦘: «﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] قَالَ: رُخْصُ السِّعْرِ»
١٢ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] قَالَ: الْغِنَى وَرُخْصُ السِّعْرِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ: إِنِّي أَرَى لَكُمْ مَالًا وَزِينَةً مِنْ زِيَنِ الدُّنْيَا ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٣٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] قَالَ: يَعْنِي خَيْرَ الدُّنْيَا، وَزِينَتَهَا»
١٢ ‏/ ٥٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] أَبْصَرَ عَلَيْهِمْ قِشْرًا مِنْ قِشْرِ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا»
١٢ ‏/ ٥٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] قَالَ: فِي دُنْيَاكُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٠] سَمَّاهُ خَيْرًا لِأَنَّ النَّاسَ يُسَمُّونَ الْمَالَ خَيْرًا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] يَعْنِي بِخَيْرِ الدُّنْيَا. وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ⦗٥٤٠⦘ خَيْرِ الدُّنْيَا الْمَالُ، وَزِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرُخْصُ السِّعْرِ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِقِيلِهِ ذَلِكَ بَعْضَ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا دُونَ بَعْضٍ، فَذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مَعَانِي خَيْرَاتِ الدُّنْيَا الَّتِي ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا أُوتُوهَا. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ شُعَيْبٌ، لِأَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ عَيْشِهِمْ، وَرُخْصٍ مِنْ أَسْعَارِهِمْ، كَثِيرَةٌ أَمْوَالِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تُنْقِصُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ فِي مَكَايِيلِكُمْ وَمَوَازِينِكُمْ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ رِزْقَكُمْ. ﴿وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٨٤] بِمُخَالَفَتِكُمْ أَمْرَ اللَّهِ وَبَخْسِكُمُ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ فِي مِكَايِيلِكُمْ وَمَوَازِينِكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ، يَقُولُ: أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ مُحِيطٍ بِكُمْ عَذَابُهُ. فَجَعَلَ الْمُحِيطَ نَعْتًا لِلْيَوْمِ، وَهُوَ مِنْ نَعْتِ الْعَذَابِ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ، وَكَانَ الْعَذَابُ فِي الْيَوْمِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِمْ جُبَّتُكَ مُحْتَرِقَةٌ
١٢ ‏/ ٥٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: ٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ شُعَيْبِ لِقَوْمِهِ: أَوْفُو النَّاسَ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ، يَقُولُ: بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُوَفُّوا أَهْلَ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ حُقُوقَهُمْ عَلَى مَا وَجَبَ لَهُمْ مِنَ التَّمَامِ بِغَيْرِ بَخْسٍ وَلَا نَقْصٍ وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥] يَقُولُ؛ وَلَا تُنْقِصُوا النَّاسَ حُقُوقَهُمُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُوَفُّوهُمْ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٥٤٠
كَمَا: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، قَالَ: بَلَغَنِي فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥] قَالَ: لَا تَنْقُصُوهُمْ»
١٢ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥] يَقُولُ: لَا تَظْلِمُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: ٨٥] يَقُولُ: وَلَا تَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ تَعْمَلُونَ فِيهَا بِمَعَاصِي اللَّهِ
١٢ ‏/ ٥٤١
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: ٨٥] قَالَ: لَا تَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ»
١٢ ‏/ ٥٤١
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: ٨٥] يَقُولُ: لَا تَسْعَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، يَعْنِي: نُقْصَانَ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ»
١٢ ‏/ ٥٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [هود: ٨٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [هود: ٨٦] مَا أَبْقَاهُ اللَّهُ لَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَفُّوا النَّاسَ حُقُوقَهُمْ بِالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ، فَأَحَلَّهُ لَكُمْ، خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الَّذِي يَبْقَى لَكُمْ بِبِخْسِكُمُ النَّاسَ مِنْ حُقُوقِهِمْ بِالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ بُوعِدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ. وَهَذَا ⦗٥٤٢⦘ قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ مُرْتَضَى عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: طَاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو وَكِيعٍ، وحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ: طَاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ: طَاعَةُ اللَّهِ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤]»
١٢ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ: طَاعَةُ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ: طَاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٥٤٣⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ: طَاعَةُ اللَّهِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: حَظُّكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٨٦] حَظُّكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ: حَظُّكُمْ مِنَ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: رِزْقُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ رِزْقُ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ٥٤٣
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٨٦] قَالَ: الْهَلَاكُ فِي ⦗٥٤٤⦘ الْعَذَابِ، وَالْبَقِيَّةُ فِي الرَّحْمَةِ» وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالنَّهْيِ عَنْ بَخْسِ النَّاسِ أَشْيَاءَهُمْ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَإِلَى تَرْكِ التَّطْفِيفِ فِي الْكَيْلِ، وَالْبَخْسِ فِي الْمِيزَانِ دَعَاهُمْ شُعَيْبٌ، فَتَعْقِيبُ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَمَّا لَهُمْ مِنَ الْحَظِّ فِي الْوَفَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿بَقِيَّةُ﴾ [هود: ٨٦] إِنَّمَا هِيَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ بَقَّيْتُ بَقِيَّةً مِنْ كَذَا، فَلَا وَجْهَ لِتَوْجِيهِ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَّا إِلَى: بَقِيَّةِ اللَّهِ الَّتِي أَبْقَاهَا لَكُمْ مِمَّا لَكُمْ بَعْدَ وَفَائِكُمُ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَقِيَّتِكُمْ مِنَ الْحَرَامِ الَّذِي يَبْقَى لَكُمْ مِنْ ظُلْمِكُمُ النَّاسَ بِبَخْسِكُمْ إِيَّاهُمْ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ
١٢ ‏/ ٥٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [الأنعام: ١٠٤] يَقُولُ: وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِرَقِيبٍ أُرَقِبُكُمْ عِنْدَ كَيْلِكُمْ، وَوَزْنِكُمْ هَلْ تُوَفُّونَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ أَمْ تَظْلِمُونَهُمْ، وَإِنَّمَا عَلِيَّ أَنْ أُبْلِّغَكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمُوهَا
١٢ ‏/ ٥٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ: ﴿يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ﴾ [هود: ٨٧] عِبَادَةَ ﴿مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [هود: ٦٢] مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، ﴿أَوْ أَنْ نَفْعَلَ ⦗٥٤٥⦘ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ [هود: ٨٧] مِنْ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا، وَبَخْسِ النَّاسِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ﴾ [هود: ٨٧] وَهُوَ الَّذِي لَا يَحْمِلُهُ الْغَضَبُ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ فِي حَالِ الرِّضَا، ﴿الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] يَعْنِي: رَشِيدُ الْأَمْرِ فِي أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ
١٢ ‏/ ٥٤٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] قَالَ: كَانَ مِمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ حَذْفُ الدَّرَاهِمِ، أَوْ قَالَ: قَطْعُ الدَّرَاهِمِ الشَّكُّ مِنْ حَمَّادٍ»
١٢ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ أَبِي مَوْدُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمَ شُعَيْبٍ عُذِّبُوا فِي قَطْعِ الدَّرَاهِمِ، وَجَدْتُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ: ﴿أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ [هود: ٨٧]»
١٢ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «عُذِّبَ قَوْمُ شُعَيْبٍ فِي قَطْعِهِمُ الدَّرَاهِمَ، فَقَالُوا: ﴿يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا ⦗٥٤٦⦘ مَا نَشَاءُ﴾ [هود: ٨٧]»
١٢ ‏/ ٥٤٥
قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ [هود: ٨٧] قَالَ: كَانَ مِمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ: حَذْفُ الدَّرَاهِمِ»
١٢ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ [هود: ٨٧] قَالَ: نَهَاهُمْ عَنْ قَطْعِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا هِيَ أَمْوَالُنَا نَفْعَلُ فِيهَا مَا نَشَاءُ، إِنْ شِئْنَا قَطَعْنَاهَا، وَإِنْ شِئْنَا حَرَّقْنَاهَا، وَإِنْ شِئْنَا طَرَحْنَاهَا»
١٢ ‏/ ٥٤٦
قَالَ وأَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الْمَدَنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ [هود: ٨٧] قَالَ زَيْدٌ: كَانَ مِنْ ذَلِكَ قَطْعُ الدَّرَاهِمِ»
١٢ ‏/ ٥٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَصَلَاتُكَ﴾ [هود: ٨٧]
١٢ ‏/ ٥٤٦
كَانَ الْأَعْمَشُ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِهَا مَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، فِي قَوْلِهِ
١٢ ‏/ ٥٤٦
: «﴿أَصَلَاتُكَ﴾ [هود: ٨٧] قَالَ: قِرَاءَتُكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ، وَإِنَّمَا كَانَ شُعَيْبٌ نَهَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مَا قَدْ ذَكَرْتُ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْهُ فِيهَا؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمْتَ» وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، أَوْ أَنْ نُتْرَكَ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: تَأْمُرُكَ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَا أَمَرَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ: وَفِيهَا وَجْهٌ آخَرَ يَجْعَلُ الْأَمْرَ كَالنَّهْيِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ بِذَا وَتَنْهَانَا عَنْ ذَا؟ فَهِيَ حِينَئِذٍ مَرْدُودَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُولَى مَنْصُوبَةٌ بِقَوْلِهِ «تَأْمُرُكَ»، وَأَنَّ الثَّانِيَةَ مَنْصُوبَةٌ عَطَفًا بِهَا عَلَى «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَعْبُدُ﴾ [هود: ٨٧] وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ
١٢ ‏/ ٥٤٧
آبَاؤُنَا، أَوْ أَنْ نُتْرَكَ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ؟ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَهُ «مَا تَشَاءُ»، فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مُؤْنَةَ فِيهِ، وَكَانَتْ «أَنْ» الثَّانِيَةُ حِينَئِذٍ مَعْطُوفَةً عَلَى «أَنْ» الْأُولَى وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لِشُعَيْبٍ: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ قَالُوا ذَلِكَ لَهُ اسْتِهْزَاءً بِهِ؛ وَإِنَّمَا سَفَّهُوهُ وَجَهِّلُوهُ بِهَذَا الْكَلَامِ. وَبِمَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ «﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] قَالَ: يَسْتَهْزِئُونَ»
١٢ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: ٨٧] الْمُسْتَهْزِئُونَ يَسْتَهْزِئُونَ بِأَنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ»
١٢ ‏/ ٥٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨]⦗٥٤٩⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيَانٍ وَبُرْهَانٍ مِنْ رَبِّي فِيمَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَفِيمَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ إِفْسَادِ الْمَالِ؛ ﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ [هود: ٨٨] يَعْنِي حَلَالًا طَيِّبًا. ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [هود: ٨٨] يَقُولُ: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْ أَمْرٍ ثُمَّ أَفْعَلُ خِلَافَهُ، بَلْ لَا أَفْعَلُ إِلَّا بِمَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَلَا أَنْتَهِي إِلَّا عَمَّا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ
١٢ ‏/ ٥٤٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ [هود: ٨٨] يَقُولُ: لَمْ أَكُنْ لِأَنْهَاكُمْ عَنْ أَمْرٍ أَرْكَبُهُ أَوْ آتِيهِ» ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ﴾ [هود: ٨٨] يَقُولُ: مَا أُرِيدُ فِيمَا آمُرُكُمْ بِهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْهُ، إِلَّا إِصْلَاحَكُمْ وَإِصْلَاحَ أَمْرِكُمْ ﴿مَا اسْتَطَعْتُ﴾ [هود: ٨٨] يَقُولُ: مَا قَدَرْتُ عَلَى إِصْلَاحِهِ لِئَلَّا يَنَالَكُمْ مِنَ اللَّهِ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً، بِخِلَافِكُمْ أَمْرَهُ وَمَعْصِيَتِكُمْ رَسُولَهُ. ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [هود: ٨٨] يَقُولُ: وَمَا إِصَابَتِي الْحَقَّ فِي مُحَاوَلَتِي إِصْلَاحَكُمْ وَإِصْلَاحَ أَمْرِكُمْ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُعِينُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ لَا يُعِنِّي عَلَيْهِ لَمْ أُصِبِ الْحَقَّ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [هود: ٨٨] يَقُولُ: إِلَى اللَّهِ أُفَوِّضُ أَمْرِي، فَإِنَّهُ ثِقَتِي وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي فِي أُمُورِي. وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] وَإِلَيْهِ أُقْبِلُ بِالطَّاعَةِ وَأَرْجِعُ بِالتَّوْبَةِ
١٢ ‏/ ٥٤٩
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] قَالَ: أَرْجِعُ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٥٥٠⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] قَالَ: أَرْجِعُ»
١٢ ‏/ ٥٥٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: «﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] قَالَ: أَرْجِعُ»
١٢ ‏/ ٥٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ [هود: ٨٩] يَقُولُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَتِي وَبُغْضِي وَفِرَاقُ الدِّينِ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ، عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَبَخْسِ النَّاسِ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ، وَتَرْكِ الْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ، فَيُصِيبُكُمْ. ﴿مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ﴾ [هود: ٨٩] مِنَ الْغَرَقِ. ﴿أَوْ قَوْمَ هُودٍ﴾ [هود: ٨٩] مِنَ الْعَذَابِ ﴿أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ﴾ [هود: ٨٩] مِنَ الرَّجْفَةِ. ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ﴾ [هود: ٨٩] الَّذِينَ ائْتَفَكَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ ﴿مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٩] هَلَاكُهُمْ، أَفَلَا تَتَّعِظُونَ بِهِ وَتَعْتَبِرُونَ؟ يَقُولُ: فَاعْتَبِرُوا بِهَؤُلَاءِ، وَاحْذَرُوا أَنْ يُصِيبَكُمْ بِشِقَاقِي مِثْلُ ⦗٥٥١⦘ الَّذِي أَصَابَهُمْ
١٢ ‏/ ٥٥٠
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ [هود: ٨٩] يَقُولُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ فِرَاقِي ﴿أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ﴾ [هود: ٨٩]» الْآيَةَ
١٢ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ [هود: ٨٩] يَقُولُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ شِقَاقِي»
١٢ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ [هود: ٨٩] قَالَ عَدَاوَتِي وَبَغْضَائِي وَفِرَاقِي»
١٢ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٩] قَالَ: إِنَّمَا كَانُوا حَدِيثًا مِنْهُمْ قَرِيبًا؛ يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ، وَعَادٍ، وَثَمُودَ وَصَالِحٍ»
١٢ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: ٨٩] قَالَ: إِنَّمَا كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ قَرِيبٍ بَعْدَ نُوحٍ وَثَمُودَ» ⦗٥٥٢⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: وَمَا دَارُ قَوْمِ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ
١٢ ‏/ ٥٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [هود: ٣] أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ ذُنُوبِكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ، وَبَخْسِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ. ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٣] يَقُولُ: ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. ﴿إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ﴾ [هود: ٩٠] يَقُولُ: هُوَ رَحِيمٌ بِمَنْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ أَنْ يُعَذِّبَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ. ﴿وَدُودٌ﴾ [هود: ٩٠] يَقُولُ: ذُو مَحَبَّةٍ لِمَنْ أَنَابَ وَتَابَ إِلَيْهِ يَوَدُّهُ وَيُحِبُّهُ
١٢ ‏/ ٥٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ [هود: ٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ لِشُعَيْبٍ: ﴿يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ [هود: ٩١] أَيْ مَا نَعْلَمُ حَقِيقَةَ كَثِيرٍ مِمَّا تَقُولُ وَتُخْبِرُنَا بِهِ. ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ [هود: ٩١] ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ ضَرِيرًا، فَلِذَلِكَ قَالُوا لَهُ: ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ [هود: ٩١] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٥٢
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثَنَا أَسَدُ بْنُ زَيْدٍ الْجَصَّاصُ، قَالَ: ⦗٥٥٣⦘ أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ [هود: ٩١] قَالَ: كَانَ أَعْمَى» حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ: ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زَيْدٍ، قَالُوا: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٥٢
قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: سَمِعْنَا شَرِيكًا، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ [هود: ٩١] قَالَ: أَعْمَى» حَدَّثَنَا سَعْدَوَيْهِ، قَالَ: ثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٥٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ [هود: ٩١] قَالَ: كَانَ ضَعِيفُ الْبَصَرِ. قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَ يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ ⦗٥٥٤⦘ الْأَنْبِيَاءِ»
١٢ ‏/ ٥٥٣
قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ: «﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ [هود: ٩١] قَالَ: كَانَ ضَرِيرُ الْبَصَرِ»
١٢ ‏/ ٥٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ [هود: ٩١] يَقُولُ: يَقُولُونَ: وَلَوْلَا أَنْتَ فِي عَشِيرَتِكَ وَقَوْمِكَ لَرَجَمْنَاكَ، يَعْنُونَ: لَسَبَبْنَاكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ لَقَتَلْنَاكَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ﴾ [هود: ٩١] قَالَ: قَالُوا: لَوْلَا أَنْ نَتَّقِيَ قَوْمَكَ وَرَهْطَكَ لَرَجَمْنَاكَ» ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ [هود: ٩١] يَعْنُونَ: مَا أَنْتَ مِمَّنْ يَكْرُمُ عَلَيْنَا، فَيَعْظُمُ عَلَيْنَا إِذْلَالُهُ وَهَوَانُهُ، بَلْ ذَلِكَ عَلَيْنَا هَيِّنٌ
١٢ ‏/ ٥٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [هود: ٩٢]⦗٥٥٥⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ شُعَيْبٌ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ أَعَزَزْتُمْ قَوْمَكُمْ، فَكَانُوا أَعَزَّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ، وَاسْتَخْفَفْتُمْ بِرَبِّكُمْ، فَجَعَلْتُمُوهُ خَلْفَ ظُهُورِكُمْ، لَا تَأْتَمِرُونَ لَأَمْرِهِ، وَلَا تَخَافُونَ عِقَابَهُ، وَلَا تُعَظِّمُونَهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا لَمْ يَقْضِ حَاجَةَ الرَّجُلِ: نَبَذَ حَاجَتَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ: أَيْ تَرَكَهَا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، وَإِذَا قَضَاهَا قِيلَ: جَعَلَهَا أَمَامَهُ وَنُصْبَ عَيْنَيْهِ؛ وَيُقَالُ: ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي وَجَعَلْتَهَا ظِهْرِيَّةً: أَيْ خَلْفَ ظَهْرِكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَجَدْنَا بَنِي الْبَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ
بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَظْهَرُونَ بِحَوَائِجِ النَّاسِ فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمَ شُعَيْبٍ، وَرَهْطَهُ كَانُوا أَعَزَّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ، وَصَغُرَ شَأْنُ اللَّهِ عِنْدَهُمْ عَزَّ رَبَّنَا وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ»
١٢ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنَّى مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: قَفًا»
١٢ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] يَقُولُ: عَزَزْتُمْ قَوْمَكُمْ، وَأَظْهَرْتُمْ بِرَبِّكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: لَمْ تُرَاقِبُوهُ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا تُرَاقِبُونَ قَوْمِي ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] يَقُولُ: عَزَزْتُمْ قَوْمَكُمْ، وَأَظْهَرْتُمْ بِرَبِّكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: لَمْ تُرَاقِبُوهُ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا تُرَاقِبُونَ قَوْمِي، وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا لَا تَخَافُونَهُ»
١٢ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: أَعَزَزْتُمْ قَوْمَكُمْ وَاغْتَرَرْتُمْ بِرَبِّكُمْ»
١٢ ‏/ ٥٥٦
سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: خَلَّفْتُ حَاجَتِي خَلْفَ ظَهْرِكَ، فَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا: اسْتَخْفَفْتُمْ بِأَمْرِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ قَضَاءَ حَاجَةَ صَاحِبِهِ، جَعَلَهَا أَمَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَسْتَخِفِّ بِهَا»
١٢ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿⦗٥٥٧⦘ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: الظِّهْرِيُّ الْفَضْلُ، مِثْلُ الْجَمَّالُ يَخْرُجُ مَعَهُ بِإِبِلٍ ظَهَارِيَّةٍ فَضْلٍ لَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهَا، قَالَ: فَيَقُولُ: إِنَّمَا رَبُّكُمْ عِنْدَكُمْ مِثْلُ هَذَا إِنِ احْتَجْتُمْ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَحْتَاجُوا إِلَيْهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاتَّخَذْتُمْ مَا جَاءَ بِهِ شُعَيْبٌ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا، فَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ﴾ [هود: ٩٢] عَلَى هَذَا مِنْ ذِكْرِ مَا جَاءَ بِهِ شُعَيْبٌ عليه السلام ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: تَرَكْتُمْ مَا جَاءَ بِهِ شُعَيْبٌ»
١٢ ‏/ ٥٥٧
قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «نَبَذُوا أَمْرَهُ»
١٢ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: نَبَذْتُمْ أَمْرَهُ»
١٢ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: هُمْ رَهْطُ شُعَيْبٍ ⦗٥٥٨⦘ تَرْكُهُمْ مَا جَاءَ بِهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ظِهْرِيًّا»
١٢ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] قَالَ: اسْتِثْنَاؤُهُمْ رَهْطَ شُعَيْبٍ، وَتَرْكُهُمْ مَا جَاءَ بِهِ شُعَيْبٌ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ظِهْرِيًّا» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ لِقُرْبِ قَوْلِهِ: ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ [هود: ٩٢] مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [هود: ٩٢] فَكَانَتِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ﴾ [هود: ٩٢] بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ لِقُرْبِ جِوَارِهَا مِنْهُ أَشْبَهُ وَأَوْلَى
١٢ ‏/ ٥٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [هود: ٩٢] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي مُحِيطٌ عِلْمُهُ بِعَمَلِكُمْ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِهِ عَاجِلًا وَآجِلًا
١٢ ‏/ ٥٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامَلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ [هود: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ: ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ [هود: ٩٣] يَقُولُ: عَلَى تَمَكُنِكُمْ، يُقَالُ مِنْهُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ عَلَى مَكِينَتِهِ وَمِكْنَتِهِ: أَيْ عَلَى اتِئَادِهِ، وَمَكُنَ الرَّجُلُ يَمْكُنُ مَكْنًا وَمَكَانَةً وَمَكَانًا. ⦗٥٥٩⦘ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٥] عَلَى مَنَازِلِكُمْ فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى تَمَكُنِكُمْ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ، ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾ [الأنعام: ١٣٥] عَلَى تُؤَدَةٍ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي أَعْمَلُهُ، ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [هود: ٩٣] أَيُّنَا الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُخْطِئِ عَلَيْهَا، وَالْمُصِيبِ فِي فِعْلِهِ، الْمُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ
١٢ ‏/ ٥٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ [هود: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ لِقَوْمِهِ: الَّذِي يَأْتِيهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ [هود: ٣٩] يَقُولُ: يُذِلُّهُ وَيُهِينُهُ؛ ﴿وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ﴾ [هود: ٩٣] يَقُولُ: وَيَخْزِي أَيْضًا الَّذِي هُوَ كَاذِبٌ فِي قِيلِهِ وَخَبَرِهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ. ﴿وَارْتَقِبُوا﴾ [هود: ٩٣] أَيِ انْتَظِرُوا وَتَفَقَّدُوا مِنَ الرِّقَبَةِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَقَبْتُ فُلَانًا أَرْقُبُهُ رِقْبَةً. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ [هود: ٩٣] يَقُولُ: إِنِّي أَيْضًا ذُو رِقْبَةٍ لِذَلِكَ الْعَذَابِ مَعَكُمْ، وَنَاظِرٌ إِلَيْهِ بِمَنْ هُوَ نَازِلٌ مِنَّا وَمِنْكُمْ
١٢ ‏/ ٥٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود: ٩٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَ قَضَاؤُنَا فِي قَوْمِ شُعَيْبٍ بِعَذَابِنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا رَسُولَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ فَصَدَّقُوهُ عَلَى مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ مَعَ شُعَيْبٍ، مِنْ عَذَابِنَا الَّذِي بَعَثْنَا عَلَى قَوْمِهِ، بِرَحْمَةٍ مِنَّا لَهُ، وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ. وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ أَخْمَدَتْهُمْ فَأَهْلَكَتْهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام، صَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً ⦗٥٦٠⦘ أَخْرَجَتْ أَرْوَاحَهُمْ مِنْ أَجْسَامِهِمْ. ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود: ٦٧] عَلَى رُكَبِهِمْ وَصَرْعَى بِأَفْنِيَتِهِمْ
١٢ ‏/ ٥٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَأَنَّ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ [هود: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَأَنْ لَمْ يَعِشْ قَوْمُ شُعَيْبٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابِهِ حِينَ أَصْبَحُوا جَاثِمِينَ فِي دِيَارِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَلَمْ يَغْنَوْا، مِنْ قَوْلِهِمْ: غَنَيْتُ بِمَكَانِ كَذَا: إِذَا أَقَمْتَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
[البحر الكامل] غَنِيَتْ بِذَلِكَ إِذْ هُمُ لِي جِيرَةٌ … مِنْهَا بِعَطْفِ رِسَالَةٍ وَتَوَدُّدِ
١٢ ‏/ ٥٦٠
وَكَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] قَالَ: يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ [هود: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِلَّا أَبْعَدَ اللَّهُ مَدْيَنَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِحْلَالِ نَقْمَتِهِ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ، يَقُولُ: كَمَا بَعِدَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ ثَمُودُ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِنْزَالِ سَخَطِهِ بِهِمْ
١٢ ‏/ ٥٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَدِلَّتِنَا عَلَى تَوْحِيدِنَا، وَحُجَّةٍ تُبَيِّنُ لِمَنْ عَايَنَهَا، وَتَأَمَّلَهَا بِقَلْبٍ صَحِيحٍ، أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَكَذِبِ كُلِّ مَنِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ دُونَهُ، وَبُطُولِ قَوْلِ مَنْ أَشْرَكَ مَعَهُ فِي الْأُلُوهَةِ غَيْرَهُ. ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَعْنِي إِلَى أَشْرَافِ جُنْدِهِ وَتُبَّاعِهِ. ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ [هود: ٩٧] يَقُولُ: فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ مُوسَى، وَجَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَأَبَوْا قَبُولَ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاتَّبَعَ مَلَأُ فِرْعَوْنَ أَمْرَهُ دُونَ أَمْرِ اللَّهِ، وَأَطَاعُوهُ فِي تَكْذِيبِ مُوسَى وَرَدِّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود: ٩٧] يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَرْشُدُ أَمْرُ فِرْعَوْنَ مَنْ قَبِلَهُ مِنْهُ، فِي تَكْذِيبِ مُوسَى، إِلَى خَيْرٍ، وَلَا يَهْدِيهِ إِلَى صَلَاحٍ، بَلْ يُورِدُهُ نَارَ جَهَنَّمَ
١٢ ‏/ ٥٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: ٩٨]⦗٥٦٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقْدُمُ فِرْعَوْنَ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُودُهُمْ، فَيَمْضِي بِهِمْ إِلَى النَّارِ حَتَّى يُورِدُهُمُوهَا، وَيَصْلِيهِمْ سَعِيرُهَا. ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ﴾ [هود: ٩٨] يَقُولُ: وَبِئْسَ الْوِرْدُ الَّذِي يَرِدُونَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٩٨] قَالَ: فِرْعَوْنُ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَمْضِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى يَهْجُمَ بِهِمْ عَلَى النَّارِ»
١٢ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٩٨] يَقُولُ: يَقُودُ قَوْمَهُ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ»
١٢ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ. ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: «﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٩٨] يَقُولُ: أَضَلَّهُمْ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ»
١٢ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود: ٩٨]⦗٥٦٣⦘ قَالَ: الْوِرْدُ: الدُّخُولُ»
١٢ ‏/ ٥٦٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ [هود: ٩٨] كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْوِرْدُ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةُ أَوْرَادٍ: فِي هُودَ قَوْلُهُ: ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ [هود: ٩٨] وَفِي مَرْيَمَ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] وَوَرَدَ فِي الْأَنْبِيَاءِ: ﴿حَصَبُ جَهَنَّمُ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] وَوَرَدَ فِي مَرْيَمَ أَيْضًا: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُلُّ هَذَا الدُّخُولِ، وَاللَّهِ لَيَرِدَنَّ جَهَنَّمَ كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ. ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقُوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢]»
١٢ ‏/ ٥٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَتْبَعَهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ، يَعْنِي فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مَعَ الْعَذَابِ الَّذِي عَجَّلَهُ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْغَرَقِ فِي الْبَحْرِ، لَعَنْتَهُ. ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [البقرة: ٨٥] يَقُولُ: وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا يُلْعَنُونَ لَعْنَةً أُخْرَى
١٢ ‏/ ٥٦٣
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٩٩] قَالَ: لَعْنَةً أُخْرَى»
١٢ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٩٩] قَالَ: زِيدُوا بِلَعْنَتِهِ لَعْنَةً أُخْرَى، فَتِلْكَ لَعْنَتَانِ»
١٢ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] اللَّعْنَةُ فِي أَثَرِ اللَّعْنَةِ»
١٢ ‏/ ٥٦٤
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٩٩] قَالَ: زِيدُوا لَعْنَةً أُخْرَى، فَتِلْكَ لَعْنَتَانِ»
١٢ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فِي هَذِهِ﴾ [هود: ١٢٠] قَالَ: فِي الدُّنْيَا ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [هود: ٩٩] أُرْدِفُوا بِلَعْنَةٍ أُخْرَى زِيدُوهَا، فَتِلْكَ لَعْنَتَانِ»
١٢ ‏/ ٥٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] يَقُولُ: بِئْسَ الْعَوْنُ الْمُعَانُ، اللَّعْنَةُ الْمَزِيدَةُ فِيهَا أُخْرَى مِنْهَا. وَأَصْلُ الرِّفْدُ: الْعَوْنُ، يُقَالُ مِنْهُ: رَفَدَ فُلَانٌ فُلَانًا عِنْدَ الْأَمِيرِ يَرْفُدُهُ رِفْدًا بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَإِذَا فُتِحَتْ، فَهُوَ السَّقْيِ فِي الْقَدَحِ الْعَظِيمِ، وَالرَّفْدُ: الْقَدَحُ الضَّخْمُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الخفيف] رُبَّ رَفْدٍ هَرَقْتَهُ ذَلِكَ الْيَوْ … مَ وَأَسْرَى مِنْ مَعْشَرٍ أَقْتَالِ
وَيُقَالُ. رَفَدَ فُلَانٌ حَائِطَهُ، وَذَلِكَ إِذَا أَسْنَدَهُ بِخَشَبَةٍ لِئَلَّا يَسْقُطَ. وَالرَّفْدُ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمَصْدَرُ، يُقَالُ مِنْهُ: رَفَدَهُ يَرْفِدُهُ رِفْدًا. وَالرِّفْدُ: اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ الْمَرْفَدُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] قَالَ: لَعْنَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»
١٢ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] قَالَ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، وَزِيدَ لَهُمْ فِيهَا اللَّعْنَةُ فِي الْآخِرَةِ»
١٢ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] قَالَ: لَعْنَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَزِيدُوا فِيهَا لَعْنَةً فِي الْآخِرَةِ»
١٢ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩] يَقُولُ: تَرَادَفَتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَتَانِ مِنَ اللَّهِ لَعْنَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَعْنَةٌ فِي الْآخِرَةِ»
١٢ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «أَصَابَتْهُمْ لَعْنَتَانِ فِي الدُّنْيَا، رَفَدَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ [هود: ٩٩]»
١٢ ‏/ ٥٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: هَذَا الْقَصَصُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَكَ فِي هَذِهِ ⦗٥٦٧⦘ السُّورَةِ، وَالنَّبَأُ الَّذِي أَنْبَأَنَاكَهُ فِيهَا مِنْ أَخْبَارِ الْقُرَى الَّتِي أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ، نَقُصُّهُ عَلَيْكَ فَنُخْبِرُكَ بِهِ. ﴿مِنْهَا قَائِمٌ﴾ [هود: ١٠٠] يَقُولُ: مِنْهَا بُنْيَانُهُ بَائِدٌ بِأَهْلِهِ هَالِكٌ وَمِنْهَا قَائِمٌ بُنْيَانُهُ عَامِرٌ، وَمِنْهَا حَصِيدٌ بُنْيَانُهُ خَرَابٌ مُتَدَاعٍ، قَدْ تَعَفَّى أَثَرُهُ دَارِسٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: زَرْعٌ حَصِيدٌ: إِذَا كَانَ قَدِ اسْتُؤْصِلَ قَطْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْصُودٌ، وَلَكِنَّهُ صُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ كَمَا قَدْ بَيْنَا فِي نَظَائِرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] يَعْنِي بِالْقَائِمِ: قُرَى عَامِرَةٌ. وَالْحَصِيدِ: قُرَى خَامِدَةٌ»
١٢ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] قَالَ: قَائِمٌ عَلَى عُرُوشِهَا، وَحَصِيدٌ: مُسْتَأْصَلَةٌ»
١٢ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مِنْهَا قَائِمٌ﴾ [هود: ١٠٠] يَرَى ⦗٥٦٨⦘ مَكَانَهُ، ﴿وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] لَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ»
١٢ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، «﴿مِنْهَا قَائِمٌ﴾ [هود: ١٠٠] قَالَ: خَاو عَلَى عُرُوشِهِ، ﴿وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] مُلْزَقٌ بِالْأَرْضِ»
١٢ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، «﴿مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] قَالَ: خَرَّ بُنْيَانُهُ»
١٢ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ: «﴿مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] قَالَ: الْحَصِيدُ: مَا قَدْ خَرَّ بُنْيَانُهُ»
١٢ ‏/ ٥٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ [هود: ١٠٠] مِنْهَا قَائِمٌ يُرَى أَثَرُهُ، وَحَصِيدٌ بَادٍ لَا يُرَى»
١٢ ‏/ ٥٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا عَاقَبَنَا أَهْلَ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي اقْتَصَصْنَا نَبَّأَهَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُمْ عُقُوبَتِنَا، فَنَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ وَضَعْنَا عُقُوبَتَنَا إِيَّاهُمْ فِي غَيْرِ
١٢ ‏/ ٥٦٨
مَوْضِعِهَا، ﴿وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [هود: ١٠١] يَقُولُ: وَلَكِنَّهُمْ أَوْجَبُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمُ اللَّهَ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ، عُقُوبَتَهُ وَعَذَابَهُ، فَأَحَلُّوا بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَحُلُّوهُ بِهَا، وَأَوْجَبُوا لَهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُوجِبُوهُ لَهَا. ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [هود: ١٠١] يَقُولُ: فَمَا دَفَعَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَدْعُونَهَا أَرْبَابًا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَعَذَابِهِ إِذَا أَحَلَّهُ بِهِمْ رَبُّهُمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَا رَدَّتْ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْهُ. ﴿لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [هود: ١٠١] يَا مُحَمَّدُ، يَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَضَاءُ رَبِّكَ بِعَذَابِهِمْ، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ عِقَابُهُ، وَنَزَلَ بِهِمْ سَخَطُهُ. ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] يَقُولُ: وَمَا زَادَتْهُمْ آلِهَتُهُمْ عِنْدَ مَجِيءِ أَمْرِ رَبِّكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِعِقَابِ اللَّهِ غَيْرَ تَخْسِيرٍ وَتَدْمِيرٍ وَإِهْلَاكٍ، يُقَالُ مِنْهُ: تَبَّبْتُهُ أُتَبِّبْهُ تَتْبِيبًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلرَّجُلِ: تَبًّا لَكَ، قَالَ جَرِيرٌ:
[البحر الوافر] عَرَادَةُ مِنْ بَقِيَّةِ قَوْمِ لُوطٍ … أَلَا تَبًّا لِمَا فَعَلُوا تَبَابَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا ⦗٥٧٠⦘ سُفْيَانُ، عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] قَالَ: غَيْرَ تَخْسِيرٍ»
١٢ ‏/ ٥٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] قَالَ: تَخْسِيرٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] يَقُولُ: غَيْرَ تَخْسِيرٍ»
١٢ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «﴿غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] قَالَ: غَيْرَ تَخْسِيرٍ» وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَمَّنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَنَا، فَإِنَّهُ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَنَّا إِنْ سَلَكْنَا سَبِيلَ الْأُمَمِ قَبْلَنَا فِي الْخِلَافِ عَلَيْهِ ⦗٥٧١⦘ وَعَلَى رَسُولِهِ، سَلَكَ بِنَا سَبِيلَهُمْ فِي الْعُقُوبَةِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَنَا أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنَّ الْعِبَادَ هُمُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ
١٢ ‏/ ٥٧٠
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: «اعْتَذَرَ يَعْنِي رَبَّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى خَلْقِهِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ [هود: ١٠١] مِمَّا ذَكَرْنَا لَكَ مِنْ عَذَابِ مَنْ عَذَّبْنَا مِنَ الْأُمَمِ ﴿وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ﴾ [هود: ١٠١] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١] قَالَ: مَا زَادَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ»
١٢ ‏/ ٥٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخَذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا أَخَذْتُ أَيُّهَا النَّاسُ أَهْلَ هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي اقْتَصَصْتُ عَلَيْكَ نَبَأَ أَهْلِهَا بِمَا أَخَذَتْهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، عَلَى خِلَافِهِمْ أَمْرِي، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلِي، وَجُحُودِهِمْ آيَاتِي، فَكَذَلِكَ أَخْذِي الْقُرَى وَأَهْلَهَا إِذَا أَخَذْتُهُمْ بِعِقَابِي، وَهُمْ ظَلَمَةٌ لِأَنْفُسِهِمْ، بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَإِشْرَاكِهِمْ بِهِ غَيْرَهُ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ. ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ﴾ [هود: ١٠٢] يَقُولُ: إِنَّ أَخْذَ رَبِّكُمْ بِالْعِقَابِ مَنْ أَخَذَهُ أَلِيمٌ، يَقُولُ: مُوجِعٌ ﴿شَدِيدٌ﴾ [البقرة: ١٦٥] الْإِيجَاعِ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، تَحْذِيرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ يَسْلُكُوا فِي مَعْصِيَتِهِ طَرِيقَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْفَاجِرَةِ، فَيَحِلُّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ
١٢ ‏/ ٥٧١
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُمْلِي» وَرُبَّمَا قَالَ: «يُمْهِلُ لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ [هود: ١٠٢]
١٢ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «إِنَّ اللَّهَ حَذَّرَ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَطْوَتَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢]» وَكَانَ عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذْ أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ» وَذَلِكَ قِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ
١٢ ‏/ ٥٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣]⦗٥٧٣⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي أَخْذِنَا مَنْ أَخَذْنَا مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّتِي اقْتَصَصْنَا خَبَرَهَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَآيَةً، يَقُولُ: لَعِبْرَةً وَعِظَةً لِمَنْ خَافَ عِقَابَ اللَّهِ، وَعَذَابَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ عِبَادِهِ، وَحُجَّةً عَلَيْهِ لِرَبِّهِ، وَزَاجِرًا يَزْجُرُهُ عَنْ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ، وَيُخَالِفُهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ. وَقِيلَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ فِيهِ عِبْرَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ بِأَنَّ اللَّهَ سَيَفِي لَهُ بِوَعْدِهِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٥٧٢
: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ﴾ [هود: ١٠٣] إِنَّا سَوْفَ نَفِي لَهُمْ بِمَا وَعَدْنَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا وَفَّيْنَا لِلْأَنْبِيَاءِ أَنَّا نَنْصُرُهُمْ»
١٢ ‏/ ٥٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الْيَوْمُ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ﴾ [هود: ١٠٣] يَقُولُ: يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ مِنْ قُبُورِهِمْ، فَيَجْمَعُهُمْ فِيهِ لِلْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. ﴿وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣] يَقُولُ: وَهُوَ يَوْمٌ تَشْهَدُهُ الْخَلَائِقُ لَا يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَيَنْتَقِمُ حِينَئِذٍ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَكَذَّبَ رُسُلَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣] قَالَ: يَوْمُ ⦗٥٧٤⦘ الْقِيَامَةِ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، وحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣]»
١٢ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣]»
١٢ ‏/ ٥٧٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: «﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣] قَالَ: ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَجْتَمِعُ فِيهِ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، وَيَشْهَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ»
١٢ ‏/ ٥٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: ١٠٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَمَا نُؤَخِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ أَنْ نَجِيئَكُمْ بِهِ إِلَّا لِآنٍ يُقْضَى، فَقَضَى لَهُ أَجَلًا فَعَدَّهُ وَأَحْصَاهُ، فَلَا يَأْتِي إِلَّا لِأَجَلِهِ ذَلِكَ، لَا يَتَقَدَّمُ مَجِيئُهُ قَبْلَ ⦗٥٧٥⦘ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَخَّرُ
١٢ ‏/ ٥٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَوْمَ يَأْتِي يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَيُّهَا النَّاسُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: «يَوْمَ يَأْتِي» فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهَا (يَوْمَ يَأْتِي لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهَا فِي الْوَصْلِ وَحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. بِحَذْفِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [هود: ١٠٥] . وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: ﴿يَوْمَ يَأْتِ﴾ [هود: ١٠٥] بِحَذْفِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ اتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَفِ، وَأَنَّهَا لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ لِهُذَيْلٍ، تَقُولُ: مَا أَدْرِ مَا تَقُولُ،
١٢ ‏/ ٥٧٥
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز] كَفَّاكَ كَفٌّ مَا تُلِيقُ دِرْهَمَا جُودًا … وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا
وَقِيلَ: ﴿لَا تَكَلَّمُ﴾ [هود: ١٠٥] وَإِنَّمَا هِيَ «لَا تَتَكَلَّمُ»، فَحَذَفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اجْتِزَاءً بِدَلَالَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْهُمَا عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيُّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] يَقُولُ: فَمِنْ هَذِهِ النُّفُوسِ الَّتِي لَا تَكَلَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا، شَقِيُّ وَسَعِيدٌ، وَعَادَ عَلَى النَّفْسِ، وَهِيَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ بِذِكْرِ الْجَمِيعِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيُّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] يَقُولُ: تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ [هود: ١٠٦] لَهُمْ، وَهُوَ أَوَّلُ نُهَاقِ الْحِمَارِ وَشِبْهُهُ، ﴿وَشَهِيقٌ﴾ [هود: ١٠٦] وَهُوَ آخِرُ نَهِيقِهِ إِذَا رَدَّدَهُ فِي الْجَوْفِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ نُهَاقِهِ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز] حَشْرَجَ فِي الْجَوْفِ سَحِيلًا أَوْ شَهَقْ …
١٢ ‏/ ٥٧٦
حَتَّى يُقَالُ نَاهِقٌ وَمَا نَهَقْ
. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود: ١٠٦] يَقُولُ: صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ»
١٢ ‏/ ٥٧٧
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود: ١٠٦] قَالَ: الزَّفِيرُ فِي الْحَلْقِ، وَالشَّهِيقُ فِي الصَّدْرِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ بِنَحْوِهِ
١٢ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «صَوْتُ الْكَافِرِ فِي النَّارِ صَوْتُ الْحِمَارِ، أَوَّلَهُ زَفِيرٌ وَآخِرَهُ شَهِيقٌ»
١٢ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ⦗٥٧٨⦘ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيُّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَعَلَامَ عَمِلْنَا؟ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَفْرُغْ مِنْهُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ يَا عُمَرُ وَجَرَتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَلَكِنْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» اللَّفْظُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَعْمَرٍ وَقَوْلُهُ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود: ١٠٧] لَابِثِينَ فِيهَا، وَيَعِني بِقَوْلِهِ: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ أَبَدًا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَصِفَ الشَّيْءَ بِالدَّوَامِ أَبَدًا، قَالَتْ: هَذَا دَائِمٌ دَوَامُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ دَائِمٌ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: هُوَ بَاقٍ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَمَا سَمَرَ لَنَا سَمِيرٌ، وَمَا لَأْلَأَتِ الْعُفْرُ بِأَذْنَابِهَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَبَدًا. فَخَاطَبَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا يَتَعَارَفُونَ بِهِ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ ⦗٥٧٩⦘ وَالْأَرْضُ﴾ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِيهِ
١٢ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ قَالَ: مَا دَامَتِ الْأَرْضُ أَرْضًا، وَالسَّمَاءُ سَمَاءً. ثُمَّ قَالَ: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧]» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالتَّأَوْيِلُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا اسْتِثَنَاءٌ اسْتَثَنَاهُ اللَّهُ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَنَّهُ يُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ إِذَا شَاءَ بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَهُمُ النَّارَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِثُنْيَاهُ» وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا يُصِيبُهُمْ سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ
١٢ ‏/ ٥٧٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ⦗٥٨٠⦘ بِثَنِيَّتِهِ؛ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا يُصِيبُهُمْ سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابَتْهُمْ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، يُقَالُ لَهُمُ الْجَهَنَّمِيُّونَ»
١٢ ‏/ ٥٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: ثَنَا قَتَادَةُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود: ١٠٧] فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ» قَالَ قَتَادَةُ: وَلَا نَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ أَهْلُ حَرُورَاءَ
١٢ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، يَعْنِي ثَعْلَبَةَ عَنْ أَبِي سِنَانٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ قَالَ: اسْتِثَنَاءٌ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ»
١٢ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، «﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ قَالَ: يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَهُمُ الَّذِينَ اسْتَثْنَى لَهُمْ»
١٢ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَامِرِ بْنِ جَشِيبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ: ٢٣] وَقَوْلُهُ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود: ١٠٧] ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] أَنَّهُمَا فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الِاسْتِثَنَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّكَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ فَلَا يُدْخِلُهُمُ النَّارَ. وَوَجَّهُوا الِاسْتِثَنَاءَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ [هود: ١٠٦] . . ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] لَا مِنَ الْخُلُودِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٨١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، أَوْ أَبِي سَعِيدٍ يَعْنِي الْخُدْرِيَّ أَوْ عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود: ١٠٧] قَالَ: «هَذِهِ الْآيَةُ تَأْتِي عَلَى الْقُرْآنِ كُلِّهِ»، يَقُولُ: حَيْثُ كَانَ فِي الْقُرْآنِ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود: ١٠٧] تَأْتِي عَلَيْهِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا مِجْلَزٍ يَقُولُ: هُوَ جَزَاؤُهُ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَجَاوَزَ عَنْ عَذَابِهِ» ⦗٥٨٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ أَهْلَ النَّارِ، وَكُلَّ مَنْ دَخَلَهَا ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٨١
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيِّبِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ لَا يَمُوتُونَ، وَلَا هُمْ مِنْهَا يَخْرُجُونَ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] قَالَ: اسْتِثَنَاءُ اللَّهِ. قَالَ: يَأْمُرُ النَّارَ أَنْ تَأْكُلَهُمْ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى جَهَنَّمَ زَمَانٌ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا يَلْبَثُونَ فِيهَا أَحْقَابًا»
١٢ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «جَهَنَّمُ أَسْرَعُ الدَّارَيْنِ عُمْرَانٍا، وَأَسْرَعُهُمَا خَرَابًا» وَقَالَ آخَرُونَ: أَخْبَرَنَا اللَّهُ بِمَشِيئَتِهِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَعَرَفْنَا مَعْنَى ثُنْيَاهُ بِقَوْلِهِ: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] أَنَّهَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مِقْدَارِ مُدَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: وَلَمْ يُخْبِرْنَا بِمَشِيئَتِهِ فِي أَهْلِ النَّارِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مَشِيئَتُهُ فِي الزِّيَادَةِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ فِي النُّقْصَانِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ
١٢ ‏/ ٥٨٢
: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] قَالَ: وأَخْبَرَنَا بِالَّذِي يَشَاءُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ، وَلَمْ يُخْبِرْنَا بِالَّذِي يَشَاءُ لِأَهْلِ النَّارِ ” وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، مِنْ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِثَنَاءٌ فِي أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِلَّا مَا شَاءَ مِنْ تَرْكِهِمْ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَوْعَدَ أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ الْخُلُودَ فِي النَّارِ، وَتَظَاهَرَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ اسْتِثَنَاءٌ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا النَّارَ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا، فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِثَنَاءَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ قَبْلَ دُخُولِهَا مَعَ صِحَّةِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّا إِنْ جَعَلْنَاهُ اسْتِثَنَاءً فِي ذَلِكَ كُنَّا قَدْ دَخَلْنَا فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَاسِقٌ، وَلَا النَّارَ مُؤْمِنٌ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَإِذَا فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلَا قَوْلَ قَالَ بِهِ الْقُدْوَةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا الثَّالِثَ. وَلِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي
١٢ ‏/ ٥٨٣
ذَلِكَ مُذْهِبٌ غَيْرُ ذَلِكَ سَنَذْكُرُهُ بَعْدُ، وَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
١٢ ‏/ ٥٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود: ١٠٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ فِعْلِ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ بِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ مِنِ الانْتِقَامِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَيُمْضِي فِعْلَهُ فِيهِمْ وَفِيمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ فعَلَهُ وَقَضَاءَهُ
١٢ ‏/ ٥٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَأَمَّا الَّذِينَ سَعَدُوا) بِفَتْحِ السِّينِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا﴾ [هود: ١٠٨] بِضَمِّ السِّينِ، بِمَعْنَى: رُزِقُوا السَّعَادَةَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿سُعِدُوا﴾ [هود: ١٠٨] فِيمَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلُهُ، وَلَمْ يَقُلْ: «أُسْعِدُوا»، وَأَنْتَ لَا تَقُولُ فِي الْخَبَرِ فِيمَا سُمِّيَ فَاعِلُهُ سَعَدَهُ اللَّهُ، بَلْ إِنَّمَا تَقُولُ:
١٢ ‏/ ٥٨٤
أَسْعَدَهُ اللَّهُ؟ قِيلَ: ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: هُوَ مَجْنُونٌ مَحْبُوبٌ فِيمَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلُهُ، فَإِذَا سَمُّوا فَاعِلَهُ، قِيلَ: أَجَنَّهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا بِرَحْمَةِ اللَّهِ، فَهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، يَقُولُ: أَبَدًا، إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأَوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ قَدْرِ مَا مَكَثُوا فِي النَّارِ قَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، قَالُوا: وَذَلِكَ فِيمَنْ أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ قَالَ: هُوَ أَيْضًا فِي الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، يَقُولُ: خَالِدِينَ فِي الْجَنَّةِ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] يَقُولُ: إِلَّا مَا مَكَثُوا فِي النَّارِ حَتَّى أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ» ⦗٥٨٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ مُدَّةِ دَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: وَذَلِكَ هُوَ الْخُلُودُ فِيهَا أَبَدًا ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، يَعْنِي ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، «﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ قَالَ: وَمَشِيئَتُهُ خُلُودُهُمْ فِيهَا، ثُمَّ أَتْبَعَهَا فَقَالَ: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨]» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ الِاسْتِثَنَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَجْعَلَهُ اسْتِثَنَاءً يَسْتَثْنِيهِ وَلَا يَفْعَلُهُ، كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَعَزْمُكَ عَلَى ضَرْبِهِ، قَالَ: فَكَذَلِكَ قَالَ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ وَلَا يَشَاؤُهُ. قَالَ: وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا اسْتَثْنَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مَعَ مِثْلِهِ، وَمَعَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ كَانَ مَعْنَى إِلَّا وَمَعْنَى الْوَاوِ «سِوَى» فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ سِوَى مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ زِيَادَةِ الْخُلُودِ، فَيُجْعَلُ «إِلَّا» مَكَانَ «سِوَى» فَيَصْلُحُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ سِوَى
١٢ ‏/ ٥٨٦
مَا زَادَهُمْ مِنَ الْخُلُودِ وَالْأَبَدِ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ أَنْ تَقُولَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ إِلَّا الْأَلْفَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ. قَالَ: وَهَذَا أَحَبُّ الْوَجْهَيْنِ إِلَيَّ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ. وَقَدْ وَصَلَ الِاسْتِثَنَاءَ بِقَوْلِهِ: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثَنَاءَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ فِي الْخُلُودِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُمْ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ بِنَحْوِ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالُوا: جَائِزٌ فِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اسْتُثْنِيَ مِنْ خُلُودِهِمْ فِي الْجَنَّةِ احْتِبَاسُهُمْ عَنْهَا مَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْبَعْثِ وَهُوَ الْبَرْزَخُ إِلَى أَنْ يَصِيرُوا إِلَى الْجَنَّةِ. ثُمَّ هُوَ خُلُودُ الْأَبَدِ، يَقُولُ: فَلَمْ يُغَيَّبُوا عَنِ الْجَنَّةِ إِلَّا بِقَدْرِ إِقَامَتِهِمْ فِي الْبَرْزَخِ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ دَوَامَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِمَعْنَى الْأَبَدِ عَلَى مَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ وَتَسْتَعْمِلُ، وَتَسْتَثْنِي الْمَشِيئَةَ مِنْ دَوَامِهَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، قَدْ كَانُوا فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ دَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا لَا فِي الْجَنَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: خَالِدِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَخَالِدِينَ فِي النَّارِ دَوَامِ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ تَعْمِيرِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنِ الضَّحَّاكِ،
١٢ ‏/ ٥٨٧
وَهُوَ ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ مِنْ قَدْرِ مُكْثِهِمْ فِي النَّارِ، مِنْ لَدُنْ دَخَلُوهَا إِلَى أَنْ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ، وَتَكُونُ الْآيَةُ مَعْنَاهَا الْخُصُوصُ؛ لِأَنَّ الْأَشْهَرَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي «إِلَّا» تَوْجِيهُهَا إِلَى مَعْنَى الِاسْتِثَنَاءِ وَإِخْرَاجِ مَعْنَى مَا بَعْدَهَا مِمَّا قَبْلَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ، أَعْنِي فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١٠٧] تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا غَيْرُ مَعْنَى الِاسْتِثَنَاءِ الْمَفْهُومِ فِي الْكَلَامِ فَيُوَجَّهُ إِلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي عَطَاءً مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَقْطُوعٍ عَنْهُمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: جَذَذْتُ الشَّيْءَ أَجُذُّهُ جَذًّا: إِذَا قَطَعْتُهُ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
[البحر الطويل] تَجُذُّ السَّلُوقِيَّ الْمُضَاعَفَ نَسْجُهُ … وَيُوقِدْنَ بِالصُّفَّاحِ نَارَ الْحُبَاحِبِ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: «تُجَذُّ»: تَقْطَعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿عَطَاءً غَيْرَ ⦗٥٨٩⦘ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] قَالَ: غَيْرَ مَقْطُوعٍ»
١٢ ‏/ ٥٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] يَقُولُ: غَيْرَ مُنْقَطِعٍ»
١٢ ‏/ ٥٨٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] يَقُولُ: عَطَاءً غَيْرَ مَقْطُوعٍ»
١٢ ‏/ ٥٨٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ «﴿مَجْذُوذٌ﴾ [هود: ١٠٨] قَالَ: مَقْطُوعٌ»
١٢ ‏/ ٥٨٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] قَالَ: غَيْرَ مَقْطُوعٍ» قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، مِثْلَهُ. ⦗٥٩٠⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ. عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٥٨٩
قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، «قَوْلُهُ: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] قَالَ: أَمَّا هَذِهِ فَقَدْ أَمْضَاهَا، يَقُولُ: عَطَاءً غَيْرَ مُنْقَطِعٍ»
١٢ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] غَيْرَ مَنْزُوعٍ مِنْهُمْ»
١٢ ‏/ ٥٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود: ١٠٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٌ ﷺ: فَلَا تَكُ فِي شَكٍّ يَا مُحَمَّدُ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ أَنَّهُ ضَلَالٌ وَبَاطِلٌ، وَأَنَّهُ بِاللَّهِ شِرْكٌ، مَا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ، يَقُولُ: إِلَّا كَعِبَادَةِ آبَائِهِمْ مِنْ قَبْلِ عِبَادَتِهِمْ لَهَا. يُخْبِرُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا مَا عَبَدُوا مِنَ الْأَوْثَانِ إِلَّا اتِّبَاعًا مِنْهُمْ مِنْهَاجَ آبَائِهِمْ، وَاقْتِفَاءً مِنْهُمْ آثَارَهُمْ فِي عِبَادَتِهِمُوهَا، لَا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ، وَلَا بِحُجَّةٍ تَبَيَّنُوهَا تُوجِبُ عَلَيْهِمْ عِبَادَتَهَا.
١٢ ‏/ ٥٩٠
ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ لِعِبَادَتِهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود: ١٠٩] يَعْنِي: حَظَّهُمْ مِمَّا وَعَدْتُهُمْ أَنْ أُوَفِّيَهُمُوهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، غَيْرَ مَنْقُوصٍ، يَقُولُ: لَا أُنْقِصُهُمْ مِمَّا وَعَدْتُهُمْ، بَلْ أُتَمِّمُ ذَلِكَ لَهُمْ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ
١٢ ‏/ ٥٩١
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود: ١٠٩] قَالَ: مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ»
١٢ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود: ١٠٩] قَالَ: مَا قَدَّرَ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ»
١٢ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ ⦗٥٩٢⦘ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود: ١٠٩] قَالَ: مَا يُصِيبُهُمْ خَيْرٌ أَوْ شَرٌّ»
١٢ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ «﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود: ١٠٩] قَالَ: نَصِيبَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ»
١٢ ‏/ ٥٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُسَلِّيًا نَبِيَّهُ فِي تَكْذِيبِ مُشْرِكِي قَوْمِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِفِعْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمُوسَى فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَحْزُنْكَ يَا مُحَمَّدُ تَكْذِيبُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَكَ، وَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، فَإِنَّ الَّذِي يَفْعَلُ بِكَ هَؤُلَاءِ مِنْ رَدِّ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ عَلَيْكَ مِنَ النَّصِيحَةِ مِنْ فِعْلِ ضُرَبَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ وَسُنَّةِ مَنْ سُنَنِهِمْ. ثُمَّ أَخْبَرَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا فَعَلَ قَوْمُ مُوسَى بِهِ، فَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٨٧] يَعْنِي التَّوْرَاةَ، كَمَا آتَيْنَاكَ الْفُرْقَانَ، فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ قَوْمُ مُوسَى فَكَذَّبَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَصَدَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ، كَمَا قَدْ فَعَلَ قَوْمُكَ بِالْفُرْقَانِ مِنْ تَصْدِيقِ بَعْضٍ بِهِ وَتَكْذِيبِ بَعْضٍ. ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَبِّكَ بِأَنَّهُ لَا يُعَجِّلُ عَلَى خَلْقِهِ بِالْعَذَابِ، وَلَكِنْ يَتَأَنَّى حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. ﴿لَقُضِي بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ: لَقُضِيَ بَيْنَ الْمُكَذِّبِ مِنْهُمْ بِهِ، وَالْمُصَدِّقِ بِإِهْلَاكِ اللَّهِ الْمُكَذِّبَ بِهِ مِنْهُمْ
١٢ ‏/ ٥٩٢
وَإِنْجَائِهِ الْمُصَدِّقَ بِهِ. ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠] يَقُولُ: وَإِنَّ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْ حَقِيقَتِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُرِيبٍ، يَقُولُ: يُرِيبُهُمْ فَلَا يَدْرُونَ أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ، وَلَكِنَّهُمْ فِيهِ مُمْتَرُونَ.
١٢ ‏/ ٥٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [هود: ١١١] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿وَإِنَّ﴾ [البقرة: ٢٣] مُشَدَّدَةً ﴿كُلًّا لَمَّا﴾ [هود: ١١١] مُشَدَّدَةً. وَاخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ وَإِنَّ كُلًّا لَمِمَّا لِيُوَفِّيهِمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ، وَلَكِنْ لَمَّا اجْتَمَعَتِ الْمِيمَاتُ حُذِفَتْ وَاحِدَةٌ فَبَقِيَتْ ثِنْتَانِ، فَأُدْغِمَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْأُخْرَى، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَإِنِّيَ لَمَّا أُصْدِرُ الْأَمْرَ وَجْهَهُ … إِذَا هُوَ أَعْيَا بِالنَّبِيلِ مَصَادِرُهُ
ثُمَّ تُخَفَّفُ، كَمَا قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: «وَالْبَغْي يَّعِظُكُمْ» يُخَفِّفُ الْيَاءَ مَعَ الْيَاءِ، وَذُكِرَ أَنَّ الْكَسَائِيَّ أَنْشَدَهُ:
[البحر الكامل]
١٢ ‏/ ٥٩٣
وَأَشْمَتَّ الْعُدَاةَ بِنَا فَأَضْحَوْا … لَدَيْ يَتَبَاشَرُونَ بِمَا لَقَيْنَا
وَقَالَ: يُرِيدُ: لَدَيَّ يَتَبَاشَرُونَ بِمَا لَقِيَنَا، فَحَذَفَ «يَاءً» لِحَرَكَتِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِّنَّ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ:
[البحر الرجز] كَانَ مِنْ آخِرِهَا إِلْقَادِمِ مَخْرِمَ نَجْدٍ فَارِعِ الْمَخَارِمِ وَقَالَ: أَرَادَ إِلَى الْقَادِمِ، فَحَذَفَ الْلَّامَ عِنْدَ الْلَّامِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: ﴿وَإِنَّ كُلًّا﴾ [هود: ١١١] شَدِيدًا وَحَقًّا لَيُوَفِّيهِمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ. قَالَ: وَإِنَّمَا يُرَادُ إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: ﴿وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا﴾ [هود: ١١١] بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّنْوِينِ، وَلَكِنَّ قَارِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَذَفَ مِنْهُ التَّنْوِينَ، فَأَخْرَجَهُ عَلَى لَفْظِ «فَعَلَى» لَمَّا كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾ فَقَرَأَ «تَتْرَى» بَعْضُهُمْ بِالتَّنْوِينِ، كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ: «لَمَّا» بِالتَّنْوِينِ، وَقَرَأَ آخَرُونَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، كَمَا قَرَأَ ﴿لَمَّا﴾ [البقرة: ٤١] بِغَيْرِ تَنْوِينٍ مَنْ قَرَأَهُ، وَقَالُوا: أَصْلُهُ مِنَ الْلَّمِّ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمَّا﴾ [الفجر: ١٩] يَعْنِي أَكْلًا شَدِيدًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: وَإِنْ كَلَّا إِلَّا لَيُوَفِيَنَّهُمْ، كَمَا
١٢ ‏/ ٥٩٤
يَقُولُ الْقَائِلُ: لَقَدْ قُمْتَ عَنَّا، وَبِاللَّهِ إِلَّا قُمْتَ عَنَّا. وَوَجَدْتُ عَامَّةَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُونَ هَذَا الْقَوْلَ، وَيَأْبُونَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا تَوْجِيهُ «لَمَّا» إِلَى مَعْنَى «إِلَّا» فِي الْيَمِينِ خَاصَّةً؛ وَقَالُوا: لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنَى إِلَّا جَازَ أَنْ يُقَالَ: قَامَ الْقَوْمُ لَمَّا أَخَاكَ، بِمَعْنَى: إِلَّا أَخَاكَ، وَدُخُولُهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صُلُحَ دُخُولُ إِلَّا فِيهِ. وَأَنَا أَرَى أَنَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهٍ هُوَ أَبْيَنُ مِمَّا قَالَهُ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِنَّ فِي فَسَادِهِ، وَهُوَ أَنَّ «إِنَّ» إِثْبَاتٌ لِلشَّيْءِ وَتَحْقِيقٌ لَهُ، «وَإِلَّا» أَيْضًا تَحْقِيقٌ أَيْضًا، وَإِنَّمَا تَدْخُلُ نَقْضًا لِجَحْدٍ قَدْ تَقَدَّمَهَا. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهَا فَوَاجِبٌ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ مُتَأَوِّلِهَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ، أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْجَحْدِ عِنْدَهُ، حَتَّى تَكُونَ إِلَّا نَقْضًا لَهَا. وَذَلِكَ إِنْ قَالَهُ قَائِلٌ، قَوْلٌ لَا يَخْفَى جَهْلُ قَائِلِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُخَفِّفَ قَارِئٌ «إِنَّ» فَيَجْعَلَهَا بِمَعْنَى «إِنْ» الَّتِي تَكُونُ بِمَعْنَى الْجَحْدِ. وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَسَدَتْ قِرَاءَتُهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ نَاصِبًا لِ «كُلٍّ» بِقَوْلِهِ: لِيُوَفِّيَنَّهُمْ، وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُنْصُبَ مَا بَعْدَ «إِلَّا» مِنَ الْفِعْلِ الِاسْمَ الَّذِي قَبْلَهَا، لَا تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا زَيْدًا إِلَّا ضَرَبْتُ،
١٢ ‏/ ٥٩٥
فَيَفْسَدُ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَ رَافِعَ الْكَلِّ، فَيُخَالِفُ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ قِرَاءَةَ الْقُرَّاءِ، وَخَطَّ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنَ الْعَيْبِ بِخُرُوجِهِ مِنْ مَعْرُوفِ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «وَإِنْ كُلًّا» بِتَخْفِيفِ «إِنْ» وَنَصْبِ «كُلًّا» ﴿لَمَّا﴾ [البقرة: ٤١] مُشَدَّدَةٌ. وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ قَارِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ «إِنَّ» الثَّقِيلَةَ فَخَفَّفَهَا. وَذَكَرَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ: كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانٍ، فَنُصِبَ بِ «كَأَنْ»، وَالنُّونُ مُخَفَّفَةً مِنْ «كَأَنْ»؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الهزج] وَوَجْهٌ مُشْرِقُ النَّحْرِ … كَأَنْ ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ بِتَخْفِيفِ «إِنَّ» وَنَصْبِ «كُلًّا»، وَتَخْفِيفِ «لَمَّا» . وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَارِئُ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ قَارِئِ الْكُوفَةِ مِنْ تَخْفِيفِهِ نُونَ «إِنَّ» وَهُوَ يُرِيدُ تَشْدِيدَهَا، وَيُرِيدُ بِمَا الَّتِي فِي «لَمَّا» الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ صِلَةً، وَأَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِلَى تَحْمِيلِ الْكَلَامِ مَعْنَى: وَإِنْ كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ؛
١٢ ‏/ ٥٩٦
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَانَ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ: وَإِنْ كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ أَيْ لَيُوَفِّيَنَّ كُلًّا، فَيَكُونُ نِيَّتُهُ فِي نَصْبِ «كُلٍّ» كَانَتْ بِقَوْلِهِ: «لَيُوَفِّيَنَّهُمْ»، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرَادَ فَفِيهِ مِنَ الْقُبْحِ مَا ذَكَرْتُ مِنْ خِلَافِهِ كَلَامَ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ بِفِعْلٍ بَعْدَ لَامِ الْيَمِينِ اسْمًا قَبْلَهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: «وَإِنَّ» مُشَدَّدَةٌ «كُلًّا لَمَا» مُخَفَّفَةٌ ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ [هود: ١١١] وَلِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ مِنَ الْمَعْنَى: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهَا أَرَادَ: وَإِنَّ كُلًّا لَمَنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ، فَيُوَجِّهُ «مَا» الَّتِي فِي «لَمَّا» إِلَى مَعْنَى «مَنْ» كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَيَنْوِي بِالْلَّامِ الَّتِي فِي «لَمَّا» الْلَّامَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا «وَإِنَّ» جَوَابًا لَهَا، وَبِالْلَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ [هود: ١١١] لَامَ الْيَمِينِ دَخَلَتْ فِيمَا بَيْنَ مَا وَصِلَتِهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ [النساء: ٧٢] وَكَمَا يُقَالُ هَذَا مَا لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرِ: أَنْ يَجْعَلَ «مَا» الَّتِي فِي «لَمَّا» بِمَعْنَى «مَا» الَّتِي تَدْخُلُ صِلَةً فِي الْكَلَامِ، وَاللَّامُ الَّتِي فِيهَا، الْلَّامُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا، وَاللَّامُ الَّتِي فِي: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ [هود: ١١١] هِيَ أَيْضًا الْلَّامُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا «إِنَّ» كُرِّرَتْ وَأُعِيدَتْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَهَا، وَكَانَتِ الْأُولَى مِمَّا تُدْخِلُهَا الْعَرَبُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، ثُمَّ تُعِيدُهَا بَعْدُ فِي مَوْضِعِهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَوْ أَنَّ قَوْمِي لَمْ يَكُونُوا أَعِزَّةً … لَبَعْدُ لَقَدْ لَاقَيْتُ لَا بُدَّ مَصْرَعَا
١٢ ‏/ ٥٩٧
وَقَرَأَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ: ﴿وَإِنَّ كُلًّا﴾ [هود: ١١١] بِتَشْدِيدِ إِنَّ وَلَمًّا بِتَنْوِينِهَا، بِمَعْنَى: شَدِيدًا وَحَقًّا وَجَمِيعًا. وَأَصَحُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُخَرَّجًا عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضِ فِيهِمْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: «وَإِنَّ» بِتَشْدِيدِ نُونِهَا، «كُلًّا لَمَّا» بِتَخْفِيفِ مَا ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ﴾ [هود: ١١١] بِمَعْنَى: وَإِنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَصْنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَصَصَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، لَمَنْ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ بِالصَّالِحِ مِنْهَا، بِالْجَزِيلِ مِنَ الثَّوَابِ، وَبِالطَّالِحِ مِنْهَا بِالشَّدِيدِ مِنَ الْعِقَابِ، فَتَكُونُ «مَا» بِمَعْنَى «مَنْ» وَاللَّامُ الَّتِي فِيهَا جَوَابًا لِأَنَّ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ [هود: ١١١] لَامُ قَسَمٍ
١٢ ‏/ ٥٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [هود: ١١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ بِمَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، خَبِيرٌ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ عمَلِهِمْ بَلْ يَخْبُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَعْلَمُهُ وَيُحِيطُ بِهِ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ جَزَاءَهُمْ
١٢ ‏/ ٥٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: ١١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَاسْتَقِمْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى أَمْرِ رَبِّكَ وَالدِّينِ الَّذِي ابْتَعَثَكَ بِهِ وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، كَمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. ﴿وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ [هود: ١١٢] يَقُولُ: وَمَنْ رَجَعَ مَعَكَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ مِنْ بَعْدِ كُفْرِهِ
١٢ ‏/ ٥٩٨
﴿وَلَا تَطْغَوْا﴾ [هود: ١١٢] يَقُولُ: وَلَا تَعْدُوا أَمْرَهُ إِلَى مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ. ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: ١١٢] يَقُولُ: إِنَّ رَبَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِمَا تَعْمَلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا طَاعَتِهَا وَمَعْصِيَتِهَا بَصِيرٌ ذُوعِلْمٍ بِهَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ لِجَمِيعِهَا مُبْصِرٌ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ وَأَنْتُمْ عَامِلُونَ بِخِلَافِ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ ذُو عِلْمٍ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَهُوَ لَكُمْ بِالْمِرْصَادِ وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود: ١١٢] مَا:
١٢ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود: ١١٢] قَالَ: اسْتَقِمْ عَلَى الْقُرْآنِ»
١٢ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تَطْغَوْا﴾ [هود: ١١٢] قَالَ: الطُّغْيَانُ: خِلَافُ اللَّهِ وَرُكُوبُ مَعْصِيَتِهِ ذَلِكَ الطُّغْيَانُ»
١٢ ‏/ ٥٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: ١١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَمِيلُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، فَتَقْبَلُوا مِنْهُمْ وَتَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ، وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُكُمْ وَوَلِيٍّ يَلِيُكُمْ. ﴿ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: ١١٣] يَقُولُ: فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَمْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ، بَلْ يُخَلِّيكُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ وَيُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ عَدُوَّكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ⦗٦٠٠⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٥٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: ١١٣] يَعْنِي: الرُّكُونُ إِلَى الشِّرْكِ»
١٢ ‏/ ٦٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، «﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ١١٣] يَقُولُ: لَا تَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ»
١٢ ‏/ ٦٠٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ١١٣] يَقُولُ: لَا تَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ، يَقُولُ: الرُّكُونُ الرِّضَا»
١٢ ‏/ ٦٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ١١٣] قَالَ: لَا تَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …