سُورَةُ الْإِسْرَاءِ 3

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ [الإسراء: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِينَ قَالُوا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ﴾ [الإسراء: ٤٠] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ [الإسراء: ٤٠] يَقُولُ: أَفَخَصَّكُمْ رَبُّكُمْ بِالذُّكُورِ مِنَ الْأَوْلَادِ ﴿وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا﴾ [الإسراء: ٤٠] وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَهُنَّ لِأَنْفُسِكُمْ، بَلْ تَئِدُونَهُنَّ، وَتَقْتُلُونَهُنَّ، فَجَعَلْتُمْ لِلَّهِ مَا لَا تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا﴾ [الإسراء: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ مَا ذَكَرْنَا: إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَتَقُولُونَ بِقِيلِكُمْ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، قَوْلًا عَظِيمًا، وَتَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ فِرْيَةً مِنْكُمْ، وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
١٤ ‏/ ٦٠٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا﴾ [الإسراء: ٤٠] قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ
١٤ ‏/ ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ [الإسراء: ٤١] لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ ﴿فِي هَذَا الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٤١] الْعِبَرَ وَالْآيَاتِ وَالْحُجَجِ، وَضَرَبْنَا لَهُمْ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَحَذَّرْنَاهُمْ ⦗٦٠٣⦘ فِيهِ وَأَنْذَرْنَاهُمْ ﴿لِيَذَّكَّرُوا﴾ [الإسراء: ٤١] يَقُولُ: لِيَتَذَكَّرُوا تِلْكَ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ، فَيَعْقِلُوا خَطَأَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ، وَيَعْتَبِرُوا بِالْعِبَرِ، فَيَتَّعِظُوا بِهَا، وَيُنِيبُوا مِنْ جَهَالَتِهِمْ، فَمَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا، وَلَا يَتَذَكَّرُونَ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالنُّذُرِ، وَمَا يَزِيدُهُمْ تَذْكِيرُنَا إِيَّاهُمْ ﴿إِلَّا نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤١] يَقُولُ: إِلَّا ذَهَابًا عَنِ الْحَقِّ، وَبُعْدًا مِنْهُ وَهَرَبًا. وَالنُّفُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَفَرَ فُلَانٌ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ يَنْفُرُ مِنْهُ نَفْرًا وَنُفُورًا
١٤ ‏/ ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغُوا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ: مِنْ أَنَّ مَعَهُ آلِهَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُونَ، إِذَنْ لَابْتَغَتْ تِلْكَ الْآلِهَةُ الْقِرْبَةَ مِنَ اللَّهِ ذِي الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَالْتَمَسَتِ الزُّلْفَةَ إِلَيْهِ، وَالْمَرْتَبَةَ مِنْهُ. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢] يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذَنْ لَعَرَفُوا فَضْلَهُ وَمَرْتَبَتَهُ وَمَنْزِلَتَهُ عَلَيْهِمْ، فَابْتَغَوْا مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ.
١٤ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٢] قَالَ: لَابْتَغَوُا الْقُرْبَ إِلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ
١٤ ‏/ ٦٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِن مِّنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ وَهَذَا تَنْزِيهٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَفْسَهُ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، الْجَاعِلُونَ مَعَهُ آلِهَةً غَيْرَهُ، الْمُضِيفُونَ إِلَيْهِ الْبَنَاتِ، فَقَالَ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَعُلُوًّا لَهُ عَمَّا تَقُولُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ، مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْكَذِبِ، فَإِنَّ مَا تُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٤٣] يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا﴾ [الإسراء: ٤٣] وَلَمْ يَقُلْ: تَعَالَيًا، كَمَا قَالَ: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ [المزمل: ٨] كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل]أَنْتَ الْفِدَاءُ لِكَعْبَةٍ هَدَّمْتَهَا … وَنَقَرْتَهَا بِيَدَيْكَ كُلَّ مُنَقَّرِ
مُنِعَ الْحَمَّامُ مَقِيلَهُ مِنْ سَقْفِهَا … وَمِنَ الْحَطِيمِ فَطَارَ كُلَّ مُطَيَّرِ
وَقَوْلُهُ: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ يَقُولُ: تَنَزَّهَ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ عَمَّا وَصَفْتُمُوهُ بِهِ إِعْظَامًا لَهُ وَإِجْلَالًا، السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةَ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَأَنْتُمْ مَعَ إِنْعَامِهِ عَلَيْكُمْ، وَجَمِيلِ أَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ، تَفْتَرُونَ عَلَيْهِ بِمَا تَفْتَرُونَ.

١٤ ‏/ ٦٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنِي بِهِ، نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إِنَّ نُوحًا قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ آمُرُكَ أَنْ تَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْخَلْقِ، وَتَسْبِيحُ الْخَلْقِ، وَبِهَا تُرْزَقُ الْخَلْقُ، قَالَ اللَّهُ ﴿وَإِنَّ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤]»
١٤ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: لَا يَعِيبَنَّ أَحَدُكُمْ دَابَّتَهُ وَلَا ثَوْبَهُ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
١٤ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] قَالَ: الشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ، وَالْأُسْطُوَانَةُ تُسَبِّحُ
١٤ ‏/ ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، وَزَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ أَبُو الْخَطَّابِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَمَعَهُ الْحَسَنُ فِي طَعَامٍ، فَقَدَّمُوا الْخِوَانَ، فَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ يُسَبِّحُ هَذَا الْخِوَانُ: فَقَالَ: كَانَ يُسَبِّحُ مَرَّةً
١٤ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] قَالَا: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ
١٤ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: الطَّعَامُ يُسَبِّحُ
١٤ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ يُسَبِّحُ، مِنْ شَجَرٍ أَوْ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ
١٤ ‏/ ٦٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ الرَّجُلَ، إِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهِيَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ ⦗٦٠٧⦘ الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا حَتَّى يَقُولُهَا، فَإِذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَهِيَ كَلِمَةُ الشُّكْرِ الَّتِي لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ عَبْدٌ قَطُّ حَتَّى يَقُولُهَا: فَإِذَا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهِيَ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَهِيَ صَلَاةُ الْخَلَائِقِ الَّتِي لَمْ يَدْعُ اللَّهَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا نَوَّرَهُ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ، فَإِذَا قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ
١٤ ‏/ ٦٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَ مَا عَدَا تَسْبِيحِ مَنْ كَانَ يُسَبِّحُ بِمِثْلِ أَلْسِنَتِكُمْ ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا﴾ [الإسراء: ٤٤] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ حَلِيمًا لَا يَعْجَلُ عَلَى خَلْقِهِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، وَيَكْفُرُونَ بِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَعَاجَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مَعَهُ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ بِالْعُقُوبَةِ. ﴿غَفُورًا﴾ [النساء: ٢٣] يَقُولُ: سَاتِرًا ذُنُوبَهُمْ، إِذَا هُمْ تَابُوا مِنْهَا بِالْعَفْوِ مِنْهُ لَهُمْ، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا﴾ [الإسراء: ٤٤] عَنْ خَلْقِهِ، فَلَا يَعْجَلُ كَعَجَلَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ﴿غَفُورًا﴾ [النساء: ٢٣] لَهُمْ إِذَا تَابُوا
١٤ ‏/ ٦٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قَرَأْتَ يَا مُحَمَّدُ الْقُرْآنَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا ⦗٦٠٨⦘ يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ حِجَابًا، يَحْجُبُ قُلُوبَهُمْ عَنْ أَنْ يَفْهَمُوا مَا تُقِرُّوهُ عَلَيْهِمْ، فَيَنْتَفِعُوا بِهِ عُقُوبَةً مِنَّا لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَالْحِجَابُ هَاهُنَا: هُوَ السَّاتِرُ كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء: ٤٥] الْحِجَابُ الْمَسْتُورُ أَكِنَّةً عَلَى قُلُوبِهِمْ أَنْ يَفْقَهُوهُ وَأَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ
١٤ ‏/ ٦٠٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء: ٤٥] قَالَ: هِيَ الْأَكِنَّةُ
١٤ ‏/ ٦٠٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء: ٤٥] قَالَ: قَالَ أَبِي: لَا يَفْقَهُونَهُ، وَقَرَأَ: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الأنعام: ٢٥] لَا يَخْلُصُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ حِجَابًا مَسْتُورًا حِجَابًا سَاتِرًا، وَلَكِنَّهُ أُخْرِجَ وَهُوَ فَاعِلٌ فِي لَفْظِ الْمَفْعُولِ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّكَ مَشْئُومٌ عَلَيْنَا وَمَيْمُونٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَائِمٌ وَيَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَأَمَهُمْ وَيَمَنَهُمْ. قَالَ: وَالْحِجَابُ هَهُنَا: هُوَ السَّاتِرُ. وَقَالَ: مَسْتُورًا. وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: حِجَابًا مَسْتُورًا عَنِ الْعِبَادِ فَلَا يَرَوْنَهُ.
١٤ ‏/ ٦٠٨
وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْتُورُ هُوَ الْحِجَابَ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ لِلَّهِ سِتْرًا عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ فَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُهُمْ، وَإِنْ كَانَ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ
١٤ ‏/ ٦٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عِنْدَ قِرَاءَتِكَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ أَكِنَّةً، وَهِيَ جَمْعُ كِنَانٍ، وَذَلِكَ مَا يَتَغَشَّاهَا مِنْ خِذْلَانِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَنْ فَهْمِ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الأنعام: ٢٥] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا فِي آذَانِهِمْ وَقْرًا عَنْ سَمَاعِهِ، وَصَمَمًا. وَالْوَقْرُ بِالْفَتْحِ فِي الْأُذُنِ: الثِّقَلُ. وَالْوَقْرُ بِالْكَسْرِ: الْحَمْلُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ﴾ [الإسراء: ٤٦] يَقُولُ: وَإِذَا قُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَأَنْتَ تَتْلُوهُ ﴿وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٦] يَقُولُ: انْفَضُّوا، فَذَهَبُوا عَنْكَ نُفُورًا مِنْ قَوْلِكَ اسْتِكْبَارًا لَهُ وَاسْتِعْظَامًا مِنْ أَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ تَعَالَى. وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا﴾ [الإسراء: ٤٦] وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَكَبُرَتْ عَلَيْهِمْ، فَصَافَّهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُمْضِيَهَا وَيَنْصُرَهَا وَيُفْلِجَهَا ⦗٦١٠⦘ وَيُظْهِرُهَا عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا، إِنَّهَا كَلِمَةٌ مَنْ خَاصَمَ بِهَا فُلِجَ، وَمَنْ قَاتَلَ بِهَا نُصِرَ، إِنَّمَا يَعْرِفُهَا أَهْلُ هَذِهِ الْجَزِيرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي يَقْطَعُهَا الرَّاكِبُ فِي لَيَالٍ قَلَائِلَ وَيَسِيرُ الدَّهْرُ فِي فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يُقِرُّونَ بِهَا
١٤ ‏/ ٦٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٦] قَالَ: بُغْضًا لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ لِئَلَّا يَسْمَعُوهُ، كَمَا كَانَ قَوْمُ نُوحٍ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، وَيَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ، قَالَ: يِلْتَفُّونَ بِثِيَابِهِمْ، وَيَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلَّا يَسْمَعُوا وَلَا يُنْظَرُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٦] الشَّيَاطِينَ، وَإِنَّهَا تَهْرُبُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ
١٤ ‏/ ٦١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الذَّارِعُ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَبُو رَجَاءٍ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٦] هُمُ الشَّيَاطِينُ وَالْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَشْبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ⦗٦١١⦘ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا﴾ [الإسراء: ٤٥] فَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى إِذْ كَانَ بِخَبَرِهِمْ مُتَّصِلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَمَّنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذِكْرٌ. وَأَمَّا النُّفُورُ، فَإِنَّهَا جَمْعُ نَافِرٍ، كَمَا الْقُعُودُ جَمْعُ قَاعِدٍ، وَالْجُلُوسُ جَمْعُ جَالِسٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا أُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ ﴿وَلَّوْا﴾ [الإسراء: ٤٦] بِمَعْنَى: نَفَرُوا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: نَفَرُوا نُفُورًا، كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةٌ أَيَّ إِذْلَالِ
إِذَا كَانَ رُضْتُ بِمَعْنَى: أَذْلَلْتُ، فَأَخْرَجَ الْإِذْلَالَ مِنْ مَعْنَاهُ، لَا مِنْ لَفْظِهِ
١٤ ‏/ ٦١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: نَحْنُ أَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ بِمَا يَسْتَمِعُ بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾ [الإسراء: ٤٧] وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: النَّجْوَى: فِعْلُهُمْ، فَجَعَلَهُمْ هُمُ النَّجْوَى، كَمَا يَقُولُ: هُمْ قَوْمٌ رِضًا، وَإِنَّمَا رِضًا: فِعْلُهُمْ
١٤ ‏/ ٦١١
وَقَوْلُهُ ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ٤٧] يَقُولُ: حِينَ يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مَا تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا. وَعَنَى فِيمَا ذُكِرَ بِالنَّجْوَى: الَّذِينَ تَشَاوَرُوا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي دَارِ النَّدْوَةِ ⦗٦١٢⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ [الإسراء: ٤٧] قَالَ: هِيَ مِثْلُ قِيلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَمَنْ مَعَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ.
١٤ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ [الإسراء: ٤٧] . . الْآيَةَ، وَنَجْوَاهُمْ أَنْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ. وَأَنَّهُ سَاحِرٌ، وَقَالُوا: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الفرقان: ٥] وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَذْهَبُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ٤٧] إِلَى مَعْنَى: مَا تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا لَهُ سَحْرٌ: أَيْ لَهُ رِئَةٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الرِّئَةُ سَحْرًا، وَالْمُسَحَّرُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلرَّجُلِ إِذَا جَبُنَ: قَدِ انْتَفَخَ سَحْرُهُ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِكُلِّ مَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْ آدَمَيٍّ وَغَيْرِهِ: مَسْحُورُ وَمُسَحَّرٌ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
[البحر الطويل]فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا … عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الْأَنَامِ الْمُسَحَّرِ

١٤ ‏/ ٦١٢
وَقَالَ آخَرُونَ:
[البحر الوافر]وَنُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ
أَيْ نُغَذَّى بِهِمَا. فَكَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ كَانَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا لَهُ رِئَةٌ، يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَيَشْرَبُ الشَّرَابَ، لَا مَلَكًا لَا حَاجَةٌ بِهِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَالَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ

١٤ ‏/ ٦١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ فَاعْتَبِرْ كَيْفَ مَثَّلُوا لَكَ الْأَمْثَالَ، وَشَبَّهُوا لَكَ الْأَشْبَاهَ، بِقَوْلِهِمْ: هُوَ مَسْحُورٌ، وَهُوَ شَاعِرٌ، وَهُوَ مَجْنُونٌ ﴿فَضَلُّوا﴾ [النحل: ٧١] يَقُولُ: فَجَارُوا عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ بِقِيلِهِمْ مَا قَالُوا ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٨] يَقُولُ: فَلَا يَهْتَدُونَ لِطَرِيقِ الْحَقِّ لِضَلَالِهِمْ عَنْهُ وَبُعْدِهِمْ مِنْهُ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ خَذَلَهُمْ عَنْ إِصَابَتِهِ، فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْمَخْرَجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ كُفْرِهِمْ بِتَوْفِيقِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٨] قَالَ: مَخْرَجًا، الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ أَيْضًا
١٤ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٨] مَخْرَجًا، الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ
١٤ ‏/ ٦١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَقَالُوا بِعَنَتِهِمْ: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا﴾ [الإسراء: ٤٩] لَمْ نَتَحَطَّمْ وَلَمْ نَتَكَسَّرْ بَعْدَ مَمَاتِنَا وَبِلَانَا ﴿وَرُفَاتًا﴾ [الإسراء: ٤٩] يَعْنِي تُرَابًا فِي قُبُورِنَا، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿رُفَاتًا﴾ [الإسراء: ٤٩] قَالَ: تُرَابًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا﴾ [الإسراء: ٤٩] يَقُولُ: غُبَارًا، ⦗٦١٥⦘ وَلَا وَاحِدَ لِلرُّفَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدُّقَاقِ وَالْحُطَامِ، يُقَالُ مِنْهُ: رُفِتَ يُرْفَتُ رَفْتًا فَهُوَ مَرْفُوتٌ: إِذَا صِيرَ كَالْحُطَامِ وَالرَّضَاضِ
١٤ ‏/ ٦١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ قَالُوا: إِنْكَارًا مِنْهُمْ لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ: إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بَعْدَ مَصِيرِنَا فِي الْقُبُورِ عِظَامًا غَيْرَ مُنْحَطِمَةٍ، وَرُفَاتًا مُنْحَطِمَةٍ، وَقَدْ بُلِينَا فَصِرْنَا فِيهَا تُرَابًا، خَلْقًا مُنْشَأً كَمَا كُنَّا قَبْلَ الْمَمَاتِ جَدِيدًا، نُعَادُ كَمَا بُدِئْنَا؟ فَأَجَابَهُمْ ﷻ يُعَرِّفُهُمْ قُدْرَتَهُ عَلَى بَعْثِهِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَإِنْشَائِهِ لَهُمْ كَمَا كَانُوا قَبْلَ بِلَاهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا، عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا مِنَ الْأَحْوَالِ، عِظَامًا أَوْ رُفَاتًا، أَوْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُحْدِثَ مِثْلُهُ خَلْقًا أَمْثَالَهُمْ أَحْيَاءَ، قُلْ يَا مُحَمَّدُ: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ
١٤ ‏/ ٦١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةِ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ مِنْ قَوْمِكَ الْقَائِلِينَ ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾: كُونُوا إِنْ عَجِبْتُمْ مِنْ إِنْشَاءِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ وَإِعَادَتِهِ أَجْسَامَكُمْ، خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ بِلَاكُمْ فِي التُّرَابِ، وَمَصِيرِكُمْ رُفَاتًا، وَأَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَتِهِ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ إِنْ قَدَرْتُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنِّي أُحْيِيكُمْ وَأَبْعَثُكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ مَصِيرِكُمْ كَذَلِكَ كَمَا بَدَأْتُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الْمَوْتَ، وَأُرِيدَ بِهِ: أَوْ كُونُوا الْمَوْتَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ
١٤ ‏/ ٦١٥
كُنْتُمُوهُ أَمَتُّكُمْ ثُمَّ بَعَثْتُكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يَوْمَ الْبَعْثِ
١٤ ‏/ ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] قَالَ: الْمَوْتُ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمْ مَوْتَى لَأَحْيَيْتُكُمْ
١٤ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] يَعْنِي الْمَوْتَ. يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمُ الْمَوْتَ أَحْيَيْتُكُمْ
١٤ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] قَالَ: الْمَوْتُ
١٤ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] قَالَ: الْمَوْتُ
١٤ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ⦗٦١٧⦘ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] كُونُوا الْمَوْتَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّ الْمَوْتَ سَيَمُوتُ، قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْبَرُ فِي نَفْسِ ابْنِ آدَمَ مِنَ الْمَوْتِ
١٤ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: هُوَ الْمَوْتُ
١٤ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُنَادِي مُنَادٍ يُسْمِعُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، فَيَقُولُ: هَذَا الْمَوْتُ قَدْ جِئْنَا بِهِ وَنَحْنُ مُهْلِكُوهُ، فَأَيْقِنُوا يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ هَلَكَ»
١٤ ‏/ ٦١٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] يَعْنِي الْمَوْتَ، يَقُولُ: لَوْ كُنْتُمُ الْمَوْتَ لَأَمَتُّكُمْ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَجِيءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ، كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ، فَيَقِفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ ⦗٦١٨⦘ وَالنَّارِ، فَيُنَادِي أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ هَذَا الْمَوْتُ، وَنَحْنُ ذَابِحُوهُ، فَأَيْقَنُوا بِالْخُلُودِ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ
١٤ ‏/ ٦١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] قَالَ: السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُرِيدَ بِذَلِكَ: كُونُوا مَا شِئْتُمْ
١٤ ‏/ ٦١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] قَالَ: مَا شِئْتُمْ فَكُونُوا، فَسَيُعِيدُكُمُ اللَّهُ كَمَا كُنْتُمْ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ
١٤ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] قَالَ: مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلْقًا جَدِيدًا ⦗٦١٩⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ: ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ [الإسراء: ٥١] وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِهِ الْمَوْتَ، لِأَنَّهُ عَظِيمٌ فِي صُدُورِ بَنِي آدَمَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا بَيَانَ فِي ذَلِكَ أَبْيَنَ مِمَّا بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَبُرَ فِي صُدُورِ بَنِي آدَمَ مِنْ خَلْقِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ
١٤ ‏/ ٦١٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا﴾ [الإسراء: ٥١] فَإِنَّهُ يَقُولُ: فَسَيَقُولُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ﴿مَنْ يُعِيدُنَا﴾ [الإسراء: ٥١] خَلْقًا جَدِيدًا إِنْ كُنَّا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِنَا؟ فَقُلْ لَهُمْ: يُعِيدُكُمُ ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء: ٥١] يَقُولُ: يُعِيدُكُمْ كَمَا كُنْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا إِنْسًا أَحْيَاءَ، الَّذِي خَلَقَكُمْ إِنْسًا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦١٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الإسراء: ٥١] أَيْ خَلَقَكُمْ ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ يَقُولُ: فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَسَيَهُزُّونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ بِرَفْعٍ وَخَفْضٍ، وَكَذَلِكَ النَّغْضُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِنَّمَا هُوَ حَرَكَةٌ بِارْتِفَاعٍ ثُمَّ انْخِفَاضٍ، أَوِ انْخِفَاضٍ ثُمَّ ارْتِفَاعٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الظَّلِيمُ نَغْضًا، لِأَنَّهُ إِذَا عَجَّلَ الْمَشْيَ ارْتَفَعَ وَانْخَفَضَ، وَحَرَّكَ رَأْسَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] ⦗٦٢٠⦘ أَسَكَّ نَغْضًا لَا يَنِي مُسْتَهْدِجًا
وَيُقَالُ: نَغَضَتْ سِنُّهُ: إِذَا تَحَرَّكَتْ وَارْتَفَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] وَنَغَضَتْ مِنْ هَرَمٍ أَسْنَانُهَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
لَمَّا رَأَتْنِي أَنْغَضَتْ لِيَ الرَّأْسَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ أَيْ يُحَرِّكُونَ رُءُوسَهُمْ تَكْذِيبًا وَاسْتِهْزَاءً
١٤ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ قَالَ: يُحَرِّكُونَ رُءُوسَهُمْ
١٤ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ يَقُولُ: سَيُحَرِّكُونَهَا إِلَيْكَ اسْتِهْزَاءً
١٤ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ قَالَ: يُحَرِّكُونَ رُءُوسَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ
١٤ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ يَقُولُ: يَهُزُّونَ
١٤ ‏/ ٦٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ﴾ [الإسراء: ٥١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَقُولُونَ مَتَى الْبَعْثُ؟ وَفِي أَيِّ حَالٍ وَوَقْتٍ يُعِيدَنَا خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا كُنَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ؟ قَالَ اللَّهُ عز وجل لِنَبِيِّهِ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالُوا لَكَ: مَتَى هُوَ، مَتَى هَذَا الْبَعْثُ الَّذِي تَعِدُنَا؟: عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: هُوَ قَرِيبٌ، لِأَنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوسْطَى» لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ أَعْلَمُهُ أَنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ
١٤ ‏/ ٦٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَعْثُكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ قَرِيبًا، ذَلِكَ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ رَبُّكُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. ⦗٦٢٢⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٥٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَتَسْتَجِيبُونَ بِأَمْرِهِ
١٤ ‏/ ٦٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٥٢] يَقُولُ: بِأَمْرِهِ
١٤ ‏/ ٦٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٥٢] قَالَ: بِأَمْرِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَتَسْتَجِيبُونَ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ
١٤ ‏/ ٦٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٥٢] أَيْ بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: فَتَسْتَجِيبُونَ لِلَّهِ مِنْ قُبُورِكُمْ بِقُدْرَتِهِ، وَدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي كُلِّ حَالٍ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ ⦗٦٢٣⦘ الْفِعْلَ بِحَمْدِ اللَّهِ، يَعْنِي: لِلَّهِ الْحَمْدُ عَنْ كُلِّ مَا فَعَلْتُهُ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ … لَبِسْتُ وَلَا مِنْ غَدْرَةٍ أَتَقَنَّعُ
بِمَعْنَى: فَإِنِّي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ لَبِسْتُ
١٤ ‏/ ٦٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٥٢] يَقُولُ: وَتَحْسَبُونَ عِنْدَ مُوَافَاتِكُمُ الْقِيَامَةَ مِنْ هَوْلِ مَا تُعَايِنُونَ فِيهَا مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٥٢] أَيْ فِي الدُّنْيَا، تَحَاقَرَتِ الدُّنْيَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَقَلِّتْ حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٤ ‏/ ٦٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِعِبَادِي يَقُلْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ وَالْمُخَاطَبَةِ. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٢٣
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، ⦗٦٢٤⦘ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣] قَالَ: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، لَا يَقُولُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ
١٤ ‏/ ٦٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ [الإسراء: ٥٣] يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسُوءُ مُحَاوَرَةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا يَنْزِغَ بَيْنَهُمْ، يَقُولُ: يُفْسِدُ بَيْنَهُمْ، يُهَيِّجُ بَيْنَهُمُ الشَّرَّ ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء: ٥٣] يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ عَدُوًّا، قَدْ أَبَانَ لَهُمْ عَدَاوَتَهُ بِمَا أَظْهَرَ لِآدَمَ مِنَ الْحَسَدِ، وَغُرُورِهِ إِيَّاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ
١٤ ‏/ ٦٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ ﴿رَبُّكُمْ﴾ [البقرة: ٢١] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾ [الإسراء: ٥٤] فَيَتُوبُ عَلَيْكُمْ بِرَحْمَتِهِ، حَتَّى تُنِيبُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴿وَإِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ بِأَنْ يَخْذُلَكُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، فَتَمُوتُوا عَلَى شِرْكِكُمْ، فَيُعَذِّبُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكُفْرِكُمْ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾ [الإسراء: ٥٤] قَالَ: فَتُؤْمِنُوا ﴿أَوْ إِنْ يَشَأْ ⦗٦٢٥⦘ يُعَذِّبْكُمْ﴾ [الإسراء: ٥٤] فَتَمُوتُوا عَلَى الشِّرْكِ كَمَا أَنْتُمْ
١٤ ‏/ ٦٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٥٤] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَنْ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِ لِتَدْعُوهُ إِلَى طَاعَتِنَا رِبًّا وَلَا رَقِيبًا، إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِمْ لِتُبَلِّغُهُمْ رِسَالَاتِنَا وَبِأَيْدِينَا صَرْفُهُمْ وَتَدْبِيرُهُمْ، فَإِنْ شِئْنَا رَحِمْنَاهُمْ، وَإِنْ شِئْنَا عَذَّبْنَاهُمْ
١٤ ‏/ ٦٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَرَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا يُصْلِحُهُمْ فَإِنَّهُ هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمُدَبِّرُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعَذَابِ، أَهْدَى لِلْحَقِّ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنِّي الرَّحْمَةُ وَالسَّعَادَةُ، وَأَضَلُّ مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنِّي الشَّقَاءُ وَالْخِذْلَانُ، يَقُولُ: فَلَا يَكْبُرَنَّ ذَلِكَ عَلَيْكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي بِهِمْ لِتَفْضِيلِي بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، بِإِرْسَالِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضِ الْخَلْقِ، وَبَعْضِهِمْ إِلَى الْجَمِيعِ، وَرَفْعِي بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ دَرَجَاتٍ. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَكَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَجَعَلَ اللَّهُ عِيسَى كَمَثَلِ آدَمَ خَلْقَهُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، مِنْ كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ، وَآتَى سُلَيْمَانَ مُلْكًا ⦗٦٢٦⦘ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَآتَى دَاوُدَ زَبُورًا، كُنَّا نُحَدِّثُ دُعَاءً عَلِمَهُ دَاوُدُ، تَحْمِيدٌ وَتَمْجِيدٌ، لَيْسَ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَلَا فَرَائِضُ وَلَا حُدُودٌ، وَغَفَرَ لِمُحَمَّدٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ
١٤ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٥٥] قَالَ: كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى وَأَرْسَلَ مُحَمَّدًا إِلَى النَّاسِ كَافَّةً
١٤ ‏/ ٦٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ: ادْعُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ أَرْبَابٌ وَآلِهَةٌ مِنْ دُونِهِ عِنْدَ ضُرٍّ يَنْزِلُ بِكُمْ، فَانْظُرُوا هَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْكُمْ، أَوْ تَحْوِيلِهِ عَنْكُمْ إِلَى غَيْرِكُمْ، فَتَدْعُوهُمْ آلِهَةً، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمْلِكُونَهُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ خَالِقُكُمْ وَخَالِقُهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِينَ أُمِرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَعُزَيْرًا وَالْمَسِيحَ، وَبَعْضُهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ
١٤ ‏/ ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٦٢٧⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٥٦] قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ يَقُولُونَ: نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَعُزَيْرًا، وَهُمُ الَّذِينَ يَدْعُونَ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَالْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا
١٤ ‏/ ٦٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَرْبَابًا ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] يَقُولُ: يَبْتَغِي الْمُدَّعُونَ أَرْبَابًا إِلَى رَبِّهِمُ الْقِرْبَةَ وَالزُّلْفَةَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ إِيمَانٍ بِهِ، وَالْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ [النساء: ١١] أَيُّهُمْ بِصَالِحِ عَمَلِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي عِبَادَتِهِ أَقْرَبُ عِنْدَهُ زُلْفَةً ﴿وَيَرْجُونَ﴾ [الإسراء: ٥٧] بِأَفْعَالِهِمْ تِلْكَ ﴿رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ﴾ [الإسراء: ٥٧] بِخِلَافِهِمْ أَمْرَهُ ﴿عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ﴾ [الإسراء: ٥٧] يَا مُحَمَّدُ ﴿كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: ٥٧] مُتَّقًى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَدْعُوِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ
١٤ ‏/ ٦٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: ⦗٦٢٨⦘ كَانَ نَاسٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ قَوْمًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَبَقِيَ الْإِنْسُ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] يَعْنِي الْجِنَّ
١٤ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةُ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: قَبِيلٌ مِنَ الْجِنِّ كَانُوا يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا
١٤ ‏/ ٦٢٨
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزِّمَّانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ، وَالْإِنْسُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ، فَأُنْزِلَتْ ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ [الإسراء: ٥٧]
١٤ ‏/ ٦٢٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ⦗٦٢٩⦘ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ وَالنَّفَرُ مِنَ الْعَرَبِ لَا يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ
١٤ ‏/ ٦٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَوْمٌ عَبَدُوا الْجِنَّ، فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنُّ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧]
١٤ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: كَانَ نَفَرٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ وَاسْتَمْسَكَ الْإِنْسُ بِعِبَادَتِهِمْ، فَقَالَ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧]
١٤ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَ نَاسٌ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ أُولَئِكَ الْجِنِّيُّونِ، وَثَبَتَتِ الْإِنْسُ عَلَى عِبَادَتِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧]
١٤ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ كَانَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ أَسْلَمُوا جَمِيعًا، فَكَانُوا يَبْتَغُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمُ الْمَلَائِكَةُ
١٤ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ السَّكَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَوَّامِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ قَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ صِنْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَيَقُولُونَ: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ [الإسراء: ٥٧] مَعْشَرُ الْعَرَبِ ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧]
١٤ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: الَّذِينَ يَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ تَبْتَغِي إِلَى رَبِّهَا الْوَسِيلَةَ ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾ [الإسراء: ٥٧] حَتَّى بَلَغَ ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ عُزَيْرٌ وَعِيسَى وَأُمُّهُ
١٤ ‏/ ٦٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ السَّكَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، ⦗٦٣١⦘ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: عِيسَى وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ
١٤ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَأُمُّهُ وَعُزَيْرٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧]
١٤ ‏/ ٦٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧] قَالَ: هُوَ عُزَيْرٌ وَالْمَسِيحُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رُوِّينَاهُ، عَنْ أَبِي
١٤ ‏/ ٦٣١
مَعْمَرٍ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ يَدْعُوهُمُ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً أَنَّهُمْ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُزَيْرًا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام فَيَبْتَغِي إِلَى رَبِّهِ الْوَسِيلَةَ وَأَنَّ عِيسَى قَدْ كَانَ رُفِعَ، وَإِنَّمَا يَبْتَغِي إِلَى رَبِّهِ الْوَسِيلَةَ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حَيًّا يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِالصَّالِحِ مِنَ الْأَعْمَالِ. فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْعَمَلِ، فَبِمَ يَبْتَغِي إِلَى رَبِّهِ الْوَسِيلَةَ. فَإِذَا كَانَ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْقَوْلِ، فَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مَا اخْتَرْنَا فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ، أَوْ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُمَا قَوْلَانِ يَحْتَمِلُهُمَا ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ. وَأَمَّا الْوَسِيلَةُ، فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا الْقِرْبَةُ وَالزُّلْفَةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْوَسِيلَةُ: الْقُرْبَةُ
١٤ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ الْوَسِيلَةُ، قَالَ: الْقُرْبَةُ وَالزُّلْفَى
١٤ ‏/ ٦٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ⦗٦٣٣⦘ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورَا﴾ [الإسراء: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا مِنْ قَرْيَةٍ مِنَ الْقُرَى إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُو أَهْلِهَا بِالْفَنَاءِ، فَمُبِيدُوهُمُ اسْتِئْصَالًا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ مُعَذِّبُوهَا، إِمَّا بِبَلَاءِ مَنْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ الْعَذَابِ عَذَابًا شَدِيدًا. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الإسراء: ٥٨] فَمُبِيدُوهَا ﴿أَوْ مُعَذِّبُوهَا﴾ [الإسراء: ٥٨] بِالْقَتْلِ وَالْبَلَاءِ، قَالَ: كُلُّ قَرْيَةٍ فِي الْأَرْضِ سَيُصِيبُهَا بَعْضَ هَذَا
١٤ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: سَيُصِيبُهَا هَذَا أَوْ بَعْضُهُ
١٤ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا﴾ [الإسراء: ٥٨] قَضَاءً مِنَ اللَّهِ كَمَا تَسْمَعُونَ لَيْسَ مِنْهُ بُدٌّ، إِمَّا أَنْ يُهْلِكَهَا بِمَوْتٍ وَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهَا بِعَذَابٍ مُسْتَأْصِلٌ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ
١٤ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا﴾ [الإسراء: ٥٨]⦗٦٣٤⦘ قَالَ: مُبِيدُوهَا
١٤ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي أَهْلِ قَرْيَةٍ أَذِنَ اللَّهُ فِي هَلَاكِهَا وَقَوْلُهُ: ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ [الإسراء: ٥٨] يَعْنِي فِي الْكِتَابِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ كُلُّ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَذَلِكَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ [الإسراء: ٥٨] قَالَ: فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَقَرَأَ ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ [الأنفال: ٦٨] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿مَسْطُورًا﴾ [الإسراء: ٥٨] مَكْتُوبًا مُبَيَّنًا وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز] وَاعْلَمْ بِأَنَّ ذَا الْجَلَالِ قَدْ قَدَرْ
فِي الْكُتُبِ الْأُولَى الَّتِي كَانَ سَطَرْ
أَمْرَكَ هَذَا فَاحْتَفِظْ فِيهِ النَّهَرْ
١٤ ‏/ ٦٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا ⦗٦٣٥⦘ الْأَوَّلُونَ﴾ [الإسراء: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا مَنَعَنَا يَا مُحَمَّدُ أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ الَّتِي سَأَلَهَا قَوْمُكَ، إِلَّا أَنْ كَانَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، سَأَلُوا ذَلِكَ مِثْلَ سُؤَالِهِمْ، فَلَمَّا آتَاهُمْ مَا سَأَلُوا مِنْهُ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا مَعَ مَجِيءِ الْآيَاتِ، فَعُوجِلُوا فَلَمْ نُرْسِلْ إِلَى قَوْمِكَ بِالْآيَاتِ، لَأَنَّا لَوْ أَرْسَلْنَا بِهَا إِلَيْهَا، فَكَذَّبُوا بِهَا سَلَكْنَا فِي تَعْجِيلِ الْعَذَابِ لَهُمْ مَسْلَكَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّي عَنْهُمُ الْجِبَالَ، فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَسْتَأْنِيَ بِهِمْ لَعَلَّنَا نَجْتَنِي مِنْهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ قَبْلَهُمْ، قَالَ: «بَلْ تَسْتَأْنِي بِهِمْ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩]
١٤ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا مَسْعُودُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ [الإسراء: ٥٩] قَالَ: رَحْمَةٌ لَكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ، إِنَّا لَوْ أَرْسَلْنَا بِالْآيَاتِ فَكَذَّبْتُمْ بِهَا أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَكُمْ
١٤ ‏/ ٦٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءُ، فَمِنْهُمْ مِنْ سُخِّرَتْ لَهُ الرِّيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَإِنْ سَرَّكَ أَنْ نُؤْمِنَ بِكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ الَّذِيَ قَالُوا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْعَلَ الَّذِي قَالُوا، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا نَزَلَ الْعَذَابُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُنَاظَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ قَوْمَكَ اسْتَأْنَيْتَ بِهَا، قَالَ: «يَا رَبِّ أَسْتَأْنِي»
١٤ ‏/ ٦٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ [الإسراء: ٥٩] قَالَ: قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ لِنَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، وَيَسُرُّكَ أَنْ نُؤْمِنَ، فَحَوِّلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَأَتَاهُ جِبْرَئِيلُ عليه السلام فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ كَانَ الَّذِي سَأَلَكَ قَوْمُكَ، وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ ثَمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنَاظَرُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتَ بِقَوْمِكَ، قَالَ: «بَلْ أَسْتَأْنِي بِقَوْمِي» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الإسراء: ٥٩] وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ ⦗٦٣٧⦘ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفْهَمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٦]
١٤ ‏/ ٦٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يُحَوَّلَ الصَّفَا، ذَهَبًا، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ [الإسراء: ٥٩] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يَأْتِ قَرْيَةً بِآيَةٍ فَيُكَذِّبُوا بِهَا إِلَّا عُذِّبُوا، فَلَوْ جَعَلْتُ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا عُذِّبُوا وَ«أَنْ» الْأُولَى الَّتِي مَعَ مَنَعَنَا، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ مَنَعَنَا عَلَيْهَا، وَأَنِ الثَّانِيَةُ رَفْعٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا مَنَعَنَا إِرْسَالُ الْآيَاتِ إِلَّا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْأُمَمِ، فَالْفِعْلُ لِأَنِ الثَّانِيَةِ
١٤ ‏/ ٦٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَدْ سَأَلَ الْآيَاتِ يَا مُحَمَّدُ مَنْ قَبْلَ قَوْمِكَ ثَمُودُ فَآتَيْنَاهَا مَا سَأَلَتْ، وَحَمَلْنَا تِلْكَ الْآيَةَ نَاقَةً مُبْصِرَةً. جَعَلَ الْإِبْصَارَ لِلنَّاقَةِ، كَمَا تَقُولُ لِلشَّجَّةِ: مُوضِحَةٌ، وَهَذِهِ حُجَّةٌ مُبَيِّنَةٌ. وَإِنَّمَا عَنَى بِالْمُبْصِرَةِ: الْمُضِيئَةِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي مَنْ يَرَاهَا كَانُوا أَهْلَ بَصَرٍ بِهَا، أَنَّهَا لِلَّهِ حُجَّةٌ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ [يونس: ٦٧] كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩] أَيْ بَيِّنَةً
١٤ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٦٣٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ﴿النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩] قَالَ: آيَةً حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَظَلَمُوا بِهَا﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَقُولُ عز وجل: فَكَانَ بِهَا ظُلْمُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهَا وَعَقَرُوهَا، فَكَانَ ظُلْمُهُمْ بِعَقرِهَا وَقَتْلِهَا. وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَكَفَرُوا بِهَا، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُ أَرَادَ: فَكَفَرُوا بِاللَّهِ بِقَتْلِهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا
١٤ ‏/ ٦٣٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَمَا نُرْسِلُ بِالْعِبَرِ وَالذِّكْرِ إِلَّا تَخْوِيفًا لِلْعِبَادٍ، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩] وَإِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ النَّاسَ بِمَا شَاءَ مِنْ آيَةٍ لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ، أَوْ يَذْكُرُونَ، أَوْ يَرْجِعُونَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْكُوفَةَ رَجَفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَاعْتِبُوهُ
١٤ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ⦗٦٣٩⦘ الْحَسَنِ، ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ [الإسراء: ٥٩] قَالَ: الْمَوْتُ الذَّرِيعُ
١٤ ‏/ ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠] وَهَذَا حَضٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، عَلَى تَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ إِلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ سَيَمْنَعُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ بَغَاهُ سُوءًا وَهَلَاكًا، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ قُدْرَةً، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَشِيئَتِهِ، وَنَحْنُ مَانِعُوكَ مِنْهُمْ، فَلَا تَتَهَيَّبْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَامْضِ لِمَا أَمَرْنَاكَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَتِنَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: أَحَاطَ بِالنَّاسِ، عَصَمَكَ مِنَ النَّاسِ
١٤ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: يَقُولُ: أَحَطْتُ لَكَ بِالْعَرَبِ أَنْ لَا يَقْتُلُوكَ، فَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ
١٤ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَوْلُهُ ﴿أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: مَنَعَكَ مِنَ النَّاسِ قَالَ مَعْمَرٌ، قَالَ قَتَادَةُ مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: مَنَعَكَ مِنَ النَّاسِ
١٤ ‏/ ٦٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] أَيْ مَنَعَكَ مِنَ النَّاسِ حَتَّى تُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّكَ
١٤ ‏/ ٦٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رُؤْيَا عَيْنٍ، وَهِيَ مَا رَأَى النَّبِيُّ ﷺ لِمَا أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
١٤ ‏/ ٦٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَلَيْسَتْ بِرُؤْيَا مَنَامٍ
١٤ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ رَآهَا النَّبِيُّ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ
١٤ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ ⦗٦٤٢⦘ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: كَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَرَأَى مَا رَأَى فَكَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ حِينَ أَخْبَرَهُمْ
١٤ ‏/ ٦٤١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: أُسْرِيَ بِهِ عِشَاءً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّى فِيهِ، وَأَرَاهُ اللَّهُ مَا أَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ مَا شَأْنُكَ، أَمْسَيْتَ فِيهِ، ثُمَّ أَصْبَحْتَ فِينَا تُخْبِرُنَا أَنَّكَ أَتَيْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَعَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى ارْتَدَّ بَعْضُهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ
١٤ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: قَالَ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ: أَلَيْسَ مِنْ كِذْبِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَارَ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ
١٤ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: مَسِيرُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
١٤ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، وَيَعْقُوبُ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً ⦗٦٤٣⦘ لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: حِينَ أُسْرِيَ بِهِ
١٤ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ
١٤ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ فَكَانَتْ تِلْكَ فِتْنَةُ الْكَافِرِ
١٤ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] يَقُولُ: اللَّهُ أَرَاهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ فِي مَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا ارْتَدُّوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ حِينَ حَدَّثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَسِيرِهِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَكَذَّبُوا لَهُ، وَعَجِبُوا مِنْهُ، وَقَالُوا: تُحَدِّثُنَا أَنَّكَ سِرْتَ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ
١٤ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هُوَ مَا أُرِيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ
١٤ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿وَمَا ⦗٦٤٤⦘ جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي طَرِيقِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ، نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ بِسَنَةٍ وَتِسْعِ سِنِينَ مِنَ الْعَشْرِ الَّتِي مَكَثَهَا بِمَكَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: تَعَشَّى فِينَا وَأَصْبَحَ فِينَا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ جَاءَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ رَجَعَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ الْحِدَأَةَ لَتَجِيئُهَا شَهْرَيْنِ: شَهْرًا مُقْبِلَةً، وَشَهْرًا مُدْبِرَةً
١٤ ‏/ ٦٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هَذَا حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، افْتُتِنَ فِيهَا نَاسٌ، فَقَالُوا: يَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيَرْجِعُ فِي لَيْلَةٍ
١٤ ‏/ ٦٤٤
وَقَالَ: «لَمَّا أَتَانِي جَبْرَائِيلُ عليه السلام بِالْبُرَاقِ لِيَحْمِلَنِي عَلَيْهَا صِرْتُ بِأُذُنَيْهَا، وَانْقَبَضَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا جَبْرَائِيلُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ خَيْرٌ مِنْهُ»، قَالَ: “فَصِرْتُ بِأُذُنَيْهَا وَارْفَضَّتْ عَرَقًا حَتَّى سَالَ مَا تَحْتَهَا، وَكَانَ مُنْتَهَى خَطْوِهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرَفِهَا، فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِذَلِكَ، قَالُوا: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ لِيَنْتَهِي حَتَّى يَأْتِيَ بِكِذْبَةٍ تَخْرُجُ مِنْ أَقْطَارِهَا، فَأَتَوْا أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالُوا: هَذَا صَاحِبُكَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ، فَقَالُوا: تُصَدِّقُهُ إِنْ قَالَ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَجَعَ فِي لَيْلَةٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِي، نَزَعَ اللَّهُ عُقُولَكُمْ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ أَبْعَدُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَا أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّا قَدْ جِئْنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ ⦗٦٤٥⦘ فَصِفْهُ لَنَا، فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ، رَفَعَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى وَمَثَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَحَمَلَ يَقُولُ: «هُوَ كَذَا، وَفِيهِ كَذَا»، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَبِيكُمْ إِنْ أَخْطَأَ مِنْهُ حَرْفًا، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ سَاحِرٌ
١٤ ‏/ ٦٤٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] يَعْنِي لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَكَانَتْ فِتْنَةً لَهُمْ
١٤ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: حِينَ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ رُؤْيَاهُ الَّتِي رَأَى أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ
١٤ ‏/ ٦٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ⦗٦٤٦⦘ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: يُقَالُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُرِيَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، فَعَجَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ، فَرَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَتْ أُنَاسٌ: قَدْ رُدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَيَدْخُلُهَا، فَكَانَتْ رَجَعْتُهُ فِتْنَتَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ: هِيَ رُؤْيَا مَنَامٍ: إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَأَى فِي مَنَامِهِ قَوْمًا يَعْلُونَ مِنْبَرَهُ.
١٤ ‏/ ٦٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي فُلَانٍ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَمَا اسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] . . الْآيَةَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا
١٤ ‏/ ٦٤٦
رَأَى مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ، وَإِيَّاهُ عَنَى اللَّهُ عز وجل بِهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمَا جَعَلْنَا رُؤْيَاكَ الَّتِي أَرَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَسْرَيْنَا بِكَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ: يَقُولُ: إِلَّا بَلَاءً لِلنَّاسِ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، لَمَّا أَخْبِرُوا بِالرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا، عليه الصلاة والسلام وَلِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ ازْدَادُوا بِسَمَاعِهِمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَمَادِيًا فِي غِيِّهِمْ، وَكُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: ٦٠] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِيهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: شَجَرَةُ ⦗٦٤٨⦘ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُخَوِّفُنِي ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: زَقِّمْنِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ وَأَنْزَلَ ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠]
١٤ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، وَيَعْقُوبُ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] فَإِنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَأْكُلُونَ التَّمْرَ وَالزُّبْدَ، وَيَقُولُونَ: تَزَقَّمُوا هَذَا الزَّقُّومَ. قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: فَوَصَفَهَا اللَّهُ لَهُمْ فِي الصَّافَّاتِ
١٤ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَكُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ: أَلَيْسَ مِنْ كِذْبِ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّهُ يُوعِدُكُمْ بِنَارٍ تَحْتَرِقُ فِيهَا الْحِجَارَةُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهَا شَجَرَةٌ؟ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: ⦗٦٤٩⦘ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٤٨
حَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رَجُلٍ، يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّارِ، قَالَ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ، قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَزْرَمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِمِثْلِهِ
١٤ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثني الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: الزَّقُّومُ ⦗٦٥٠⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي الْمُحَجَّلِ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي أَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٥٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٥٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هِيَ الزَّقُّومُ
١٤ ‏/ ٦٥٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠] وَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، خَوَّفَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ، فَافْتَتَنُوا بِذَلِكَ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ زَعَمَ صَاحِبُكُمْ هَذَا أَنَّ فِيَ النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ إِلَّا التَّمْرُ وَالزُّبْدُ، فَتَزَقَّمُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى حِينَ عَجِبُوا أَنْ يَكُونَ فِي النَّارِ شَجَرَةٌ: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ إِنِّي خَلَقْتُهَا مِنَ النَّارِ، وَعَذَّبْتُ بِهَا مَنْ شِئْتُ مِنْ عِبَادِي
١٤ ‏/ ٦٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: الزَّقُّومُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يُخْبِرُنَا هَذَا أَنَّ فِيَ النَّارِ شَجَرَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى لَا تَدَعُ مِنْهُ شَيْئًا، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ
١٤ ‏/ ٦٥١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ
١٤ ‏/ ٦٥١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] الزَّقُّومُ الَّتِي سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَمْلَأَ بُيُوتَهُمْ مِنْهَا. وَقَالَ: هِيَ الصَّرَفَانُ بِالزُّبْدِ تَتَزَقَّمُهُ، وَالصَّرَفَانُ: صِنْفٌ مِنَ التَّمْرِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هِيَ الصَّرَفَانُ بِالزُّبْدِ، وَافْتَتَنُوا بِهَا وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْكَشُوثُ
١٤ ‏/ ٦٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَرْسَلَهُ إِلَى ابْنِ
١٤ ‏/ ٦٥١
عَبَّاسٍ، يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ، فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: هِيَ هَذِهِ الشَّجَرَةُ الَّتِي تُلْوَى عَلَى الشَّجَرَةِ، وَتُجْعَلُ فِي الْمَاءِ، يَعْنِي الْكَشُوثِي وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهَا شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ. وَنُصِبَتِ الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ عَطْفَا بِهَا عَلَى الرُّؤْيَا. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسٍ، فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي الرُّؤْيَا مَا ذَكَرْتُ مِنَ ارْتِدَادِ مَنِ ارْتَدَّ، وَتَمَادِي أَهْلِ الشِّرْكِ فِي شِرْكِهِمْ، حِينَ أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ فِي مَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ. وَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ وَالْمُشْرِكِينَ مَعَهُ: يُخْبِرُنَا مُحَمَّدٌ أَنَّ فِيَ النَّارِ شَجَرَةً نَابِتَةً، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَ فَكَيْفَ تَنْبُتُ فِيهَا؟
١٤ ‏/ ٦٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠] يَقُولُ: وَنُخَوِّفُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا نَتَوَعَّدُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَالنَّكَالِ، فَمَا يَزِيدُهُمْ تَخْوِيفُنَا إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا، يَقُولُ: إِلَّا تَمَادِيًا وَغِيًّا كَبِيرًا فِي كُفْرِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا خُوِّفُوا بِالنَّارِ الَّتِي طَعَامُهُمْ فِيهَا الزَّقُّومُ دُعُوا بِالتَّمْرِ وَالزُّبْدِ، وَقَالُوا: تَزَقَّمُوا مِنْ هَذَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَنَذْكُرُ بَعْضَ مَنْ بَقِيَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ﴾ [الإسراء: ٦٠] قَالَ: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَالشَّيَاطِينُ مَلْعُونُونَ. قَالَ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] لَمَّا ذَكَرَهَا زَادَهُمُ افْتِتَانًا وَطُغْيَانًا، قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدَهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٦٠]
١٤ ‏/ ٦٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلَيْلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ تَمَادِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي غِيِّهِمْ وَارْتِدَادِهِمْ عُتُوًّا عَلَى رَبِّهِمْ بِتَخْوِيفِهِ إِيَّاهُمْ تَحْقِيقَهُمْ قَوْلَ عَدُوِّهِمْ وَعَدُوِّ وَالِدِهِمْ، حِينَ أَمَرَهُ رَبُّهُ بِالسُّجُودِ لَهُ فَعَصَاهُ وَأَبَى السُّجُودَ لَهُ، حَسَدًا وَاسْتِكْبَارًا ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] وَكَيْفَ صَدَّقُوا ظَنَّهُ فِيهِمْ، وَخَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ وَطَاعَتِهِ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ عَدُوِّهِمْ وَعَدُوِّ وَالِدِهِمْ
١٤ ‏/ ٦٥٣
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ﴾ [البقرة: ٣٤] وَاذْكُرْ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [البقرة: ٣٤] فَإِنَّهُ اسْتَكْبَرَ وَقَالَ ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: ٦١] يَقُولُ: لِمَنْ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ، فَلَمَّا حُذِفَتْ «مِنْ» تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ ﴿خَلَقْتَ﴾ [آل عمران: ١٩١]⦗٦٥٤⦘ فَنُصِبَ، يَفْتَخِرُ عَلَيْهِ الْجَاهِلُ بِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِنْ طِينٍ. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَبُّ الْعِزَّةِ تبارك وتعالى إِبْلِيسَ، فَأَخَذَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، مِنْ عَذْبِهَا وَمِلْحِهَا، فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ، فَكُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ عَذْبِهَا فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى السَّعَادَةِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ كَافِرَيْنِ، وَكُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ مِلْحِهَا فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى الشَّقَاوَةِ وَإِنْ كَانَ ابْنُ نَبِيَّيْنِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْلِيسُ ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: ٦١] أَيْ هَذِهِ الطِّينَةُ أَنَا جِئْتُ بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ آدَمُ. لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ
١٤ ‏/ ٦٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ [الإسراء: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ، فَأَمَرَتْنِي بِالسُّجُودِ لَهُ، وَيَعْنِي بِذَلِكَ آدَمَ ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ﴾ [الإسراء: ٦٢] أَقْسَمَ عَدُوُّ اللَّهِ، فَقَالَ لِرَبِّهِ: لَئِنْ أَخَّرْتَ إِهْلَاكِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] يَقُولُ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ، وَلَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، وَلَأَسْتَمِيلَنَّهُمْ. يُقَالُ مِنْهُ: احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ مَالٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز] نَشْكُو إِلَيْكَ سَنَةً قَدْ أَجْحَفَتْ
جَهْدًا إِلَى جَهْدٍ بِنَا فَأَضْعَفَتْ
وَاحْتَنَكَتْ أَمْوَالَنَا وَجَلَّفَتْ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٦٥٥⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] قَالَ: لَأَحْتَوِيَنَّهُمْ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٥٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] يَقُولُ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ
١٤ ‏/ ٦٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] قَالَ: لَأُضِلَّنَّهُمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَالِاحْتِوَاءَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَضَلَّهُمْ
١٤ ‏/ ٦٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ اللَّهُ لِإِبْلِيسَ إِذْ قَالَ لَهُ ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] اذْهَبْ فَقَدْ أَخَّرْتُكَ، فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ عليه السلام فَأَطَاعَكَ، فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكَ وَجَزَاؤُهُمْ، يَقُولُ: ثَوَابُكَ ⦗٦٥٦⦘ عَلَى دُعَائِكَ إِيَّاهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي، وَثَوَابُهُمْ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ إِيَّاكَ وَخِلَافِهِمْ أَمْرِي ﴿جَزَاءً مَوْفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٣] يَقُولُ: ثَوَابًا مَكْثُورًا مُكَمِّلًا. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٣] عَذَابُ جَهَنَّمَ جَزَاؤُهُمْ، وَنِقْمَةٌ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَعْدَائِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا شَيْءٌ
١٤ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٣] قَالَ: وَافِرًا
١٤ ‏/ ٦٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿مَوْفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٣] قَالَ: وَافِرًا
١٤ ‏/ ٦٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الإسراء: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾ [الإسراء: ٦٤] وَاسْتَخْفِفْ وَاسْتَجهِلْ، مِنْ ⦗٦٥٧⦘ قَوْلِهِمْ: اسْتَفَزَّ فُلَانًا كَذَا وَكَذَا فَهُوَ يَسْتَفِزُّهُ ﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الصَّوْتِ الَّذِي عَنَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ: صَوْتَ الْغِنَاءِ وَاللَّعِبِ
١٤ ‏/ ٦٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: بِاللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ
١٤ ‏/ ٦٥٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا يَذْكُرُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: اللَّعِبُ وَاللُّهْوُ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ﴾ [الإسراء: ٦٤] بِدُعَائِكَ إِيَّاهُ إِلَى طَاعَتِكَ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ
١٤ ‏/ ٦٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: صَوْتُهُ كُلُّ دَاعٍ دَعَا إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ
١٤ ‏/ ٦٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ⦗٦٥٨⦘، ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: بِدُعَائِكَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى قَالَ لِإِبْلِيسَ: وَاسْتَفْزِزْ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مَنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَسْتَفِزَّهُ بِصَوْتِكَ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ صَوْتًا دُونَ صَوْتٍ، فَكُلُّ صَوْتٍ كَانَ دُعَاءً إِلَيْهِ وَإِلَى عَمَلِهِ وَطَاعَتِهِ، وَخِلَافًا لِلدُّعَاءِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى صَوْتِهِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى اسْمُهُ لَهُ ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤]
١٤ ‏/ ٦٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] يَقُولُ: وَأَجْمِعْ عَلَيْهِمْ مِنْ رُكْبَانِ جُنْدِكَ وَمُشَاتِهِمْ مَنْ يِجْلِبُ عَلَيْهَا بِالدُّعَاءِ إِلَى طَاعَتِكَ، وَالصَّرْفِ عَنْ طَاعَتِي. يُقَالُ مِنْهُ: أَجْلَبَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِجْلَابًا: إِذَا صَاحَ عَلَيْهِ. وَالْجَلَبَةُ: الصَّوْتُ، وَرُبَّمَا قِيلَ: مَا هَذَا الْجَلَبُ، كَمَا يُقَالُ: الْغَلَبَةُ وَالْغُلْبُ، وَالشَّفَقَةُ وَالشَّفَقُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ،
١٤ ‏/ ٦٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: كُلُّ رَاكِبٍ وَمَاشٍ فِي مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى
١٤ ‏/ ٦٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿⦗٦٥٩⦘ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: إِنَّ لَهُ خَيْلًا وَرَجْلًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَهُمُ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ
١٤ ‏/ ٦٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ الرِّجَالُ: الْمُشَاةُ
١٤ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: خَيْلُهُ: كُلُّ رَاكِبٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَرَجْلُهُ: كُلُّ رَاجِلٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
١٤ ‏/ ٦٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجْلِكَ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: مَا كَانَ مِنْ رَاكِبٍ يُقَاتِلُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ خَيْلِ إِبْلِيسَ، وَمَا كَانَ مِنْ رَاجِلٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ رِجَالِ إِبْلِيسَ وَالرَّجْلُ: جَمْعُ رَاجِلٍ، كَمَا التَّجْرُ: جَمْعُ تَاجِرٍ، وَالصَّحْبُ: جَمْعُ صَاحِبٍ
١٤ ‏/ ٦٥٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُشَارَكَةِ الَّتِي عُنِيَتْ بِقَوْلِهِ ﴿وَشَارِكِهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِإِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمْ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَاكْتِسَابُهُمُوهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا
١٤ ‏/ ٦٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ﴾ [الإسراء: ٦٤] الَّتِي أَصَابُوهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا
١٤ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: مَا أُكِلَ مِنْ مَالٍ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٤ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: الشِّرْكُ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا
١٤ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿⦗٦٦١⦘ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ شَارَكَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ أَمْوَالًا فَأَنْفَقُوهَا فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ
١٤ ‏/ ٦٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ﴾ [الإسراء: ٦٤] مُرْهُمْ أَنْ يَكْسِبُوهَا مِنْ خَبِيثٍ، وَيُنْفِقُوهَا فِي حَرَامٍ
١٤ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: كُلُّ مَالٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
١٤ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: مُشَارَكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، مَا زَيَّنَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ حَتَّى رَكِبُوهَا
١٤ ‏/ ٦٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ﴾ [الإسراء: ٦٤] كُلُّ مَا أَنْفَقُوا فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنَ الْأَنْعَامِ كَالْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
١٤ ‏/ ٦٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: الْأَمْوَالُ: مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ
١٤ ‏/ ٦٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مُشَارَكَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ أَنْ جَعَلُوا الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْوَصِيلَةَ لِغَيْرِ اللَّهِ
١٤ ‏/ ٦٦٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ﴾ [الإسراء: ٦٤] فَإِنَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَمَّا فِي الْأَمْوَالِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا بَحِيرَةً وَسَائِبَةً وَوَصِيلَةً وَحَامًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: الصَّوَابُ: حَامِيًا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ
١٤ ‏/ ٦٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] يَعْنِي مَا كَانُوا يَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ ⦗٦٦٣⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ كُلَّ مَالٍ عَصَى اللَّهَ فِيهِ بِإِنْفَاقٍ فِي حَرَامٍ أَوِ اكْتِسَابٍ مِنْ حَرَامٍ، أَوْ ذَبْحٍ لِلْآلِهَةِ، أَوْ تَسْيِيبٍ، أَوْ بَحْرٍ لِلشَّيْطَانٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ مَعْصِيًّا بِهِ أَوْ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ﴾ [الإسراء: ٦٤] فَكُلُّ مَا أُطِيعَ الشَّيْطَانُ فِيهِ مِنْ مَالٍ وَعُصِيَ اللَّهُ فِيهِ، فَقَدْ شَارَكَ فَاعِلُ ذَلِكَ فِيهِ إِبْلِيسَ، فَلَا وَجْهَ لِخُصُوصِ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ شِرْكَتِهِ بَنِي آدَمَ فِي أَوْلَادِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: شِرْكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِيهِمْ بِزِنَاهُمْ بِأُمَّهَاتِهِمْ
١٤ ‏/ ٦٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثتي عَمَّى، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: أَوْلَادُ الزِّنَا
١٤ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: أَوْلَادُ الزِّنَا
١٤ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: أَوْلَادُ الزِّنَا
١٤ ‏/ ٦٦٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَوْلَادُ الزِّنَا
١٤ ‏/ ٦٦٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: أَوْلَادُ الزِّنَا، يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الشِّرْكِ
١٤ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: الْأَوْلَادُ: أَوْلَادُ الزِّنَا وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ: وَأْدَهُمْ أَوْلَادَهُمْ وَقَتْلَهُمُوهُمْ
١٤ ‏/ ٦٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: مَا قَتَلُوا مِنْ أَوْلَادَهُمْ، وَأَتَوْا فِيهِمُ الْحَرَامَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: صَبْغَهُمْ إِيَّاهُمْ فِي الْكُفْرِ
١٤ ‏/ ٦٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ شَارَكَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، فَمُجِّسُوا وَهُوِّدُوا وَنُصِّرُوا وَصُبِغُوا غَيْرَ صِبْغَةٍ الْإِسْلَامِ وَجَزَّءُوا مِنْ ⦗٦٦٥⦘ أَمْوَالِهِمْ جُزْءًا لِلشَّيْطَانِ
١٤ ‏/ ٦٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، أَمَّا فِي الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُمْ هَوَّدُوهُمْ وَنَصَّرُوهُمْ وَمَجَّسُوهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ تَسْمِيَتَهُمْ أَوْلَادَهُمْ عَبْدَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ شَمْسٍ
١٤ ‏/ ٦٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] قَالَ: مُشَارَكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الْأَوْلَادِ، سَمُّوا عَبْدَ الْحَارِثِ وَعَبْدَ شَمْسٍ وَعَبْدَ فُلَانٍ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ أُنْثَى عُصِيَ اللَّهُ بِتَسْمِيَتِهِ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، أَوْ بِإِدْخَالِهِ فِي غَيْرِ الدِّينِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ، أَوْ بِالزِّنَا بِأُمِّهِ، أَوْ قَتْلِهِ وَوَأْدِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَعْصِي اللَّهَ بِهَا بِفِعْلِهِ بِهِ أَوْ فِيهِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي مُشَارَكَةِ إِبْلِيسَ فِيهِ مِنْ وَلَدِ ذَلِكَ الْمَوْلُودِ لَهُ أَوْ مِنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ بِقَوْلِهِ ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الإسراء: ٦٤] مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِيهِ بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَكُلُّ مَا عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ بِهِ، وَأُطِيعَ بِهِ الشَّيْطَانُ أَوْ فِيهِ، فَهُوَ مُشَارَكَةُ مَنْ عُصِيَ اللَّهُ فِيهِ أَوْ ⦗٦٦٦⦘ بِهِ إِبْلِيسَ فِيهِ
١٤ ‏/ ٦٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الإسراء: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِإِبْلِيسَ: وَعِدْ أَتْبَاعَكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ النُّصْرَةَ عَلَى مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠] لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ شَيْئًا، فَهُمْ مِنْ عِدَاتِهِ فِي بَاطِلٍ وَخَدِيعَةٍ، كَمَا قَالَ لَهُمْ عَدُوُّ اللَّهِ حِينَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيِّ إِنِّي كَفَّرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢]
١٤ ‏/ ٦٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِإِبْلِيسَ: إِنَّ عِبَادِي الَّذِينَ أَطَاعُونِي فَاتَّبَعُوا أَمْرِي وَعَصَوْكَ يَا إِبْلِيسُ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ. وَقَوْلُهُ ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَكَفَاكَ يَا مُحَمَّدُ رَبَّكَ حَفِيظًا، وَقَيِّمًا بِأَمْرِكَ. فَانْقَدْ لِأَمْرِهِ. وَبَلِّغْ رِسَالَاتِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ. وَلَا تَخَفْ أَحَدًا، فَإِنَّهُ قَدْ تَوَكَّلَ بِحِفْظِكَ وَنُصْرَتِكَ، كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٥] وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ. وَقَالَ اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى ﴿إِنَّمَا سُلْطَانِهِ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل: ١٠٠]
١٤ ‏/ ٦٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ ⦗٦٦٧⦘ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [الإسراء: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ: رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُ لَكُمُ السُّفُنَ فِي الْبَحْرِ. فَيَحْمِلُكُمْ فِيهَا ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الإسراء: ٦٦] لِتَوَصَّلُوا بِالرُّكُوبِ فِيهَا إِلَى أَمَاكِنَ تِجَارَاتِكُمْ وَمَطَالِبِكُمْ وَمَعَايِشِكُمْ، وَتَلْتَمِسُونَ مِنْ رِزْقِهِ. ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [الإسراء: ٦٦] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا حِينَ أَجْرَى لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ، تَسْهِيلًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمُ التَّصَرُّفُ فِي طَلَبِ فَضْلِهِ فِي الْبِلَادِ النَّائِيَةِ الَّتِي لَوْلَا تَسْهِيلُهُ ذَلِكَ لَكُمْ لَصَعُبَ عَلَيْكُمُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿يُزْجِي لَكُمْ﴾ [الإسراء: ٦٦] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ﴾ [الإسراء: ٦٦] يَقُولُ: يَجْرِي الْفُلْكَ
١٤ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ﴾ [الإسراء: ٦٦] قَالَ: يُسَيِّرُهَا فِي الْبَحْرِ
١٤ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ﴾ [الإسراء: ٦٦] قَالَ: يَجْرِي
١٤ ‏/ ٦٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبُّكُمُ ⦗٦٦٨⦘ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ﴾ [الإسراء: ٦٦] قَالَ: يُجْرِيهَا
١٤ ‏/ ٦٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا نَالَتْكُمُ الشِّدَّةُ وَالْجَهْدُ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ: يَقُولُ فَقَدْتُمْ مَنْ تَدْعُونَ مِنْ دُونَ اللَّهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، وَجَارَ عَنْ طَرِيقِكُمْ فَلَمْ يُغِثْكُمْ، وَلَمْ تَجِدُوا غَيْرَ اللَّهِ مُغِيثًا يُغِيثُكُمْ دَعَوْتُمُوهُ، فَلَمَّا دَعَوْتُمُوهُ وَأَغَاثَكُمْ، وَأَجَابَ دُعَاءَكُمْ وَنَجَّاكُمْ مِنْ هَوْلِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ فِي الْبَحْرِ أَعْرَضْتُمْ عَمَّا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ رَبُّكُمْ مِنْ خَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْآلِهَةِ، وَإِفْرَادِهِ بِالْأُلُوهَةِ كُفْرًا مِنْكُمْ بِنِعْمَتِهِ ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٧] يَقُولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ إِذًا جَحَدَ لِنِعَمِ رَبِّهِ
١٤ ‏/ ٦٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبِرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ﴾ [الإسراء: ٦٨] أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ رَبِّكُمْ، وَقَدْ كَفَرْتُمْ نِعْمَتَهُ بِتَنْجِيَتِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ هَوْلِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ فِي الْبَحْرِ، وَعَظِيمِ مَا كُنْتُمْ قَدْ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ وَصِرْتُمْ إِلَى الْبَرِّ كَفَرْتُمْ، وَأَشْرَكْتُمْ فِي عِبَادَتِهِ غَيْرَهُ ﴿أَنْ ⦗٦٦٩⦘ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ﴾ [الإسراء: ٦٨] يَعْنِي نَاحِيَةَ الْبَرِّ ﴿أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ [الإسراء: ٦٨] يَقُولُ: أَوْ يُمْطِرَكُمْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ تَقْتُلُكُمْ، كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٨] يَقُولُ: ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ مَا يَقُومُ بِالْمُدَافَعَةِ عَنْكُمْ مِنْ عَذَابِهِ وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ [الإسراء: ٦٨] يَقُولُ: حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٨] أَيْ مَنَعَةً وَلَا نَاصِرًا
١٤ ‏/ ٦٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ [الإسراء: ٦٨] قَالَ: مَطَرُ الْحِجَارَةِ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنَ الْبَحْرِ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ ﴿أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ [الإسراء: ٦٨] إِلَى: أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ رِيحًا عَاصِفًا تَحْصِبُ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] مُسْتَقْبِلِينَ شَمَالَ الشَّامِ تَضْرِبُنَا … بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْنِ مَنْثُورِ
وَأَصْلُ الْحَاصِبِ: الرِّيحُ تَحْصِبُ بِالْحَصْبَاءِ، الْأَرْضُ فِيهَا الرَّمْلُ
١٤ ‏/ ٦٦٩
وَالْحَصَى الصِّغَارُ. يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: حَصَبَ فُلَانٌ فُلَانًا: إِذَا رَمَاهُ بِالْحَصْبَاءِ. وَإِنَّمَا وُصِفَتِ الرِّيحُ بِأَنَّهَا تَحْصِبُ لِرَمْيِهَا النَّاسَ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ:
[البحر الكامل] وَلَقَدْ عَلِمْتُ إِذَا الْعِشَارُ تَرَوَّحَتْ … هُدْجَ الرِّئَالِ تَكُبُّهُنَّ شَمَالَا
تَرْمِي الْعِضَاهَ بِحَاصِبٍ مِنْ ثَلْجِهَا … حَتَّى يَبِيتَ عَلَى الْعِضَاهِ جِفَالَا
١٤ ‏/ ٦٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ أَمِنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ رَبِّكُمْ، وَقَدْ كَفَرْتُمْ بِهِ بَعْدَ إِنْعَامِهِ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةَ الَّتِي قَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِي الْبَحْرِ تَارَةً أُخْرَى: يَقُولُ: مَرَّةً أُخْرَى، وَالْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ «فِيهِ» مِنْ ذِكْرِ الْبَحْرِ. كَمَا:
١٤ ‏/ ٦٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَنْ يُعِيدَكُمْ،
١٤ ‏/ ٦٧٠
فِيهِ تَارَةً أُخْرَى﴾ [الإسراء: ٦٩] أَيْ فِي الْبَحْرِ مَرَّةً أُخْرَى ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ﴾ [الإسراء: ٦٩] وَهِيَ الَّتِي تَقْصِفُ مَا مَرَّتْ بِهِ فَتُحَطِّمُهُ وَتَدُقُّهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَصَفَ فُلَانٌ ظَهْرَ فُلَانٍ: إِذَا كَسَرَهُ ﴿فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ [الإسراء: ٦٩] يَقُولُ: فَيُغْرِقَكُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الرِّيحِ الْقَاصِفِ بِمَا كَفَرْتُمْ، يَقُولُ: بِكُفْرِكُمْ بِهِ ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء: ٦٩] يَقُولُ: ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا تَابِعًا يَتْبَعُنَا بِمَا فَعَلْنَا بِكُمْ، وَلَا ثَائِرًا يَثْأَرُنَا بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاكُمْ وَقِيلَ: تَبِيعًا فِي مَوْضِعِ التَّابِعِ، كَمَا قِيلَ: عَلِيمٌ فِي مَوْضِعِ عَالِمٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ طَالِبٍ بِدَمٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ: تَبِيعٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] عَدْوًا وَعَدَتْ غِزْلَانُهُمْ فَكَأَنَّهَا … ضَوَامِنُ غُرْمٍ لَزَّهُنَّ تَبِيعُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الْقَاصِفِ وَالتَّبِيعِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٤ ‏/ ٦٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ﴾ [الإسراء: ٦٩] يَقُولُ: عَاصِفًا
١٤ ‏/ ٦٧١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَاصِفًا الَّتِي تُغْرِقُ
١٤ ‏/ ٦٧١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٦٧٢⦘ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء: ٦٩] يَقُولُ نَصِيرًا
١٤ ‏/ ٦٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: ثَائِرًا، وَقَالَ الْحَارِثُ: نَصِيرًا ثَائِرًا
١٤ ‏/ ٦٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء: ٦٩] قَالَ: ثَائِرًا
١٤ ‏/ ٦٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء: ٦٩] أَيْ لَا نَخَافُ أَنْ نُتَّبَعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
١٤ ‏/ ٦٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء: ٦٩] يَقُولُ: لَا يَتْبَعُنَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّارَةُ: جَمْعُهُ تَارَاتٌ وَتِيَرٌ، وَأَفْعَلْتُ مِنْهُ: أَتَرْتُ
١٤ ‏/ ٦٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠] بِتَسْلِيطِنَا إِيَّاهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ، وَتْسِخِيرِنَا سَائِرَ الْخَلْقِ لَهُمْ ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ﴾ [الإسراء: ٧٠] عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ ﴿وَ﴾ [الحجر: ٥٠] فِي ﴿الْبَحْرِ﴾ [البقرة: ٥٠] فِي الْفُلْكِ الَّتِي سَخَّرْنَاهَا لَهُمْ ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [يونس: ٩٣] يَقُولُ: مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَهِيَ حَلَالُهَا وَلَذِيذَاتُهَا ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٠] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ تَمَكُّنُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمْ، وَأَخْذُ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ بِهَا وَرَفْعُهَا بِهَا إِلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَسِّرٍ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠] . الْآيَةَ، قَالَ: وَفَضَّلْنَاهُمْ فِي الْيَدَيْنِ يَأْكُلُ بِهِمَا، وَيَعْمَلُ بِهِمَا، وَمَا سِوَى الْإِنْسِ يَأْكُلُ بِغَيْرِ ذَلِكَ
١٥ ‏/ ٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠] قَالَ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَعْطَيْتَ بَنِي آدَمَ الدُّنْيَا يَأْكُلُونَ مِنْهَا، وَيَتَنَعَّمُونَ، وَلَمْ تُعْطِنَا ذَلِكَ، فَأَعْطِنَاهُ فِي ⦗٦⦘ الْآخِرَةِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي لَا أَجْعَلُ ذُرِّيَّةَ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدِي، كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ
١٥ ‏/ ٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابُهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ اخْتَلَفَتْ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْإِمَامِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ نَبِيُّهُ، وَمَنْ كَانَ يُقْتَدَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُأْتَمُّ بِهِ
١٥ ‏/ ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثنا فُضَيْلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] قَالَ: نَبِيُّهُمْ
١٥ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] قَالَ: نَبِيُّهُمْ
١٥ ‏/ ٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] قَالَ: نَبِيُّهُمْ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] قَالَ: نَبِيِّهِمْ ⦗٧⦘ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ بِكَتْبِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا
١٥ ‏/ ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] قَالَ: الْإِمَامُ: مَا عَمِلَ وَأَمْلَى، فَكُتِبَ عَلَيْهِ، فَمَنْ بُعِثَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ جَعَلَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَقَرَأَهُ وَاسْتَبْشَرَ، وَلَمْ يُظْلَمْ فَتِيلًا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ٧٩] وَالْإِمَامُ: مَا أَمْلَى وَعَمِلَ
١٥ ‏/ ٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] قَالَ: بِأَعْمَالِهِمْ
١٥ ‏/ ٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي فِيهِ أَعْمَالُهُمْ
١٥ ‏/ ٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] يَقُولُ: بِكِتَابِهِمْ
١٥ ‏/ ٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ ⦗٨⦘ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: بِأَعْمَالِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أَنْزَلْتُ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْرِي وَنَهْيِي
١٥ ‏/ ٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] قَالَ: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ وَفَرَائِضُهُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ يُحَاسَبُونَ، وَقَرَأَ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: الشِّرْعَةُ: الدِّينُ، وَالْمِنْهَاجُ: السُّنَّةُ، وَقَرَأَ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] قَالَ: فَنُوحٌ أَوَّلُهُمْ، وَأَنْتَ آخِرُهُمْ
١٥ ‏/ ٨
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١] بِكِتَابِهِمْ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِ، وَيَأْتَمُّونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ الْإِمَامَ فِيمَا ائْتُمَّ وَاقْتُدِيَ بِهِ، وَتَوْجِيهُ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَشْهَرِ أَوْلَى مَا لَمْ تَثْبُتْ حُجَّةٌ بِخِلَافِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا
١٥ ‏/ ٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الإسراء: ٧١] يَقُولُ: فَمَنْ أُعْطِيَ كِتَابَ عَمَلِهِ بِيَمِينِهِ ﴿فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ﴾ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفُوا جَمِيعَ مَا فِيهِ ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَظْلِمُهُمُ اللَّهُ مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ فَتِيلًا، وَهُوَ الْمُنْفَتِلُ الَّذِي فِي شَقِّ بَطْنِ النَّوَاةِ. وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنِ الْفَتِيلِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ ‏/ ٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء: ٤٩] قَالَ: الَّذِي فِي شَقِّ النَّوَاةِ
١٥ ‏/ ٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُشِيرَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ «هَذِهِ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى النِّعَمِ الَّتِي عَدَدَّهَا تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٠] فَقَالَ: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢]
١٥ ‏/ ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ ⦗١٠⦘ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٢] فَقَالَ: قَالَ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٠] قَالَ: مِنْ عَمِّي عَنْ شُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ فِيهَا وَحُجَجِهِ، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى
١٥ ‏/ ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: ٧٢] يَقُولُ: مَنْ عَمِيَ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …