حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ الْعُتْوَارِيِّ، أَحَدِ بَنِي لَيْثٍ، وَكَانَ فِي حِجْرِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَجْرُوحٌ بِهِ، ثُمَّ نَاجٍ وَمُحْتَبَسٌ وَمُكَدَّسٌ فِيهَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ تَفَقَّدَ الْمُؤْمِنُونَ رِجَالًا كَانُوا مَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا يُصَلُّونَ صَلَاتَهُمْ، وَيُزَكُّونَ زَكَاتَهُمْ وَيَصُومُونَ صِيَامَهُمْ، وَيَحُجُّونَ حَجَّهُمْ، وَيَغْزُونَ غَزْوَهُمْ، فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا عِبَادٌ مِنْ عِبَادَكَ كَانُوا مَعَنَا فِي الدُّنْيَا، يُصَلُّونَ صَلَاتَنَا، وَيُزَكُّونَ زَكَاتَنَا، ⦗٦٠٣⦘ وَيَصُومُونَ صِيَامَنَا، وَيَحُجُّونَ حَجَّنَا، وَيَغْزُونَ غَزَوْنَا، لَا نَرَاهُمْ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا إِلَى النَّارِ، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْهُمْ فَأَخْرِجُوهُ، فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ أَخَذَتْهُمُ النَّارُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى قَدَمَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى ثَدْيَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى عُنُقِهِ وَلَمْ تَغْشَ الْوُجُوهَ، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا، فَيَطْرَحُونَهُمْ مَاءِ الْحَيَاةِ» قِيلَ: وَمَا مَاءُ الْحَيَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: “غُسْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الزَّرْعَةُ فِي غُثَاءِ السَّيْلِ، ثُمَّ تَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا، ثُمَّ يَتَحَنَّنُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا، فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا عَبْدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا
١٥ / ٦٠٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يُؤْتَى بِالْجِسْرِ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: «⦗٦٠٤⦘ مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، يَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُسَلَّمٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَمُرُّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِي فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ تبارك وتعالى، إِذَا رَأَوْهُمْ قَدْ نَجَوْا وَبَقِيَ إِخْوَانُهُمْ»
١٥ / ٦٠٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْوُرُودِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «هُوَ الدُّخُولُ، يَرِدُونَ النَّارَ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا، فَآخِرُ مَنْ يَبْقَى رَجُلٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَزْحَفُ، فَيَرْفَعُ اللَّهُ لَهُ شَجَرَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْهَا، قَالَ: فَيُدْنِيهِ اللَّهُ تبارك وتعالى مِنْهَا، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيَقُولُ: سَلْ، قَالَ: فَيَسْأَلُ، قَالَ: فَيَقُولُ: ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِهِ أَوْ نَحْوَهَا، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ تَسْتَهْزِئُ بِي؟» قَالَ: فَيَضْحَكُ حَتَّى تَبْدُوَ لَهَوَاتُهُ وَأَضْرَاسُهُ
١٥ / ٦٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ رِشْدِينَ، جَمِيعًا عَنْ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ، عَنْ ⦗٦٠٥⦘ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَرَسَ وَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُتَطَوِّعًا، لَا يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ بِحَرَسٍ، لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنِهِ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» فَإِنَّ اللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]
١٥ / ٦٠٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» يَعْنِي: الْوُرُودَ
١٥ / ٦٠٥
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ: كَانَ عَلَى رَبِّكَ قَضَاءً مَقْضِيًّا
١٥ / ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتْمًا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: قَضَاءً
١٥ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: قَضَاءً وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: كَانَ عَلَى رَبِّكَ قَسَمًا وَاجِبًا
١٥ / ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ، يَذْكُرُ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] قَالَ: قَسَمًا وَاجِبًا
١٥ / ٦٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم: ٧١] يَقُولُ: قَسَمًا وَاجِبًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنْتُ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ
١٥ / ٦٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ نُنَجِّي مِنَ النَّارِ بَعْدَ وُرُودِ جَمِيعِهِمْ إِيَّاهَا، الَّذِينَ اتَّقَوْا فَخَافُوهُ، بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَنَدَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسِهِمْ، فعَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ، وَعَصَوْا رَبَّهُمْ، وَخَالِفُوا أَمَرَهُ وَنَهْيُهُ مِنَ النَّارِ، جِثِيًّا، يَقُولُ: بُرُوكًا عَلَى رُكَبِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] عَلَى رُكَبِهِمْ
١٥ / ٦٠٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] عَلَى رُكَبِهِمْ
١٥ / ٦٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] قَالَ: الْجِثِيُّ: شَرُّ الْجُلُوسِ، لَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ جَاثِيًا إِلَّا عِنْدَ كَرْبٍ يَنْزِلُ بِهِ
١٥ / ٦٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: ٧٢] إِنَّ النَّاسَ وَرَدُوا جَهَنَّمَ وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَأَضَاءَتْ لَهُمْ حَسَنَاتُهُمْ، فَأُنْجُوْا مِنْهَا. وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَأَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ، وَاحْتُبِسُوا بِذُنُوبِهِمْ
١٥ / ٦٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَى النَّاسِ آيَاتُنَا الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا عَلَى رَسُوِلنَا مُحَمَّدٍ بَيِّنَاتٍ، يَعْنِي وَاضِحَاتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا أَنَّهَا أَدِلَّةٌ عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّهُ أَدِلَّةً عَلَيْهِ لِعِبَادِهِ، قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَآيَاتِهِ، وَهُمْ قُرَيْشٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا فَصَدَّقُوا بِهِ، وَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا﴾ [مريم: ٧٣] يَعْنِي بِالْمُقَامِ: مَوْضِعِ إِقَامَتِهِمْ، وَهِيَ مَسَاكِنُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] وَهُوَ الْمَجْلِسُ، يُقَالُ مِنْهُ: نَدَوْتُ الْقَوْمَ أَنْدُوهُمْ نُدُوًّا: إِذَا جَمَعْتُهُمْ فِي مَجْلِسٍ،
١٥ / ٦٠٧
وَيُقَالُ: هُوَ فِي نَدِيِّ قَوْمِهِ وَفِي نَادِيهِمْ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَمِنَ النَّدِيِّ قَوْلُ حَاتِمٍ:
[البحر الكامل]
وَدُعِيتُ فِي أُولَى النَّدِيِّ وَلَمْ … يُنْظَرْ إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ خُزْرِ
وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ، قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ أَوْسَعُ عَيْشًا، وَأَنْعَمُ بَالًا، وَأَفْضَلُ مَسْكَنًا، وَأَحْسَنُ مَجْلِسًا، وَأَجْمَعُ عَدَدًا وَغَاشِيَةُ فِي الْمَجْلِسِ، نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] قَالَ: الْمَقَامُ: الْمَنْزِلُ، وَالنَّدِيُّ: الْمَجْلِسُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ
١٥ / ٦٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] قَالَ: الْمَقَامُ: الْمَسْكَنُ، وَالنَّدِيُّ: الْمَجْلِسُ وَالنِّعْمَةُ وَالْبَهْجَةُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ، حِينَ أَهْلَكَهُمْ وَقَصَّ شَأْنَهُمْ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ⦗٦٠٩⦘ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ﴾ [الدخان: ٢٦] فَالْمَقَامُ: الْمَسْكَنُ وَالنَّعِيمُ، وَالنَّدِيُّ: الْمَجْلِسُ وَالْمَجْمَعُ الَّذِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، وَقَالَ اللَّهُ فِيمَا قَصَّ عَلَى رَسُولِهِ فِي أَمْرِ لُوطٍ إِذْ قَالَ ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت: ٢٩] وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَجْلِسَ: النَّادِي
١٥ / ٦٠٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] يَقُولُ: مَجْلِسًا
١٥ / ٦٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ [مريم: ٧٣] قَالَ: قُرَيْشٌ تَقُولُهَا لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] قَالَ: مَجَالِسُهُمْ، يَقُولُونَهُ أَيْضًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٥ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] رَأَوْا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي عَيْشِهِمْ خُشُونَةً، وَفِيهِمْ قَشَافَةٌ، فَعَرَضَ أَهْلُ الشِّرْكِ بِمَا تَسْمَعُونَ قَوْلِهِ ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] يَقُولُ: مَجْلِسًا
١٥ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] قَالَ: النَّدِيُّ: الْمَجْلِسُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ [العلق: ١٧] قَالَ: مَجْلِسُهُ
١٥ / ٦١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمْ أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ، إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا، وَأَحْسَنُ نَدِيًّا، مَجَالِسَ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَكْثَرُ مَتَاعَ مَنَازِلٍ مِنْ هَؤُلَاءٍ، وَأَحْسَنُ مِنْهُمْ مَنْظَرًا وَأَجْمَلُ صُوَرًا، فَأَهْلَكْنَا أَمْوَالَهُمْ، وَغَيَّرْنَا صُوَرَهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ:
[البحر الطويل]
كُمَيْتٌ كَلَوْنِ الْأُرْجُوَانِ نَشَرْتُهُ … لِبَيْعِ الرِّئِيِّ فِي الصُّوَانُ الْمُكَعَّبُ
يَعْنِي بِالصُّوَانِ: التَّخْتُ الَّذِي تُصَانُ فِيهِ الثِّيَابُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] قَالَ: الرِّئْيُ: الْمَنْظَرُ، وَالْأَثَاثُ: الْمَتَاعُ
١٥ / ٦١١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ: الرِّئْي الْمَنْظَرُ
١٥ / ٦١١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] يَقُولُ: مَنْظَرًا
١٥ / ٦١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ ﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] الْأَثَاثُ: الْمَالُ، وَالرِّئْي: الْمَنْظَرُ
١٥ / ٦١١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] قَالَ: الْأَثَاثُ: أَحْسَنُ الْمَتَاعِ، وَالرِّئْي: قَالَ: الْمَالُ
١٥ / ٦١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] أَيْ أَكْثَرُ مَتَاعًا وَأَحْسَنُ مَنْزِلَةً وَمُسْتَقَرًّا، فَأَهْلَكَ اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ، وَأَفْسَدَ صُوَرَهُمْ عَلَيْهِمْ تَبَارَكَ ⦗٦١٢⦘ وَتَعَالَى
١٥ / ٦١١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] قَالَ: أَحْسَنُ صُوَرًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالًا
١٥ / ٦١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَثَاثًا﴾ [النحل: ٨٠] قَالَ: الْمَتَاعُ ﴿وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] قَالَ: فِيمَا يَرَى النَّاسُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٥ / ٦١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ: الْأَثَاثُ: الْمَالُ، وَالرِّئْي: الْمَنْظَرُ الْحَسَنُ
١٥ / ٦١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] مَنْظَرًا فِي اللَّوْنِ وَالْحُسْنِ
١٥ / ٦١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] مَنْظَرًا فِي اللَّوْنِ وَالْحُسْنِ
١٥ / ٦١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] قَالَ: الرِّئْيُ: الْمَنْظَرُ، وَالْأَثَاثُ: الْمَتَاعُ، أَحْسَنُ مَتَاعًا، وَأَحْسَنُ مَنْظَرًا
١٥ / ٦١٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَحْسَنُ أَثَاثًا﴾ [مريم: ٧٤] يَعْنِي الْمَالَ ﴿وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤]
١٥ / ٦١٢
يَعْنِي: الْمَنْظَرَ الْحَسَنَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (وَرِيًّا) غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ يَتَوَجَّهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهُ أَرَادَ الْهَمْزَةَ، فَأَبْدَلَ مِنْهَا يَاءً، فَاجْتَمَعَتِ الْيَاءُ الْمُبْدَلَةُ مِنَ الْهَمْزِ وَالْيَاءِ الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ، فَأُدْغِمَتَا، فَجُعِلَتَا يَاءً وَاحِدَةً مُشَدَّدَةً لِيَلْحَقُوا ذَلِكَ، إِذْ كَانَ رَأْسَ آيَةٍ، بِنَظَائِرِهِ مِنْ سَائِرِ رُءُوسِ الْآيَاتِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَوَيْتُ أَرْوِي رَوِيَّةً وَرِيًّا، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ، هُمْ أَحْسَنُ مَتَاعًا، وَأَحْسَنُ نَظَرًا لِمَالِهِ، وَمَعْرِفَةً لَتَدْبِيرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: مَا أَحْسَنَ رُؤْيَةِ فُلَانٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِذَا كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ فِيهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ﴿وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] بَهَمْزِهَا، بِمَعْنَى: رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أَحْسَنَ مَتَاعًا وَمَرْآةً. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ: (أَحْسَنُ أَثَاثًا وَزِيًّا) بِالزَّايِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَحْسَنَ مَتَاعًا وَهَيْئَةً وَمَنْظَرًا، وَذَلِكَ أَنَّ الزِيَّ هُوَ الْهَيْئَةُ وَالْمَنْظَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: زَيَيْتُ الْجَارِيَةَ، بِمَعْنَى: زَيَّنْتُهَا وَهَيَّأْتُهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ﴿أَثَاثًا وَرِئْيًا﴾ [مريم: ٧٤] بِالرَّاءِ وَالْهَمْزِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: الْمَنْظَرُ، وَذَلِكَ هُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، لَا مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَهْمُوزُ أَوْلَى بِهِ، فَإِنْ قَرَأَ قَارِئٌ ذَلِكَ بِتَرْكِ اِلْهَمْزِ، وَهُوَ
١٥ / ٦١٣
يُرِيدُ هَذَا الْمَعْنَى، فَغَيْرُ مُخْطِئٍ فِي قِرَاءَتِهِ. وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِالزَّايِ فَقِرَاءَةٌ خَارِجَةٌ، عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ، فَلَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَتَهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي التَّأْوِيلِ وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْأَثَاثِ أَجَمْعٌ هُوَ أَمْ وَاحِدٌ، فَكَانَ الْأَحْمَرُ فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْهُ يَقُولُ: هُوَ جَمْعٌ، وَاحِدَتُهَا أُثَاثَةٌ، كَمَا الْحَمَّامُ جَمْعٌ وَاحِدَتُهَا حَمَّامَةٌ. وَالسَّحَابُ جَمْعٌ وَاحِدَتُهَا سَحَابَةٌ. وَأَمَّا الْفَرَّاءُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا وَاحِدَ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْمَتَاعَ لَا وَاحِدَ لَهُ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَجْمَعُ الْمَتَاعَ: أَمْتِعَةً، وَأَمَاتِيعَ، وَمُتَعٌ. قَالَ: وَلَوْ جَمَعْتُ الْأَثَاثَ لَقُلْتُ: ثَلَاثَةُ آثَّةٍ وَأُثُثٍ. وَأَمَّا الرِّئْي فَإِنَّ جَمْعَهُ: آرَاءُ
١٥ / ٦١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ [مريم: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ، الْقَائِلِينَ: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا، أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا، مَنْ كَانَ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الضَّلَالَةِ جَائِرًا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، سَالِكًا غَيْرَ سَبِيلِ الْهُدَى ﴿فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] يَقُولُ: فَلْيُطَوِّلْ لَهُ اللَّهُ فِي ضَلَالَتِهِ، وَلْيُمْلِهِ فِيهَا إِمْلَاءً، ⦗٦١٥⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٥] فَلْيَدَعْهُ اللَّهُ فِي طُغْيَانِهِ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٦١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ [مريم: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الضَّلَالَةِ، فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ فِي ضَلَالَتِهِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، إِمَّا عَذَابٌ عَاجِلٌ، أَوْ يُلْقُوا رَبَّهُمْ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ لَهَا، فَإِنَّهُمْ إِذَا أَتَاهُمْ وَعْدُ اللَّهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا﴾ [مريم: ٧٥] وَمَسْكَنًا مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ﴿وَأَضْعَفُ جُنْدًا﴾ [مريم: ٧٥] أَهُمْ أَمْ أَنْتُمْ؟ وَيَتَبَيَّنُونَ حِينَئِذٍ أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا، وَأَحْسَنُ نَدِيًّا
١٥ / ٦١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ
١٥ / ٦١٥
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ [مريم: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَزِيدُ اللَّهُ مَنْ سَلَكَ قَصْدَ الْمَحَجَّةِ، وَاهْتَدَى لِسَبِيلِ الرُّشْدِ، فَآمَنَ بِرَبِّهِ، وَصَدَّقَ بِآيَاتِهِ، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ هُدًى بِمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ. وَيُقِرُّ بِلُزُومِ فَرْضِهَا إِيَّاهُ، وَيَعْمَلُ بِهَا، فَذَلِكَ زِيَادَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي اهْتِدَائِهِ بِآيَاتِهِ هُدًى عَلَى هَدَاهُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٤] . وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى بِنَاسِخٍ الْقُرْآنَ وَمَنْسُوخِهِ، فَيُؤْمِنُ بِالنَّاسِخِ، كَمَا آمَنَ مِنْ قَبْلُ بِالْمَنْسُوخِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ هُدًى مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى هَدَاهُ مِنْ قَبْلُ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ [الكهف: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْأَعْمَالُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَرَضِيَهَا مِنْهُمْ. الْبَاقِيَاتُ لَهُمْ غَيْرُ الْفَانِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ جَزَاءً لِأَهْلِهَا ﴿وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ [مريم: ٧٦] عَلَيْهِمْ مِنْ مَقَامَاتِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَأَنْدِيَتِهِمُ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ / ٦١٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: جَلَسَ ⦗٦١٧⦘ النَّبِيُّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَخَذَ عُودًا يَابِسًا، فَحَطَّ وَرَقَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ، تَحُطُّ الْخَطَايَا، كَمَا تَحُطُّ وَرَقَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ، خُذْهُنَّ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ»، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءٍ إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: لِأُهَلِّلَنَّ اللَّهَ وَلَأُكَبِّرَنَّ اللَّهَ، وَلَأُسَبِّحَنَّ اللَّهَ، حَتَّى إِذَا رَآنِي الْجَاهِلُ حَسِبَ أَنِّي مَجْنُونٌ
١٥ / ٦١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿أَفَرَأَيْتَ﴾ [مريم: ٧٧] يَا مُحَمَّدُ ﴿الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا﴾ [مريم: ٧٧] حُجَجِنَا فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهَا، وَأَنْكَرَ وَعِيدَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ﴿وَقَالَ﴾ [البقرة: ١١٨] وَهُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ وَبِرَسُولِهِ ﴿لَأُوتَيَنَّ﴾ [مريم: ٧٧] فِي الْآخِرَةِ ﴿مَالًا وَوَلَدًا﴾ [الكهف: ٣٩] . وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ أُنْزِلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
١٥ / ٦١٧
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، ⦗٦١٨⦘ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: فَقَالَ: فَإِذَا أَنَا مُتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ كَمَا تَقُولُ، جِئْتَنِي وَلِي مَالٌ وَوَلَدٌ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠] حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو السَّائِبِ، وَقَرَأَ فِي الْحَدِيثِ: وَوَلَدًا
١٥ / ٦١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رِجَالًا، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانُوا يَطْلُبُونَ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ بِدَيْنٍ، فَأَتَوْهُ يَتَقَاضَوْنَهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ فِضَّةً وَذَهَبًا وَحَرِيرًا، وَمَنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْآخِرَةُ، فَوَاللَّهِ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، وَلَأُوتَيَنَّ مِثْلَ كِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ، فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا﴾ [مريم: ٧٧] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠]
١٥ / ٦١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧] قَالَ: الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ يَقُولُهُ ⦗٦١٩⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٦١٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧] فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَتَوْا رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَتَقَاضَوْنَهُ دَيْنًا، فَقَالَ: أَلَيْسَ يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ حَرِيرًا وَذَهَبًا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ فَمِيعَادُكُمُ الْجَنَّةَ، فَوَاللَّهِ لَا أُومِنُ بِكِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ، اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾
١٥ / ٦١٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَكُنْتُ أَعْمَلُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَتْ لِي عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَجِئْتُ لِأَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: فَإِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي مَالٌ وَوَلَدٌ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾
[مريم: ٧٧] . . إِلَى ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾
[مريم: ٨٠] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿وَوَلَدًا﴾
[الكهف: ٣٩] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿وَوَلَدًا﴾
[الكهف: ٣٩] بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنَ الْوَلَدِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ خَصَّ الَّتِي فِي سُورَةِ نُوحٍ بِالضَّمِّ، فَقَرَأَهَا: (مَالُهُ ⦗٦٢٠⦘ وَوُلْدُهُ) وَأَمَّا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ غَيْرَ عَاصِمٍ، فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مَالًا وَوَلَدًا﴾
[الكهف: ٣٩] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَاللَّتَيْنِ فِي الزُّخْرُفِ، وَالَّتِي فِي نُوحٍ، بِالضَّمِّ وَسُكُونِ اللَّامِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا ضُمَّتْ وَاوُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ضَمُّهَا وَفَتْحُهَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا هُمَا لُغَتَانِ، مِثْلُ قَوْلِهِمُ الْعُدْمُ وَالْعَدَمُ، وَالْحُزْنُ وَالْحَزَنُ. وَاسْتَشْهَدُوا لِقِيلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]فَلَيْتَ فُلَانًا كَانَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ … وَلَيْتَ فُلَانًا كانَ وُلْدَ حِمَارِ
وَيَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
[البحر الكامل]
وَلَقَدْ رَأَيْتُ مَعَاشِرًا … قَدْ ثَمَّرُوا مَالًا وَوُلْدَا
وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
[البحر الرجز]
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ فَرْدَا
لَمْ يَتَّخِذْ مِنْ وُلْدِ شَيْءٍ وُلْدَا
وَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي مِثْلِهَا: وُلْدُكِ مَنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ، بِمَعْنَى الْوَلَدِ. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ قَيْسًا تَجْعَلُ الْوَلَدَ جَمْعًا، وَالْوَلَدَ وَاحِدًا. وَلَعَلَّ الَّذِينَ ⦗٦٢١⦘ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالضَّمِّ فِيمَا اخْتَارُوا فِيهِ الضَّمَّ، إِنَّمَا قَرَءُوهُ كَذَلِكَ لَيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْفَتْحَ فِي الْوَاوِ مِنَ الْوَلَدِ وَالضَّمِّ فِيهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ، غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ فِيهَا. فَالْقِرَاءَةُ بِهِ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِذَلِكَ
١٥ / ٦١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾ يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: أَعَلِمَ هَذَا الْقَائِلُ هَذَا الْقَوْلَ عِلْمَ الْغَيْبِ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَالًا وَوَلَدًا بِاطِّلَاعِهِ عَلَى عِلْمِ مَا غَابَ عَنْهُ ﴿أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٧٨] يَقُولُ: أَمْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ، فَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا أَنْ يُؤْتِيَهُ مَا يَقُولُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ
١٥ / ٦٢١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ بِعَمَلِ صَالِحِ قَدَمِهِ
١٥ / ٦٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ﴿كَلَّا﴾ [النساء: ١٣٠] لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، مَا اطَّلَعَ الْغَيْبَ، فَعَلِمَ صِدْقَ مَا يَقُولُ، وَحَقِيقَةُ مَا يُذْكَرُ، وَلَا اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، بَلْ كَذَّبَ وَكَفَرَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: ٧٩] أَيْ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ هَذَا الْكَافِرُ بِرَبِّهِ، الْقَائِلُ ﴿لَأُوتَيَنَّ﴾ [مريم: ٧٧] فِي الْآخِرَةِ ﴿مَالًا وَوَلَدًا﴾ [الكهف: ٣٩] ﴿وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا﴾ [مريم: ٧٩] يَقُولُ: وَنَزِيدُهُ مِنَ الْعَذَابِ فِي جَهَنَّمَ بِقِيلِهِ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا، زِيَادَةً عَلَى عَذَابِهِ بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ
١٥ / ٦٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: ٨٠] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَنَسْلُبُ هَذَا الْقَائِلَ: لَأُوتَيَنَّ فِي الْآخِرَةِ مَالًا وَوَلَدًا، مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَيَصِيرُ لَنَا مَالُهُ وَوَلَدُهُ دُونَهُ، وَيَأْتِينَا هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا، وَحْدَهُ لَا مَالَ مَعَهُ وَلَا وَلَدَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: ٨٠] مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَذَلِكَ الَّذِي قَالَ الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٦٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠] لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ
١٥ / ٦٢٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: ٨٠] قَالَ: مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧] وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَنَرِثُهُ مَا عِنْدَهُ
١٥ / ٦٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: ٨٠] قَالَ: مَا جَمَعَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَمِلَ فِيهَا. قَالَ: ﴿وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾ [مريم: ٨٠] قَالَ: ⦗٦٢٣⦘ فَرْدًا مِنْ ذَلِكَ، لَا يَتْبَعُهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ
١٥ / ٦٢٢
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾ [مريم: ٨٠] نَرِثُهُ
١٥ / ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّخَذَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونَ اللَّهِ، لِتَكُونَ هَؤُلَاءِ الْآلِهَةُ لَهُمْ عِزًّا، يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَيَتَّخِذُونَ عِبَادَتَهُمُوهَا عِنْدَ اللَّهِ زُلْفَى
١٥ / ٦٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿كَلَّا﴾ [النساء: ١٣٠] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا وَأَمَّلُوا مِنْ هَذِهِ الْآلِهَةِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فِي أَنَّهَا تُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَتُنْجِيهِمْ مِنْهُ، وَمِنْ سُوءٍ إِنْ أَرَادَهُ بِهِمْ رَبُّهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ [مريم: ٨٢] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَلَكِنْ سَيَكْفُرُ الْآلِهَةُ فِي الْآخِرَةِ بِعِبَادَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِيَّاهَا، وَكُفْرِهِمْ بِهَا قِيلُهُمْ لِرَبِّهِمْ: تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ، فَجَحَدُوا أَنْ يَكُونُوا عَبَدُوهُمْ أَوْ أَمَرُوهُمْ بِذَلِكَ، وَتَبَرَّءُوا مِنْهُمْ، وَذَلِكَ كُفْرُهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ
١٥ / ٦٢٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ عَلَيْهِمْ عَوْنًا، وَقَالُوا: الضِّدُّ: الْعَوْنُ
١٥ / ٦٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] يَقُولُ: أَعْوَانًا
١٥ / ٦٢٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] قَالَ: عَوْنًا عَلَيْهِمْ تُخَاصِمُهُمْ وَتُكَذِّبُهُمْ
١٥ / ٦٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] قَالَ: أَوْثَانُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالضِّدِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْقَرْنَاءَ
١٥ / ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] يَقُولُ: يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ قُرَنَاءَ
١٥ / ٦٢٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ⦗٦٢٥⦘ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] قُرَنَاءَ فِي النَّارِ، يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
١٥ / ٦٢٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] قَالَ: قُرَنَاءُ فِي النَّارِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الضِّدِّ هَهُنَا: الْعَدُوُّ
١٥ / ٦٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] قَالَ: أَعْدَاءً وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الضِّدِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْبَلَاءُ
١٥ / ٦٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] قَالَ: يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ بَلَاءً الضِّدُّ: الْبَلَاءُ، وَالضِّدُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ الْخِلَافُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يُضَادُّ فُلَانًا فِي كَذَا، إِذَا كَانَ يُخَالِفُهُ فِي صَنِيعِهِ، فَيُفْسِدُ مَا أَصْلَحَهُ، وَيُصْلِحُ مَا أَفْسَدَهُ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَكَانَتْ آلِهَةُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ، وَيَنْتَفُونَ يَوْمَئِذٍ، صَارُوا لَهُمْ أَضْدَادًا، فَوُصِفُوا بِذَلِكَ ⦗٦٢٦⦘ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَوْحِيدِ الضِّدِّ، وَهُوَ صِفَةٌ لِجَمَاعَةٍ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: وُحِّدَ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَمَاعَةً، وَوَاحِدًا مِثْلُ الرَّصَدِ وَالْأَرْصَادِ. قَالَ: وَيَكُونُ الرَّصَدُ أَيْضًا لِجَمَاعَةٍ، وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ وُحِّدَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَوْنًا، وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا نَهِيكٍ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ
١٥ / ٦٢٥
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَهِيكٍ الْأَزْدِيَّ، يَقْرَأُ: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ﴾ [مريم: ٨٢] يَعْنِي الْآلِهَةَ كُلَّهَا أَنَّهُمْ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ
١٥ / ٦٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ ﴿تَؤُزُّهُمْ﴾ [مريم: ٨٣] يَقُولُ: تُحَرِّكُهُمْ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ، فَتُزْعِجُهُمْ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ، وَتُغْرِيهِمْ بِهَا حَتَّى يُوَاقِعُوهَا ﴿أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] إِزْعَاجًا وَإِغْوَاءً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٦٢٧⦘ قَوْلُهُ: ﴿أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] يَقُولُ: تُغْرِيهِمْ إِغْرَاءً
١٥ / ٦٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَؤُزُّ الْكَافِرِينَ إِغْرَاءً فِي الشِّرْكِ: امْضِ امْضِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، حَتَّى تُوقِعَهُمْ فِي النَّارِ، امْضُوا فِي الْغَيِّ امْضُوا
١٥ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو إِدْرِيسَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] قَالَ: تُغْرِيهِمْ إِغْرَاءً
١٥ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] قَالَ: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ
١٥ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] قَالَ: تُزْعِجُهُمْ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ إِزْعَاجًا
١٥ / ٦٢٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] قَالَ تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعَاصِي اللَّهِ
١٥ / ٦٢٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ، عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مريم: ٨٣] فَقَرَأَ: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦] قَالَ: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا، قَالَ: تُشْلِيهِمْ إِشْلَاءً عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ تبارك وتعالى، وَتُغْرِيهِمْ عَلَيْهَا، كَمَا يُغْرِي الْإِنْسَانُ الْآخَرَ ⦗٦٢٨⦘ عَلَى الشَّيْءِ يُقَالُ مِنْهُ: أَزَزْتُ فُلَانًا بِكَذَا، إِذَا أَغْرَيْتُهُ بِهِ أَؤُزُّهُ أَزًّا وَأَزِيزًا، وَسَمِعْتُ أَزِيزَ الْقِدْرِ: وَهُوَ صَوْتُ غَلَيَانِهَا عَلَى النَّارِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ
١٥ / ٦٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم: ٨٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَلَا تَعْجَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِطَلَبِ الْعَذَابِ لَهُمْ وَالْهَلَاكِ، يَا مُحَمَّدُ ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم: ٨٤] يَقُولُ: فَإِنَّمَا نُؤَخِّرُ إِهْلَاكَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ أَعْمَالَهُمْ كُلَّهَا وَنُحْصِيهَا حَتَّى أَنْفَاسَهُمْ لِنُجَازِيَهُمْ عَلَى جَمِيعِهَا، وَلَمْ نَتْرُكْ تَعْجِيلَ هَلَاكِهِمْ لِخَيْرٍ أَرَدْنَاهُ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم: ٨٤] يَقُولُ: أَنْفَاسَهُمُ الَّتِي يَتَنَفَّسُونَ فِي الدُّنْيَا، فَهِيَ مَعْدُودَةٌ كَسِنِّهِمْ وَآجَالِهِمْ
١٥ / ٦٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَوْمَ نَجْمَعُ الَّذِينَ اتَّقَوْا فِي الدُّنْيَا فَخَافُوا عِقَابَهُ، ⦗٦٢٩⦘ فَاجْتَنَبُوا لِذَلِكَ مَعَاصِيَهُ، وَأَدَّوْا فَرَائِضَهُ إِلَى رَبِّهِمْ ﴿وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] يَعْنِي بِالْوَفْدِ: الرُّكْبَانَ. يُقَالُ: وَفَدْتُ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، وَأَوْفَدَ الْقَوْمُ وَفْدًا عَلَى أَمِيرِهِمْ، إِذَا بَعَثُوا مَنْ قِبَلَهُمْ بَعْثًا. وَالْوَفْدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَلَكِنَّهُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ مَصْدَرُ وَاحِدِهِمْ وَافِدٌ، وَقَدْ يُجْمَعُ الْوَفْدُ: الْوُفُودَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ بَنِي حَنِيفَةَ:
[البحر الكامل]
إِنِّي لَمُمْتَدِحٌ فَمَا هُوَ صَانِعٌ … رَأْسُ الْوُفُودِ مُزَاحِمُ بْنُ جِسَاسِ
وَقَدْ يَكُونُ الْوُفُودُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَمْعُ وَافِدٍ، كَمَا الْجُلُوسُ جَمْعُ جَالِسٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَلَا يُسَاقُونَ سَوْقًا، وَلَكِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ، وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ، فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الْجَنَّةِ
١٥ / ٦٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ⦗٦٣٠⦘ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] قَالَ: عَلَى الْإِبِلِ
١٥ / ٦٢٩
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] يَقُولُ: رُكْبَانًا
١٥ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ اسْتَقْبَلَهُ أَحْسَنُ صُورَةً، وَأَطْيَبُهَا رِيحًا، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ طَيَّبَ رِيحَكَ وَحَسَّنَ صُورَتَكَ، فَيَقُولُ: كَذَلِكَ كُنْتُ فِي الدُّنْيَا أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ طَالَمَا رَكِبْتُكَ فِي الدُّنْيَا، فَارْكَبْنِي أَنْتَ الْيَوْمَ، وَتَلَا: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥]
١٥ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] قَالَ: وَفْدًا إِلَى الْجَنَّةِ
١٥ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي ⦗٦٣١⦘ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] قَالَ: عَلَى النَّجَائِبِ
١٥ / ٦٣٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] قَالَ: عَلَى الْإِبِلِ النُّوقِ
١٥ / ٦٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَسُوقُ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ الَّذِينَ أَجْرَمُوا إِلَى جَهَنَّمَ عِطَاشًا. وَالْوِرْدُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَرَدْتُ كَذَا أَرِدُهُ وِرْدًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ، وَقَدْ وُصِفَ بِهِ الْجَمْعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] يَقُولُ: عِطَاشًا
١٥ / ٦٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] قَالَ: عِطَاشًا
١٥ / ٦٣١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَالْفَضْلُ بْنُ صَبَاحٍ، قَالَا: ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] قَالَ: عِطَاشًا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
١٥ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] قَالَ: ظِمَاءٌ إِلَى النَّارِ
١٥ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] سُوقُوا إِلَيْهَا وَهُمْ ظِمَاءٌ عِطَاشٌ
١٥ / ٦٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] قَالَ: عِطَاشًا
١٥ / ٦٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ يَا مُحَمَّدُ، يَوْمَ يَحْشُرُ اللَّهُ الْمُتَّقِينَ إِلَيْهِ وَفْدًا الشَّفَاعَةَ، حِينَ يَشْفَعُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عِنْدَ اللَّهِ، ⦗٦٣٣⦘ فَيَشْفَعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ﴾ [مريم: ٨٧] مِنْهُمْ ﴿عِنْدَ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٧٨] فِي الدُّنْيَا ﴿عَهْدًا﴾ [البقرة: ٨٠] بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَ بِهِ
١٥ / ٦٣٢
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مِنَ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] قَالَ: الْعَهْدُ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَلَا يَرْجُو إِلَّا اللَّهَ
١٥ / ٦٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ شُفَعَاءُ ﴿إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] قَالَ: عَمَلًا صَالِحًا
١٥ / ٦٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مِنَ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] أَيْ بِطَاعَتِهِ
١٥ / ٦٣٣
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ [طه: ١٠٩] لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَشْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ
١٥ / ٦٣٣
ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: “إِنَّ فِي أُمَّتِي رَجُلًا لَيُدْخِلَنَّ اللَّهُ بِشَفَاعَتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ
١٥ / ٦٣٣
وَكُنَّا ⦗٦٣٤⦘ نُحَدَّثُ أَنَّ «الشَّهِيدُ يَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ»
١٥ / ٦٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» وَ«مَنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنِ﴾ [مريم: ٨٧] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا يَكُونُ خَفْضًا بِضَمِيرِ اللَّامِ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ نَصْبًا فِي الْكَلَامِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَرَدْتُ الْمُرُورَ الْيَوْمَ إِلَّا الْعَدُوَّ فَإِنِّي لَا أَمَرُّ بِهِ، فَيَسْتَثْنِي الْعَدُوَّ مِنَ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: ٨٧] لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، فَالْمُؤْمِنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَعْدَادِ الْكَافِرِينَ، وَمَنْ نَصَبَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا لِمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ لِلْمُتَّقِينَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ: إِلَّا لِمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ ⦗٦٣٥⦘ عَهْدًا. فَأَمَّا إِذَا جَعَلَ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ خَبَرًا عَنِ الْمُجْرِمِينَ، فَإِنَّ «مَنْ» تَكُونُ حِينَئِذٍ نَصْبًا عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ لَكِنْ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا يَمْلِكُهُ
١٥ / ٦٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ ﴿اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾ [مريم: ٨٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْقَائِلِينَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ: لَقَدْ جِئْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ شَيْئًا عَظِيمًا مِنَ الْقَوْلِ مُنْكَرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿شَيْئًا إِدًّا﴾ [مريم: ٨٩] يَقُولُ: قَوْلًا عَظِيمًا
١٥ / ٦٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾ [مريم: ٨٩] يَقُولُ: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا عَظِيمًا وَهُوَ الْمُنْكَرُ مِنَ الْقَوْلِ
١٥ / ٦٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿شَيْئًا إِدًّا﴾ [مريم: ٨٩] قَالَ: عَظِيمًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٦٣٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿شَيْئًا إِدًّا﴾ [مريم: ٨٩] قَالَ: عَظِيمًا
١٥ / ٦٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾ [مريم: ٨٩] قَالَ: جِئْتُمْ شَيْئًا كَبِيرًا مِنَ الْأَمْرِ حِينَ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَفِي الْإِدِّ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ: يُقَالُ: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا، بِكَسْرِ الْأَلِفِ، وَأَدًّا بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَآدًّا بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَمَدِّهَا، عَلَى مِثَالِ مَادَّ فَاعِلٌ. وَقَرَأَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَبِهَا نَقْرَأُ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَلَا أَرَى قِرَاءَتَهُ كَذَلِكَ لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، وَالْعَرَبُ ⦗٦٣٧⦘ تَقُولُ لِكُلِّ أَمْرٍ عَظِيمٍ: إِدَّ، وَإِمْرٌ، وَنُكْرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
قَدْ لَقِيَ الْأَعْدَاءُ مِنِّي نُكْرَا … دَاهِيَةً دَهْيَاءَ إِدًّا إِمْرَا
وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
فِي لَهَثٍ مِنْهُ وَحَثْلٍ إِدَّا
١٥ / ٦٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَشَقَّقْنَ قِطَعًا مِنْ قِيلِهِمْ: ﴿اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ [مريم: ٨٨] وَمِنْهُ قِيلَ: فَطَرَ نَابُهُ: إِذَا انْشَقَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ قَالَ: إِنَّ الشِّرْكَ فَزِعَتْ مِنْهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ، وَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ، وَكَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ إِحْسَانُ الْمُشْرِكِ، كَذَلِكَ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ ذُنُوبَ الْمُوَحِّدِينَ
١٥ / ٦٣٧
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» ⦗٦٣٨⦘ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ قَالَهَا فِي صِحَّتِهِ؟ قَالَ: «تِلْكَ أَوْجَبُ وَأَوْجَبُ» ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ جِيءَ بِالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَا تَحْتَهُنَّ، فَوُضِعْنَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوُضِعَتْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، لَرَجَحَتْ بِهِنَّ»
١٥ / ٦٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: غَضِبَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَاسْتَعَرَّتْ جَهَنَّمُ، حِينَ قَالُوا مَا قَالُوا
١٥ / ٦٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ﴾ [مريم: ٩٠] يَقُولُ: وَتَكَادُ الْأَرْضُ تَنْشَقُّ فَتَنْصَدِعُ مِنْ ذَلِكَ ﴿وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ [مريم: ٩٠] يَقُولُ: وَتَكَادُ الْجِبَالُ يَسْقُطُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ سُقُوطًا. وَالْهَدُّ: السُّقُوطُ، وَهُوَ مَصْدَرُ هَدَدْتُ، فَأَنَا أَهِدُّ هَدًّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ [مريم: ٩٠] يَقُولُ: هَدْمًا
١٥ / ٦٣٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ [مريم: ٩٠] قَالَ: الْهَدُّ: الِانْقِضَاضُ
١٥ / ٦٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ [مريم: ٩٠] قَالَ: غَضَبًا لِلَّهِ، قَالَ: وَلَقَدْ دَعَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ هَذَا الَّذِي غَضِبَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ مِنْ قَوْلِهِمْ، لَقَدِ اسْتَتَابَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ، فَقَالَ: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣] قَالُوا: هُوَ وَصَاحِبَتُهُ وَابْنُهُ، جَعَلُوهُمَا إِلَهَيْنِ مَعَهُ ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [المائدة: ٧٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٧٤]
١٥ / ٦٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَكَادُ الْجِبَالُ أَنْ تَخِرَّ انْقِضَاضًا، لِأَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. فَـ «ـأَنْ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لِاتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ، وَفِي قَوْلِ غَيْرِهِ
١٥ / ٦٣٩
فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِضَمِيرِ الْخَافِضِ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَالَ: ﴿أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [مريم: ٩١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَنْ دَعَوْا﴾ [مريم: ٩١] أَنْ جَعَلُوا لَهُ وَلَدًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو نَصِيحًا وَإِنْ تَغِبْ … تَجِدْهُ بِغَيْبٍ غَيْرَ مُنْتَصِحِ الصَّدْرِ
وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
[البحر البسيط]
أَهْوَى لَهَا مِشْقَصًا حَشْرًا فَشَبْرَقَهَا … وَكُنْتُ أدْعُو قَذَاهَا الْإِثْمِدَ الْقَرِدَا
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مريم: ٩٢] يَقُولُ: وَمَا يَصْلُحُ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ
١٥ / ٦٤٠
وَلَدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ، كَالْخَلْقِ الَّذِينَ تَغْلِبُهُمُ الشَّهَوَاتُ، وَتَضْطَرُهُمُ اللَّذَّاتُ إِلَى جِمَاعِ الْإِنَاثِ، وَلَا وَلَدٌ يَحْدُثُ إِلَّا مِنْ أُنْثَى، وَاللَّهُ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ كَخَلْقِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ أَحْمَرَ:
فِي رَأْسِ خَلْقَاءَ مِنْ عَنْقَاءَ مُشْرِفَةٍ … مَا يَنْبَغِي دُونَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلُ
يَعْنِي: لَا يَصْلُحُ وَلَا يَكُونُ. ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ يَقُولُ: مَا جَمِيعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَفِي الْأَرْضِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴿إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣] يَقُولُ: إِلَّا يَأْتِي رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدًا لَهُ، ذَلِيلًا خَاضِعًا، مُقِرًّا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، لَا نَسَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿آتِي الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٩٣] إِنَّمَا هُوَ فَاعِلٌ مِنْ أَتَيْتُهُ، فَأَنَا آتِيهِ
١٥ / ٦٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ أَحْصَى الرَّحْمَنُ خَلْقَهُ كُلَّهُمْ، وَعَدَّهُمْ عَدًّا، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَبْلَغُ جَمِيعِهِمْ، وَعَرَفَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: ٩٥] يَقُولُ: وَجَمِيعُ خَلْقِهِ سَوْفَ يَرِدُ عَلَيْهِ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ وَحِيدًا لَا نَاصِرَ لَهُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا دَافِعَ عَنْهُ، فَيَقْضِي اللَّهُ فِيهِ مَا هُوَ قَاضٍ، وَيَصْنَعُ بِهِ مَا هُوَ صَانِعٌ
١٥ / ٦٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا ⦗٦٤٢⦘ لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، فَعَمِلُوا بِهِ، فَأَحَلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] فِي الدُّنْيَا، فِي صُدُورِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: مَحَبَّةً فِي النَّاسِ فِي الدُّنْيَا
١٥ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: حُبًّا
١٥ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: الْوُدُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ، وَاللِّسَانُ الصَّادِقُ
١٥ / ٦٤٢
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وَدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: مَحَبَّةً فِي الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا
١٥ / ٦٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى خَلْقِهِ
١٥ / ٦٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ
١٥ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: مَا أَقْبَلَ عَبْدٌ إِلَى اللَّهِ إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ بِقُلُوبِ الْعِبَادِ إِلَيْهِ وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ
١٥ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦]: إِي وَاللَّهِ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ
١٥ / ٦٤٣
ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَرَمَ بْنَ حَيَّانَ كَانَ يَقُولُ: مَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ ⦗٦٤٤⦘ بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ، حَتَّى يَرْزُقَهُ مَوَدَّتَهُمْ وَرَحْمَتَهُمْ
١٥ / ٦٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، كَانَ يَقُولُ: مَا مِنَ النَّاسِ عَبْدٌ يَعْمَلُ خَيْرًا وَلَا يَعْمَلُ شَرًّا، إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ
١٥ / ٦٤٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] قَالَ: مَحَبَّةً وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
١٥ / ٦٤٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَى فِرَاقِ أَصْحَابِهِ بِمَكَّةَ، مِنْهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦]
١٥ / ٦٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ﴾ [مريم: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَا يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ بِلِسَانِكَ تَقْرَؤُهُ، لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ اتَّقَوْا عِقَابَ اللَّهِ، بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، بِالْجَنَّةِ. ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] يَقُولُ: وَلِتُنْذِرَ بِهَذَا الْقُرْآنِ عَذَابَ اللَّهِ قَوْمَكَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُ لَدَدٍ وَجَدَلٍ بِالْبَاطِلِ، لَا يَقْبَلُونَ الْحَقَّ. وَاللَّدُّ: شِدَّةُ الْخُصُومَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٦٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] قَالَ: لَا يَسْتَقِيمُونَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٦٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] يَقُولُ: لِتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا ظَلَمَةً
١٥ / ٦٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا ⦗٦٤٦⦘ لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] أَيْ جُدَّالًا بِالْبَاطِلِ، ذَوِي لَدَدٍ وَخُصُومَةٍ
١٥ / ٦٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] قَالَ: فُجَّارًا
١٥ / ٦٤٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] قَالَ: جُدَّالًا بِالْبَاطِلِ
١٥ / ٦٤٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] قَالَ: الْأَلَدُّ: الظَّلُومُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤]
١٥ / ٦٤٦
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الضِّرَارِيُّ، قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧] قَالَ: صُمًّا عَنِ الْحَقِّ ⦗٦٤٧⦘ حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَلَدِّ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ / ٦٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَثِيرًا أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَ قَوْمِكَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، مِنْ قَرْنٍ، يَعْنِي مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ، إِذَا سَلَكُوا فِي خِلَافِي وَرُكُوبِ مَعَاصِيِّ مَسْلَكَهُمْ، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ: يَقُولُ: فَهَلْ تُحِسُّ أَنْتَ مِنْهُمْ أَحَدًا يَا مُحَمَّدُ فَتَرَاهُ وَتُعَايِنُهُ ﴿أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] يَقُولُ: أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ صَوْتًا، بَلْ بَادُوا وَهَلَكُوا، وَخَلَتْ مِنْهُمْ دُورُهُمْ، وَأَوْحَشَتْ مِنْهُمْ مَنَازِلُهُمْ، وَصَارُوا إِلَى دَارٍ لَا يَنْفَعُهُمْ فِيهَا إِلَّا صَالِحٌ مِنْ عَمَلٍ قَدَّمُوهُ، فَكَذَلِكَ قَوْمُكَ هَؤُلَاءِ، صَائِرُونَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ أُولَئِكَ، إِنْ لَمْ يُعَالِجُوا التَّوْبَةَ قَبْلَ الْهَلَاكِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٥ / ٦٤٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٦٤٨⦘ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] قَالَ: صَوْتًا
١٥ / ٦٤٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] قَالَ: هَلْ تَرَى عَيْنًا، أَوْ تَسْمَعُ صَوْتًا
١٥ / ٦٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] يَقُولُ: هَلْ تَسْمَعُ مِنْ صَوْتٍ، أَوْ تَرَى مِنْ عَيْنٍ
١٥ / ٦٤٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ تَسْمَعْ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] يَعْنِي: صَوْتًا
١٥ / ٦٤٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رِكْزُ النَّاسِ: أَصْوَاتُهُمْ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ سُفْيَانُ: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨]
١٥ / ٦٤٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: ٩٨] قَالَ: أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ حِسًّا. قَالَ: وَالرِّكْزُ: الْحِسُّ ⦗٦٤٩⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالرِّكْزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل]
فَتَوَجَّسَتْ ذِكْرَ الْأَنِيسِ فَرَاعَهَا … عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ وَالْأَنِيسُ سَقَامُهَا