مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٩ / ٣٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس: ٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يس﴾ [يس: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ
١٩ / ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يس﴾ [يس: ١] قَالَ: «فَإِنَّهُ قَسَمٌ أَقْسَمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: يَا رَجُلُ
١٩ / ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يس﴾ [يس: ١] قَالَ: «يَا إِنْسَانُ، بِالْحَبَشِيَّةِ»
١٩ / ٣٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ شَرْقِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: “تَفْسِيرُ ﴿يس﴾ [يس: ١] «يَا إِنْسَانُ» ⦗٣٩٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مِفْتَاحُ كَلَامٍ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهِ كَلَامَهُ
١٩ / ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿يس﴾ [يس: ١] «مِفْتَاحُ كَلَامٍ، افْتَتَحَ اللَّهُ بِهِ كَلَامَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ
١٩ / ٣٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يس﴾ [يس: ١] قَالَ: «كُلُّ هِجَاءٍ فِي الْقُرْآنِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّاالْقَوْلَ فِيمَا مَضَى فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَتَكْرِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٩ / ٣٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾ [يس: ٢] يَقُولُ: وَالْقُرْآنِ الْمُحْكَمِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامِهِ، وَبَيِّنَاتِ حُجَجِهِ ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِقْسَمًا بِوَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَمَنِ الْمُرْسَلِينَ بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَى عِبَادِهِ
١٩ / ٣٩٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٣] «قَسَمٌ كَمَا تَسْمَعُونَ» ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس: ٣]
١٩ / ٣٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٣٩] يَقُولُ: عَلَى طَرِيقٍ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ مِنَ الْهُدَى، وَهُوَ الْإِسْلَامُ
١٩ / ٤٠٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٣٩] «أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ» وَفِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٣٩] وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى اسْتِقَامَةٍ مِنَ الْحَقِّ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَلَى مِنْ قَوْلِهِ ﴿عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: ٣٩] مِنْ صِلَةِ الْإِرْسَالِ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مُبْتَدَأً، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينِ، إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
١٩ / ٤٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس: ٥] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس: ٥] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ) بِرَفْعِ تَنْزِيلَ، وَالرَّفْعُ فِي ذَلِكَ يَتَّجِهُ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: بِأَنْ يُجْعَلَ خَبَرًا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّهُ تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ وَالْآخَرُ: بِالِابْتِدَاءِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، هَذَا تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ: ﴿تَنْزِيلَ﴾ [السجدة: ٢] نَصْبًا عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٣] لِأَنَّ الْإِرْسَالَ إِنَّمَا هُوَعَنِ التَّنْزِيلِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَمُنَزَّلُ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ حَقًّا
١٩ / ٤٠٠
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ يَا مُحَمَّدُ إِرْسَالَ الرَّبِّ الْعَزِيزِ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ، الرَّحِيمِ بِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ، وَأَنَابَ مِنْ كُفْرِهِ وَفُسُوقِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى سَالِفِ جُرْمِهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ لَهُ
١٩ / ٤٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ [يس: ٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَنْذَرَ اللَّهُ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ
١٩ / ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ [يس: ٦] قَالَ: «قَدْ أُنْذِرُوا، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَنْذَرَ آبَاؤُهُمْ»
١٩ / ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ
١٩ / ٤٠١
آبَاؤُهُمْ﴾ [يس: ٦] «قَالَ بَعْضُهُمْ: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ مِنْ إِنْذَارِ النَّاسِ قَبْلَهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ: أَيْ هَذِهِ الْأُمَّةُ لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ، حَتَّى جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى مَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ﴾ [يس: ٦] إِذَا وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ آبَاءَهُمُ قَدْ كَانُوا أُنْذِرُوا، وَلَمْ يُرِدْ بِهَا الْجَحْدَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْجَحْدِ لِتُنْذِرَهُمُ الَّذِي أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس: ٦] وَقَالَ: فَدُخُولُ الْفَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْجَحْدِ أَحْسَنُ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَى قَوْمٍ لَمْ يَنْذَرْ آبَاؤُهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْفَتْرَةِ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِذَا لَمْ يَرِدْ بِمَا الْجَحْدِ، فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لِتُنْذِرَهُمْ بِمَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ، فَتُلْقَى الْبَاءُ، فَتَكُونُ مَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس: ٦] يَقُولُ: فَهُمْ غَافِلُونَ عَمَّا اللَّهُ فَاعِلٌ بِأَعْدَائِهِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ، مِنْ إِحْلَالِ نِقْمَتِهِ، وَسَطْوَتِهِ بِهِمْ
١٩ / ٤٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ وَجَبَ الْعِقَابُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَتَّمَ عَلَيْهِمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَا ⦗٤٠٣⦘ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَلَا يُصَدِّقُونَ رَسُولَهُ
١٩ / ٤٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا جَعَلْنَا أَيْمَانَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مَغْلُولَةً إِلَى أَعْنَاقِهِمْ بِالْأَغْلَالِ، فَلَا تَبْسِطُ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ؛ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ: «إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ» وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَى الْأَذْقَانِ﴾ [يس: ٨] يَعْنِي: فَأَيْمَانُهُمْ مَجْمُوعَةٌ بِالْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَكُنِّيَ عَنِ الْأَيْمَانِ، وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِمِعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَى الْكَلَامِ، وَأَنَّ الْأَغْلَالَ إِذَا كَانَتْ فِي الْأَعْنَاقِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَأَيْدِي الْمَغْلُولِينَ مَجْمُوعَةٌ بِهَا أَلِيَهَا، فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ كَوْنِ الْأَغْلَالِ فِي الْأَعْنَاقِ مِنْ ذِكْرِ الْأَيْمَانِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وَجْهًا … أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي
آلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ … أَمِ الشَّرُّ الَّذِي لَا يَأْتَلِينِي
فَكَنَى عَنِ الشَّرِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَيْرَ وَحْدَهُ لَعِلْمِ سَامِعِ ذَلِكَ بِمَعْنَى قَائِلِهِ، إِذْ كَانَ الشَّرُّ مَعَ الْخَيْرِ يُذْكَرُ وَالْأَذْقَانُ: جَمْعُ ذَقَنٍ، وَالذَّقَنُ: مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ
[البحر الوافر] وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ وَجْهًا … أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي
آلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ … أَمِ الشَّرُّ الَّذِي لَا يَأْتَلِينِي
فَكَنَى عَنِ الشَّرِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَيْرَ وَحْدَهُ لَعِلْمِ سَامِعِ ذَلِكَ بِمَعْنَى قَائِلِهِ، إِذْ كَانَ الشَّرُّ مَعَ الْخَيْرِ يُذْكَرُ وَالْأَذْقَانُ: جَمْعُ ذَقَنٍ، وَالذَّقَنُ: مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ
١٩ / ٤٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ [يس: ٨] وَالْمُقْمَحُ: هُوَ الْمُقَنَّعُ، وَهُوَ أَنْ يَحْدِرَ الذَّقَنَ ⦗٤٠٤⦘ حَتَّى يَصِيرَ فِي الصَّدْرِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَفِي قَوْلِ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ: هُوَ الْغَاضُّ بَصَرَهُ، بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ [يس: ٨] قَالَ: «هُوَ كَقَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ [الإسراء: ٢٩] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَيْدِيَهُمْ مُوثَقَةٌ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْسِطُوهَا بِخَيْرٍ»
١٩ / ٤٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ [يس: ٨] قَالَ: «رَافِعُو رُءُوسِهِمْ، وَأَيْدِيهِمْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ»
١٩ / ٤٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ﴾ [يس: ٨] «أَيْ فَهُمْ مَغْلُولُونَ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ»
١٩ / ٤٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا﴾ [يس: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَدًّا، وَهُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ إِذَا فُتِحَ كَانَ مِنْ فِعْلِ بَنِي آدَمَ، وَإِذَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ كَانَ بِالضَّمِّ وَبِالضَّمِّ قَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ بِفَتْحِ السِّينِ ﴿سَدًّا﴾ [الكهف: ٩٤] فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا؛ وَالضَّمُّ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً صَحِيحَةً وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ [يس: ٩] أَنَّهُ زَيَّنَ لَهُمْ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ، فَهُمْ يَعْمَهُونَ، وَلَا يُبْصِرُونَ رُشْدًا، وَلَا يَتَنَبَّهُونَ حَقًّا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ [يس: ٩] قَالَ: «عَنِ الْحَقِّ»
١٩ / ٤٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ [يس: ٩] «عَنِ الْحَقِّ فَهُمْ يَتَرَدَّدُونَ»
١٩ / ٤٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا﴾ [يس: ٩] قَالَ: «ضَلَالَاتٌ»
١٩ / ٤٠٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٩] قَالَ: «جَعَلَ هَذَا سَدًّا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، فَهُمْ لَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ، وَقَرَأَ: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ١٠] وَقَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ . . . الْآيَةَ كُلَّهَا، وَقَالَ: مَنْ مَنَعَهُ اللَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ»
١٩ / ٤٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٩] يَقُولُ: فَأَغْشَيْنَا أَبْصَارَ هَؤُلَاءِ: أَيْ جَعَلْنَا عَلَيْهَا غِشَاوَةً فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ
١٩ / ٤٠٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٩] «هُدًى، وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ» وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ حِينَ حَلَفَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُشْدَخَ رَأْسَهُ بِصَخْرَةٍ
١٩ / ٤٠٦
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا عُمَارَةُ بْنُ ⦗٤٠٧⦘ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ، فَأُنْزِلَتْ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا﴾ [يس: ٨] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٩] قَالَ: «فَكَانُوا يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: أَيْنَ هُوَ، أَيْنَ هُوَ؟ لَا يُبْصِرُهُ» وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «فَأَعْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ» بِالْعَيْنِ بِمَعْنَى أَعْشَيْنَاهُمْ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَشَا هُوَ أَنْ يَمْشِيَ بِاللَّيْلِ وَلَا يُبْصِرُ
١٩ / ٤٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ [يس: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَوَاءٌ يَا مُحَمَّدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ، أَيِ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْكَ إِلَيْهِمُ الْإِنْذَارُ، أَوْ تَرْكُ الْإِنْذَارِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ
١٩ / ٤٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ [يس: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا يَنْفَعُ إِنْذَارُكَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ، وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ [يس: ١١] يَقُولُ: وَخَافَ اللَّهَ حِينَ يَغِيبَ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ، لَا الْمُنَافِقَ الَّذِي يَسْتَخِفُّ بِدِينِ اللَّهِ إِذَا خَلَا، وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ فِي الْمَلَأٍ، وَلَا الْمُشْرِكَ الَّذِي قَدْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ⦗٤٠٨⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾ [يس: ١١] يَقُولُ: فَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الَّذِي اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ بِمَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ لِذُنُوبِهِ. ﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ [يس: ١١] يَقُولُ: وَثَوَابٍ مِنْهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ كَرِيمٍ، وَذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَهَ عَلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ الْجَنَّةَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ [يس: ١١] «وَاتِّبَاعُ الذِّكْرِ: اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ»
١٩ / ٤٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [يس: ١٢] مِنْ خَلْقِنَا ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ [يس: ١٢] فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ وَسَيِّئِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ [يس: ١٢] مِنْ عَمَلٍ “
١٩ / ٤٠٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ⦗٤٠٩⦘: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ [يس: ١٢] قَالَ: «مَا عَمِلُوا»
١٩ / ٤٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا قَدَّمُوا﴾ [يس: ١٢] قَالَ: «أَعْمَالَهُمْ»
١٩ / ٤٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] يَعْنِي: وَآثَارَ خُطَاهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ أَرَادُوا أَنْ يَقْرَبُوا مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِيَقُرَبَ عَلَيْهِمْ
١٩ / ٤٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانَتْ مَنَازِلُ الْأَنْصَارِ مُتَبَاعِدَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَزَلَتْ ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] فَقَالُوا: «نَثْبُتْ فِي مَكَانِنَا»
١٩ / ٤٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانَتِ الْأَنْصَارُ بَعِيدَةً مَنَازِلُهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَقِلُوا، قَالَ: فَنَزَلَتْ ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] «فَثَبَتُوا»
١٩ / ٤٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا الْجُرَيْرِيُّ، ⦗٤١٠⦘ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ قُرْبَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ» دِيَارَكُمْ، إِنَّهَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ “
١٩ / ٤٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ كَهْمَسًا، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: وَالْبِقَاعُ خَالِيَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إِنَّهَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ» قَالَ: «فَأَقَامُوا، وَقَالُوا: مَا يُسُرُّنَا أَنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا»
١٩ / ٤١٠
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: شَكَتْ بَنُو سَلَمَةَ بُعْدَ مَنَازِلِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ مَنَازِلَكُمْ تُكْتَبُ آثَارُكُمْ»
١٩ / ٤١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: مَشَيْتُ مَعَ أَنَسٍ، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْنَا رُوَيْدًا، فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ قَالَ أَنَسٌ: مَشَيْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ، فَقَالَ: «يَا ⦗٤١١⦘ أَنَسُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ الْآثَارَ تُكْتَبُ»
١٩ / ٤١٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ بَنِيَ سَلَمَةَ، كَانَتْ دُورُهُمْ قَاصِيَةً عَنِ الْمَسْجِدِ، فَهَمُّوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا، قُرْبَ الْمَسْجِدِ، فَيَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ يَا بَنِي سَلِمَةَ؟» فَمَكَثُوا فِي دِيَارِهِمْ
١٩ / ٤١١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] قَالَ: «خُطَاهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ»
١٩ / ٤١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] قَالَ: «خُطَاهُمْ»
١٩ / ٤١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] قَالَ: «خُطَاهُمْ» وَقَالَ قَتَادَةُ: لَوْ كَانَ مُغْفِلًا شَيْئًا مِنْ شَأْنِكَ يَا ابْنَ آدَمَ أَغْفَلَ مَا تُعَفِّي الرِّيَاحُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ
١٩ / ٤١١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكُلَّ شَيْءٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ أَحْصَيْنَاهُ، فَأَثْبَتْنَاهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْمُبِينُ وَقِيلَ: ﴿مُبِينٍ﴾ [البقرة: ١٦٨] لِأَنَّهُ يَبِينُ عَنْ حَقِيقَةِ جَمِيعِ مَا أُثْبِتَ فِيهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢] قَالَ: «فِي أُمِّ الْكِتَابِ»
١٩ / ٤١٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢] «كُلَّ شَيْءٍ مُحْصًى عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابٍ»
١٩ / ٤١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢] قَالَ: «أُمُّ الْكِتَابِ الَّتِي عِنْدَ اللَّهِ فِيهَا الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا هِيَ الْإِمَامُ الْمُبِينُ»
١٩ / ٤١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا: إِنَّا إِلَيْكُمْ ⦗٤١٣⦘ مُرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَثِّلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ذُكِرَ أَنَّهَا أَنْطَاكِيَّةُ ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ، وَفِيمَنْ كَانَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانُوا رُسُلَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَعِيسَى الَّذِي أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ
١٩ / ٤١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: ١٤] قَالَ: «ذَكَرَ لَنَا أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بَعَثَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى أَنْطَاكِيَّةَ مَدِينَةِ بِالرُّومِ فَكَذَّبُوهُمَا، فَأَعَزَّهُمَا بِثَالِثٍ» ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٤]
١٩ / ٤١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثني السُّدِّيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ﴾ [يس: ١٣] قَالَ: «أَنْطَاكِيَّةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا رُسُلًا أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ
١٩ / ٤١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا بَلَغَهُ، ⦗٤١٤⦘ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: “كَانَ بِمَدِينَةِ أَنْطَاكِيَّةَ فِرْعَوْنُ مِنَ الْفَرَاعِنَةِ يُقَالُ لَهُ أبطيحسُ بْنُ أبطيحسَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، صَاحِبُ شِرْكٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: صَادِقٌ، وَمَصْدُوقٌ، وَسَلُومٌ، فَقَدِمَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِ مَدِينَتِهِ مِنْهُمُ اثْنَانِ فَكَذَّبُوهُمَا، ثُمَّ عَزَّزَ اللَّهُ بِثَالِثٍ؛ فَلَمَّا دَعَتْهُ الرُّسُلُ وَنَادَتْهُ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَصَدَعَتْ بِالَّذِي أُمِرَتْ بِهِ، وَعَابَتْ دِينَهُ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُمْ: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يس: ١٨]
١٩ / ٤١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حِينَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَكَذَّبُوهُمَا فَشَدَّدْنَاهُمَا بِثَالِثٍ، وَقَوَّيْنَاهُمَا بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: ١٤] قَالَ: شَدَّدْنَا “
١٩ / ٤١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ⦗٤١٥⦘ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: ١٤] قَالَ: «زِدْنَا»
١٩ / ٤١٤
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: ١٤] قَالَ: «جَعَلْنَاهُمْ ثَلَاثَةً، قَالَ: ذَلِكَ التَّعَزُّزُ، قَالَ: وَالتَّعَزُّزُ: الْقُوَّةُ»
١٩ / ٤١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٤] يَقُولُ: فَقَالَ الْمُرْسَلُونَ الثَّلَاثَةُ لِأَصْحَابِ الْقَرْيَةِ: إِنَّا إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ مُرْسَلُونَ، بِأَنْ تُخْلِصُوا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدِهِ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَتَبَرَّءُوا مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ وَبِالتَّشْدِيدِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَعَزَّزْنَا﴾ [يس: ١٤] قَرَأَتِ الْقُرَّاءُ سِوَى عَاصِمٍ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا بِالتَّشْدِيدِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا شَدَّدَ: فَقَوَّيْنَا، وَإِذَا خَفَّفَ: فَغَلَبْنَا، وَلَيْسَ لِغَلَبْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَثِيرُ مَعْنًى
١٩ / ٤١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بِشْرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا: رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [يس: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ لِلثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ حِينَ أَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ بِمَا أُرْسِلُوا بِهِ: مَا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ إِلَّا أُنَاسٌ مِثْلُنَا، وَلَوْ كُنْتُمْ رُسُلًا كَمَا تَقُولُونَ، لَكُنْتُمْ مَلَائِكَةً ﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [يس: ١٥] يَقُولُ: قَالُوا: وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ إِلَيْكُمْ مِنْ رِسَالَةٍ وَلَا كِتَابٍ وَلَا
١٩ / ٤١٥
أَمَرَكُمْ فِينَا بِشَيْءٍ ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ [يس: ١٥] فِي قِيلِكُمْ إِنَّكُمْ إِلَيْنَا مُرْسَلُونَ ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٦] يَقُولُ: قَالَ الرُّسُلُ: رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ فِيمَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَيْهِ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [يس: ١٧] يَقُولُ: وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نُبَلِّغَكُمْ رِسَالَةَ اللَّهِ الَّتِي أَرْسَلَنَا بِهَا إِلَيْكُمْ بَلَاغًا يُبِينُ لَكُمْ أَنَّا أَبْلَغْنَاكُمُوهَا، فَإِنْ قَبِلْتُمُوهَا فَحَظُّ أَنْفُسِكُمْ تُصِيبُونَ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلُوهَا فَقَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْحُكْمِ فِيهِ
١٩ / ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يس: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ لِلرُّسُلِ: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس: ١٨] يَعْنُونَ: إِنَّا تَشَاءَمْنَا بِكُمْ، فَإِنْ أَصَابَنَا بَلَاءٌ مِنْ أَجْلِكُمْ
١٩ / ٤١٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ [يس: ١٨] قَالُوا: «إِنْ أَصَابَنَا شَرٌّ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِكُمْ»
١٩ / ٤١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ [يس: ١٨] يَقُولُ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَمَّا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّكُمْ أُرْسِلْتُمْ إِلَيْنَا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ آلِهَتِنَا، وَالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِنَا لَنَرْجُمَنَّكُمْ، قِيلَ: عُنِيَ بِذَلِكَ لَنَرْجُمَنَّكُمْ بِالْحِجَارَةِ
١٩ / ٤١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا ⦗٤١٧⦘ لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ [يس: ١٨] بِالْحِجَارَةِ ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يس: ١٨] يَقُولُ: «وَلَيَنَالَنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ مُوجِعٌ»
١٩ / ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الرُّسُلُ لِأَصْحَابِ الْقَرْيَةِ: ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ [يس: ١٩] يَقُولُونَ: أَعْمَالُكُمْ وَأَرْزَاقُكُمْ وَحَظُّكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَعَكُمْ، ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَعْنَاقِكُمْ، وَمَا ذَلِكَ مِنْ شُؤْمِنَا إِنْ أَصَابَكُمْ سُوءٌ فِيمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ، وَسُبِقَ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ [يس: ١٩] «أَيْ أَعْمَالُكُمْ مَعَكُمْ»
١٩ / ٤١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ كَعْبٍ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ: ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ [يس: ١٩] «أَيْ أَعْمَالُكُمْ مَعَكُمْ»
١٩ / ٤١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ [يس: ١٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ
١٩ / ٤١٧
الْأَمْصَارِ ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ [يس: ١٩] بِكَسْرِ الْأَلْفِ مِنْ إِنْ وَفَتْحِ أَلَفِ الِاسْتِفْهَامِ: بِمَعْنَى إِنْ ذَكَّرْنَاكُمْ فَمَعَكُمْ طَائِرُكُمْ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَى إِنْ الَّتِي هِيَ حَرْفُ جَزَاءٍ أَلِفَ اسْتِفْهَامٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ مَنْوِيٌّ بِهِ التَّكْرِيرُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ إِنْ ذُكِّرْتُمْ فَمَعَكُمْ طَائِرُكُمْ، فَحَذَفَ الْجَوَابَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، لِأَنَّ أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ قَدْ حَالَتْ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَبَيْنَ الشَّرْطِ، فَلَا تَكُونُ شَرْطًا لِمَا قَبْلَ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾ [يس: ١٩] بِمَعْنَى: أَلِأَنْ ذُكِّرْتُمْ طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ؟ وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ قَارِئِيهِ أَنَّهُ قَرَأَهُ: قَالُوا: «طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَيْنَ ذُكِرْتُمْ» بِمَعْنَى: حَيْثُ ذُكِرْتُمْ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ مِنْ ذُكِّرْتُمْ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا نُجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهِيَ دُخُولُ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ، وَتَشْدِيدِ الْكَافِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَارِئِيهِ كَذَلِكَ، لِإِجْمَاعِ الْجُحَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿أَئِنْ ذَكَرْتُمْ﴾ [يس: ١٩] «⦗٤١٩⦘ أَيْ إِنْ ذَكَّرْنَاكُمُ اللَّهَ تَطَيَّرْتُمْ بِنَا؟» ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: ٨١]
١٩ / ٤١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: ٨١] يَقُولُ: قَالُوا لَهُمْ: مَا بِكُمُ التَّطَيُّرُ بِنَا، وَلَكِنَّكُمْ قَوْمٌ أَهْلُ مَعَاصٍ لِلَّهِ وَآثَامٍ، قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْكُمُ الذُّنُوبُ وَالْآثَامُ
١٩ / ٤١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ [يس: ٢٠] يَقُولُ: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى مَدِينَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِمْ هَذِهِ الرُّسُلُ رَجُلٌ يَسْعَى إِلَيْهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ هَذِهِ عَزَمُوا، وَاجْتَمَعَتْ آرَاؤُهُمْ عَلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا ذُكِرَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مُؤْمِنًا، وَكَانَ اسْمُهُ فِيمَا ذُكِرَ حَبِيبُ بْنُ مُرِّيٍّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ
١٩ / ٤١٩
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: «كَانَ صَاحِبُ يَس حَبِيبَ بْنَ مُرِّيٍّ»
١٩ / ٤١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: كَانَ مِنْ حَدِيثِ صَاحِبِ يَس فِيمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ «أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ أَنْطَاكِيَّةَ، وَكَانَ اسْمُهُ حَبِيبًا، وَكَانَ يَعْمَلُ الْجَرِيرَ، وَكَانَ رَجُلًا سَقِيمًا، قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ الْجُذَامُ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ ⦗٤٢٠⦘ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَبِ الْمَدِينَةِ قَاصِيًا، وَكَانَ مُؤْمِنًا ذَا صَدَقَةٍ، يَجْمَعُ كَسْبَهُ إِذَا أَمْسَى فِيمَا يَذْكُرُونَ، فَيَقْسِمُهُ نِصْفَيْنٍ، فَيُطْعِمُ نِصْفًا عِيَالَهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِنِصْفٍ، فَلَمْ يُهِمَّهُ سَقَمُهُ وَلَا عَمَلُهُ وَلَا ضَعْفُهُ، عَنْ عَمَلِ رَبِّهِ، قَالَ: فَلَمَّا أَجْمَعَ قَوْمُهُ عَلَى قَتْلِ الرُّسُلِ، بَلَغَ ذَلِكَ حَبِيبًا وَهُوَ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ الْأَقْصَى، فَجَاءَ يَسْعَى إِلَيْهِمْ يُذَكِّرُهُمْ بِاللَّهِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٢٠]»
١٩ / ٤١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَمَّرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، قَالَ: ذُكِرَ لَهُ حَبِيبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَخُو بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ الَّذِي كَانَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قَطَعَهُ بِالْيَمَامَةِ حِينَ جَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ لَهُ: لَا أَسْمَعُ، فَيَقُولُ مُسَيْلِمَةُ: أَتَسْمَعُ هَذَا، وَلَا تَسْمَعُ هَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَجَعَلَ يَقْطَعُهُ عُضْوًا عُضْوًا، كُلَّمَا سَأَلَهُ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فِي يَدَيْهِ. قَالَ كَعْبٌ حِينَ قِيلَ لَهُ: اسْمُهُ حَبِيبٌ: «وَكَانَ وَاللَّهِ صَاحِبُ يَس اسْمَهُ حَبِيبٌ»
١٩ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مِقْسَمٍ أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «كَانَ اسْمُ صَاحِبِ يَس حَبِيبًا، وَكَانَ الْجُذَامُ قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ»
١٩ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ [يس: ٢٠] قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اسْمَهُ حَبِيبٌ، وَكَانَ فِي غَارٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ»
١٩ / ٤٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، وَاقْبَلُوا مِنْهُمْ مَا أَتَوْكُمْ بِهِ وَذُكِرَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَى الرُّسُلَ سَأَلَهُمْ: هَلْ تَطْلُبُونَ عَلَى مَا جِئْتُمْ بِهِ أَجْرًا؟ فَقَالَتِ الرُّسُلُ: لَا، فَقَالَ لِقَوْمِهِ حِينَئِذٍ: اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ عَلَى نَصِيحَتِهِمْ لَكُمْ أَجْرًا
١٩ / ٤٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: “لَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِمْ، يَعْنِي إِلَى الرُّسُلِ، قَالَ: هَلْ تُسْأَلُونَ عَلَى هَذَا مِنْ أَجْرٍ؟ قَالُوا: لَا، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس: ٢١]
١٩ / ٤٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا بَلَغَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس: ٢١] «أَيْ لَا يَسْأَلُونَكُمْ أَمْوَالَكُمْ عَلَى مَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنَ الْهُدَى، وَهُمْ لَكُمْ نَاصِحُونَ، فَاتَّبِعُوهُمْ تَهْتَدُوا بِهُدَاهُمْ»
١٩ / ٤٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨٢] يَقُولُ: وَهُمْ عَلَى اسْتِقَامَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، فَاهْتَدُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ بِهُدَاهُمْ
١٩ / ٤٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَالِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَذَا الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ ﴿وَمَالِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ أَيْ وَأَيُّ شَيْءٍ لِيَ لَا أَعْبُدُ الرَّبَّ الَّذِي خَلَقَنِي ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ تَصِيرُونَ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ وَتُرَدُّونَ جَمِيعًا، وَهَذَا حِينَ أَبْدَى لِقَوْمِهِ إِيمَانَهُ بِاللَّهِ وَتَوْحِيدَهُ
١٩ / ٤٢٢
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا بَلَغَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «نَادَاهُمْ، يَعْنِي نَادَى قَوْمَهُ بِخِلَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينَهُ وَعِبَادَةَ رَبِّهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْعَهُ وَلَا ضُرَّهُ غَيْرُهُ» فَقَالَ: ﴿وَمَالِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تَرْجِعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ «ثُمَّ عَابَهَا» فَقَالَ: ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ﴾ [يس: ٢٣] «وَشِدَّةٍ» ﴿لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾ [يس: ٢٣]
١٩ / ٤٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ [يس: ٢٣] يَقُولُ: أَأَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً، يَعْنِي مَعْبُودًا سِوَاهُ ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ﴾ [يس: ٢٣] يَقُولُ: إِذَا مَسَّنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ وَشِدَّةٍ ﴿لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا﴾ [يس: ٢٣] يَقُولُ: لَا تُغْنِي عَنِّي شَيْئًا بِكَوْنِهَا إِلَيَّ شُفَعَاءَ، ⦗٤٢٣⦘ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ الضُّرِّ عَنِّي ﴿وَلَا يُنْقِذُونَ﴾ [يس: ٢٣] يَقُولُ: وَلَا يُخَلِّصُونِي مِنْ ذَلِكَ الضُّرِّ إِذَا مَسَّنِي
١٩ / ٤٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٢٤] يَقُولُ: ﴿إِنِّي﴾ [البقرة: ٣٠] إِنِ اتَّخَذْتُ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً هَذِهِ صِفَتُهَا ﴿إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٢٤] لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، جَوْرَهُ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ
١٩ / ٤٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: ٢٥] فَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ هَذَا الْقَوْلَ هَذَا الْمُؤْمِنُ لِقَوْمِهِ يُعْلِمُهُمْ إِيمَانَهُ بِاللَّهِ
١٩ / ٤٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا بَلَغَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ كَعْبٍ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: ٢٥] «إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمُ الَّذِي كَفَرْتُمْ بِهِ، فَاسْمَعُوا قُولِي» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ خَاطَبَ بِذَلِكَ الرُّسُلَ، وَقَالَ لَهُمُ: اسْمَعُوا قُولِي لِتَشْهَدُوا لِي بِمَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدَ رَبِّي، وَأَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِكُمْ وَاتَّبَعْتُكُمْ؛ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ، وَنَصَحَ لِقَوْمِهِ النَّصِيحَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَثَبُوا بِهِ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ قَتْلِهِمْ إِيَّاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ
١٩ / ٤٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَالِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ «هَذَا رَجُلٌ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ، وَأَبْدَى لَهُمُ النَّصِيحَةَ فَقَتَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجِمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي، ⦗٤٢٤⦘ اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي، اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي، حَتَّى أَقْعَصُوهُ وَهُوَ كَذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَثَبُوا عَلَيْهِ، فَوَطَئُوهُ بِأَقْدَامِهِمْ حَتَّى مَاتَ
١٩ / ٤٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ كَعْبٍ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ لَهُمْ: ﴿وَمَالِي لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: ٢٥] «وَثَبُوا وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ وَاسْتَضْعَفُوهُ لِضَعْفِهِ وَسَقَمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنْهُ»
١٩ / ٤٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: «وَطِئُوهُ بِأَرْجُلِهِمْ حَتَّى خَرَجَ قُصْبُهُ مِنْ دُبُرِهِ»
١٩ / ٤٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قِيلَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لَهُ إِذْ قَتَلُوهُ كَذَلِكَ فَلَقِيَهُ: ﴿ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦] فَلَمَّا دَخَلَهَا وَعَايَنَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ لِإِيمَانِهِ وَصَبْرِهِ فِيهِ ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ [يس: ٢٦] يَقُولُ: يَا لَيْتَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي ⦗٤٢٥⦘ مِنْ أَجَلِهِ غَفَرَ لِي رَبِّي ذُنُوبِي، وَجَعَلَنِي مِنَ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُ جَنَّتَهُ، كَانَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَصَبْرِي فِيهِ، حَتَّى قُتِلْتُ، فَيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَيَسْتَوْجِبُوا الْجَنَّةَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضٍ أَصْحَابِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَدَخَلَهَا حَيًّا يُرْزَقُ فِيهَا، قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ سَقَمَ الدُّنْيَا وَحُزْنَهَا وَنَصَبَهَا، فَلَمَّا أُفْضِيَ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ» ﴿قَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٧]
١٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦] «فَلَمَّا دَخَلَهَا» ﴿قَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٧] قَالَ: «فَلَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَ إِلَّا نَاصِحًا، وَلَا تَلْقَاهُ غَاشًّا، فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ» ﴿قَالَ: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ [يس: ٢٦] «تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ مَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ»
١٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿قِيلَ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦] قَالَ: «قِيلَ: قَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ؛ قَالَ ذَاكَ حِينَ رَأَى الثَّوَابَ»
١٩ / ٤٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦] قَالَ: «وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ»
١٩ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ [يس: ٢٦] قَالَ: «وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»
١٩ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ [يس: ٢٧] قَالَ: «إِيمَانِي بِرَبِّي، وَتَصْدِيقِي رُسُلَهُ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ
١٩ / ٤٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِ هَذَا الْمُؤْمِنِ الَّذِي قَتَلَهُ قَوْمُهُ لِدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَنَصِيحَتِهِ لَهُمْ ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ [البقرة: ٥١] يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مَهْلَكِهِ ﴿مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [يس: ٢٨] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْجُنْدِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ إِلَى قَوْمِ هَذَا الْمُؤْمِنِ بَعْدَ قَتْلِهِمُوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ رِسَالَةً، وَلَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا
١٩ / ٤٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٤٢٧⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [يس: ٢٨] قَالَ: «رِسَالَةٍ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ
١٩ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ [يس: ٢٨] قَالَ: “فَلَا وَاللَّهِ مَا عَاتَبَ اللَّهُ قَوْمَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَبْعَثْ لَهُمْ جُنُودًا يُقَاتِلُهُمْ بِهَا، وَلَكِنَّهُ أَهْلَكَهُمْ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ
١٩ / ٤٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: «غَضِبَ اللَّهُ لَهُ، يَعْنِي لِهَذَا الْمُؤْمِنِ، لِاسْتِضْعَافِهِمْ إِيَّاهُ غَضْبَةً لَمْ تُبْقِ مِنَ الْقَوْمِ شَيْئًا، فَعَجَّلَ لَهُمُ النِّقْمَةَ بِمَا اسْتَحَلُّوا مِنْهُ» وَقَالَ: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزَلِينَ﴾ [يس: ٢٨] يَقُولُ: «مَا كَاثَرْنَاهُمْ بِالْجُمُوعِ: أَيِ الْأَمْرُ أَيْسَرُ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ» ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] ” فَأَهْلَكَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَأَهْلَ
١٩ / ٤٢٧
أَنْطَاكِيَّةَ، فَبَادُوا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، فَلَمْ تَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ ” وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الرِّسَالَةَ لَا يُقَالُ لَهَا جُنْدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مُجَاهِدٌ بِذَلِكَ الرُّسُلَ، فَيَكُونُ وَجْهًا، وَإِنْ كَانَ أَيْضًا مِنَ الْمَفْهُومِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ بَعِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يَنْزِلُونَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْخَبَرُ فِي ظَاهَرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ مِنَ السَّمَاءِ بَعْدَ مَهْلَكِ هَذَا الْمُؤْمِنِ عَلَى قَوْمِهِ جُنْدًا وَذَلِكَ بِالْمَلَائِكَةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِبَنِي آدَمَ
١٩ / ٤٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] يَقُولُ: مَا كَانَتْ هَلَكَتُهُمْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً أَنْزَلَهَا اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [يس: ٢٩] نَصْبًا عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُ، وَأَنَّ فِي كَانَتْ مُضْمَرًا وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ أَنَّهُ قَرَأَهُ: (إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةً) رَفْعًا عَلَى أَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِكَانَ، وَلَا مُضْمَرَ فِي كَانَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي النَّصْبُ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّ فِيَ كَانَتْ مُضْمَرًا
١٩ / ٤٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ [يس: ٢٩] يَقُولُ: فَإِذَا هُمْ هَالِكُونَ
١٩ / ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهُمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ⦗٤٢٩⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا حَسْرَةً مِنَ الْعِبَادِ عَلَى أَنْفُسِهَا وَتَنَدُّمًا وَتَلَهُّفًا فِي اسْتِهْزَائِهِمْ بِرُسُلِ اللَّهِ ﴿مَا يَأْتِيهُمْ مِنْ رَسُولٍ﴾ [يس: ٣٠] مِنَ اللَّهِ ﴿إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: «يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ عَلَى أَنْفُسِهَا» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: ٣٠] «أَيْ يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ عَلَى أَنْفُسِهَا عَلَى مَا ضَيَّعَتْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَفَرَّطَتْ فِي جَنْبِ اللَّهِ» قَالَ: وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: «يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ عَلَى أَنْفُسِهَا»
١٩ / ٤٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: ٣٠] قَالَ: «كَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ»
١٩ / ٤٢٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٣٠⦘ قَوْلُهُ: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس: ٣٠] يَقُولُ: «يَا وَيْلًا لِلْعِبَادِ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ
١٩ / ٤٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَنَا وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا مِنَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ ﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٣١] يَقُولُ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٣١] قَالَ: «عَادٌ وَثَمُودٌ، وَقُرُونٌ بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرٌ» وكَمْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ [يس: ٣١] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ إِنْ شِئْتَ بِوُقُوعِ يَرَوْا عَلَيْهَا وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَلَمْ يَرَوْا مَنْ أَهْلَكْنَا» وَإِنْ شِئْتَ بِوُقُوعِ أَهْلَكْنَا عَلَيْهَا؛ وَأَمَّا أَنَّهُمْ فَإِنَّ الْأَلِفَ مِنْهَا فُتِحَتْ بِوُقُوعِ يَرَوْا عَلَيْهَا. وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَسَرَ الْأَلِفَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ بِهَا، وَتَرَكَ إِعْمَالَ يَرَوْا فِيهَا
١٩ / ٤٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ كُلَّ هَذِهِ الْقُرُونِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا وَالَّذِينَ لَمْ نُهْلِكْهُمْ وَغَيْرَهُمْ عِنْدَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَمِيعِهِمْ مُحْضَرُونَ
١٩ / ٤٣١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٣٢] «أَيْ هُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَا) بِالتَّخْفِيفِ تَوْجِيهًا مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَا أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا اللَّامُ الَّتِي تَدْخُلُ جَوَابًا لِإِنْ وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِنْ كُلٌّ لِجَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿لَمَّا﴾ [يس: ٣٢] بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَلِتَشْدِيدِهِمْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عِنْدَهُمْ كَانَ مُرَادًا بِهِ: وَإِنْ كُلٌّ لَمِمَّا جَمِيعٌ، ثُمَّ حُذِفَتْ إِحْدَى الْمِيمَاتِ لَمَّا كَثُرَتْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] غَدَاةَ طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ … وَعُجْنَا صُدُورَ الْخَيْلِ نَحْوَ تَمِيمِ
وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنْ تَكُونَ ﴿لَمَّا﴾ [يس: ٣٢] بِمَعْنَى إِلَّا، مَعَ إِنْ خَاصَّةً فَتَكُونُ نَظِيرَةَ إِنَّمَا إِذَا وُضِعَتْ مَوْضِعَ إِلَّا وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: كَأَنَّهَا لَمْ ضُمَّتْ إِلَيْهَا مَا، فَصَارَتَا جَمِيعًا اسْتِثْنَاءً، وَخَرَجَتَا مِنْ حَدِّ الْجَحْدِ وَكَانَ
[البحر الطويل] غَدَاةَ طَفَتْ عَلْمَاءِ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ … وَعُجْنَا صُدُورَ الْخَيْلِ نَحْوَ تَمِيمِ
وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنْ تَكُونَ ﴿لَمَّا﴾ [يس: ٣٢] بِمَعْنَى إِلَّا، مَعَ إِنْ خَاصَّةً فَتَكُونُ نَظِيرَةَ إِنَّمَا إِذَا وُضِعَتْ مَوْضِعَ إِلَّا وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: كَأَنَّهَا لَمْ ضُمَّتْ إِلَيْهَا مَا، فَصَارَتَا جَمِيعًا اسْتِثْنَاءً، وَخَرَجَتَا مِنْ حَدِّ الْجَحْدِ وَكَانَ
١٩ / ٤٣١
بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: لَا أَعْرِفُ وَجْهَ لَمَّا بِالتَّشْدِيدِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٩ / ٤٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنِ الْعُيُونِ﴾ [يس: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَدِلَالَةٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَعَلَى إِحْيَائِهِ مَنْ مَاتَ مِنْ خَلْقِهِ وَإِعَادَتِهِ بَعْدَ فَنَائِهِ، كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ مَمَاتِهِ إِحْيَاؤُهُ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ، الَّتِي لَا نَبْتَ فِيهَا وَلَا زَرْعَ بِالْغَيْثِ الَّذِي يُنْزِلُهُ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ زَرَعُهَا، ثُمَّ إِخْرَاجُهُ مِنْهَا الْحَبَّ الَّذِي هُوَ قُوتٌ لَهُمْ وَغِذَاءٌ، فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ
١٩ / ٤٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ [يس: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَحْيَيْنَاهَا بَعْدَ مَوْتِهَا بَسَاتِينَ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ [يس: ٣٤] يَقُولُ: وَأَنْبَعْنَا فِيهَا مِنْ عُيُونِ الْمَاءِ
١٩ / ٤٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنْشَأْنَا هَذِهِ الْجَنَّاتِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ لِيَأْكُلَ عِبَادِي مِنْ ثَمَرِهِ، وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ يَقُولُ: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِ
١٩ / ٤٣٢
الْجَنَّاتِ الَّتِي أَنْشَأْنَا لَهُمْ، وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ مِمَّا غَرَسُوا هُمْ وَزَرَعُوا وَمَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس: ٣٥] فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا عَلَى الثَّمَرِ، بِمَعْنَى: وَمِنَ الَّذِي عَمِلَتْ؛ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ: «وَمِمَّا عَمِلَتْهُ» بِالْهَاءِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى؛ فَالْهَاءُ فِي قِرَاءَتِنَا مُضْمَرَةً، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُضْمِرُهَا أَحْيَانًا، وَتُظْهِرُهَا فِي صَلَاتِ: مِنْ، وَمَا، وَالَّذِي وَلَوْ قِيلَ: مَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَانَ مَذْهَبًا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمِنْ عَمَلِ أَيْدِيهِمْ. وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْجَحْدِ وَلَا مَوْضِعَ لَهَا كَانَ أَيْضًا مَذْهَبًا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَلَمْ تَعْمَلْهُ أَيْدِيهِمْ
١٩ / ٤٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٣٥] يَقُولُ: أَفَلَا يَشْكُرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ رَزَقْنَاهُمْ هَذَا الرِّزْقَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ الَّتِي أَحْيَيْنَاهَا لَهُمْ مِنْ رِزْقِهِمْ ذَلِكَ وَأُنْعِمَ عَلَيْهِمْ بِهِ؟
١٩ / ٤٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَنْزِيهًا وَتَبْرِئَةً لِلَّذِي خَلَقَ الْأَلْوَانَ الْمُخْتَلِفَةَ كُلَّهَا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ، يَقُولُ: وَخَلَقَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ أَيْضًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يُطْلِعْهُمْ عَلَيْهَا، خَلَقَ كَذَلِكَ أَزْوَاجًا مِمَّا يُضِيفُ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَيَصِفُونَهُ بِهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
١٩ / ٤٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَدَلِيلٌ لَهُمْ أَيْضًا عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى فِعْلِ كُلِّ مَا شَاءَ ﴿اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ [يس: ٣٧] يَقُولُ: نَنْزِعُ عَنْهُ النَّهَارَ وَمَعْنَى مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: عَنْهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: نَسْلَخُ عَنْهُ النَّهَارَ، فَنَأْتِي بِالظُّلْمَةِ وَنَذْهَبُ بِالنَّهَارِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ [الأعراف: ١٧٥] أَيْ خَرَجَ مِنْهَا وَتَرَكَهَا، فَكَذَلِكَ انْسِلَاخُ اللَّيْلِ مِنَ النَّهَارِ وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ [يس: ٣٧] يَقُولُ: فَإِذَا هُمْ قَدْ صَارُوا فِي ظُلْمَةٍ بِمَجِيءِ اللَّيْلِ
١٩ / ٤٣٤
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ [يس: ٣٧] قَالَ: «يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ، وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ» وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ مَعْنَى سَلْخِ النَّهَارِ مِنَ اللَّيْلِ بَعِيدٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ إِيلَاجَ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ إِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ هَذَا فِي سَاعَاتِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ السَّلْخُ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، لِأَنَّ النَّهَارَ يُسْلَخُ مِنَ اللَّيْلِ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ اللَّيْلُ مِنَ النَّهَارِ كُلِّهِ، وَلَيْسَ يُولِجُ كُلَّ اللَّيْلِ فِي كُلِّ النَّهَارِ، وَلَا كُلَّ النَّهَارِ فِي كُلِّ اللَّيْلِ
١٩ / ٤٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمَوْضِعِ قَرَارِهَا، بِمَعْنَى: إِلَى مَوْضِعِ قَرَارِهَا؛ وَبِذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٩ / ٤٣٤
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ فَتَسْجُدُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ بِالرُّجُوعِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَكَانِهَا، وَذَلِكَ مُسْتَقَرُّهَا»
١٩ / ٤٣٥
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس: ٣٨] قَالَ: «وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا تَعْدُوهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَجْرِي لِمَجْرًى لَهَا إِلَى مَقَادِيرِ مَوَاضِعِهَا، بِمَعْنَى: أَنَّهَا تَجْرِي إِلَى أَبْعَدِ مَنَازِلِهَا فِي الْغُرُوبِ، ثُمَّ تَرْجِعُ وَلَا تُجَاوِزُهُ. قَالُوا: وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَزَالُ تَتَقَدَّمُ كُلَّ لَيْلَةٍ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى أَبْعَدِ مَغَارِبِهَا ثُمَّ تَرْجِعُ
١٩ / ٤٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦] يَقُولُ: هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ جَرْيِ الشَّمْسِ لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، الْعَلِيمِ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ
١٩ / ٤٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
١٩ / ٤٣٥
الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ [يس: ٣٩] فَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: (وَالْقَمَرُ) رَفْعًا عَطْفًا بِهَا عَلَى الشَّمْسِ، إِذْ كَانَتِ الشَّمْسُ مَعْطُوفَةً عَلَى اللَّيْلِ، فَأَتْبَعُوا الْقَمَرَ أَيْضًا الشَّمْسَ فِي الْإِعْرَابِ، لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنَ الْآيَاتِ، كَمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ آيَتَانِ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَآيَةٌ لَهُمُ الْقَمَرُ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ نَصْبًا: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ﴾ [يس: ٣٩] بِمَعْنَى: وَقَدَّرْنَا الْقَمَرَ مَنَازِلَ، كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِالشَّمْسِ، فَرَدُّوهُ عَلَى الْهَاءِ مِنَ الشَّمْسِ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْوَاوَ الَّتِي فِيهَا لِلْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَآيَةٌ لَهُمْ تَقْدِيرُنَا الْقَمَرَ مَنَازِلَ لِلنُّقْصَانِ بَعْدَ تَنَاهِيهِ وَتَمَامِهِ وَاسْتِوَائِهِ، حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ؛ وَالْعُرْجُونُ: مِنَ الْعِذْقِ مِنَ الْمَوْضِعِ النَّابِتِ فِي النَّخْلَةِ إِلَى مَوْضِعِ الْشَمَارِيخِ؛ وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ وَالْقَدِيمُ هُوَ الْيَابِسُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعِذْقِ، لَا يَكَادُ يُوجَدُ إِلَّا مُتَقَوِّسًا مُنْحَنِيًا إِذَا قَدِمَ وَيَبِسَ، وَلَا يَكَادُ أَنْ يُصَابَ مُسْتَوِيًا مُعْتَدِلًا، كَأَغْصَانِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ وَفُرُوعِهَا، فَكَذَلِكَ الْقَمَرُ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قَبْلَ
١٩ / ٤٣٦
اسْتِسْرَارِهِ، صَارَ فِي انْحِنَائِهِ وَتَقَوُّسِهِ نَظِيرَ ذَلِكَ الْعُرْجُونِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] يَقُولُ: «أَصْلُ الْعِذْقِ الْعَتِيقِ»
١٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] «يَعْنِي بِالْعُرْجُونِ: الْعِذْقَ الْيَابِسَ»
١٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْقَمَرُ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] قَالَ: «كَعِذْقِ النَّخْلَةِ إِذَا قَدُمَ فَانْحَنَى»
١٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو يَزِيدَ الْخَرَّازُ يَعْنِي خَالِدَ بْنَ حَيَّانَ الرَّقِّيَّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] قَالَ: «عِذْقُ النَّخْلَةِ إِذَا قَدُمَ انْحَنَى»
١٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] قَالَ: «النَّخْلَةُ الْقَدِيمَةُ»
١٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ⦗٤٣٨⦘ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] قَالَ: «الْعِذْقُ الْيَابِسُ»
١٩ / ٤٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، وَابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، وَالْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] قَالَ: الْعِذْقُ “
١٩ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] قَالَ: «قَدَّرَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ، فَجَعَلَ يَنْقُصُ حَتَّى كَانَ مِثْلَ عِذْقِ النَّخْلَةِ، شَبَّهَّهُ بِعِذْقٍ النَّخْلَةِ»
١٩ / ٤٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ [يس: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا الشَّمْسُ يَصْلُحُ لَهَا إِدْرَاكَ الْقَمَرِ، فَيَذْهَبُ ضَوْءُهَا بِضَوْئِهِ، فَتَكُونُ الْأَوْقَاتُ كُلُّهَا نَهَارًا لَا لَيْلَ فِيهَا ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا اللَّيْلُ بِفَائِتِ النَّهَارَ حَتَّى تَذْهَبَ ظُلْمَتُهُ بِضِيَائِهِ، فَتَكُونُ الْأَوْقَاتُ كُلُّهَا لَيْلًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي أَلْفَاظِهِمْ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ مَعَانِيَ عَامَّتِهِمُ الَّذِي قُلْنَاهُ
١٩ / ٤٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ⦗٤٣٩⦘ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ [يس: ٤٠] قَالَ: «لَا يُشْبِهُ ضَوْءُهَا ضَوْءَ الْآخَرِ، لَا يَنْبَغِي لَهَا ذَلِكَ»
١٩ / ٤٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ [يس: ٤٠] قَالَ: «لَا يُشْبِهُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الْآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لَهُمَا» وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠] قَالَ: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ، يَنْسَلِخَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ
١٩ / ٤٣٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠] قَالَ: «لَا يُدْرِكُ هَذَا ضَوْءَ هَذَا وَلَا هَذَا ضَوْءَ هَذَا»
١٩ / ٤٣٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ [يس: ٤٠] «وَهَذَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ وضُوءِ الشَّمْسِ، إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَمَرِ ضَوْءٌ، وَإِذَا طَلَعَ الْقَمَرُ بِضَوْئِهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّمْسِ ضَوْءٌ ﴿وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠] قَالَ: فِي قَضَاءِ اللَّهِ وَعِلْمِهِ أَنْ لَا يُفَوِّتَ اللَّيْلُ النَّهَارَ حَتَّى يُدْرِكَهُ، فَيُذْهِبُ ظُلْمَتَهُ، وَفِي قَضَاءِ اللَّهِ أَنْ لَا يُفَوِّتَ النَّهَارُ اللَّيْلَ حَتَّى يُدْرِكَهُ، فَيَذْهَبُ بِضَوْئِهِ»
١٩ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠] «وَلِكُلٍّ حَدٌّ وَعَلِمٌ لَا يَعْدُوهُ، وَلَا يَقْصُرُ دُونَهُ؛ إِذَا جَاءَ سُلْطَانُ هَذَا، ذَهَبَ سُلْطَانُ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ سُلْطَانُ هَذَا ذَهَبَ سُلْطَانُ هَذَا»
١٩ / ٤٤٠
وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ [يس: ٤٠] يَقُولُ: «إِذَا اجْتَمَعَا فِي السَّمَاءِ كَانَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ يَدَيِ الْآخَرِ، فَإِذَا غَابَا غَابَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ يَدَيِ الْآخَرِ» وَأَنْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تُدْرِكَ﴾ [يس: ٤٠] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي
١٩ / ٤٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] يَقُولُ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي فَلَكٍ يَجْرُونَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿⦗٤٤١⦘ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] قَالَ: «فِي فَلَكٍ كَفَلَكِ الْمِغْزَلِ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ
١٩ / ٤٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «مَجْرَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ: يَجْرُونَ»
١٩ / ٤٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] «أَيْ فِي فَلَكِ السَّمَاءِ يَسْبَحُونَ»
١٩ / ٤٤١
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] «دَوَرَانًا، يَقُولُ: دَوَرَانًا يَسْبَحُونَ؛ يَقُولُ: يَجْرُونَ»
١٩ / ٤٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] «يَعْنِي: كُلٌّ فِي فَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ»
١٩ / ٤٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [يس: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَدَلِيلٌ لَهُمْ أَيْضًا، وَعَلَامَةٌ عَلَى قُدْرَتِنَا عَلَى كُلِّ مَا نَشَاءُ، حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ؛ يَعْنِي مَنْ نَجَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ، وَإِيَّاهَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْفُلْكِ الْمَشْحُونِ؛ وَالْفُلْكُ: هِيَ السَّفِينَةُ، وَالْمَشْحُونُ: الْمَمْلُوءُ الْمُوقَرُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] يَقُولُ: «الْمُمْتَلِئُ»
١٩ / ٤٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] يَعْنِي الْمُثَقَّلَ “
١٩ / ٤٤٢
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ ﴿الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] قَالَ: الْمُوقَرُ “
١٩ / ٤٤٢
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنِ ⦗٤٤٣⦘ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] قَالَ: «الْمَحْمُولِ»
١٩ / ٤٤٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] «يَعْنِي: سَفِينَةَ نُوحٍ عليه السلام»
١٩ / ٤٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] «الْمُوقَرُ، يَعْنِي سَفِينَةَ نُوحٍ»
١٩ / ٤٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] قَالَ: «الْفُلْكُ الْمَشْحُونُ: الْمَرْكَبُ الَّذِي كَانَ فِيهِ نُوحٌ، وَالذُّرِّيَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْمَرْكَبِ؛ قَالَ: وَالْمَشْحُونُ: الَّذِي قَدْ شُحِنَ، الَّذِي قَدْ جُعِلَ فِيهِ لِيَرْكَبَهُ أَهْلُهُ، جَعَلُوا فِيهِ مَا يُرِيدُونَ، فَرُبَّمَا امْتَلَأَ، وَرُبَّمَا لَمْ يَمْتَلِئْ»
١٩ / ٤٤٣
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْفُلْكُ الْمَشْحُونُ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: «هُوَ الْمُوقَرُ»
١٩ / ٤٤٣
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس: ٤١] قَالَ: «الْمُوقَرِ»
١٩ / ٤٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَخَلَقْنَا ⦗٤٤٤⦘ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِيكَ يَا مُحَمَّدُ تَفَضُّلًا مِنَّا عَلَيْهِمْ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْفُلْكِ الَّذِي كُنَّا حَمَلْنَا مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مَنْ حَمَلْنَا فِيهِ الَّذِي يَرْكَبُونَهُ مِنَ الْمَرَاكِبِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ السُّفُنُ
١٩ / ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَدْرُونَ مَا ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قُلْنَا: لَا قَالَ: «هِيَ السُّفُنُ جُعِلَتْ مِنْ بَعْدِ سَفِينَةِ نُوحٍ عَلَى مِثْلِهَا»
١٩ / ٤٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «السُّفُنُ الصِّغَارُ»
١٩ / ٤٤٤
قَالَ: ثنا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «السُّفُنُ الصِّغَارُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ»: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ [يس: ٤٣]
١٩ / ٤٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «السُّفُنُ الصِّغَارُ»
١٩ / ٤٤٤
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ بَكْرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «السُّفُنُ الصِّغَارُ»
١٩ / ٤٤٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] ” يَعْنِي: «السُّفُنَ الَّتِي اتُّخِذَتْ بَعْدَهَا، يَعْنِي بَعْدَ سَفِينَةِ نُوحٍ»
١٩ / ٤٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «هِيَ السُّفُنُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا»
١٩ / ٤٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «وَهِيَ هَذِهِ الْفُلْكُ»
١٩ / ٤٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «نَعَمْ مِنْ مِثْلِ سَفِينَةٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْإِبِلَ
١٩ / ٤٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ، ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] «يَعْنِي: الْإِبِلَ، خَلَقَهَا اللَّهُ كَمَا رَأَيْتَ، فَهِيَ سُفُنُ الْبَرِّ، يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبُونَهَا»
١٩ / ٤٤٦
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «الْإِبِلُ»
١٩ / ٤٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] هِيَ الْإِبِلُ “
١٩ / ٤٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ [يس: ٤٢] قَالَ: «مِنَ الْأَنْعَامِ»
١٩ / ٤٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «هِيَ الْإِبِلُ» وَأَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ السُّفُنَ، وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ [يس: ٤٣] عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَقَ ⦗٤٤٧⦘ مَعْلُومٌ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا فِي الْمَاءِ، وَلَا غَرَقَ فِي الْبَرِّ
١٩ / ٤٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ [يس: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا رَكِبُوا الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ ﴿فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ [يس: ٤٣] يَقُولُ: فَلَا مُغِيثَ لَهُمْ إِذَا نَحْنُ غَرَّقْنَاهُمْ يُغِيثُهُمْ، فَيُنْجِيهِمْ مِنَ الْغَرَقِ
١٩ / ٤٤٧
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ [يس: ٤٣] «أَيْ لَا مُغِيثَ»
١٩ / ٤٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ﴾ [يس: ٤٣] يَقُولُ: وَلَا هُوَ يُنْقِذُهُمْ مِنَ الْغَرَقِ شَيْءٌ إِنْ نَحْنُ أَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْبَحْرِ، إِلَّا أَنْ نُنْقِذَهُمْ نَحْنُ رَحْمَةً مِنَّا لَهُمْ، فَنُنْجِيهِمْ مِنْهُ
١٩ / ٤٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠] يَقُولُ: وَلْنُمَتِّعْهُمْ إِلَى أَجْلٍ هُمْ بَالِغُوهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ، إِلَّا أَنْ نَرْحَمَهُمْ فَنُمَتِّعَهُمُ إِلَى أَجْلٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: ٨٠] «أَيْ إِلَى الْمَوْتِ»
١٩ / ٤٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ [يس: ٤٦]⦗٤٤٨⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، الْمُكَذِّبِينَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ: احْذَرُوا مَا مَضَى بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِنْ نَقْمِ اللَّهِ وَمَثُلَاتِهِ بِمَنْ حَلَّ ذَلِكَ بِهِ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ أَنْ يَحِلَّ مِثْلُهُ بِكُمْ بِشِرْكِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ رَسُولَهُ ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ [يس: ٤٥] يَقُولُ: وَمَا بَعْدَ هَلَاكِكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ لَا قُوَّةَ إِنْ هَلَكْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢] يَقُولُ: لِيَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ إِنْ أَنْتُمْ حَذِرْتُمْ ذَلِكَ، وَاتَّقَيْتُمُوهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ شِرْكِكُمْ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَلُزُومِ طَاعَتِهِ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قِيلَ: لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ [يس: ٤٥] «وَقَائِعَ اللَّهِ فِيمَنْ خَلَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ»
١٩ / ٤٤٨
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ [يس: ٤٥] قَالَ: «مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ» ⦗٤٤٩⦘ وَهَذَا الْقَوْلُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي قُلْنَا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: اتَّقُوا عُقُوبَةَ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَمَا خَلْفَكُمْ مِمَّا تَعْمَلُونَ مِنَ الذُّنُوبِ وَلَمْ تَعْمَلُوهُ بَعْدُ، فَذَلِكَ بَعْدَ تَخْوِيفٍ لَهُمُ الْعِقَابَ عَلَى كُفْرِهِمْ
١٩ / ٤٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ [الأنعام: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا تَجِيءُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ آيَةٌ، يَعْنِي حُجَّةً مِنْ حُجَجِ اللَّهِ، وَعَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِهِ عَلَى حَقِيقَةِ تَوْحِيدِهِ، وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ، لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَدَبَّرُونَهَا، فَيَعْلَمُوا بِهَا مَا احْتَجَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيْنَ جَوَابُ قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ: اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ [يس: ٤٥] قِيلَ: جَوَابُهُ وُجَوَابُ قَوْلِهِ ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٤] قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ [الأنعام: ٤] لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ مِنْهُمْ كَانَ عَنْ كُلِّ آيَةٍ لِلَّهِ، فَاكْتَفَى بِالْجَوَابِ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ [يس: ٤٥] وَعَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ﴾ [الأنعام: ٤] بِالْخَبَرِ عَنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنْهَا لِذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ: اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمُ اعْرَضُوا، وَإِذَا أَتَتْهُمْ آيَةٌ اعْرَضُوا
١٩ / ٤٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ: أَنْفِقُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ الَّذِي رَزَقَكُمْ، فَأَدُّوا مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِيهِ لِأَهْلِ حَاجَتِكُمْ
١٩ / ٤٤٩
وَمَسْكَنَتِكُمْ، قَالَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ وَعَبَدُوا مِنْ دُونِهِ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ: أَنُطْعِمُ أَمْوَالَنَا وَطَعَامَنَا مَنْ لَوِ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ؟ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٤٧] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ قِيلِ الْكُفَّارِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: مَا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ فِي قِيلِكُمْ لَنَا: أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ عَلَى مَسَاكِينِكُمْ، إِلَّا فِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ، وَجَوْرٍ عَنِ الرُّشْدِ مُبِينٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ، أَنَّهُ فِي ضَلَالٍ؛ وَهَذَا أَوْلَى وَجْهَيْهِ بِتَأْوِيلِهِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قِيلِ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ حِينَئِذٍ: مَا أَنْتُمْ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فِي قِيلِكُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوِ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ، إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، عَنْ أَنَّ قِيلَكُمْ ذَلِكَ لَهُمْ ضَلَالٌ
١٩ / ٤٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ وَعِيدَ اللَّهِ وَالْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ يَسْتَعْجِلُونَ رَبَّهُمْ بِالْعَذَابِ: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ [يونس: ٤٨] أَيِ الْوَعْدُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ ﴿إِنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَهَذَا قَوْلُهُمْ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
١٩ / ٤٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْتَعْجِلُونَ بِوَعِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ، وَذَلِكَ نَفْخَةُ الْفَزَعِ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ ⦗٤٥١⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَجَاءَتِ الْآثَارُ
١٩ / ٤٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَثَرِ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: ثنا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْقَوَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَيَنْفُخَنَّ فِي الصُّورِ، وَالنَّاسُ فِي طُرُقِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الثَّوْبَ لَيَكُونَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَتَسَاوَمَانِ، فَمَا يُرْسِلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ يَدِهِ حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ، وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْفُخَ فِي الصُّورِ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ [يس: ٥٠] . . الْآيَةَ»
١٩ / ٤٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «تَهِيجُ السَّاعَةُ بِالنَّاسِ، وَالرَّجُلُ يَسْقِي مَاشِيَتَهُ، وَالرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ، وَالرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ، وَالرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَتَهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذَلِكَ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ»
١٩ / ٤٥١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [يس: ٤٩] قَالَ: «النَّفْخَةُ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ»
١٩ / ٤٥١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ⦗٤٥٢⦘ بْنِ رَافِعٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصَا بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قَرْنٌ»، قَالَ: وَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ، الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَأْمُرُهُ اللَّهُ فَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا، فَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿مَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ، ثُمَّ يُمِيتُ مَنْ بَقِيَ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ، بَدَّلَ الْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ فَيُبْسِطُهَا وَيَسْتَطِحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعِكَاظِيِّ، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الْأُولَى مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (وَهُمْ يَخْصِّمُونَ) بِسِكُونِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَادِ، فَجَمَعَ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، بِمَعْنَى: يَخْتَصِمُونَ، ثُمَّ أَدْغَمَ التَّاءَ فِي الصَادِ فَجَعَلَهَا صَادًا مُشَدَّدَةً، وَتَرَكَ الْخَاءَ عَلَى سُكُونِهَا فِي الْأَصْلِ ⦗٤٥٣⦘ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (وَهُمْ يَخَصِّمُونَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَادِ بِمَعْنَى: يَخْتَصِمُونَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَرَكَةَ التَّاءِ وَهِيَ الْفَتْحَةُ الَّتِي فِي يَفْتَعِلُونَ إِلَى الْخَاءِ مِنْهَا، فَحَرَّكُوهَا بِتَحْرِيكِهَا، وَأَدْغَمُوا التَّاءَ فِي الصَادِ وَشَدَّدُوهَا وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩] بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَادِ، فَكَسَرُوا الْخَاءَ بِكَسْرِ الصَادِ وَأَدْغَمُوا التَّاءَ فِي الصَادِ وَشَدَّدُوهَا وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: (يَخْصِمُونَ) بِسِكُونِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الصَادِ، بِمَعْنَى يَفْعَلُونَ مِنَ الْخُصُومَةِ، وَكَأَنَّ مَعْنَى قَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ: كَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ: كَانَ وَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ يَخْصِمُونَ مِنْ وَعْدِهِمْ مَجِيءَ السَّاعَةِ، وَقِيَامَ الْقِيَامَةِ، وَيَغْلِبُونَهُ بِالْجَدَلِ فِي ذَلِكَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ هَذِهِ قِرَاءَاتٌ مَشْهُورَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهِنَّ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٩ / ٤٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ [يس: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَا يَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ أَنْ يُوصُوا فِي أَمْوَالِهِمْ أَحَدًا ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٥٠] يَقُولُ: وَلَا يَسْتَطِيعُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ خَارِجًا عَنْ أَهْلِهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يُمْهَلُونَ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يُعْجَلُونَ بِالْهَلَاكِ، ⦗٤٥٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ [يس: ٥٠] «أَيْ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٥٠] قَالَ: أُعْجِلُوا عَنْ ذَلِكَ»
١٩ / ٤٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [ص: ١٥] . . الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا مُبْتَدَأٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَرَأَ: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ [يس: ٥٠] حَتَّى بَلَغَ ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١]»
١٩ / ٤٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ [الكهف: ٩٩] وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَعْنِي بِهَذِهِ النَّفْخَةِ، نَفْخَةَ الْبَعْثِ
١٩ / ٤٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ [يس: ٥١] يَعْنِي مِنْ أَجْدَاثِهِمْ، وَهِيَ قُبُورُهُمْ، ⦗٤٥٥⦘ وَاحِدُهَا جَدَثٌ، وَفِيهَا لُغَتَانٍ، فَأَمَّا أَهْلُ الْعَالِيَةِ، فَتَقُولُهُ بِالثَّاءِ: جَدَثٌ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّافِلَةِ فَتَقُولُهُ بِالْفَاءِ جَدَفٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] يَقُولُ: «مِنَ الْقُبُورِ»
١٩ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ [يس: ٥١] «أَيْ مِنَ الْقُبُورِ»
١٩ / ٤٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] يَقُولُ: إِلَى رَبِّهِمْ يَخْرُجُونَ سِرَاعًا، وَالنَّسَلَانُ: الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] يَقُولُ: «يَخْرُجُونَ»
١٩ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِلَى رَبِّهِمْ ⦗٤٥٦⦘ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] أَيْ يَخْرُجُونَ “
١٩ / ٤٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَمَّا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةَ الْبَعْثِ لِمَوْقِفِ الْقِيَامَةِ فَرُدَّتْ أَرْوَاحُهُمْ إِلَى أَجْسَامِهِمْ، وَذَلِكَ بَعْدَ نَوْمَةٍ نَامُوهَا: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ نَوْمَةٌ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] قَالَ: «نَامُوا نَوْمَةَ قَبْلِ الْبَعْثِ»
١٩ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، يُقَالُ لَهُ خَيْثَمَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] قَالَ: «يَنَامُونَ نَوْمَةَ قَبْلِ الْبَعْثِ»
١٩ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] «هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الضَّلَالَةِ» وَالرَّقْدَةُ: مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
١٩ / ٤٥٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا﴾ [يس: ٥٢] قَالَ: «الْكَافِرُونَ يَقُولُونَهُ» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا﴾ [يس: ٥٢] مَنْ أَيْقَظَنَا مِنْ مَنَامِنَا، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَعَثَ فُلَانٌ نَاقَتَهُ فَانْبَعَثَتْ، إِذَا آثَارُهَا فَثَارَتْ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ أَهَبَّنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا» وَفِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا﴾ [يس: ٥٢] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَلَامًا مُبْتَدَأً بَعْدَ تَنَاهِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] فَتَكُونُ مَا حِينَئِذٍ مَرْفُوعَةً بِهَذَا، وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: هَذَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ مِنْ صِفَةِ الْمَرْقَدِ، وَتَكُونُ خَفْضًا وَرَدًّا عَلَى الْمَرْقَدِ، وَعِنْدَ تَمَامِ الْخَبَرِ عَنِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا، ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْكَلَامَ فَيُقَالُ: مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ، بِمَعْنَى: بَعَثَكُمْ وَعْدُ الرَّحْمَنِ، فَتَكُونُ مَا حِينَئِذٍ رَفْعًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي يَقُولُ حِينَئِذٍ: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقُولُ ذَلِكَ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ
١٩ / ٤٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٤٥٨⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ [يس: ٥٢] «مِمَّا سَرَّ الْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ هَذَا حِينَ الْبَعْثَ»
١٩ / ٤٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢] قَالَ: «قَالَ أَهْلُ الْهُدَى: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ، أَعِنِّي ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢] مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ
١٩ / ٤٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] «ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ»: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢] «كَانُوا أَخْبَرُونَا أَنَّا نُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنُحَاسَبُ وَنُجَازَى» وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي قِيلِهِمْ: ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا بِمَنْ بَعَثَهُمْ مِنْ مَرْقَدِهِمْ جُهَّالًا، وَلِذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِمُ اسْتَثْبَتُوا، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونُوا اسْتَثْبَتُوا ذَلِكَ إِلَّا مِنْ ⦗٤٥٩⦘ غَيْرِهِمْ، مِمَّنْ خَالَفَتْ صِفَتُهُ صِفَتَهُمْ فِي ذَلِكَ
١٩ / ٤٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ كَانَتْ إَعَادَتُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ مَمَاتِهِمْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ فِي الصُّورِ ﴿فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٥٣] يَقُولُ: فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ لَدَيْنَا قَدْ أُحْضَرُوا، فَأُشْهِدُوا مَوْقِفَ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِرَاءَتِهِمْ ﴿إِلَّا صَيْحَةً﴾ [يس: ٢٩] بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٩ / ٤٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ [الأعراف: ٥١] يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [يس: ٥٤] كَذَلِكَ رَبُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسًا شَيْئًا، فَلَا يُوفِيهَا جَزَاءَ عَمَلِهَا الصَّالِحِ، وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا وِزْرَ غَيْرِهَا، وَلَكِنَّهُ يُوفِي كُلَّ نَفْسٍ أَجْرَ مَا عَمِلَتْ مِنْ صَالِحٍ، وَلَا يُعَاقِبُهَا إِلَّا بِمَا اجْتَرَمَتْ وَاكْتَسَبَتْ مِنْ شَيْءٍ ﴿وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يس: ٥٤] يَقُولُ: وَلَا تُكَافَؤُونَ إِلَّا مُكَافَأَةَ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا
١٩ / ٤٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الشُّغُلِ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ افْتِضَاضُ الْعَذَارَى
١٩ / ٤٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] قَالَ: «شُغُلُهُمُ افْتِضَاضُ الْعَذَارَى»
١٩ / ٤٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] قَالَ: «افْتِضَاضُ الْأَبْكَارِ»
١٩ / ٤٦٠
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] قَالَ: «افْتِضَاضُ الْأَبْكَارِ» حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ زُرَيْقِ الطُّهَوِيُّ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ
١٩ / ٤٦٠
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو النَّضْرِ، عَنِ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] قَالَ: «فِي افْتِضَاضِ الْعَذَارَى» ⦗٤٦١⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ: أَنَّهُمْ فِي نِعْمَةٍ
١٩ / ٤٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ﴾ [يس: ٥٥] قَالَ: «فِي نِعْمَةٍ»
١٩ / ٤٦١
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ أَبِي سَهْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [يس: ٥٥] . . الْآيَةَ، قَالَ: «شُغُلُهُمُ النَّعِيمُ عَمَّا فِيهِ أَهْلُ النَّارِ مِنَ الْعَذَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ فِي شُغُلٍ عَمَّا فِيهِ أَهْلُ النَّارِ
١٩ / ٤٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [يس: ٥٥] الْآيَةَ، قَالَ: «فِي شُغُلٍ عَمَّا يَلْقَى أَهْلُ النَّارِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [يس: ٥٥] وَهُمْ أَهْلُهَا ﴿فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] بِنِعَمٍ تَأْتِيهِمْ فِي شُغُلٍ، وَذَلِكَ
١٩ / ٤٦١
الشُّغُلُ الَّذِي هُمْ فِيهِ نِعْمَةٌ، وَافْتِضَاضُ أَبْكَارٍ، وَلَهْوٌ وَلَذَّةٌ، وَشُغُلٌ عَمَّا يَلْقَى أَهْلُ النَّارِ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فِي شُغُلٍ﴾ [يس: ٥٥] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ: (فِي شُغْلٍ) بِضَمِّ الشِّينِ وَتَسْكِينِ الْغَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الضَّمُّ فِي الشِّينِ وَالتَّسْكِينُ فِي الْغَيْنِ، وَالْفَتْحُ فِي الشِّينِ وَالْغَيْنِ جَمِيعًا فِي شَغَلٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ﴿فِي شُغُلٍ﴾ [يس: ٥٥] بِضَمِّ الشِّينِ وَالْغَيْنِ، وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَتُهُ بِضَمِّ الشِّينِ وَالْغَيْنِ، أَوْ بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ، بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَهُ الْقَارِئُ فَهُوَ مُصِيبٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مَعَ تَقَارُبِ مَعْنَيَيْهُمَا وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْغَيْنِ، فَغَيْرُ جَائِزَةٍ عِنْدِي، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهَا وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] بِالْأَلِفِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: (فَكِهُونَ) بِغَيْرِ أَلِفٍ
١٩ / ٤٦٢
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ بِالْأَلِفِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: فَرِحُونَ
١٩ / ٤٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] يَقُولُ: «فَرِحُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: عَجِبُونَ
١٩ / ٤٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] قَالَ: «عَجِبُونَ»
١٩ / ٤٦٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] قَالَ: «عَجِبُونَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مِنْهُمُ الْفَكِهُ الَّذِي يَتَفَكَّهُ وَقَالَ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَفَكَّهُ بِالطَّعَامِ أَوْ بِالْفَاكِهَةِ، أَوْ بِأَعْرَاضِ النَّاسِ: إِنَّ فُلَانًا لَفَكِهٌ بِأَعْرَاضِ النَّاسِ، قَالَ: وَمَنْ قَرَأَهَا ﴿فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥] جَعَلَهُ كَثِيرَ الْفَوَاكِهِ صَاحِبَ فَاكِهَةٍ، وَاسْتُشْهِدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْحُطَيْئَةِ:
[البحر الكامل] ⦗٤٦٤⦘ وَدَعَوْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّـ … ـكَ لَابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ
أَيْ عِنْدَهُ لَبَنٌ كَثِيرٌ، وَتَمْرٌ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ عَاسِلٌ، وَلَاحِمٌ، وَشَاحِمٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حَاذِرُونَ وَحَذِرُونَ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَشْبَهُ بِالْكَلِمَةِ
[البحر الكامل] ⦗٤٦٤⦘ وَدَعَوْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّـ … ـكَ لَابِنٌ بِالصَّيْفِ تَامِرْ
أَيْ عِنْدَهُ لَبَنٌ كَثِيرٌ، وَتَمْرٌ كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ عَاسِلٌ، وَلَاحِمٌ، وَشَاحِمٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حَاذِرُونَ وَحَذِرُونَ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَشْبَهُ بِالْكَلِمَةِ
١٩ / ٤٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ يَعْنِي تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿هُمْ﴾ [البقرة: ٤] أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴿وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ [الرعد: ٢٣] مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ
١٩ / ٤٦٤
كَمَا: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾ [يس: ٥٦] قَالَ: «حَلَائِلُهُمْ فِي ظُلَلٍ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: (فِي ظُلَلٍ) بِمَعْنَى: جَمْعُ ظُلَّةٍ، كَمَا تُجْمَعُ الْحُلَّةُ حُلَلًا. وَقَرَأَهُ آخَرُونَ: ﴿فِي ظِلَالٍ﴾ [يس: ٥٦]؛ وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ جَمْعَ الظُّلَلِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْكِنِّ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلِمَةِ حِينَئِذٍ: هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي كِنٍّ لَا يُضَحُونَ لِشَمْسٍ كَمَا يُضْحِي لَهَا أَهْلُ ⦗٤٦٥⦘ الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ لَا شَمْسَ فِيهَا وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ جَمْعَ ظُلَّةٍ، فَيَكُونُ وَجْهُ جَمْعِهَا كَذَلِكَ نَظِيرَ جَمْعِهِمُ الْخَلَّةَ فِي الْكَثْرَةِ: الْخِلَالُ، وَالْقِلَّةِ: قِلَالٌ
١٩ / ٤٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ وَالْأَرَائِكُ: هِيَ الْحِجَالُ فِيهَا السُّرَرُ وَالْفَرْشُ: وَاحِدَتُهَا أَرِيكَةُ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ فِرَاشٍ أَرِيكَةٌ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ ذِي الرِّمَّةِ: كَأَنَّمَا يُبَاشِرْنَ بِالْمَعْزَاءِ مَسَّ الْأَرَائِكِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ قَالَ: «هِيَ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ»
١٩ / ٤٦٥
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ قَالَ: «الْأَرَائِكُ: السُّرُرُ عَلَيْهَا الْحِجَالُ»
١٩ / ٤٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: ٣١] قَالَ: «الْأَرَائِكُ: السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ»
١٩ / ٤٦٥
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [يس: ٥٦] قَالَ: «سُرُرٌ عَلَيْهَا الْحِجَالُ»
١٩ / ٤٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّ عِكْرِمَةَ قَالَ: «الْأَرَائِكُ: السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ»
١٩ / ٤٦٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْأَرَائِكِ قَالَ: «هِيَ الْحِجَالُ أَهْلُ الْيَمَنِ يَقُولُونَ: أَرِيكَةُ فُلَانٍ»
١٩ / ٤٦٦
وَسَمِعْتُ عِكْرِمَةَ وَسُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: «هِيَ الْحِجَالُ عَلَى السُّرُرِ»
١٩ / ٤٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ قَالَ: «هِيَ الْحِجَالُ فِيهَا السُّرُرُ»
١٩ / ٤٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ﴾ [يس: ٥٧] يَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ تبارك وتعالى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ فَاكِهَةٌ ﴿وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾ [يس: ٥٧] يَقُولُ: وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَتَمَنَّوْنَ وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ: دَعْ عَلَيَّ مَا شِئْتَ: أَيْ تَمَنَّ عَلَيَّ مَا شِئْتَ
١٩ / ٤٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿سَلَّامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] فِي رَفْعِ سَلَّامٍ وَجْهَانِ فِي قَوْلِ بَعْضِ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمَا يَدَّعُونَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ مُسَلَّمٌ لَهُمْ خَالِصٌ وَإِذَا وُجِّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ حِينَئِذٍ مَنْصُوبًا تَوْكِيدًا خَارِجًا مِنَ السَّلَامِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَهُمْ فِيهَا
١٩ / ٤٦٦
مَا يَدَّعُونَ مُسَلَّمٌ خَالِصٌ حَقًّا، كَأَنَّهُ قِيلَ: قَالَهُ قَوْلًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿سَلَّامٌ﴾ [الأنعام: ٥٤] مَرْفُوعًا عَلَى الْمَدْحِ، بِمَعْنَى: هُوَ سَلَّامٌ لَهُمْ قَوْلًا مِنَ اللَّهِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: سَلَّامًا قَوْلًا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُتَنَاهٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾ [يس: ٥٧] ثُمَّ نَصَبَ سَلَامًا عَلَى التَّوْكِيدِ، بِمَعْنَى: مُسْلِمًا قَوْلًا، وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: انْتَصَبَ قَوْلًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَقُولُ ذَلِكَ قَوْلًا قَالَ: وَمَنْ نَصَبَهَا نَصَبَهَا عَلَى خَبَرِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ﴾ [البقرة: ٧] فِيهَا ﴿مَا يَدَّعُونَ﴾ [الحج: ٦٢] وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنْ يَكُونَ ﴿سَلَّامٌ﴾ [الأنعام: ٥٤] خَبَرًا لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾ [يس: ٥٧] فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَدَّعُونَ، وَذَلِكَ هُوَ سَلَّامٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، بِمَعْنَى: تَسْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ، وَيَكُونُ سَلَّامٌ تَرْجَمَةَ مَا يَدَّعُونَ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ خَارِجًا مِنْ قَوْلِهِ: سَلَّامٌ
١٩ / ٤٦٧
وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا: حَدَّثَنَا بِهِ، إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ، يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: “إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، أَقْبَلَ يَمْشِي فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، فَيَقِفُ عَلَى أَوَّلِ أَهْلٍ دَرَجَةً، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، فَيَرُدُّونَ عليه السلام، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ: ﴿سَلَّامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] فَيَقُولُ: سَلُوا، فَيَقُولُونَ: مَا نَسْأَلُكَ وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ، لَوْ أَنَّكَ قَسَمْتَ بَيْنَنَا أَرْزَاقَ الثَّقَلَيْنِ لَأَطْعَمْنَاهُمْ وَسَقَيْنَاهُمْ وَكَسَوْنَاهُمْ، فَيَقُولُ: سَلُوا، فَيَقُولُونَ: نَسْأَلُكَ رِضَاكَ، فَيَقُولُ: رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِ كُلِّ دَرَجَةٍ حَتَّى
١٩ / ٤٦٧
يَنْتَهِيَ، قَالَ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ طَلَعَتْ لَأَطْفَأَ ضَوْءُ سِوَارَيْهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، فَكَيْفَ بِالْمُسَوَّرَةِ ” حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا حَرْمَلَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، أَقْبَلَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، قَالَ: فَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَرُدُّونَ عليه السلام، قَالَ الْقُرَظِيُّ: وَهَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: ﴿سَلَّامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] فَيَقُولُ: سَلُونِي، فَيَقُولُونَ: مَاذَا نَسْأَلُكَ، أَيْ رَبِّ؟ قَالَ: بَلْ سَلُونِي، قَالُوا: نَسْأَلُكَ أَيْ رَبِّ رِضَاكَ، قَالَ: رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي، قَالُوا: يَا رَبِّ وَمَا الَّذِي نَسْأَلُكَ فَوَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَارْتِفَاعِ مَكَانِكَ، لَوْ قَسَمْتَ عَلَيْنَا رِزْقَ الثَّقَلَيْنِ لَأَطْعَمْنَاهُمْ، وَلَأَسْقَيْنَاهُمْ، وَلَأَلْبَسْنَاهُمْ وَلَأَخْدَمْنَاهُمْ، لَا يُنْقِصْنَا ذَلِكَ شَيْئًا، قَالَ: إِنَّ لَدَيَّ مَزِيدًا، قَالَ: فَيَفْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ فِي دَرَجِهِمْ حَتَّى يَسْتَوِيَ فِي مَجْلِسِهِ، قَالَ: ثُمَّ تَأْتِيهِمُ التُّحَفُ مِنَ اللَّهِ تَحْمِلُهَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا حَرْمَلَةُ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
١٩ / ٤٦٨
قَالَ: إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، أَقْبَلَ يَمْشِي فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَيَقِفُ، قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَيَقُولُونَ: فَمَاذَا نَسْأَلُكَ يَا رَبِّ، فَوَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَارْتِفَاعِ مَكَانِكَ، لَوْ أَنَّكَ قَسَمْتَ عَلَيْنَا أَرْزَاقَ الثَّقَلَيْنِ، الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، لَأَطْعَمْنَاهُمْ، وَلَسَقَيْنَاهُمْ، وَلَأَخْدَمْنَاهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عِنْدَنَا، قَالَ: بَلَى فَسَلُونِي، قَالُوا: نَسْأَلُكَ رِضَاكَ، قَالَ: رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي، فَيَفْعَلُ هَذَا بِأَهْلِ كُلِّ دَرَجَةٍ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى مَجْلِسِهِ. وَسَائِرُ الْحَدِيثِ مِثْلُهُ فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ «سَلَامٌ» بَيَانٌ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿مَا يَدَّعُونَ﴾ [الحج: ٦٢] وَأَنَّ الْقَوْلَ خَارِجٌ مِنَ السَّلَامِ. وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] يَعْنِي: رَحِيمٌ بِهِمْ إِذْ لَمْ يُعَاقِبْهُمْ بِمَا سَلَفَ لَهُمْ مِنْ جُرْمٍ فِي الدُّنْيَا
١٩ / ٤٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس: ٦٠] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَامْتَازُوا﴾ [يس: ٥٩] تَمَيَّزُوا؛ وَهِيَ افْتَعِلُوا، مِنْ مَازَ يَمِيزُ، فَعَلَ يَفْعِلُ مِنْهُ: امْتَازَ يَمْتَازُ امْتِيَازًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس: ٥٩] قَالَ: «عُزِلُوا عَنْ كُلِّ خَيْرٍ»
١٩ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَمَرَ اللَّهُ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ [يس: ٦٠] . . الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [يس: ٦٣] ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس: ٥٩] . فَيَتَمَيَّزُ النَّاسُ وَيَجْثُونَ، وَهِيَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ﴾ [الجاثية: ٢٨] الْآيَةَ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: وَتَمَيَّزُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ، فَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ غَيْرَ مَوْرِدِهِمْ، دَاخِلُونَ غَيْرَ مَدْخَلِهِمْ
١٩ / ٤٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٠] وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ: ثُمَّ يُقَالُ: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ، يَقُولُ: أَلَمْ أُوصِكُمْ وَآمُرُكُمْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ فَتُطِيعُوهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَقُولُ: وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عَدَاوَتَهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ، لِأَبِيكُمْ آدَمَ، حَسَدًا مِنْهُ لَهُ، عَلَى مَا كَانَ اللَّهُ أَعْطَاهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَغُرُورُهُ إِيَّاهُ، حَتَّى أَخْرَجَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنَ الْجَنَّةِ
١٩ / ٤٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس: ٦١] يَقُولُ: وَأَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ أَنِ اعْبُدُونِي دُونَ كُلِّ مَا سِوَايَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَإِيَّايَ فَأَطِيعُوا، فَإِنَّ إِخْلَاصَ ⦗٤٧١⦘ عِبَادَتِي، وَإِفْرَادَ طَاعَتِي، وَمَعْصِيَةَ الشَّيْطَانِ، هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ، وَالطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ
١٩ / ٤٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [يس: ٦٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾ [يس: ٦٢] وَلَقَدْ صَدَّ الشَّيْطَانُ مِنْكُمْ خَلْقًا كَثِيرًا عَنْ طَاعَتِي، وَإِفْرَادِي بِالْأُلُوهَةِ حَتَّى عَبَدُوهُ، وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِي آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا
١٩ / ٤٧١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا﴾ [يس: ٦٢] قَالَ: «خَلْقًا» وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ ﴿جِبِلًّا﴾ [يس: ٦٢] بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَكَانَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ يَقْرَؤُونَهُ: (جُبُلًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْبَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَكَانَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ يَقْرَؤُهُ: (جُبْلًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَسْكِينِ الْبَاءِ، وَكُلُّ هَذِهِ لُغَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَحِبُّ الْقِرَاءَةَ فِي ذَلِكَ إِلَّا بِإِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَالْأُخْرَى بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْبَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا عَامَّةُ ⦗٤٧٢⦘ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ
١٩ / ٤٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٦٢] يَقُولُ: أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، إِذَا أَطَعْتُمُ الشَّيْطَانَ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُطِيعُوا عَدُوَّكُمْ وَعَدُوَّ اللَّهِ، وَتَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ
١٩ / ٤٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [يس: ٦٣] يَقُولُ: هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا عَلَى كُفْرِكُمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِكُمْ رُسُلَهُ، فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ وَقِيلَ: إِنَّ جَهَنَّمَ أَوَّلُ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ
١٩ / ٤٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [يس: ٦٤] يَقُولُ: احْتَرِقُوا بِهَا الْيَوْمَ وَرِدُوهَا؛ يَعْنِي بِالْيَوْمِ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٦] يَقُولُ: بِمَا كُنْتُمْ تَجْحَدُونَهَا فِي الدُّنْيَا، وَتُكَذِّبُونَ بِهَا
١٩ / ٤٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: ٦٥] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ [يس: ٦٥] الْيَوْمَ نَطْبَعُ عَلَى أَفْوَاهِ الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ﴿وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ﴾ [يس: ٦٥] بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ ﴿وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾ [يس: ٦٥] قِيلَ: إِنَّ الَّذِي يَنْطِقُ مِنْ أَرْجُلِهِمْ: أَفْخَاذُهُمْ مِنَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٩] فِي الدُّنْيَا مِنَ الْآثَامِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: “يُدْعَى الْمُؤْمِنُ لِلْحِسَابِ يَوْمَ
١٩ / ٤٧٢
الْقِيَامَةِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَبُّهُ عَمَلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَيَعْتَرِفُ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ عَمَلْتُ عَمَلْتُ عَمَلْتُ، قَالَ: فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَيَسْتُرُهُ مِنْهَا، فَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ خَلِيقَةٍ تَرَى مِنْ تِلْكِ الذُّنُوبِ شَيْئًا، وَتَبْدُو حَسَنَاتُهُ، فَوَدَّ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَرَوْنَهَا؛ وَيُدْعَى الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ لِلْحِسَابِ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَبُّهُ عَمَلَهُ فَيَجْحَدَهُ، وَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَعِزَّتِكَ لَقَدْ كَتَبَ عَلَيَّ هَذَا الْمَلَكُ مَا لَمْ أَعْمَلْ، فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: أَمَا عَمَلْتَ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ أَيْ رَبِّ، مَا عَمَلْتُهُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خَتَمَ عَلَى فِيهِ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: فَإِنِّي أَحْسِبُ أَوَّلَ مَا يَنْطِقُ مِنْهُ لَفَخِذُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ تَلَا: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: ٦٥]
١٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَّى يَحْيَى، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَمَلْتَ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا عَمَلْتُ، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَتَنْطِقُ جَوَارِحُهُ، فَيَقُولُ لِجَوَارِحِهِ: أَبْعَدَكُنَّ اللَّهُ، مَا خَاصَمْتُ إِلَّا فِيكُنَّ»
١٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ [يس: ٦٥] . . الْآيَةَ، قَالَ: «قَدْ كَانَتْ خُصُومَاتٌ وَكَلَامٌ، فَكَانَ هَذَا آخِرَهُ، وَخَتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ»
١٩ / ٤٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ ⦗٤٧٤⦘ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «أَوَّلُ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ مِنَ الْإِنْسَانِ يَوْمَ يَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى الْأَفْوَاهِ فَخْذُهُ مِنْ رِجْلِهِ الْيُسْرَى»
١٩ / ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٦٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ [يس: ٦٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَعْمَيْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَأَضْلَلْنَاهُمْ عَنْ قَصْدِ الْمَحَجَّةِ
١٩ / ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ [يس: ٦٦] يَقُولُ: «أَضْلَلْتُهُمْ وَأَعْمَيْتُهُمْ عَنِ الْهُدَى» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْ نَشَاءُ لَتَرَكْنَاهُمْ عُمْيًا
١٩ / ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] قَالَ: «لَوْ يَشَاءُ لَطَمَسَ عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَتَرَكَهُمْ عُمْيًا يَتَرَدَّدُونَ»
١٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] يَقُولُ: «لَوْ شِئْنَا لَتَرَكْنَاهُمْ عُمْيًا يَتَرَدَّدُونَ» وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْكَلَامِ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا تَهَدَّدَ بِهِ قَوْمًا كُفَّارًا، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: وَهُمْ كُفَّارٌ، لَوْ نَشَاءُ لَأَضْلَلْنَاهُمْ وَقَدْ أَضَلَّهُمْ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: لَوْ نَشَاءُ لَعَاقَبْنَاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَصَيَّرْنَاهُمْ عُمْيًا لَا يُبْصِرُونَ طَرِيقًا، وَلَا يَهْتَدُونَ لَهُ؛ وَالطَّمْسُ عَلَى الْعَيْنِ: هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ جَفْنَيِ الْعَيْنِ غُرٌّ، وَذَلِكَ هُوَ الشِّقُّ الَّذِي بَيْنَ الْجَفْنَيْنِ، كَمَا تَطْمِسُ الرِّيحُ الْأَثَرَ، يُقَالُ: أَعْمَى مَطْمُوسٌ وَطَمِيسٌ
١٩ / ٤٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ [يس: ٦٦] يَقُولُ: فَابْتَدَرُوا الطَّرِيقَ
١٩ / ٤٧٥
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٤٧٦⦘ قَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ [يس: ٦٦] قَالَ: «الطَّرِيقَ»
١٩ / ٤٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ [يس: ٦٦] أَيِ الطَّرِيقَ “
١٩ / ٤٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ﴾ [يس: ٦٦] قَالَ: «الصِّرَاطُ الطَّرِيقُ»
١٩ / ٤٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] يَقُولُ: فَأَيُّ وَجْهٍ يُبْصِرُونَ أَنْ يَسْلِكُوهُ مِنَ الطُّرُقِ، وَقَدْ طَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ
١٩ / ٤٧٦
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] «وَقَدْ طَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ» وَقَالَ الَّذِينَ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ [يس: ٦٦] إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ الْعَمَى عَنِ الْهُدَى تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] فَأَنَّى يَهْتَدُونَ لِلْحَقِّ
١٩ / ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] يَقُولُ: «فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ»
١٩ / ٤٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَّى أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فَأَنَّى يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٦٦] يَقُولُ: «لَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ»
١٩ / ٤٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾ [يس: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَقْعَدْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَرْجُلِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٦٧] يَقُولُ: فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَمْضُوا أَمَامَهُمْ، وَلَا أَنْ يَرْجَعُوا وَرَاءَهُمْ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
١٩ / ٤٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾ [يس: ٦٧] قَالَ: «لَوْ نَشَاءُ لَأَقْعَدْنَاهُمْ»
١٩ / ٤٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ﴾ [يس: ٦٧] «أَيْ لَأَقْعَدْنَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ» ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٦٧] «فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَتَقَدَّمُوا وَلَا يَتَأَخَّرُوا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَهْلَكْنَاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ
١٩ / ٤٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٧٨⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ﴾ [يس: ٦٧] يَقُولُ: «وَلَوْ نَشَاءُ أَهَلْكَنْاهُمْ فِي مَسَاكِنِهِمْ» وَالْمَكَانَةُ وَالْمَكَانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَدْ بَيْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
١٩ / ٤٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ﴾ [يس: ٦٨] فَنَمُدُّ لَهُ فِي الْعُمُرِ ﴿نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ [يس: ٦٨] نَرُدُّهُ إِلَى مِثْلِ حَالِهِ فِي الصِّبَا مِنَ الْهَرَمِ وَالْكِبَرِ، وَذَلِكَ هُوَ النَّكْسُ فِي الْخَلْقِ، فَيَصِيرُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ يَعْلَمُهُ وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ [يس: ٦٨] يَقُولُ: «مَنْ نَمُدَّ لَهُ فِي الْعُمُرِ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ، لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا، يَعْنِي الْهَرَمَ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ [يس: ٦٨] فَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ⦗٤٧٩⦘ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: «نَنْكِسْهُ» بِفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى وَتَسْكِينِ الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ [يس: ٦٨] بِضَمِّ النُّونِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّتِيَ عَلَيْهَا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّ التَّنْكِيسَ مِنَ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ إِنَّمَا هُوَ حَالٌ بَعْدَ حَالٍ، وَشَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ، فَذَلِكَ تَأْيِيدٌ لِلتَّشْدِيدِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٦٨] فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ وَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْكُوفَةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَقِرَاءَةُ ذَلِكَ بِالْيَاءِ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، لِأَنَّهُ احْتِجَاجٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ [يس: ٦٦] فِإِخْرَاجُ ذَلِكَ خَبَرًا عَلَى نَحْوِ مَا خَرَجَ قَوْلُهُ: ﴿لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ﴾ [يس: ٦٦] أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَيْرَ مَدْفُوعٍ وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٦٨] أَفَلَا يَعْقِلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى مَا يَشَاءُ بِمُعَايَنَتِهِمْ مَا يُعَايِنُونَ مِنْ تَصْرِيفِهِ خَلْقِهِ فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ مِنْ ⦗٤٨٠⦘ صِغَرٍ إِلَى كِبَرٍ، وَمِنْ تَنْكِيسٍ بَعْدَ كِبَرٍ فِي هَرَمٍ
١٩ / ٤٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا عَلِمْنَا مُحَمَّدًا الشِّعْرَ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ شَاعِرًا
١٩ / ٤٨٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٦٩] قَالَ: “قِيلَ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشَّعْرِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي بَنِي قَيْسٍ، فَيَجْعَلُ آخِرَهُ أَوَّلَهُ، وَأَوَّلَهُ آخِرَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّهُ لَيْسَ هَكَذَا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا بِشَاعِرٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِي»
١٩ / ٤٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ﴾ [يوسف: ١٠٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ هُوَ﴾ [الأنعام: ٩٠] أَيْ مُحَمَّدٌ إِلَّا ذِكْرٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، ذَكَّرَكُمُ اللَّهُ بِإِرْسَالِهِ إِيَّاهُ إِلَيْكُمْ، وَنَبَّهَكُمْ بِهِ عَلَى حَظِّكُمْ ﴿وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [الحجر: ١] يَقُولُ: وَهَذَا الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ قُرْآنٌ مُبِينٌ، يَقُولُ: يَبِينُ لِمَنْ تَدَبُّرَهُ بِعَقْلٍ وَلُبٍّ، أَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِشَعْرٍ وَلَا مَعَ كَاهِنٍ
١٩ / ٤٨٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [الحجر: ١] قَالَ: «هَذَا الْقُرْآنُ»
١٩ / ٤٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ [يس: ٧٠] يَقُولُ: إِنْ مُحَمَّدٌ إِلَّا ذِكْرٌ لَكُمْ لِيُنْذِرَ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ حَيَّ الْقَلْبِ، يَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهُ، وَيَفْهَمُ مَا يُبَيِّنُ لَهُ، غَيْرُ مَيِّتِ الْفُؤَادِ بَلِيدٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ [يس: ٧٠] قَالَ: «مَنْ كَانَ عَاقِلًا»
١٩ / ٤٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ [يس: ٧٠] «حَيَّ الْقَلْبِ، حَيَّ الْبَصَرِ»
١٩ / ٤٨١
قَوْلُهُ: ﴿وَيَحِقُّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠] يَقُولُ: وَيَحِقُّ الْعَذَابُ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، الْمُوَلِّينَ عَنِ اتِّبَاعِهِ، الْمُعْرِضِينَ عَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَيَحِقُّ الْقَوْلُ عَلَى ⦗٤٨٢⦘ الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠] «بِأَعْمَالِهِمْ»
١٩ / ٤٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ [الرعد: ٤١] هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ ﴿أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس: ٧١] يَقُولُ: مِمَّا خَلَقْنَا مِنَ الْخَلْقِ ﴿أَنْعَامًا﴾ [الفرقان: ٤٩] وَهِيَ الْمَوَاشِي الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لِبَنِي آدَمَ، فَسَخَّرَهَا لَهُمْ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ﴿فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس: ٧١] يَقُولُ: فَهُمْ لَهَا مُصْرِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا بِالْقَهْرِ مِنْهُمْ لَهَا وَالضَّبْطِ
١٩ / ٤٨٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس: ٧١] «أَيْ ضَابِطُونَ»
١٩ / ٤٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس: ٧١] فَقِيلَ لَهُ: «أَهِيَ الْإِبِلُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ» قَالَ: «وَالْبَقَرُ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَلَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَقَرَأَ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الأنعام: ١٤٣] قَالَ: وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ هِيَ النَّعَمُ، وَلَيْسَتْ تَدْخُلُ الشَّاءُ فِي النَّعَمِ»
١٩ / ٤٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ [يس: ٧٢] يَقُولُ: وَذَلَّلْنَا لَهُمْ هَذِهِ الْأَنْعَامَ ﴿فَمِنْهَا رُكُوبُهُمْ﴾ [يس: ٧٢] يَقُولُ: فَمِنْهَا مَا يَرْكَبُونَ كَالْإِبِلِ يُسَافِرُونَ عَلَيْهَا؛ يُقَالُ: هَذِهِ دَابَّةٌ رَكُوبٌ، وَالرُّكُوبُ بِالضَّمِّ: هُوَ الْفِعْلُ ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢] لُحُومَهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ [يس: ٧٢] «يَرْكَبُونَهَا يُسَافِرُونَ عَلَيْهَا ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢] لُحُومَهَا»
١٩ / ٤٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [يس: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَنْعَامِ مَنَافِعُ، وَذَلِكَ مَنَافِعُ فِي أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا بِاتِّخَاذِهِمْ مِنْ ذَلِكَ أَثَاثًا وَمَتَاعًا، وَمِنْ جُلُودِهَا أَكْنَانًا، وَمَشَارِبَ يَشْرَبُونَ أَلْبَانَهَا
١٩ / ٤٨٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ [يس: ٧٣] «يَلْبَسُونَ أَصْوَافَهَا» ﴿وَمَشَارِبُ﴾ [يس: ٧٣] «يَشْرَبُونَ أَلْبَانَهَا»
١٩ / ٤٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٣٥] يَقُولُ: أَفَلَا يَشْكُرُونَ نِعْمَتِي هَذِهِ، وَإِحْسَانِي إِلَيْهِمْ بِطَاعَتِي، وَإِفْرَادِ الْأُلُوهِيَّةِ وَالْعِبَادَةِ، وَتَرْكِ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ
١٩ / ٤٨٣
قَوْلُهُ: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً﴾ [مريم: ٨١] يَقُولُ: وَاتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا ﴿لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [يس: ٧٤] يَقُولُ: طَمَعًا أَنْ تَنْصُرَهُمْ تِلْكَ الْآلِهَةَ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ
١٩ / ٤٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [يس: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَسْتَطِيعُ هَذِهِ الْآلِهَةُ نَصْرَهُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِهِمْ سُوءًا، وَلَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ ضَرًّا
١٩ / ٤٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٧٥] يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِآلِهَتِهِمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ وَاخْتَلَفَ أَهْلَ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿مُحْضَرُونَ﴾ [الروم: ١٦] وَأَيْنَ حُضُورُهُمْ إِيَّاهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ: وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ عِنْدَ الْحِسَابِ
١٩ / ٤٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٧٥] قَالَ: «عِنْدَ الْحِسَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ فِي الدُّنْيَا يَغْضَبُونَ لَهُمْ
١٩ / ٤٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ [يس: ٧٥] «الْآلِهَةُ» ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٧٥] «وَالْمُشْرِكُونَ يَغْضَبُونَ لِلْآلِهَةِ فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ لَا تَسُوقُ إِلَيْهِمْ خَيْرًا، وَلَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ سُوءًا، إِنَّمَا هِيَ أَصْنَامُ» وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْحِسَابِ تَتَبَرَّأُ مِنْهُمُ الْأَصْنَامُ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ، فَكَيْفَ يَكُونُونَ لَهَا جُنْدًا حِينَئِذٍ، وَلَكِنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا لَهُمْ جُنْدٌ يَغْضَبُونَ لَهُمْ، وَيُقَاتِلُونَ دُونَهُمْ
١٩ / ٤٨٥
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾ [يس: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَلَا يَحْزُنْكَ يَا مُحَمَّدُ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ لَكَ: إِنَّكَ شَاعِرٌ، وَمَا جِئْتَنَا بِهِ شِعْرٌ، وَلَا تَكْذِيبُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَجُحُودُهُمْ نُبُوَّتَكَ
١٩ / ٤٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [يس: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِيَ يَدْعُوهُمْ إِلَى قِيلِ ذَلِكَ الْحَسَدُ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِيَ جِئْتَهُمْ بِهِ لَيْسَ بِشِعْرٍ، وَلَا يُشْبِهُ الشِّعْرَ، وَأَنَّكَ لَسْتَ بِكَذَّابٍ، فَنَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِيقَةِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، وَمَا يُعْلِنُونَ مِنْ جُحُودِهِمْ ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ عَلَانِيَةً
١٩ / ٤٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ ⦗٤٨٦⦘ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ﴾ [يس: ٧٧] وَاخْتُلِفَ فِي الْإِنْسَانِ الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ﴾ [يس: ٧٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ
١٩ / ٤٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] قَالَ: «أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعَظْمٍ»
١٩ / ٤٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا﴾ [يس: ٧٨] «أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ»
١٩ / ٤٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] ذَكَرَ لَنَا أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِعَظْمٍ حَائِلٍ، فَفَتَّهُ، ثُمَّ ذَرَّاهُ فِي الرِّيحِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ يُحْيِي هَذَا وَهُوَ رَمِيمٌ؟ قَالَ: «اللَّهُ يُحْيِيهِ، ثُمَّ يُمِيتُهُ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ»؛ قَالَ: فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ: الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ
١٩ / ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعَظْمٍ حَائِلٍ، فَفَتَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَيَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا حَيًّا بَعْدَمَا أَرَمَّ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا، ثُمَّ يُمِيتُكَ ثُمَّ يُحْيِيكَ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ» قَالَ: وَنَزَلَتِ الْآيَاتُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٧٧] . . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ
١٩ / ٤٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ، مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [يس: ٧٧] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَكَسَرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا وَهُوَ رَمِيمٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا، وَيُمِيتُكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ جَهَنَّمَ»، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٍ﴾ [يس: ٧٩]⦗٤٨٨⦘ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: أَوَلَمْ يَرَ هَذَا الْإِنْسَانُ الَّذِي يَقُولُ: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَسَوَّيْنَاهُ خَلْقًا سَوِيًّا ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ [يس: ٧٧] يَقُولُ: فَإِذَا هُوَ ذُو خُصُومَةٍ لِرَبِّهِ، يُخَاصِمُهُ فِيمَا قَالَ لَهُ رَبُّهُ إِنِّي فَاعِلٌ، وَذَلِكَ إِخْبَارٌ لِلَّهِ إِيَّاهُ أَنَّهُ مُحْيِي خَلْقِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، فَيَقُولُ: مَنْ يُحْيِي هَذِهِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ إِنْكَارًا مِنْهُ لِقِدْرَةِ اللَّهِ عَلَى إِحْيَائِهَا
١٩ / ٤٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يَقُولُ: يُبَيِّنُ لِمَنْ سَمِعَ خُصُومَتَهُ وَقِيلَهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُخَاصِمٌ رَبَّهُ الَّذِي خَلَقَهُ
١٩ / ٤٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ [يس: ٧٨] يَقُولُ: وَمَثَّلَ لَنَا شَبَهًا بِقَوْلِهِ: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] إِذْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ ذَلِكَ أَحَدٌ، يَقُولُ: فَجَعَلَنَا كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ ذَلِكَ مِنَ الْخَلْقِ ﴿وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ [يس: ٧٨] يَقُولُ: وَنَسِيَ خَلْقَنَا إِيَّاهُ كَيْفَ خَلَقْنَاهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا نُطْفَةً، فَجَعَلْنَاهَا خَلْقًا سَوِيًّا نَاطِقًا، يَقُولُ: فَلَمْ يُفَكِّرْ فِي خَلْقِنَاهُ، فَيَعْلَمَ أَنَّ مَنْ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ حَتَّى صَارَ بَشَرًا سَوِيًّا نَاطِقًا مُتَصَرِّفًا، لَا يَعْجَزُ أَنْ يُعِيدَ الْأَمْوَاتَ أَحْيَاءً، وَالْعِظَامَ الرَّمِيمَ بَشَرًا كَهَيْئَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا بِهَا قَبْلَ الْفَنَاءِ يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] لِهَذَا الْمُشْرِكِ الْقَائِلِ لَكَ: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٩] يَقُولُ: يُحْيِيهَا الَّذِي ابْتَدَعَ خَلْقَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَمْ تَكُنْ شَيْئًا ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٩] يَقُولُ: وَهُوَ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ ذُو عِلْمٍ كَيْفَ يُمِيتُ، وَكَيْفَ يُحْيِي، وَكَيْفَ يُبْدِئُ، وَكَيْفَ يُعِيدُ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ خَلْقِهِ
١٩ / ٤٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾ [يس: ٨٠] يَقُولُ: الَّذِي أَخْرَجَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا تُحْرِقُ الشَّجَرَ، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَرَادَ، وَلَا يَعْجَزُ عَنْ إِحْيَاءِ الْعِظَامِ الَّتِي قَدْ رَمَّتْ، وَإِعَادَتِهَا بَشَرًا سَوِيًّا، وَخَلْقًا جَدِيدًا، كَمَا بَدَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ / ٤٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا﴾ [يس: ٨٠] يَقُولُ: «الَّذِي أَخْرَجَ هَذِهِ النَّارَ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ قَادِرٌ أَنْ يَبْعَثَهُ»
١٩ / ٤٨٩
قَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس: ٨٠] يَقُولُ: فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ تُوقِدُونَ النَّارَ؛ وَقَالَ: ﴿مِنْهُ﴾ [البقرة: ٦٠] وَالْهَاءُ مِنْ ذَكَرِ الشَّجَرِ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا، وَالشَّجَرُ جَمْعُ شَجَرَةٍ، لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الثَّمَرِ وَالْحَصَى، وَلَوْ قِيلَ: مِنْهَا كَانَ صَوَابًا ⦗٤٩٠⦘ أَيْضًا، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُذَكِّرُ مِثْلَ هَذَا وَتُؤَنِّثُهُ
١٩ / ٤٨٩
قَوْلُهُ ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مَثَلَهُمْ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُنَبِّهًا هَذَا الْكَافِرَ الَّذِي قَالَ: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: ٧٨] عَلَى خَطَأِ قَوْلِهِ، وَعَظِيمِ جَهْلِهِ ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ﴾ السَّبْعَ ﴿وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ﴾ [يس: ٨١] مِثْلَكُمْ، فَإِنْ خَلَقَ مِثْلَكُمْ مِنَ الْعِظَامِ الرَّمِيمِ لَيْسَ بِأَعْظَمِ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَقُولُ: فَمَنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ خَلْقُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِكُمْ، فَكَيْفَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ الْعِظَامِ بَعْدَمَا قَدْ رَمَّتْ وَبُلِيَتْ؟
١٩ / ٤٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلَى وَهُوَ الْخَلَاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس: ٨١] يَقُولُ: بَلَى هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مَثَلُهُمْ وَهُوَ الْخَلَّاقُ لِمَا يَشَاءُ، الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، الْعَلِيمُ بِكُلِّ مَا خَلَقَ وَيَخْلُقُ؛ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ
١٩ / ٤٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]
١٩ / ٤٩٠
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مَثَلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ قَالَ: «هَذَا مَثَلٌ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، قَالَ: لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ شَيْءٌ هُوَ أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا ⦗٤٩١⦘ أَهْوَنُ، فَأَمْرُ اللَّهِ كَذَلِكَ»
١٩ / ٤٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [يس: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَنْزِيهُ الَّذِي بِيَدِهِ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ وَخَزَائِنُهُ
١٩ / ٤٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ تَرِدُونَ وَتَصِيرُونَ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ