مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٩ / ٣٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الشُّكْرُ الْكَامِلُ لِلْمَعْبُودِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ خَالِقِ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِ ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر: ١] إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَفِيمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثَلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر: ١] يَقُولُ أَصْحَابُ أَجْنِحَةِ: يَعْنِي مَلَائِكَةً، فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ اثْنَانِ مِنَ الْأَجْنِحَةِ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَهُ أَرْبَعَةٌ
١٩ / ٣٢٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثَلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [فاطر: ١] قَالَ «بَعْضُهُمْ: لَهُ جَنَاحَانِ، وَبَعْضُهُمْ: ثَلَاثَةٌ، وَبَعْضُهُمْ أَرْبَعَةٌ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي عِلَّةِ تَرْكِ إِجْرَاءِ مَثْنَى وَثَلَاثَ وَرُبَاعَ، وَهِيَ تَرْجَمَةٌ عَنْ أَجْنِحَةٍ، وَأَجْنِحَةٌ نَكِرَةٌ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ تَرْكُ إِجْرَاؤُهُنَّ لَأَنَّهُنَّ مَصْرُوفَاتٌ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ مَثْنَى مَصْرُوفٌ عَنِ اثْنَيْنِ، وَثَلَاثَ عَنْ ثَلَاثَةٍ، وَرُبَاعَ عَنْ أَرْبَعَةٍ، فَصَرَفَ نَظِيرَ عُمَرَ، وَزُفَرَ، إِذْ صَرْفُ هَذَا عَنْ
١٩ / ٣٢٦
عَامِرٍ إِلَى عُمَرَ، وَهَذَا عَنْ زَافِرٍ إِلَى زُفَرَ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ:
[البحر الكامل] وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُنَاءً وَمَوْحَدًا … وَتَرَكَتْ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ الْمُدْبِرِ
وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: لَمْ يَصْرِفْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوهَمُ بِهِ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي حَالِ الْعَدَدِ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: هُنَّ مَصْرُوفَاتٌ عَنِ الْمَعَارِفِ، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لَا تَدْخُلُهَا، وَالْإِضَافَةُ لَا تَدْخُلُهَا؛ قَالَ: وَلَوْ دَخَلَتْهَا الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لَكَانَتْ نَكِرَةً، وَهِيَ تَرْجَمَةٌ عَنِ النَّكِرَةِ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ، مِثْلُ: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ [سبأ: ٤٦]، وَكَذَلِكَ وَحَادَ وَأَحَادَ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَصْرُوفِ الْعَدَدِ
[البحر الكامل] وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُنَاءً وَمَوْحَدًا … وَتَرَكَتْ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ الْمُدْبِرِ
وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: لَمْ يَصْرِفْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوهَمُ بِهِ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي حَالِ الْعَدَدِ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: هُنَّ مَصْرُوفَاتٌ عَنِ الْمَعَارِفِ، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لَا تَدْخُلُهَا، وَالْإِضَافَةُ لَا تَدْخُلُهَا؛ قَالَ: وَلَوْ دَخَلَتْهَا الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لَكَانَتْ نَكِرَةً، وَهِيَ تَرْجَمَةٌ عَنِ النَّكِرَةِ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ، مِثْلُ: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ [سبأ: ٤٦]، وَكَذَلِكَ وَحَادَ وَأَحَادَ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَصْرُوفِ الْعَدَدِ
١٩ / ٣٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر: ١] وَذَلِكَ زِيَادَتُهُ تبارك وتعالى فِي خَلْقِ هَذَا الْمَلَكِ مِنَ الْأَجْنِحَةِ عَلَى الْآخَرِ مَا يَشَاءُ، وَنُقْصَانِهِ عَنِ الْآخَرِ مَا أَحَبَّ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ يَزِيدُ مَا يَشَاءُ فِي خَلْقِ مَا شَاءَ مِنْهُ، وَيَنْقُصُ مَا شَاءَ مِنْ خَلْقِ مَا شَاءَ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَهُ الْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدِيرٌ عَلَى زِيَادَةِ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا شَاءَ، وَنُقْصَانِ مَا شَاءَ مِنْهُ مِمَّنْ شَاءَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ أَرَادَهُ سُبْحَانَ هُ وَتَعَالَى
١٩ / ٣٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: ٢]⦗٣٢٨⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَفَاتِيحُ الْخَيْرِ وَمَغَالِقُهُ كُلُّهَا بِيَدِهِ؛ فَمَا يُفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ خَيْرٍ فَلَا مُغْلِقَ لَهُ، وَلَا مُمْسِكَ عَنْهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَمْرَهُ أَحَدٌ، وَكَذَلِكَ مَا يُغْلَقْ مِنْ خَيْرٍ عَنْهُمْ فَلَا يَبْسُطْهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَفْتَحْهُ لَهُمْ، فَلَا فَاتِحَ لَهُ سِوَاهُ، لِأَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا إِلَيْهِ وَلَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مَا يُفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ﴾ [فاطر: ٢] ” أَيْ مِنْ خَيْرٍ ﴿فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [فاطر: ٢] فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ حَبْسَهَا ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٢] وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَا مُمْسِكْ لَهَا﴾ [فاطر: ٢] فَأَنَّثَ مَا لِذِكْرِ الرَّحْمَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَالَ: ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسَلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٢] فَذَكَرَ لِلَفْظِ مَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَفْظُ مُذَكَّرِ، وَلَوْ أُنِّثَ فِي مَوْضِعِ التَّذْكِيرِ لِلْمَعْنَى، وَذُكِّرَ فِي مَوْضِعِ التَّأْنِيثِ لِلَّفْظِ جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَفْصَحَ مِنَ الْكَلَامِ التَّأْنِيثُ إِذَا ظَهَرَ بَعْدُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأْنِيثِهَا وَالتَّذْكِيرُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ
١٩ / ٣٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمِ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ: وَهُوَ الْعَزِيزُ فِي نَقْمَتِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ خَلْقِهِ بِحَبْسِ رَحْمَتِهِ عَنْهُ وَخَيْرَاتِهِ، الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ، وَفَتْحِهِ لَهُمُ الرَّحْمَةُ إِذَا كَانَ فَتْحُ ذَلِكَ صَلَاحًا، وَإِمْسَاكِهِ إِيَّاهُ عَنْهُمْ إِذَا كَانَ إِمْسَاكُهُ حِكْمَةً
١٩ / ٣٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قُرَيْشٍ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ الَّتِي أَنْعَمَهَا ﴿عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠] بِفَتْحِهِ لَكُمْ مِنْ خَيْرَاتِهِ مَا فَتْحَ وَبَسْطِهِ لَكُمْ مِنَ الْعَيْشِ مَا بَسَطَ وَفَكَّرُوا فَانْظُرُوا هَلْ مِنْ خَالِقٍ سِوَى فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي بِيَدِهِ مَفَاتِيحُ أَرْزَاقِكُمْ وَمَغَالِقُهَا ﴿يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ٣١] فَتَعْبُدُوهُ دُونَهُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [البقرة: ١٦٣] يَقُولُ: لَا مَعْبُودَ تَنْبَغِي لَهُ الْعِبَادَةُ إِلَّا الَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتَ وَالْأَرْضَ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِيَدِهِ مَفَاتِحُ الْأَشْيَاءِ وَخَزَائِنُهَا، وَمَغَالِقُ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَا تَعْبُدُوا أَيُّهَا النَّاسُ شَيْئًا سِوَاهُ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعِكُمْ وَضُرِّكُمْ سِوَاهُ، فَلَهُ فَأَخْلِصُوا الْعِبَادَةَ، وَإِيَّاهُ فَأَفْرِدُوا بِالْأُلُوهَةِ ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] يَقُولُ: فَأَيُّ وَجْهٍ عَنْ خَالِقِكُمْ وَرَازِقِكُمُ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعُكُمْ وَضَرُّكُمْ تُصْرَفُونَ
١٩ / ٣٢٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: ٣] «يَقُولُ الرَّجُلُ: إِنَّهُ لَيَوْفِكَ عَنِّي كَذَا وَكَذَا» وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الْإِفْكِ، وَتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: ٣] فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ تَكْرِيرِهِ
١٩ / ٣٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ
١٩ / ٣٢٩
بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [فاطر: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِنْ يُكَذِّبُكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ فَلَا يُحْزِنَنَّكَ ذَاكَ، وَلَا يَعْظُمُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ أَمْثَالِهِمْ مِنْ كَفَرَةِ الْأُمَمِ بِاللَّهِ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِكَ، وَلَنْ يَعْدُو مُشْرِكُو قَوْمِكَ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، فَيَتَّبِعُوا فِي تَكْذِيبِكَ مِنْهَاجَهُمْ، وَيَسْلُكُوا سَبِيلَهُمْ ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة: ٢١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِلَى اللَّهِ مَرْجِعُ أَمْرِكَ وَأَمْرِهِمْ، فَمُحِلٌّ بِهِمُ الْعُقُوبَةَ، إِنْ هُمْ لَمْ يُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِنَا فِي اتِّبَاعِكَ، وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِكَ، وَقَبُولِ مَا دَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَةِ، نَظِيرَ مَا أَحْلَلْنَا بِنَظَرَائِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا قَبْلَكُ، وَمُنْجِيكَ وَأَتْبَاعَكَ مِنْ ذَلِكَ سُنَّتَنَا بِمَنْ قَبْلَكَ فِي رُسُلِنَا وَأَوْلِيَائِنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فاطر: ٤] «يُعَزِّي نَبِيَّهُ كَمَا تَسْمَعُونَ»
١٩ / ٣٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهَ حَقٌّ﴾ [فاطر: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ، الْمُكَذِّبِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ إِيَّاكُمْ بَأْسَهُ عَلَى إِصْرَارِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ، وَتَكْذِيبِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَتحْذِيرِكُمْ نُزُولَ سَطْوَتِهِ بِكُمْ عَلَى
١٩ / ٣٣٠
ذَلِكَ حَقٌّ، فَأَيْقِنُوا بِذَلِكَ، وَبَادِرُوا حُلُولَ عُقُوبَتَكُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [لقمان: ٣٣] يَقُولُ: فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَيْشِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَرِيَاسَتُكُمُ الَّتِي تَتَرَأَّسُونَ بِهَا فِي ضُعَفَائِكُمْ فِيهَا عَنِ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ وَالْإِيمَانِ ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغُرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] يَقُولُ: وَلَا يَخْدَعَنَّكُمْ بِاللَّهِ الشَّيْطَانُ، فَيُمَنِّيكُمُ الْأَمَانِيَّ، وَيَعِدُكُمْ مِنَ اللَّهِ الْعِدَاتَ الْكَاذِبَةَ، وَيَحْمِلُكُمْ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِاللَّهِ
١٩ / ٣٣١
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغُرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] يَقُولُ: «الشَّيْطَانُ»
١٩ / ٣٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ﴾ [الأعراف: ٢٢] الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تَغْتَرُّوا بِغُرُورِهِ إِيَّاكُمْ بِاللَّهِ ﴿لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر: ٦] يَقُولُ: فَأَنْزِلُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَنْزِلَ الْعَدُوِّ مِنْكُمْ، وَاحْذَرُوهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَاسْتِغْشَاشِكُمْ إِيَّاهُ، حَذَّرَكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمُ الَّذِي تَخَافُونَ غَائِلَتَهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ، يَعْنِي شِيعَتَهُ، وَمَنْ أَطَاعَهُ إِلَى طَاعَتِهِ وَالْقُبُولِ مِنْهُ، وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ ﴿لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦] يَقُولُ: لِيَكُونُوا مِنَ الْمُخَلَّدِينِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ الَّتِي تَتَوَقَّدُ عَلَى أَهْلِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ [فاطر: ٦] «فَإِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَدَاوَتُهُ، وَعَدَاوَتُهُ أَنْ يُعَادِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ» ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ﴾ [فاطر: ٦] «وَحِزْبُهُ: أَوْلِيَاؤُهُ» ﴿لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦] «أَيْ لِيَسُوقَهُمْ إِلَى النَّارِ، فَهَذِهِ عَدَاوَتُهُ»
١٩ / ٣٣٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦] وَقَالَ: «هَؤُلَاءِ حِزْبُهُ مِنَ الْإِنْسِ، يَقُولُ: أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ، وَالْحِزْبُ: وُلَاتُهُ الَّذِينَ يَتَوَلَّاهُمْ وَيَتَوَلَّوْنَهُ» وَقَرَأَ: ﴿إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٦]
١٩ / ٣٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [فاطر: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٦] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿لَهُمْ عَذَابٌ﴾ [آل عمران: ٤] مِنَ اللَّهِ ﴿شَدِيدٌ﴾ [البقرة: ١٦٥]، وَذَلِكَ عَذَابُ النَّارِ وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٩] يَقُولُ: وَالَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعَمِلُوا بِمَا ⦗٣٣٣⦘ أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] مِنَ اللَّهِ لِذُنُوبِهِمْ ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١١] وَذَلِكَ الْجَنَّةُ
١٩ / ٣٣٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١١] «وَهِيَ الْجَنَّةٌ»
١٩ / ٣٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَمِنْ حَسَّنَ لَهُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُ السَّيِّئَةَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، وَعِبَادَةِ مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، فَرَآهُ حَسَنًا، فَحَسِبَ سَيِّئَ ذَلِكَ حَسَنًا، وَظَنَّ أَنَّ قُبْحَهُ جَمِيلٌ، لِتَزْيِينِ، الشَّيْطَانِ ذَلِكَ لَهُ، ذَهَبَتْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ؛ وَحَذَفَ مِنَ الْكَلَامِ: ذَهَبَتْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ، اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] مِنْهُ
١٩ / ٣٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨] يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِكَ وَتَصْدِيقِكَ، فَيُضِلَّهُ عَنِ الرَّشَادِ إِلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ، ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [يونس: ٢٥] يَقُولُ: وَيُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِكَ، وَالْقُبُولِ مِنْكَ، فَتَهْدِيهِ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨]⦗٣٣٤⦘ يَقُولُ: فَلَا تُهْلِكْ نَفْسَكَ حُزْنًا عَلَى ضَلَالَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ لَكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَفَمِنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨] قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: «الشَّيْطَانُ زَيَّنَ لَهُمْ» ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] «لَا يُحْزُنْكَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلَّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»
١٩ / ٣٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] قَالَ: “الْحَسَرَاتُ: الْحُزْنُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ وَوَقَعَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨] مَوْضِعَ الْجَوَّابِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْبَعُ الْجَوَّابِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ هُوَ الْمَتْرُوكُ الَّذِي ذَكَرْتُ، فَاكْتَفَى بِهِ مِنَ الْجَوَابِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجَوَّابِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ ⦗٣٣٥⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر: ٨] فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ﴾ [فاطر: ٨] بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ ﴿تَذْهَبْ﴾ [فاطر: ٨]، وَنَفْسُكَ بِرَفْعِهَا وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ: (فَلَا تُذْهِبْ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ ﴿تَذْهَبْ﴾ [فاطر: ٨]، وَنَفْسُكَ بِنَصْبِهَا، بِمَعْنَى: لَا تُذْهَبْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ نَفْسَكَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ
١٩ / ٣٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [فاطر: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ مُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ، وَمُجَازِيهِمْ بِهِ جَزَاءَهُمْ
١٩ / ٣٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ [فاطر: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرَ السَّحَابَ لِلْحَيَا وَالْغَيْثِ ﴿فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ [فاطر: ٩] يَقُولُ: فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مُجْدِبِ الْأَهْلِ، مُحِلِّ الْأَرْضِ، دَاثِرٍ لَا نَبْتَ فِيهِ وَلَا زَرْعَ ﴿فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [فاطر: ٩] يَقُولُ: فَأَخْصَبْنَا بِغَيْثِ ذَلِكَ السَّحَابِ الْأَرْضَ الَّتِي سُقْنَاهُ إِلَيْهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا، وَأَنْبَتْنَا فِيهَا الزَّرْعَ بَعْدَ الْمَحْلِ ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ [فاطر: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَكَذَا يَنْشُرُ اللَّهُ الْمَوْتَى بَعْدَ بَلَائِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ، ⦗٣٣٦⦘ فَيُحْيِيهِمْ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، كَمَا أُحْيَيْنَا هَذِهِ الْأَرْضَ بِالْغَيْثِ بَعْدَ مَمَاتِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، فَلَيْسَ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَفِي الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ: فَيُرْسِلُ اللَّهُ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرَّجُلِ، فَتُنْبُتْ أَجْسَادُهُمْ وَلَحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا تُنْبِتُ الْأَرْضَ مِنَ الثَّرَى، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ [فاطر: ٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ [فاطر: ٩] قَالَ: ثُمَّ يَقُومُ مَلَكٌ بِالصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ، فَتَنْطَلِقُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَى جَسَدِهَا، فَتَدْخُلَ فِيهِ»
١٩ / ٣٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ [فاطر: ٩] قَالَ: «يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتَسُوقُ السَّحَابَ، فَأَحْيَا اللَّهُ بِهِ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِهَذَا الْمَاءِ، فَكَذَلِكَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٩ / ٣٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: ١٠]⦗٣٣٧⦘ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: ١٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ بِعِبَادَةِ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا
١٩ / ٣٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ [فاطر: ١٠] يَقُولُ: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ بِعِبَادَتِهِ الْآلِهَةَ» ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: ١٣٩] وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّهِ
١٩ / ٣٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ [فاطر: ١٠] يَقُولُ: «فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ عِلْمَ الْعِزَّةِ لِمَنْ هِيَ، فَإِنَّهُ لِلَّهِ جَمِيعًا كُلُّهَا: أَيْ كُلُّ وَجْهٍ مِنَ الْعِزَّةِ فَلِلَّهِ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ، فَبِاللَّهِ فَلْيَتَعَزَّزْ، فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا، دُونَ كُلِّ مَا دُونَهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ⦗٣٣٨⦘ وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، جَرَتْ بِتَقْرِيعِ اللَّهِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ، وَتَوْبِيخِهِ إِيَّاهُمْ، وَوَعِيدِهِ لَهُمْ عَلَيْهَا، فَأَوْلَى بِهَذِهِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْحَثِّ عَلَى فِرَاقِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، وَكَانَتْ فِي سِيَاقِهَا
١٩ / ٣٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِلَى اللَّهِ يَصْعَدُ ذِكْرُ الْعَبْدِ إِيَّاهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] يَقُولُ: وَيُرْفَعُ ذِكْرُ الْعَبْدِ رَبَّهُ إِلَيْهِ عَمَلَهُ الصَّالِحَ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنْ أَبِيهِ الْمُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: قَالَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ: “إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثٍ أَتَيْنَاكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ، أَخَذَهُنَّ مَلَكٌ، فَجَعَلَهُنَّ تَحْتَ جَنَاحَيْهِ، ثُمَّ صَعِدَ بِهِنَّ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا يَمُرُّ بِهِنَّ عَلَى جَمْعٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا اسْتَغْفَرُوا لِقَائِلِهِنَّ حَتَّى يُحَيِّيَ بِهِنَّ وَجْهَ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠]
١٩ / ٣٣٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: «إِنَّ لِسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَدَوِيًّا حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيٍّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِي الْخَزَائِنِ»
١٩ / ٣٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَوْلُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: «الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ»
١٩ / ٣٣٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: «الْكَلَامُ الطَّيِّبُ: ذِكْرُ اللَّهِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ: أَدَاءُ فَرَائِضِهِ؛ فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، حُمِلَ عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ، وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ، رَدَّ كَلَامَهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ»
١٩ / ٣٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٣٤٠⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: «الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ»
١٩ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ قَوْلًا إِلَّا بِعَمَلٍ، مَنْ قَالَ وَأَحْسَنَ الْعَمَلَ قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ»
١٩ / ٣٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ [فاطر: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَكْسِبُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثني سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: «هَؤُلَاءِ أَهْلُ الشِّرْكِ»
١٩ / ٣٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: ١٠] يَقُولُ: وَعَمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَبُورُ، فَيَبْطُلُ فَيَذْهَبُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ، فَلَمْ يَنْفَعْ عَامِلَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: ١٠] «أَيْ يَفْسَدُ»
١٩ / ٣٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: «هُمْ أَصْحَابُ الرِّيَاءِ»
١٩ / ٣٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرٌ الْأَحْمَرُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: «هُمْ أَصْحَابُ الرِّيَاءِ»
١٩ / ٣٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: ١٠] قَالَ: «بَارَ فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، وَضَرَّهُمْ»
١٩ / ٣٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ ⦗٣٤٢⦘ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ﴾ [النحل: ٧٠] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿مِنْ تُرَابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ أَبَاهُمْ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، فَجَعَلَ خَلْقَ أَبِيهِمْ مِنْهُ لَهُمْ خَلْقًا ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [الكهف: ٣٧] يَقُولُ: ثُمَّ خَلَقَكُمْ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [فاطر: ١١] يَعْنِي أَنَّهُ زَوَّجَ مِنْهُمُ الْأُنْثَى مِنَ الذِّكْرِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [فاطر: ١١] «يَعْنِي آدَمَ» ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [الكهف: ٣٧] «يَعْنِي ذُرِّيَّتَهُ» ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [فاطر: ١١] «فَزَوَّجَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا»
١٩ / ٣٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ [فاطر: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ حَمْلٍ وَلَا نُطْفَةٍ إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ بِحَمْلِهَا إِيَّاهُ وَوَضْعِهَا، وَمَا هُوَ؟ ذَكَرٌ أَوِ أُنْثَى؟ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
١٩ / ٣٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [فاطر: ١١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ فَيَطُولُ عُمُرُهُ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ آخَرَ غَيْرِهِ عَنْ عُمُرِ هَذَا الَّذِي عَمَّرَ عُمْرًا طَوِيلًا ﴿إِلَّا فِي ⦗٣٤٣⦘ كِتَابٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] عِنْدَهُ، مَكْتُوبٌ قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ بِهِ أُمُّهُ، وَقَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ، قَدْ أَحْصَى ذَلِكَ كُلَّهُ وَعَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ، لَا يُزَادُ فِيمَا كُتِبَ لَهُ وَلَا يُنْقَصُ
١٩ / ٣٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ [فاطر: ١١] إِلَى ﴿يَسِيرٌ﴾ [فاطر: ١١] يَقُولُ: «لَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ طُولَ الْعُمُرِ وَالْحَيَاةَ إِلَّا وَهُوَ بَالِغٌ مَا قَدَّرْتُ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ، وَقَدْ قَضَيْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي قَدَّرْتُ لَهُ، لَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ وَلَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ أَنَّهُ قَصِيرُ الْعُمُرِ وَالْحَيَاةِ بِبَالِغٍ الْعُمُرَ، وَلَكِنْ يَنْتَهِي إِلَى الْكِتَابِ الَّذِي قَدَّرْتُ لَهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [فاطر: ١١] يَقُولُ: «كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ»
١٩ / ٣٤٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: «مِنْ قَضَيْتُ لَهُ أَنْ يُعَمَّرَ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْكِبَرُ، أَوْ يُعَمَّرَ أُنْقِصَ مِنْ ذَلِكَ، فَكُلٌّ بَالِغٌ أَجَلَهُ الَّذِي قَدْ قَضَى لَهُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ»
١٩ / ٣٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [فاطر: ١١] قَالَ: «أَلَا تَرَى النَّاسُ الْإِنْسَانَ يَعِيشُ مِائَةَ سَنَةٍ، وَآخَرَ يَمُوتُ حِينَ يُولَدُ؟ فَهَذَا هَذَا» فَالْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ [فاطر: ١١] عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ الْمُعَمَّرِ الْأَوَّلِ، فَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ أُظْهِرَ لَظَهَرَ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: عِنْدِي ثَوْبٌ وَنِصْفُهُ، وَالْمَعْنَى: وَنِصْفُ الْآخَرِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ بِفِنَاءِ مَا فَنِيَ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، فَذَلِكَ هُوَ نُقْصَانُ عُمُرِهِ وَالْهَاءُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْمُعَمَّرِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: مَا يَطُولُ عُمُرُ أَحَدٍ، وَلَا يَذْهَبُ مِنْ عُمُرِهِ شَيْءٌ فَيَنْقُصَ إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ مَكْتُوبٌ قَدْ أَحْصَاهُ وَعَلِمَهُ
١٩ / ٣٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [فاطر: ١١] قَالَ: «مَا يَقْضِي مِنْ أَيَّامِهِ الَّتِي عُدَدْتُ لَهُ إِلَّا فِي كِتَابٍ»
⦗٣٤٥⦘ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَظْهَرُ مَعْنَيَيْهِ، وَأَشْبَهُهُمَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ
١٩ / ٣٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ إِحْصَاءَ أَعْمَارِ خَلْقِهِ عَلَيْهِ يَسِيرٌ سَهْلٌ، طَوِيلُ ذَلِكَ وَقَصِيرُهُ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ
١٩ / ٣٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [فاطر: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَعْتَدِلُ الْبَحْرَانِ فَيَسْتَوِيَانِ، أَحَدُهُمَا عَذْبٌ فُرَاتٌ؛ وَالْفُرَاتُ: هُوَ أَعْذَبُ الْعَذْبِ، ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [الفرقان: ٥٣] يَقُولُ: وَالْآخَرُ مِنْهُمَا مِلْحٌ أُجَاجٌ، وَذَلِكَ هُوَ مَاءُ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ؛ وَالْأُجَاجُ: الْمُرُّ، وَهُوَ أَشَدُّ الْمِيَاهِ مُلُوحَةً
١٩ / ٣٤٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَهَذَا ⦗٣٤٦⦘ مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [فاطر: ١٢] «وَالْأُجَاجُ: الْمُرُّ»
١٩ / ٣٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [فاطر: ١٢] يَقُولُ: وَمِنْ كُلِّ الْبِحَارِ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا، وَذَلِكَ السَّمَكُ مِنْ عَذْبِهِمَا الْفُرَاتِ، وَمِلْحِهِمَا الْأُجَاجِ ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر: ١٢] يَعْنِي: الدُّرَّ وَالْمَرْجَانَ تَسْتَخْرِجُونَهَا مِنَ الْمِلْحِ الْأُجَاجِ. وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ وَجْهَ ﴿تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً﴾ [فاطر: ١٢]، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْمِلْحِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ [فاطر: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَرَى السُّفُنَ فِي كُلِّ تِلْكَ الْبِحَارِ مَوَاخِرَ، تَمْخَرُ الْمَاءَ بِصُدُورِهَا، وَذَلِكَ خَرْقُهَا إِيَّاهُ إِذَا مَرَّتْ وَاحِدَتُهَا مَاخِرَةً يُقَالُ مِنْهُ: مَخَرَتْ تَمْخَرُ، وَتَمْخَرُ مَخْرًا، وَذَلِكَ إِذَا شَقَّتِ الْمَاءَ بِصُدُورِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [فاطر: ١٢] «أَيْ مِنْهُمَا جَمِيعًا ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فاطر: ١٢] هَذَا اللُّؤْلُؤُ، ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ [فاطر: ١٢] فِيهِ السُّفُنُ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ»
١٩ / ٣٤٦
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٣٤٧⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ [فاطر: ١٢] يَقُولُ: «جَوَارِيَ»
١٩ / ٣٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الإسراء: ٦٦] يَقُولُ: لِتَطْلُبُوا بِرُكُوبِكُمْ فِي هَذِهِ الْبِحَارِ فِي الْفُلْكِ مِنْ مَعَايشِكُمْ، وَلِتَتَصَرَّفُوا فِيهَا فِي تِجَارَاتِكُمْ، وَتَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى تَسْخِيرِهِ ذَلِكَ لَكُمْ، وَمَا رَزَقَكُمْ مِنْهُ مِنْ طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَفَاخِرِ الْحُلِيِّ
١٩ / ٣٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُدْخِلُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وَذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنَ اللَّيْلِ أَدْخَلَهُ فِي النَّهَارِ فَزَادَهُ فِيهِ، وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ أَجْزَاءِ النَّهَارِ زَادَ فِي أَجْزَاءِ اللَّيْلِ، فَأَدْخَلَهُ فِيهَا
١٩ / ٣٤٧
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ «زِيَادَةُ هَذَا فِي نُقْصَانِ هَذَا، وَنُقْصَانُ هَذَا فِي زِيَادَةِ هَذَا»
١٩ / ٣٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [فاطر: ١٣] يَقُولُ: «هُوَ انْتِقَاصُ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ»
١٩ / ٣٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الرعد: ٢] يَقُولُ: وَأَجْرَى لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةً مِنْهُ بِكُمْ، لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، وَتَعْرِفُوا اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ
١٩ / ٣٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الرعد: ٢] يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الرعد: ٢] «أَجْلٍ مَعْلُومٍ وَحَدٍّ لَا يَقْصُرُ دُونَهُ وَلَا يَتَعَدَّاهُ»
١٩ / ٣٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٢]
١٩ / ٣٤٨
يَقُولُ: الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مَعْبُودُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَهُوَ اللَّهُ رَبُّكُمْ
١٩ / ٣٤٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ﴾ [فاطر: ١٣] «أَيْ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ هَذَا»
١٩ / ٣٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَهُ الْمُلْكُ التَّامُّ الَّذِي لَا شَيْءَ إِلَّا وَهُوَ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ
١٩ / ٣٤٨
وَقَوْلُهُ ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ تَعْبُدُونَ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ دُونِ رَبِّكُمُ الَّذِي هَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّذِي لَهُ الْمُلْكُ الْكَامِلُ، الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ مُلْكٌ، صِفَتُهُ ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] يَقُولُ: مَا يَمْلِكُونَ قِشْرَ نَوَاةٍ فَمَا فَوْقَهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] قَالَ: «هُوَ جِلْدُ النَّوَاةِ»
١٩ / ٣٤٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] يَقُولُ: «الْجِلْدُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ النَّوَاةِ»
١٩ / ٣٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] «يَعْنِي: قِشْرَ النَّوَاةِ»
١٩ / ٣٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٥٠⦘ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] قَالَ: «لِفَافَةُ النَّوَاةِ كَسَحَاةِ الْبَيْضَةِ»
١٩ / ٣٤٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] وَالْقِطْمِيرُ: الْقِشْرَةُ الَّتِي عَلَى رَأْسِ النَّوَاةِ “
١٩ / ٣٥٠
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر: ١٣] قَالَ: «هُوَ الْقَمْعُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى التَّمْرَةِ»
١٩ / ٣٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا مُرَّةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، قَالَ: «الْقِطْمِيرُ: قِشْرُ النَّوَاةِ»
١٩ / ٣٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]
١٩ / ٣٥٠
قَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ تَدْعُوا أَيُّهَا النَّاسُ هَؤُلَاءِ الْآلِهَةَ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ، لِأَنَّهَا جَمَادٌ لَا تُفْهَمُ عَنْكُمْ مَا تَقُولُونَ ﴿وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] يَقُولُ: وَلَوْ سَمِعُوا دُعَاءَكُمْ إِيَّاهُمْ، وَفَهِمُوا عَنْكُمْ أَنَّهَا قَوْلُكُمْ، بِأَنْ جُعِلَ لَهُمْ سَمْعٌ يَسْمَعُونَ بِهِ، مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نَاطِقَةً، وَلَيْسَ كُلُّ ⦗٣٥١⦘ سَامِعٍ قَوْلًا مُتَيَسَّرًا لَهُ الْجَوَّابُ عَنْهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ: فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَهُوَ لَا نَفْعَ لَكُمْ عِنْدَهُ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ضُرِّكُمْ، وَتَدَعُونَ عِبَادَةَ الَّذِي بِيَدِهِ نَفْعُكُمْ وَضُرُّكُمْ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] «أَيْ مَا قَبِلُوا ذَلِكَ عَنْكُمْ، وَلَا نَفَعُوكُمْ فِيهِ»
١٩ / ٣٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَتَبَرَّأُ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي الدُّنْيَا
١٩ / ٣٥١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: ١٤] «إِيَّاهُمْ، وَلَا يَرْضَوْنَ، وَلَا يَقِرُّونَ بِهِ»
١٩ / ٣٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكُ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يُخْبِرُكَ يَا مُحَمَّدُ عَنْ آلِهَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهَا وَأَمْرِ عَبَدَتِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ تَبَرُّئِهَا مِنْهُمْ، وَكُفْرِهَا بِهِمْ، مِثْلُ ذِي خِبْرَةٍ بِأَمْرِهَا وَأَمْرِهِمْ؛ وَذَلِكَ الْخَبِيرُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا ⦗٣٥٢⦘ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أَوْ يَكُونُ سُبْحَانَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤] «وَاللَّهُ هُوَ الْخَبِيرُ أَنَّهُ سَيَكُونُ هَذَا مِنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٩ / ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ أُولُو الْحَاجَةِ وَالْفَقْرِ إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا، وَفِي رِضَاهُ فَسَارِعُوا، يُغْنِكُمْ مِنْ فَقْرِكُمْ، وَتَنْجَحْ لَدَيْهِ حَوَائِجُكُمْ ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ [فاطر: ١٥] عَنْ عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَعَنْ خِدْمَتِكُمْ، وَعَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ ﴿الْحَمِيدُ﴾ [إبراهيم: ١] يَعْنِي: الْمَحْمُودُ عَلَى نِعَمِهِ، فَإِنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ بِكُمْ وَبِغَيْرِكُمْ فَمِنْهُ، فَلَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ بِكُلِّ حَالٍ
١٩ / ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [فاطر: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ يَشَأْ يُهْلِكَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ رَبُّكُمْ، لِأَنَّهُ أَنْشَأَكُمْ مِنْ غَيْرِ مَا حَاجَةٍ بِهِ إِلَيْكُمْ ﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٩] يَقُولُ: وَيَأْتِ بِخَلْقٍ سِوَاكُمْ يُطِيعُونَهُ، ⦗٣٥٣⦘ وَيَأْتَمِرُونَ لَأَمْرِهِ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ
١٩ / ٣٥٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٩] «أَيْ وَيَأْتِ بِغَيْرِكُمْ»
١٩ / ٣٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم: ٢٠] يَقُولُ: وَمَا إِذْهَابُكُمْ وَالْإِتْيَانُ بِخَلْقٍ سِوَاكُمْ عَلَى اللَّهِ بِشَدِيدٍ، بَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِ يَسِيرٌ سَهْلٌ، يَقُولُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَطِيعُوهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ بِكُمْ ذَلِكَ
١٩ / ٣٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَحْمِلُ آثِمَةٌ إِثْمَ أُخْرَى غَيْرِهَا ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حَمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى: وَإِنْ تَسْأَلْ ذَاتُ ثُقْلٍ مِنَ الذُّنُوبِ مَنْ يَحْمِلُ عَنْهَا ذُنُوبَهَا، وَتَطْلُبُ ذَلِكَ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَحْمِلُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْهَا، وَلَوْ كَانَ الَّذِي سَأَلَتْهُ ذَا قَرَابَةٍ مِنْ أَبٍّ أَوْ أَخٍّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حَمْلِهَا لَا يُحْمَلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨] يَقُولُ: «يَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرٌ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَحْمِلُ ⦗٣٥٤⦘ عَنْهُ مِنْ وِزْرِهِ شَيْئًا» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حَمْلِهَا لَا يُحْمَلُ مِنْهُ شَيْءٌ﴾ [فاطر: ١٨] كَنَحْوِ: ﴿لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر: ١٨]
١٩ / ٣٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حَمْلِهَا﴾ [فاطر: ١٨] ” إِلَى ذُنُوبِهَا ﴿لَا يُحْمَلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [فاطر: ١٨] أَيْ قَرِيبُ الْقَرَابَةِ مِنْهَا، لَايَحْمِلُ مِنْ ذُنُوبِهَا شَيْئًا، وَلَا تَحْمِلُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ ذُنُوبِهَا شَيْئًا ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر: ١٨] وَنَصَبَ ذَا قُرْبَى عَلَى تَمَامِ كَانَ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَسْأَلُهُ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهَا ذُنُوبَهَا ذَا قُرْبَى لَهَا؛ وَأُنِّثَتْ مُثْقَلَةٌ، لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِالْكَلَامِ إِلَى النَّفْسِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْقَلَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ إِلَى حَمْلِ ذُنُوبِهَا وَإِنَّمَا قِيلَ كَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ تُؤَدِّي عَنِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، كَمَا قِيلَ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
١٩ / ٣٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّمَا تُنْذِرُ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ يَخَافُونَ عِقَابَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ مُعَايَنَةٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ لِإِيمَانِهِمْ بِمَا أَتَيْتُهُمْ بِهِ، وَتَصْدِيقِهِمْ لَكَ فِيمَا أَنْبَأْتَهُمْ عَنِ اللَّهِ؛ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفَعُهُمْ إِنْذَارُكَ، وَيَتَّعِظُونَ بِمَوَاعِظِكَ، لَا الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ
١٩ / ٣٥٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ [فاطر: ١٨] «أَيْ يَخْشَوْنَ النَّارَ»
١٩ / ٣٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٢٧٧] يَقُولُ: وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا عَلَى مَا فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ
١٩ / ٣٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَتَطَهَّرْ مِنْ دَنَسِ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّمَا يَتَطَهَّرُ لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُثِيبُهَا بِهِ رِضَا اللَّهِ، وَالْفَوْزَ بِجِنَانِهِ، وَالنَّجَاةَ مِنْ عِقَابِهِ، الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ
١٩ / ٣٥٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ١٨] «أَيْ مَنْ يَعْمَلْ صَالِحًا فَإِنَّمَا يَعْمَلُهُ لِنَفْسِهِ»
١٩ / ٣٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: ٢٨] يَقُولُ: وَإِلَى اللَّهِ مَصِيرُ كُلِّ عَامَلٍ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، مُؤْمِنُكُمْ وَكَافِرُكُمْ، وَبَرُّكُمْ وَفَاجِرُكُمْ، وَهُوَ مُجَازٍ جَمِيعَكُمْ بِمَا قَدَّمَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ عَلَى مَا أُهِلَّ مِنْهُ
١٩ / ٣٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾ [فاطر: ١٩] عَنْ دَيْنِ اللَّهِ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ ﴿وَالْبَصِيرُ﴾ [الأنعام: ٥٠] الَّذِي قَدْ أَبْصَرَ فِيهِ رُشْدَهُ، فَاتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَصَدَّقَهُ، وَقَبِلَ عَنِ اللَّهِ مَا ابْتَعَثَهُ بِهِ ﴿وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ﴾ [فاطر: ٢٠] يَقُولُ: وَمَا تَسْتَوِي ظُلُمَاتُ الْكُفْرِ، وَنُورُ الْإِيمَانِ، ﴿وَلَا الظِّلُّ﴾ [فاطر: ٢١] قِيلَ: وَلَا الْجَنَّةُ ﴿وَلَا الْحَرُورُ﴾ [فاطر: ٢١] قِيلَ: النَّارُ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: وَمَا تَسْتَوِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ؛ وَالْحَرُورُ بِمَنْزِلَةِ السِّمُومِ، وَهِيَ الرِّيَاحُ الْحَارَّةُ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَرُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٩ / ٣٥٦
وَالنَّهَارُ مَعَ الشَّمْسِ وَأَمَّا الْفَرَّاءُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَرُورُ يَكُونُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالسَّمُومُ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالنَّهَارِ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّ الْحَرُورَ يَكُونُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِأَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَشْبَهُ مَعَ الشَّمْسِ، لِأَنَّ الظِّلَّ إِنَّمَا يَكُونُ فِي يَوْمٍ شَمِسٍ، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْحَرُورِ: الَّذِي يُوجَدُ فِي حَالِ وُجُودِ الظِّلِّ
١٩ / ٣٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ [فاطر: ٢٢] يَقُولُ: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ الْقُلُوبُ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَعْرِفَةِ تَنْزِيلِ اللَّهِ، وَالْأَمْوَاتُ الْقُلُوبُ لَغَلَبَةِ الْكُفْرِ عَلَيْهَا، حَتَّى صَارَتْ لَا تَعْقِلُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَلَا تَعْرِفُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ؛ وَكُلُّ هَذِهِ أَمْثَالٌ ضَرَبَهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْإِيمَانِ، وَالْكَافِرِ وَالْكُفْرِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ [فاطر: ١٩] الْآيَةَ، قَالَ: «هُوَ مِثْلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ وَأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ. يَقُولُ: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالظُّلُمَاتُ وَالْحَرُورُ، وَلَا الْأَمْوَاتُ، فَهُوَ مَثَلُ أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَسْتَوِي الْبَصِيرُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَالْأَحْيَاءُ، فَهُوَ مَثَلُ أَهْلِ الطَّاعَةِ»
١٩ / ٣٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَسْتَوِي ⦗٣٥٨⦘ الْأَعْمَى﴾ [فاطر: ١٩] «الْآيَةَ خَلْقًا، فَضَّلَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؛ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَعَبْدٌ حَيُّ الْأَثَرِ، حَيُّ الْبَصَرِ، حَيُّ النِّيَّةِ، حَيُّ الْعَمَلِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَعَبْدٌ مَيِّتٌ، مَيِّتُ الْبَصَرِ، مَيِّتُ الْقَلْبِ، مَيِّتُ الْعَمَلِ»
١٩ / ٣٥٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ [فاطر: ٢٠] قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ؛ فَالْمُؤْمِنُ بَصِيرٌ فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْكَافِرُ أَعْمَى، كَمَا لَا يَسْتَوِي الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَلَا الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي هَذَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُبْصِرُ دِينَهُ، وَلَا هَذَا الْأَعْمَى، وَقَرَأَ: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ قَالَ: الْهُدَى الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ بِهِ وَنَوَّرَ لَهُ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِهَذَا الْمُؤْمِنِ الَّذِي يُبْصِرُ دِينَهُ، وَهَذَا الْكَافِرِ الْأَعْمَى، فَجَعَلَ الْمُؤْمِنَ حَيًّا، وَجَعَلَ الْكَافِرَ مَيِّتًا، مَيِّتَ الْقَلْبِ ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ قَالَ: هَدَيْنَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ كَمَنْ مِثْلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ أَعْمَى الْقَلْبِ، وَهُوَ فِي الظُّلُمَاتِ، أَهَذَا وَهَذَا سَوَاءٌ؟ «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ» لَا» مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ
١٩ / ٣٥٨
: ﴿وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ﴾ [فاطر: ٢٠] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قَالَ: وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، فَيُشْبِهُّ أَنْ تَكُونَ لَا زَائِدَةً، لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: لَا يَسْتَوِي عَمْرٌو وَلَا زَيْدٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ تَكُونَ «لَا» زَائِدَةً؛ وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَدْخُلْ «لَا» مَعَ الْوَاوِ، فَإِنَّمَا لَمْ تَدْخُلِ اكْتِفَاءً بِدُخُولِهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، فَإِذَا أُدْخِلَتْ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِالْكَلَامِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُسَاوِي صَاحِبَهُ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا أُعِيدَتْ «لَا» مَعَ الْوَاوِ عِنْدَ صَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ: لَا يُسَاوِي الْأَعْمَى الْبَصِيرَ وَلَا يُسَاوِي الْبَصِيرُ الْأَعْمَى، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُسَاوِي صَاحِبَهُ
١٩ / ٣٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَ مَنْ فِي الْقُبُورِ كِتَابَ اللَّهِ، فَيَهْدِيهِمْ بِهِ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، فَكَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْفَعَ بِمَوَاعِظِ اللَّهِ، وَبَيَانِ حُجَجِهِ، مَنْ كَانَ مَيِّتَ الْقَلْبِ مِنْ أَحْيَاءِ عِبَادِهِ، عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ، وَفَهْمِ كِتَابِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَوَاضِحِ حُجَجِهِ
١٩ / ٣٥٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ ⦗٣٦٠⦘ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [فاطر: ٢٢] «كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَسْمَعُ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَسْمَعُ»
١٩ / ٣٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ تَنْذِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَمْ يُرْسِلْكَ رَبُّكَ إِلَيْهِمْ إِلَّا لِتُبَلِّغَهُمْ رِسَالَتَهُ، وَلَمْ يُكَلِّفْكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا لَا سَبِيلَ لَكَ إِلَيْهِ؛ فَأَمَّا اهْتِدَاؤُهُمْ وَقُبُولُهُمْ مِنْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ لَا بِيَدِكَ، وَلَا بِيَدِ غَيْرِكَ مِنَ النَّاسِ، فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنْ هُمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ
١٩ / ٣٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [فاطر: ٢٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ [البقرة: ١١٩] يَا مُحَمَّدُ ﴿بِالْحَقِّ﴾ [البقرة: ٧١] وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَشَرَائِعُ الدِّينِ الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَى عِبَادِهِ ﴿بَشِيرًا﴾ [البقرة: ١١٩] يَقُولُ: مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ مَنْ صَدَّقَكَ وَقَبِلَ مِنْكَ مَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ النَّصِيحَةِ ﴿وَنَذِيرًا﴾ [البقرة: ١١٩] تَنْذِرُ النَّاسَ مَنْ كَذَّبَكَ وَرَدَّ عَلَيْكَ مَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ النَّصِيحَةِ ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ
١٩ / ٣٦٠
إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤] يَقُولُ: وَمَا مِنْ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الدَّائِنَةِ بِمِلَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا مِنْ قَبْلِكَ نَذِيرٌ يُنْذِرُهُمْ بَأْسَنَا عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ
١٩ / ٣٦١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤] «كُلُّ أُمَّةٍ كَانَ لَهَا رَسُولٌ»
١٩ / ٣٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [فاطر: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُسْلِيًا نَبِيَّهُ ﷺ فِيمَا يَلْقَى مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ: وَإِنْ يُكَذِّبْكَ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ، فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؛ يَقُولُ: بِحُجَجٍ مِنَ اللَّهِ وَاضِحَةٍ ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾ [فاطر: ٢٥] يَقُولُ: وَجَاءَتْهُمْ بِالْكُتُبِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
١٩ / ٣٦١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ﴾ [فاطر: ٢٥] «أَيِ الْكُتُبِ»
١٩ / ٣٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [فاطر: ٢٥] يَقُولُ: وَجَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْكِتَابُ الْمُنِيرُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ
١٩ / ٣٦١
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [فاطر: ٢٥] «يُضَعِّفُ الشَّيْءَ وَهُوَ وَاحِدٌ»
١٩ / ٣٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [فاطر: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ أَهْلَكْنَا الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَةَ رُسُلِنَا، وَحَقِيقَةَ مَا دَعَوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ آيَاتِنَا، وَأَصَرُّوا عَلَى جُحُودِهِمْ ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الحج: ٤٤] يَقُولُ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي بِهِمْ، وَحُلُولُ عُقُوبَتِي بِهِمْ
١٩ / ٣٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ غَيْثًا، فَأُخْرِجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا؛ يَقُولُ: فَسَقَيْنَاهُ أَشْجَارًا فِي الْأَرْضِ، فَأُخْرِجْنَا بِهِ مِنْ تِلْكِ الْأَشْجَارِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا، مِنْهَا الْأَحْمَرُ، وَمِنْهَا الْأَسْوَدُ وَالْأَصْفَرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِهَا ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدُدٌّ بِيضٌ وَحُمْرٌ﴾ [فاطر: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنَ الْجِبَالِ طَرَائِقُ، وَهِيَ الْجُدُدُ، وَهِيَ الْخُطَطُ تَكُونُ فِي الْجِبَالِ بِيضٌ وَحُمْرٌ وَسُودٌ، كَالطُّرُقْ؛ وَاحِدَتُهَا جُدَّةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ فِي صِفَةِ حِمَارٍ:
[البحر الطويل]
[البحر الطويل]
١٩ / ٣٦٢
كَأَنَّ سَرَاتَهُ وَجُدَّةَ مَتْنِهِ … كَنَائِنُ يَجْرِي فَوْقَهُنَّ دَلِيصُ
يَعْنِي بِالْجُدَّةِ: الْخِطَّةَ السَّوْدَاءَ تَكُونُ فِي مَتْنِ الْحِمَارِ
يَعْنِي بِالْجُدَّةِ: الْخِطَّةَ السَّوْدَاءَ تَكُونُ فِي مَتْنِ الْحِمَارِ
١٩ / ٣٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾ [فاطر: ٢٧] يَعْنِي: مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُ الْجُدُدِ ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [فاطر: ٢٧]، وَذَلِكَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: هُوَ أَسْوَدُ غَرْبِيبُ، إِذَا وَصَفُوهُ بِشِدَّةِ السَّوَادِ، وَجَعْلُ السَّوَادِ هَا هُنَا صِفَةً لِلْغَرَابِيبِ
١٩ / ٣٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ [فاطر: ٢٨] كَمَا مِنَ الثَّمَرَاتِ وَالْجِبَالِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ بِالْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَالصُّفْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا﴾ [فاطر: ٢٧] «أَحْمَرُ وَأَخْضَرُ وَأَضْفَرُ ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ﴾ [فاطر: ٢٧] أَيْ طَرَائِقُ بِيضٌ ﴿وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾ [فاطر: ٢٧] أَيْ جِبَالٌ حُمْرٌ وَبِيضٌ ﴿وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [فاطر: ٢٧] هُوَ الْأَسْوَدُ، يَعْنِي لَوْنَهُ كَمَا اخْتَلَفَ أَلْوَانُ هَذِهِ اخْتَلَفَ أَلْوَانُ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ كَذَلِكَ»
١٩ / ٣٦٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدُدٌ بِيضٌ﴾ [فاطر: ٢٧] «طَرَائِقُ بِيضٌ، وَحُمْرٌ وَسُودٌ، وَكَذَلِكَ النَّاسُ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُمْ»
١٩ / ٣٦٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدُدٌ بِيضٌ﴾ [فاطر: ٢٧] قَالَ: «هِيَ طَرَائِقُ حُمْرٌ وَسُودٌ»
١٩ / ٣٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا يَخَافُ اللَّهَ فَيَتَّقِي عِقَابَهُ بِطَاعَتِهِ الْعُلَمَاءُ، بِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَيْقَنَ بِعِقَابِهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَخَافَهُ وَرَهِبَهُ خَشْيَةً مِنْهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] قَالَ: «الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
١٩ / ٣٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨] قَالَ: «كَانَ يُقَالُ: كَفَى بِالرَّهْبَةِ عِلْمًا»
١٩ / ٣٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ، غَفُورٌ لِذُنُوبِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ
١٩ / ٣٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٢٧٧] يَقُولُ: وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لِمَوَاقِيتِهَا بِحُدُودِهَا وَقَالَ: وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ بِمَعْنَى: وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ
١٩ / ٣٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ [الرعد: ٢٢] يَقُولُ: وَتَصَدَّقُوا بِمَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ سِرًّا فِي خِفَاءٍ وَعَلَانِيَةً: جِهَارًا وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَيَتَطَوَّعُونَ أَيْضًا بِالصَّدَقَةِ مِنْهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِيهِ
١٩ / ٣٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَرْجُونَ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ: لَنْ تَكْسَدَ وَلَنْ تَهْلَكَ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَارَتِ السُّوقُ: إِذَا كَسَدَتْ وَبَارَ الطَّعَامُ وَقَوْلُهُ: ﴿تِجَارَةً﴾ [البقرة: ٢٨٢] جَوَابٌ لَأَوَّلِ الْكَلَامِ
١٩ / ٣٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ﴾ [فاطر: ٣٠] يَقُولُ: وَيُوَفِّيهُمُ اللَّهُ عَلَى فِعْلِهِمْ ذَلِكَ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا ﴿وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ١٧٣] يَقُولُ: وَكَيْ يَزِيدَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْ فَضْلِهِ مَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَكَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ⦗٣٦٦⦘ يَقُولُ: هَذِهِ آيَةُ الْقُرَّاءِ
١٩ / ٣٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ مُطَرِّفٌ إِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٢٩] يَقُولُ: «هَذِهِ آيَةُ الْقُرَّاءِ»
١٩ / ٣٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٢٩] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «هَذِهِ آيَةُ الْقُرَّاءِ»
١٩ / ٣٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: هَذِهِ آيَةُ الْقُرَّاءِ ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [فاطر: ٣٠]
١٩ / ٣٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِذُنُوبِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ، شَكُورٌ لِحَسَنَاتِهِمْ
١٩ / ٣٦٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٠] «إِنَّهُ غَفُورٌ لِذُنُوبِهِمْ، شَكُورٌ لِحَسَنَاتِهِمْ»
١٩ / ٣٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [فاطر: ٣١]⦗٣٦٧⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [فاطر: ٣١] يَا مُحَمَّدُ، وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿هُوَ الْحَقُّ﴾ [الأنفال: ٣٢] يَقُولُ: هُوَ الْحَقُّ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ أَنْ تَعْمَلَ بِهِ، وَتَتَّبِعَ مَا فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أُوحِيَتْ إِلَى غَيْرِكَ ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [البقرة: ٩٧] يَقُولُ: هُوَ يُصَدِّقُ مَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ، فَصَارَ أَمَامَهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا إِلَى مَنْ قَبْلَكَ مِنَ الرُّسُلِ
١٩ / ٣٦٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [فاطر: ٣١] «لِلْكُتُبِ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُ»
١٩ / ٣٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [فاطر: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَذُو عِلْمٍ وَخِبْرَةٍ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ بِمَا يُصْلِحَهُمْ مِنَ التَّدْبِيرِ
١٩ / ٣٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر: ٣٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْكِتَابِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ أَوْرَثَهُ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَنِ الْمُصْطَفُونَ مِنْ عِبَادِهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْكِتَابُ: هُوَ الْكُتُبُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ مِنْ قَبْلِ الْفُرْقَانِ، وَالْمُصْطَفُونَ مِنْ عِبَادِهِ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: أَهْلُ الْإِجْرَامِ مِنْهُمْ
١٩ / ٣٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾ [فاطر: ٣٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر: ٣٢] «هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَرَّثَهُمُ اللَّهُ كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، فَظَالِمُهُمْ يُغْفَرُ لَهُ، وَمُقْتَصَدُهُمْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَسَابِقُهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ»
١٩ / ٣٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ شَقِيقٍ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: “هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ثُلُثٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَثُلُثٌ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَثُلُثٌ يَجِيئُونَ بِذُنُوبٍ عِظَامٍ، حَتَّى يَقُولُ: مَا هَؤُلَاءِ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ تبارك وتعالى، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: هَؤُلَاءِ جَاؤُوا بِذُنُوبٍ عِظَامٍ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا بِكَ، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا هَؤُلَاءِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِي وَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢]
١٩ / ٣٦٨
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا عَوْنٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: ثنا كَعْبُ الْأَحْبَارِ، ” أَنَّ الظَّالِمَ، لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، ⦗٣٦٩⦘ وَالْمُقْتَصَدُ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ؛ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: ٣٦]
١٩ / ٣٦٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصَدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: “كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣]
١٩ / ٣٦٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: ثنا كَعْبٌ، أَنَّ الظَّالِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْمُقْتَصِدَ، وَالسَّابِقَ بِالْخَيْرَاتِ كُلَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ؛ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لُغُوبِ﴾ [فاطر: ٣٥] وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ، قَالَ: قَالَ كَعْبٌ: «فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ»
١٩ / ٣٦٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يَقُولُ: قَالَ كَعْبٌ: “إِنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ، وَالْمُقْتَصِدَ، وَالسَّابِقَ بِالْخَيْرَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣]
١٩ / ٣٦٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣٢] فَقَالَ: «تَمَاسَّتْ مَنَاكِبُهُمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ أُعْطُوا الْفَضْلَ بِأَعْمَالِهِمْ»
١٩ / ٣٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: «أَمَّا مَا سَمِعْتُ مُنْذُ سِتِّينَ سُنَّةً، فَكُلُّهُمْ نَاجٍ»
١٩ / ٣٧٠
قَالَ: ثنا عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةَ، قَالَ: «إِنَّهَا أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ؛ الظَّالِمُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَالْمُقْتَصِدُ فِي الْجَنَّاتِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فِي الدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْكِتَابُ الَّذِي أُورِثَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، هُوَ شَهَادَةُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ وَالْمُصْطَفُونَ هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ مِنْهُمْ هُوَ الْمُنَافِقُ، وَهُوَ فِي النَّارِ؛ وَالْمُقْتَصِدُ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فِي الْجَنَّةِ
١٩ / ٣٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «اثْنَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَوَاحِدٌ فِي النَّارِ»
١٩ / ٣٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: «جَعَلَ أَهْلَ الْإِيمَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَنَازِلٍ» كَقَوْلِهِ: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾ [الواقعة: ٤١]، ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة: ٢٧]، ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: ١١] «فَهُمْ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ»
١٩ / ٣٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [فاطر: ٣٢] الْآيَةَ، قَالَ: “الِاثْنَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَوَاحِدٌ فِي النَّارِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي فِي الْوَاقِعَةِ: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة: ٢٧]، ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ﴾ [الواقعة: ٤١]، ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة: ١٠]
١٩ / ٣٧١
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ٣٢]⦗٣٧٢⦘ قَالَ: “هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «هُمْ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ» ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «هُمُ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهُمْ»
١٩ / ٣٧١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قَالَ عَوْفٌ، قَالَ الْحَسَنُ: «أَمَا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنَافِقُ، سَقَطَ هَذَا وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ، فَهُمَا صَاحِبَا الْجَنَّةِ»
١٩ / ٣٧٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: الْمُنَافِقُ»
١٩ / ٣٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] «شَهَادَةُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ٣٢] «هَذَا الْمُنَافِقُ» فِي قَوْلِ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: هَذَا صَاحِبُ الْيَمِينِ ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: هَذَا الْمُقَرِّبُ قَالَ قَتَادَةُ: “كَانَ النَّاسُ ثَلَاثَ مَنَازِلٍ فِي الدُّنْيَا، وَثَلَاثَ مَنَازِلٍ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَثَلَاثَ مَنَازِلٍ فِي الْآخِرَةِ. أَمَا الدُّنْيَا، فَكَانُوا: مُؤْمِنٌ، وَمُنَافِقٌ، وَمُشْرِكٌ وَأَمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرُوحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نُعَيْمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة: ٨٩] . وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَكَانُوا أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً، ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ⦗٣٧٣⦘ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: ٨]
١٩ / ٣٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: “هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ» ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «فَهُمُ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهُمْ»
١٩ / ٣٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «سَقَطَ هَذَا ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: سَبَقَ هَذَا بِالْخَيْرَاتِ، وَهَذَا مُقْتَصِدٌ عَلَى أَثْرِهِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] الْكُتُبُ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْ قَبْلِ الْفُرْقَانِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَأَمَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا يَتْلُونَ غَيْرَ كِتَابِهِمْ، وَلَا يَعْمَلُونَ إِلَّا بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْإِيمَانَ بِالْكِتَابِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا، فَمِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ بِكُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ كِتَابِهِمْ وَعَامِلُونَ بِهِ، ⦗٣٧٤⦘ لِأَنَّ كُلَّ كِتَابٍ أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْفُرْقَانِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَمَلِ بِالْفُرْقَانِ عِنْدَ نُزُولِهِ، وَبِاتِّبَاعِ مَنْ جَاءِ بِهِ، وَذَلِكَ عَمَلُ مَنْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَعَمِلَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَبِمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا قِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾ [فاطر: ٣٢] الْكُتُبَ الَّتِي ذَكَرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [فاطر: ٣١] ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ [فاطر: ٣٢] فَكَانَ مَعْلُومًا، إِذْ كَانَ مَعْنَى الْمِيرَاثِ إِنَّمَا هُوَ انْتِقَالُ مَعْنًى مِنْ قَوْمٍ إِلَى آخَرِينَ، وَلَمْ تَكُنْ أُمَّةٌ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا ﷺ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ كِتَابٌ مِنْ قَوْمٍ كَانُوا قَبْلَهُمْ غَيْرَ أُمَّتِهِ، أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِهِ هُمْ مُؤْمِنُو أُمَّتِهِ؛ وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ لِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ دُونَ النِّفَاقِ وَالشِّرْكِ عِنْدِي أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْآيَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُنَافِقَ أَوِ الْكَافِرَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَتْبَعَ هَذِهِ الْآيَةَ قَوْلَهُ: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣] فَعَمَّ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ جَمِيعَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ قَوْلَهُ ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣] إِنَّمَا عَنَى بِهِ الْمُقْتَصِدَ وَالسَّابِقَ؛ قِيلَ لَهُ: وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ خَبَرٍ أَوْ عَقْلٍ؟ فَإِنْ قَالَ: قِيَامُ الْحُجَّةِ أَنَّ الظَّالِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيَدْخُلُ النَّارَ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ أَحَدٌ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَعِيدٌ؛ قِيلَ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ خَبَرٌ ⦗٣٧٥⦘ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ، وَإِنَّمَا فِيهَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ جَنَّاتِ عَدْنٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَدْخُلَهَا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ عُقُوبَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَى ذُنُوبِهِ الَّتِي أَصَابَهَا فِي الدُّنْيَا، وَظُلْمِهِ نَفْسَهُ فِيهَا بِالنَّارِ، أَوْ بِمَا شَاءَ مِنْ عِقَابِهِ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، فَيَكُونُ مِمَّنْ عَمَّهُ خَبَرُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [فاطر: ٣٣] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدِهَا نَظَرٌ، مَعَ دَلِيلِ الْكِتَابِ عَلَى صِحَّتِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنْتُ
١٩ / ٣٧٣
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثتا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو ثَابِتٍ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ آنِسْ وَحْشَتِي، وَارْحَمْ غُرْبَتِي، وَيَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَأَنَا أَسْعَدُ بِهِ مِنْكَ سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ مُنْذُ سَمِعْتُهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] ” فَأَمَّا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ، فَيَدْخُلُهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَيُصِيبُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْغَمِّ وَالْحَزَنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤]
١٩ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا، مِنْ ثَقِيفَ حَدَّثَ عَنْ رَجُلٍ، مِنْ كِنَانَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣٢] قَالَ: «وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ» وَعَنِّي بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر: ٣٢] الَّذِينَ اخْتَرْنَاهُمْ لِطَاعَتِنَا وَاجْتَبَيْنَاهُمْ
١٩ / ٣٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [فاطر: ٣٢] يَقُولُ: فَمِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، مَنْ يَظْلِمُ نَفْسَهُ بِرُكُوبِهِ الْمَآثِمَ، وَاجْتِرَامِهِ الْمَعَاصِيَ، وَاقْتِرَافِهِ الْفَوَاحِشَ ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ [فاطر: ٣٢] وَهُوَ غَيْرُ الْمَبَالِغِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا أَلْزَمَهُ مِنْ خِدْمَةِ رَبِّهِ، حَتَّى يَكُونَ عَمَلُهُ فِي ذَلِكَ قَصْدًا ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ [فاطر: ٣٢] وَهُوَ الْمُبَّرَزُ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي خِدْمَةِ رَبِّهِ، وَأَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ فَرَائِضِهِ، فَسَبَقَهُمْ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، وَهِيَ الْخَيْرَاتُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٩٧] يَقُولُ: بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إِيَّاهُ لِذَلِكَ
١٩ / ٣٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سُبُوقُ هَذَا السَّابِقِ مَنْ سَبَقَهُ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ، هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الَّذِي فَضَّلَ بِهِ مِنْ كَانَ مُقَصِّرًا عَنْ مَنْزِلَتِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ مِنَ الْمُقْتَصِدِ وَالظَّالِمِ لِنَفْسِهِ
١٩ / ٣٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَسَاتِينُ إِقَامَةٌ يَدْخُلُونَهَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْرَثْنَاهُمُ الْكِتَابَ، الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾ [الكهف: ٣١] يَلْبَسُونَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ أَسْوِرَةً مِنْ ذَهَبٍ ﴿وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج: ٢٣] يَقُولُ: وَلِبَاسُهُمْ فِي الْجَنَّةِ حَرِيرٌ
١٩ / ٣٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَزَنِ الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ عَلَى إِذْهَابِهِ عَنْهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الْحُزْنُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ مِنْ خَوْفِ النَّارِ، إِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا
١٩ / ٣٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَتَادَةَ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ صَاحِبُ الدَّسْتُوَائِيِّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] قَالَ: «حُزْنَ النَّارِ»
١٩ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنِ ⦗٣٧٨⦘ الْحَسَنِ ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: ٦٣] قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمُ ذَلَلٍ، ذَلَّتْ وَاللَّهِ الْأَسْمَاعُ وَالْأَبْصَارُ وَالْجَوَارِحُ، حَتَّى يَحْسِبُهُمُ الْجَاهِلُ مَرْضَى، وَمَا بِالْقَوْمِ مَرَضٌ، وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّةُ الْقُلُوبِ، وَلَكِنْ دَخَلَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ مَا لَمْ يَدْخُلْ غَيْرَهُمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا عِلْمَهُمْ بِالْآخِرَةِ، فَقَالُوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤]، وَالْحَزَنُ: وَاللَّهِ مَا حُزْنُهُمْ حَزْنَ الدُّنْيَا، وَلَا تَعَاظَمَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّةَ أَبْكَاهُمُ الْخَوْفُ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّهُ مَنْ لَا يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّهِ يَقْطَعْ نَفْسَهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَاتٍ، وَمَنْ لَمْ يَرَ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ، فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ، وَحَضَرَ عَذَابُهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ الْمَوْتَ “
١٩ / ٣٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] قَالَ: «الْمَوْتُ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ حُزْنَ الْخُبْزِ
١٩ / ٣٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصٍ يَعْنِي ابْنَ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: “لَمَّا أَدْخَلَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالُوا ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] قَالَ: «حُزْنَ الْخُبْزِ» ⦗٣٧٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ. عُنِيَ بِذَلِكَ: الْحُزْنَ مِنَ التَّعَبِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا
١٩ / ٣٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] قَالَ: «كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ وَيَنْصُبُونَ وَهُمْ فِي خَوْفٍ، أَوْ يَحْزَنُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْحُزْنَ الَّذِي يَنَالُ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ “
١٩ / ٣٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو ثَابِتٍ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «أَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَيُصِيبُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْغَمِّ وَالْحَزَنِ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَكْرَمُهُمْ بِمَا أَكْرَمُهُمْ بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا حِينَ دَخَلُوا الْجَنَّةَ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤] وَخَوْفَ دُخُولِ النَّارِ مِنَ الْحُزْنِ، وَالْجَزَعُ مِنَ الْمَوْتِ مِنَ الْحُزْنِ، وَالْجَزَعُ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الْمُطْعَمِ مِنَ الْحُزْنِ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ إِذْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَمَدُوهُ عَلَى إِذْهَابِهِ الْحُزْنَ عَنْهُمْ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ، بَلْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَمُّوا جَمِيعَ أَنْوَعِ الْحُزْنِ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَلَا حُزْنَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَمْدُهُمْ عَلَى إِذْهَابِهِ عَنْهُمْ جَمِيعَ مَعَانِي الْحُزْنِ
١٩ / ٣٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ اصْطَفَاهُمْ مِنْ عِبَادِهِ عِنْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ: إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَسَاتِرُهَا عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، شَكُورٌ لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَصَالِحِ مَا قَدَّمُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٤] «لِحَسَنَاتِهِمْ»
١٩ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: ٣٤] «غَفَرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ ذَنْبٍ، وَشَكَرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْهُمْ»
١٩ / ٣٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فاطر: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الَّذِينَ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ﴾ [فاطر: ٣٥] أَيْ رَبُّنَا الَّذِي أَنْزَلَنَا هَذِهِ الدَّارَ، يَعْنُونَ الْجَنَّةَ؛ فَدَارُ الْمُقَامَةِ: دَارُ الْإِقَامَةِ الَّتِي لَا نَقْلَةَ مَعَهَا عَنْهَا، وَلَا تَحَوُّلَ؛ وَالْمِيمُ إِذَا ضُمَّتْ مِنَ الْمُقَامَةِ، فَهِيَ مِنَ الْإِقَامَةِ؛ فَإِذَا فُتِحَتْ فَهِيَ مِنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُقَامُ فِيهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] ⦗٣٨١⦘ يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ … وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر البسيط] ⦗٣٨١⦘ يَوْمَانِ يَوْمُ مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ … وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلَى الْأَعْدَاءِ تَأْوِيبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [فاطر: ٣٥] «أَقَامُوا فَلَا يَتَحَوَّلُونَ»
١٩ / ٣٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ [فاطر: ٣٥] يَقُولُ: لَا يُصِيبُنَا فِيهَا تَعَبٌ وَلَا وَجَعٌ ﴿وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فاطر: ٣٥] يَعْنِي بِاللُّغُوبِ: الْعَنَاءَ وَالْإِعْيَاءَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فاطر: ٣٥] قَالَ: «اللُّغُوبُ: الْعَنَاءُ»
١٩ / ٣٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ [فاطر: ٣٥] «أَيْ وَجَعٌ»
١٩ / ٣٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ ⦗٣٨٢⦘ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٣٩] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ﴾ [فاطر: ٣٦] يَقُولُ: لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ مُخَلَّدِينَ فِيهَا، لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَا نَعِيمِهَا
١٩ / ٣٨١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ﴾ [فاطر: ٣٦] «بِالْمَوْتِ فَيَمُوتُوا، لِأَنَّهُمْ لَوْ مَاتُوا لَاسْتَرَحُوا» ﴿وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦] يَقُولُ: وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ نَارِ جَهَنَّمَ بِإِمَاتَتِهِمْ، يُخَفَّفْ ذَلِكَ عَنْهُمْ
١٩ / ٣٨٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ ثنا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي السَّوْدَاءِ، قَالَ: «مَسَاكِينٌ أَهْلُ النَّارِ لَا يَمُوتُونَ، لَوْ مَاتُوا لَاسْتَرَحُوا»
١٩ / ٣٨٢
حَدَّثَنِي عُقْبَةُ، عَنْ سِنَانٍ الْقَزَّازِ، قَالَ: ثنا غَسَّانُ بْنُ مُضَرٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ، وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، وَحَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، ثنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَمَا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، لَكِنَّ نَاسًا أَوْ كَمَا قَالَ تُصِيبُهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ: ⦗٣٨٣⦘ بِخَطَايَاهُمْ فَيُمِيتُهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا صَارُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَبُيُّوا عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ حِينَئِذٍ: كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ ” فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦] وَقَدْ قِيلَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧]؟ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعَذَابِ
١٩ / ٣٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَكَذَا يُكَافِئُ كُلَّ جَحُودٍ لِنِعَمِ رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُمْ نَارَ جَهَنَّمَ بِسَيِّئَاتِهِمُ الَّتِي قَدَّمُوهَا فِي الدُّنْيَا
١٩ / ٣٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلُ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [فاطر: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ يَسْتَغِيثُونَ، وَيَضِجُّونَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَخْرَجْنَا نَعْمَلُ صَالِحًا: أَيْ نَعْمَلُ بِطَاعَتِكَ ﴿غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [الأعراف: ٥٣]⦗٣٨٤⦘ قَبْلَ مِنْ مَعَاصِيكَ وَقَوْلُهُ: ﴿يَصْطَرِخُونَ﴾ [فاطر: ٣٧] يَفْتَعِلُونَ مِنَ الصُّرَاخِ، حُوِّلَتْ تَاؤُهَا طَاءً لِقُرْبِ مَخْرَجِهَا مِنَ الصَّادِ لَمَّا ثَقُلَتْ
١٩ / ٣٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ [فاطر: ٣٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَبْلَغِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَنَةً
١٩ / ٣٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى ابْنِ آدَمَ ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ﴾ [فاطر: ٣٧] أَرْبَعُونَ سَنَةً»
١٩ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِذَا بَلَغَ أَحَدُكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلْيَأْخُذْ حِذْرَهُ مِنَ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ سِتُّونَ سَنَةً
١٩ / ٣٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ ⦗٣٨٥⦘ تَذَكَّرَ﴾ [فاطر: ٣٧] قَالَ: «سِتُّونَ سَنَةً»
١٩ / ٣٨٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الْعُمْرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللَّهُ فِيهِ لِابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً»
١٩ / ٣٨٥
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نُودِيَ: أَيْنَ أَبْنَاءُ السِّتِّينَ، وَهُوَ الْعُمُرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧]
١٩ / ٣٨٥
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ الْكِنَانِيُّ، قَالَ: ثني مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْغِفَارِيُّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَلَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى ⦗٣٨٦⦘ صَاحِبِ السِّتِّينَ سُنَّةً وَالسَّبْعِينَ»
١٩ / ٣٨٥
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيِّ الْإِسْكَنْدَرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ عَمَّرَهُ اللَّهُ سِتِّينَ سُنَّةً فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الْعُمْرِ»
١٩ / ٣٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مِنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] قَالَ: «الْعُمْرُ الَّذِي عَمَّرَكُمُ اللَّهُ بِهِ سِتُّونَ سُنَّةً» وَأَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ إِذْ كَانَ الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَبَرًا ⦗٣٨٧⦘ فِي إِسْنَادِهِ بَعْضُ مَنْ يَجِبُ التَّثَبُّتُ فِي نَقْلِهِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سُنَّةً، لِأَنَّ فِي الْأَرْبَعِينَ يَتَنَاهَى عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَفَهْمُهُ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ مُنْتَقِصٌ عَنْ كَمَالِهِ فِي حَالِ الْأَرْبَعِينَ
١٩ / ٣٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّذِيرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ
١٩ / ٣٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ [فاطر: ٣٧] قَالَ: «النَّذِيرُ: النَّبِيُّ وَقَرَأَ»: ﴿هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذِرِ الْأُولَى﴾ [النجم: ٥٦] وَقِيلَ: عَنَى بِهِ الشَّيْبَ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ السِّنِينَ، مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ، مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَالْعُقُولِ، وَاتَّعَظَ مِنْهُمْ مَنِ اتَّعَظَ، وَتَابَ مَنْ تَابَ، وَجَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ مُنْذِرٌ يُنْذِرُكُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَلَمْ تَتَذَكَّرُوا مَوَاعِظَ اللَّهِ، وَلَمْ تَقْبَلُوا مِنْ نَذِيرِ اللَّهِ الَّذِي جَاءَكُمْ مَا أَتَاكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ
١٩ / ٣٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَذُوقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٦] نَارَ عَذَابِ جَهَنَّمَ الَّذِي قَدْ صَلَيْتُمُوهُ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ ﴿فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [فاطر: ٣٧] يَقُولُ: فَمَا لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَكْسَبُوهَا غَضَبَ اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ نَصِيرٍ يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ لِيَسْتَنْقِذَهُمْ مِنْ عِقَابِهِ
١٩ / ٣٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ مَا تَخْفُونَ أَيُّهَا النَّاسُ فِي أَنْفُسِكُمْ وَتُضْمِرُونَهُ، وَمَا لَمْ تُضْمِرُوهُ وَلَمْ تَنْوُوهُ مِمَّا سَتَنْوُونَهُ، وَمَا هُوَ غَائِبٌ عَنْ أَبْصَارِكُمْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَاتَّقُوهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ تُضْمِرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنَ الشَّكِّ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، أَوْ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ غَيْرَ الَّذِي تُبْدُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الأنفال: ٤٣]
١٩ / ٣٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا﴾ [فاطر: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَمَنْ مَضَى مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ فَجَعَلَكُمْ تَخْلِفُونَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ
١٩ / ٣٨٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هُوَ الَّذِي ⦗٣٨٩⦘ جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر: ٣٩] «أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ»
١٩ / ٣٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ [فاطر: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، فَعَلَى نَفْسِهِ ضُرُّ كُفْرِهِ، لَا يَضُرُّ بِذَلِكَ غَيْرَ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ
١٩ / ٣٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا﴾ [فاطر: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى: وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا بُعْدًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا﴾ [فاطر: ٣٩] يَقُولُ: وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا هَلَاكًا
١٩ / ٣٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [فاطر: ٤٠] يَقُولُ: أَرُونِي أَيَّ شَيْءٍ خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ﴾ يَقُولُ: أَمْ لِشُرَكَائِكُمْ شِرْكٌ مَعَ اللَّهِ فِي السَّمَوَاتِ، إِنْ لَمْ يَكُونُوا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا
١٩ / ٣٨٩
﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ [فاطر: ٤٠] مِنْهُ، يَقُولُ: أَمْ آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كِتَابًا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ بِأَنْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ، فَهُمْ عَلَى بُرْهَانٍ مِمَّا أَمَرْتُهُمْ فِيهِ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِي وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [فاطر: ٤٠] «لَا شَيْءَ وَاللَّهِ خَلَقُوا مِنْهَا ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ﴾ لَا وَاللَّهِ مَا لَهُمْ فِيهَا شِرْكٌ ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ [فاطر: ٤٠] مِنْهُ، يَقُولُ: أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُوَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا»
١٩ / ٣٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ إِنْ يُعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا﴾ [فاطر: ٤٠] وَذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] خِدَاعًا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَغُرُورًا، وَإِنَّمَا تُزْلِفُهُمْ آلِهَتُهُمْ إِلَى النَّارِ، وَتَقْصِيهِمْ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ
١٩ / ٣٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتَ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ لِئَلَّا تَزُولَا مِنْ أَمَاكِنِهِمَا ﴿وَلَئِنْ زَالَتَا﴾ [فاطر: ٤١] يَقُولُ: وَلَوْ زَالَتَا ﴿إِنْ ⦗٣٩١⦘ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [فاطر: ٤١] يَقُولُ: مَا أَمْسَكَهُمَا أَحَدٌ سِوَاهُ وَوُضِعَتْ لَئِنْ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَئِنْ زَالَتَا﴾ [فاطر: ٤١] فِي مَوْضِعِ لَوْ لِأَنَّهُمَا يُجَابَانِ بِجَوَابٍ وَاحِدٍ، فَيَتَشَابَهَانِ فِي الْمَعْنَى؛ وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ [الروم: ٥١] بِمَعْنَى: وَلَوْ أَرْسَلْنَا رِيحًا، وَكَمَا قَالَ: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ١٤٥] بِمَعْنَى: لَوْ أَتَيْتَ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ «مِنْ مَكَانِهِمَا»
١٩ / ٣٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَاءُ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَ: مَنْ لَقِيتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ كَعْبًا، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكَ كَعْبٌ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَوَاتِ تَدُورُ عَلَى مَنْكِبِ مَلَكٍ، قَالَ: فَصَدَّقْتَهُ أَوْ كَذَّبْتَهُ؟ قَالَ: مَا صَدَّقْتُهُ وَلَا كَذَّبْتُهُ، قَالَ: “لَوَدِدْتُ أَنَّكَ افْتَدَيْتَ مِنْ رِحْلَتِكَ إِلَيْهِ بِرَاحِلَتِكَ وَرَحْلِهَا، وَكَذِبَ كَعْبٌ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾
١٩ / ٣٩١
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ذَهَبَ جُنْدُبٌ الْبَجَلِيُّ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: حَدِّثْنَا مَا حَدَّثَكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَاءَ فِي قُطْبٍ كَقُطْبِ الرَّحَا، وَالْقُطْبُ عَمُودٌ عَلَى مَنْكِبِ مَلِكٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «لَوَدِدْتُ أَنَّكَ افْتَدَيْتَ رِحْلَتِكَ بِمِثْلِ رَاحِلَتِكَ؛ ثُمَّ قَالَ: مَا تَنْتَكِتُ الْيَهُودِيَّةُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فَكَادَتْ أَنْ تُفَارِقَهُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ كَفَى بِهَا زَوَالًا أَنْ تَدُورَ»
١٩ / ٣٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ حَلِيمًا عَمَّنْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ فِي تَرْكِهِ تَعْجِيلَ عَذَابِهِ لَهُ، غَفُورًا لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ، وَأَنَابَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهُ
١٩ / ٣٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَقْسَمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ؛ يَقُولُ: أَشَدَّ الْإِيمَانِ، فَبَالَغُوا فِيهَا، لَئِنْ جَاءَهُمْ مِنَ اللَّهِ مُنْذِرٌ يُنْذِرُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ ﴿لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ [فاطر: ٤٢] يَقُولُ: لَيَكُونُنَّ أَسْلَكَ لِطَرِيقِ الْحَقِّ، وَأَشَدَّ قُبُولًا لِمَا يَأْتِيهُمْ بِهِ النَّذِيرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ الَّتِي خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٤٢] يَعْنِي بِالنَّذِيرِ: مُحَمَّدًا ﷺ، يَقُولُ: فَلَمَّا جَاءَهُمْ
١٩ / ٣٩٢
مُحَمَّدٌ يُنْذِرُهُمْ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ
١٩ / ٣٩٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٤٢] «وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ»
١٩ / ٣٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ [فاطر: ٤٢] يَقُولُ: مَا زَادَهُمْ مَجِيءُ النَّذِيرِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَسُلُوكِ هُدَى الطَّرِيقِ، إِلَّا نُفُورًا وَهَرَبًا
١٩ / ٣٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ﴾ [فاطر: ٤٣] يَقُولُ: نَفَرُوا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ، وَخُدْعَةً سَيِّئَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ صَدُّوا الضُّعَفَاءَ عَنِ اتِّبَاعِهِ مَعَ كُفْرِهِمْ بِهِ، وَالْمَكْرُ هَاهُنَا: هُوَ الشِّرْكُ
١٩ / ٣٩٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ [فاطر: ٤٣] «وَهُوَ الشِّرْكُ» وَأُضِيفَ الْمَكْرُ إِلَى السَّيِّئِ، وَالسَّيِّئُ مِنْ نَعْتِ الْمَكْرِ، كَمَا قِيلَ: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ﴾ [الواقعة: ٩٥] وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «مَكْرًا سَيِّئًا»، وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ السَّيِّئَ فِي الْمَعْنَى مِنْ نَعْتِ الْمَكْرِ وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرَ الْأَعْمَشِ وَحَمْزَةَ بِهَمْزَةٍ مُحَرَّكَةٍ بِالْخَفْضِ وَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ بِهَمْزَةٍ وَتَسْكِينِ الْهَمْزَةِ اعْتِلَالًا مِنْهُمَا بِأَنَّ الْحَرَكَاتِ لَمَّا كَثُرَتْ
١٩ / ٣٩٣
فِي ذَلِكَ ثَقُلَ، فَسَكَّنَّا الْهَمْزَةَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] إِذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوِّمِ
فَسَكَّنَ الْبَاءَ، لِكَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ تَحْرِيكِ الْهَمْزَةِ فِيهِ إِلَى الْخَفْضِ، وَغَيْرٌ جَائِزٌ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَقْرَأَ بِكُلِّ مَا جَازَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إِنَّمَا هِيَ مَا قَرَأَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْمَاضِيَةُ، وَجَاءَ بِهِ السَّلَفُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي أَخَذُوا عَمَّنْ قَبْلَهُمْ
[البحر الرجز] إِذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوِّمِ
فَسَكَّنَ الْبَاءَ، لِكَثْرَةِ الْحَرَكَاتِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ تَحْرِيكِ الْهَمْزَةِ فِيهِ إِلَى الْخَفْضِ، وَغَيْرٌ جَائِزٌ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَقْرَأَ بِكُلِّ مَا جَازَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إِنَّمَا هِيَ مَا قَرَأَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْمَاضِيَةُ، وَجَاءَ بِهِ السَّلَفُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي أَخَذُوا عَمَّنْ قَبْلَهُمْ
١٩ / ٣٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣] يَقُولُ: وَلَا يَنْزِلُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، يَعْنِي بِالَّذِينَ يَمْكُرُونَهُ؛ وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَكْرُوهُ ذَلِكَ الْمَكْرَ الَّذِي مَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا بِهِمْ
١٩ / ٣٩٤
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣] «وَهُوَ الشِّرْكُ»
١٩ / ٣٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا سُنَّةَ اللَّهِ بِهِمْ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ أَلِيمَ الْعِقَابِ يَقُولُ: فَهَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنْ أَحِلَّ بِهِمْ مِنْ نَقْمَتِي عَلَى شِرْكِهِمْ بِي وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولِي مِثْلَ الَّذِي أَحْلَلْتُ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَشْكَالِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ
١٩ / ٣٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ ⦗٣٩٥⦘ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةِ الْأَوَّلِينَ﴾ «أَيْ عُقُوبَةَ الْأَوَّلِينَ» ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ يَقُولُ: فَلَنْ تَجِدَ يَا مُحَمَّدُ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَغْيِيرًا
١٩ / ٣٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ يَقُولُ: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ تَبْدِيلًا؛ يَقُولُ: لَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ، وَلَا يُبَدِّلَهُ، لِأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لِقَضَائِهِ
١٩ / ٣٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَسِرْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا بِكُفْرِهِمْ بِنَا وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَنَا، فَإِنَّهُمْ تُجَّارٌ يَسْلُكُونَ طَرِيقَ الشَّامِ ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [يوسف: ١٠٩] مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي كَانُوا يَمُرُّونَ بِهَا أَلَمْ نُهْلِكْهُمْ وَنُخَرِّبْ مَسَاكِنَهُمْ وَنَجْعَلْهُمْ مَثَلًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ، فَيَتَّعِظُوا بِهِمْ، وَيَنْزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِيَ فَعَلَ بِأُولَئِكَ مَا فَعَلَ ﴿وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فاطر: ٤٤] وَبَطْشًا لَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ بِأُولَئِكَ مِنْ تَعْجِيلِ النِّقْمَةِ، وَالْعَذَابِ لَهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ [فاطر: ٤٤] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ ⦗٣٩٦⦘ قُوَّةً﴾ [فاطر: ٤٤] «يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَوْمَ مَا لَمْ يُعْطِكُمْ»
١٩ / ٣٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهْ مِنْ شَيْءِ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَنْ يُعْجِزَنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ عَبَدَةِ الْآلِهَةِ، الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا فَيَسْبِقُونَا هَرَبًا فِي الْأَرْضِ، إِذَا نَحْنُ أَرَدْنَا هَلَاكَهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُعْجِزَهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَلَنْ يَقْدِرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
١٩ / ٣٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا بِخَلْقِهِ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَنْ هُوَ الْمُسْتَحِقُ مِنْهُمْ تَعْجِيلَ الْعُقُوبَةِ، وَمَنْ هُوَعَنْ ضَلَالَتِهِ مِنْهُمْ رَاجِعٌ إِلَى الْهُدَى آيِبٌ، قَدِيرًا عَلَى الِانْتِقَامِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ، وَتَوْفِيقِ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ
١٩ / ٣٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ يَقُولُ وَلَوْ يُعَاقِبُ اللَّهُ النَّاسَ، وَيُكَافِئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَاجْتَرَحُوا مِنَ الْآثَامِ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ تَدِبُّ عَلَيْهَا ﴿وَلَكِنْ يُؤَخِّرَهُمْ إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى﴾ [النحل: ٦١] يَقُولُ: وَلَكِنْ يُؤَخِّرَ عِقَابَهُمْ وَمُؤَاخَذَتَهُمْ بِمَا كَسَبُوا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ عِنْدَهُ، مَحْدُودٍ لَا يُقَصِّرُونَ ⦗٣٩٧⦘ دُونَهُ، وَلَا يُجَاوِزُونَهُ إِذَا بَلَغُوهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٣٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَوْ يُؤَاخَذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥] «إِلَّا مَا حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ»
١٩ / ٣٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ [فاطر: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا جَاءَ أَجْلُ عِقَابِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا مَنَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَاقَبَ مِنْهُمْ، وَمَنِ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ الْكَرَامَةَ، وَمَنِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا لَهُ مُطِيعًا، وَمَنْ كَانَ فِيهَا بِهِ مُشْرِكًا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمَ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ