سُورَةُ الْحَجِّ 2

وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج: ٢٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَهَدَاهُمْ رَبُّهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى طَرِيقِ الرَّبِّ الْحَمِيدِ، وَطَرِيقُهُ: دِينُهُ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْلُكُوهُ. وَالْحَمِيدُ: فَعِيلٌ، صُرِّفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَحْمُودٌ عِنْدَ أَوْلِيَائِهِ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ صُرِّفَ مِنْ مَحْمُودٍ إِلَى حَمِيدٍ
١٦ ‏/ ٥٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
١٦ ‏/ ٥٠٠
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَأَنْكَرُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٤٧] يَقُولُ: وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ، وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ كَافَّةً، لَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] يَقُولُ: مُعْتَدِلٌ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَضَاءِ نُسُكِهِ بِهِ، وَالنُّزُولِ فِيهِ حَيْثُ شَاءَ الْعَاكِفُ فِيهِ، وَهُوَ الْمُقِيمُ بِهِ، وَالْبَادِ: وَهُوَ الْمُنْتَابُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَهُوَ الْمُقِيمُ فِيهِ وَالْبَادِ، فِي أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَحَقَّ بِالْمَنْزِلِ فِيهِ مِنَ الْآخَرِ
١٦ ‏/ ٥٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ، قَالَ: “كَانَ الْحُجَّاجُ إِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِأَحَقَّ بِمَنْزِلِهِ مِنْهُمْ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا وَجَدَ سَعَةً نَزَلَ. فَفَشَا فِيهِمُ السَّرِقَةُ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسْرِقُ مِنْ نَاحِيَتِهِ، فَاصْطَنَعَ رَجُلٌ بَابًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَتَّخَذْتَ بَابًا مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا جَعَلْتَهُ لِيُحْرِزَ مَتَاعَهُمْ. وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: الْبَادِ فِيهِ كَالْمُقِيمِ، لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَنْزِلِهِ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ سَبَقَ إِلَى مَنْزِلٍ
١٦ ‏/ ٥٠١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، قَالَ: «قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَعْتَكِفُ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَنْتَ عَاكِفٌ. وَقَرَأَ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥]»
١٦ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] «الْعَاكِفُ: أَهْلُهُ، وَالْبَادِ: الْمُنْتَابُ فِي الْمَنْزِلِ سَوَاءً»
١٦ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] يَقُولُ: «يَنْزِلُ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»
١٦ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «الْعَاكِفُ فِيهِ: الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ، وَالْبَادِ: الَّذِي يَأْتِيهِ، هُمْ فِيهِ سَوَاءٌ فِي الْبُيُوتِ»
١٦ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] «سَوَاءً فِيهِ أَهْلُهُ، وَغَيْرُ أَهْلِهِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَوَاءً ⦗٥٠٣⦘ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْمَنَازِلِ سَوَاءٌ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
١٦ ‏/ ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «السَّاكِنُ، ﴿وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] الْجَانِبُ، سَوَاءٌ حَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فِيهِ»
١٦ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «السَّاكِنُ ﴿وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] الْجَانِبُ»
١٦ ‏/ ٥٠٣
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَا: «مِنْ أَهْلِهِ، ﴿وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] الَّذِي يَأْتُونَهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، هُمَا فِي حُرْمَتِهِ سَوَاءٌ» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ صَدَّ مَنْ كَفَرَ بِهِ مَنْ أَرَادَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَضَاءَ نُسُكِهِ فِي الْحَرَمِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الحج: ٢٥] ثُمَّ ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ [الحج: ٢٥] فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، فَالْكَافِرُونَ بِهِ يَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ
١٦ ‏/ ٥٠٣
: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: ٢٥] فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ خَبَرَهُ عَنِ اسْتِوَاءِ الْعَاكِفِ فِيهِ وَالْبَادِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ابْتَدَأَ اللَّهُ الْخَبَرَ عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ صَدُّوا عَنْهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَذَلِكَ لَا شَكَّ طَوَافُهُمْ وَقَضَاءُ مَنَاسِكِهِمْ بِهِ، وَالْمُقَامُ، لَا الْخَبَرُ عَنْ مِلْكِهِمْ إِيَّاهُ، وَغَيْرِ مِلْكِهِمْ. وَقِيلَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٢٥] فَعَطَفَ بِـ (يَصُدُّونَ)، وَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ، عَلَى (كَفَرُوا) وَهُوَ مَاضٍ، لِأَنَّ الصَّدَّ بِمَعْنَى الصِّفَةِ لَهُمْ وَالدَّوَامِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ، لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِلَفْظِ الِاسْمِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا يَكُونُ بِلَفْظِ الْمَاضِي. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ صِفَتِهِمُ الصَّدُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ٢٨] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ [الحج: ٢٥] فَإِنَّ قُرَّاءَ الْأَمْصَارِ عَلَى رَفْعِ (سَوَاءً) بِـ (الْعَاكِفُ)، وَ(الْعَاكِفُ) بِهِ، وَإِعْمَالُ (جَعَلْنَاهُ) فِي الْهَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ، وَاللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ (لِلنَّاسِ)، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ بِـ (سَوَاءٍ) وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِـ (سَوَاءٍ) إِذَا جَاءَتْ بَعْدَ حَرْفٍ قَدْ تَمَّ الْكَلَامُ بِهِ، فَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَوَاءٌ عِنْدَهُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَقَدْ يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْخَفْضُ. وَإِنَّمَا يُخْتَارُ الرَّفْعُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ (سَوَاءً) فِي مَذْهَبٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمْ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. وَأَمَّا مَنْ خَفَضَهُ فَإِنَّهُ يُوَجِّهُهُ إِلَى: مُعْتَدِلٌ عِنْدَهُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي سَوَاءٍ، فَاسْتَأْنَفَ بِهِ، وَرَفَعَ لَمْ يَقُلْهُ فِي (مُعْتَدِلٌ)، لِأَنَّ (مُعْتَدِلٌ) فِعْلٌ مُصَرِّحٌ، وَ(سَوَاءٌ) مَصْدَرٌ، فَإِخْرَاجُهُمْ إِيَّاهُ إِلَى الْفِعْلِ كَإِخْرَاجِهِمْ (حَسْبُ) فِي
١٦ ‏/ ٥٠٤
قَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسْبُكَ مِنْ رَجُلٍ، إِلَى الْفِعْلِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَهُ: ﴿سَوَاءً﴾ [البقرة: ٦] نَصْبًا عَلَى إعْمَالِ (جَعَلْنَاهُ) فِيهِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَقِرَاءَةٌ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهِ
١٦ ‏/ ٥٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَهُوَ أَنْ يَمِيلَ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِظُلْمٍ. وَأُدْخِلَتِ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿بِإِلْحَادٍ﴾ [الحج: ٢٥] وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا قُلْتُ، كَمَا أُدْخِلَتْ فِي قَوْلِهِ: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [المؤمنون: ٢٠]، وَالْمَعْنَى: تُنْبِتُ الدُّهْنَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ … وَأَسْفَلُهُ بِالْمَرْخِ وَالشَّبَهَانِ
وَالْمَعْنَى: وَأَسْفَلُهُ يُنْبِتُ الْمَرْخَ وَالشَّبَهَانِ، وَكَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[البحر الكامل] ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا … بَيْنَ الْمَرَاجِلِ وَالصَّريِجِ الْأَجْرَدِ
بِمَعْنَى: ضَمِنَتْ رِزْقَ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا فِي قَوْلِ بَعْضِ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ. وَأَمَّا بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أُدْخِلَتِ الْبَاءُ فِيهِ، لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ: وَمَنْ يُرِدْ بِأَنْ يُلْحِدَ فِيهِ بِظُلْمٍ. وَكَانَ يَقُولُ: دُخُولُ الْبَاءِ فِي (أَنْ) أَسْهَلُ مِنْهُ فِي (إِلْحَادٍ) وَمَا أَشْبَهَهُ، لِأَنَّ (أَنْ) تُضْمَرُ الْخَوَافِضُ مَعَهَا كَثِيرًا، وَتَكُونُ كَالشَّرْطِ، فَاحْتَمَلَتْ دُخُولَ الْخَافِضِ وَخُرُوجَهُ، لِأَنَّ الْإِعْرَابَ لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، وَقَالَ فِي
١٦ ‏/ ٥٠٥
الْمَصَادِرِ: يَتَبَيَّنُ الرَّفْعُ وَالْخَفْضُ فِيهَا، قَالَ: وَأَنْشَدَنِي أَبُو الْجَرَّاحِ:
[البحر الطويل] فَلَمَّا رَجَتْ بِالشُّرْبِ هَزَّ لَهَا الْعَصَا … شَحِيحٌ لَهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ نَهِيمُ
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] أَلَا هَلْ أَتَاهَا وَالْحَوَادِثُ جُمَّةٌ … بِأَنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا
؟ قَالَ: فَأَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى (أَنْ) وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ كَمَا أَدْخَلَهَا عَلَى (إِلْحَادٍ) وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. قَالَ: وَقَدْ أَدْخَلُوا الْبَاءَ عَلَى (مَا) إِذَا أَرَادُوا بِهَا الْمَصْدَرَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تُنْمِي … بِمَا لَاقَتْ لَبُونُ بَنِي زِيَادِ
وَقَالَ: وَهُوَ فِي (مَا) أَقَلُّ مِنْهُ فِي (أَنْ)، لِأَنَّ (أَنْ) أَقَلُّ شَبَهًا بِالْأَسْمَاءِ مِنْ (مَا) . قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا مِنْ رَبِيعَةَ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: أَرْجُو بِذَاكَ، يُرِيدُ: أَرْجُو ذَاكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الظُّلْمِ الَّذِي مَنْ أَرَادَ الْإِلْحَادَ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ هُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَعِبَادَةُ غَيْرِهِ بِهِ، أَيْ بِالْبَيْتِ
١٦ ‏/ ٥٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٥٠٧⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] يَقُولُ: «بِشِرْكٍ»
١٦ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، في قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] ” هُوَ أَنْ يُعْبَدَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ
١٦ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: “هُوَ الشِّرْكُ، مَنْ أَشْرَكَ فِي بَيْتِ اللَّهِ عَذَّبَهُ اللَّهُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْتِحْلَالُ الْحَرَامِ فِيهِ أَوْ رُكُوبُهُ
١٦ ‏/ ٥٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] يَعْنِي «أَنْ تَسْتَحِلَّ مِنَ الْحَرَامِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ لِسَانٍ أَوْ قَتْلٍ، فَتَظْلِمُ مَنْ لَا يَظْلِمُكَ، وَتَقْتُلُ مَنْ لَا يَقْتُلَكَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ لَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ»
١٦ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٥٠٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «يَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا سَيِّئًا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَنَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَا: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلًٍ يَهِمُّ بِسَيِّئَةٍ فَتُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ أَبْيَنَ هَمَّ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا بِهَذَا الْبَيْتِ، لَأَذَاقَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ»
١٦ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ يَزِيدُ: قَالَ لَنَا شُعْبَةَ رَفَعَهُ، وَأَنَا لَا أَرْفَعُهُ لَكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ [الحج: ٢٥] بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ فِيهِ بِسَيِّئَةٍ وَهُوَ بِعَدَنَ أَبْيَنَ، لَأَذَاقَهُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا»
١٦ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَهِمُّ ⦗٥٠٩⦘ بِالْخَطِيئَةِ بِمَكَّةَ وَهُوَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَتُكْتَبُ عَلَيْهِ»
١٦ ‏/ ٥٠٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «الْإِلْحَادُ: الظُّلْمُ فِي الْحَرَمِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ الظُّلْمِ: اسْتِحْلَالُ الْحَرَمِ مُتَعَمِّدًا
١٦ ‏/ ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «الَّذِي يُرِيدُ اسْتِحْلَالَهُ مُتَعَمِّدًا، وَيُقَالُ: الشِّرْكُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ
١٦ ‏/ ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥] قَالَ: «هُمُ الْمُحْتَكِرُونَ الطَّعَامَ بِمَكَّةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنَ الْفِعْلِ، حَتَّى قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ
١٦ ‏/ ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «كَانَ لَهُ فُسْطَاطَانِ: أَحَدُهُمَا فِي الْحِلِّ، وَالْآخَرُ فِي الْحَرَمِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَهْلَهُ عَاتَبَهُمْ فِي الْحِلِّ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ مِنَ الْإِلْحَادِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: كَلَّا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ»
١٦ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي رِبْعِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ: “لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ مِنَ الْإِلْحَادِ فِيهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِالظُّلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾ [الحج: ٢٥] وَلَمْ يُخَصَّصْ بِهِ ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ فِي خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمَنْ يُرِدْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِأَنْ يَمِيلَ بِظُلْمٍ، فَيَعْصِيَ اللَّهَ فِيهِ، نُذِقْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابٍ مُوجِعٍ لَهُ.
١٦ ‏/ ٥١٠
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «وَمَنْ يَرِدْ فِيهِ» بِفَتْحِ الْيَاءِ بِمَعْنَى: وَمَنْ يَرِدْهُ بِإِلْحَادٍ، مِنْ: وَرَدْتُ الْمَكَانَ أَرِدُهُ. وَذَلِكَ قِرَاءَةٌ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ عِنْدِي بِهَا لِخِلَافِهَا مَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِنَ الْقُرَّاءِ مُجْمِعَةً، مَعَ بُعْدِهَا مِنْ فَصِيحِ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَذَلِكَ أَنَّ (يَرِدُ) فِعْلٌ وَاقِعٌ، يُقَالُ مِنْهُ: هُوَ يَرِدُ مَكَانَ كَذَا، أَوْ بَلْدَةَ كَذَا غَدًا، وَلَا يُقَالُ: يَرِدُ فِي مَكَانِ كَذَا. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ طَيِّئًا تَقُولُ: رَغِبْتُ فِيكَ، تُرِيدُ: رَغِبْتُ بِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَنْشَدَهُ بَيْتًا:
[البحر الطويل] وَأَرْغَبُ فِيهَا عَنْ لَقِيطٍ وَرَهْطِهِ … وَلَكِنَّنِي عَنْ سِنْبَسٍ لَسْتُ أَرْغَبُ
بِمَعْنَى: وَأَرْغَبُ بِهَا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا كَمَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ، فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِهِ فَغَيْرُ جَائِزَةٍ لِمَا وَصَفْتُ
١٦ ‏/ ٥١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، مُعْلِمَهُ عَظِيمَ مَا رَكِبَ مِنْ قَوْمِهِ قُرَيْشٍ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ بِعِبَادَتِهِمْ فِي حَرَمِهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ ﷺ بِبِنَائِهِ وَتَطْهِيرِهِ مِنَ الْآفَاتِ وَالرِّيَبِ وَالشِّرْكِ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ ابْتَدَأْنَا هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي يَعْبُدُ قَوْمُكَ فِيهِ غَيْرِي، إِذْ بَوَّأْنَا لِخَلِيلِنَا إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿بَوَّأْنَا﴾ [يونس: ٩٣]: وَطَّأْنَا لَهُ مَكَانَ الْبَيْتِ
١٦ ‏/ ٥١١
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ [الحج: ٢٦] قَالَ: وَضَعَ اللَّهُ الْبَيْتَ مَعَ آدَمَ ﷺ حِينَ أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ، وَكَانَ مَهْبِطُهُ بِأَرْضِ الْهِنْدِ، وَكَانَ رَأْسُهُ فِي ⦗٥١٢⦘ السَّمَاءِ، وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ، فَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَهَابُهُ، فَنَقَصَ إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا. وَإِنَّ آدَمَ لَمَّا فَقَدَ أَصْوَاتَ الْمَلَائِكَةِ وَتَسْبِيحَهُمْ، شَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ، إِنِّي قَدْ أَهْبَطْتُ لَكَ بَيْتًا يُطَافُ بِهِ كَمَا يُطَافُ حَوْلَ عَرْشِي، وَيُصَلَّى عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى حَوْلَ عَرْشِي، فَانْطَلِقْ إِلَيْهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، وَمُدَّ لَهُ فِي خَطْوِهِ، فَكَانَ بَيْنَ كُلِّ خَطْوَتَيْنِ مَفَازَةٌ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْمَفَاوِزُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَى آدَمُ الْبَيْتَ، فَطَافَ بِهِ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ
١٦ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا عَهِدَ اللَّهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ، انْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَقَامَ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ، وَأَخَذَا الْمَعَاوِلَ، لَا يَدْرِيَانِ أَيْنَ الْبَيْتُ، فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا يُقَالُ لَهَا رِيحُ الْخَجُوجِ، لَهَا جَنَاحَانِ، وَرَأْسٌ فِي صُورَةِ حَيَّةٍ، فَكَنَسَتْ لَهُمَا مَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَنْ أَسَاسِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَاتَّبَعَاهَا بِالْمَعَاوِلِ يَحْفِرَانِ، حَتَّى وَضَعَا الْأَسَاسَ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ [الحج: ٢٦] ويعني بِالْبَيْتِ: الْكَعْبَةَ، ﴿أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ [الحج: ٢٦] فِي عِبَادَتِكَ إِيَّايَ. ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج: ٢٦] الَّذِي بَنَيْتَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ
١٦ ‏/ ٥١٢
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج: ٢٦] قَالَ: «مِنَ الشِّرْكِ»
١٦ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «مِنَ الْآفَاتِ وَالرِّيَبِ»
١٦ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ [البقرة: ١٢٥] قَالَ: «مِنَ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ»
١٦ ‏/ ٥١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ [البقرة: ١٢٥] يَعْنِي لِلطَّائِفِينَ بِهِ. ﴿وَالْقَائِمِينَ﴾ [الحج: ٢٦] بِمَعْنَى الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ قِيَامٌ فِي صَلَاتِهِمْ
١٦ ‏/ ٥١٣
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ﴾ [الحج: ٢٦] قَالَ: «الْقَائِمُونَ فِي الصَّلَاةِ»
١٦ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالْقَائِمِينَ﴾ [الحج: ٢٦] قَالَ: «الْقَائِمُونَ الْمُصَلُّونَ» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: ٢٦] قَالَ: «الْقَائِمُ وَالرَّاكِعُ وَالسَّاجِدُ هُوَ الْمُصَلِّي، وَالطَّائِفُ هُوَ الَّذِي يَطُوفُ بِهِ»
١٦ ‏/ ٥١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: ١٢٥] يَقُولُ: وَالرُّكَّعُ السُّجُودُ فِي صَلَاتِهِمْ حَوْلَ الْبَيْتِ
١٦ ‏/ ٥١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا
١٦ ‏/ ٥١٣
اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَهِدْنَا إِلَيْهِ أَيْضًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَأذِّنْ﴾ [الحج: ٢٧] أَعْلِمْ وَنَادِ فِي النَّاسِ أَنْ حُجُّوا أَيُّهَا النَّاسُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ [الحج: ٢٧] يَقُولُ فَإِنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ الْبَيْتَ الَّذِي تَأمَّرَهُمْ بِحَجِّهِ مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ [الحج: ٢٧] يَقًولُ وَرُكْبَانًا عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ وَهِيَ الْإِبِلُ الْمَهَازِيلُ ﴿يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ﴾ [الحج: ٢٧] يَقُولُ تَأْتِي هَذِهِ الضَّوَامِرُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَقُولُ: مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ وَمَكَانٍ وَمَسْلَكٍ بَعِيدٍ وَقِيلَ يَأْتِينَ فَجُمِعَ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِكُلِّ ضَامِرٍ النُّوقُ وَمَعْنَى الْكُلِّ الْجَمْعُ فَلِذَلِكَ قِيلَ يَأْتِينَ وَقَدْ زَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّهُ قَلِيلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَرَرْتُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ قَائِمَينِ قَالَ: وَهُوَ صَوَابٌ وَقَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ﴾ [الحج: ٢٧] يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ جَوَازِهِ. وَذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِالتَّأْذِينِ بِالْحَجِّ، قَامَ عَلَى مَقَامِهِ فَنَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا بَيْتَهُ الْعَتِيقَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صِفَةِ تَأْذِينِ إِبْرَاهِيمَ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَادَى بِذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥١٤
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قِيلَ لَهُ: ﴿أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ ⦗٥١٥⦘ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ، وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ: أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَحُجُّوا قَالَ: فَسَمِعَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَفَلَا تَرَى النَّاسَ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟»
١٦ ‏/ ٥١٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ حَجَرٍ، وَشَجَرٍ، وَأَكَمَةٍ، أَوْ تُرَابٍ، أَوْ شَيْءٍ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»
١٦ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثنا ابْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «قَامَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عَلَى الْحَجَرِ، فَنَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ،. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ، فَأَسْمَعَ مَنْ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ، وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ، فَأَجَابَهُ مَنْ آمَنَ مِمَّنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يَحُجَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»
١٦ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «وَقَرَتْ فِي قَلْبِ كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى»
١٦ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاسِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ فَلَمْ يَسْمَعْهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ إِنْسٍ، وَلَا جِنٍّ، وَلَا شَجَرٍ، وَلَا أَكَمَةٍ، وَلَا تُرَابٍ، وَلَا جَبَلٍ، وَلَا مَاءٍ، وَلَا شَيْءٍ إِلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ»
١٦ ‏/ ٥١٦
قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «قَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى الْمَقَامِ حِينَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ»
١٦ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «قَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى مَقَامِهِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَقَالُوا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ»
١٦ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، قَامَ عَلَى الْمَقَامِ، فَنَادَى نِدَاءً سَمِعَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ: إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ بَنَى لَكُمْ بَيْتًا فَحُجُّوهُ قَالَ دَاوُدُ: فَأَرْجُو مَنْ حَجَّ الْيَوْمَ مِنْ إِجَابَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام»
١٦ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هَلْ تَدْرِي كَيْفَ ⦗٥١٧⦘ كَانَتِ التَّلْبِيَةُ؟ قُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَتِ التَّلْبِيَةُ؟ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، خَفَضَتْ لَهُ الْجِبَالُ رُءُوسَهَا، وَرُفِعَتِ الْقُرَى، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ»
١٦ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «قَوْلُهُ: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَيْفَ أَقُولُ يَا رَبِّ؟ قَالَ: قُلْ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ قَالَ: وَقَرَّتْ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥١٧
مَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ قَالَ: فَكَانَتْ أَوَّلَ التَّلْبِيَةِ» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: عُنِيَ بِالنَّاسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَهْلُ الْقِبْلَةِ ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ﴾ [الحج: ٢٧] «يَعْنِي بِالنَّاسِ: أَهْلَ الْقِبْلَةِ، أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران: ٩٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧]: يَقُولُ: وَمَنْ دَخَلَهُ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِيهِمْ، وَكُتِبَ عَلَيْهِمُ الْحَجُّ، فَإِنَّهُ آمِنٌ، فَعَظِّمُوا حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، ⦗٥١٨⦘ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ» يَقُولُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ الْبَيْتَ الَّذِي تَأْمُرُهُمْ بِحَجِّهِ مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ
١٦ ‏/ ٥١٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ [الحج: ٢٧] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ قَالُوا فِيهِ نَحْوَ قَوْلِنَا
١٦ ‏/ ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «مُشَاةً»
١٦ ‏/ ٥١٨
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا آسَى عَلَى شَيْءٍ فَاتَنِي إِلَّا أَنْ لَا أَكُونَ حَجَجْتُ مَاشِيًا، سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ [الحج: ٢٧]»
١٦ ‏/ ٥١٨
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «حَجَّ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ مَاشِيَيْنِ»
١٦ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «عَلَى أَرْجُلِهِمْ» يَقُولُ: «وَرُكْبَانًا عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ، وَهِيَ الْإِبِلُ الْمَهَازِيلُ»
١٦ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٥١٩⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «الْإِبِلُ»
١٦ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «الْإِبِلُ»
١٦ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «كَانُوا لَا يَرْكَبُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: فَأَمَرَهُمْ بِالزَّادِ، وَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَتْجَرِ»
١٦ ‏/ ٥١٩
وقَوْلُهُ: ﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: ٢٧]
١٦ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: ٢٧] يَعْنِي: «مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ»
١٦ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «بَعِيدٍ»
١٦ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: ٢٧] قَالَ: «مَكَانٍ بَعِيدٍ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ التِّجَارَةُ وَمَنَافِعُ الدُّنْيَا
١٦ ‏/ ٥١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «هِيَ الْأَسْوَاقُ»
١٦ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تِجَارَةٌ»
١٦ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «أَسْوَاقُهُمْ»
١٦ ‏/ ٥٢٠
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ وَاقِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «التِّجَارَةُ» حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ وَاقِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ وَاقِدٍ، عَنْ سَعِيدٍ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا سِنَانٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «الْأَسْوَاقُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ، وَالتِّجَارَةُ فِي الدُّنْيَا
١٦ ‏/ ٥٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «التِّجَارَةُ، وَمَا يُرْضِي اللَّهَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ، وَالتِّجَارَةُ فِي الدُّنْيَا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ الْعَفْوُ وَالْمَغْفِرَةُ
١٦ ‏/ ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ⦗٥٢٢⦘: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: “الْعَفْوُ
١٦ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو تُمَيْلَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: «مَغْفِرَةٌ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ وَالتِّجَارَةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَمَّ لَهُمْ مَنَافِعَ جَمِيعِ مَا يَشْهَدُ لَهُ الْمَوْسِمُ، وَيَأْتِي لَهُ مَكَّةَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ مَنَافِعِهِمْ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، فَذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْمَنَافِعِ الَّتِي وَصَفْتُ
١٦ ‏/ ٥٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَيْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْهَدَايَا وَالْبُدْنِ الَّتِي أَهْدَوْهَا مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: ٢٨] وَهُنَّ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: أَيَّامُ الْعَشْرِ. وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ، وَبَيَّنَّا الْأَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، غَيْرَ أَنِّي أَذْكُرُ بَعْضَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٦ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: ٢٨] «يَعْنِي ⦗٥٢٣⦘ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ»
١٦ ‏/ ٥٢٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: ٢٨] «يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ»، ﴿عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٢٨] «يَعْنِي الْبُدْنَ»
١٦ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ»
١٦ ‏/ ٥٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [البقرة: ٥٨] يَقُولُ: كُلُوا مِنْ بَهَائِمِ الْأَنْعَامِ الَّتِي ذَكَرْتُمُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَيُّهَا النَّاسُ هُنَالِكَ. وَهَذَا الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرُ إِبَاحَةٍ، لَا أَمْرَ إِيجَابٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمِيعِ الْحُجَّةِ أَنَّ ذَابِحَ هَدْيِهِ، أَوْ بَدَنَتِهِ هُنَالِكَ، إِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ هَدْيِهِ، أَوْ بَدَنَتِهِ، أَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ لَهُ فَرْضًا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ
١٦ ‏/ ٥٢٣
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «كَانَ لَا يَرَى الْأَكْلَ مِنْهَا وَاجِبًا»
١٦ ‏/ ٥٢٣
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ رُخْصَةٌ: إِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ، وَهِيَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ ⦗٥٢٤⦘ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]، يَعْنِي قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦]»
١٦ ‏/ ٥٢٣
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «هِيَ رُخْصَةٌ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ»
١٦ ‏/ ٥٢٤
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «هِيَ رُخْصَةٌ، فَإِنْ شَاءَ أَكَلَهَا، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ»
١٦ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا زَيْدٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «إِنَّمَا هِيَ رُخْصَةٌ»
١٦ ‏/ ٥٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] يَقُولُ: وَأَطْعِمُوا مِمَّا تَذْبَحُونَ أَوْ تَنْحَرُونَ هُنَالِكَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مِنْ هَدْيِكُمْ، وَبُدْنِكُمُ الْبَائِسَ، وَهُوَ الَّذِي بِهِ ضُرُّ الْجُوعِ وَالزَّمَانَةِ وَالْحَاجَةِ، وَالْفَقِيرُ: الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ ⦗٥٢٥⦘ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] يَعْنِي: «الزَّمِنَ الْفَقِيرَ»
١٦ ‏/ ٥٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] «الَّذِي يَمُدُّ إِلَيْكَ يَدَيْهِ»
١٦ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨] قَالَ: «هُوَ الْقَانِعُ»
١٦ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «﴿الْبَائِسُ﴾ [الحج: ٢٨]: الْمُضْطَرُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْسُ، وَ﴿الْفَقِيرُ﴾ [الحج: ٢٨]: الْمُتَعَفِّفُ»
١٦ ‏/ ٥٢٥
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْبَائِسَ﴾ [الحج: ٢٨] «الَّذِي يَبْسُطُ يَدَيْهِ»
١٦ ‏/ ٥٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] يَقُولُ: تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ لِيَقْضُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّهِمْ: مِنْ حَلْقِ شَعَرٍ، وَأَخْذِ شَارِبٍ، وَرَمْيِ جَمْرَةٍ، وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثني يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ ⦗٥٢٦⦘ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «مَا هُمْ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ»
١٦ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثني الْأَشْعَثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «التَّفَثُ: الْمَنَاسِكُ كُلُّهَا»
١٦ ‏/ ٥٢٦
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «التَّفَثُ: حَلَقُ الرَّأْسِ، وَأَخْذٌ مِنَ الشَّارِبَيْنِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَالْأَخْذُ مِنَ الْعَارِضَيْنِ، وَرَمْي الْجِمَارِ، وَالْمَوْقِفُ بِعَرَفَةَ، وَالْمُزْدَلِفَةِ»
١٦ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «التَّفَثُ: الشَّعْرُ وَالظُّفُرُ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] «رَمْي الْجِمَارِ، وَذَبْحُ الذَّبِيحَةِ، وَأَخْذٌ مِنَ الشَّارِبَيْنِ، وَاللِّحْيَةِ وَالْأَظْفَارِ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ»
١٦ ‏/ ٥٢٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «هُوَ حَلْقُ الرَّأْسِ. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَجِّ، قَالَ شُعْبَةُ: لَا أَحْفَظُهَا» قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «حَلْقُ الرَّأْسِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَرَمْي الْجِمَارِ، وَقَصُّ اللِّحْيَةِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِهِ: وَقَصُّ اللِّحْيَةِ
١٦ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، يَسْأَلُ ابْنَ جُرَيْجٍ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «الْأَخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَمِنَ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَرَمْي الْجِمَارِ»
١٦ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُمَا قَالَا: «حَلْقُ الرَّأْسِ»
١٦ ‏/ ٥٢٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] يَعْنِي: «حَلْقَ الرَّأْسِ»
١٦ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «التَّفَثُ: حَلْقُ الرَّأْسِ، وَتَقْلِيمُ الظُّفُرِ»
١٦ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسًٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] يَقُولُ: «نُسُكَهُمْ»
١٦ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «التَّفَثُ: حَرَمَهُمْ»
١٦ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «يَعْنِي بِالتَّفَثِ: وَضْعَ إِحْرَامِهِمْ، مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلَبْسِ الثِّيَابِ، وَقَصِّ الْأَظْفَارِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ»
١٦ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: «التَّفَثُ: حَلْقُ الشَّعْرِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَالْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَأَمْرُ الْحَجِّ كُلُّهُ»
١٦ ‏/ ٥٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] يَقُولُ: وَلْيُوفُوا اللَّهَ بِمَا نَذَرُوا مِنْ هَدْي، وَبَدَنَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] «نَحْرُ مَا نَذَرُوا مِنَ الْبُدْنِ»
١٦ ‏/ ٥٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] «نَذْرُ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ، وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ»
١٦ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «نَذْرُ الْحَجِّ وَالْهَدْيِ، وَمَا نَذَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ»
١٦ ‏/ ٥٢٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] يَقُولُ: وَلْيَطَّوَّفُوا بِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ ذَلِكَ لَبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ أَنْ يَصِلُوا إِلَى تَخْرِيبِهِ وَهَدْمِهِ
١٦ ‏/ ٥٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ، لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْعَتِيقَ، لِأَنَّهُ أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ»
١٦ ‏/ ٥٣٠
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «أُعْتِقَ مِنَ الْجَبَابِرَةِ»
١٦ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، يَعْنِي الْكَعْبَةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهُ عَتِيقٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ
١٦ ‏/ ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْءٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِدَمِهِ
١٦ ‏/ ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْبَيْتِ ⦗٥٣١⦘ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «الْعَتِيقُ: الْقَدِيمُ، لِأَنَّهُ قَدِيمٌ، كَمَا يُقَالُ: السَّيْفُ الْعَتِيقُ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ بَنَاهُ آدَمُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَاهُ، ثُمَّ بَوَّأَ اللَّهُ مَوْضِعَهُ لِإِبْرَاهِيمَ بَعْدَ الْغَرَقِ، فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] وَجْهٌ صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ أَغْلَبُ مَعَانِيهِ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ. غَيْرَ أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، إِنْ كَانَ
١٦ ‏/ ٥٣٠
مَا حَدَّثَنِي بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ قَطُّ صَحِيحًا»
١٦ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ» . ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ ” وَعُنِيَ بِالطَّوَافِ الَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَاجَّ بَيْتِهِ الْعَتِيقِ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ الَّذِي يُطَافُ بِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، إِمَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِمَّا بَعْدَهُ، لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٣١
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «طَوَافُ الزِّيَارَةِ»
١٦ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، قَالَ: ثنا الْأَشْعَثُ، أَنَّ الْحَسَنَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «الطَّوَافُ الْوَاجِبُ»
١٦ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] يَعْنِي: «زِيَارَةَ الْبَيْتِ»
١٦ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «طَوَافُ يَوْمِ النَّحْرِ»
١٦ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ زُهَيْرًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] قَالَ: «طَوَافُ الْوَدَاعِ» وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ الْحُرُوفِ، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا) بِتَسْكِينِ اللَّامِ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَلَبَ التَّخْفِيفِ، كَمَا فَعَلُوا فِي (هُوَ) إِذَا كَانَتْ قَبْلَهُ وَاوٌ، فَقَالُوا (وَهْوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) فَسَكَّنُوا الْهَاءَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي لَامِ الْأَمْرِ إِذَا كَانَ
١٦ ‏/ ٥٣٢
قَبْلَهَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ النَّسَقِ، كَالْوَاوِ، وَالْفَاءِ، وَثُمَّ. وَكَذَلِكَ قَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ كَانَ يَكْسِرُ اللَّامَ مِنْ قَوْلِهِ: «ثُمَّ لِيَقْضُوا» خَاصَّةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْوقُوفَ عَلَى (ثُمَّ) دُونَ (لِيَقْضُوا) حَسَنٌ، وَغَيْرُ جَائِزٍ الْوقُوفُ عَلَى الْوَاوِ وَالْفَاءِ وَهَذَا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ أَبُو عَمْرٍو لِقِرَاءَتِهِ عِلَّةٌ حَسَنَةٌ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَسْكِينِهَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ التَّسْكِينَ فِي لَامِ (لْيَقْضُوا) وَالْكَسْرُ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَلُغَتَانِ سَائِرَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. غَيْرَ أَنَّ الْكَسْرَ فِيهَا خَاصَّةً أَقْيَسُ، لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي عَمْرٍو مِنَ الْعِلَّةِ، لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الحديد: ٦]، فَهُوَ بِتَسْكِينِ الْهَاءِ مَعَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ، وَيُحَرِّكُهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [القصص: ٦١] فَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) فَيُحَرِّكَ اللَّامَ إِلَى الْكَسْرِ مَعَ (ثُمَّ) وَإِنْ سَكَّنَهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَحْرِيكُهَا مَعَ (ثُمَّ) وَالْوَاوُ، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ مَعَ الْوَاوِ وَالْفَاءِ عَلَى تَسْكِينِهَا، وَهِيَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَبِ وَأَفْصَحُهَا، فَالْقِرَاءَةُ بِهَا أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ كَسْرِهَا
١٦ ‏/ ٥٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] هَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَالْوَفَاءِ بِالنُّذُورِ، وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، هُوَ الْفَرْضُ الْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي حَجِّكُمْ ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: ٣٠] يَقُولُ: ⦗٥٣٤⦘ وَمَنْ يَجْتَنِبْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِاجْتِنَابِهِ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ تَعْظِيمًا مِنْهُ لِحُدُودِ اللَّهِ أَنْ يُوَاقِعَهَا، وَحُرَمِهِ أَنْ يَسْتَحِلَّهَا، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ فِي الْآخِرَةِ
١٦ ‏/ ٥٣٣
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٠] قَالَ: «الْحُرْمَةُ: مَكَّةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٠] قَالَ: “الْحُرُمَاتُ: الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالْبَلَدُ الْحَرَامُ، هَؤُلَاءِ الْحُرُمَاتُ
١٦ ‏/ ٥٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ﴾ [الحج: ٣٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الْأَنْعَامَ أَنْ تَأْكُلُوهَا إِذَا ذَكَّيْتُمُوهَا، فَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْكُمْ مِنْهَا بَحِيرَةً، وَلَا سَائِبَةً، وَلَا وَصِيلَةً، وَلَا حَامًا، وَلَا مَا جَعَلْتُمُوهُ مِنْهَا لِآلِهَتِكُمْ. ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] يَقُولُ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَذَلِكَ: الْمَيْتَةُ، وَالدَّمُ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَالْمَوْقُوذَةُ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، وَالنَّطِيحَةُ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ، وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ رِجْسٌ
١٦ ‏/ ٥٣٤
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «إِلَّا الْمَيْتَةَ، وَمَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠] يَقُولُ: فَاتَّقُوا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَطَاعَةَ الشَّيْطَانِ فِي عِبَادَتِهَا، فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: «فَاجْتَنِبُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ»
١٦ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الحج: ٣٠] قَالَ: «عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ»
١٦ ‏/ ٥٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّقُوا قَوْلَ الْكَذِبِ، وَالْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ بِقَوْلِكُمْ فِي الْآلِهَةِ: ﴿مَا نعَبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] وَقَوْلِكُمْ لِلْمَلَائِكَةِ: هِيَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ، وَزُورٌ، وَشِرْكٌ بِاللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠] قَالَ: «الْكَذِبُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ [الحج: ٣١] يَعْنِي: «الِافْتِرَاءَ عَلَى اللَّهِ، وَالتَّكْذِيبَ»
١٦ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «تُعْدَلُ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ» وَقَرَأَ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠]
١٦ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: “عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الشِّرْكَ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠]
١٦ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠]
١٦ ‏/ ٥٣٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الْعُصْفُرِيِّ، عَنْ فَاتِكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ أَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ» مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠]» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ: اجْتَنِبُوا أَنْ تَرْجُسُوا أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْأَوْثَانِ بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ مِنَ الْأَوْثَانِ مَا لَيْسَ بِرِجْسٍ حَتَّى قِيلَ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْهَا؟ قِيلَ: كُلُّهَا رِجْسٌ. وَلَيْسَ الْمَعْنَى مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْأَوْثَانِ، أَيْ: عِبَادَتَهَا، فَالَّذِي أَمَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ﴾ [الحج: ٣٠] مِنْهَا اتِّقَاءُ عِبَادَتِهَا، وَتِلْكَ الْعِبَادَةُ هِيَ الرِّجْسُ، عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ قَبْلَ
١٦ ‏/ ٥٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا
١٦ ‏/ ٥٣٧
خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اجْتَنِبُوا أَيُّهَا النَّاسُ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَقَوْلَ الشِّرْكِ، مُسْتَقِيمِينَ لِلَّهِ عَلَى إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لَهُ، وَإِفْرَادِ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ، خَالِصًا دُونَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ شَيْئًا مِنْ دُونِهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ دُونِهِ، فَمَثَلُهُ فِي بُعْدِهِ مِنَ الْهُدَى، وَإِصَابَةِ الْحَقِّ، وَهَلَاكِهِ، وَذَهَابِهِ عَنْ رَبِّهِ، مَثَلُ مَنْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ، فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ فَهَلَكَ، أَوْ هَوَتْ بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، يَعْنِي مِنْ بَعِيدٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ وَأَسْحَقَهُ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: أَسْحَقَتْهُ الرِّيحُ، وَسَحَقَتْهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّخْلَةِ الطَّوِيلَةِ: نَخْلَةٌ سَحُوقٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر المنسرح] كَانَتْ لَنَا جَارَةٌ فَأَزْعَجَهَا … قَاذُورَةٌ تَسْحَقُ النَّوَى قُدُمَا
وَيُرْوَى: تُسْحِقُ. يَقُولُ: فَهَكَذَا مَثَلُ الْمُشْرِكِ بِاللَّهِ فِي بُعْدِهِ مِنْ رَبِّهِ، وَمِنْ إِصَابَةِ الْحَقِّ، كَبُعْدِ هَذَا الْوَاقِعِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، أَوْ كَهَلَاكِ مَنِ اخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ مِنْهُمْ فِي الْهَوَاءِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الحج: ٣١] قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فِي بُعْدِهِ مِنَ الْهُدَى وَهَلَاكِهِ ﴿فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: ٣١]» ⦗٥٣٩⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [الحج: ٣١] قَالَ: «بَعِيدٌ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقِيلَ: ﴿فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ﴾ [الحج: ٣١] وَقَدْ قِيلَ قَبْلَهُ: ﴿فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الحج: ٣١] وَخَرَّ فِعْلٌ مَاضٍ، وَتَخْطَفُهُ مُسْتَقْبَلٌ، فَعَطَفَ بِالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَاضِي، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٢٥] وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ هُنَاكَ
١٦ ‏/ ٥٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ اجْتِنَابِ الرِّجْسِ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَاجْتِنَابِ قَوْلِ الزُّورِ، حُنَفَاءَ لِلَّهِ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانُ الْبُدْنِ، وَاسْتِسْمَانُهَا، وَأَدَاءُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، مِنْ تَقْوَى قُلُوبِكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] قَالَ: «اسْتِعْظَامُهَا، وَاسْتِحْسَانُهَا، وَاسْتِسْمَانُهَا»
١٦ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] قَالَ: «الِاسْتِسْمَانُ وَالِاسْتِعْظَامُ» وَبِهِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالِاسْتِحْسَانُ “
١٦ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] قَالَ: «اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ، وَاسْتِسمْانُهَا، وَاسْتِحْسَانُهَا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٤٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاودُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: “الْوقُوفُ بِعَرَفَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَبِجَمْعٍ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَرَمْي الْجِمَارِ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَالْبُدْنُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَمَنْ يُعَظِّمْهَا فَإِنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] فَمَنْ يُعَظِّمْهَا فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ
١٦ ‏/ ٥٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] قَالَ: “الشَّعَائِرُ: الْجِمَارُ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَالْمُزْدَلِفَةُ، قَالَ: وَالشَّعَائِرُ تَدْخُلُ فِي الْحَرَمِ، هِيَ شَعَائِرُ، وَهِيَ حَرَمٌ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ تَعْظِيمَ شَعَائِرِهِ، وَهِيَ مَا جَعَلَهُ أَعْلَامًا لِخَلْقِهِ فِيمَا تعَبَّدَهُمْ بِهِ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّهِمْ، مِنَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا عِنْدَهَا، وَالْأَعْمَالِ الَّتِي أَلْزَمُهُمْ عَمَلَهَا فِي حَجِّهِمْ: مِنْ تَقْوَى قُلُوبِهِمْ، لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَتَعْظِيمُ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَحَقٌّ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ تَعْظِيمُ جَمِيعِ ذَلِكَ. وَقَالَ: ﴿إِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ وَأَنَّثَ وَلَمْ يَقُلْ: (فَإِنَّهُ)، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِذَلِكَ: فَإِنَّ تِلْكَ التَّعْظِيمَةَ مَعَ اجْتِنَابِ الرِّجْسِ مِنَ الْأَوْثَانِ مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأعراف: ١٥٣] . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] فَإِنَّهَا مِنْ وَجَلِ الْقُلُوبِ مِنْ
١٦ ‏/ ٥٤١
خَشْيَةِ اللَّهِ، وَحَقِيقَةِ مَعْرِفَتِهَا بِعَظَمَتِهِ، وَإِخْلَاصِ تَوْحِيدِهِ
١٦ ‏/ ٥٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهَا إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى، عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى الشَّعَائِرِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا عَنَى بِالشَّعَائِرِ الْبُدْنَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْبُدْنِ مَنَافِعُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَيْضًا الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ، وَفِي الْأَجَلِ الَّذِي قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَالُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ لَهُمُ فِيهَا مَنَافِعَ، هِيَ الْحَالُ الَّتِي لَمْ يُوجِبْهَا صَاحِبُهَا، وَلَمْ يُسَمِّهَا بَدَنَةً، وَلَمْ يُقَلِّدْهَا. قَالُوا: وَمَنَافِعُهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ: شُرْبُ أَلْبَانِهَا، وَرُكُوبُ ظُهُورِهَا، وَمَا يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ مِنْ نِتَاجِهَا وَأَوْلَادِهَا. قَالُوا: وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى الَّذِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا إِلَيْهَا، هُوَ إِلَى إِيجَابِهِمْ إِيَّاهَا، فَإِذَا أَوْجَبُوهَا بَطُلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ
١٦ ‏/ ٥٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «مَا لَمْ يُسَمَّ بُدْنًا»
١٦ ‏/ ٥٤٢
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «الرُّكُوبُ وَاللَّبَنُ وَالْوَلَدُ، فَإِذَا سُمِّيَتْ بَدَنَةً، أَوْ هَدْيًا ذَهَبَ كُلُّهُ»
١٦ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «لَكُمْ فِي ظُهُورِهَا وَأَلْبَانِهَا وَأَوْبَارِهَا، حَتَّى تَصِيرَ بُدْنًا» قَالَ: ثنا ابْنُ عَدِيٍّ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ
١٦ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَلَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «فِي أَشْعَارِهَا، وَأَوْبَارِهَا، وَأَلْبَانِهَا قَبْلَ أَنْ تُسَمِّيَهَا بَدَنَةً» قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ﴾ [الحج: ٣٣] مُسَمًّى قَالَ: «فِي الْبُدْنِ: لُحُومِهَا وَأَلْبَانِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَأَوْبَارِهَا، وَأَصْوَافِهَا قَبْلَ أَن تُسَمَّى هَدْيًا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٤٤⦘ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَهِيَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى
١٦ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «مَنَافِعُ فِي أَلْبَانِهَا، وَظُهُورِهَا، وَأَوْبَارِهَا ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِلَى أَنْ تُقَلَّدَ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلُ ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «إِلَى أَنْ تُوجِبَهَا بَدَنَةً»
١٦ ‏/ ٥٤٤
قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] يَقُولُ: «فِي ظُهُورِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَإِذَا قُلِّدَتْ فَمَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ: الشَّعَائِرُ الْبُدْنُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ [الحج: ٣٣] مِنْ ذِكْرِ الشَّعَائِرِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ [الحج: ٣٣] لَكُمْ فِي الشَّعَائِرِ الَّتِي تُعَظِّمُونَهَا لِلَّهِ مَنَافِعُ بَعْدَ اتِّخَاذِكُمُوهَا لِلَّهِ بُدْنًا أَوْ هَدَايَا، بِأَنْ تَرْكَبُوا ظُهُورَهَا إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَتَشْرَبُوا أَلْبَانَهَا إِنِ اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهَا. قَالُوا: وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] إِلَى أَنْ تُنْحَرَ
١٦ ‏/ ٥٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «هُوَ رُكُوبُ الْبُدْنِ، وَشُرْبُ لَبَنِهَا إِنِ احْتَاجَ»
١٦ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «إِلَى أَنْ تُنْحَرَ، قَالَ: لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا الْمُعْيِيَ، وَالْمُنْقَطِعَ بِهِ مِنَ الضَّرُورَةِ، كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ بِالْبُدْنَةِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا سَيِّدَهَا أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، وَيَرْكَبَ عِنْدَ مَنْهُوكِهِ» قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا؟ قَالَ: «الرَّجُلُ الرَّاجِلُ، وَالْمُنْقَطِعُ بِهِ، وَالْمُتْبِعُ وَإِنْ نُتِجَتْ، أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا وَلَدَهَا، وَلَا يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا فَضْلًا عَنْ وَلَدِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي لَبَنِهَا فَضْلٌ فَلْيَشْرَبْ مَنْ أَهْدَاهَا وَمَنْ لَمْ يُهْدِهَا» وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: مَعْنَى الشَّعَائِرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] . شَعَائِرُ الْحَجِّ، وَهِيَ الْأَمَاكِنُ الَّتِي يُنْسَكُ عِنْدَهَا لِلَّهِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى الْمَنَافِعِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ [الحج: ٣٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَكُمْ فِي هَذِهِ الشَّعَائِرِ الَّتِي تُعَظِّمُونَهَا مَنَافِعُ بِتِجَارَتِكُمْ عِنْدَهَا، وَبَيْعِكُمْ، وَشِرَائِكُمْ بِحَضْرَتِهَا، ⦗٥٤٦⦘ وَتَسَوُّقِكُمْ. وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى: الْخُرُوجُ مِنَ الشَّعَائِرِ إِلَى غَيْرِهَا، وَمِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُنْسَكُ عِنْدَهَا إِلَى مَا سِوَاهَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ
١٦ ‏/ ٥٤٥
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «أَسْوَاقُهُمْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَنَافِعَ إِلَّا لِلدُّنْيَا»
١٦ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَوْلُهُ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى: الْخُرُوجُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ: الْمَنَافِعُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَمَلُ لِلَّهِ بِمَا أَمَرَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ. قَالُوا: وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى: هُوَ انْقِضَاءُ أَيَّامِ الْحَجِّ الَّتِي يُنْسَكُ لِلَّهِ فِيهِنَّ
١٦ ‏/ ٥٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، «فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] فَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] لَكُمْ فِي تِلْكَ الشَّعَائِرِ مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِذَا ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ لَمْ تَرَ أَحَدًا يَأْتِي عَرَفَةَ يَقِفُ فِيهَا يَبْتَغِي الْأَجْرَ، وَلَا الْمُزْدَلِفَةَ، وَلَا رَمْيَ الْجِمَارِ، وَقَدْ ضَرَبُوا مِنَ الْبُلْدَانِ لِهَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا الْمَنَافِعُ، وَإِنَّمَا مَنَافِعُهَا إِلَى تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَهِيَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى، ثُمَّ مَحِلُّهَا حِينَ تَنْقَضِي تِلْكَ الْأَيَّامُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ⦗٥٤٧⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ دَلَّلْنَا قَبْلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٢] مَعْنِيُّ بِهِ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ مَكَانٍ جَعَلَهُ اللَّهُ عَلَمًا لِمَنَاسِكِ حَجِّ خَلْقِهِ، إِذْ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَيْئًا فِي خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣]: فِي هَذِهِ الشَّعَائِرِ مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الشَّعَائِرِ بُدْنًا وَهَدْيًا، فَمَنَافِعُهَا لَكُمْ مِنْ حِينَ تَمْلِكُونَ، إِلَى أَنْ أَوْجَبْتُمُوهَا هَدَايَا وَبُدْنًا، وَمَا كَانَ مِنْهَا أَمَاكِنَ يُنْسَكُ لِلَّهِ عِنْدَهَا، فَمَنَافِعُهَا التِّجَارَةُ لِلَّهِ عِنْدَهَا، وَالْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ بِهِ إِلَى الشُّخُوصِ عَنْهَا، وَمَا كَانَ مِنْهَا أَوْقَاتًا بِأَنْ يُطَاعَ اللَّهُ فِيهَا بِعَمَلِ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَبِطَلَبِ الْمَعَاشِ فِيهَا بِالتِّجَارَةِ، إِلَى أَنْ يُطَافَ بِالْبَيْتِ فِي بَعْضٍ، أَوْ يُوَافَى الْحَرَمُ فِي بَعْضٍ، وَيُخْرَجُ عَنِ الْحَرَمِ فِي بَعْضٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٣٣] فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا: عُنِيَ بِالشَّعَائِرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْبُدْنُ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ مَحِلُّ الْبُدْنِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مَكَّةَ، وَهِيَ الَّتِي بِهَا الْبَيْتُ الْعَتِيقُ
١٦ ‏/ ٥٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] إِلَى «مَكَّةَ»
١٦ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] «يَعْنِي مَحِلُّ الْبُدْنِ حِينَ تُسَمَّى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ»
١٦ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ [الحج: ٣٣] «حِينَ تُسَمَّى هَدْيًا، إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ قَالَ: الْكَعْبَةُ، أَعْتَقَهَا مِنَ الْجَبَابِرَةِ» فَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى: ثُمَّ مَنْحَرُ الْبُدْنِ وَالْهَدَايَا الَّتِي أَوْجَبْتُمُوهَا إِلَى أَرْضِ الْحَرَمِ. وَقَالُوا: عَنَى بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَرْضَ الْحَرَمِ كُلَّهَا. وَقَالُوا: وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾ [التوبة: ٢٨]، وَالْمُرَادُ: الْحَرَمُ كُلُّهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ مَحِلُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مَنَاسِكِ حَجِّكُمْ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَنْ تَطُوفُوا بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ قَضَائِكُمْ مَا أَوْجَبُهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ
١٦ ‏/ ٥٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] قَالَ: «مَحِلُّ هَذِهِ الشَّعَائِرِ كُلِّهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ مَحِلُّ مَنَافِعِ أَيَّامِ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ⦗٥٤٩⦘ بِانْقِضَائِهَا
١٦ ‏/ ٥٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] «حِينَ تَنْقَضِي تِلْكَ الْأَيَّامُ، أَيَّامُ الْحَجِّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ثُمَّ مَحِلُّ الشَّعَائِرِ الَّتِي لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْيًا أَوْ بُدْنًا فَبِمُوَافَاتِهِ الْحَرَمَ فِي الْحَرَمِ، وَمَا كَانَ مِنْ نُسُكٍ فَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي مَعْنَى الشَّعَائِرِ
١٦ ‏/ ٥٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ [الأعراف: ٣٤] وَلِكُلِّ جَمَاعَةِ سَلَفٍ فِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ، جَعَلْنَا ذَبْحًا يُهْرِيقُونَ دَمَهُ ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: ٣٤] بِذَلِكَ، لِأَنَّ مِنَ الْبَهَائِمِ مَا لَيْسَ مِنَ الْأَنْعَامِ، كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ لِلْبَهَائِمِ: بَهَائِمُ، لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج: ٣٤] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ. ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج: ٣٤] قَالَ: «إِهْرَاقُ الدِّمَاءِ؛ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الحج: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا، وَلَهُ أَخْلِصُوا الْأُلُوهَةَ
١٦ ‏/ ٥٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ [الحج: ٣٤] يَقُولُ: فَلِإِلَهِكُمْ فَاخْضَعُوا بِالطَّاعَةِ، وَلَهُ فَذِلُّوا بِالْإِقْرَارِ بِالْعُبُودِيَّةِ
١٦ ‏/ ٥٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبِشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الْخَاضِعِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، الْمُذْعِنِينَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِخْبَاتِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِهِ: ⦗٥٥١⦘ وَبِشِّرِ الْمُطْمَئِنِّينَ إِلَى اللَّهِ
١٦ ‏/ ٥٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: ٣٤] قَالَ: «الْمُطْمَئِنِّينَ»
١٦ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: ٣٤] «الْمُطْمَئِنِّينَ إِلَى اللَّهِ»
١٦ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى. وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: ٣٤] قَالَ: «الْمُطْمَئِنِّينَ»
١٦ ‏/ ٥٥١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ [الحج: ٣٤] قَالَ: «الْمُتَوَاضِعِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٥١
بِمَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: الْمُخْبِتُونَ: «الَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ، وَإِذَا ظُلِمُوا لَمْ يَنْتَصِرُوا» ⦗٥٥٢⦘ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ: ثني عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الحج: ٣٥] فَهَذَا مِنْ نَعْتِ الْمُخْبِتِينَ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ تَخْشَعُ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَتَخْضَعُ مِنْ خَشْيَتِهِ، وَجِلًا مِنْ عِقَابِهِ، وَخَوْفًا مِنْ سَخَطِهِ
١٦ ‏/ ٥٥٢
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢] قَالَ: لَا تَقْسُو قُلُوبُهُمْ. ﴿» وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ [الحج: ٣٥] مِنْ شِدَّةٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَنَالَهُمْ مِنْ مَكْرُوهٍ فِي جَنْبِهِ. ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةَ﴾ [الحج: ٣٥] الْمَفْرُوضَةَ «﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ [الحج: ٣٥] مِنَ الْأَمْوَالِ. ﴿يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ إِنْفَاقُهَا فِيهِ، فِي زَكَاةٍ، وَنَفَقَةِ عِيَالٍ، وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ»
١٦ ‏/ ٥٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالْبُدْنَ﴾ [الحج: ٣٦] وَهِيَ جَمْعُ بَدَنَةٍ، وَقَدْ يُقَالُ لِوَاحِدِهَا: بَدَنٌ، وَإِذَا قِيلَ: بَدَنٌ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا وَوَاحِدًا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٥٢
لِلْوَاحِدِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] عَلَيَّ حِينَ تَمْلِكُ الْأُمُورَا … صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَحَلْقَ رَأْسِي وَافِيًا مَضْفُورَا … وَبَدَنًا مُدَرَّعًا مَوْفُورَا
وَالْبَدَنُ: هُوَ الضَّخْمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِامْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ صَاحِبِ الْخَوَرْنَقِ وَالسَّدِيرِ: الْبَدَنُ، لِضِخَمِهِ، وَاسْتِرْخَاءِ لَحْمِهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: قَدْ بَدَّنَ تَبْدِينًا. فَمَعْنَى الْكَلَامِ. وَالْإِبِلُ الْعِظَامُ الْأَجْسَامِ، الضِّخَامُ، جَعَلْنَاهَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ؛ يَقُولُ: مِنْ أَعْلَامِ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ فِي مَنَاسِكِ حَجِّكُمْ إِذَا قَلَّدْتُمُوهَا وَجَلَّلْتُمُوهَا وَأَشْعَرْتُمُوهَا، عَلِمَ بِذَلِكَ، وَشَعَرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ
١٦ ‏/ ٥٥٣
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْبَقَرَةُ وَالْبَعِيرُ»
١٦ ‏/ ٥٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: لَكُمْ فِي الْبُدْنِ خَيْرٌ؛ وَذَلِكَ الْخَيْرُ هُوَ الْأَجْرُ فِي الْآخِرَةِ بِنَحْرِهَا وَالصَّدَقَةِ بِهَا، وَفِي الدُّنْيَا: الرُّكُوبُ إِذَا احْتَاجَ إِلَى رُكُوبِهَا ⦗٥٥٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «أَجْرٌ وَمَنَافِعُ فِي الْبُدْنِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ. ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «اللَّبَنُ، وَالرُّكُوبُ إِذَا احْتَاجَ»
١٦ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «إِذَا اضْطُرِرْتَ إِلَى بَدَنَتِكَ رَكِبْتَهَا، وَشَرِبْتَ لَبَنَهَا»
١٦ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] «مَنِ احْتَاجَ إِلَى ظَهْرِ الْبَدَنَةِ رَكِبَ، وَمَنِ احْتَاجَ إِلَى لَبَنِهَا شَرِبَ»
١٦ ‏/ ٥٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى الْبُدْنِ عِنْدَ نَحْرِكُمْ إِيَّاهَا صَوَافَّ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ»﴾ [الحج: ٣٦] بِمَعْنَى مُصْطَفَّةً، وَاحِدُهَا: صَافَّةٌ، وَقَدْ صُفَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهَا. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ مَعَهُمْ، أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ. (صَوَافِيَ) بِالْيَاءِ مَنْصُوبَةً، بِمَعْنَى: خَالِصَةً لِلَّهِ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا، صَافِيَةً لَهُ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ: (صَوَافٍ) بِإِسْقَاطِ الْيَاءِ، وَتَنْوِينِ الْحَرْفِ، عَلَى مِثَالِ: عَوَارٍ، وَعَوَادٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودِ أَنَّهُ قَرَأَهُ: «صَوَافِنٌ» . بِمَعْنَى: مُعْقَلَةٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَنَصْبِهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٥٥
ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ مِنْ قَرَأَهُ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَنَصْبِهَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «اللَّهُ ⦗٥٥٦⦘ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ. صَوَافَّ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثِ أَرْجُلٍ». فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا نَصْنَعُ بِجُلُودِهَا؟ قَالَ: «تَصَدَّقُوا بِهَا، وَاسْتَمْتِعُوا بِهَا»
١٦ ‏/ ٥٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «قَائِمَةً، قَالَ: يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ»
١٦ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَا: «قِيَامًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ مَعْقُولَةٍ؛ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ»
١٦ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «مَعْقُولَةً إِحْدَى يَدَيْهَا قَالَ: قَائِمَةٌ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ»
١٦ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: «قِيَامًا»
١٦ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] وَالصَّوَافُّ: «أَنْ تُعْقِلَ ⦗٥٥٧⦘ قَائِمَةً وَاحِدَةً، وَتَصُفَّهَا عَلَى ثَلَاثٍ، فَتَنْحَرَهَا كَذَلِكَ»
١٦ ‏/ ٥٥٦
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بُجَيْرُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ، قَالَ: فَقَالَ: ﴿صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] كَمَا قَالَ اللَّهُ، قَالَ: فَنَحَرَهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةٌ إِحْدَى يَدَيْهَا»
١٦ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «الصَّوَّافُ: إِذَا عُقِلَتْ رِجْلُهَا، وَقَامَتْ عَلَى ثَلَاثٍ»
١٦ ‏/ ٥٥٧
قَالَ: ثنا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «صَوَافَّ بَيْنَ أَوْظَافِهَا»
١٦ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «قِيَامٌ صَوَافُّ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ»
١٦ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «بَيْنَ وَظَائِفِهَا قِيَامًا»
١٦ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ ⦗٥٥٨⦘ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ «كَانَ يَنْحَرُ الْبُدْنَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مُسْتَقْبِلَةٌ الْبَيْتَ، تُصَفُّ أَيْدِيهَا بِالْقُيُودِ، قَالَ: هِيَ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦]»
١٦ ‏/ ٥٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثني جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: قَوْلُ اللَّهِ ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْحَرَ الْبَدَنَةَ فَانْحَرْهَا، وَقُلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، ثُمَّ سَمِّ، ثُمَّ انْحَرْهَا. قُلْتُ: فَأَقُولُ ذَلِكَ لِلْأُضْحِيَةِ؟ قَالَ: وَلِلْأُضْحِيَةِ»
١٦ ‏/ ٥٥٨
ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ مِنْ قَرَأَهُ: «صَوَافِيَ» بِالْيَاءِ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِيَ) قَالَ: «مُخْلَصِينَ»
١٦ ‏/ ٥٥٨
قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: (صَوَافِيَ): «خَالِصَةٌ»
١٦ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: (صَوَافِيَ): «خَالِصَةٌ لِلَّهِ»
١٦ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، ⦗٥٥٩⦘ عَنْ شَقِيقٍ الضَّبِّيِّ: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِيَ) قَالَ: «خَالِصَةٌ»
١٦ ‏/ ٥٥٨
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: خَالِصًا»
١٦ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِيَ) قَالَ: «خَالِصَةً لَيْسَ فِيهَا شَرِيكٌ، كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَ، يَجْعَلُونَ لِلَّهِ وَلِآلِهَتِهِمْ صَوَافِيَ صَافِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى»
١٦ ‏/ ٥٥٩
ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَهُ (صَوَافِنٌ): حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِنٌ): أَيْ: «مُعْقَلَةً قِيَامًا»
١٦ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافِنٌ) قَالَ: أَيْ: مُعْقَلَةً قِيَامًا»
١٦ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَهَا (صَوَافِنٌ) قَالَ: مَعْقُولَةٌ. قَالَ: وَمَنْ قَرَأَهَا: ﴿صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: تُصَفُّ بَيْنَ يَدَيْهَا»
١٦ ‏/ ٥٥٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٥٦٠⦘ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾ [سورة: الحج، آية رقم: ٣٦] «يَعْنِي صَوَافِنٌ، وَالْبَدَنَةُ إِذَا نُحِرَتْ عُقِلَتْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، فَكَانَتْ عَلَى ثَلَاثٍ، وَكَذَلِكَ تُنْحَرُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿صَوَافَّ﴾ [سورة: الحج، آية رقم: ٣٦] وَهِيَ الْمُصْطَفَّةُ بَيْنَ أَيْدِيهَا، الْمَعْقُولَةُ إِحْدَى قَوَائِمِهَا
١٦ ‏/ ٥٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: فَإِذَا سَقَطَتْ فَوَقَعَتْ جُنُوبُهَا إِلَى الْأَرْضِ بَعْدَ النَّحْرِ، ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [البقرة: ٥٨] وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ: إِذَا غَابَتْ فَسَقَطَتْ لِلتَّغَيُّبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
[البحر المتقارب] أَلَمْ تُكْسَفِ الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ وَالْـ … كَوَاكِبُ لِلْجَبَلِ الْوَاجِبِ
يَعْنِي بِالْوَاجِبِ: الْوَاقِعَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] «سَقَطَتْ إِلَى الْأَرْضِ» ⦗٥٦١⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «إِذَا فَرَغَتْ وَنُحِرَتْ»
١٦ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ﴾ [الحج: ٣٦] «نُحِرَتْ»
١٦ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «إِذَا نُحِرَتْ»
١٦ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «فَإِذَا مَاتَتْ»
١٦ ‏/ ٥٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [البقرة: ٥٨] وَهَذَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ؛ يَقُولُ اللَّهُ: فَإِذَا نُحِرَتْ فَسَقَطَتْ مَيِّتَةً بَعْدَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ أَكْلُهَا، وَلَيْسَ بِأَمْرِ إِيجَابٍ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٦١
مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الْمُشْرِكُونَ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، فَرُخِّصَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَمَنْ شَاءَ أَكَلَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ»
١٦ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]»
١٦ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: «يَأْكُلُ مِنْهَا، وَيُطْعِمُ»
١٦ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، وَأَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «إِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ رُخْصَةٌ، هِيَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]، وَمِثْلُ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]»
١٦ ‏/ ٥٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: فَأَطْعِمُوا مِنْهَا الْقَانِعَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْقَانِعِ وَالْمُعْتَرِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَانِعُ الَّذِي يَقْنَعْ بِمَا أُعْطِيَ، أَوْ بِمَا عِنْدَهُ، وَلَا يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ أَنْ تُطْعِمَهُ مِنَ اللَّحْمِ وَلَا يَسْأَلُ
١٦ ‏/ ٥٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: الْمُسْتَغْنِي ⦗٥٦٣⦘ بِمَا أَعْطَيْتَهُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ، وَيَلُمُّ بِكَ أَنْ تُطْعِمَهُ مِنَ اللَّحْمِ وَلَا يَسْأَلُ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يَطْعَمُوا مِنَ الْبُدْنِ»
١٦ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْقَانِعُ: جَارُكَ الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا أَعْطَيْتَهُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] «الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ يَرْضَى بِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَمُرُّ بِجَانِبِكَ، لَا يَسْأَلُ شَيْئًا؛ فَذَلِكَ الْمُعْتَرُّ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا عِنْدَهُ وَلَا يَسْأَلُ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ فَيَسْأَلُكَ
١٦ ‏/ ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: «الْقَانِعُ الْمُتَعَفِّفُ؛ ﴿وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: السَّائِلُ»
١٦ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، قَالَ: ⦗٥٦٤⦘ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ: «الْقَانِعُ: أَهْلُ مَكَّةَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ فَيَسْأَلُكَ» حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثنا عَطَاءٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثني كَعْبُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَسْأَلُ»
١٦ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الْقَانِعُ: الْمُتَعَفِّفُ الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ فَيَسْأَلُكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ﴿الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: الطَّامِعُ بِمَا قِبَلَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعتْرِيكَ وَيَسْأَلُكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، قَالَا: «الْقَانِعُ: الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَسْأَلُكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي الْقَانِعِ وَالْمُعْتَرِّ قَالَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا فِي يَدَيْهِ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ، ⦗٥٦٥⦘ وَلِكِلَيْهِمَا عَلَيْكَ حَقٌّ يَا ابْنَ آدَمَ»
١٦ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ الَّذِي يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ. وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: هُوَ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَعْتَرِيكَ وَلَا يَسْأَلُ
١٦ ‏/ ٥٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ وَلَا يَسْأَلُكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ. قَالَ: وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْقَانِعُ: الَّذِي يَسْأَلُكَ؛ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ، يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَسْأَلُكَ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «الْقَانِعُ: السَّائِلُ»
١٦ ‏/ ٥٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثني غَالِبٌ قَالَ: ثني شَرِيكٌ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْقَانِعُ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «هُوَ السَّائِلُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّمَّاخِ
[البحر الوافر] لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي … مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ الْقُنُوعِ
قَالَ: مِنَ السُّؤَالِ»
١٦ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ إِلَيْكَ يَسْأَلُكَ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يُرِيكَ نَفْسَهُ، وَيَتَعَرَّضُ لَكَ، وَلَا يَسْأَلُكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ: «الْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُ»
١٦ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الْجَارُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ مِنَ النَّاسِ
١٦ ‏/ ٥٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «⦗٥٦٧⦘ الْقَانِعُ: جَارُكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيكَ»
١٦ ‏/ ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قَالَ مجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: جَارُكَ الْغَنِيُّ، وَالْمُعْتَرُّ: مَنِ اعْتَرَاكَ مِنَ النَّاسِ»
١٦ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] أَنَّهُ قَالَ: «أَحَدُهُمَا السَّائِلُ، وَالْآخَرُ الْجَارُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الطَّوَّافُ، وَالْمُعْتَر: الصَّدِيقُ الزَّائِرُ
١٦ ‏/ ٥٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثني أَبِي، وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿» الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] فَالْقَانِعُ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ، وَالْمُعْتَرُّ: الصَّدِيقُ وَالضَّعِيفُ الَّذِي يَزُورُ ” وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: الطَّامِعُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ
١٦ ‏/ ٥٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٥٦٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْقَانِعَ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الطَّامِعُ؛ وَالْمُعْتَرُّ: مَنْ يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ»
١٦ ‏/ ٥٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «الْقَانِعُ: الطَّامِعُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْقَانِعُ: هُوَ الْمِسْكِينُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلَّحْمِ
١٦ ‏/ ٥٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] قَالَ: «الْقَانِعُ: الْمِسْكِينُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ الْقَوْمَ لِلَحْمِهِمْ، وَلَيْسَ بِمِسْكِينٍ، وَلَا تَكُونُ لَهُ ذَبِيحَةٌ، يَجِيءُ إِلَى الْقَوْمِ مِنْ أَجْلِ لَحْمِهِمْ، وَالْبَائِسُ الْفَقِيرُ: هُوَ الْقَانِعُ» وَقَالَ آخَرُونَ
١٦ ‏/ ٥٦٨
بِمَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ فُرَاتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «الْقَانِعُ: الَّذِي يَقْنَعُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعتْرِيكَ» ⦗٥٦٩⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، بِمِثْلِهِ
١٦ ‏/ ٥٦٨
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ: ﴿الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] «الْقَانِعُ: الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالْقَانِعِ: السَّائِلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنِيُّ بِالْقَانِعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُكْتَفِيَ بِمَا عِنْدَهُ وَالْمُسْتَغْنِيَ بِهِ، لَقِيلَ: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالسَّائِلَ، وَلَمْ يَقُلْ: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ. وَفِي إِتْبَاعِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْقَانِعَ مَعْنِيُّ بِهِ السَّائِلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَنَعَ فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، بِمَعْنَى سَأَلَهُ وَخَضَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ يَقْنَعُ قُنُوعًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
[البحر الطويل] وَأَعْطَانِيَ الْمَوْلَى عَلَى حِينِ فَقْرِهِ … إِذَا قَالَ: أَبْصِرْ خَلَّتِي وَقُنُوعِي
وَأَمَّا الْقَانِعُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمُكْتَفِي، فَإِنَّهُ مِنْ قَنِعْتُ بِكَسْرِ النُّونِ، أَقنْعُ قِنَاعَةً وَقَنْعًا وَقَنْعَانًا. وَأَمَّا الْمُعْتَرُّ: فَإِنَّهُ الَّذِي يَأْتِيكَ مُعْتَرًّا بِكَ لِتُعْطِيَهُ وَتُطْعِمَهُ
١٦ ‏/ ٥٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ﴾ [الحج: ٣٦] يَقُولُ: هَكَذَا سَخَّرْنَا الْبُدْنَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٢]، يَقُولُ: لِتَشْكُرُونِي عَلَى تَسْخِيرِهَا لَكُمْ
١٦ ‏/ ٥٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ⦗٥٧٠⦘ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَنْ يَصِلَ إِلَى اللَّهِ لُحُومُ بُدْنِكُمْ وَلَا دِمَاؤُهَا، وَلَكِنْ يَنَالَهُ اتِّقَاؤُكُمْ إِيَّاهُ إِنِ اتَّقَيْتُمُوهُ فِيهَا، فَأَرَدْتُمْ بِهَا وَجْهَهُ، وَعَمِلْتُمْ فِيهَا بِمَا نَدَبَكُمْ إِلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ فِي أَمْرِهَا، وَعَظَّمْتُمْ بِهَا حُرُمَاتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] قَالَ: «مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ»
١٦ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] قَالَ: «إِنِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبُدْنِ، وَعَمِلْتَ فِيهَا لِلَّهِ، وَطَلَبْتَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ اللَّهِ، وَلِحُرُمَاتِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢]، قَالَ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: ٣٠]، قَالَ: وَجَعَلْتُهُ طَيِّبًا، فَذَلِكَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ اللَّهُ. فَأَمَّا اللُّحُومُ وَالدِّمَاءُ، فَمِنْ أَيْنَ تَنَالُ اللَّهَ؟»
١٦ ‏/ ٥٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] يَقُولُ: هَكَذَا سَخَّرَ لَكُمُ الْبُدْنَ ﴿لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] يَقُولُ: كَيْ تُعَظِّمُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، يَعْنِي: عَلَى تَوْفِيقِهِ إِيَّاكُمْ لِدِينِهِ، وَلِلنُّسُكِ فِي حَجِّكُمْ
١٦ ‏/ ٥٧٠
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] قَالَ: «عَلَى ذَبْحِهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ»
١٦ ‏/ ٥٧١
﴿وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: ٣٧] يَقُولُ: وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّهَ، فَأَحْسَنُوا فِي طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا بِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ
١٦ ‏/ ٥٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خِوَانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ غَائِلَةَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خِوَانٍ، يَخُونُ اللَّهَ فَيُخَالِفُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَيَعْصِيهِ، وَيُطِيعُ الشَّيْطَانَ؛ ﴿كَفُورٍ﴾ [هود: ٩] يَقُولُ: جَحُودٍ لِنِعَمِهِ عِنْدَهُ، لَا يَعْرِفُ لِمُنْعِمِهَا حَقَّهُ فَيَشْكُرُهُ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ دَفْعَ اللَّهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ عَمَّنْ كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ هِجْرَتِهِمْ
١٦ ‏/ ٥٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيلِهِ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ ظَلَمُوهُمْ بِقِتَالِهِمْ.
١٦ ‏/ ٥٧١
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ، «أُذِنَ» بِضَمِّ الْأَلِفِ، يُقَاتَلُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ بِتَرْكِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ فِي ﴿أُذِنَ﴾ [التوبة: ٦١] وَ﴿يُقَاتَلُونَ﴾ [النساء: ٧٦] جَمِيعًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: (أُذِنَ) بِتَرْكِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ، وَ(يُقَاتِلُونَ) بِكَسْرِ التَّاءِ، بِمَعْنَى يُقَاتِلُ الْمَأْذُونُ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ، وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ: (أَذِنَ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: أَذِنَ اللَّهُ، وَ(يُقَاتِلُونَ) بِكَسْرِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالْقِتَالِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ الثَّلَاثُ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ﴿أُذِنَ﴾ [التوبة: ٦١] عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، يُرْجِعُ مَعْنَاهُ فِي التَّأْوِيلِ إِلَى مَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ مَا سُمِّيَ فَاعِلُهُ. وَإِنَّ مَنْ قَرَأَ ﴿يُقَاتَلُونَ﴾ [النساء: ٧٦]، وَ(يُقَاتِلُونَ) بِالْكَسْرِ، أَوِ الْفَتْحِ، فَقَرِيبٌ مَعْنَى أَحَدِهِمَا مِنْ مَعْنَى الْآخَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ إِنْسَانًا، فَالَّذِي قَاتَلَهُ لَهُ مُقَاتِلٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَاتِلٌ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيَّةِ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. غَيْرَ أَنَّ أَحَبَّ ذَلِكَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهِ: (أَذِنَ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: أَذِنَ اللَّهُ، لِقُرْبِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خِوَانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: ٣٨] إِذَنْ اللَّهُ فِي الَّذِينَ لَا يُحِبُّهُمْ
١٦ ‏/ ٥٧٢
لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ بِقِتَالِهِمْ، فَيَرُدُّ (أَذِنَ) عَلَى قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ﴾ [البقرة: ١٩٠] وَكَذَلِكَ أَحَبُّ الْقِرَاءَاتِ إِلَيَّ فِي (يُقَاتِلُونَ) كَسْرُ التَّاءِ، بِمَعْنَى: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ مَنْ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يُحِبُّهُمْ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا مَعْنَى بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِالْإِذْنِ لَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْقِتَالِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ: نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ
١٦ ‏/ ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] «يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ إِذْ أُخْرِجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] وَقَدْ فَعَلَ»
١٦ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ قَالَ رَجُلٌ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ فَنَزَلَتْ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] الْآيَةُ، ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [الحج: ٤٠] النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ»
١٦ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ ⦗٥٧٤⦘ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَيَهْلِكُنَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ. وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ» قَالَ ابْنُ دَاوُدَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا يَقْرَءُونَ: ﴿«أُذِنَ»﴾ [التوبة: ٦١] وَنَحْنُ نَقْرَأُ: «أَذِنَ»
١٦ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ. وَإِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ انْتَهَى حَدِيثُهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ»
١٦ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُخْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَاللَّهِ لَيَهْلِكُنَّ جَمِيعًا فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [الحج: ٤٠] عَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ»
١٦ ‏/ ٥٧٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] قَالَ: «أُذِنَ لَهُمْ فِي قِتَالِهِمْ بَعْدَ مَا عَفَا عَنْهُمْ عَشْرَ سِنِينَ. وَقَرَأَ: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [الحج: ٤٠] وَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ»
١٦ ‏/ ٥٧٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [الحج: ٤٠] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يُرِيدُونَ الْهِجْرَةَ، فَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] قَالَ: «أُنَاسٌ مُؤْمِنُونَ خَرَجُوا مُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانُوا يُمْنَعُونَ، فَأَذِنَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، فَقَاتَلُوهُمْ»
١٦ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٥٧٦⦘ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] قَالَ: «نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ خَرَجُوا مُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُمْنَعُونَ، فَأَدْرَكَهُمُ الْكُفَّارُ، فَأُذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، فَقَاتَلُوهُمْ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَقُولُ: أَوَّلُ قِتَالٍ أَذِنَ اللَّهُ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ»
١٦ ‏/ ٥٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ، فَأُذِنَ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا»
١٦ ‏/ ٥٧٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] قَالَ: «هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي الْقِتَالِ، فَأُذِنَ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا» وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا قَالَ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِالْقِتَالِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كَانُوا اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي قَتْلِ الْكُفَّارِ إِذَا آذَوْهُمْ وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ غِيلَةً سِرًّا؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خِوَانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: ٣٨] فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَطْلَقَ لَهُمْ قَتْلَهُمْ وَقِتَالَهُمْ، فَقَالَ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: ٣٩] . وَهَذَا قَوْلٌ ذُكِرَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ مِنْ وَجْهِ غَيْرِ ثَبَتٍ
١٦ ‏/ ٥٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: ٣٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَقَادِرٌ، وَقَدْ نَصْرَهُمْ فَأَعَزَّهُمْ، وَرَفَعَهُمْ، وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُمْ، وَأَذَلَّهُمْ بِأَيْدِيهِمْ
١٦ ‏/ ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [الحج: ٤٠] فَـ (الَّذِينَ) الثَّانِيَةُ رَدٌّ عَلَى (الَّذِينَ) الْأُولَى. وَعَنَى بِالْمُخْرَجِينَ مِنْ دُورِهِمُ: الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ مِنْ مَكَّةَ. وَكَانَ إِخْرَاجُهُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ دُورِهِمْ وَتَعْذِيبُهُمْ بَعْضَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَسَبُّهُمْ بَعْضَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَوَعِيدُهُمْ إِيَّاهُمْ، حَتَّى اضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ عَنْهُمْ. وَكَانَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ بِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْحَقِّ، فَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [الحج: ٤٠]
١٦ ‏/ ٥٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمْ يُخْرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ إِلَّا بِقَوْلِهِمْ: رَبُّنَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَـ (أَنْ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران: ٢١] وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ
١٦ ‏/ ٥٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٢٥١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ
١٦ ‏/ ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٢٥١] «دَفْعُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْلَا الْقِتَالُ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
١٦ ‏/ ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٢٥١] قَالَ «لَوْلَا الْقِتَالُ وَالْجِهَادُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَمَّنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ
١٦ ‏/ ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَوْسَجَةَ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ، مِنْهُمْ لَاحِقُ بْنُ الْأَقْمَرِ، وَالْعَيزْارُ بْنُ جَرْوَلٍ، وَعَطِيَّةُ الْقُرَظِيُّ، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ: “إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ
١٦ ‏/ ٥٧٨
اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٢٥١] لَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عَنِ التَّابِعِينَ ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ﴾ [الحج: ٤٠] ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ أَوْجَبَ قَبُولَ شَهَادَتِهِ فِي الْحُقُوقِ تَكُونُ لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ عَمَّنْ لَا يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ وَغَيْرِهِ، فَأَحْيَا بِذَلِكَ مَالَ هَذَا، وَيُوقَى بِسَبَبِ هَذَا إِرَاقَةُ دَمِ هَذَا، وَتَرَكُوا الْمَظَالِمَ مِنْ أَجْلِهِ، لَتَظَالَمَ النَّاسُ فَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ
١٦ ‏/ ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: ٢٥١] يَقُولُ: «دَفْعُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي الشَّهَادَةِ، وَفِي الْحَقِّ، وَفِيمَا يَكُونُ مِنْ قِبَلِ هَذَا. يَقُولُ: لَوْلَاهُمْ لَأُهْلِكَتْ هَذِهِ الصَّوَامِعُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْلَا دِفَاعَهُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لَهُدِّمَ مَا ذَكَرَ، مِنْ دَفْعِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، ⦗٥٨٠⦘ وَكَفِّهِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ كَفُّهُ بِبَعْضِهِمُ التَّظَالُمَ، كَالسُّلْطَانِ الَّذِي كَفَّ بِهِ رَعِيَّتَهُ عَنِ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ؛ وَمِنْهُ كَفُّهُ لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَتَهُ بَيْنَهُمْ بِبَعْضِهِمْ عَنِ الذَّهَابِ بِحَقِّ مَنْ لَهُ قِبَلَهُ حَقٌّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَكُلُّ ذَلِكَ دَفْعٌ مِنْهُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، لَوْلَا ذَلِكَ لَتَظَالَمُوا، فَهَدَّمَ الْقَاهِرُونَ صَوَامِعَ الْمَقْهُورِينَ، وَبِيَعَهُمْ، وَمَا سَمَّى جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَلَمْ يَضَعِ اللَّهُ تَعَالَى دَلَالَةً فِي عَقْلٍ عَلَى أَنَّهُ عَنَى مِنْ ذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَلَا جَاءَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ خَبَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، فَذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْعُمُومِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُهُ قَبْلُ، لِعُمُومِ ظَاهِرِ ذَلِكَ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَا
١٦ ‏/ ٥٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالصَّوَامِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ
١٦ ‏/ ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ»
١٦ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٥٨١⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ»
١٦ ‏/ ٥٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ»
١٦ ‏/ ٥٨١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ»
١٦ ‏/ ٥٨١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] «وَهِيَ صَوَامِعُ الصِّغَارِ، يَبْنُونَهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ صَوَامِعُ الصَّابِئِينَ
١٦ ‏/ ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿صَوَامِعُ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «هِيَ لِلصَّابِئِينَ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَهُدِّمَتْ﴾ [الحج: ٤٠] . فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ⦗٥٨٢⦘: (لَهُدِمَتْ) خَفِيفَةً. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿لَهُدِّمَتْ﴾ [الحج: ٤٠] بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى تَكْرِيرِ الْهَدْمِ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ. لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٨١
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿وَبِيَعٌ﴾ [الحج: ٤٠] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهَا: بِيَعَ النَّصَارَى وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
١٦ ‏/ ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ: ﴿وَبِيَعٌ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «بِيَعُ النَّصَارَى»
١٦ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَبِيَعٌ﴾ [الحج: ٤٠] «لِلنَّصَارَى» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٨٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «الْبِيَعُ: بِيَعُ النَّصَارَى» ⦗٥٨٣⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِالْبِيَعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: كَنَائِسُ الْيَهُودِ
١٦ ‏/ ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ،. قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿وَبِيَعٌ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «وَكَنَائِسُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٨٣
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبِيَعٌ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «الْبِيَعُ لِلْكَنَائِسِ»
١٦ ‏/ ٥٨٣
قَوْلُهُ: ﴿وَصَلَوَاتٌ﴾ [التوبة: ٩٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِالصَّلَوَاتِ الْكَنَائِسُ
١٦ ‏/ ٥٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصَلَوَاتٌ﴾ [التوبة: ٩٩] قَالَ: «يَعْنِي بِالصَّلَوَاتِ: الْكَنَائِسَ»
١٦ ‏/ ٥٨٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصَلَوَاتٌ «﴾ [التوبة: ٩٩] كَنَائِسُ الْيَهُودِ، وَيُسَمَّوْنَ الْكَنِيسَةَ صَلُوتَا»
١٦ ‏/ ٥٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَصَلَوَاتٌ﴾ [التوبة: ٩٩] كَنَائِسُ الْيَهُودِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالصَّلَوَاتِ مَسَاجِدَ الصَّابِئِينَ
١٦ ‏/ ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنِ الصَّلَوَاتِ،، قَالَ: «هِيَ مَسَاجِدُ الصَّابِئِينَ» قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ، نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَسَاجِدُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَهْلِ الْكِتَابِ بِالطُّرُقِ
١٦ ‏/ ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَصَلَوَاتٌ﴾ [التوبة: ٩٩] قَالَ: «مَسَاجِدُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالطُّرُقِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٦ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصَلَوَاتٌ﴾ [التوبة: ٩٩] قَالَ: «الصَّلَوَاتُ صَلَوَاتُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، تَنْقَطِعُ إِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ عَلَيْهِمْ، انْقَطَعَتِ الْعِبَادَةُ، وَالْمَسَاجِدُ تُهَدَّمُ، كَمَا صَنَعَ بُخْتُنَصَّرُ»
١٦ ‏/ ٥٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: ٤٠] اخْتُلِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي أُرِيدَتْ بِهَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِذَلِكَ مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ
١٦ ‏/ ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ رُفَيْعٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَسَاجِدُ﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ»
١٦ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [الحج: ٤٠] قَالَ: «الْمَسَاجِدُ: مَسَاجِدُ ⦗٥٨٦⦘ الْمُسْلِمِينَ، يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، نَحْوَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَسَاجِدُ﴾ [الحج: ٤٠] الصَوَامِعُ وَالْبِيَعُ وَالصَّلَوَاتُ
١٦ ‏/ ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَسَاجِدُ﴾ [الحج: ٤٠] «يَقُولُ فِي كُلِّ هَذَا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَمْ يَخُصَّ الْمَسَاجِدَ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الصَّلَوَاتُ لَا تُهَدَّمُ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى فِعْلٍ آخَرَ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَتُرِكَتْ صَلَوَاتٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يَعْنِي: مَوَاضِعَ الصَّلَوَاتِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هِيَ صَلَوَاتٌ، وَهِيَ كَنَائِسُ الْيَهُودِ، تُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ: صَلُوتَا. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ الرُّهْبَانِ، وَبِيَعُ النَّصَارَى، وَصَلَوَاتُ الْيَهُودِ، وَهِيَ كَنَائِسُهُمْ، وَمَسَاجُدُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُسْتَفِيضِ فِيهِمْ، وَمَا خَالَفَهُ مِنَ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَغَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِيمَا وَجَّهَهُ إِلَيْهِ مَنْ وَجَّهَهُ إِلَيْهِ
١٦ ‏/ ٥٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَيُعِينَنَّ اللَّهُ مَنْ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَتُهُ الْعُلْيَا عَلَى عَدُوِّهِ؛ فَنَصْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ: مَعُونَتُهُ إِيَّاهُ، وَنَصْرُ الْعَبْدِ رَبَّهُ: جِهَادُهُ فِي سَبِيلِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَتُهُ الْعُلْيَا
١٦ ‏/ ٥٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَلَى نَصْرِ مَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَطَاعَتِهِ، عَزِيزٌ فِي مُلْكِهِ، يَقُولُ: مَنِيعٌ فِي سُلْطَانِهِ، لَا يَقْهَرَهُ قَاهِرٌ، وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ
١٦ ‏/ ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ. وَ﴿الَّذِينَ﴾ [الفاتحة: ٧] هَاهُنَا رَدٌّ عَلَى ﴿الَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ [الصف: ٤]
١٦ ‏/ ٥٨٧
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحج: ٤١] إِنْ وَطَّنَّا لَهُمْ فِي الْبِلَادِ، فَقَهَرُوا الْمُشْرِكِينَ، وَغَلَبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. يَقُولُ: إِنْ نَصَرْنَاهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَقَهَرُوا مُشْرِكِي مَكَّةَ، أَطَاعُوا اللَّهَ، فَأَقَامُوا الصَّلَاةَ بِحُدُودِهَا. ﴿وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] يَقُولُ: وَأَعْطُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مَنْ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ. ﴿وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ﴾ [الحج: ٤١] يَقُولُ: وَدَعُوا النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ﴿وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج: ٤١] يَقُولُ: وَنَهُوا عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَالْعَمَلِ بِمَعَاصِيهِ، الَّذِي يُنْكِرْهُ أَهْلُ الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ. ﴿وَللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: ٤١]
١٦ ‏/ ٥٨٧
يَقُولُ: وَلِلَّهِ آخِرُ أُمُورِ الْخَلْقِ، يَعْنِي: أَنَّ إِلَيْهِ مَصِيرَهَا فِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا، وَالْعِقَابِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ الْأَشْيَبُ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الحج: ٤١] قَالَ: «كَانَ أَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ أَنَّهُمْ دَعُوا إِلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ أَنَّهُمْ نَهُوا عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ» قَالَ: «فَمَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فَقَدْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَمَنْ نَهَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ، فَقَدْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ»
١٦ ‏/ ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الحج: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُسَلِّيًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَمَّا يَنَالُهُ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَحَاضًّا لَهُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَا يَلْحَقُهُ مِنْهُمْ مِنَ السَّبِّ وَالتَّكْذِيبِ: وَإِنْ يُكَذِّبُكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ عَلَى مَا آتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْبُرْهَانِ، وَمَا تَعِدُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، فَذَلِكَ سُنَّةُ إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَ اللَّهِ الْمُشْرِكَةِ بِاللَّهِ، وَمِنْهَاجُهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَلَا يَصُدَّنَّكَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَذَابَ الْمُهِينَ مِنْ
١٦ ‏/ ٥٨٨
وَرَائِهِمْ، وَنَصْرِيَ إِيَّاكَ وَأَتْبَاعَكَ عَلَيْهِمْ آتِيهُمْ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، كَمَا أَتَى عَذَابِي عَلَى أَسْلَافِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بَعْدَ الْإِمْهَالِ إِلَى بُلُوغِ الْآجَالِ ﴿فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ [الحج: ٤٢] يَعْنِي: مُشْرِكِي قُرَيْشٍ؛ قَوْمُ نُوحٍ، وَقَوْمُ عَادٍ، وَثَمُودٍ، وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ، وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ، وَهُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ. يَقُولُ: كَذَّبَ كُلُّ هَؤُلَاءِ رُسُلَهُمْ فَقِيلَ: ﴿وَكُذِّبَ مُوسَى﴾ [الحج: ٤٤] وَلَمْ يَقُلْ: (وَقَوْمُ مُوسَى)، لِأَنَّ قَوْمَ مُوسَى بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتْ قَدِ اسْتَجَابَتْ لَهُ، وَلَمْ تُكَذِّبْهُ، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ مِنَ الْقِبْطِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ وُلِدَ فِيهِمْ، كَمَا وُلِدَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ
١٦ ‏/ ٥٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ﴾ [الحج: ٤٤] يَقُولُ: فَأَمْهَلْتُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ، فَلَمْ أُعَاجِلْهُمْ بِالنِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ. ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ﴾ [الرعد: ٣٢] يَقُولُ: ثُمَّ أَحْلَلْتُ بِهِمُ الْعِقَابَ بَعْدَ الْإِمْلَاءِ ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الحج: ٤٤] يَقُولُ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي مَا كَانَ بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ، وَتَنَكُّرِي لَهُمْ عَمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، أَلَمْ أُبْدِلْهُمْ بِالْكَثْرَةِ قِلَّةً؟ وَبِالْحَيَاةِ مَوْتًا وَهَلَاكًا؟ وَبِالْعِمَارَةِ خَرَابًا؟ يَقُولُ: فَكَذَلِكَ فِعْلِي بِمُكَذِّبِيكَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَإِنْ أَمْلَيْتُ لَهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ، فَإِنِّي مُنْجِزُكَ وَعَدِي فِيهِمْ، كَمَا أَنْجَزْتُ غَيْرَكَ مِنْ رُسُلِي وَعَدِي فِي أُمَمِهِمْ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ، وَأَنْجَيْتُهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ
١٦ ‏/ ٥٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥]⦗٥٩٠⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْتُ أَهْلَهَا وَهُمْ ظَالِمُونَ؛ يَقُولُ: وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَدَ، وَيَعْصُونَ مَنْ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْصُوهُ
١٦ ‏/ ٥٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [الحج: ٤٥] يَقُولُ: فَبَادَ أَهْلُهَا وَخَلَتْ، وَخَوَتْ مِنْ سُكَّانِهَا، فَخَرِبَتْ وَتَدَاعَتْ، وَتَسَاقَطَتْ عَلَى عُرُوشِهَا؛ يَعْنِي عَلَى بِنَائِهَا وَسُقُوفِهَا
١٦ ‏/ ٥٩٠
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «خَوَاؤُهَا: خَرَابُهَا، وَعُرُوشُهَا: سُقُوفُهَا»
١٦ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿خَاوِيَةٌ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «خَرِبَةٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ [الحج: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا، وَمِنْ بِئْرٍ عَطَّلْنَاهَا، بِإِفْنَاءِ أَهْلِهَا، وَهَلَاكِ وَارِدِيهَا، فَانْدَفَنَتْ وَتَعَطَّلَتْ، فَلَا وَارِدَةَ لَهَا، وَلَا شَارِبَةَ مِنْهَا، وَمِنْ ﴿قَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] رَفِيعٍ بِالصُّخُورِ وَالْجَصِّ، قَدْ خَلَا مِنْ سُكَّانِهِ، بِمَا أَذَقْنَا أَهْلَهُ مِنْ عَذَابِنَا بِسُوءِ فِعَالِهِمْ، فَبَادُوا، وَبَقِيَ قُصُورهُمُ الْمُشَيَّدَةُ خَالِيَةً مِنْهُمْ. وَالْبِئْرُ وَالْقَصْرُ مَخْفُوضَانِ بِالْعَطْفِ عَلَى الْقَرْيَةِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: هُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى الْعُرُوشِ بِالْعَطْفِ
١٦ ‏/ ٥٩٠
عَلَيْهَا خَفْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ فِيهِمَا، عَلَى أَنَّ الْعُرُوشَ أَعَالِي الْبُيُوتِ، وَالْبِئْرَ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ الْقَرْيَةَ لَمْ تَخْوِ عَلَى الْقَصْرِ، وَلَكِنَّهُ أَتْبَعَ بَعْضَهُ بَعْضًا، كَمَا قَالَ: ﴿وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ﴾ [الواقعة: ٢٣]، فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ، فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا، وَلَهَا بِئْرٌ مُعَطَّلَةٌ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْبِئْرِ رَافِعٌ، وَلَا عَامِلَ فِيهَا، أَتْبَعَهَا فِي الْإِعْرَابِ الْعُرُوشَ، وَالْمَعْنَى مَا وَصَفْتُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ ‏/ ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «الَّتِي قَدْ تُرِكَتْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا أَهْلَ لَهَا»
١٦ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «عَطَّلَهَا أَهْلُهَا، تَرَكُوهَا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٩١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٥٩٢⦘ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «لَا أَهْلَ لَهَا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَقَصْرٍ مُجَصَّصٍ
١٦ ‏/ ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «مُجَصَّصٍ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ قَالَ: ثني غَالِبُ بْنُ فَائِدٍ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «مُجَصَّصٍ»
١٦ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ عِكْرِمَةَ فَرَأَى حَائِطَ آجُرٍّ مُصَهْرَجٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا الْمَشِيدُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ»
١٦ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «الْمُجَصَّصُ» قَالَ عِكْرِمَةُ: «وَالْجَصُّ ⦗٥٩٣⦘ بِالْمَدِينَةِ يُسَمَّى الْمَشِيدَ»
١٦ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «بِالْقِصَّةِ أَوِ الْفِضَّةِ»
١٦ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «بِالْقِصَّةِ، يَعْنِي: بِالْجَصِّ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ. قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «مُجَصَّصٍ»
١٦ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «مُجَصَّصٍ» هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِي: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَقَصْرٍ رَفِيعٍ طَوِيلٍ
١٦ ‏/ ٥٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] قَالَ: «كَانَ أَهْلُهُ شَيَّدُوهُ وَحَصَّنُوهُ، فَهَلَكُوا وَتَرَكُوهُ» ⦗٥٩٤⦘ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٦ ‏/ ٥٩٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج: ٤٥] يَقُولُ: «طَوِيلٍ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالْمَشِيدِ الْمُجَصَّصُ، وَذَلِكَ أَنَّ الشِّيدَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْجِصُّ بِعَيْنِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر البسيط] كَحَبَّةِ الْمَاءِ بَيْنَ الطَّيِّ وَالشِّيدِ
فَالْمَشِيدُ: إِنَّمَا هُوَ مَفْعُولٌ مِنَ الشِّيدِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] وَتَيْمَاءَ لَمْ يَتْرُكْ بِهَا جِذْعَ نَخْلَةٍ … وَلَا أُطُمًا إِلَّا مَشِيدًا بِجَنْدَلِ
يَعْنِي بِذَلِكَ: إِلَّا بِالْبِنَاءِ بِالشِّيدِ وَالْجَنْدَلِ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِالْمَشِيدِ: الْمَرْفُوعُ بِنَاؤُهُ بِالشِّيدِ، فَيَكُونُ الَّذِينَ قَالُوا: عُنِيَ بِالْمَشِيدِ الطَّوِيلُ، نَحُوا بِذَلِكَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
[البحر الخفيف]
١٦ ‏/ ٥٩٤
شَادَهُ مَرْمَرًا وَجَلَّلَهُ كِلْـ … سًا فَلِلطَّيْرِ فِي ذُرَاهُ وُكُورُ
وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلُغَاتِ الْعَرَبِ، بِمَعْنَى الْمُزَيَّنِ بِالشِّيدِ، مِنْ: شِدْتُهُ أَشِيدُهُ. إِذَا زَيَّنْتَهُ بِهِ، وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِمَعْنَى مَنْ قَالَ مُجَصَّصٌ
١٦ ‏/ ٥٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَمْ يَسِيرُوا هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَالْجَاحِدُونَ قُدْرَتَهُ فِي الْبِلَادِ، فَيَنْظُرُوا إِلَى مَصَارِعِ ضُرَبَائِهِمْ مِنْ مُكَذِّبِي رُسُلِ اللَّهِ، الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ، كَعَادٍ، وَثَمُودَ، وَقَوْمِ لُوطٍ، وَشُعَيْبٍ، وَأَوْطَانِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ، فَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا، وَيَعْتَبِرُوا بِهَا، وَيَعْلَمُوا بِتَدَبُّرِهِمْ أَمْرَهَا، وَأَمْرَ أَهْلِهَا سُنَّةَ اللَّهِ فِيمَنْ كَفَرَ، وَعَبَدَ غَيْرَهُ، وَكَذَّبَ رُسُلَهُ، فَيُنِيبُوا مِنْ عُتُوِّهِمْ، وَكُفْرِهِمْ، وَيَكُونُ لَهُمْ إِذَا تَدَبَّرُوا ذَلِكَ، وَاعْتَبِرُوا بِهِ، وَأَنَابُوا إِلَى الْحَقِّ. ﴿قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج: ٤٦] حُجَجَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقُدْرَتَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا. ﴿أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الحج: ٤٦] يَقُولُ: أَوْ آذَانٌ تُصْغِي لِسَمَاعِ الْحَقِّ فَتَعِي ذَلِكَ، وَتُمَيِّزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَاطِلِ
١٦ ‏/ ٥٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: ٤٦] يَقُولُ: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى أَبْصَارُهُمْ أَنْ يُبْصِرُوا بِهَا الْأَشْخَاصَ وَيَرَوْهَا، بَلْ يُبْصِرُونَ ذَلِكَ بِأَبْصَارِهِمْ؛ وَلَكِنْ تَعْمَى قُلُوبُهِمُ الَّتِي فِي صُدُورِهِمْ عَنْ إِبْصَارِ الْحَقِّ وَمَعْرِفَتِهِ ⦗٥٩٦⦘ وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى﴾ [الحج: ٤٦] هَاءُ عِمَادٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «فَإِنَّهُ لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ» وَقِيلَ: ﴿وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] وَالْقُلُوبُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الصُّدُورِ، تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ، كَمَا قِيلَ: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]
١٦ ‏/ ٥٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧]
١٦ ‏/ ٥٩٦
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ بِمَا تَعِدُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَلَى شِرْكِهِمْ بِهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ الَّذِي وَعَدَكَ فِيهِمْ مِنْ إِحْلَالِ عَذَابِهِ وَنِقْمَتِهِ بِهِمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا. فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَوَفَى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ، فَقَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧] أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
١٦ ‏/ ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧]⦗٥٩٧⦘ قَالَ: «مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»
١٦ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الحج: ٤٧] الْآيَةَ قَالَ: «هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي ﴿الم تَنْزِيلُ﴾ [السجدة: ٢] سَوَاءٌ هُوَ هُوَ؛ الْآيَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ
١٦ ‏/ ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مِقْدَارُ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلْفُ سَنَةٍ»
١٦ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ سُمَيْرِ بْنِ نَهَارٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِمِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ. قُلْتُ: وَمَا نِصْفُ يَوْمٍ؟ قَالَ: أَوَ مَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧]»
١٦ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ﴾ [الحج: ٤٧] قَالَ: «مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ»
١٦ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧] قَالَ: «هَذِهِ أَيَّامُ الْآخِرَةِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَقَرَأَ: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَراهُ قَرِيبًا﴾ [المعارج: ٧]» وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَجْهِ صَرْفِ الْكَلَامِ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ اسْتِعْجَالِ الَّذِينَ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ طُولِ الْيَوْمِ عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَنْ يَخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الحج: ٤٧] فِي أَنْ يُنْزِلَ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا. وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ مِنْ عَذَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ مُسْتَعْجِلِيهِ الْعَذَابَ أَنَّهُ لَا يَعجَلُ، وَلَكِنَّهُ يُمْهِلُ إِلَى أَجَلٍ أَجَّلَهُ، وَأَنَّ الْبَطِيءَ عِنْدَهُمْ قَرِيبٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: مِقْدَارُ الْيَوْمِ عِنْدِي أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَهُ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ أَيَّامِكُمْ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ بَطِيءٌ، وَهُوَ عِنْدِي قَرِيبٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِنَّ يَوْمًا مِنَ الثَّقَلِ وَمَا يُخَافُ كَأَلْفِ سَنَةٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدِي أَشْبَهُ بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنِ
١٦ ‏/ ٥٩٨
اسْتِعْجَالِ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالْعَذَابِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ مَبْلَغِ قَدْرِ الْيَوْمِ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ [الحج: ٤٨] فَأُخْبَرَ عَنْ إِمْلَائِهِ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمَةِ، وَتَرْكِهِ مُعَاجَلَتَهُمْ بِالْعَذَابِ، فَبَيَّنَ بِذَلِكِ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧] نَفْيَ الْعَجَلَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَوَصْفَهَا بِالْأَنَاةِ وَالِانْتِظَارِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِنَّ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ الَّتِي عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمٌ وَاحِدٌ، كَأَلْفِ سَنَةٍ مِنْ عَدَدِكُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِبَعِيدٍ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ بَعِيدٌ؛ فَلِذَلِكَ لَا يُعَجِّلُ بِعُقُوبَةِ مَنْ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ حَتَّى يَبْلُغَ غَايَةَ مُدَّتِهِ
١٦ ‏/ ٥٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا﴾ [الحج: ٤٨] يَقُولُ: أَمْهَلْتُهُمْ، وَأَخَّرْتُ عَذَابَهُمْ، وَهُمْ بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ، وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفُونَ وَذَلِكَ كَانَ ظُلْمَهُمُ الَّذِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَلَمْ أَعْجَلْ بِعَذَابِهِمْ. ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهَا﴾ [الحج: ٤٨] يَقُولُ: ثُمَّ أَخَذْتُهَا بِالْعَذَابِ، فَعَذَّبْتُهَا فِي الدُّنْيَا بِإِحْلَالِ عُقُوبَتِنَا بِهِمْ. ﴿وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٤٨] يَقُولُ: وَإِلَيَّ مَصِيرُهُمْ أَيْضًا بَعْدَ هَلَاكِهِمْ، فَيَلْقَوْنَ مِنَ الْعَذَابِ حِينَئِذٍ مَا لَا انْقِطَاعَ لَهُ؛ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَكَذَلِكَ حَالُ مُسْتَعْجِلِيكَ بِالْعَذَابِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، وَإِنْ أَمْلَيْتُ لَهُمْ إِلَى آجَالِهِمُ الَّتِي أَجَّلْتُهَا لَهُمْ، فَإِنِّي آخُذُهُمْ بِالْعَذَابِ، فَقَاتِلُهُمْ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَصِيرُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَمُوجِعُهُمْ إِذَنْ عُقُوبَةً عَلَى مَا قَدَّمُوا مِنْ آثَامِهِمْ
١٦ ‏/ ٥٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [الحج: ٥٠]
١٦ ‏/ ٥٩٩
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَكَ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، اتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِكُلِّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الحج: ٤٩] أُنْذِرُكُمْ عِقَابَ اللَّهِ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَعَذَابَهُ فِي الْآخِرَةِ أَنْ تَصِلُوهُ ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَقُولُ: أُبَيِّنُ لَكُمْ إِنْذَارِي ذَلِكَ، وَأُظْهِرُهُ، لِتُنِيبُوا مِنْ شِرْكِكُمْ، وَتَحْذَرُوا مَا أُنْذِرُكُمْ مِنْ ذَلِكَ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَعْجِيلُ الْعِقَابِ، وَتَأْخِيرُهُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَنِي بِهِ فَإِلَى اللَّهِ، لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ، وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ. ثُمَّ وَصَفَ نِذَارَتَهُ، وَبِشَارَتَهُ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْبِشَارَةِ ذِكْرٌ، وَلَمَّا ذُكِرَتِ النِّذَارَةُ عَلَى عَمَلٍ، عُلِمَ أَنَّ الْبِشَارَةَ عَلَى خِلَافِهِ، فَقَالَ: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأعراف: ١٥٧] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَمِنْ غَيْرِكُمْ. ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] يَقُولُ: لَهُمْ مِنَ اللَّهِ سَتْرُ ذُنُوبِهِمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ. ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] يَقُولُ: وَرُزْقٌ حَسَنٌ فِي الْجَنَّةِ؛
١٦ ‏/ ٦٠٠
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الحج: ٥٠] قَالَ: «الْجَنَّةُ»
١٦ ‏/ ٦٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ [الحج: ٥١] يَقُولُ: وَالَّذِينَ عَمِلُوا فِي حُجَجِنَا، فَصِدُّوا عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولِنَا، وَالْإِقْرَارِ بِكِتَابِنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ. وَقَالَ ﴿فِي آيَاتِنَا﴾ [الأنعام: ٦٨] فَأُدْخِلَتْ فِيهِ (فِي) كَمَا يُقَالُ: سَعَى فُلَانٌ فِي أَمْرِ فُلَانٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ [الحج: ٥١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مُشَاقِّينَ
١٦ ‏/ ٦٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ ⦗٦٠١⦘ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَهَا: ﴿«مُعَاجِزِينَ»﴾ [الحج: ٥١] فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، يَعْنِي بِأَلِفٍ، وَقَالَ: «مُشَاقِّينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَ اللَّهَ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ
١٦ ‏/ ٦٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ [الحج: ٥١] قَالَ: «كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَظُنُّوا أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَ اللَّهَ، وَلَنْ يُعْجِزُوهُ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿«فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ»﴾ [الحج: ٥١] بِالْأَلِفِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ. وَأَمَّا بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ قَرَأَهُ: (مُعَجِّزِينَ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ، بِغَيْرِ أَلِفٍ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَجَّزُوا النَّاسَ، وَثَبَّطُوهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ
١٦ ‏/ ٦٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ قِرَاءَتِهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مُعَاجِزِينَ﴾ [الحج: ٥١] قَالَ: «مُبَطِّئِينَ، يُبَطِّئُونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ» ⦗٦٠٢⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنَ عَجَّزَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَقَدْ عَاجزَ اللَّهَ، وَمِنْ مُعَاجَزَةِ اللَّهِ التَّعْجِيزُ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَالْعَمَلِ بِمَعَاصِيهِ، وَخِلَافِ أَمْرِهِ. وَكَانَ مِنْ صِفَةِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُبَطِّئُونَ النَّاسَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ، وَيُغَالِبُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَهُ، وَيَغْلِبُونَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ لَهُ نَصْرَهُ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ مُعَاجَزَتَهُمُ اللَّهَ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُعَاجَزَةُ فَإِنَّهَا الْمُفَاعَلَةُ، مِنَ الْعَجْزِ، وَمَعْنَاهُ: مُغَالَبَةُ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، أَيُّهُمَا يُعْجِزُهُ فَيَغْلِبُهُ الْآخَرُ وَيَقْهَرُهُ. وَأَمَّا التَّعْجِيزُ: فَإِنَّهُ التَّضْعِيفَ، وَهُوَ التَّفْعِيلُ مِنَ الْعَجْزِ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …