حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: «إِنَّ أَوَّلَ جَبَّارٍ كَانَ فِي الْأَرْضِ نَمْرُودُ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعُوضَةً فَدَخَلَتْ فِي مَنْخَرِهِ، فَمَكَثَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ يُضْرَبُ رَأْسُهُ بِالْمَطَارِقِ، أَرْحَمُ النَّاسِ بِهِ مَنْ جَمَعَ يَدَيْهِ ⦗٢٠٥⦘ فَضَرَبَ رَأْسَهُ بِهِمَا، وَكَانَ جَبَّارًا أَرْبَعَ مِائَةِ سَنَةٍ، فَعَذَّبَهُ اللَّهُ أَرْبَعَ مِائَةِ سَنَةٍ كَمُلْكِهِ، ثُمَّ أَمَاتَهُ اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بَنَى صَرْحًا إِلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦]» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: ٢٦] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: هَدَمَ اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنْ أَصْلِهِ وَالْقَوَاعِدُ: جَمْعُ قَاعِدَةٍ، وَهِيَ الْأَسَاسُ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هَذَا مَثَلٌ لِلِاسْتِئْصَالِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَأْصَلَهُمْ، وَقَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ ذَلِكَ إِذَا اسْتُؤْصِلَ الشَّيْءُ
١٤ / ٢٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقَهُمْ﴾ [النحل: ٢٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، أَعَالِي بُيُوتِهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ
١٤ / ٢٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: ٢٦] إِيِ وَاللَّهِ، لَأَتَاهَا أَمْرُ اللَّهِ مِنْ أَصْلِهَا ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] وَالسَّقْفُ: أَعَالِي الْبُيُوتِ، فَائْتَفَكَتْ بِهِمْ بُيُوتُهُمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَدَمَّرَهُمْ، ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦]»
١٤ / ٢٠٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] قَالَ: «أَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنْ أُصُولِهِ، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ»
١٤ / ٢٠٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾ [النحل: ٢٦] قَالَ: «مَكْرُ نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] أَنَّ الْعَذَابَ أَتَاهُمْ مِنَ السَّمَاءِ
١٤ / ٢٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] يَقُولُ: «عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ، لِمَا رَأَوْهُ اسْتَسْلَمُوا وَذَلُّوا» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَسَاقَطَتْ عَلَيْهِمْ سُقُوفُ ⦗٢٠٧⦘ بُيُوتِهِمْ، إِذْ أَتَى أُصُولَهَا وَقَوَاعِدَهَا أَمْرُ اللَّهِ، فَائْتَفَكَتْ بِهِمْ مَنَازِلُهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوَاعِدِ الْبُنْيَانِ وَخَرِّ السَّقْفِ، وَتَوْجِيهُ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَشْهَرِ الْأَعْرَفِ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلٌ. ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَتَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَكَرُوا مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، عَذَابَ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرُونَ أَنَّهُ أَتَاهُمْ مِنْهُ
١٤ / ٢٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [النحل: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَكَرُوا الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَهُمْ مَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَعْجِيلِ الْعَذَابِ لَهُمْ وَالِانْتِقَامِ بِكُفْرِهِمْ وَجُحُودِهِمْ وَحْدَانِيَّتَهُ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُخْزِيهِمْ فَمُذِلُّهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، وَقَائِلٌ لَهُمْ عِنْدَ وَرُودِهِمْ عَلَيْهِ: ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧] أَصْلُهُ: مِنْ شَاقَقْتُ فُلَانًا فَهُوَ يُشَاقُّنِي، وَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَقْرِيعًا لِلْمُشْرِكِينَ بِعِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ: أَيْنَ شُرَكَائِيَ؟ يَقُولُ: أَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ
١٤ / ٢٠٧
تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ شُرَكَائِيَ الْيَوْمَ؟ مَا لَهُمْ لَا يَحْضُرُونَكُمْ فَيَدْفَعُوا عَنْكُمْ مَا أَنَا مُحِلُّ بِكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تعْبُدُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَتَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَالْوَلِيُّ يَنْصُرُ وَلِيَّهُ؟ وَكَانَتْ مَشَاقَّتُهُمُ اللَّهَ فِي أَوْثَانِهِمْ مُخَالَفَتُهُمْ إِيَّاهُ فِي عِبَادَتِهِمْ، كَمَا:
١٤ / ٢٠٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ﴾ [النحل: ٢٧] يَقُولُ: تُخَالِفُونِي» وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [النحل: ٢٧] يَعْنِي: الذِّلَّةَ وَالْهَوَانَ، ﴿وَالسَّوْءَ﴾ [النحل: ٢٧] يَعْنِي: عَذَابَ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
١٤ / ٢٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ، بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسَّوْءَ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فَجَحَدَ وَحْدَانِيَّتَهُ، ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [النحل: ٢٨] يَقُولُ: الَّذِينَ تَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، ﴿ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النساء: ٩٧] يَعْنِي: وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ مَنْ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ وَقَدْ أُخْرِجَ إِلَيْهَا كَرْهًا
١٤ / ٢٠٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثني سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كَانَ نَاسٌ بِمَكَّةَ أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُهَاجِرُوا، فَأُخْرِجَ بِهِمْ كَرْهًا إِلَى بَدْرٍ، فَقُتِلَ بَعْضُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ⦗٢٠٩⦘ فِيهِمْ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [النحل: ٢٨]»
١٤ / ٢٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ﴾ [النحل: ٢٨] يَقُولُ: فَاسْتَسْلَمُوا لِأَمْرِهِ، وَانْقَادُوا لَهُ حِينَ عَايَنُوا الْمَوْتَ قَدْ نَزَلَ بِهِمْ ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النحل: ٢٨] وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتُغْنِيَ بِفَهْمِ سَامِعِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَهُوَ: قَالُوا مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ يُخْبِرُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا وَقَالُوا: مَا كُنَّا نَعْصِيَ اللَّهَ اعْتِصَامًا مِنْهُمْ بِالْبَاطِلِ رَجَاءَ أَنْ يَنْجُوا بِذَلِكَ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ: بَلْ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ السُّوءَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٢٨] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِيهِ، وَتَأْتُونَ فِيهَا مَا يُسْخِطُهُ
١٤ / ٢٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [النحل: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، يَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ حِينَ يَقُولُونَ لِرَبِّهِمْ: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ: ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ، يَعْنِي: طَبَقَاتِ جَهَنَّمَ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَعْنِي: مَاكِثِينَ فِيهَا، ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [النحل: ٢٩] يَقُولُ: فَلَبِئْسَ مَنْزِلُ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ، وَلَمْ يُقِرَّ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَيُصَدِّقْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ ﴿جَهَنَّمُ﴾ [البقرة: ٢٠٦]
١٤ / ٢٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ
١٤ / ٢٠٩
الْمُتَّقِينَ﴾ [النحل: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقِيلَ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ إِيمَانٍ وَتَقْوَى للَّهِ: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قَالُوا خَيْرًا﴾ [النحل: ٣٠] يَقُولُ: قَالُوا: أَنْزَلَ خَيْرًا، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: إِنَّمَا اخْتَلَفَ الْإِعْرَابُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] وَقَوْلُهُ: ﴿خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٥٨] وَالْمَسْأَلَةُ قَبْلَ الْجَوَابَيْنِ كِلَيْهِمَا وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤] لِأَنَّ الْكُفَّارَ جَحَدُوا التَّنْزِيلَ، فَقَالُوا حِينَ سَمِعُوهُ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أَيْ هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَلَمْ يُنَزِّلِ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَصَدَّقُوا التَّنْزِيلَ، فَقَالُوا: خَيْرًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَنْزَلَ خَيْرًا، فَانْتَصَبَ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْخَيْرِ، فَلِهَذَا افْتَرَقَا، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرُ، فَقَالَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٣٠] وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٤ / ٢١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَرَسُولِهِ، وَأَطَاعُوهُ فِيهَا، وَدَعَوْا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ﴿حَسَنَةً﴾ [البقرة: ٢٠١] يَقُولُ: كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ، ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [يوسف: ١٠٩] يَقُولُ: وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَكَرَامَةُ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لَهُمْ فِيهَا أَعْظَمُ مِنْ كَرَامَتِهِ الَّتِي عَجَّلَهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ [النحل: ٣٠] يَقُولُ: وَلَنِعْمَ دَارُ الَّذِينَ خَافُوا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا فَاتَّقَوْا عِقَابَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَتَجَنُّبِ مَعَاصِيهِ، دَارُ الْآخِرَةِ. ⦗٢١١⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ، قَالُوا خَيْرًا، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٣٠] وَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ [النحل: ٢٤] فَيَقُولُونَ ﴿خَيْرًا، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٣٠] أَيْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَأَمَرُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَحَثُّوا أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ عَلَى الْخَيْرِ وَدَعَوْهُمْ إِلَيْهِ»
١٤ / ٢١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ [التوبة: ٧٢] بَسَاتِينُ لِلْمَقَامِ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى عَدْنٍ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ [الرعد: ٢٣] يَقُولُ: يَدْخُلُونَ جَنَّاتِ عَدْنٍ وَفِي رَفْعِ «جَنَّاتُ» أَوْجُهٍ ثَلَاثٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْآخَرُ: بِالْعَائِدِ مِنَ الذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ: «يَدْخُلُونَهَا»، وَالثَّالِثُ: عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِنِعْمَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى إِذَا جُعِلَتْ خَبَرًا لِنِعْمَ: وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ، وَيَكُونُ «يَدْخُلُونَهَا» فِي مَوْضِعِ حَالٍ، كَمَا يُقَالُ: نِعْمَ الدَّارُ دَارٌ تَسْكُنُهَا أَنْتَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ بِهَذَا ⦗٢١٢⦘ التَّأْوِيلِ «يَدْخُلُونَهَا» مِنْ صِلَةِ «جَنَّاتُ عَدْنٍ»
١٤ / ٢١١
وَقَوْلُهُ: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾ يَقُولُ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ مَا يَشَاءُونَ مِمَّا تَشْتَهِي أَنْفُسُهُمْ وَتَلَذُّ أَعْيُنُهُمْ. ﴿كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ [النحل: ٣١] يَقُولُ: كَمَا يَجْزِي اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بِمَا وَصَفَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ جَزَاهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَذَلِكَ يَجْزِي الَّذِينَ اتَّقَوْهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ
١٤ / ٢١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ تَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، وَهُمْ طَيِّبُونَ بِتَطْيِيبِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِنَظَافَةِ الْإِيمَانِ، وَطُهْرِ الْإِسْلَامِ، فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ وَحَالِ مَمَاتِهِمْ، كَمَا:
١٤ / ٢١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٢] قَالَ: «أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، قَدَّرَ ⦗٢١٣⦘ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [النحل: ٣٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقْبِضُ أَرْوَاحَ هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ، وَهِيَ تَقُولُ لَهُمْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، صِيرُوا إِلَى الْجَنَّةِ، بِشَارَةً مِنَ اللَّهِ تُبَشِّرُهُمْ بِهَا الْمَلَائِكَةُ، كَمَا:
١٤ / ٢١٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ: «إِذَا اسْتَنْقَعَتْ نَفْسُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ جَاءَهُ مَلَكٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَلِيَّ اللَّهِ، اللَّهُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٢] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
١٤ / ٢١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة: ٩١]، ⦗٢١٤⦘ قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ يَأْتُونَهُ بِالسَّلَامِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، وَتُخْبِرُهُ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ»
١٤ / ٢١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا الْأَشَبُّ أَبُو عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَوْلُهُ: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨]، قَالَ: «يُسَلِّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ»
١٤ / ٢١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٥] يَقُولُ: بِمَا كُنْتُمْ تُصِيبُونَ فِي الدُّنْيَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ فِيهَا طَاعَةَ اللَّهِ طَلَبَ مَرْضَاتِهِ
١٤ / ٢١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ يَأْتِي أَمْرُ رَبِّكَ، كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ بِحَشْرِهِمْ لِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [النحل: ٣٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَمَا يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ مِنِ انْتِظَارِهِمْ مَلَائِكَةَ اللَّهِ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ، أَوْ إِتْيَانِ أَمْرِ اللَّهِ فِعْلَ أَسْلَافِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ بِاللَّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي كُلِّ مُشْرِكٍ بِاللَّهِ ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ١١٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ بِإِحْلَالِ سَخَطِهِ، ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة: ٥٧] بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِهِ، حَتَّى اسْتَحَقُّوا عِقَابَهُ، فَعَجَّلَ لَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [الأنعام: ١٥٨] قَالَ: «بِالْمَوْتِ»، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ﴾ [الأنفال: ٥٠]، وَهُوَ مَلَكُ الْمَوْتِ وَلَهُ رُسُلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [النحل: ٣٣] ذَاكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “
١٤ / ٢١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [الأنعام: ١٥٨] يَقُولُ: «عِنْدَ الْمَوْتِ حِينَ تَتَوَفَّاهُمْ، أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٤ / ٢١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا، وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَصَابَ هَؤلَاءِ الَّذِينَ فَعَلُوا مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فِعْلُ هَؤُلِاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا، يَعْنِي عُقُوبَاتِ ذُنُوبِهِمْ، وَنِقَمِ مَعَاصِيهِ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا، ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزمر: ٤٨] يَقُولُ: وَحَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا كَانُوا يَسْتَهْزِئُونَ مِنْهُ وَيَسْخَرُونَ عِنْدَ إِنْذَارِهِمْ ذَلِكَ رُسُلُ اللَّهِ، وَنَزَلَ ذَلِكَ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ
١٤ / ٢١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا
١٤ / ٢١٥
عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [سورة: النحل، آية رقم: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ فعَبَدُوا الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: مَا نَعْبُدُ هَذِهِ الْأَصْنَامَ إِلَّا لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ رَضِيَ عِبَادَتَنَا هَؤُلَاءِ، وَلَا نُحَرِّمُ مَا حَرَّمْنَا مِنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ شَاءَ مِنَّا وَمِنْ آبَائِنَا تَحْرِيمِنَاهَا وَرَضِيَهُ، لَوْلَا ذَلِكَ لَقَدْ غَيَّرَ ذَلِكَ بِبَعْضِ عُقُوبَاتِهِ، أَوْ بِهِدَايَتِهِ إِيَّانَا إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُشْرِكَةِ الَّذِينَ اسْتَنَّ هَؤُلَاءِ سُنَّتَهُمْ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ، وَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعِ أَفْعَالِ آبَائِهِمُ الضُّلَّالِ
١٤ / ٢١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل: ٣٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَهَلْ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا عَلَى رُسُلِنَا الَّذِينَ نُرْسِلُهُمْ بِإِنْذَارِكُمْ عُقُوبَتَنَا عَلَى كُفْرِكُمْ، إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ، يَقُولُ: إِلَّا أَنْ تُبَلِّغَكُمْ مَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الرِّسَالَةِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿الْمُبِينُ﴾ [المائدة: ٩٢] الَّذِي يُبِينُ عَنْ مَعْنَاهُ لِمَنْ أُبْلِغَهُ، وَيَفْهَمُهُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ
١٤ / ٢١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثَنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ بَعَثَنَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ سَلَفَتْ قَبْلَكُمْ رَسُولًا كَمَا بَعَثَنَا فِيكُمْ بِأَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَفْرِدُوا لَهُ الطَّاعَةَ وَأَخْلِصُوا لَهُ
١٤ / ٢١٦
الْعِبَادَةَ، ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] يَقُولُ: وَابْعِدُوا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَاحْذَرُوا أَنْ يُغْوِيَكُمْ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَتَضِلُّوا ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هُدَى اللَّهُ﴾ [النحل: ٣٦] يَقُولُ: فَمِمَّنْ بَعَثَنَا فِيهِمْ رُسُلَنَا مَنْ هَدَى اللَّهُ، فَوَفَّقَهُ لِتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَالْقَبُولِ مِنْهَا وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، فَفَازَ وَأَفْلَحَ وَنَجَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ [النحل: ٣٦] يَقُولُ: وَمِمَّنْ بَعَثْنَا رُسُلَنَا إِلَيْهِ مِنَ الْأُمَمِ آخَرُونَ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةَ، فَجَارُوا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، فَكَفَرُوا بِاللَّهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا الطَّاغُوتَ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ
١٤ / ٢١٧
﴿فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ: إِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ غَيْرَ مُصَدِّقِي رَسُولِنَا فِيمَا يُخْبِرُكُمْ بِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الَّذِينَ حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ مِنْ بَأْسِنَا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ، فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ الَّتِي كَانُوا يَسْكُنُونَهَا وَالْبِلَادِ الَّتِي كَانُوا يَعْمُرُونَهَا فَانْظُرُوا إِلَى آثَارِ اللَّهِ فِيهِمْ وَآثَارِ سَخَطِهِ النَّازِلِ بِهِمْ، كَيْفَ أَعْقَبَهُمْ تَكْذِيبَهُمْ رُسُلَ اللَّهِ مَا أَعْقَبَهُمْ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ وَتَعْلَمُونَ بِهِ صِحَّةَ الْخَبَرِ الَّذِي يُخْبِرُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ
١٤ / ٢١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ، وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [النحل: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ إِنْ تَحْرِصْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى هُدَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
١٤ / ٢١٧
مَنْ يَضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧] بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ «يَهْدِي»، وَضَمِّهَا مِنْ «يُضِلُّ»، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَارِئُوهُ كَذَلِكَ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنَّ اللَّهَ مَنْ أَضَلَّهُ لَا يَهْتَدِي، وَقَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ: قَدْ هُدِيَ الرَّجُلُ يُرِيدُونَ قَدِ اهْتَدَى، وَهُدِيَ وَاهْتَدَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَكَانَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ أَضَلَّهُ، بِمَعْنَى: أَنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيهِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُهْدَى) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ «يُهْدَى» وَمِنْ «يُضِلُّ» وَفَتْحُ الدَّالِ مِنْ «يُهْدَى» بِمَعْنَى: مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ يَهْدِي بِمَعْنَى يُهْتَدَى قَلِيلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ، وَأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ: مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَلَا يَهْدِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجْهَلْهُ أَحَدٌ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْقِرَاءَةُ بِمَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ اللُّغَةِ بِمَا فِيهِ الْفَائِدَةُ الْعَظِيمَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: إِنْ تَحْرِصْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى هُدَاهُمْ، فَإِنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، فَلَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِي أَمْرِهِ، وَبَلِّغْهُ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، لِتَتِمَّ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ
١٤ / ٢١٨
﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٢٢] يَقُولُ: وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ إِذَا أَرَادَ عُقُوبَتَهُمْ، فَيَحُولُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ مَا أَرَادَ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَحْرِصْ﴾ [النحل: ٣٧] لُغَتَانِ: فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: حَرَصَ، يَحْرِصُ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِي فَعَلَ وَكَسْرِهَا فِي يَفْعِلُ، وَحَرِصَ يَحْرِصُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي فَعِلَ وَفَتْحِهَا فِي يَفْعَلُ، وَالْقِرَاءَةُ عَلَى الْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ
١٤ / ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحَلَفَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ حَلِفُهُمْ، لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَكَذَبُوا وَأَبْطَلُوا فِي أَيْمَانِهِمُ الَّتِي حَلَفُوا بِهَا كَذَلِكَ، بَلْ سَيَبْعَثُهُ اللَّهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَعْدًا عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَهُمْ وَعَدَ عِبَادَهُ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ قُرَيْشٍ لَا يَعْلَمُونَ وَعْدَ اللَّهِ عِبَادَهُ أَنَّهُ بَاعِثُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ أَحْيَاءً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ⦗٢٢٠⦘: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨] «تَكْذِيبًا بِأَمْرِ اللَّهِ أَوْ بِأَمْرِنَا، فَإِنَّ النَّاسَ صَارُوا فِي الْبَعْثِ فَرِيقَيْنِ: مُكَذِّبٌ وَمُصَدِّقٌ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَاسًا بِهَذَا الْعِرَاقِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذِبَ أُولَئِكَ، إِنَّمَا هَذِهِ الْآيَةُ لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَلَعَمْرِي لَوْ كَانَ عَلِيٌّ مَبْعُوثًا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا أَنْكَحْنَا نِسَاءَهُ، وَلَا قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ»
١٤ / ٢١٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “إِنَّ رِجَالًا يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَتَأَوَّلُونَ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٣٨] قَالَ: «لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا مَبْعُوثٌ، مَا تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، وَلَا قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ، وَلَكِنْ هَذِهِ لِلنَّاسِ عَامَّةً»
١٤ / ٢٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨] قَالَ: «حَلَفَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ، فَقَالَ: وَالَّذِي يُرْسِلُ الرُّوحَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَتَزْعُمُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ؟ وَأَقْسَمَ بِاللَّهِ جَهْدَ يَمِينِهِ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ»
١٤ / ٢٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «كَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دَيْنٌ، فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ، فَكَانَ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ: وَالَّذِي أَرْجُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّهُ لَكَذَا فَقَالَ ⦗٢٢١⦘ الْمُشْرِكُ: إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ جَهْدَ يَمِينِهِ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٣٨]»
١٤ / ٢٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ: سَبَّنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسُبَّنِي، وَكَذَّبَنِي وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَالَ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨] قَالَ:»قُلْتُ: ﴿بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ [النحل: ٣٨] وَأَمَّا سَبُّهُ إِيَّايَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، وَقُلْتُ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: ٢] . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ “
١٤ / ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ [النحل: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلْ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا، لِيُبَيِّنَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ وَلِغَيْرِهِمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ خَلْقَهُ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ جَحَدُوا صِحَّةَ ذَلِكَ وَأَنْكَرُوا حَقِيقَتَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ فِي قِيلِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ، ⦗٢٢٢⦘ كَمَا:
١٤ / ٢٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ [النحل: ٣٩] قَالَ: «لِلنَّاسِ عَامَّةً»
١٤ / ٢٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَبْعَثَ مَنْ يَمُوتُ فَلَا تَعَبَ عَلَيْنَا وَلَا نَصَبَ فِي إِحْيَائِنَاهُمْ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نُخْلُقُ وَنُكَوِّنُ وَنُحْدِثُ، لِأَنَّا إِذَا أَرَدْنَا خَلْقَهُ وَإِنْشَاءَهُ فَإِنَّمَا نَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، لَا مُعَانَاةَ فِيهِ وَلَا كُلْفَةَ عَلَيْنَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَكُونُ﴾ [البقرة: ١٥٠]، فَقَرَأَهُ أَكْثَرُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَعَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ﴾ [النحل: ٤٠] كَلَامٌ تَامٌّ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ عَمَّا بَعْدَهُ، ثُمَّ يُبْتَدَأُ فَيُقَالُ: «فَيَكُونُ»، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُهْ
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الشَّامِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «فَيَكُونَ» نَصْبًا، عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ﴾ [النحل: ٤٠] وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى
[البحر الرجز] يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ فَيُعْجِمُهْ
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الشَّامِ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «فَيَكُونَ» نَصْبًا، عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ﴾ [النحل: ٤٠] وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى
١٤ / ٢٢٢
مَذْهَبِهِمْ: مَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ لَهُ: كُنْ، فَيَكُونَ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: أُرِيدُ أَنْ آتِيَكَ فَيَمْنَعَنِي الْمَطَرُ، عَطْفًا بِ «يَمْنَعَنِي» عَلَى «آتِيَكَ»
١٤ / ٢٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ فَارَقُوا قَوْمَهُمْ وَدُورَهُمْ وَأَوْطَانَهُمْ عَدَاوَةً لَهُمْ فِي اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى آخَرِينَ غَيْرِهِمْ ﴿مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمُوا﴾ [النحل: ٤١] يَقُولُ: مِنْ بَعْدِ مَا نِيلَ مِنْهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بِالْمَكَارِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٤١] يَقُولُ: لَنُسْكِنَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا مَسْكَنًا يَرْضَوْنَهُ صَالِحًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ [النحل: ٤١] قَالَ: «هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، ظَلَمَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ حَتَّى لَحِقَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ بِالْحَبَشَةِ، ثُمَّ بَوَّأَهُمُ اللَّهُ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَهَا لَهُمْ دَارَ هِجْرَةٍ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَنْصَارًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
١٤ / ٢٢٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٤١] قَالَ: «الْمَدِينَةُ»
١٤ / ٢٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٤١] قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ هَاجَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بَعْدَ ظُلْمِهِمْ، وَظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ» . وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ [النحل: ٤١] لِنَرْزُقَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا رِزْقًا حَسَنًا
١٤ / ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ [النحل: ٤١] لِنَرْزُقَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا رِزْقًا حَسَنًا». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢٢٤
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا أَعْطَى الرَّجُلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَطَاءَهُ يَقُولُ: «خُذْ، بَارَكَ اللَّهُ ⦗٢٢٥⦘ لَكَ فِيهِ، هَذَا مَا وَعَدَكَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَا ذَخَرَهُ لَكَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ» ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤١]». وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ [النحل: ٤١] لَنُحِلَّنَّهُمْ وَلَنُسْكِنَنَّهُمْ، لِأَنَّ التَّبَوُّأَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْحُلُولُ بِالْمَكَانِ وَالنُّزُولُ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٩٣] وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ
١٤ / ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ [النحل: ٤١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: ٤٢] فِي أَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ»
١٤ / ٢٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤١] يَقُولُ: وَلَثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى هِجْرَتِهِمْ فِيهِ فِي الْآخِرَةِ أَكْبَرُ، لِأَنَّ ثَوَابَهُ إِيَّاهُمْ هُنَالِكَ الْجَنَّةُ الَّتِي يَدُومُ نَعِيمُهَا وَلَا يَبِيدُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ ⦗٢٢٦⦘: «﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ [النحل: ٤١] أَيْ وَاللَّهِ لَمَا يُثِيبَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جَنَّتِهِ أَكْبَرُ ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤١]»
١٤ / ٢٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ، وَآتَيْنَاهُمُ الثَّوَابَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، الَّذِينَ صَبَرُوا فِي اللَّهِ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢] يَقُولُ: وَبِاللَّهِ يَثِقُونَ فِي أُمُورِهِمْ، وَإِلَيْهِ يَسْتَنِدُونَ فِي نَوَائِبِ الْأُمُورِ الَّتِي تَنُوبُهُمْ
١٤ / ٢٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ، لِلدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِنَا وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، إِلَّا رِجَالًا مِنْ بَنِي آدَمَ نُوحِي إِلَيْهِمْ وَحْيَنَا، لَا مَلَائِكَةً، يَقُولُ: فَلَمْ نُرْسِلْ إِلَى قَوْمِكَ إِلَّا مِثْلَ الَّذِي كُنَّا نُرْسِلُ إِلَى مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ مِنْ جِنْسِهِمْ وَعَلَى مِنْهَاجِهِمْ ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣] يَقُولُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ: وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ كُنَّا نُرْسِلُ إِلَى مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ رِجَالٌ مِنْ بَنِي آدَمَ مِثْلُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَقُلْتُمْ هُمْ مَلَائِكَةٌ، أَيْ
١٤ / ٢٢٦
ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا، ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣] وَهُمُ الَّذِينَ قَدْ قَرَءُوا الْكُتُبَ مِنْ قَبْلِهِمْ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى عِبَادِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣] قَالَ: «أَهْلُ التَّوْرَاةِ»
١٤ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣]، قَالَ: «سَمِعْنَا أَنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»
١٤ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ»
١٤ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] قَالَ: «قَالَ ⦗٢٢٨⦘ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ: إِنَّ مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»
١٤ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا، أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ، أَوْ مَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ، وَقَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا مِثْلَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ﴾ [يونس: ٢]، وَقَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤] فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ: يَعْنِي أَهْلَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ، أَبَشَرًا كَانَتِ الرُّسُلُ الَّتِي أَتَتْكُمْ أَمْ مَلَائِكَةً؟ فَإِنْ كَانُوا مَلَائِكَةً أَنْكَرْتُمْ، وَإِنْ كَانُوا بَشَرًا فَلَا تُنْكِرُوا أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ رَسُولًا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩]، أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا قُلْتُمْ»
١٤ / ٢٢٨
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] قَالَ: «نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ»
١٤ / ٢٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلُوا ⦗٢٢٩⦘ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] قَالَ: «الذِّكْرُ: الْقُرْآنُ، وَقَرَأَ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، وَقَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [فصلت: ٤١] الْآيَةَ»
١٤ / ٢٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَرْسَلْنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ؟ وَمَا الْجَالِبُ لِهَذِهِ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [البقرة: ٩٢] فَإِنْ قُلْتَ: جَالِبُهَا قَوْلُهُ ﴿أَرْسَلْنَا﴾ [البقرة: ١٥١] وَهِيَ مِنْ صِلَتِهِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِلَةَ «مَا» قَبْلَ «إِلَّا» بَعْدَهَا؟ وَإِنْ قُلْتَ: جَالِبُهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فَمَا هُوَ؟ وَأَيْنَ الْفِعْلُ الَّذِي جَلَبَهَا؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْبَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: «بِالْبَيِّنَاتِ» مِنْ صِلَةِ «أَرْسَلْنَا»، وَقَالَ: «إِلَّا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمَعَ الْجَحْدِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِمَعْنَى «غَيْرِ» وَقَالَ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ غَيْرَ رِجَالٍ نُوحِي إِلَيْهِمْ، وَيَقُولُ عَلَى ذَلِكَ: مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ زَيْدًا، وَهَلْ كَلَّمَ إِلَّا أَخُوكَ عَمْرًا، بِمَعْنَى: مَا ضَرَبَ زَيْدًا غَيْرَ أَخِيكَ، وَهَلْ كَلَّمَ عَمْرًا إِلَّا أَخُوكَ؟ وَيُحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
[البحر الكامل]
[البحر الكامل]
١٤ / ٢٢٩
أَبْنِي لُبَيْنَى لَسْتُمُ بِيَدِ … إِلَّا يَدٍ لَيْسَتْ لَهَا عَضُدُ
وَيَقُولُ: لَوْ كَانَتْ «إِلَّا» بِغَيْرِ مَعْنًى لَفَسَدَ الْكَلَامُ، لِأَنَّ الَّذِي خَفَضَ الْبَاءَ قَبْلَ «إِلَّا» لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَ «إِلَّا» لِخَفْضِ الْيَدِ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنَّ مَعْنَى «إِلَّا» مَعْنَى «غَيْرِ» وَيَسْتَشْهِدُ أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ﴾ [الأنبياء: ٢٢]، وَيَقُولُ: «إِلَّا» بِمَعْنَى «غَيْرِ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: إِنَّمَا هَذَا عَلَى كَلَامَيْنِ، يُرِيدُ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا أَرْسَلْنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ زَيْدًا مَعْنَاهُ: مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ ضَرَبَ زَيْدًا، وَكَذَلِكَ مَا مَرَّ إِلَّا أَخُوكَ بِزَيْدٍ مَا مَرَّ إِلَّا أَخُوكَ، ثُمَّ يَقُولُ: مَرَّ بِزَيْدٍ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ الْأَعْشَى:
[البحر الطويل] وَلَيْسَ مُجِيرًا إِنْ أَتَى الْحَيَّ خَائِفٌ … وَلَا قَائِلًا إِلَّا هُوَ الْمُتَعَيَّبَا
وَيَقُولُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كَلِمَةٍ لَكَانَ خَطَأً، لِأَنَّ «الْمُتَعَيَّبَا» مِنْ صِلَةِ الْقَائِلِ، وَلَكِنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى كَلَامَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بِالنَّارِ جَارَهُمُ … وَهَلْ يُعَذِّبُ إِلَّا اللَّهُ بِالنَّارِ
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ، وَالْبَيِّنَاتِ: هِيَ الْأَدِلَّةُ وَالْحُجَجُ
وَيَقُولُ: لَوْ كَانَتْ «إِلَّا» بِغَيْرِ مَعْنًى لَفَسَدَ الْكَلَامُ، لِأَنَّ الَّذِي خَفَضَ الْبَاءَ قَبْلَ «إِلَّا» لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَ «إِلَّا» لِخَفْضِ الْيَدِ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنَّ مَعْنَى «إِلَّا» مَعْنَى «غَيْرِ» وَيَسْتَشْهِدُ أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ﴾ [الأنبياء: ٢٢]، وَيَقُولُ: «إِلَّا» بِمَعْنَى «غَيْرِ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: إِنَّمَا هَذَا عَلَى كَلَامَيْنِ، يُرِيدُ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا أَرْسَلْنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ زَيْدًا مَعْنَاهُ: مَا ضَرَبَ إِلَّا أَخُوكَ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ ضَرَبَ زَيْدًا، وَكَذَلِكَ مَا مَرَّ إِلَّا أَخُوكَ بِزَيْدٍ مَا مَرَّ إِلَّا أَخُوكَ، ثُمَّ يَقُولُ: مَرَّ بِزَيْدٍ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ الْأَعْشَى:
[البحر الطويل] وَلَيْسَ مُجِيرًا إِنْ أَتَى الْحَيَّ خَائِفٌ … وَلَا قَائِلًا إِلَّا هُوَ الْمُتَعَيَّبَا
وَيَقُولُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كَلِمَةٍ لَكَانَ خَطَأً، لِأَنَّ «الْمُتَعَيَّبَا» مِنْ صِلَةِ الْقَائِلِ، وَلَكِنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى كَلَامَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبُوا بِالنَّارِ جَارَهُمُ … وَهَلْ يُعَذِّبُ إِلَّا اللَّهُ بِالنَّارِ
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ، وَالْبَيِّنَاتِ: هِيَ الْأَدِلَّةُ وَالْحُجَجُ
١٤ / ٢٣٠
الَّتِي أَعْطَاهَا اللَّهُ رُسُلَهُ أَدِلَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِمْ شَاهِدَةً لَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَتَوْا بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالزُّبُرُ: هِيَ الْكُتُبُ، وَهِيَ جَمْعُ زَبُورٍ، مِنْ زَبَرْتُ الْكِتَابَ وَذَبَرْتُهُ: إِذَا كَتَبْتُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤] قَالَ: «الزُّبُرُ: الْكُتُبُ»
١٤ / ٢٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤] قَالَ: «الْآيَاتُ، وَالزُّبُرُ: الْكُتُبُ»
١٤ / ٢٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الزُّبُرُ: الْكُتُبُ»
١٤ / ٢٣١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَالزُّبُرِ﴾ [النحل: ٤٤] يَعْنِي: بِالْكُتُبِ»
١٤ / ٢٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ [النحل: ٤٤] يَقُولُ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ تَذْكِيرًا لِلنَّاسِ وَعِظَةً لَهُمْ ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٤٤] يَقُولُ: لِتُعَرِّفَهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] يَقُولُ: وَلْيَتَذَكَّرُوا فِيهِ وَيَعْتَبِرُوا بِهِ، أَيْ بِمَا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ، وَقَدْ:
١٤ / ٢٣٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا الثَّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] قَالَ: «يُطِيعُونَ»
١٤ / ٢٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَرَامُوا أَنْ يَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا إِذْ قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، صَدًّا مِنْهُمْ لِمَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ اللَّهِ مِنْ مَكَانٍ لَا يَشْعُرُ بِهِ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيَهُ؟ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: عَنَى بِذَلِكَ نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ
١٤ / ٢٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، ⦗٢٣٣⦘ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ [النحل: ٤٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] قَالَ: «هُوَ نَمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ وَقَوْمُهُ» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَهْدِيدٌ مِنَ اللَّهِ أَهْلَ الشِّرْكِ بِهِ، وَهُوَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] فَكَانَ تَهْدِيدُ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِحُجَّةِ اللَّهِ الَّذِي جَرَى الْكَلَامُ بِخِطَابِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَحْرَى مِنَ الْخَبَرِ عَمَّنِ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ عَنْهُ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي مَعْنَى السَّيِّئَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَا:
١٤ / ٢٣٢
حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ﴾ [النحل: ٤٥] أَيِ الشِّرْكُ»
١٤ / ٢٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ [النحل: ٤٦] أَوْ يُهْلِكَهُمْ فِي تَصَرُّفِهِمْ فِي الْبِلَادِ وَتَرَدُّدِهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ ﴿فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [النحل: ٤٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ أَرَادَ أَخَذَهُمْ كَذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ [النحل: ٤٦] يَقُولُ: فِي اخْتِلَافِهِمْ»
١٤ / ٢٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [النحل: ٤٦] قَالَ: «إِنْ شِئْتَ أَخَذْتَهُ فِي سَفَرٍ»
١٤ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ [النحل: ٤٦] فِي أَسْفَارِهِمْ». حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ مَا:
١٤ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ [النحل: ٤٦] قَالَ: «التَّقَلُّبُ: أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»
١٤ / ٢٣٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَوْ يُهْلِكَهُمْ بِتَخَوُّفٍ، وَذَلِكَ بِنَقْصٍ مِنْ أَطْرَافِهِمْ وَنَوَاحِيهِمُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ حَتَّى يَهْلِكَ جَمِيعُهُمْ،
١٤ / ٢٣٤
يُقَالُ مِنْهُ: تَخَوَّفَ مَالَ فُلَانٍ الْإِنْفَاقُ: إِذَا انْتَقَصَهُ، وَنَحْوَ تَخَوُّفِهِ مِنَ التَّخَوُّفِ بِمَعْنَى التَّنَقُّصِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا … كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: تَخَوَّفَ السَّيْرُ: تَنْقُصُ سَنَامَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ لِأَزْدِ شَنُوءَةَ مَعْرُوفَةٌ لَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الوافر] تَخَوَّفَ عَدْوُهُمْ مَالِي وَأَهْدَى … سَلَاسِلَ فِي الْحُلُوقِ لَهَا صَلِيلُ
وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: تَحَوَّفْتُهُ: أَيْ تَنَقَّصْتُهُ، تَحَوُّفًا: أَيْ أَخَذْتُهُ مِنْ حَافَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ، قَالَ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُهُ. وَقَدْ أَتَى التَّفْسِيرُ ⦗٢٣٦⦘ بِالْحَاءِ وَهُمَا بِمَعْنَى، قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا قُرِئَ بِوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا﴾ [المزمل: ٧]، وَ«سَبْخًا» . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر البسيط] تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا … كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: تَخَوَّفَ السَّيْرُ: تَنْقُصُ سَنَامَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ لِأَزْدِ شَنُوءَةَ مَعْرُوفَةٌ لَهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الوافر] تَخَوَّفَ عَدْوُهُمْ مَالِي وَأَهْدَى … سَلَاسِلَ فِي الْحُلُوقِ لَهَا صَلِيلُ
وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: تَحَوَّفْتُهُ: أَيْ تَنَقَّصْتُهُ، تَحَوُّفًا: أَيْ أَخَذْتُهُ مِنْ حَافَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ، قَالَ: فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُهُ. وَقَدْ أَتَى التَّفْسِيرُ ⦗٢٣٦⦘ بِالْحَاءِ وَهُمَا بِمَعْنَى، قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا قُرِئَ بِوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا﴾ [المزمل: ٧]، وَ«سَبْخًا» . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] فَقَالُوا: مَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ عِنْدَ تَنَقُّصِ مَا يُرَدِّدُهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَقَالَ عُمَرُ: «مَا أَرَى إِلَّا أَنَّهُ عَلَى مَا تَنْتَقِصُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ» قَالَ: فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ، فَلَقِيَ أَعْرَابِيًّا، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، مَا فَعَلَ رَبُّكَ؟ قَالَ: قَدْ تَخَيَّفْتَهُ، يَعْنِي تَنَقَّصْتَهُ، قَالَ: فَرْجِعَ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: قَدَّرَ اللَّهُ ⦗٢٣٧⦘ ذَلِكَ “
١٤ / ٢٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] يَقُولُ: «إِنْ شِئْتَ أَخَذْتُهُ عَلَى أَثَرِ مَوْتِ صَاحِبِهِ وَتَخَوُّفٌ بِذَلِكَ»
١٤ / ٢٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] قَالَ: «التَّنَقُّصُ، وَالتَّفْزِيعُ»
١٤ / ٢٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] عَلَى تَنَقُّصٍ»
١٤ / ٢٣٧
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٢٣٨⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] قَالَ: «تَنَقُّصٍ» . حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] فَيُعَاقِبَ أَوْ يَتَجَاوَزَ»
١٤ / ٢٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] قَالَ: «كَانَ يُقَالُ: التَّخَوُّفُ: التَّنَقُّصُ، يَنْتَقِصُهُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ مِنَ الْأَطْرَافِ»
١٤ / ٢٣٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ [النحل: ٤٧] يَعْنِي: «يَأْخُذُ الْعَذَابَ طَائِفَةٌ وَيَتْرُكُ أُخْرَى، وَيُعَذِّبُ الْقَرْيَةَ وَيُهْلِكُهَا، وَيَتْرُكُ أُخْرَى إِلَى جَنْبِهَا»
١٤ / ٢٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ يَقُولُ: فَإِنَّ رَبَّكُمْ إنْ لَمْ يَأْخُذْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ بِعَذَابٍ مُعَجَّلٍ لَهُمْ، وَأَخَذَهُمْ بِمَوْتٍ وَتَنَقَّصَ بَعْضَهُمْ فِي أَثَرِ بَعْضٍ، لَرَءُوفٌ بِخَلْقِهِ، رَحِيمٌ بِهِمْ، وَمِنْ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ لَمْ يَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَلَمْ يُعَجِّلْ لَهُمُ الْعَذَابَ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُهُمْ وَيُنْقِصُهُمْ بِمَوْتٍ
١٤ / ٢٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا للَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ [الرعد: ٤١] بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ عَنِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ (أَوَلَمْ تَرَوْا) بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَيْرِ عَنِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ قَصَصِهِمْ وَالْخَبَرِ عَنْهُمْ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ ذَهَابِهِمْ عَنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَتَرْكِهِمُ النَّظَرَ فِي أَدِلَّتِهِ وَالِاعْتِبَارِ بِهَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ جِسْمٍ قَائِمٍ، شَجَرٍ، أَوْ جَبَلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ يَقُولُ: يَرْجِعُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، فَهُوَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى حَالٍ، ثُمَّ يَتَقَلَّصُ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى حَالٍ أُخْرَى فِي آخِرِ النَّهَارِ. وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُونَ فِي الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ مَا:
١٤ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا للَّهِ﴾ «أَمَّا الْيَمِينُ فَأَوَّلُ النَّهَارِ، وَأَمَّا الشِّمَالُ فَآخِرُ النَّهَارِ» . ⦗٢٤٠⦘ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ
١٤ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ،﴾ قَالَ: «الْغُدُوُّ وَالْآصَالُ، إِذَا فَاءَتِ الظِّلَالُ، ظِلَالُ كُلِّ شَيْءٍ، بِالْغُدُوِّ سَجَدَتْ للَّهِ، وَإِذَا فَاءَتْ بِالْعَشِيِّ سَجَدَتْ للَّهِ»
١٤ / ٢٤٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ يَعْنِي: «بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ،» تَسْجُدُ الظِّلَالُ للَّهِ غُدْوَةً إِلَى أَنْ يَفِئَ الظِّلُّ، ثُمَّ تَسْجُدُ للَّهِ إِلَى اللَّيْلِ، يَعْنِي ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ ” وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُهُ فِي قَوْلِهِ ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ﴾ مَا:
١٤ / ٢٤٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ﴾ يَقُولُ: تَتَمَيَّلُ». وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿سُجَّدًا للَّهِ﴾ [النحل: ٤٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ سُجُودُهُ
١٤ / ٢٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ﴾ قَالَ: «ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ سُجُودُهُ»
١٤ / ٢٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ﴾ قَالَ: «سَجَدَ ظِلُّ الْمُؤْمِنِ طَوْعًا، وَظِلُّ الْكَافِرِ كَرْهًا» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ﴾ كُلًّا عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ فِي حَالِ سُجُودِهَا، قَالُوا: وَسُجُودُ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ ظِلَالِهَا
١٤ / ٢٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَا: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾ قَالَ: «إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ تَوَجَّهَ كُلُّ شَيْءٍ سَاجِدًا قِبَلَ الْقِبْلَةِ مِنْ نَبْتٍ أَوْ شَجَرٍ، قَالَ: فَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الصَّلَاةَ عِنْدَ ذَلِكَ»
١٤ / ٢٤١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ﴾ قَالَ: «إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ سَجَدَ كُلُّ شَيْءٍ للَّهِ عز وجل» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِالسُّجُودِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ظِلَالَ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّمَا يَسْجُدُ ظِلَالُهَا دُونَ الَّتِي لَهَا الظِّلَالُ
١٤ / ٢٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُ ظِلَالُهُ﴾ قَالَ: «هُوَ ⦗٢٤٢⦘ سُجُودُ الظِّلَالِ، ظِلَالُ كُلِّ شَيْءٍ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ، قَالَ: سُجُودُ ظِلَالِ الدَّوَابِّ، وَظِلَالُ كُلِّ شَيْءٍ»
١٤ / ٢٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾ «مَا خَلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَنْ يَمِينِهِ وَشَمَائِلِهِ، فَلَفْظُ» مَا «لَفْظٌ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ، قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الْفَجْرَ كَانَ مَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا ظِلًّا؟ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّمْسَ دَلِيلًا، وَقَبَضَ اللَّهُ الظِّلَّ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ ظِلَالَ الْأَشْيَاءِ هِيَ الَّتِي تَسْجُدُ، وَسُجُودُهَا: مَيَلَانُهَا وَدَوَرَانُهَا مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، وَنَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: سَجَدَتِ النَّخْلَةُ إِذَا مَالَتْ، وَسَجَدَ الْبَعِيرُ وَأُسْجِدَ: إِذَا أُمِيلَ لِلرُّكُوبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى السُّجُودِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٤ / ٢٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [النحل: ٤٨] يَعْنِي: وَهُمْ صَاغِرُونَ يُقَالُ مِنْهُ: دَخَرَ فُلَانٌ للَّهِ ⦗٢٤٣⦘ يَدْخُرُ دَخَرًا وَدُخُورًا: إِذَا ذَلَّ لَهُ وَخَضَعَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل] فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا دَاخِرٌ فِي مُخَيَّسٍ … وَمُنْجَحِرٌ فِي غَيْرِ أَرْضِكَ فِي جُحْرِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الطويل] فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا دَاخِرٌ فِي مُخَيَّسٍ … وَمُنْجَحِرٌ فِي غَيْرِ أَرْضِكَ فِي جُحْرِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [النحل: ٤٨] صَاغِرُونَ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٤ / ٢٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ [النحل: ٤٨] أَيْ صَاغِرُونَ». حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَأَمَّا تَوْحِيدُ الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨] فَجَمَعَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ⦗٢٤٤⦘ ظِلَالُ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ عَنْ يَمِينِهِ: أَيْ مَا خَلَقَ، وَشَمَائِلِهِ، فَلَفْظُ «مَا» لَفْظٌ وَاحِدٌ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْجَمْعِ، فَقَالَ: «عَنْ الْيَمِينِ» بِمَعْنَى: عَنْ يَمِينِ مَا خَلَقَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَعْنَاهُ فِي الشَّمَائِلِ، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: إِنَّمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْكَلَامِ مُوَاجَهَةُ الْوَاحِدِ الْوَاحِدَ، فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: خُذْ عَنْ يَمِينِكَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ إِذَا وَحَّدَ ذَهَبَ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْمِ، وَإِذَا جَمَعَ فَهُوَ الَّذِي لَا مُسَاءَلَةَ فِيهِ، وَاسْتَشْهَدَ لِفِعْلِ الْعَرَبِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] بِفِي الشَّامِتِينَ الصَّخْرُ إِنْ كَانَ هَدَّنِي … رَزِيَّةُ شِبْلَى مُخْدِرٍ فِي الضَّرَاغِمِ
فَقَالَ: «بِفِيِّ الشَّامِتِينَ»، وَلَمْ يَقُلْ: “بِأَفْوَاهِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ فِي ذَرَا سَبَإٍ … قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جِلْدُ الْجَوَامِيسِ
وَلَمْ يَقُلْ: جُلُودُ
[البحر الطويل] بِفِي الشَّامِتِينَ الصَّخْرُ إِنْ كَانَ هَدَّنِي … رَزِيَّةُ شِبْلَى مُخْدِرٍ فِي الضَّرَاغِمِ
فَقَالَ: «بِفِيِّ الشَّامِتِينَ»، وَلَمْ يَقُلْ: “بِأَفْوَاهِ، وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ فِي ذَرَا سَبَإٍ … قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جِلْدُ الْجَوَامِيسِ
وَلَمْ يَقُلْ: جُلُودُ
١٤ / ٢٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِلَّهِ يَخْضَعُ وَيَسْتَسْلِمُ لَأَمْرِهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ يَدِبُّ عَلَيْهَا، وَالْمَلَائِكَةُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنِ التَّذَلُّلِ لَهُ بِالطَّاعَةِ ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٢٢] وَظِلَالُهُمْ تَتَفَيَّأُ عَنِ الْيَمِينِ، وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا للَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: اجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْوَاحِدِ مِنَ الدَّوَابِّ عَنْ ذِكْرِ الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْمَلَائِكَةِ، كَمَا يُقَالُ: مَا أَتَانِي مِنْ رَجُلٍ، بِمَعْنَى: مَا أَتَانِي مِنَ الرِّجَالِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: إِنَّمَا قِيلَ: مِنْ دَابَّةٍ؛ لِأَنَّ «مَا» وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ عَلَى مَذْهَبِ الَّذِي، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ، فَإِذَا أُبْهِمَتْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ أَشْبَهَتِ الْجَزَاءَ، وَالْجَزَاءُ يُدْخِلُ مِنْ فِيمَا جَاءَ مِنَ اسْمٍ بَعْدَهُ مِنَ النَّكِرَةِ، فَيُقَالُ: مَنْ ضَرَبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَاضْرِبُوهُ، وَلَا تَسْقُطُ «مِنْ» مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُشْبِهَ أَنْ تَكُونَ حَالًا لِـ «مَنْ» وَ«مَا»، فَجَعَلُوهُ بِمِنْ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَا وَمَنْ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُؤَقَّتَتَيْنِ، فَكَانَ دُخُولُ مِنْ فِيمَا بَعْدَهُمَا تَفْسِيرًا لِمَعْنَاهُمَا، وَكَانَ دُخُولُ مِنْ أَدَلُّ عَلَى مَا لَمْ يُوَقَّتْ مِنْ «مَنْ وَمَا»، فَلِذَلِكَ لَمْ تُلْغَيَا
١٤ / ٢٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَخَافُ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ إِنْ عَصَوْا أَمْرَهُ ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠] يَقُولُ: وَيَفْعَلُونَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَيُؤَدُّونَ حُقُوقَهُ، وَيَجْتَنِبُونَ سَخَطَهُ
١٤ / ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ: لَا تَتَّخِذُوا لِي شَرِيكًا أَيُّهَا النَّاسُ، وَلَا تَعْبُدُوا مَعْبُودَيْنِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا عَبَدْتُمْ مَعِي غَيْرِي جَعَلْتُمْ لِي شَرِيكًا، وَلَا شَرِيكَ لِي، إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَمَعْبُودٌ وَاحِدٌ، وَأَنَا ذَلِكَ ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: ٥١] يَقُولُ: فَإِيَّايَ فَاتَّقُوا، وَخَافُوا عِقَابِي بِمَعْصِيَتِكُمْ إِيَّايَ إِنْ عَصَيْتُمُونِي وعَبَدْتُمْ غَيْرِي، أَوْ أَشْرَكْتُمْ فِي عِبَادَتِكُمْ لِي شَرِيكًا
١٤ / ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا، أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِلَّهِ مُلْكُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَرْزُقُهُمْ، وَبِيَدِهِ حَيَاتُهُمْ وَمَوْتُهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَهُ الطَّاعَةُ وَالْإِخْلَاصُ دَائِمًا ثَابِتًا وَاجِبًا، يُقَالُ مِنْهُ: وَصَبَ الدِّينُ يَصِبُ وُصُوبًا وَوَصْبًا، كَمَا قَالَ الدِّيلِيُّ:
[البحر الكامل]
[البحر الكامل]
١٤ / ٢٤٦
لَا أَبْتَغِي الْحَمْدَ الْقَلِيلَ بَقَاؤُهُ … يَوْمًا بِذَمِّ الدَّهْرِ أَجْمَعَ وَاصِبَا
وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ [الصافات: ٩] وَقَوْلُ حَسَّانَ:
[البحر المديد] غَيَّرَتْهُ الرِّيحُ تَسْفِي بِهِ … وَهَزِيمٌ رَعْدُهُ وَاصِبُ
فَأَمَّا مِنَ الْأَلَمِ، فَإِنَّمَا يُقَالُ: وَصَبَ الرَّجُلُ يُوصَبُ وَصْبًا، وَذَلِكَ إِذَا أَعْيَا وَمَلَّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] لَا يَغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ وَلَا وَصَبٍ … وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الْوَاصِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ، مَا قُلْنَا
وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ [الصافات: ٩] وَقَوْلُ حَسَّانَ:
[البحر المديد] غَيَّرَتْهُ الرِّيحُ تَسْفِي بِهِ … وَهَزِيمٌ رَعْدُهُ وَاصِبُ
فَأَمَّا مِنَ الْأَلَمِ، فَإِنَّمَا يُقَالُ: وَصَبَ الرَّجُلُ يُوصَبُ وَصْبًا، وَذَلِكَ إِذَا أَعْيَا وَمَلَّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] لَا يَغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أَيْنٍ وَلَا وَصَبٍ … وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الْوَاصِبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ، مَا قُلْنَا
١٤ / ٢٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «دَائِمًا»
١٤ / ٢٤٧
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «دَائِمًا»
١٤ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ ⦗٢٤٨⦘ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «دَائِمًا»
١٤ / ٢٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «دَائِمًا»
١٤ / ٢٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «دَائِمًا»
١٤ / ٢٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «دَائِمًا» . حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ مِثْلَهُ
١٤ / ٢٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] أَيْ دَائِمًا، فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمْ يَدَعْ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا عَبَدَهُ، طَائِعًا أَوْ كَارِهًا “
١٤ / ٢٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «دَائِمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ [الصافات: ٩]⦗٢٤٩⦘ أَيْ دَائِمٌ؟»
١٤ / ٢٤٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «دَائِمًا وَالْوَاصِبُ: الدَّائِمُ». وَقَالَ آخَرُونَ: الْوَاصِبُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْوَاجِبُ
١٤ / ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «وَاجِبًا»
١٤ / ٢٤٩
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: «مَعْنَى الدِّينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْإِخْلَاصُ» وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الدِّينِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٤ / ٢٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ [النحل: ٥٢] قَالَ: «الْإِخْلَاصُ»
١٤ / ٢٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٢٥٠⦘ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الدِّينُ: الْإِخْلَاصُ»
١٤ / ٢٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ [النحل: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ تَتَّقُونَ، أَيْ تَرْهَبُونَ وَتَحْذَرُونَ أَنْ يَسْلُبَكُمْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِإِخْلَاصِكُمُ الْعِبَادَةَ لِرَبِّكُمْ، وَإِفْرَادِكُمُ الطَّاعَةَ لَهُ، وَمَا لَكُمْ نَافِعٌ سِوَاهُ
١٤ / ٢٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: ٥٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٩] فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: دَخَلَتِ الْفَاءُ، لِأَنَّ «مَا» بِمَنْزِلَةِ «مِنْ» فَجَعَلَ الْخَبَرَ بِالْفَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: «مَا» فِي مَعْنَى جَزَاءٍ، وَلَهَا فِعْلٌ مُضْمَرٌ، كَأَنَّكَ قُلْتَ: مَا يَكُنْ بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلٍ مَجْزُومٍ، إِنْ ظَهَرَ فَهُوَ جَزْمٌ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ مُضْمَرٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] إِنِ الْعَقْلُ فِي أَمْوَالِنَا لَا نَضِقْ بِهِ … ذِرَاعًا وَإِنْ صَبْرًا فَنَعْرِفُ لِلصَّبْرِ
وَقَالَ: أَرَادَ: إِنْ يَكُنِ الْعَقْلُ فَأَضْمَرَهُ، قَالَ: وَإِنْ جُعِلَتْ «مَا بِكُمْ» فِي مَعْنَى «الَّذِي» جَازَ، وَجُعِلَتْ صِلَتُهُ «بِكُمْ» وَ«مَا» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٩]، وَأَدْخَلَ الْفَاءَ كَمَا قَالَ: ﴿إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨] وَكُلُّ اسْمِ وَصْلٍ مِثْلَ «مِنْ» وَ«مَا» وَ«الَّذِي»، فَقَدْ يَجُوزُ دُخُولُ الْفَاءِ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ قَدْ يُجَابُ بِالْفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَخُوكَ فَهُوَ قَائِمٌ، لِأَنَّهُ اسْمٌ غَيْرُ مَوْصُولٍ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: مَالُكَ لِي، فَإِنْ قُلْتَ: مَالُكَ، جَازَ أَنْ تَقُولَ: مَالُكَ فَهُوَ لِي، وَإِنْ أُلْقِيَتِ الْفَاءُ فَصَوَابٌ.
[البحر الطويل] إِنِ الْعَقْلُ فِي أَمْوَالِنَا لَا نَضِقْ بِهِ … ذِرَاعًا وَإِنْ صَبْرًا فَنَعْرِفُ لِلصَّبْرِ
وَقَالَ: أَرَادَ: إِنْ يَكُنِ الْعَقْلُ فَأَضْمَرَهُ، قَالَ: وَإِنْ جُعِلَتْ «مَا بِكُمْ» فِي مَعْنَى «الَّذِي» جَازَ، وَجُعِلَتْ صِلَتُهُ «بِكُمْ» وَ«مَا» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٧٩]، وَأَدْخَلَ الْفَاءَ كَمَا قَالَ: ﴿إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨] وَكُلُّ اسْمِ وَصْلٍ مِثْلَ «مِنْ» وَ«مَا» وَ«الَّذِي»، فَقَدْ يَجُوزُ دُخُولُ الْفَاءِ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ قَدْ يُجَابُ بِالْفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَخُوكَ فَهُوَ قَائِمٌ، لِأَنَّهُ اسْمٌ غَيْرُ مَوْصُولٍ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: مَالُكَ لِي، فَإِنْ قُلْتَ: مَالُكَ، جَازَ أَنْ تَقُولَ: مَالُكَ فَهُوَ لِي، وَإِنْ أُلْقِيَتِ الْفَاءُ فَصَوَابٌ.
١٤ / ٢٥٠
وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: مَا يَكُنْ بِكُمْ فِي أَبْدَانِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ عَافِيَةٍ وَصِحَّةٍ وَسَلَامَةٍ وَفِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ نَمَاءٍ، فَاللَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ لَا غَيْرُهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ
١٤ / ٢٥١
﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ [النحل: ٥٣] يَقُولُ: إِذَا أَصَابَكُمْ فِي أَبْدَانِكُمْ سَقَمٌ وَمَرَضٌ وَعِلَّةٌ عَارِضَةٌ وَشِدَّةٌ مِنْ عَيْشٍ، ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: ٥٣] يَقُولُ: فَإِلَى اللَّهِ تَصْرُخُونَ بِالدُّعَاءِ وَتَسْتَغِيثُونَ بِهِ، لِيَكْشِفَ ذَلِكَ عَنْكُمْ وَأَصْلُهُ: مِنْ جُؤَارِ الثَّوْرِ، يُقَالُ مِنْهُ: جَأَرَ الثَّوْرُ يَجْأَرُ جُؤَارًا، وَذَلِكَ إِذَا رَفَعَ صَوْتًا شَدِيدًا مِنْ جُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب] وَمَا أَيْبُلِيُّ عَلَى هَيْكَلٍ … بَنَاهُ وَصَلَّبَ فِيهِ وَصَارَا
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الْمَلِيكِ … طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارَا
يَعْنِي بِالْجُؤَارِ: الصِّيَاحُ، إِمَّا بِالدُّعَاءِ وَإِمَّا بِالْقِرَاءَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر المتقارب] وَمَا أَيْبُلِيُّ عَلَى هَيْكَلٍ … بَنَاهُ وَصَلَّبَ فِيهِ وَصَارَا
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الْمَلِيكِ … طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارَا
يَعْنِي بِالْجُؤَارِ: الصِّيَاحُ، إِمَّا بِالدُّعَاءِ وَإِمَّا بِالْقِرَاءَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل: ٥٣]⦗٢٥٢⦘ قَالَ: «تَضْرَعُونَ دُعَاءً» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما قَالَ: «الضُّرُّ: السَّقَمُ»
١٤ / ٢٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ. لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ إِذَا وَهَبَ لَكُمْ رَبُّكُمُ الْعَافِيَةَ، وَرَفَعَ عَنْكُمْ مَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْمَرَضِ فِي أَبْدَانِكُمْ وَمِنَ الشِّدَّةِ فِي مَعَاشِكُمْ، وَفَرَّجَ الْبَلَاءَ عَنْكُمْ، ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ٥٤] يَقُولُ: إِذَا جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ يَجْعَلُونَ للَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِهِمْ، فَيَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَيَذْبَحُونَ لَهَا الذَّبَائِحَ شُكْرًا لِغَيْرِ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفَرَجِ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الضُّرِّ. ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٥] يَقُولُ: لِيَجْحَدُوا اللَّهَ نِعْمَتَهُ فِيمَا آتَاهُمْ مِنْ كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُمْ. ﴿فَتَمَتَّعُوا، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٥٥]، وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَعِيدٌ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَتَهْدِيدٌ لَهُمْ، يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: تَمَتَّعُوا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تُوَافِيَكُمْ آجَالُكُمْ، وَتَبْلُغُوا الْمِيقَاتَ الَّذِي وَقَّتَهُ لِحَيَاتِكُمْ وَتَمَتُّعِكُمْ فِيهَا، فَإِنَّكُمْ مِنْ ذَلِكَ سَتَصِيرُونَ إِلَى رَبِّكُمْ، فَتَعْلَمُونَ بِلِقَائِهِ
١٤ / ٢٥٢
وَبَالَ مَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَتَعْرِفُونَ سُوءَ مَغَبَّةِ أَمْرِكُمْ، وَتَنْدَمُونَ حِينَ لَا يَنْفَعُكُمُ النَّدَمُ
١٤ / ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ، تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ [النحل: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَجْعَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴿نَصِيبًا﴾ [آل عمران: ٢٣] يَقُولُ: حَظًّا وَجَزَاءً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، إِشْرَاكًا مِنْهُمْ لَهُ، الَّذِي يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ وَيَضُرُّهُمْ دُونَ غَيْرِهِ، كَالَّذِي:
١٤ / ٢٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٦] قَالَ: «يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ وَيَضُرُّهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ»
١٤ / ٢٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٦] «وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، جَعَلُوا لِأَوْثَانِهِمْ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ، وَجُزْءًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَجْعَلُونَهُ لِأَوْثَانِهِمْ»
١٤ / ٢٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَجْعَلُونَ ⦗٢٥٤⦘ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٦] قَالَ: «جَعَلُوا لِآلِهَتِهِمُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا نَصِيبٌ وَلَا شَيْءٌ، جَعَلُوا لَهَا نَصِيبًا مِمَّا قَالَ اللَّهُ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، يُسَمُّونَ عَلَيْهَا أَسْمَاءَهَا، وَيَذْبَحُونَ لَهَا»
١٤ / ٢٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿تَالَلَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ [النحل: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهِ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ الْجَاعِلُونَ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ نَصِيبًا فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ شِرْكًا بِاللَّهِ وَكُفْرًا، لَيَسْأَلَنَّكُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَفْتَرُونَ، يَعْنِي: تَخْتَلِقُونَ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْإِفْكِ عَلَى اللَّهِ بِدَعْوَاكُمْ لَهُ شَرِيكًا، وَتَصْيِيرِكُمْ لِأَوْثَانِكُمْ فِيمَا رَزَقَكُمْ نَصِيبًا، ثُمَّ لَيُعَاقِبَنَّكُمْ عُقُوبَةً، تَكُونُ جَزَاءً لِكُفْرَانِكُمْ نِعَمَهُ وَافْتِرَائِكُمْ عَلَيْهِ
١٤ / ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَجْعَلُونَ للَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ. وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَخُبْثِ فِعْلِهِمْ وَقُبْحِ فِرْيَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمَنْ خَلَقَهُمْ وَدَبَّرَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، فَاسْتَوْجَبَ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمُ الشُّكْرَ، وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْحَمْدَ ﴿الْبَنَاتِ﴾ [النحل: ٥٧]، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ للَّهِ وَلَدٌ ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى سُبْحَانَهُ، نَزَّهَ ﷻ بِذَلِكَ نَفْسَهُ عَمَّا أَضَافُوا إِلَيْهِ وَنَسَبُوهُ مِنَ الْبَنَاتِ، فَلَمْ يَرْضَوْا بِجَهْلِهِمْ إِذْ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا لَا يَنْبَغِي إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ أَنْ يُضِيفُوا إِلَيْهِ مَا يَشْتَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَيُحِبُّونَهُ لَهَا، وَلَكِنَّهُمْ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا يَرْضَوْنَهُ لَهَا مِنَ الْبَنَاتِ مَا يَقْتُلُونَهَا إِذَا
١٤ / ٢٥٤
كَانَتْ لَهُمْ، وَفِي «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] وَجْهَانِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ: النَّصَبُ عَطْفًا لَهَا عَلَى «الْبَنَاتِ»، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ: وَيَجْعَلُونَ للَّهِ الْبَنَاتِ وَلَهُمُ الْبَنِينَ الَّذِينَ يَشْتَهُونَ، فَتَكُونُ «مَا» لِلْبَنِينَ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مُبْتَدَأٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَجْعَلُونَ للَّهِ الْبَنَاتِ وَلَهُمُ الْبَنُونَ
١٤ / ٢٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ [النحل: ٥٨] يَقُولُ: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا للَّهِ الْبَنَاتِ بِوِلَادَةِ مَا يُضِيفُهُ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لَهُ، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا مِنْ كَرَاهَتِهِ لَهُ ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] يَقُولُ قَدْ كَظَمَ الْحُزْنَ، وَامْتَلَأَ غَمًّا بِوِلَادَتِهِ لَهُ، فَهُوَ لَا يُظْهِرُ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَجْعَلُونَ للَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، يَقُولُ: يَجْعَلُونَ للَّهِ الْبَنَاتِ تَرْضَوْنَهُنَّ لِي وَلَا تَرْضَوْنَهُنَّ لِأَنْفُسِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ جَارِيَةٌ أَمْسَكَهَا عَلَى هُونٍ، أَوْ دَسَّهَا فِي التُّرَابِ وَهِيَ ⦗٢٥٦⦘ حَيَّةٌ “
١٤ / ٢٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] «وَهَذَا صَنِيعُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِخُبْثِ صَنِيعِهِمْ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ حَقِيقٌ أَنْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، وَقَضَاءُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ قَضَاءِ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ، وَلَعَمْرِي مَا يَدْرِي أَنَّهُ خَيْرٌ، لَرُبَّ جَارِيَةٍ خَيْرٌ لِأَهْلِهَا مِنْ غُلَامٍ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَكُمُ اللَّهُ بِصَنِيعِهِمْ لِتَجْتَنِبُوهُ وَتَنْتَهُوا عَنْهُ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَغْذُو كَلْبَهُ وَيَئِدُ ابْنَتَهُ»
١٤ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] قَالَ: «حَزِينٌ»
١٤ / ٢٥٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] قَالَ: “الْكَظِيمُ: الْكَمِيدُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
١٤ / ٢٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَتَوَارَى هَذَا الْمُبَشَّرُ بِوِلَادَةِ الْأُنْثَى مِنَ الْوَلَدِ لَهُ مِنَ
١٤ / ٢٥٦
الْقَوْمِ، فَيَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، ﴿مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾ [النحل: ٥٩] يَعْنِي: مِنْ مَسَاءَتِهِ إِيَّاهُ مُمِيلًا بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ عَلَى هُونٍ: أَيْ عَلَى هَوَانٍ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ فِيمَا ذُكِرَ لِي، يَقُولُونَ لِلْهَوَانِ: الْهُونِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:
[البحر الطويل] فَلَمَّا خَشِيتُ الْهُونَ وَالْعَيْرُ مُمْسِكٌ … عَلَى رَغْمِهِ مَا أَثْبَتَ الْحَبْلَ حَافِرُهْ
وَبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ جَعَلَ الْهُونَ مَصْدَرًا لِلشَّيْءِ الْهَيِّنِ، ذَكَرَ الْكَسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: إِنْ كُنْتَ لَقَلِيلُ هَوْنِ الْمُؤْنَةِ مُنْذُ الْيَوْمَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ: الْهَوَانُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، سَمِعْتُ مِنْهُمْ قَائِلًا يَقُولُ لِبَعِيرٍ لَهُ: مَا بِهِ بَأْسٌ غَيْرُ هَوَانِهِ، يَعْنِي خَفِيفَ الثَّمَنِ، فَإِذَا قَالُوا: هُوَ يَمْشِي عَلَى هَوْنِهِ، لَمْ يَقُولُوهُ إِلَّا بِفَتْحِ الْهَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] . ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل: ٥٩] يَقُولُ: يَدْفِنُهُ حَيًّا فِي التُّرَابِ فَيَئِدُهُ، كَمَا:
[البحر الطويل] فَلَمَّا خَشِيتُ الْهُونَ وَالْعَيْرُ مُمْسِكٌ … عَلَى رَغْمِهِ مَا أَثْبَتَ الْحَبْلَ حَافِرُهْ
وَبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ جَعَلَ الْهُونَ مَصْدَرًا لِلشَّيْءِ الْهَيِّنِ، ذَكَرَ الْكَسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ: إِنْ كُنْتَ لَقَلِيلُ هَوْنِ الْمُؤْنَةِ مُنْذُ الْيَوْمَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ: الْهَوَانُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى، سَمِعْتُ مِنْهُمْ قَائِلًا يَقُولُ لِبَعِيرٍ لَهُ: مَا بِهِ بَأْسٌ غَيْرُ هَوَانِهِ، يَعْنِي خَفِيفَ الثَّمَنِ، فَإِذَا قَالُوا: هُوَ يَمْشِي عَلَى هَوْنِهِ، لَمْ يَقُولُوهُ إِلَّا بِفَتْحِ الْهَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣] . ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل: ٥٩] يَقُولُ: يَدْفِنُهُ حَيًّا فِي التُّرَابِ فَيَئِدُهُ، كَمَا:
١٤ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ [النحل: ٥٩] يَئِدُ ابْنَتَهُ»
١٤ / ٢٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [النحل: ٥٩] يَقُولُ: أَلَا سَاءَ الْحُكْمُ الَّذِي يَحْكُمُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَذَلِكَ أَنْ جَعَلُوا للَّهِ مَا لَا يَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلُوا لِمَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ شِرْكًا فِيمَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وعَبَدُوا غَيْرَ مَنْ خَلَقَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ
١٤ / ٢٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النحل: ٦٠] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨]، وَالْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا للَّهِ الْبَنَاتِ، فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ﴾ [النحل: ٦٠] أَنَّهُ مَثَلٌ، وَعَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [النحل: ٦٠] لِلَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْمَعَادِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿مَثَلُ السَّوْءِ﴾ [النحل: ٦٠] وَهُوَ الْقَبِيحُ مِنَ الْمَثَلِ، وَمَا يَسُوءُ مَنْ ضُرِبَ لَهُ ذَلِكَ الْمَثَلُ ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠] يَقُولُ: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَطْيَبُ، وَالْأَحْسَنُ، وَالْأَجْمَلُ، وَذَلِكَ التَّوْحِيدُ وَالْإِذْعَانُ لَهُ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠] قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
١٤ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠] الْإِخْلَاصُ وَالتَّوْحِيدُ»
١٤ / ٢٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ ذُو الْعِزَّةِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَعَهَا عُقُوبَةُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَا عُقُوبَةُ مَنْ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ وَشَاءَهُ، لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ، وَالْأَمْرَ أَمْرُهُ، الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ، فَلَا يَدْخُلُ تَدْبِيرُهُ خَلَلٌ وَلَا خَطَأٌ
١٤ / ٢٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ، وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ﴾ [النحل: ٦١] عُصَاةَ بَنِي آدَمَ بِمَعَاصِيهِمْ، ﴿مَا تَرَكَ عَلَيْهَا﴾ [النحل: ٦١] يَعْنِي عَلَى الْأَرْضِ ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ [الأنعام: ٣٨] تَدِبُّ عَلَيْهَا ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ﴾ [النحل: ٦١] يَقُولُ: وَلَكِنْ بِحِلْمِهِ يُؤَخِّرُ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةِ فَلَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: إِلَى وَقْتِهِمُ الَّذِي وَقَّتَ لَهُمْ ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٤] يَقُولُ: فَإِذَا جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَّتَ لِهَلَاكِهِمْ، ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] عَنِ الْهَلَاكِ سَاعَةً فَيُمْهَلُونَ، ﴿وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] لَهُ حَتَّى يَسْتَوفُوا آجَالَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: «كَادَ الْجُعْلُ أَنْ يُعَذَّبَ بِذَنْبِ بَنِي آدَمَ وَقَرَأَ ⦗٢٦٠⦘: ﴿لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [النحل: ٦١]»
١٤ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَكِيمٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَجُلًا وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ الظَّالِمَ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «بَلَى، وَاللَّهِ إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتُ فِي وَكْرِهَا هُزَالًا بِظُلْمِ الظَّالِمِ»
١٤ / ٢٦٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ السَّدُوسِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «خَطِيئَةُ ابْنِ آدَمَ قَتَلَتِ الْجُعْلَ»
١٤ / ٢٦٠
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «كَادَ الْجُعْلُ أَنْ يَهْلِكَ فِي جُحْرِهِ بِخَطِيئَةِ ⦗٢٦١⦘ ابْنِ آدَمَ»
١٤ / ٢٦٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] قَالَ: «نَرَى أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ أَجَلُهُ فَلَا يُؤَخَّرُ سَاعَةً، وَلَا يُقَدَّمُ، مَا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُؤَخِّرُ مَا شَاءَ، وَيُقَدِّمُ مَا شَاءَ»
١٤ / ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَجْعَلُونَ للَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُم مُّفَرِّطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَجْعَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ للَّهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ [النحل: ٦٢] يَقُولُ: وَتَقُولُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ وَتَفْتَرِيهِ ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ [النحل: ٦٢] فَأَنَّ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّهَا تَرْجَمَةٌ عَنِ الْكَذِبِ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَيَجْعَلُونَ للَّهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى الَّذِي يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، الْبَنَاتُ يَجْعَلُونَهُنَّ للَّهِ تَعَالَى، وَزَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأَمَّا الْحُسْنَى الَّتِي جَعَلُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ: فَالذُّكُورُ مِنَ الْأَوْلَادِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَئِدُونَ الْإِنَاثَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَيَسْتَبْقُونَ الذُّكُورَ مِنْهُمْ، وَيَقُولُونَ: لَنَا الذُّكُورُ وَلِلَّهِ الْبَنَاتُ، وَهُوَ نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿وَيَجْعَلُونَ للَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ [النحل: ٥٧] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «قَوْلُ قُرَيْشٍ: لَنَا الْبَنُونَ وَلِلَّهِ الْبَنَاتُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: قَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ
١٤ / ٢٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَجْعَلُونَ للَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ [النحل: ٦٢] أَيْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى، أَيِ الْغِلْمَانُ»
١٤ / ٢٦٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى،﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «الْغِلْمَانُ»
١٤ / ٢٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حَقًّا وَاجِبًا أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ للَّهِ الْبَنَاتِ، الْجَاعِلِينَ لَهُ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلِأَنْفُسِهِمُ الْحُسْنَى عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، النَّارَ. وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَا جَرَمَ﴾ [هود: ٢٢] فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا ⦗٢٦٣⦘ بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، مَا:
١٤ / ٢٦٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «قَوْلُهُ: ﴿لَا جَرَمَ﴾ [هود: ٢٢] يَقُولُ: بَلَى»
١٤ / ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا جَرَمَ﴾ [هود: ٢٢] كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: لَمْ تُنْصَبْ جَرَمَ بِ «لَا» كَمَا نُصِبَتِ الْمِيمُ مِنْ قَوْلِ: لَا غُلَامَ لَكَ، قَالَ: وَلَكِنَّهَا نُصِبَتْ لِأَنَّهَا فِعْلٌ مَاضٍ، مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَعَدَ فُلَانٌ وَجَلَسَ، وَالْكَلَامُ: لَا رَدَّ لِكَلَامِهِمْ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ هَكَذَا، جَرَمَ: كَسَبَ، مِثْلَ قَوْلِهِ: لَا أُقْسِمُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: نُصِبَ «جَرَمَ» بِ «لَا»، وَإِنَّمَا بِمَعْنَى: لَا بُدَّ، وَلَا مَحَالَةَ، وَلَكِنَّهَا كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ حَتَّى صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ «حَقًّا»
١٤ / ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنَّهُمْ مُخَلَّفُونَ مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ، مَنْسِيُّونَ فِيهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ
١٤ / ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ ⦗٢٦٤⦘ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «مَنْسِيُّونَ مُضَيَّعُونَ» . حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ، مَنْسِيُّونَ فِيهَا» . حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: حُصَيْنٌ أَخْبَرَنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِمِثْلِهِ
١٤ / ٢٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «مَنْسِيُّونَ» . حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثنا شِبْلٌ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «مَتْرُوكُونَ فِي النَّارِ»
١٤ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مُّفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «مَنْسِيُّونَ»
١٤ / ٢٦٥
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] يَقُولُ: مُضَاعُونَ»
١٤ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا بَدَلَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «مَنْسِيُّونَ فِي النَّارِ» . وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّارِ مُقَدَّمُونَ إِلَيْهَا وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ الْعَرَبِ: أَفْرَطْنَا فُلَانًا فِي طَلَبِ الْمَاءِ، إِذَا قَدَّمُوهُ لِإِصْلَاحِ الدِّلَاءِ وَالْأَرْشِيَةِ وَتَسْوِيَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُفْرِطٌ، فَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُ نَفْسُهُ فَهُوَ فَارِطٌ، يُقَالُ: قَدْ فَرَطَ فُلَانٌ أَصْحَابَهُ يَفْرُطُهُمْ فُرْطًا وَفُرُوطًا: إِذَا تَقَدَّمَهُمْ وَجَمْعُ فَارِطٍ فُرَّاطٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَطَامِيِّ:
[البحر البسيط] وَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا … كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «أنا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ»: أَيْ مُتَقَدِّمُكُمْ إِلَيْهِ وَسَابِقُكُمْ «حَتَّى تَرِدُوهُ»
[البحر البسيط] وَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا … كَمَا تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ
وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «أنا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ»: أَيْ مُتَقَدِّمُكُمْ إِلَيْهِ وَسَابِقُكُمْ «حَتَّى تَرِدُوهُ»
١٤ / ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] يَقُولُ: مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّارِ»
١٤ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «قَدْ أَفْرَطُوا فِي النَّارِ، أَيْ مُعَجَّلُونَ» . وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ: مُبْعَدُونَ فِي النَّارِ
١٤ / ٢٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَشْعَثَ السَّمَّانِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] قَالَ: «مُخْسَئُونَ مُبْعَدُونَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِفْرَاطَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّقْدِيمِ، إِنَّمَا يُقَالُ فِيمَنْ قَدِمَ مَقْدَمًا لِإِصْلَاحِ مَا يَقْدَمُ إِلَيْهِ إِلَى وَقْتِ وُرُودِ مَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمُقَدَّمِ مِنْ قُدِّمَ إِلَى النَّارِ مِنْ أَهْلِهَا لِإِصْلَاحِ شَيْءٍ فِيهَا لِوَارِدٍ يَرِدُ عَلَيْهَا فِيهَا فَيُوَافِقُهُ مُصْلِحًا، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ مِنْ قُدِّمَ إِلَيْهَا لِعَذَابٍ يُعَجَّلُ لَهُ، فَإِذَا كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ الْإِفْرَاطُ الَّذِي هُوَ تَأْوِيلُ التَّعْجِيلِ فَفَسَدَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ فِي الصِّحَّةِ، صَحَّ الْمَعْنَى الْآخَرُ وَهُوَ الْإِفْرَاطُ الَّذِي بِمَعْنَى التَّخْلِيفِ وَالتَّرْكِ، وَذَلِكَ أَنْ يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ: مَا أَفْرَطْتُ وَرَائِي أَحَدًا: أَيْ مَا خَلَّفْتُهُ، وَمَا فَرَّطْتُهُ: أَيْ لَمْ أُخَلِّفُهُ.
١٤ / ٢٦٦
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ [النحل: ٦٢] بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا، عَلَى مَعْنَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، مِنْ أَفْرَطَ فَهُوَ مُفْرِطٌ، وَقَدْ بَيَّنْتُ اخْتِلَافَ قِرَاءَةِ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي التَّأْوِيلِ، وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ: (وَأَنَّهُم مُفَرِّطُونَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، بِتَأْوِيلِ: أَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ الَّذِي كَانَ للَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، مِنْ طَاعَتِهِ وَحُقُوقِهِ، مُضَيِّعُو ذَلِكَ، مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ . وَقَرَأَ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ: (وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُسُ، عَنْ وَرْشٍ، عَنْهُ. بِتَأْوِيلِ: أَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ فِي الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، مُسْرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مُكْثِرُونَ مِنْهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَفْرَطَ فُلَانٌ فِي الْقَوْلِ: إِذَا تَجَاوَزَ حَدَّهُ، وَأَسْرَفَ فِيهِ. وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قِرَاءَتَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ لِمُوَافَقَتِهَا تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، وَخُرُوجُ الْقِرَاءَاتِ الْأُخْرَى عَنْ تَأْوِيلِهِمْ
١٤ / ٢٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَالَلَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ
١٤ / ٢٦٧
الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النحل: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقْسِمًا بِنَفْسِهِ عز وجل لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ إِلَى أُمَمِهَا بِمِثْلِ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَى أُمَّتِكَ، مِنَ الدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ للَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ. ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [النحل: ٦٣] يَقُولُ: فَحَسَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مُقِيمِينَ، حَتَّى كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ. ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ﴾ [النحل: ٦٣] يَقُولُ: فَالشَّيْطَانُ نَاصِرُهُمُ الْيَوْمَ فِي الدُّنْيَا، وَبِئْسَ النَّاصِرُ. ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠] فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، فَلَا يَنْفَعُهُمْ حِينَئِذٍ وِلَايَةُ الشَّيْطَانِ، وَلَا هِيَ نَفَعَتْهُمْ فِي الدُّنْيَا بَلْ ضَرَّتْهُمْ فِيهَا وَهِيَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَضَرُّ
١٤ / ٢٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَمَا أَنْزَلْنَا يَا مُحَمَّدُ عَلَيْكَ كِتَابَنَا وَبَعَثْنَاكَ رَسُولًا إِلَى خَلْقِنَا إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمْ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ، فَتُعَرِّفُهُمُ الصَّوَابَ مِنْهُ، وَالْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَتُقِيمُ عَلَيْهِمْ بِالصَّوَابِ مِنْهُ حُجَّةَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَكَ بِهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٣] يَقُولُ: وَهُدًى بَيَانًا مِنَ الضَّلَالَةِ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْكِتَابَ، ﴿وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٥٢] بِهِ، فَيُصَدِّقُونَ بِمَا فِيهِ،
١٤ / ٢٦٨
وَيُقِرُّونَ بِمَا تَضَمَّنَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَيَعْمَلُونَ بِهِ، وَعَطَفَ بِالْهُدَى عَلَى مَوْضِعِ «لِيُبَيِّنَ»، لِأَنَّ مَوْضِعَهَا نَصْبٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا بَيَانًا لِلنَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ هُدًى وَرَحْمَةً
١٤ / ٢٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [النحل: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُنَبِّهَ خَلْقِهِ عَلَى حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ فِي تَوْحِيدِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ سِوَاهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَعْبُودَكُمُ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ دُونَ كُلِّ شَيْءٍ، ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الأنعام: ٩٩] يَعْنِي: مَطَرًا، يَقُولُ: فَأَنْبَتَ بِمَا أَنْزَلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ الَّتِي لَا زَرْعَ بِهَا، وَلَا عُشْبَ، وَلَا نَبْتَ، ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ١٦٤] بَعْدَ مَا هِيَ مَيْتَةٌ لَا شَيْءَ فِيهَا. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾ [البقرة: ٢٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي إِحْيَائِنَا الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِمَا أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ لَدَلِيلًا وَاضِحًا وَحُجَّةً قَاطِعَةً عُذْرَ مَنْ فَكَّرَ فِيهِ ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ: لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ هَذَا الْقَوْلَ فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَعْقِلُونَهُ، وَيُطِيعُونَ اللَّهَ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ
١٤ / ٢٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ
١٤ / ٢٦٩
بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنَا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَعِظَةً فِي الْأَنْعَامِ الَّتِي نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ [النحل: ٦٦] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، سِوَى عَاصِمٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبُو جَعْفَرٍ: ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ [النحل: ٦٦] بِضَمِّ النُّونِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ أَسْقَاهُمْ شَرَابًا دَائِمًا، وَكَانَ الْكَسَائِيُّ يَقُولُ: الْعَرَبُ تَقُولُ: أَسْقَيْنَاهُمْ نَهْرًا وَأَسْقَيْنَاهُمْ لَبَنًا: إِذَا جَعَلْتَهُ شَرْبًا دَائِمًا، فَإِذَا أَرَادُوا أَنَّهُمْ أَعْطُوهُ شَرْبَةً قَالُوا: سَقَيْنَاهُمْ، فَنَحْنُ نَسْقِيهِمْ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَاصِمٌ: (نَسْقِيكُمْ) بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ سَقَاهُ اللَّهُ فَهُوَ يَسْقِيهِ، وَالْعَرَبُ قَدْ تُدْخِلُ الْأَلِفَ فِيمَا كَانَ مِنَ السَّقْيِ غَيْرَ دَائِمٍ وَتَنْزِعُهَا فِيمَا كَانَ دَائِمًا، وَإِنْ كَانَ أَشْهَرُ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَهَا مَا قَالَ الْكَسَائِيُّ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ، قَوْلُ لَبِيدٍ فِي صِفَةِ سَحَابٍ:
[البحر الوافر]
[البحر الوافر]
١٤ / ٢٧٠
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى … نُمَيْرًا وَالْقَبَائِلَ مِنْ هِلَالِ
فَجَمَعَ اللُّغَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ قِرَاءَةَ ضَمِّ النُّونِ لِمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِيمَا كَانَ دَائِمًا مِنَ السَّقْيِ أَسْقَى بِالْأَلِفِ فَهُوَ يَسْقِي، وَمَا أَسْقَى اللَّهُ عِبَادَهُ مِنْ بُطُونِ الْأَنْعَامِ فَدَائِمٌ لَهُمْ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُمْ
فَجَمَعَ اللُّغَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ قِرَاءَةَ ضَمِّ النُّونِ لِمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِيمَا كَانَ دَائِمًا مِنَ السَّقْيِ أَسْقَى بِالْأَلِفِ فَهُوَ يَسْقِي، وَمَا أَسْقَى اللَّهُ عِبَادَهُ مِنْ بُطُونِ الْأَنْعَامِ فَدَائِمٌ لَهُمْ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُمْ
١٤ / ٢٧١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] وَقَدْ ذَكَرَ الْأَنْعَامَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهِيَ جَمْعٌ وَالْهَاءُ فِي الْبُطُونِ مُوَحَّدَةٌ، فَإِنَّ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: النَّعَمُ وَالْأَنْعَامُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَمْعَانِ، فَرَدَّ الْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] إِلَى التَّذْكِيرِ مُرَادًا بِهِ مَعْنَى النَّعَمِ، إِذْ كَانَ يُؤَدِّي عَنِ الْأَنْعَامِ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِ ذَلِكَ بِرَجَزِ بَعْضِ الْأَعْرَابِ:
[البحر الرجز] إِذَا رَأَيْتَ أَنْجُمًا مِنَ الْأَسَدْ …
[البحر الرجز] إِذَا رَأَيْتَ أَنْجُمًا مِنَ الْأَسَدْ …
١٤ / ٢٧١
جَبْهَتَهُ أَوِ الْخَرَاةِ وَالْكَتَدْ
بَالَ سُهَيْلٌ فِي الْفَضِيخِ فَفَسَدْ … وَطَابَ أَلْبَانُ اللِّقَاحِ فَبَرَدْ
وَيَقُولُ: رَجَعَ بِقَوْلِهِ: «فَبَرَدْ» إِلَى مَعْنَى اللَّبَنِ، لِأَنَّ اللَّبَنَ وَالْأَلْبَانَ تَكُونُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي تَذْكِيرِ النَّعَمِ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الرجز] أَكُلَّ عَامٍ نَعَمٌ تَحْوُونَهْ … يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَتَنْتِجُونَهْ
فَذَكَّرَ النَّعَمَ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ يَقُولُ: إِنَّمَا قَالَ: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] لِأَنَّهُ أَرَادَ: مِمَّا فِي بُطُونِ مَا ذَكَرْنَا، وَيُنْشِدُ فِي ذَلِكَ رَجَزًا لِبَعْضِهِمْ:
بَالَ سُهَيْلٌ فِي الْفَضِيخِ فَفَسَدْ … وَطَابَ أَلْبَانُ اللِّقَاحِ فَبَرَدْ
وَيَقُولُ: رَجَعَ بِقَوْلِهِ: «فَبَرَدْ» إِلَى مَعْنَى اللَّبَنِ، لِأَنَّ اللَّبَنَ وَالْأَلْبَانَ تَكُونُ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي تَذْكِيرِ النَّعَمِ قَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الرجز] أَكُلَّ عَامٍ نَعَمٌ تَحْوُونَهْ … يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَتَنْتِجُونَهْ
فَذَكَّرَ النَّعَمَ وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ يَقُولُ: إِنَّمَا قَالَ: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] لِأَنَّهُ أَرَادَ: مِمَّا فِي بُطُونِ مَا ذَكَرْنَا، وَيُنْشِدُ فِي ذَلِكَ رَجَزًا لِبَعْضِهِمْ:
١٤ / ٢٧٢
مِثْلُ الْفِرَاخِ نُتِّفَتْ حَوَاصِلُهْ وَقَوْلُ الْأَسْوَدِ بْنِ يُعْفُرَ:
[البحر الكامل] إِنَّ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ كِلَاهُمَا … يُوفِي الْمَخَارِمَ يَرْقُبَانِ سَوَادِي
فَقَالَ: «كِلَاهُمَا»، وَلَمْ يَقُلْ: «كِلْتَاهُمَا»، وَقَوْلُ الصِّلْتَانِ الْعَبْدِيِّ:
[البحر الكامل] إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَةَ ضُمِّنَا … قَبْرًا بِمَرْوَ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] وَعَفْرَاءُ أَدْنَى النَّاسِ مِنِّي مَوَدَّةً … وَعَفْرَاءُ عَنِّي الْمُعْرِضُ الْمُتَوَانِي
وَلَمْ يَقُلِ: الْمُعْرِضَةُ الْمُتَوَانِيَةُ، وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] إِذِ النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِغِبْطَةٍ … وَإِذْ أُمُّ عَمَّارٍ صَدِيقٌ مُسَاعِفُ
وَيَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى هَذَا الشَّيْءِ وَهَذَا الشَّخْصِ وَالسَّوَادِ، وَمَا
[البحر الكامل] إِنَّ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ كِلَاهُمَا … يُوفِي الْمَخَارِمَ يَرْقُبَانِ سَوَادِي
فَقَالَ: «كِلَاهُمَا»، وَلَمْ يَقُلْ: «كِلْتَاهُمَا»، وَقَوْلُ الصِّلْتَانِ الْعَبْدِيِّ:
[البحر الكامل] إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَةَ ضُمِّنَا … قَبْرًا بِمَرْوَ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] وَعَفْرَاءُ أَدْنَى النَّاسِ مِنِّي مَوَدَّةً … وَعَفْرَاءُ عَنِّي الْمُعْرِضُ الْمُتَوَانِي
وَلَمْ يَقُلِ: الْمُعْرِضَةُ الْمُتَوَانِيَةُ، وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] إِذِ النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِغِبْطَةٍ … وَإِذْ أُمُّ عَمَّارٍ صَدِيقٌ مُسَاعِفُ
وَيَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى هَذَا الشَّيْءِ وَهَذَا الشَّخْصِ وَالسَّوَادِ، وَمَا
١٤ / ٢٧٣
أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيَقُولُ: مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٨]، بِمَعْنَى: هَذَا الشَّيْءُ الطَّالِعُ، وَقَوْلُهُ: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ﴾ [عبس: ١٢]، وَلَمْ يَقُلْ ذَكَرَهَا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَ هَذَا الشَّيْءَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٣٥] وَلَمْ يَقُلْ «جَاءَتْ» . وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: قِيلَ: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] لِأَنَّ الْمَعْنَى: نُسْقِيكُمْ مِنْ أَيِّ الْأَنْعَامِ كَانَ فِي بُطُونِهِ وَيَقُولُ: فِيهِ اللَّبَنُ مُضْمَرٌ، يَعْنِي أَنَّهُ يَسْقِي مِنْ أَيِّهَا كَانَ ذَا لَبَنٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّهَا لَبَنٌ، وَإِنَّمَا يُسْقَى مِنْ ذَوَاتِ اللَّبَنِ، وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ أَصَحُّ مَخْرَجًا عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ
١٤ / ٢٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ بَيْنَ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا﴾ [النحل: ٦٦] يَقُولُ: نُسْقِيكُمْ لَبَنًا، نُخْرِجُهُ لَكُمْ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ خَالِصًا، يَقُولُ: خَلَصَ مِنْ مُخَالَطَةِ الدَّمِ وَالْفَرْثِ فَلَمْ يَخْتَلِطَا بِهِ ﴿سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: ٦٦] يَقُولُ: يَسُوغُ لِمَنْ شَرِبَهُ فَلَا يَغَصُّ بِهِ كَمَا يَغَصُّ الْغَاصُّ بِبَعْضِ مَا يَأْكُلُهُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يُغَصَّ أَحَدٌ بِاللَّبِنِ قَطُّ
١٤ / ٢٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكُمْ أَيْضًا أَيُّهَا النَّاسُ عِبْرَةً فِيمَا نُسْقِيكُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ مَا ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] مَعَ مَا نُسْقِيكُمْ مِنْ بُطُونِ
١٤ / ٢٧٤
الْأَنْعَامِ مِنَ اللَّبَنِ الْخَارِجِ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، وَحُذِفَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ﴾ [النحل: ٦٧] الِاسْمُ، وَالْمَعْنَى مَا وَصَفْتُ، وَهُوَ: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ، لِدَلَالَةِ «مِنْ» عَلَيْهِ، لِأَنَّ «مِنْ» تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ مُبَعِّضَةً، فَاسْتَغْنَى بِدَلَالَتِهَا وَمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا يَقْتَضِي مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ مَعَهَا، وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ شَيْءٌ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا، وَيَقُولُ: إِنَّمَا ذُكِرَتِ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ﴾ [النحل: ٦٧] لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الشَّيْءَ، وَهُوَ عِنْدَنَا عَائِدٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَهُوَ «مَا»، وَقَوْلُهُ: ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ [الأعراف: ٧٤] مِنْ صِفَةِ «مَا» الْمَتْرُوكَةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالسَّكَرِ: الْخَمْرَ، وَبِالرِّزْقِ الْحَسَنِ: التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ، وَقَالَ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْدُ
١٤ / ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ السُّحَيْمِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا ⦗٢٧٦⦘ حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «السَّكَرُ: مَا حُرِّمَ مِنْ شَرَابِهِ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهِ»
١٤ / ٢٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ قَالَا: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «الرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهَا، وَالسُّكْرُ: مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ
١٤ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «السَّكَرُ: مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمْرَتَيْهِمَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتَيْهِمَا». حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ⦗٢٧٧⦘ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ
١٤ / ٢٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: ثنا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ، وَذُكِرَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «السَّكَرُ: مَا حُرِّمَ مِنْهُمَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أُحِلَّ مِنْهُمَا»
١٤ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «فَأَمَّا الرِّزْقُ الْحَسَنُ: فَمَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا، وَأَمَّا السَّكَرُ: فَمَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا»
١٤ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ الْبَصْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «السَّكَرُ: حَرَامُهُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: حَلَالُهُ»
١٤ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «السَّكَرُ: مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمْرَتِهِمَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا حَلَّ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا»
١٤ / ٢٧٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الرِّزْقُ الْحَسَنُ: الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ: ⦗٢٧٨⦘ الْحَرَامُ»
١٤ / ٢٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا، وَمَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهِمَا»
١٤ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «السَّكَرُ خَمْرٌ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ الْحَلَالُ»
١٤ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «الرِّزْقُ الْحَسَنُ: الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ: الْحَرَامُ». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِنَحْوِهِ
١٤ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «السَّكَرُ: الْحَرَامُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: الْحَلَالُ»
١٤ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «نَزَلَ هَذَا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ»
١٤ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ ⦗٢٧٩⦘ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي رَزِينٍ قَالُوا: «هِيَ مَنْسُوخَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧]». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: ثنا أَبُو قَطَنٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي رَزِينٍ بِمِثْلِهِ
١٤ / ٢٧٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «هِيَ مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ»
١٤ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «ذَكَرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ فِي السَّكَرِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ»
١٤ / ٢٧٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَعَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «السَّكَرُ: مَا حَرَّمَ اللَّهُ مِنْهُ، وَالرِّزْقُ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْهُ»
١٤ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «الرِّزْقُ الْحَسَنُ: الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ: الْحَرَامُ»
١٤ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «الرِّزْقُ الْحَسَنُ: الْحَلَالُ، وَالسَّكَرُ: الْحَرَامُ»
١٤ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْنِ الْمُهَلَّبِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «السَّكَرُ: الْخَمْرُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: الرُّطَبُ وَالْأَعْنَابُ»
١٤ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «هِيَ الْخَمْرُ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ»
١٤ / ٢٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: “الْخَمْرُ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «طَعَامًا» . حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ
١٤ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] «أَمَّا السَّكَرُ فَخُمُورُ هَذِهِ الْأَعَاجِمِ، وَأَمَّا الرِّزْقُ الْحَسَنُ فَمَا تَنْتَبِذُونَ، وَمَا تُخَلِّلُونَ، وَمَا تَأْكُلُونَ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَمْ تُحَرَّمُ الْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا جَاءَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ» . حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ⦗٢٨١⦘ عُذْرَةَ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ قَتَادَةَ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ بِشْرٍ
١٤ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «هِيَ خُمُورُ الْأَعَاجِمِ، وَنُسِخَتْ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ، قَالَ: مَا تَنْتَبِذُونَ وَتُخَلِّلُونَ وَتَأْكُلُونَ»
١٤ / ٢٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] «وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُسَمُّونَ الْخَمْرَ سَكَرًا، وَكَانُوا يَشْرَبُونَهَا»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَرَّ رِجَالٌ بِوَادِي السَّكْرَانِ الَّذِي كَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ فِيهِ، إِذَا تَلَقَّوْا مُسَافِرِيهِمْ إِذَا جَاءُوا مِنَ الشَّامِ، وَانْطَلَقُوا مَعَهُمْ يُشَيِّعُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا وَادِي السَّكْرَانِ ثُمَّ يَرْجِعُوا مِنْهُ، ثُمَّ سَمَّاهَا اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَمْرَ حِينَ حُرِّمَتْ»، وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا الْخَمْرُ، وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّ الْحَبَشَةَ يُسَمُّونَ الْخَلَّ السَّكَرَ، قَوْلُهُ: ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] يَعْنِي بِذَلِكَ: الْحَلَالَ، التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ، وَمَا كَانَ حَلَالًا لَا يُسْكِرُ». وَقَالَ آخَرُونَ: السَّكَرُ بِمَنْزِلَةِ الْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ بِخَمْرٍ، وَقَالُوا: هُوَ نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا اشْتَدَّ وَصَارَ يُسْكِرُ شَارِبَهُ
١٤ / ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَالسَّكَرُ حَرَامٌ مِثْلُ الْخَمْرِ، وَأَمَّا الْحَلَالُ مِنْهُ، فَالزَّبِيبُ، وَالتَّمْرُ، وَالْخَلُّ، وَنَحْوُهُ»
١٤ / ٢٨٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَعَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧] فَحَرَّمَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي بَعْدَ مَا أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ ذِكْرِ الْخَمْرِ، وَالْمَيْسِرِ، وَالْأَنْصَابِ، وَالْأَزْلَامِ، السَّكَرَ مَعَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ مِنْهُ، قَالَ: ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] فَهُوَ الْحَلَالُ مِنَ الْخَلِّ وَالنَّبِيذِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَأَقَرَّهُ اللَّهُ، وَجَعَلَهُ حَلَالًا لِلْمُسْلِمِينَ»
١٤ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُوسَى، قَالَ: “سَأَلْتُ مُرَّةَ عَنِ السَّكَرِ، فَقَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «هُوَ خَمْرٌ»
١٤ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: «السَّكَرُ: خَمْرٌ»
١٤ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ ⦗٢٨٣⦘ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «السَّكَرُ: خَمْرٌ»
١٤ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي رَزِينٍ قَالَا: «السَّكَرُ: خَمْرٌ»
١٤ / ٢٨٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧] يَعْنِي: مَا أَسْكَرَ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] يَعْنِي: ثَمَرَتَهَا»
١٤ / ٢٨٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «الْحَلَالُ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ، حَتَّى غَيَّرُوهَا فَجَعَلُوا مِنْهَا سَكَرًا» . وَقَالَ آخَرُونَ: السَّكَرُ: هُوَ كُلُّ مَا كَانَ حَلَالًا شُرْبُهُ، كَالنَّبِيذِ الْحَلَالِ، وَالْخَلِّ، وَالرُّطَبِ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ
١٤ / ٢٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ أَبُو رَوْقٍ: ثني قَالُ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧] أَهُوَ هَذَا السَّكَرُ الَّذِي تَصْنَعُهُ النَّبَطُ؟ قَالَ: «لَا، هَذَا خَمْرٌ، إِنَّمَا السَّكَرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: النَّبِيذُ وَالْخَلُّ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ». ⦗٢٨٤⦘ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: وَذَكَرَ مُجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، نَحْوَهُ
١٤ / ٢٨٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مِنْدَلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ [النحل: ٦٧] قَالَ: «مَا كَانُوا يَتَّخِذُونَ مِنَ النَّخْلِ النَّبِيذَ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ»
١٤ / ٢٨٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا مِنْدَلٌ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ [النحل: ٦٧]؟ قَالَ: «كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنَ النَّبِيذِ وَالْخَلِّ»، قُلْتُ: وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ؟ قَالَ: «كَانُوا يَصْنَعُونَ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ»
١٤ / ٢٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «السَّكَرُ: النَّبِيذُ، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: التَّمْرُ الَّذِي كَانَ يُؤْكَلُ» وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، الْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، بَلْ حُكْمُهَا ثَابِتٌ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ عِنْدِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّكَرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَحَدِ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: مَا أَسْكَرَ مِنَ الشَّرَابِ، وَالثَّانِي: مَا طَعِمَ مِنَ الطَّعَامِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز]جَعَلْتُ عَيْبَ الْأَكْرَمِينَ سَكَرَا
أَيْ طُعْمًا، وَالثَّالِثُ: السُّكُونُ، مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز]
[البحر الرجز]جَعَلْتُ عَيْبَ الْأَكْرَمِينَ سَكَرَا
أَيْ طُعْمًا، وَالثَّالِثُ: السُّكُونُ، مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز]
وَجَعَلَتْ عَيْنُ الْحَرُورِ تَسْكُرُ
١٤ / ٢٨٤
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، وَالرَّابِعُ: الْمَصْدَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: سَكِرَ فُلَانٌ يَسْكَرُ سُكْرًا وَسَكْرًا وَسَكَرًا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَا يُسْكِرُ مِنَ الشَّرَابِ حَرَامًا بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى: «لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ» وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ لَنَا أَنْ نَقُولَ: هُوَ مَنْسُوخٌ، إِذْ كَانَ الْمَنْسُوخُ هُوَ مَا نَفَى حُكْمَهُ النَّاسِخُ، وَمَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْحُكْمِ بِهِ وَنَاسِخُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّكَرَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْخَمْرِ، وَغَيْرُ مَا يُسْكِرُ مِنَ الشَّرَابِ حَرَامٌ، إِذْ كَانَ السَّكَرُ أَحَدُ مَعَانِيهِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَمَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ الْقُرْآنُ هُوَ كُلُّ مَا طُعِمَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ التَّنْزِيلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ وَرَدَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ خَبَرٌ مِنَ الرَّسُولِ، وَلَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى السَّكَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: هُوَ كُلُّ مَا حَلَّ شُرْبُهُ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، وَفَسَدَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْخَمْرُ أَوْ مَا يُسْكِرُ مِنَ الشَّرَابِ، وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ السَّكَرُ نَفْسُهُ، إِذْ كَانَ السَّكَرُ لَيْسَ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى السُّكُونِ
١٤ / ٢٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ٦٧] يَقُولُ: فِيمَا إِنْ وَصَفْنَا لَكُمْ مِنْ ⦗٢٨٦⦘ نِعَمِنَا الَّتِي آتَيْنَاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ، لَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ وَآيَةٌ بَيِّنَةٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَجَهُ، وَيَفْهَمُونَ عَنْهُ مَوَاعِظَهُ فَيَتَّعِظُونَ بِهَا
١٤ / ٢٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَلْهَمَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ النَّحْلَ إِيحَاءً إِلَيْهَا ﴿أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا، وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل: ٦٨] يَعْنِي: مِمَّا يَبْنُونَ مِنَ السُّقُوفِ، فَرَفَعُوهَا بِالْبِنَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ إِسْحَاقَ التَّمِيمِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الصَّبَّاحِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] قَالَ: «أَلْهَمَهَا إِلْهَامًا»
١٤ / ٢٨٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: بَلَغَنِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] قَالَ: «قَذَفَ فِي أَنْفُسِهَا»
١٤ / ٢٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] قَالَ: «قَذَفَ فِي أَنْفُسِهَا أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا»
١٤ / ٢٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] الْآيَةَ، قَالَ: «أَمَرَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَتَّبِعَ سُبُلَ رَبِّهَا ذُلُلًا» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِيحَاءِ وَاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَعْرِشُونَ﴾ [النحل: ٦٨] . وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى يَعْرِشُونَ، مَا:
١٤ / ٢٨٧
حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَعْرِشُونَ﴾ [النحل: ٦٨] قَالَ: «الْكَرْمُ»
١٤ / ٢٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ كُلِي أَيَّتُهَا النَّحْلُ مِنَ الثَّمَرَاتِ، ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ﴾ [النحل: ٦٩] يَقُولُ: فَاسْلُكِي طُرُقَ رَبِّكِ ﴿ذُلُلًا﴾ [النحل: ٦٩] يَقُولُ: مُذَلَّلَةً لَكِ، وَالذُّلُلْ: جَمْعُ ذَلُولٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٨٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ [النحل: ٦٩] قَالَ: «لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ»
١٤ / ٢٨٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ [النحل: ٦٩] قَالَ: “طُرُقًا ذُلُلًا، قَالَ: «لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ» . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ مُجَاهِدٌ، الذُّلُلُ مِنْ نَعْتِ السُّبُلِ. وَالتَّأْوِيلُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ [النحل: ٦٩] الذُّلُلُ لَكِ: لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْكَ سَبِيلٌ سَلَكْتِيهِ، ثُمَّ أُسْقِطَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَنُصِبَ عَلَى الْحَالِ
١٤ / ٢٨٨
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ [النحل: ٦٩] أَيْ مُطِيعَةً»
١٤ / ٢٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿ذُلُلًا﴾ [النحل: ٦٩] قَالَ: «مُطِيعَةً»
١٤ / ٢٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا﴾ [النحل: ٦٩] قَالَ: «الذَّلُولُ الَّذِي يُقَادُ وَيُذْهَبُ بِهِ حَيْثُ أَرَادَ صَاحِبُهُ، قَالَ: فَهُمْ يَخْرُجُونَ بِالنَّحْلِ يَنْتَجِعُونَ بِهَا وَيَذْهَبُونَ وَهِيَ تَتْبَعُهُمْ، وَقَرَأَ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا ⦗٢٨٩⦘ خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ [يس: ٧٢] الْآيَةَ» فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الذُّلُلُ مِنْ نَعْتِ النَّحْلِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ فِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ، غَيْرَ أَنَّا اخْتَرْنَا أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلسُّبُلِ لِأَنَّهَا إِلَيْهَا أَقْرَبُ
١٤ / ٢٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ [النحل: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ شَرَابٌ، وَهُوَ الْعَسَلُ، مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ، لِأَنَّ فِيهَا أَبْيَضَ، وَأَحْمَرَ، وَأَسْحَرَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْوَانِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «أَسْحَرَ»: أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ مِثْلُ أَبْيَضَ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ
١٤ / ٢٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿فِيهِ﴾ [البقرة: ٢]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَادَتْ عَلَى الْقُرْآنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَا
١٤ / ٢٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩] قَالَ: «فِي الْقُرْآنِ شِفَاءٌ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُرِيدَ بِهَا الْعَسَلُ
١٤ / ٢٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ، فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩] فَفِيهِ شِفَاءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَدْوَاءِ، وَقَدْ كَانَ يُنْهَى عَنْ تَفْرِيقِ النَّحْلِ وَعَنْ قَتْلِهَا “
١٤ / ٢٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَ أَنَّ أَخَاهَ اشْتَكَى بَطْنَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اذْهَبْ فَاسِقِ أَخَاكَ عَسَلًا» ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: مَا زَادَهُ إِلَّا شِدَّةً، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اذْهَبْ فَاسِقِ أَخَاكَ عَسَلًا، فَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ» فَسَقَاهُ، فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩] قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١٤ / ٢٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «شِفَاءَانِ: الْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ»
١٤ / ٢٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ [النحل: ٦٩] الْعَسَلُ» وَهَذَا الْقَوْلُ، أَعِنِّي قَوْلَ قَتَادَةَ، أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فِيهِ﴾ [النحل: ٦٩] فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ الْعَسَلِ، فَأَنْ تَكُونَ الْهَاءُ مِنْ ذِكْرِ الْعَسَلِ، إِذْ كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ
١٤ / ٢٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي إِخْرَاجِ اللَّهِ مِنْ بُطُونِ هَذِهِ النَّحْلِ: الشَّرَابَ الْمُخْتَلِفَ، الَّذِي هُوَ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ، لَدَلَالَةٌ وَحُجَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى مَنْ سَخَّرَ النَّحْلَ وَهَدَاهَا لِأَكْلِ الثَّمَرَاتِ الَّتِي تَأْكُلُ، وَاتِّخَاذِهَا الْبُيُوتَ الَّتِي تُنْحَتُ مِنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ وَالْعُرُوشِ، وَأَخْرَجَ مِنْ بُطُونِهَا مَا أَخْرَجَ مِنَ الشِّفَاءِ لِلنَّاسِ، أَنَّهُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ، وَلَا تَصِحُّ الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ
١٤ / ٢٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ، وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [النحل: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَوْجَدَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، لَا الْآلِهَةُ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ، فَاعْبُدُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ دُونَ غَيْرِهِ ﴿ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [النحل: ٧٠] يَقُولُ: ثُمَّ يَقْبِضُكُمْ ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ [النحل: ٧٠] يَقُولُ: وَمِنْكُمْ مَنْ يَهْرَمُ فَيَصِيرُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَهُوَ أَرْدَؤُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: رَذُلَ الرَّجُلُ وَفَسُلَ، يَرْذُلُ رَذَالَةً وَرُذُولَةً وَرَذَلْتُهُ أَنَا وَقِيلَ: إِنَّهُ يَصِيرُ كَذَلِكَ فِي خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً
١٤ / ٢٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْكُمْ مِنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ [النحل: ٧٠] قَالَ: «خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً»
١٤ / ٢٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٠] يَقُولُ: إِنَّمَا نَرُدُّهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِيَعُودَ جَاهِلًا كَمَا كَانَ فِي حَالِ طُفُولَتِهِ وَصِبَاهُ ﴿بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٠] يَقُولُ: لِئَلَّا يَعْلَمَ شَيْئًا بَعْدَ عِلْمٍ كَانَ يَعْلَمُهُ فِي شَبَابِهِ، فَذَهَبَ ذَلِكَ بِالْكِبَرِ وَنَسِيَ، فَلَا يَعْلَمُ مِنْهُ شَيْئًا، وَانْسَلَخَ مِنْ عَقْلِهِ، فَصَارَ مِنْ بَعْدِ عَقْلٍ كَانَ لَهُ لَا يَعْقِلُ شَيْئًا. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [النحل: ٧٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْسَى وَلَا يَتَغَيَّرُ عَلِمُهُ، عَلِيمٌ بِكُلِّ مَا كَانَ وَيَكُونُ، قَدِيرٌ عَلَى مَا شَاءَ، لَا يَجْهَلُ شَيْئًا وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ
١٤ / ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ، فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [النحل: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقَكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَمَا الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ عَلَى غَيْرِهِمْ بِمَا رَزَقَهُمْ ﴿بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى
١٤ / ٢٩٢
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [النحل: ٧١] يَقُولُ: بِمُشْرِكِي مَمَالِيكِهِمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَزْوَاجِ ﴿فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [النحل: ٧١] يَقُولُ: حَتَّى يَسْتَوُوا هُمْ فِي ذَلِكَ وَعَبِيدُهُمْ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ بِأَنْ يَكُونُوا هُمْ وَمَمَالِيكِهِمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ سَوَاءٌ، وَقَدْ جَعَلُوا عَبِيدِي شُرَكَائِي فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ وَقِيلَ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّهِ مِنَ النَّصَارَى
١٤ / ٢٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [النحل: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقَهُمْ فِي الدُّنْيَا يَجْحَدُونَ بِإِشْرَاكِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ فِي سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ / ٢٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [النحل: ٧١] يَقُولُ: «لَمْ يَكُونُوا يُشْرِكُونَ عَبِيدَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَكَيْفَ يُشْرِكُونَ عَبِيدِي مَعِي فِي سُلْطَانِي؟ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [النحل: ٧١]»
١٤ / ٢٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ، إِنَّمَا عِيسَى عَبْدٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ: وَاللَّهِ مَا تُشْرِكُونَ عَبِيدَكُمْ فِي الَّذِي لَكُمْ فَتَكُونُوا أَنْتُمْ وَهُمْ سَوَاءٌ، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي بِمَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ؟»
١٤ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [النحل: ٧١] قَالَ: «مَثَلُ آلِهَةِ الْبَاطِلِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ»
١٤ / ٢٩٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ، فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [النحل: ٧١] «وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، فَهَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ شَارَكَ مَمْلُوكَهُ فِي زَوْجَتِهِ، وَفِي فِرَاشِهِ، فَتَعْدِلُونَ بِاللَّهِ خَلْقَهُ وَعِبَادَهُ؟ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ لِنَفْسِكَ هَذَا، فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُنَزَّهَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِكَ، وَلَا تَعْدِلْ بِاللَّهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ وَخَلْقِهِ»
١٤ / ٢٩٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [النحل: ٧١] قَالَ: «هَذَا الَّذِي فُضِّلَ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ، لَا يُشْرِكُ عَبْدَهُ فِي مَالِهِ وَزَوْجَتِهِ، يَقُولُ: قَدْ رَضِيتَ بِذَلِكَ للَّهِ وَلَمْ تَرْضَ بِهِ لِنَفْسِكَ، فَجَعَلْتَ للَّهِ شَرِيكًا فِي مُلْكِهِ وَخَلْقِهِ»
١٤ / ٢٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَاللَّهُ﴾ [البقرة: ١٩] الَّذِي ﴿جَعَلَ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النحل: ٧٢] يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَ مِنْ آدَمَ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ، ﴿وَجَعَلْ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢]، كَمَا:
١٤ / ٢٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النحل: ٧٢] أَيْ وَاللَّهُ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ خَلَقَ زَوْجَتَهُ مِنْهُ، ثُمَّ جَعَلَ لَكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّينَ بِالْحَفَدَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْأَخْتَانُ، أَخْتَانُ الرَّجُلِ عَلَى بَنَاتِهِ
١٤ / ٢٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، سَأَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ: “مَا تَقُولُ فِي الْحَفَدَةِ؟ هُمْ حَشَمُ الرَّجُلِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُمُ الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَا جَمِيعًا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْأَخْتَانُ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ، وَابْنُ وَكِيعٍ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ خِرَاشٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالُوا: ثنا يَحْيَى بْنُ ⦗٢٩٧⦘ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْخَتَنُ»
١٤ / ٢٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٧
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْأَصْهَارُ»
١٤ / ٢٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْأَخْتَانُ»
١٤ / ٢٩٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: “مَا الْحَفَدَةُ يَا زِرُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: هُمْ أَحْفَادُ الرَّجُلِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ، قَالَ: «لَا، هُمُ الْأَصْهَارُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ أَعْوَانُ الرَّجُلِ وَخَدَمِهِ
١٤ / ٢٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، قَالَ: ثني سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «مَنْ أَعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]حَفَدَ الْوَلَائِدَ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ … بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةُ الْأَجْمَالِ
»
[البحر الكامل]حَفَدَ الْوَلَائِدَ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ … بِأَكُفِّهِنَّ أَزِمَّةُ الْأَجْمَالِ
»
١٤ / ٢٩٨
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْخُدَّامُ»
١٤ / ٢٩٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ، قَالَ: ثني سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَازِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْخُدَّامُ»
١٤ / ٢٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ يُعِينُونَ الرَّجُلَ مِنْ وَلَدِهِ وَخَدَمِهِ»
١٤ / ٢٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْحَفَدَةُ: مَنْ خَدَمَكَ مِنْ وَلَدِكَ»
١٤ / ٢٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ، وَقَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «هُمُ الْخَدَمُ» . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثنا سَلَّامٌ أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
١٤ / ٢٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثني سَلَمَةُ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْبَنِينَ وَبَنِي الْبَنِينَ، مَنْ أَعَانَكَ مِنْ أَهْلٍ وَخَادِمٍ فَقَدْ حَفَدَكَ»
١٤ / ٢٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «هُمُ الْخَدَمُ»
١٤ / ٢٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالُوا: ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْخَدَمُ»
١٤ / ٢٩٩
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «ابْنُهُ وَخَادِمُهُ»
١٤ / ٣٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «أَنْصَارًا، وَأَعْوَانًا، وَخُدَّامًا»
١٤ / ٣٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا زَمْعَةُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْخَدَمُ». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، مَرَّةً أُخْرَى قَالَ: «ابْنُهُ وَخَادِمُهُ»
١٤ / ٣٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] مَهَنَةً يَمْهَنُونَكَ وَيَخْدِمُونَكَ مِنْ وَلَدِكَ، كَرَامَةٌ أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهَا»
١٤ / ٣٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: «الْحَفَدَةُ، قَالَ: الْأَعْوَانُ»
١٤ / ٣٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «الَّذِينَ يُعِينُونَهُ»
١٤ / ٣٠١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْحَفَدَةُ: مَنْ خَدَمَكَ مِنْ وَلَدِكَ وَوَلَدِ وَلَدِكَ»
١٤ / ٣٠١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْخَدَمُ»
١٤ / ٣٠١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «وَلَدُهُ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ وَلَدُ الرَّجُلِ وَوَلَدُ وَلَدِهِ
١٤ / ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «هُمُ الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ»
١٤ / ٣٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل: ٧٢] قَالَ: «الْحَفَدَةُ: الْبَنُونَ». ⦗٣٠٢⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٤ / ٣٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بَنُوكَ حِينَ يَحْفِدُونَكَ، وَيَرْفِدُونَكَ، وَيُعِينُونَكَ، وَيَخْدِمُونَكَ» قَالَ حُمَيْدٌ:
[البحر الكامل]حَفَدَ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ … بِأَكُّفِّهِنَّ أَزِمَّةَ الْأَجْمَالِ
”
[البحر الكامل]حَفَدَ الْوَلَائِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ … بِأَكُّفِّهِنَّ أَزِمَّةَ الْأَجْمَالِ
”
١٤ / ٣٠٢