سُورَةُ ص 1

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٠ ‏/ ٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿ص﴾ [ص: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ الْمُصَادَاةِ، مِنْ صَادَيْتُ فُلَانًا، وَهُوَ أَمْرٌ مِنْ ذَلِكَ، كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: صَادَ بِعَمَلِكَ الْقُرْآنَ: أَيْ عَارِضْهُ بِهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا تَأْوِيلُهُ، فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهُ بِكَسْرِ الدَّالِّ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ
٢٠ ‏/ ٥
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ ﴿ص﴾ [ص: ١] قَالَ: «حَادِثِ الْقُرْآنَ»
٢٠ ‏/ ٥
وَحُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ص﴾ [ص: ١] قَالَ: «عَارِضِ الْقُرْآنَ بِعَمَلِكَ»
٢٠ ‏/ ٥
حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ص وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] قَالَ: «عَارِضِ الْقُرْآنَ» قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَقُولُ اعْرِضْهُ عَلَى عَمَلِكَ، ⦗٦⦘ فَانْظُرْ أَيْنَ عَمَلُكَ مِنَ الْقُرْآنِ
٢٠ ‏/ ٥
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ ” أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿ص وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] بِخَفْضِ الدَّالِّ، وَكَانَ يَجْعَلُهَا مِنَ الْمُصَادَاةِ، يَقُولُ: «عَارَضَ الْقُرْآنَ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ حَرْفُ هِجَاءً
٢٠ ‏/ ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: «أَمَّا ﴿ص﴾ [ص: ١] فَمِنَ الْحُرُوفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ص﴾ [ص: ١] قَالَ: «قَسَمٌ أَقْسَمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ
٢٠ ‏/ ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ص﴾ [ص: ١] قَالَ: «هُوَ ⦗٧⦘ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: صَدَقَ اللَّهُ
٢٠ ‏/ ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ص﴾ [ص: ١] قَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ خَلَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى بْنِ عُمَرَ بِسِكُونِ الدَّالِ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ كَانَ يِكْسَرُهَا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأَدَاةِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: تَرَكْتُهُ حَاثِ بَاثِ، وَخَازِ بَازِ يُخْفَضَانِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الَّذِيَ يَلِي آخِرَ الْحُرُوفِ أَلِفٌ فَيَخْفِضُونَ مَعَ الْأَلِفِ، وَيَنْصِبُونَ مَعَ غَيْرِهَا، فَيَقُولُونَ حَيْثَ بَيْثَ، وَلَأَجْعَلَنَّكَ فِي حَيْصَ بَيْصَ: إِذَا ضَيَّقَ عَلَيْهِ وَأَمَّا عِيسَى بْنُ عُمَرَ فَكَانَ يُوَفِّقُ بَيْنَ جَمِيعِ مَا كَانَ قَبْلَ آخِرِ الْحُرُوفِ مِنْهُ أَلِفٌ، وَمَا كَانَ قَبْلَ آخِرِهِ يَاءٌ أَوْ وَاوٌ فَيَفْتَحُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَيُنْصبْهُ، فَيَقُولُ: ص، وَق، وَن، وَيس، فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِثْلَ الْأَدَاةِ كَقَوْلِهِمْ: لَيْتَ، وَأَيْنَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا السُّكُونُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ مُسْتَفِيضَةً فِيهِمْ، وَأَنَّهَا حُرُوفُ هِجَاءٍ لِأَسْمَاءِ الْمُسَمَّيَاتِ، فَيُعْرَبْنَ إِعْرَابَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَدَوَاتِ وَالْأَصْوَاتِ، فَيُسْلَكُ بِهِ مَسَالِكَهُنَّ، فَتَأْوِيلُهَا إِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ تَأْوِيلُ نَظَائِرِهَا الَّتِي قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا لَهَا قَبْلُ فِيمَا مَضَى
٢٠ ‏/ ٧
وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: ﴿ص﴾ [ص: ١] فِي مَعْنَاهَا كَقَوْلِكَ: وَجَبَ وَاللَّهِ، نَزَلَ وَاللَّهِ، وَحَقَّ وَاللَّهِ، وَهِيَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] كَمَا تَقُولُ: حَقًّا وَاللَّهِ، نَزَلَ وَاللَّهِ
٢٠ ‏/ ٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] وَهَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَهُ اللَّهُ تبارك وتعالى بِهَذَا الْقُرْآنِ فَقَالَ: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: ذِي الشَّرَفِ
٢٠ ‏/ ٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدٍ ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] قَالَ: «ذِي الشَّرَفِ»
٢٠ ‏/ ٨
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] «ذِي الشَّرَفِ»
٢٠ ‏/ ٨
قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَوْ غَيْرِهِ ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] «ذِي الشَّرَفِ»
٢٠ ‏/ ٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] قَالَ: «ذِي الشَّرَفِ»
٢٠ ‏/ ٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] «ذِي ⦗٩⦘ الشَّرَفِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَاهُ: ذِي التَّذْكِيرِ، ذَكَّرَكُمُ اللَّهُ بِهِ
٢٠ ‏/ ٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] قَالَ: «فِيهِ ذِكْرُكُمْ، قَالَ: وَنَظِيرَتُهَا»: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠]
٢٠ ‏/ ٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] «أَيْ مَا ذُكِرَ فِيهِ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ذِي التَّذْكِيرِ لَكُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢] فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ ذِكْرًا لِعِبَادِهِ ذَكَّرَهُمْ بِهِ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ وَاخْتُلِفَ فِي الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَسَمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ؛ وَقَعَ الْقَسَمُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢]
٢٠ ‏/ ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي
٢٠ ‏/ ٩
عِزَّةٍ﴾ [ص: ٢] قَالَ: «هَاهُنَا وَقَعَ الْقَسَمُ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: بَلْ دَلِيلٌ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ، فَاكْتَفَى بِبَلْ مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: ص، مَا الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُمْ، بَلْ أَنْتُمْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: زَعَمُوا أَنَّ مَوْضِعَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ [ص: ١٤] وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: قَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ جَوَابَ ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٤]، قَالَ: وَذَلِكَ كَلَامٌ قَدْ تَأَخَّرَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] تَأَخُّرًا شَدِيدًا، وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا قِصَصٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَا نَجِدُ ذَلِكَ مُسْتَقِيمًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَالْقُرْآنِ﴾ [ص: ١] يَمِينٌ، اعْتَرَضَ كَلَامٌ دُونَ مَوْقِعِ جَوَابِهَا، فَصَارَ جَوَابُهَا لِلْمُعْتَرِضِ وَلِلْيَمِينِ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، لَكُمْ أَهْلَكْنَا، فَلَمَّا اعْتَرَضَ قَوْلُهُ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ﴾ [ص: ٢] صَارَتْ كَمْ جَوَابًا لِلْعِزَّةِ وَالْيَمِينِ، قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: ١] اعْتَرَضَ دُونَ الْجَوَابِ قَوْلُهُ: ﴿وَنَفَسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا﴾ [الشمس: ٨] فَصَارَتْ قَدْ أَفْلَحَ تَابِعَهُ لِقَوْلِهِ: فَأَلْهَمَهَا، وَكَفَى مِنْ جَوَابٍ الْقَسَمُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا لَقَدْ أَفْلَحَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿بَلِ﴾ [ص: ٢]
٢٠ ‏/ ١٠
لَمَّا دَلَّتْ عَلَى التَّكْذِيبِ وَحَلَّتْ مَحَلَّ الْجَوَابِ اسْتُغْنِيَ بِهَا مِنَ الْجَوَابِ، إِذْ عُرِفَ الْمَعْنَى، فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ: بَلْ هُمْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
٢٠ ‏/ ١١
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فِي حِمْيَةٍ وَمُشَاقَةٍ وَفِرَاقٍ لِمُحَمَّدٍ وَعَدَاوَةٍ، وَمَا بِهِمْ أَنْ لَا يَكُونُوا أَهْلَ عَلْمٍ، بِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ وَلَا كَذَّابٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢] قَالَ: مُعَازِينَ “
٢٠ ‏/ ١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢] «أَيْ فِي حَمِيَّةٍ وَفِرَاقٍ»
٢٠ ‏/ ١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢] قَالَ: «يُعَادُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَرُسُلَهُ وَكِتَابَهُ، وَيُشَاقُّونَ، ذَلِكَ عِزَّةٌ وَشِقَاقٌ، فَقُلْتُ لَهُ: الشِّقَاقُ: الْخِلَافُ، فَقَالَ: نَعَمْ»
٢٠ ‏/ ١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ
٢٠ ‏/ ١١
مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَثِيرًا أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا رَسُولَنَا مُحَمَّدًا ﷺ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِنَا مِنَ الْحَقِّ ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾ [الأنعام: ٦] يَعْنِي: مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿فَنَادَوْا﴾ [ص: ٣] يَقُولُ: فَعُجُّوا إِلَى رَبِّهِمْ وَضَجُّوا وَاسْتَغَاثُوا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، حِينَ نَزَلَ بِهِمْ بَأْسُ اللَّهِ وَعَايَنُوا بِهِ عَذَابَهُ فِرَارًا مِنْ عِقَابِهِ، وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] يَقُولُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ حِينَ فِرَارٍ وَلَا هَرَبٍ مِنَ الْعَذَابِ بِالتَّوْبَةِ، وَقَدْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَتَابُوا حِينَ لَا تَنْفَعُهُمُ التَّوْبَةُ، وَاسْتَقَالُوا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْإِقَالَةِ وَقَوْلُهُ: ﴿مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] مَفْعَلٍ مِنَ النَّوَصِ، وَالنَّوَصُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّأَخُّرُ، وَالْمَنَاصُ: الْمَفَرُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل] أَمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى إِذْ نَأَتْكَ تَنُوصُ … فَتَقْصِرُ عَنْهَا خُطْوَةً وَتَبُوصُ
يَقُولُ: أَوْ تَقَدَّمٌ، يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: نَاصَنِي فُلَانٌ: إِذَا ذَهَبَ عَنْكَ، وَبَاصَنِي: إِذَا سَبَقَكَ، وَنَاضَ فِي الْبِلَادِ: إِذَا ذَهَبَ فِيهَا، بِالضَّادِ وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْعُقَيْلِيَّ أَنْشَدُهُ:
[البحر الطويل] إِذَا عَاشَ إِسْحَاقُ وَشَيْخُهُ لَمْ أُبَلْ … فَقِيدًا وَلَمْ يَصْعُبْ عَلَيَّ مَنَاضُ
وَلَوْ أَشْرَفَتْ مِنْ كِفِّةِ السِّتْرِ عَاطِلًا … لَقُلْتُ غَزَالٌ مَا عَلَيْهِ خُضَاضُ
وَالْخُضَاضُ: الْحُلِيُّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] قَالَ: «لَيْسَ بِحِينَ نَزْوٍ، وَلَا حِينَ فِرَارٍ»
٢٠ ‏/ ١٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] قَالَ: «لَيْسَ بِحِينَ نَزْوٍ وَلَا فِرَارٍ ضُبِطَ الْقَوْمُ»
٢٠ ‏/ ١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَوْلُ اللَّهِ ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] قَالَ: «لَيْسَ حِينَ نَزْوٍ وَلَا فِرَارٍ»
٢٠ ‏/ ١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] قَالَ: «لَيْسَ حِينَ نَزْوٍ وَلَا فِرَارٍ»
٢٠ ‏/ ١٣
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] يَقُولُ: «لَيْسَ حِينَ مَغَاثٍ»
٢٠ ‏/ ١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ،. قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] قَالَ: «لَيْسَ هَذَا بِحِينَ فِرَارٍ»
٢٠ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] قَالَ: «نَادَى الْقَوْمُ عَلَى غَيْرِ حِينِ نِدَاءٍ، وَأَرَادُوا التَّوْبَةَ حِينَ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ ذَلِكَ»
٢٠ ‏/ ١٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] قَالَ: «حِينَ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الرُّجُوعَ إِلَى التَّوْبَةِ، وَلَا فِرَارًا مِنَ الْعَذَابِ»
٢٠ ‏/ ١٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] يَقُولُ: «وَلَيْسَ حِينَ فِرَارٍ»
٢٠ ‏/ ١٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] «وَلَاتَ حِينَ مَنْجًى يَنْجُونَ مِنْهُ» وَنَصبَ حِينَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣] تَشْبِيهًا لِلَاتِ بِلَيْسَ، وَأَضْمَرَ فِيهَا اسْمَ الْفَاعِلِ وَحَكَى بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ الرَّفْعَ مَعَ لَاتِ فِي حِينِ زُعِمَ أَنَّ
٢٠ ‏/ ١٤
بَعْضَهُمْ رَفَعَ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ فَجَعَلَهُ فِي قَوْلِهِ لَيْسَ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ وَأَضْمَرَ الْحِينَ؛ قَالَ: وَفِي الشَّعْرِ:
[البحر الخفيف] طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانٍ … فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ
فَجَرَّ أَوَانٍ وَأَضْمَرَ الْحِينَ إِلَى أَوَانٍ، لِأَنَّ لَاتَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ الْحِينِ؛ قَالَ: وَلَا تَكُونُ لَاتَ إِلَّا مَعَ حِينٍ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُضِيفُ لَاتَ فَيَخْفِضُ بِهَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ أُنْشِدُ:
[البحر الكامل] لَاتَ سَاعَةِ مَنْدَمِ
بِخَفْضِ السَّاعَةِ؛ قَالَ: وَالْكَلَامُ أَنْ يُنْصَبَ بِهَا، لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى لَيْسَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أُنْشِدُ:
[البحر الوافر] تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلَى لَاتَ حِينًا … وَأَضْحَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ الْقَرِينَا
قَالَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ:
طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانٍ … فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ
بِخَفْضِ أَوَانٍ؛ قَالَ: وَتَكُونُ لَاتَ مَعَ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْوَقْفِ عَلَى قِرَاءَةِ: ﴿لَاتَ حِينَ﴾ [ص: ٣] فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ
٢٠ ‏/ ١٥
الْعَرَبِيَّةِ: الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلَاتَ بِالتَّاءِ، ثُمَّ يُبْتَدَأُ حِينَ مَنَاصٍ، قَالُوا: وَإِنَّمَا هِيَ لَا الَّتِي بِمَعْنَى: مَا، وَإِنَّ فِي الْجَحْدِ وُصِلَتْ بِالتَّاءِ، كَمَا وُصِلَتْ ثُمَّ بِهَا، فَقِيلَ: ثَمَّتْ، وَكَمَا وُصَلَتْ رَبَّ فَقِيلَ: رَبَّتْ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ هِيَ هَاءٌ زِيدَتْ فِي لَا، فَالْوَقْفُ عَلَيْهَا لَاهَ، لِأَنَّهَا هَاءٌ زِيدَتْ لِلْوَقْفِ، كَمَا زِيدَتْ فِي قَوْلِهِمْ:
[البحر الكامل] الْعَاطِفُونَةَ حِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ … وَالْمُطْعِمُونَةَ حِينَ أَيْنَ الْمَطْعِمُ
فَإِذَا وُصِلَتْ صَارَتْ تَاءً وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْوَقْفُ عَلَى لَا، وَالِابْتِدَاءُ بَعْدَهَا بِحِينٍ، وَزُعِمَ أَنَّ حُكْمَ التَّاءِ أَنْ تَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ حِينَ، وَأَوَانَ، وَالْآنَ؛ وَيَسْتَشْهِدُ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الخفيف] تَوَلَّيْ قَبْلَ يَوْمِ سَبْيٍ جُمَانَا … وَصلِينَا كَمَا زَعَمْتِ تَلْآنَا
وَأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا
لَا فَيُوصَلُ بِهَا هَاءٌ أَوْ تَاءٌ؛ وَيَقُولُ: إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَاتَ حِينَ﴾ [ص: ٣] إِنَّمَا هِيَ: لَيْسَ حِينَ، وَلَمْ تُوجَدْ لَاتَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ لَا حَرْفُ جَحْدٍ كَمَا وَإِنْ وَصِلْتَ بِهَا تَصيرُ فِي الْوَصْلِ تَاءً، كَمَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ بِالْأَدَوَاتِ، وَلَمْ تَسْتَعْمِلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَعَ لَا الْمُدَّةَ إِلَّا لِلْأَوْقَاتِ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا وَجْهَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا الْقَائِلُ: إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَاتَ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ،
٢٠ ‏/ ١٦
فَيَجُوزُ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ: ﴿وَلَاتَ حِينَ﴾ [ص: ٣] إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهَا تَسْتَعْمِلُ الْكَلِمَةَ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ تَسْتَعْمِلُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَبْعَدَ فِي الْقِيَاسِ مِنَ الصِّحَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَأَيْتُ بِالْهَمْزِ، ثُمَّ قَالُوا: فَأَنَا أُرَاهُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ لِمَا جَرَى بِهِ اسْتِعْمَالُهُمْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي تَأْتِي فِي مَوْضِعٍ عَلَى صُورَةٍ، ثُمَّ تَأْتِي بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرِ لِلْجَارِي مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ ذَلِكَ بَيْنَهَا. وَأَمَّا مَا اسْتُشْهِدَ بِهِ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَكَمَا زَعَمْتِ تَلَانَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَلَطٌ فِي تَأْوِيلِ الْكَلِمَةِ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ:
[البحر الكامل] وَصَلَّيْنَا كَمَا زَعَمْتِ تَلَانَا … وَصَلَّيْنَا كَمَا زَعَمْتِ أَنْتِ الْآنَ،
فَأَسْقَطَ الْهَمْزَةَ مِنْ أَنْتِ، فَلَقِيَتِ التَّاءُ مِنْ زَعَمَتِ النُّونَ مِنْ أَنْتِ وَهِيَ سَاكِنَةٌ، فَسَقَطَتْ مِنَ اللَّفْظِ، وَبَقِيَتِ التَّاءُ مِنْ أَنْتِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ مِنَ الْآنَ، فَصَارَتِ الْكَلِمَةُ فِي اللَّفْظِ كَهَيْئَةِ تَلَانِ، وَالتَّاءُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مُنْفَصِلَةٌ مِنَ الْآنِ، لِأَنَّهَا تَاءُ أَنْتِ وَأَمَّا زَعْمُهُ أَنَّهُ رَأَى فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْإِمَامُ التَّاءُ مُتَّصِلَةٌ بِحِينٍ، فَإِنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْصَارِهَا هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّاءُ فِي جَمِيعِهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْ حِينٍ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَاتَ حِينَ﴾ [ص: ٣]
٢٠ ‏/ ١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَجَبُوا أَنْ جَاءَهُمُ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَجِبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ جَاءَهُمُ مُنْذِرٌ يُنْذِرُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِذَلِكَ ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [ص: ٤] يَقُولُ: وَقَالَ الْمُنْكِرُونَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ: هَذَا يَعْنُونَ مُحَمَّدًا ﷺ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ⦗١٨⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَعَجَبُوا أَنْ جَاءَهُمُ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ﴾ [ص: ٤] «يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ» ﴿وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [ص: ٤]
٢٠ ‏/ ١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ [ص: ٤] «يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ»
٢٠ ‏/ ١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: ٥] يَقُولُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ قَالُوا: مُحَمَّدٌ سَاحِرٌ كَذَّابٌ: أَجْعَلَ مُحَمَّدٌ الْمَعْبُودَاتِ كُلَّهَا وَاحِدًا، يَسْمَعُ دُعَاءَنَا جَمِيعَنَا، وَيَعْلَمُ عِبَادَةَ كُلِّ عَابِدٍ عَبَدَهُ مِنَّا ﴿إِنَّ هَذَا لِشَيْءٍ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥] أَيْ إِنَّ هَذَا لِشَيْءٍ عَجِيبٌ
٢٠ ‏/ ١٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥] قَالَ: «عَجِبَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَحْدِهِ، وَقَالُوا: يَسْمَعُ لِحَاجَاتِنَا جَمِيعًا إِلَهٌ وَاحِدٌ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ» وَكَانَ سَبَبُ قِيلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُمْ: «أَسْأَلُكُمْ أَنْ تُجِيبُونِيَ إِلَى وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتَعْطِيكُمْ بِهَا الْخَرَاجَ الْعَجَمُ» فَقَالُوا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: “تَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: ٥] تَعَجُّبًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ١٨
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتِمُ آلِهَتَنَا، وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، وَيَقُولُ وَيَقُولُ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ؛ فَبَعَثَ إِلَيْهِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ فَدَخَلَ الْبَيْتَ، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رَجُلٍ، قَالَ: فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ، فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: أَيِ ابْنَ أَخِي، مَا بَالُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ؟ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ؛ قَالَ: فَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ، وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ»، فَفَزِعُوا لِكَلِمَتِهِ وَلِقَوْلِهِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ؟ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا؛ فَقَالُوا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»؛ قَالَ: فَقَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥] قَالَ: وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابَ﴾ [ص: ٨] اللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ
٢٠ ‏/ ١٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعُودُهُ، وَهُمْ حَوْلَهُ جُلُوسٌ، وَعِنْدَ رَأْسِهِ مَكَانٌ فَارِغٌ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ ⦗٢٠⦘ فَجَلَسَ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: يَا ابْنَ أَخِي مَا لِقَوْمِكَ يَشْكُونَكَ؟ قَالَ: «يَا عَمِّ أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ» قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] «ذِي الشَّرَفِ» ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ [ص: ٢] حَتَّى قَوْلِهِ: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: ٥] حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذِي الشَّرَفِ، وَقَالَ: إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]
٢٠ ‏/ ١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ يَعُودُهُ، فَكَانَ عِنْدَ رَأْسِهِ مَقْعَدُ رَجُلٍ، فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ، فَجَلَسَ فِيهِ، فَشَكَوْا النَّبِيَّ ﷺ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَقَعُ فِي آلِهَتِنَا، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا؟ قَالَ: «يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ» قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]
٢٠ ‏/ ٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَانْطَلَقَ الْأَشْرَافُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، الْقَائِلِينَ: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [ص: ٥] بِأَنِ امْضُوا فَاصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ وَعِبَادَةِ آلِهَتِكُمْ فَأَنْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنِ امْشُوا﴾ [ص: ٦] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ يَتَعَلَّقُ انْطَلِقُوا بِهَا، كَأَنَّهُ قِيلَ: انْطَلِقُوا مَشْيًا وَمُضِيًّا عَلَى دِينِكُمْ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ يَمْشُونَ أَنِ اصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ» وَذُكِرَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ كَانَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ
٢٠ ‏/ ٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ﴾ [ص: ٦] قَالَ: «عُقْبَةُ بْنُ أَبَى مُعَيْطٍ»
٢٠ ‏/ ٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ هَذَا لِشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص: ٦] أَيْ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي يَقُولُ مُحَمَّدٌ، وَيَدْعُونَا إِلَيْهِ، مِنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، شَيْءٌ يُرِيدُهُ مِنَّا مُحَمَّدٌ يَطْلُبُ بِهِ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَيْنَا، وَأَنْ نَكُونَ لَهُ فِيهِ أَتْبَاعًا وَلَسْنَا مُجِيبِيهِ إِلَى ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ الْآلِهَةِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَبِهَذَا الْكِتَابُ الَّذِي جَاءَ بِهِ فِي الْمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، قَالُوا: وَهِيَ الْمِلَّةُ الْآخِرَةُ
٢٠ ‏/ ٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] يَقُولُ: «النَّصْرَانِيَّةُ»
٢٠ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] «يَعْنِي النَّصْرَانِيَّةَ؛ فَقَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ حَقًّا أَخْبَرَتْنَا بِهِ النَّصَارَى»
٢٠ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] قَالَ: «مِلَّةِ عِيسَى»
٢٠ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] «النَّصْرَانِيَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَوْا بِذَلِكَ: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي دِينِنَا دَيْنِ قُرَيْشٍ
٢٠ ‏/ ٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] قَالَ: «مِلَّةِ قُرَيْشٍ»
٢٠ ‏/ ٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] قَالَ: «مِلَّةِ قُرَيْشٍ»
٢٠ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] «أَيْ فِي دِينِنَا هَذَا، وَلَا فِي زَمَانِنَا قَطُّ»
٢٠ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ﴾ [ص: ٧] قَالَ: «الْمِلَّةُ الْآخِرَةُ: الدِّينُ الْآخَرُ قَالَ: وَالْمِلَّةُ الدِّينُ» وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَأَ الَّذِينَ انْطَلَقُوا نَفَرٌ مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ، مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ
٢٠ ‏/ ٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، أَنَّ أُنَاسًا مِنْ قُرَيْشِ اجْتَمَعُوا، فِيهِمْ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ فِي نَفَرٍ مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَلْنُكَلِّمْهُ فِيهِ، فَلْيُنْصِفْنَا مِنْهُ، فَيَأْمُرُهُ فَلْيَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا، وَنَدَعُهُ وَإلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُ، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَمُوتَ هَذَا الشَّيْخُ، فَيَكُونُ مِنَّا شَيْءٌ، فَتُعَيِّرُنَا الْعَرَبُ فَيَقُولُونَ: تَرَكُوهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ عَمُّهُ تَنَاوَلُوهُ، قَالَ: فَبَعَثُوا رَجُلًا مِنْهُمْ يُدْعَى الْمُطَّلِبُ، فَاسْتَأْذَنَ لَهُمْ عَلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ ⦗٢٤⦘ مَشْيَخَةُ قَوْمِكَ وَسَرَوَاتُهُمْ يَسْتَأْذِنُونَ عَلَيْكَ، قَالَ: أَدْخِلْهُمْ؛ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ أَنْتَ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، فَأَنْصَفْنَا مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَمُرْهُ فَلْيَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا، وَنَدَعُهُ وَإلَهَهُ؛ قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ؛ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ مَشْيَخَةُ قَوْمِكَ وَسَرَوَاتُهُمْ، وَقَدْ سَأَلُوكَ النَّصَفَ أَنْ تَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِهِمْ، وَيَدَعُوكَ وَإِلَهَكَ؛ قَالَ: فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ أَوَلَا أَدْعُوهُمْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهَا؟» قَالَ: وَإِلَامَ تَدْعُوهُمْ؟ قَالَ: «أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَيَمْلِكُونَ بِهَا الْعَجَمُ»؛ قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ: مَا هِيَ وَأَبِيكَ لِنُعْطِيَنَّكَهَا وَعَشْرَ أَمْثَالِهَا، قَالَ: «تَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» قَالَ: فَنَفَرُوا وَقَالُوا: سَلْنَا غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: «وَلَوْ جِئْتُمُونِي بِالشَّمْسِ حَتَّى تَضَعُوهَا فِي يَدِي مَا سَأَلْتُكُمْ غَيْرَهَا»؛ قَالَ: فَغَضِبُوا وَقَامُوا مِنْ عِنْدِهِ غِضَابًا وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنَشْتُمَنَّكَ وَالَّذِي يَأْمُرُكَ بِهَذَا ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص: ٦] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] وَأَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي مَا شَطَطْتَ عَلَيْهِمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: “قُلْ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعِيبَكُمْ بِهَا الْعَرَبُ يَقُولُونَ جَزَعَ مِنَ الْمَوْتِ لَأَعْطَيْتُكَهَا، وَلَكِنْ عَلَى مِلَّةِ الْأَشْيَاخِ؛ قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]
٢٠ ‏/ ٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمَّى، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص: ٦] قَالَ: «نَزَلَتْ حِينَ انْطَلَقَ أَشْرَافُ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَكَلَّمُوهُ فِي ⦗٢٥⦘ النَّبِيِّ ﷺ»
٢٠ ‏/ ٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقُرْآنِ: مَا هَذَا الْقُرْآنُ إِلَّا اخْتِلَاقٌ: أَيْ كَذِبٌ اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ وَتَخَرَّصَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] يَقُولُ: تَخْرِيصٌ “
٢٠ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] قَالَ: «كَذِبٌ»
٢٠ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] يَقُولُ: «كَذِبٌ»
٢٠ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] «إِلَّا شَيْءٌ تَخْلُقُهُ»
٢٠ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٢٦⦘ السُّدِّيِّ، ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] «اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ»
٢٠ ‏/ ٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] قَالُوا: «إِنْ هَذَا إِلَّا كَذِبٌ»
٢٠ ‏/ ٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ: أَأُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا فَخُصَّ بِهِ، وَلَيْسَ بِأَشْرَفَ مِنَّا حَسَبًا
٢٠ ‏/ ٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي﴾ [ص: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ لَا يَكُونُوا أَهْلَ عِلْمٍ بِأَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، وَلَكِنَّهُمْ فِي شَكٍّ مِنْ وَحِينَا إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِنَا ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص: ٨] يَقُولُ: بَلْ لَمْ يَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسُنَا، فَيَذُوقُوا وَبَالَ تَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا، وَشَكِّهِمْ فِي تَنْزِيلِنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، وَلَوْ ذَاقُوا الْعَذَابَ عَلَى ذَلِكَ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا حَقِيقَةَ مَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ، حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ عِلْمُهُمْ ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ [ص: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُنْكِرِينَ وَحْيَ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ، يَعْنِي مَفَاتِيحَ رَحْمَةِ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ، الْعَزِيزِ فِي سُلْطَانِهِ، الْوَهَّابِ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، مَا يَشَاءُ مِنْ مُلْكٍ وَسُلْطَانٍ وَنُبُوَّةٍ، فَيَمْنَعُوكَ يَا مُحَمَّدُ مَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَفَضَّلَكَ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ
٢٠ ‏/ ٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ ⦗٢٧⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴿مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ فَإِنَّهُ لَا يُعَازُّنِي ويُشَاقُّنِي مَنْ كَانَ فِي مُلْكِي وَسُلْطَانِي
٢٠ ‏/ ٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ [ص: ١٠] يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، فَلْيَصْعَدُوا فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ وَطُرُقِهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ مُلْكُ شَيْءٍ لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الْإِشْرَافُ عَلَيْهِ وَتَفَقُّدُهُ وَتَعَهُّدُهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ
٢٠ ‏/ ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ [ص: ١٠] قَالَ: «طُرُقِ السَّمَاءِ وَأَبْوَابِهَا»
٢٠ ‏/ ٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ [ص: ١٠] يَقُولُ: «فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ»
٢٠ ‏/ ٢٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿فِي الْأَسْبَابِ﴾ [ص: ١٠] قَالَ: «أَسْبَابِ السَّمَوَاتِ»
٢٠ ‏/ ٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ [ص: ١٠] قَالَ: «طُرُقِ السَّمَوَاتِ»
٢٠ ‏/ ٢٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: “إِنْ كَانَ ﴿لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ يَقُولُ: «فَلْيَرْتَقُوا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ»
٢٠ ‏/ ٢٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ﴾ [ص: ١٠] يَقُولُ: «فِي السَّمَاءِ»
٢٠ ‏/ ٢٨
وَذُكِرَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ مَا: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «الْأَسْبَابُ: أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، وَأَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ، وَهُوَ بِكُلِّ مَكَانٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرَى» وَأَصْلُ السَّبَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ: كُلُّ مَا تَسَبَّبَ بِهِ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ وَسِيلَةٍ، أَوْ رَحِمٍ، أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ طَرِيقٍ، أَوْ مَحَجَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ [ص: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هُمْ ﴿جُنْدٌ﴾ [يس: ٢٨] يَعْنِي الَّذِينَ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ هُنَالِكَ، يَعْنِي: بِبَدْرٍ مَهْزُومٌ
٢٠ ‏/ ٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿هُنَالِكَ﴾ [آل عمران: ٣٨] مِنْ صِلَةِ مَهْزُومٌ
٢٠ ‏/ ٢٩
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ [هود: ١٧] يَعْنِي مِنْ أَحْزَابِ إِبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَ«مِنْ» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ [هود: ١٧] مِنْ صِلَةُ قَوْلِهِ جُنْدٌ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: هُمْ جُنْدٌ مِنَ الْأَحْزَابِ مَهْزُومٌ هُنَالِكَ، وَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ﴾ [ص: ١١] صِلَة ٌوَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ [ص: ١١] قَالَ: «قُرَيْشٌ مِنَ الْأَحْزَابِ، قَالَ: الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ»
٢٠ ‏/ ٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ [ص: ١١] قَالَ: «وَعَدَهُ اللَّهُ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَنَّهُ سَيَهْزِمُ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءَ تَأْوِيلُهَا يَوْمَ بَدْرٍ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ ﴿جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ﴾ [ص: ١١] مَغْلُوبٌ عَنْ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ
٢٠ ‏/ ٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾ [ص: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَذَبَتْ قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الْقَائِلِينَ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا، رُسُلَهَا، قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ قِيلَ لِفِرْعَوْنَ ذُو الْأَوْتَادِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ مَلَاعِبُ مِنْ أَوْتَادٍ، يُلْعَبُ لَهُ عَلَيْهَا
٢٠ ‏/ ٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ﴾ [ص: ١٢] قَالَ: «كَانَتْ مَلَاعِبَ يُلْعَبُ لَهُ تَحْتَهَا»
٢٠ ‏/ ٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَفِرْعَوْنَ ذُو الْأَوْتَادِ﴾ [ص: ١٢] قَالَ: «كَانَ لَهُ أَوْتَادٌ وَأَرْسَانٌ وَمَلَاعِبُ يُلْعَبُ لَهُ عَلَيْهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لَهُ كَذَلِكَ لِتَعْذِيبِهِ النَّاسَ بِالْأَوْتَادِ
٢٠ ‏/ ٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿ذُو الْأَوْتَادِ﴾ [ص: ١٢] قَالَ: «كَانَ يُعَذِّبُ النَّاسَ بِالْأَوْتَادِ، يُعَذِّبُهُمْ بِأَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ صَخْرَةً تُمَدُّ بِالْحِبَالِ، ثُمَّ تُلْقَى عَلَيْهِ فَتَشْدَخُهُ»
٢٠ ‏/ ٣١
حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْهَيْثَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ يُعَذِّبُ النَّاسَ بِالْأَوْتَادِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ذُو الْبُنْيَانِ، قَالُوا: وَالْبُنْيَانُ: هُوَ الْأَوْتَادُ
٢٠ ‏/ ٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿ذُو الْأَوْتَادِ﴾ [ص: ١٢] قَالَ: «ذُو الْبُنْيَانِ» وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْأَوْتَادُ، إِمَّا لِتَعْذِيبِ النَّاسِ، وَإِمَّا لِلِعَبٍ، كَانَ يُلْعَبُ لَهُ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى الْأَوْتَادِ، ﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ﴾ [ص: ١٣] وَقَدْ ذَكَرْنَا أَخْبَارَ كُلِّ هَؤُلَاءِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ [ص: ١٣] يَعْنِي: وَأَصْحَابُ الْغَيْضَةِ
٢٠ ‏/ ٣١
وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ فِيمَا: حُدِّثْتُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، يَقُولُ: «الْأَيْكَةُ: الْحَرَجَةُ مِنَ النَّبْعِ وَالسِّدْرِ» وَهُوَ الْمُلْتَفُ مِنْهُ، قَالَ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]⦗٣٢⦘ أَفَمِنْ بُكَاءِ حَمَامَةٍ فِي أَيْكَةٍ … يَرْفَضُّ دَمْعُكَ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَحْمَلِ
يَعْنِي: مَحْمَلَ السَّيْفِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ [ص: ١٣] قَالَ: «كَانُوا أَصْحَابُ شَجَرٍ، قَالَ: وَكَانَ عَامَّةُ شَجَرِهِمُ الدُّومُ»
٢٠ ‏/ ٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ﴾ [ص: ١٣] قَالَ: «أَصْحَابُ الْغَيْضَةِ»
٢٠ ‏/ ٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ﴾ [ص: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَاتُ الْمُجْتَمِعَةُ، وَالْأَحْزَابُ الْمُتَحَزِّبَةُ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، الَّذِينَ مِنْهُمْ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ، وَهُمْ مَسْلُوكٌ بِهِمْ سَبِيلَهُمْ ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ [ص: ١٤] يَقُولُ: مَا كُلُّ هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ إِلَّا كَذَّبَ رُسُلَ اللَّهِ؛ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا ذُكِرَ لِي: «إِذْ كُلٌّ لَمَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ» يَقُولُ: فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ عِقَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ
٢٠ ‏/ ٣٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾ [ص: ١٤] قَالَ: «هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ»
٢٠ ‏/ ٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ﴾ [ص: ١٥] الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ ﴿إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [يس: ٢٩] يَعْنِي بِالصَيْحَةِ الْوَاحِدَةِ: النَّفْخَةَ الْأُولَى فِي الصُّورِ ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] يَقُولُ: مَا لِتِلْكَ الصَيْحَةِ مِنْ فَيْقَةٍ، يَعْنِي مِنْ فَتَوْرٍ وَلَا انْقِطَاعٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ [ص: ١٥] «يَعْنِي: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥]»
٢٠ ‏/ ٣٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لمَّا فَرَغَ مِنْ خَلَقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قَرْنٌ»، قَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ:»قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ: نَفْخَةُ الْفَزَعِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَأَمُرُهُ اللَّهُ فَيُدِيمُهَا وَيُطَوِّلُهَا، فَلَا يَفْتُرُ وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ ﴿مَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا ⦗٣٤⦘ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِذَلِكَ: مَا لِتِلْكَ الصَيْحَةِ مِنَ ارْتِدَادٍ وَلَا رُجُوعٍ
٢٠ ‏/ ٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] يَقُولُ: «مِنْ تَرْدَادٍ»
٢٠ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] يَقُولُ: «مَا لَهَا مِنْ رَجْعَةٍ»
٢٠ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] قَالَ: «مِنْ رُجُوعٍ»
٢٠ ‏/ ٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] «يَعْنِي السَّاعَةَ مَا لَهَا مِنْ رُجُوعٍ وَلَا ارْتِدَادٍ» ⦗٣٥⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ ذَلِكَ إِفَاقَةٌ وَلَا رُجُوعٌ إِلَى الدُّنْيَا
٢٠ ‏/ ٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] يَقُولُ: «لَيْسَ لَهُمْ بَعْدَهَا إِفَاقَةٌ وَلَا رُجُوعٌ إِلَى الدُّنْيَا» وَقَالَ آخَرُونَ: الصَيْحَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَذَابُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: مَا يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا عَذَابًا يُهْلِكُهُمْ، لَا إِفَاقَةَ لَهُمْ مِنْهُ
٢٠ ‏/ ٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] قَالَ: «مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ، مَا لَهَا مِنْ صَيْحَةٍ لَا يَفِيقُونَ فِيهَا كَمَا يَفِيقُ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ وَكَمَا يَفِيقُ الْمَرِيضُ تُهْلِكُهُمْ، لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا إِفَاقَةٌ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ﴿مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] بِفَتْحِ الْفَاءِ وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (مِنْ فُوَاقٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ، وَاخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَاهَا إِذَا قُرِئَتْ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا، فَقَالَ بَعْضُ ⦗٣٦⦘ الْبَصْرِيِّينَ مِنْهُمْ: مَعْنَاهَا، إِذَا فُتِحَتِ الْفَاءُ: مَا لَهَا مِنْ رَاحَةٍ، وَإِذَا ضُمَّتْ جَعَلَهَا فُوَاقَ نَاقَةٍ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ وَكَانَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ مِنْهُمْ يَقُولُ: مَعْنَى الْفَتْحِ وَالضَّمِّ فِيهَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا هُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ السُّوَافِ وَالسَّوَافِ، وَجَمَامِ الْمُكُوكِ وَجُمَامِهِ، وَقُصَاصِ الشَّعْرِ وَقَصَاصِهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ، وَذَلِكَ أَنَّا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي قِرَاءَتِهِ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَعْنَى الضَّمِّ فِيهِ وَالْفَتْحِ، وَلَوْ كَانَ مُخْتَلَفُ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِ الْفَتْحِ فِيهِ وَالضَّمِّ، لَقَدْ كَانُوا فَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْمَعْنَى فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيٍّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ وَأَصْلُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَفَاقَتِ النَّاقَةُ، فَهِيَ تَفِيقُ إِفَاقَةً، وَذَلِكَ إِذَا رَدَّتْ مَا بَيْنَ الرَّضْعَتَيْنِ وَلَدَهَا إِلَى الرَّضْعَةِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ أَنْ تُرْضِعَ الْبَهِيمَةَ أُمُّهَا، ثُمَّ تَتْرُكْهَا حَتَّى يَنْزِلَ شَيْءٌ مِنَ اللَّبَنِ، فَتِلْكَ الْإِفَاقَةُ؛ يُقَالُ إِذَا اجْتَمَعَ ذَلِكَ فِي الضَّرْعِ فَيْقَةٌ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط] حَتَّى إِذَا فَيْقَةٌ فِي ضَرْعِهَا اجْتَمَعَتْ … جَاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْسِ لَوْ رَضِعَا
٢٠ ‏/ ٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ: يَا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا كُتُبَنَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْقِطُّ ⦗٣٧⦘ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الصَحِيفَةُ الْمَكْتُوبَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الطويل] وَلَا الْمَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُهُ … بِنِعْمَتِهِ يُعْطِي الْقُطُوطَ وَيَأْفِقُ
يَعْنِي بِالْقُطُوطِ: جَمْعَ الْقِطِ، وَهِيَ الْكُتُبُ بِالْجَوَائِزِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِمَسْأَلَتِهِمْ تَعْجِيلَ الْقِطِّ لَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ تَعْجِيلَ حَظِّهِمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي أُعِدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢]
٢٠ ‏/ ٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] يَقُولُ: «الْعَذَابَ»
٢٠ ‏/ ٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] قَالَ: «سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
٢٠ ‏/ ٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] قَالَ: «عَذَابَنَا»
٢٠ ‏/ ٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ⦗٣٨⦘ قَوْلُهُ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] قَالَ: «عَذَابَنَا»
٢٠ ‏/ ٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦] ” أَيْ نَصِيبَنَا وَحَظَّنَا مِنَ الْعَذَابِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] الْآيَةَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ تَعْجِيلَ أَنْصِبَائِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرَوْهَا فَيَعْلَمُوا حَقِيقَةَ مَا يَعِدُهُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ فَيُؤْمِنُوا حِينَئِذٍ بِهِ وَيُصَدِّقُوهُ
٢٠ ‏/ ٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] قَالُوا: «أَرِنَا مَنَازِلِنَا فِي الْجَنَّةِ حَتَّى نُتَابِعَكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَسْأَلَتُهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَكِنَّهُمْ سَأَلُوا تَعْجِيلَهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا
٢٠ ‏/ ٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ ثَابِتِ الْحَدَّادِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: ١٦]⦗٣٩⦘ قَالَ: «نَصِيبَنَا مِنَ الْجَنَّةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ تَعْجِيلَ الرِّزْقِ
٢٠ ‏/ ٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] قَالَ: «رِزْقَنَا» وَقَالَ آخَرُونَ: سَأَلُوا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمْ كُتُبَهُمُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الحاقة: ١٩] ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ﴾ [الحاقة: ٢٥] فِي الدُّنْيَا، لِيَنْظُرُوا بِأَيْمَانِهِمْ يُعْطَوْنَهَا بِأَيْمَانِهِمْ أَمْ بِشَمَائِلِهِمْ؟ وَلْيَنْظُرُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ هُمْ أَمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتِهْزَاءً مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ وَبِوَعْدِ اللَّهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ سَأَلُوا رَبَّهُمْ تَعْجِيلَ صَكَاكِهِمْ بِحُظُوظِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يُؤْتِيهُمُوهَا فِي الْآخِرَةِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي الدُّنْيَا اسْتِهْزَاءً بِوَعِيدِ اللَّهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقِطَّ هُوَ مَا وُصِفَتْ مِنَ الْكُتُبِ بِالْجَوَائِزِ وَالْحُظُوظِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ تَعْجِيلَ ذَلِكَ لَهُمْ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [ص: ١٧] فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَتَهُمْ مَا سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ لَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهْزَاءِ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يُتْبَعُ الْأَمْرُ بِالصَّبِرِ ⦗٤٠⦘ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً، وَكَانَ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَذًى، أَمَرَهُ اللَّهُ بِالصَّبِرِ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ قَضَاؤُهُ فِيهِمْ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾ [ص: ١٦] بَيَانُ أَيِّ الْقُطُوطِ إِرَادَتُهُمْ، لَمْ يَكُنْ لِمَا تَوْجِيهُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ الْقُطُوطَ بِبَعْضِ مَعَانِي الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّ مَسْأَلَتَمْ كَانَتْ بِمَا ذَكَرْتُ مِنْ حُظُوظِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
٢٠ ‏/ ٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: اصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا يَقُولُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ لَكَ مِمَّا تَكْرَهُ قِيلَهُمْ لَكَ، فَإِنَّا مُمْتَحِنُوكَ بِالْمَكَارِهِ امْتِحَانَنَا سَائِرَ رُسُلِنَا قَبْلَكَ، ثُمَّ جَاعِلُو الْعُلُوَّ وَالرِّفْعَةَ وَالظَّفَرَ لَكَ عَلَى مَنْ كَذَّبَكَ وَشَاقَّكَ سُنَّتَنَا فِي الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ إِلَى عِبَادِنَا قَبْلَكَ فَمِنْهُمْ عَبْدُنَا أَيُّوبُ وَدَاوُدُ بْنُ إِيشَا، فَاذْكُرْهُ ذَا الْأَيْدِ؛ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿ذَا الْأَيْدِ﴾ [ص: ١٧] ذَا الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ﴾ قَالَ: «ذَا الْقُوَّةِ»
٢٠ ‏/ ٤١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثني أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ذَا الْأَيْدِ﴾ [ص: ١٧] قَالَ: «ذَا الْقُوَّةِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ»
٢٠ ‏/ ٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ﴾ قَالَ: «أُعْطِيَ قُوَّةً فِي الْعِبَادَةِ، وَفِقْهًا فِي الْإِسْلَامِ» وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ دَاوُدَ ﷺ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ نِصْفَ الدَّهْرِ
٢٠ ‏/ ٤١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ﴾ «ذَا الْقُوَّةِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ»
٢٠ ‏/ ٤١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿دَاوُدَ ذَا ⦗٤٢⦘ الْأَيْدِ﴾ قَالَ: «ذَا الْقُوَّةِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، الْأَيْدُ: الْقُوَّةُ» وَقَرَأَ: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات: ٤٧] قَالَ: «بِقُوَّةٍ»
٢٠ ‏/ ٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] يَقُولُ: إِنَّ دَاوُدَ رَجَّاعٌ لِمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ إِلَى مَا يُرْضِيهِ أَوَّابٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: آبَ الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ: إِذَا رَجَعَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] قَالَ: «رَجَّاعٌ عَنِ الذُّنُوبِ»
٢٠ ‏/ ٤٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] قَالَ: «الرَّاجِعُ عَنِ الذُّنُوبِ»
٢٠ ‏/ ٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] «أَيْ كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ كَثِيرَ الصَّلَاةِ»
٢٠ ‏/ ٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] قَالَ: «الْمُسَبِّحُ»
٢٠ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] قَالَ: «الْأَوَّابُ التَّوَّابُ الَّذِي يَؤُوبُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهَا، ذَلِكَ الْأَوَّابُ، قَالَ: وَالْأَوَّابُ: الْمُطِيعُ»
٢٠ ‏/ ٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ مَعَ دَاوُدَ بِالْعَشِيِّ، وَذَلِكَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ، وَالْإِشْرَاقِ، وَذَلِكَ بِالْغَدَاةِ وَقْتَ الضُّحَى ذِكْرُ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ إِذَا سَبَّحَ سَبَّحَتْ مَعَهُ الْجِبَالُ
٢٠ ‏/ ٤٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ﴾ [ص: ١٨] بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ «يُسَبِّحْنَ مَعَ دَاوُدَ إِذَا سَبَّحَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ»
٢٠ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: ١٨] قَالَ: «حِينَ تُشْرِقَ الشَّمْسُ وَتَضْحَى»
٢٠ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ ⦗٤٤⦘ مُوسَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ، ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ صَلَّى الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ لِهَذِهِ السَّاعَةِ صَلَاةً، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: ١٨]
٢٠ ‏/ ٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا صَدَقَةُ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى، قَالَ: فَأَدْخَلْتُهُ عَلَى أُمِّ هَانِئٍ، فَقُلْتُ: اخْبِرِي هَذَا بِمَا أَخْبَرْتِنِي بِهِ، فَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي بَيْتِي، فَأَمَرَ بِمَاءٍ فَصَبَّ فِي قَصعَةٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَأَخَذَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ رَشَّ نَاحِيَةَ الْبَيْتِ فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، وَذَلِكَ مِنَ الضُّحَى قِيَامُهُنَّ وَرُكُوعُهُنَّ وَسُجُودُهُنَّ وَجُلُوسُهُنَّ سَوَاءٌ، قَرِيبٌ بَعْضُهُنَّ مِنْ بَعْضٍ، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: لَقَدْ قَرَأْتِ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، مَا عَرَفْتُ صَلَاةَ الضُّحَى إِلَّا الْآنَ ﴿يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: ١٨] وَكُنْتُ أَقُولُ: أَيْنَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ، ثُمَّ قَالَ: بَعْدَهُنَّ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ» حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ مُتَوَكِّلٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ صَفْوَانَ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ ابْنَةَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْفَتْحِ دَخَلَ ⦗٤٥⦘ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ﴾ [ص: ١٨] مِثْلُ ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ [ص: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَخَّرْنَا الطَّيْرَ يُسَبِّحْنَ مَعَهُ مَحْشُورَةً بِمَعْنَى: مَجْمُوعَةً لَهُ؛ ذَكَرَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ إِذَا سَبَّحَ إِجَابَتْهُ الْجِبَالُ، وَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ الطَّيْرُ، فَسَبَّحَتْ مَعَهُ وَاجْتِمَاعُهَا إِلَيْهِ كَانَ حَشْرَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحَشْرِ فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ
٢٠ ‏/ ٤٥
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ [ص: ١٩] «مُسَخَّرَةً»
٢٠ ‏/ ٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٩] يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ لَهُ مُطِيعٌ رَجَّاعٌ إِلَى طَاعَتِهِ وَأَمْرِهِ. وَيَعْنِي بِالْكُلِّ: كُلِّ الطَّيْرِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٩] أَيْ مُطِيعٌ “
٢٠ ‏/ ٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٩] قَالَ: «كُلٌّ لَهُ مُطِيعٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: كُلُّ ذَلِكَ لِلَّهِ مُسَبِّحٌ
٢٠ ‏/ ٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٩] يَقُولُ: «مُسَبِّحٌ لِلَّهِ»
٢٠ ‏/ ٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ [ص: ٢٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ شَدَّدَ مُلْكَهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَدَّدَ ذَلِكَ بِالْجُنُودِ وَالرِّجَالِ، فَكَانَ يَحْرُسُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، أَرْبَعَةُ آلَافٍ
٢٠ ‏/ ٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «كَانَ يَحْرُسُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، أَرْبَعَةُ آلَافٍ» ⦗٤٧⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ الَّذِي شَدَّدَ بِهِ مُلْكَهُ أَنْ أُعْطِي هَيْبَةً مِنَ النَّاسِ لَهُ لِقَضِيَّةٍ كَانَ قَضَاهَا
٢٠ ‏/ ٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِلْبَاءِ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ” أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتَعْدَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ دَاوُدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ الْمُسْتَعْدِي: إِنَّ هَذَا اغْتَصَبَنِي بَقَرًا لِي، فَسَأَلَ دَاوُدُ الرَّجُلَ عَنْ ذَلِكَ فَجَحَدَهُ، فَسَأَلَ الْآخَرَ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَقَالَ لَهُمَا دَاوُدُ: قَوْمَا حَتَّى أَنْظُرُ فِي أَمْرِكُمَا؛ فَقَامَا مِنْ عِنْدِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ الَّذِي اسْتُعْدِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذِهِ رُؤْيَا وَلَسْتُ أَعْجَلَ حَتَّى أَتَثَبَّتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ فِي مَنَامِهِ مَرَّةً أُخْرَى أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ تَأْتِيهِ الْعُقُوبَةُ مِنَ اللَّهِ، فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى الرَّجُلِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أَقَتُلَكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: تَقْتُلُنِي بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا تَثَبُّتٍ؟ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: نَعَمْ، وَاللَّهِ لَأُنَفِّذَنَّ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ؛ فَلَمَّا عَرَفَ الرَّجُلُ أَنَّهُ قَاتِلُهُ، قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أُخِذْتُ بِهَذَا الذَّنْبِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ اغْتَلْتُ وَلَدَ هَذَا فَقَتَلْتُهُ، فَبِذَلِكَ قُتِلْتُ، فَأَمَرَ بِهِ دَاوُدُ فَقُتِلَ، فَاشْتَدَّتْ هَيْبَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ ذَلِكَ لِدَاوُدَ، وَشَدَّدَ بِهِ مُلْكَهُ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ [ص: ٢٠]
٢٠ ‏/ ٤٧
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَخْبَرَ أَنَّهُ شَدَّدَ مُلْكَ دَاوُدَ، وَلَمْ يُحْضِرْ ذَلِكَ مِنْ تُشْدِيدِهِ عَلَى التَّشْدِيدِ بِالرِّجَالِ وَالْجُنُودِ دُونَ الْهَيْبَةِ مِنَ النَّاسِ لَهُ وَلَا عَلَى هَيْبَةِ النَّاسِ لَهُ دُونَ الْجُنُودِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَشْدِيدُهُ ذَلِكَ كَانَ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِجَمِيعِهَا، وَلَا قَوْلَ أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ، إِذْ لَمْ يَحْصُرْ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ مَعَانِي التَّشْدِيدِ خَبَرٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
٢٠ ‏/ ٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾ [ص: ٢٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحِكْمَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا النُّبُوَّةُ
٢٠ ‏/ ٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «النُّبُوَّةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهَا أَنَّهُ عَلِمَ السُّنَنَ
٢٠ ‏/ ٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ﴾ [ص: ٢٠] «أَيِ السُّنَّةَ» ⦗٤٩⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْحِكْمَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ ‏/ ٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ عَلِمَ الْقَضَاءَ وَالْفَهْمَ بِهِ
٢٠ ‏/ ٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «أُعْطِيَ الْفَهْمَ»
٢٠ ‏/ ٤٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «إِصَابَةَ الْقَضَاءِ وَفَهْمَهُ»
٢٠ ‏/ ٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «عِلْمَ الْقَضَاءِ»
٢٠ ‏/ ٤٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «الْخُصُومَاتِ الَّتِي يُخَاصَمُ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصْلَ ذَلِكَ الْخِطَابِ، الْكَلَامُ الْفَهْمُ، وَإِصَابَةُ الْقَضَاءِ وَالْبَيِّنَاتِ»
٢٠ ‏/ ٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، ⦗٥٠⦘ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: “فَصْلُ الْخِطَابِ: «الْقَضَاءُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَفَصْلَ الْخِطَابِ، بِتَكْلِيفِ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
٢٠ ‏/ ٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، قَالَ: ثني الشَّعْبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي، أَوْ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»
٢٠ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: «شَاهِدَانِ أَوْ يَمِينٌ»
٢٠ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ فَصْلُ الْخِطَابِ: الشَّاهِدَانِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ “
٢٠ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّ شُرَيْحًا، قَالَ لِرَجُلٍ: «إِنَّ هَذَا يَعِيبُ عَلَيَّ مَا أُعْطِيَ دَاوُدُ، الشُّهُودُ ⦗٥١⦘ وَالْأَيْمَانُ»
٢٠ ‏/ ٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «الشُّهُودُ وَالْأَيْمَانُ»
٢٠ ‏/ ٥١
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «يَمِينٌ أَوْ شَاهِدٌ»
٢٠ ‏/ ٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] «الْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّالِبِ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، هَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ قَوْلُ: أَمَّا بَعْدُ
٢٠ ‏/ ٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠] قَالَ: «قَوْلُ الرَّجُلِ: أَمَّا بَعْدُ»
٢٠ ‏/ ٥١
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ آتَى دَاوُدَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَصْلَ الْخِطَابِ، وَالْفَصْلُ: هُوَ الْقَطْعُ، وَالْخِطَابُ هُوَ الْمُخَاطَبَةُ، وَمَنْ قَطَعَ مُخَاطَبَةَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي حَالِ احْتِكَامِ أَحَدِهِمَا إِلَى صَاحِبِهِ قَطَعَ الْمُحْتَكَمُ إِلَيْهِ الْحُكَمُ بَيْنَ الْمُحْتَكَمِ إِلَيْهِ وَخَصْمِهِ بِصَوَابٍ مِنَ الْحَكَمِ، وَمَنْ قَطَعَ مُخَاطَبَتَهُ أَيْضًا صَاحِبَهُ إِلْزَامُ الْمُخَاطِبُ فِي الْحُكْمِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُدَّعِيًا، فَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَتَكْلِيفُهُ الْيَمِينَ إِنْ طَلَبَ ذَلِكَ خَصْمُهُ. وَمَنْ قَطَعَ الْخِطَابَ أَيْضًا الَّذِي هُوَ خَطَبَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ قِصَّةٍ وَابْتِدَاءٍ فِي أُخْرَى الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَمَّا بَعْدُ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كُلَّهُ مُحْتَمَلًا ظَاهِرَ الْخَبَرِ وَلَمْ تَكُنْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَيِّ ذَلِكَ الْمُرَادُ، وَلَا وَرَدَ بِهِ خَبَرٌ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ ثَابِتٌ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُعَمَّ الْخَبَرُ، كَمَا عَمَّهُ اللَّهُ، فَيُقَالُ: أُوتِيَ دَاوُدُ فَصْلَ الْخِطَابِ فِي الْقَضَاءِ وَالْمُحَاوَرَةِ وَالْخَطْبِ
٢٠ ‏/ ٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأَ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابِ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَهَلْ أَتَاكَ يَا مُحَمَّدُ نَبَأُ الْخَصْمِ وَقِيلَ: إِنَّهُ عُنِيَ بِالْخَصْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَلَكَانِ، وَخَرَجَ فِي لَفْظِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الزُّورِ وَالسَّفَرِ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ؛ وَمِنْهُ ⦗٥٣⦘ قَوْلُ لَبِيدٍ:
[البحر الطويل] وَخَصْمٍ يَعُدُّونَ الدُّخُولَ كَأَنَّهُمْ … قُرُومٌ غَيَارَى كُلُّ أَزْهَرَ مُصْعَبِ
٢٠ ‏/ ٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١] يَقُولُ: دَخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَابٍ الْمِحْرَابَ؛ الْمِحْرَابُ مَقْدَمُ كُلِّ مَجْلِسٍ وَبَيْتٍ وَأَشْرَفُهُ
٢٠ ‏/ ٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ﴾ فَكَرَّرَ إِذْ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: قَدْ يَكُونُ مُعْنَاهُمَا كَالْوَاحِدِ، كَقَوْلِكَ: ضَرَبْتُكَ إِذْ دَخَلْتَ عَلَيَّ إِذِ اجْتَرَأْتَ، فَيَكُونُ الدُّخُولُ هُوَ الِاجْتِرَاءُ، وَيَكُونُ أَنْ تَجْعَلَ إِحْدَاهَمَا عَلَى مَذْهَبِ لَمَّا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ لَمَّا دَخَلُوا، قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ لَمَّا فِي الْأَوَّلِ، فَإِذَا كَانَ لَمَّا أَوَّلًا أَوْ آخِرًا، فَهِيَ بَعْدَ صَاحِبَتِهَا، كَمَا تَقُولُ: أَعْطَيْتُهُ لَمَّا سَأَلَنِي، فَالسُّؤَالُ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ فِي تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ
٢٠ ‏/ ٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَفَزِعَ مِنْهُمْ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ الْقَائِلُ: وَمَا كَانَ وَجْهُ فَزَعِهِ مِنْهُمَا وَهُمَا خَصْمَانِ،
٢٠ ‏/ ٥٣
فَإِنَّ فَزَعَهُ مِنْهُمَا كَانَ لِدُخُولِهِمَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي كَانَ الْمُدْخِلُ عَلَيْهِ، فَرَاعَهُ دُخُولُهُمَا كَذَلِكَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: إِنَّ فَزَعَهُ كَانَ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَيْهِ لَيْلًا فِي غَيْرِ وَقْتِ نَظَرِهِ بَيْنَ النَّاسِ؛ قَالُوا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لَهُ الْخَصْمُ: لَا تَخَفْ يَا دَاوُدُ، وَذَلِكَ لَمَّا رَأَيَاهُ قَدِ ارْتَاعَ مِنْ دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهْرَ مِنَ الْكَلَامِ مِنْهُ، وَهُوَ مُرَافِعُ خَصْمَانِ، وَذَلِكَ نَحْنُ وَإِنَّمَا جَازَ تَرْكُ إِظْهَارِ ذَلِكَ مَعَ حَاجَةِ الْخَصْمَيْنِ إِلَى الْمُرَافِعِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿خَصْمَانِ﴾ [الحج: ١٩] فِعْلٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالْعَرَبُ تُضْمِرُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْمُكَلَّمِ وَالْمُخَاطَبِ مَا يَرْفَعُ أَفْعَالَهُمَا، وَلَا يَكَادُونَ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِهِمَا، فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ يُخَاطِبُونَهُ: أَمُنْطَلِقٌ يَا فُلَانُ، وَيَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ لِصَاحِبِهِ: أَحْسِنُ إِلَيْكَ وَتُجْمِلُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُكَلَّمِ، لِأَنَّهُمَا حَاضِرَانِ يَعْرِفُ السَّامِعُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ إِذَا حُذِفَ الِاسْمُ، وَأَكْثَرُ مَا يَجِيءُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ، فَيُقَالُ: أُجَالِسٌ رَاكِبٌ؟ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ خَصْمَانِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَقُولَا إِذَا جَاوَزْتُمَا أَرْضَ عَامِرٍ … وَجَاوَزْتُمَا الْحَيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعَمَا
٢٠ ‏/ ٥٤
نَزِيعَانِ مِنْ جَرْمِ بْنِ رَبَّانِ إِنَّهُمْ … أَبَوْا أَنْ يُمِيرُوا فِي الْهَزَاهِزِ مِحْجَمَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] تَقُولُ ابْنَةُ الْكَعْبِيِّ يَوْمَ لَقِيتُهَا … أَمْنُطَلِقٌ فِي الْجَيْشِ أَمْ مُتَثَاقِلُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مُحْسِنَةً فَهِيلِي وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ»، وَقَوْلُهُ: «جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» كُلُّ ذَلِكَ بِضَمِيرٍ رَفَعَهُ
٢٠ ‏/ ٥٥
وَقَوْلُهُ عز وجل ﴿بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ: تَعَدَّى أَحَدُنَا عَلَى صَاحِبِهِ ⦗٥٦⦘ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ: فَاقْضِ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ: وَلَا تَجُرْ، وَلَا تُسْرِفْ فِي حُكْمِكَ، بِالْمِيلِ مِنْكَ مَعَ أَحَدِنَا عَلَى صَاحِبِهِ وَفِيهِ لُغَتَانِ: أَشَطَّ، وَشَطَّ وَمِنَ الْإِشْطَاطِ قَوْلُ الْأَحْوَصِ:
[البحر الطويل] أَلَا يَا لِقَوْمِ قَدْ أَشَطَّتْ عَوَاذِلِي … وَيَزْعُمَنَّ أَنَّ أَوْدَى بِحَقِّي بَاطِلِي
وَمَسْمُوعٌ مِنْ بَعْضِهِمْ: شَطَطْتَ عَلَيَّ فِي السَّوْمِ فَأَمَّا فِي الْبُعْدِ فَإِنْ أَكْثَرَ كَلَامِهِمْ: شَطَّتِ الدَّارُ، فَهِيَ تَشِطُّ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المتقارب] تَشِطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا … وَالدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أَبْعَدُ
٢٠ ‏/ ٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ: وَأَرْشِدْنَا إِلَى قَصْدِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] «أَيْ لَا تَمَلُّ»
٢٠ ‏/ ٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٥٧⦘ السُّدِّيِّ ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ: «لَا تُحِفْ»
٢٠ ‏/ ٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] «تُخَالِفْ عَنِ الْحَقِّ» وَكَالَّذِي قُلْنَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] قَالُوا
٢٠ ‏/ ٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] «إِلَى عِدْلِهِ وَخَيْرِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] «إِلَى عَدْلِ الْقَضَاءِ»
٢٠ ‏/ ٥٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] قَالَ: «إِلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ: الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] تَذْهَبْ إِلَى غَيْرِهَا»
٢٠ ‏/ ٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] «أَيِ احْمِلْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَلَا تُخَالِفْ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣]⦗٥٨⦘ وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ الْخَصْمُ الْمُتَسَوِّرُونَ عَلَى دَاوُدَ مِحْرَابِهِ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَتْ لَهُ فِيمَا قِيلَ: تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَكَانَتْ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَغْزَاهُ حَتَّى قُتِلَ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَلَمَّا قُتِلَ نَكَحَ فِيمَا ذُكِرَ دَاوُدُ امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: إِنَّ هَذَا أَخِي يَقُولُ: أَخِي عَلَى دِينِي
٢٠ ‏/ ٥٧
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي﴾ [ص: ٢٣] «أَيْ عَلَى دِينِي» ﴿لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةً وَاحِدَةً﴾ [ص: ٢٣] وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَإِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أُنْثَى» وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ تَوْكِيدِ الْعَرَبِ الْكَلِمَةَ، كَقَوْلِهِمْ: هَذَا رَجُلٌ ذَكَرٌ، وَلَا يَكَادُونَ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ إِلَّا فِي الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ الَّذِي تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ فِي نَفْسِهِ كَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَالنَّاقَةُ، وَلَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ دَارٌ أُنْثَى، وَمِلْحَفَةٌ أُنْثَى، لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا فِي اسْمِهَا لَا فِي مَعْنَاهَا. وَقِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: أُنْثَى: أَنَّهَا حَسَنَةٌ
٢٠ ‏/ ٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أُنْثَى» يَعْنِي بِتَأْنِيثِهَا: حُسْنَهَا “
٢٠ ‏/ ٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا﴾ [ص: ٢٣] يَقُولُ: فَقَالَ لِي: انْزِلْ عَنْهَا لِي وَضُمَّهَا إِلَيَّ
٢٠ ‏/ ٥٩
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَكْفِلْنِيهَا﴾ [ص: ٢٣] قَالَ: «أَعْطِنِيهَا، طَلِّقْهَا لِي، أَنْكَحُهَا، وَخَلِّ سَبِيلَهَا»
٢٠ ‏/ ٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، فَقَالَ: ﴿أَكْفِلْنِيهَا﴾ [ص: ٢٣] «أَيِ احْمِلْنِي عَلَيْهَا»
٢٠ ‏/ ٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] يَقُولُ: وَصَارَ أَعَزَّ مِنِّي فِي مُخَاطَبَتِهِ إِيَّايَ، لِأَنَّهُ إِنْ تَكَلَّمَ فَهُوَ أَبْيَنُ مِنِّي، وَإِنْ بَطَشَ كَانَ أَشَدَّ مِنِّي فَقَهَرَنِي وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] قَالَ: «مَا زَادَ دَاوُدُ عَلَى أَنْ قَالَ: انْزِلْ لِي عَنْهَا»
٢٠ ‏/ ٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: انْزِلْ لِي عَنْهَا»
٢٠ ‏/ ٥٩
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: “مَا زَادَ دَاوُدُ عَلَى أَنْ قَالَ: ﴿أَكْفِلْنِيهَا﴾ [ص: ٢٣]
٢٠ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] قَالَ: “إِنْ دَعَوْتُ وَدَعَا كَانَ أَكْثَرَ، وَإِنْ بَطَشْتُ وَبَطَشَ كَانَ أَشَدَّ مِنِّي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣]
٢٠ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣]؛ «أَيْ ظَلَمَنِي وَقَهَرَنِي»
٢٠ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] قَالَ: «قَهَرَنِي، وَذَلِكَ الْعَزُّ؛ قَالَ: وَالْخِطَابُ: الْكَلَامُ»
٢٠ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] «أَيْ قَهَرَنِي فِي الْخِطَابِ، وَكَانَ أَقْوَى مِنِّي، فَحَازَ نَعْجَتِي إِلَى نِعَاجِهِ، وَتَرَكَنِي لَا شَيْءَ ⦗٦١⦘ لِي»
٢٠ ‏/ ٦٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] قَالَ: «إِنْ تَكَلَّمَ كَانَ أَبْيَنَ مِنِّي، وَإِنْ بَطَشَ كَانَ أَشَدَّ مِنِّي، وَإِنْ دَعَا كَانَ أَكْثَرَ مِنِّي»
٢٠ ‏/ ٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ دَاوُدُ لِلْخَصْمِ الْمُتَظَلِّمِ مِنْ صَاحِبِهِ: لَقَدْ ظَلَمَكَ صَاحِبُكَ بِسُؤَالِهِ نَعْجَتَكَ إِلَى نِعَاجِهِ؛ وَهَذَا مِمَّا حُذِفَتْ مِنْهُ الْهَاءُ فَأُضِيفَ بِسُقُوطِ الْهَاءِ مِنْهُ إِلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عز وجل: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ﴾ [فصلت: ٤٩] وَالْمَعْنَى: مِنْ دُعَائِهِ بِالْخَيْرِ، فَلَمَّا أُلْقِيَتِ الْهَاءُ مِنَ الدُّعَاءِ أُضِيفَ إِلَى الْخَيْرِ، وَأُلْقِيَ مِنَ الْخَيْرِ الْبَاءُ؛ وَإِنَّمَا كُنِيَ بِالنَّعْجَةِ هَاهُنَا عَنِ الْمَرْأَةِ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الكامل] قَدْ كُنْتُ رَائِدَهَا وَشَاةِ مُحَاذِرٍ … حَذَرًا يُقِلُّ بِعَيْنِهِ إِغْفَالَهَا
٢٠ ‏/ ٦١
يَعْنِي بِالشَّاةِ: امْرَأَةَ رَجُلٌ يُحَذِّرُ النَّاسَ عَلَيْهَا؛ وَإِنَّمَا يَعْنِي: لَقَدْ ظُلِمْتَ بِسُؤَالِ امْرَأَتِكَ الْوَاحِدَةِ إِلَى التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ نِسَائِهِ
٢٠ ‏/ ٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٤] يَقُولُ: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الشُّرَكَاءِ لَيَتَعَدَّى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الشعراء: ٢٢٧] بِاللَّهِ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَلَمْ يَتَجَاوَزُوهُ ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: ٢٤] وَفِي «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: ٢٤] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ صِلَةً بِمَعْنَى: وَقَلِيلٌ هُمْ، فَيَكُونُ إِثْبَاتُهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنَ الْكَلَامِ لَا يُفْسِدُ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْآخَرُ أَنْ تَكُونَ اسْمًا، وهُمْ صِلَةٌ لَهَا، بِمَعْنَى: وَقَلِيلٌ مَا تَجِدُهُمْ، كَمَا يُقَالُ: قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُكَ أَعْقَلَ مِمَّا أَنْتَ، فَتَكُونُ أَنْتَ صِلَةً لِمَا، وَالْمَعْنَى: كُنْتُ أَحْسِبُ عَقْلَكَ أَكْثَرَ مِمَّا هُوَ، فَتَكُونُ «مَا» وَالِاسْمُ مَصْدَرًا، وَلَوْ لَمْ تُرِدِ الْمَصْدَرَ لَكَانَ الْكَلَامُ بِمَنْ، لِأَنَّ مَنِ الَّتِي تَكُونُ لِلنَّاسِ وَأَشْبَاهِهِمْ، وَمَحْكِيٌّ عَنِ الْعَرَبِ: قَدْ كُنْتُ أَرَاكَ أَعْقَلَ مِنْكَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ غَيْرُ مَا هُوَ، بِمَعْنَى: كُنْتُ أُرَاهُ عَلَى غَيْرِ مَا رَأَيْتُ
٢٠ ‏/ ٦٢
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيٌّ قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، ⦗٦٣⦘ عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: ٢٤] يَقُولُ: «وَقَلِيلٌ الَّذِينَ هُمْ»
٢٠ ‏/ ٦٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: ٢٤] قَالَ: «قَلِيلٌ مَنْ لَا يَبْغِي» فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَقَلِيلٌ الَّذِينَ هُمْ كَذَلِكَ، بِمَعْنَى: الَّذِينَ لَا يَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِمَعْنَى: مَنْ
٢٠ ‏/ ٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ يَقُولُ: وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّمَا ابْتَلَيْنَاهُ
٢٠ ‏/ ٦٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ﴾ «عَلِمَ دَاوُدُ»
٢٠ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ قَالَ: «ظَنَّ أَنَّمَا ابْتُلِيَ بِذَاكَ»
٢٠ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ قَالَ: «ظَنَّ أَنَّمَا ابْتُلِيَ بِذَاكَ»
٢٠ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ «اخْتَبَرْنَاهُ» ⦗٦٤⦘ وَالْعَرَبُ تَوَجِّهُ الظَّنَّ إِذَا أَدْخَلَتْهُ عَلَى الْإِخْبَارِ كَثِيرًا إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الْعِيَانِ
٢٠ ‏/ ٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ﴾ [ص: ٢٤] يَقُولُ: فَسَأَلَ دَاوُدُ رَبَّهُ غُفْرَانَ ذَنْبِهِ ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا﴾ [ص: ٢٤] يَقُولُ: وَخَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ ﴿وَأَنَابَ﴾ [ص: ٢٤] يَقُولُ: وَرَجَعَ إِلَى رِضَا رَبِّهِ، وَتَابَ مِنْ خَطِيئَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الْبَلَاءِ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُدُ ﷺ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَذَكَّرَ مَا أَعْطَى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ الْبَاقِي لَهُمْ فِي النَّاسِ، فَتَمَنَّى مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمُ امْتَحَنُوا فَصَبَرُوا، فَسَأَلَ أَنْ يُبْتَلَى كَالَّذِي ابْتُلُوا، وَيُعْطَى كَالَّذِي أُعْطُوا إِنْ هُوَ صَبَرَ
٢٠ ‏/ ٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١] قَالَ: «إِنَّ دَاوُدَ قَالَ: يَا رَبِّ قَدْ أَعْطَيْتَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مِنَ الذِّكْرِ مَا لَوَدِدْتُ أَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي مِثْلَهُ، قَالَ اللَّهُ: إِنِّي ابْتَلَيْتُهُمْ بِمَا لَمْ أَبْتَلِكَ بِهِ، فَإِنْ شِئْتَ ابْتَلَيْتُكَ بِمِثْلِ مَا ابْتَلَيْتُهُمْ بِهِ، وَأَعْطَيْتُكَ كَمَا أَعْطَيْتُهُمْ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ: فَاعْمَلْ حَتَّى أَرَى بَلَاءَكَ؛ فَكَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، وَطَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَكَادَ أَنْ يَنْسَاهُ؛ فَبَيْنَا هُوَ فِي مِحْرَابِهِ، إِذْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَطَارَ إِلَى كَوَّةِ الْمِحْرَابِ، ⦗٦٥⦘ فَذَهَبَ لِيَأْخُذَهَا، فَطَارَتْ، فَاطَّلَعَ مِنَ الْكُوَّةِ، فَرَأَى امْرَأَةً تَغْتَسِلُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمِحْرَابِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَجَاءَتْهُ، فَسَأَلَهَا عَنْ زَوْجِهَا وَعَنْ شَأْنِهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا غَائِبٌ، فَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِ تِلْكَ السَّرِيَّةِ أَنْ يُؤَمِّرَهُ عَلَى السَّرَايَا لِيُهْلِكَ زَوْجَهَا، فَفَعَلَ، فَكَانَ يُصَابُ أَصْحَابُهُ وَيَنْجُو، وَرُبَّمَا نُصِرُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا رَأَى الَّذِي وَقَعَ فِيهِ دَاوُدُ، أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْقِذَهُ؛ فَبَيْنَمَا دَاوُدُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي مِحْرَابِهِ، إِذْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ الْخَصْمَانِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ؛ فَلَمَّا رَآهُمَا وَهُوَ يَقْرَأُ فَزِعَ وَسَكَتَ، وَقَالَ: لَقَدِ اسْتُضْعِفْتُ فِي مُلْكِي حَتَّى إِنَّ النَّاسَ يَتَسَوَّرُونَ عَلَيَّ مِحْرَابِي، قَالَا لَهُ: ﴿لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٢] وَلَمْ يَكُنْ لَنَا بُدٌّ مِنْ أَنْ نَأْتِيَكَ، فَاسْمَعْ مِنَّا؛ قَالَ أَحَدُهُمَا: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾ [ص: ٢٣] «أُنْثَى» ﴿وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا ٠٠﴾ [ص: ٢٣] يُرِيدُ أَنْ يُتَمِّمَ بِهَا مِائَةً، وَيَتْرُكَنِي لَيْسَ لِي شَيْءٌ ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] قَالَ: إِنْ دَعَوْتُ وَدَعَا كَانَ أَكْثَرَ، وَإِنْ بَطَشْتُ وَبَطَشَ كَانَ أَشَدَّ مِنِّي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] قَالَ لَهُ دَاوُدُ: أَنْتَ كُنْتَ أَحْوَجَ إِلَى نَعْجَتِكَ مِنْهُ ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤] . . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: ٢٤] وَنَسِيَ نَفْسَهُ ﷺ، فَنَظَرَ الْمَلَكَانِ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، فَتَبَسَّمَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، فَرَآهُ دَاوُدُ وَظَنَّ أَنَّمَا فُتِنَ ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص: ٢٤] أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، حَتَّى نَبَتَتِ الْخُضْرَةُ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ ⦗٦٦⦘ شَدَّدَ اللَّهُ لَهُ مُلْكَهُ»
٢٠ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١] قَالَ: «كَانَ دَاوُدُ قَدْ قَسَمَ الدَّهْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: يَوْمٌ يَقْضِي فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَوْمٌ يَخْلُو فِيهِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَيَوْمٌ يَخْلُو فِيهِ لِنِسَائِهِ؛ وَكَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَكَانَ فِيمَا يَقْرَأُ مِنَ الْكُتُبِ أَنَّهُ كَانَ يَجِدْ فِيهِ فَضْلَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ؛ فَلَمَّا وَجَدَ ذَلِكَ فِيمَا يَقْرَأُ مِنَ الْكُتُبِ قَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ آبَائِي الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي، فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ، وَافْعَلْ بِي مِثْلَ مَا فَعَلْتَ بِهِمْ، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ آبَاءَكَ ابْتُلُوا بِبَلَايَا لَمْ تُبْتَلَ بِهَا؛ ابْتُلِيَ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، وَابْتُلِيَ إِسْحَاقُ بِذِهَابِ بَصَرِهِ، وَابْتُلِيَ يَعْقُوبُ بِحُزْنِهِ عَلَى يُوسُفَ، وَإِنَّكَ لَمْ تُبْتَلَ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، قَالَ: يَا رَبِّ ابْتَلِنِي بِمِثْلِ مَا ابْتَلَيْتَهُمْ بِهِ، وَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ؛ قَالَ: فَأُوحِيَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ مُبْتَلًى فَاحْتَرِسْ؛ قَالَ: فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، إِذْ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ قَدْ تَمَثَّلَ فِي صُورَةِ حَمَامَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، حَتَّى وَقَعَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَمَدَّ يَدَهُ لِيَأْخُذَهُ، ⦗٦٧⦘ فَتَنَحَّى فَتَبِعَهُ، فَتَبَاعَدَ حَتَّى وَقَعَ فِي كَوَّةٍ، فَذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ، فَطَارَ مِنَ الْكُوَّةِ، فَنَظَرَ أَيْنَ يَقَعُ، فَيَبْعَثُ فِي أَثْرِهِ قَالَ: فَأَبْصَرَ امْرَأَةً تَغْتَسِلُ عَلَى سَطْحٍ لَهَا، فَرَأَى امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ خَلْقًا، فَحَانَتْ مِنْهَا الْتِفَاتَةٌ فَأَبْصَرَتْهُ، فَأَلْقَتْ شَعَرَهَا فَاسْتَتَرْتُ بِهِ، قَالَ: فَزَادَهُ ذَلِكَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَسَأَلَ عَنْهَا، فَأُخْبِرَ أَنَّ لَهَا زَوْجًا، وَأَنَّ زَوْجَهَا غَائِبٌ بِمُسَلَّحَةِ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى صَاحِبِ الْمُسَلَّحَةِ أَنْ يَبْعَثَ أُهْرِيَا إِلَى عَدُوِّ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَبَعَثَهُ، فَفَتَحَ لَهُ. قَالَ: وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا: أَنِ ابْعَثْهُ إِلَى عَدُوِّ كَذَا وَكَذَا، أَشَدُّ مِنْهُمْ بَأْسًا، قَالَ: فَبَعَثَهُ فَفَتَحَ لَهُ أَيْضًا قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى دَاوُدَ بِذَلِكَ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ ابْعَثْهُ إِلَى عَدُوِّ كَذَا وَكَذَا، فَبَعَثَهُ فَقُتِلَ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ، قَالَ: وَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: لَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مَلَكَيْنِ فِي صُورَةِ إِنْسِيَّيْنِ، فَطَلَبَا أَنْ يَدْخُلَا عَلَيْهِ، فَوَجَدَاهُ فِي يَوْمِ عِبَادَتِهِ، فَمَنَعَهُمَا الْحَرَسُ أَنْ يَدْخُلَا، فَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِ الْمِحْرَابَ، قَالَا: فَمَا شَعَرَ وَهُوَ يُصَلِّي إِذْ هُوَ بِهِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ جَالِسَيْنِ، قَالَ: فَفَزِعَ مِنْهُمَا، فَقَالَا: ﴿لَا تَخَفْ﴾ [ص: ٢٢] إِنَّمَا نَحْنُ ﴿خَصْمَانِ بَغَى بُعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] يَقُولُ: لَا تَحِفْ ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] إِلَى عَدْلِ الْقَضَاءِ. قَالَ: فَقَالَ: قُصَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص: ٢٣] فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ نَعْجَتِي، فَيُكَمِّلَ بِهَا نِعَاجَهُ مِائَةً قَالَ: فَقَالَ لِلْآخَرِ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: إِنَّ لِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ نَعْجَةً، وَلِأَخِي هَذَا نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ آخُذَهَا مِنْهُ، فَأُكْمِلَ بِهَا نِعَاجِي مِائَةً، قَالَ: ⦗٦٨⦘ وَهُوَ كَارِهٌ؟ قَالَ: وَهُوَ كَارِهٌ، قَالَ: وَهُوَ كَارِهٌ؟ قَالَ: إِذَنْ لَا نَدَعُكَ وَذَاكَ، قَالَ: مَا أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِقَادِرٍ، قَالَ: فَإِنْ ذَهَبْتَ تَرُومُ ذَلِكَ أَوْ تُرِيدُ، ضَرَبْنَا مِنْكَ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، وَفَسَّرَ أَسْبَاطٌ طَرَفَ الْأَنْفِ، وَأَصْلَ الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةَ؛ قَالَ: يَا دَاوُدُ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يُضْرَبَ مِنْكَ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، حَيْثُ لَكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً امْرَأَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْرِيَا إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ تُعَرِّضُهُ لِلْقَتْلِ حَتَّى قَتَلْتَهُ، وَتَزَوَّجْتَ امْرَأَتَهُ قَالَ: فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَعَرَفَ مَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ، وَمَا قَدِ ابْتُلِيَ بِهِ. قَالَ: فَخْرَ سَاجِدًا، قَالَ: فَبَكَى. قَالَ: فَمَكَثَ يَبْكِي سَاجِدًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ مِنْهَا، ثُمَّ يَقَعُ سَاجِدًا يَبْكِي، ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى نَبَتَ الْعُشْبُ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا: يَا دَاوُدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي وَأَنْتَ حَكَمٌ عَدْلٌ لَا تَحِيفُ فِي الْقَضَاءِ، إِذَا جَاءَكَ أُهْرِيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قِبَلِ عَرْشِكَ يَقُولُ: يَا رَبِّ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ قَالَ: فَأَوْحَى إِلَيْهِ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ دَعَوْتُ أُهْرِيَا فَأَسْتَوْهِبُكَ مِنْهُ، فَيَهِبُكَ لِي، فَأُثِيبُهُ بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: رَبِّ الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي، قَالَ: فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَمْلَأَ عَيْنَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ حَتَّى قُبِضَ ﷺ»
٢٠ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: ثني عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: «نَقْشَ دَاوُدُ خَطِيئَتَهُ فِي كَفِّهِ لِكَيْلَا يَنْسَاهَا، قَالَ: فَكَانَ إِذَا رَآهَا خُفِقَتْ يَدَهُ وَاضْطَرَبَتْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ لِعَارِضٍ كَانَ عَرَضَ فِي نَفْسِهِ مِنْ ظَنٍّ أَنَّهُ يَطِيقُ أَنْ يَتِمَّ يَوْمًا لَا يُصِيبُ فِيهِ حُوبَةً، فَابْتُلِيَ بِالْفِتْنَةِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي طَمَعَ فِي نَفْسِهِ بِإِتْمَامِهِ بِغَيْرِ إِصَابَةِ ذَنْبٍ
٢٠ ‏/ ٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «إِنَّ دَاوُدَ جَزَّأَ الدَّهْرَ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ: يَوْمًا لِنِسَائِهِ، وَيَوْمًا لِعِبَادَتِهِ، وَيَوْمًا لِقَضَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَوْمًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يُذَاكِرُهُمْ وَيُذَاكِرُونَهُ، وَيُبْكِيهُمْ وَيُبْكُونَهُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: ذَكَرُوا فَقَالُوا: هَلْ يَأْتِي عَلَى الْإِنْسَانِ يَوْمٌ لَا يُصِيبُ فِيهِ ذَنْبًا؟ فَأَضْمَرَ دَاوُدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ سَيَطِيقُ ذَلِكَ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عِبَادَتِهِ، أَغْلَقَ أَبْوَابَهُ، وَأَمَرَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَكَبَّ عَلَى التَّوْرَاةِ؛ فَبَيْنَمَا هُوَ يَقْرَؤُهَا، فَإِذَا حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ حَسَنٍ، قَدْ وَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا لِيَأْخُذَهَا، قَالَ: فَطَارَتْ، فَوَقَعَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُؤْيِسَهُ مِنْ نَفْسِهَا، قَالَ: فَمَا زَالَ يَتْبَعُهَا حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى امْرَأَةٍ ⦗٧٠⦘ تَغْتَسِلُ، فَأَعْجَبَهُ خَلْقُهَا وَحُسْنُهَا؛ قَالَ: فَلَمَّا رَأَتْ ظِلَّهُ فِي الْأَرْضِ، جَلَّلَتْ نَفْسَهَا بِشَعْرِهَا، فَزَادَهُ ذَلِكَ أَيْضًا إِعْجَابًا بِهَا، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ زَوْجَهَا عَلَى بَعْضِ جُيُوشِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، مَكَانٍ إِذَا سَارَ إِلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ، قَالَ: فَفَعَلَ، فَأُصِيبَ فَخَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا إِنَّهَا أُمُّ سُلَيْمَانَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الْمِحْرَابِ، إِذْ تَسَوَّرَ الْمَلَكَانِ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْخَصْمَانِ إِذَا أَتَوْهُ يَأْتُونَهُ مِنْ بَابِ الْمِحْرَابِ، فَفَزِعَ مِنْهُمْ حِينَ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ، فَقَالُوا: ﴿لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٢] . . حَتَّى بَلَغَ ﴿وَلَا تُشْطِطْ﴾ [ص: ٢٢] أَيْ لَا تَمَلَّ ﴿وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] أَيْ أَعْدَلِهِ وَخَيْرِهِ ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾ [ص: ٢٣] وَكَانَ لِدَاوُدَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً ﴿وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص: ٢٣] قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣] أَيْ: ظَلَمَنِي وَقَهَرَنِي، فَقَالَ: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ﴾ [ص: ٢٤] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ﴾ فَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّمَا صَمَدَ لَهُ: أَيْ عَنَى بِهِ ذَلِكَ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ قَالَ: وَكَانَ فِي حَدِيثِ مَطَرِ، أَنَّهُ سَجَدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ، قَالَ: رَبِّ وَكَيْفَ تَغْفِرُ لِي وَأَنْتَ حَكَمٌ عَدْلٌ، لَا تَظْلِمُ أَحَدًا؟ قَالَ: إِنِّي أَقْضِيكَ لَهُ، ثُمَّ اسْتَوْهِبُهُ دَمَكَ أَوْ ذَنْبَكَ، ثُمَّ أُثِيبُهُ حَتَّى يَرْضَى، قَالَ: الْآنَ طَابَتْ نَفْسِي، وَعَلِمْتُ أَنَّكَ قَدْ غَفَرْتَ لِي»
٢٠ ‏/ ٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: «لَمَّا اجْتَمَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى دَاوُدَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الزَّبُورَ، وَعَلَّمَهُ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ، فَأَلَانَهُ لَهُ، وَأَمَرَ الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ أَنْ يُسَبِّحْنَ مَعَهُ إِذَا سَبَّحَ، وَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ فِيمَا يَذْكُرُونَ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ مِثْلَ صَوْتِهِ، كَانَ إِذَا قَرَأَ الزَّبُورَ فِيمَا يَذْكُرُونَ تَدْنُو لَهُ الْوحُوشُ حَتَّى يَأْخُذَ بِأَعْنَاقِهَا، وَإِنَّهَا لَمُصِيخَةٌ تَسْمَعُ لِصَوْتِهِ، وَمَا صَنَعَتِ الشَّيَاطِينُ الْمَزَامِيرَ وَالْبَرَابِطَ وَالصُّنُوجَ، إِلَّا عَلَى أَصْنَافِ صَوْتِهِ، وَكَانَ شَدِيدَ الِاجْتِهَادِ دَائِبَ الْعِبَادَةِ، فَأَقَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَحْكُمُ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ نَبِيًّا مُسْتَخْلِفًا، وَكَانَ شَدِيدَ الِاجْتِهَادِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَثِيرَ الْبُكَاءِ، ثُمَّ عَرَضَ مِنْ فِتْنَةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مَا عَرَضَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ مِحْرَابٌ يَتَوَحَّدُ فِيهِ لِتِلَاوَةِ الزَّبُورِ، وَلِصَلَاتِهِ إِذَا صَلَّى، وَكَانَ أَسْفَلَ مِنْهُ جُنَيْنَةٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمَرْأَةٌ الَّتِي أَصَابَ دَاوُدُ فِيهَا مَا أَصَابَهُ»
٢٠ ‏/ ٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ” أَنَّ دَاوُدَ، حِينَ دَخَلَ مِحْرَابَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، قَالَ: لَا يَدْخُلَنَّ ⦗٧٢⦘ عَلَيَّ مِحْرَابِيَ الْيَوْمَ أَحَدٌ حَتَّى اللَّيْلِ، وَلَا يَشْغَلُنِي شَيْءٌ عَمَّا خَلَوْتُ لَهُ حَتَّى أُمْسِي؛ وَدَخَلَ مِحْرَابَهُ، وَنَشَرَ زَبُورَهُ يَقْرَؤُهُ وَفِي الْمِحْرَابِ كَوَّةٌ تُطْلِعُهُ عَلَى تِلْكَ الْجُنَيْنَةِ، فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ زَبُورَهُ، إِذْ أَقْبَلَتْ حَمَامَةٌ مِنْ ذَهَبٍ حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْكُوَّةِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَرَآهَا، فَأَعْجَبَتْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا كَانَ قَالَ: لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَمَّا دَخَلَ لَهُ، فَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى زَبُورِهِ، فَتَصَوَّبَتِ الْحَمَامَةُ لِلْبَلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ مِنَ الْكُوَّةِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَتَنَاوَلَهَا بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَاتَّبَعَهَا، فَنَهَضَتْ إِلَى الْكُوَّةِ، فَتَنَاوَلَهَا فِي الْكُوَّةِ، فَتَصَوَّبَتْ إِلَى الْجُنَيْنَةِ، فَأَتْبَعَهَا بَصَرَهُ أَيْنَ تَقَعُ، فَإِذَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ تَغْتَسِلُ بِهَيْئَةٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ وَالْخَلْقِ؛ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُ نَقَضَتْ رَأْسَهَا فَوَارَتْ بِهِ جَسَدَهَا مِنْهُ، وَاخْتَطَفَتْ قَلْبَهُ، وَرَجَعَ إِلَى زَبُورِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَهِيَ مِنْ شَأْنِهِ لَا يُفَارِقُ قَلْبَهُ ذِكْرُهَا وَتَمَادَى بِهِ الْبَلَاءُ حَتَّى أَغْزَى زَوْجَهَا، ثُمَّ أَمَرَ صَاحِبَ جَيْشِهِ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ يُقَدِّمَ زَوْجَهَا لِلْمَهَالِكِ حَتَّى أَصَابَهُ بَعْضُ مَا أَرَادَ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَلِدَاوُدَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً؛ فَلَمَّا أُصِيبَ زَوْجُهَا خَطَبَهَا دَاوُدُ، فَنَكَحَهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ مَلَكَيْنِ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ، مَثَلًا يَضْرِبُهُ لَهُ وَلِصَاحِبِهِ، فَلَمْ يُرَعْ دَاوُدُ إِلَّا بِهِمَا وَاقِفَيْنِ عَلَى رَأْسِهِ فِي مِحْرَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَدْخَلَكُمَا عَلَيَّ؟ قَالَا: لَا تَخَفْ لَمْ نَدْخُلْ لِبَأْسٍ وَلَا لِرِيبَةٍ ﴿خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٢] فَجِئْنَاكَ لِتَقْضِيَ بَيْنَنَا ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ﴾ [ص: ٢٢] أَيِ احْمِلْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَلَا تُخَالِفْ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ؛ قَالَ الْمَلَكُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَنْ أُورِيَا بْنِ حَنَانِيَا زَوْجِ الْمَرْأَةِ: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي﴾ [ص: ٢٣] أَيْ عَلَى دِينِي ﴿لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا﴾ [ص: ٢٣] أَيِ احْمِلْنِي عَلَيْهَا، ثُمَّ عَزَّنِي فِي الْخِطَابِ: أَيْ قَهَرَنِي فِي الْخِطَابِ، وَكَانَ أَقْوَى مِنِّي هُوَ وَأَعَزَّ، فَحَازَ نَعْجَتِي إِلَى نِعَاجِهِ ⦗٧٣⦘ وَتَرَكَنِي لَا شَيْءَ لِي؛ فَغَضِبَ دَاوُدُ، فَنَظَرَ إِلَى خَصْمِهِ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ صَدَقَنِي مَا يَقُولُ، لَأَضْرِبَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْكَ بِالْفَأْسِ ثُمَّ ارْعَوَى دَاوُدُ، فَعَرَفَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرَادُ بِمَا صَنَعَ فِي امْرَأَةِ أُورِيَا، فَوَقَعَ سَاجِدًا تَائِبًا مُنِيبًا بَاكِيًا، فَسَجَدَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا صَائِمًا لَا يَأْكُلُ فِيهَا وَلَا يَشْرَبُ، حَتَّى أَنَبَتْ دَمْعُهُ الْخُضَرَ تَحْتَ وَجْهِهِ، وَحَتَّى أَنْدَبَ السُّجُودُ فِي لَحْمِ وَجْهِهِ، فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ مِنْهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ قَالَ: أَيْ رَبَّ هَذَا غَفَرْتَ مَا جَنَيْتُ فِي شَأْنِ الْمَرْأَةِ، فَكَيْفَ بِدَمِ الْقَتِيلِ الْمَظْلُومِ؟ قِيلَ لَهُ: يَا دَاوُدُ، فِيمَا زَعَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ، أَمَا إِنَّ رَبَّكَ لَمْ يَظْلِمْهُ بِدَمِهِ، وَلَكِنَّهُ سَيَسْأَلُهُ إِيَّاكَ فَيُعْطِيهِ، فَيَضَعُهُ عَنْكَ؛ فَلَمَّا فَرَّجَ عَنْ دَاوُدَ مَا كَانَ فِيهِ، رَسَمَ خَطِيئَتَهُ فِي كَفِّهِ الْيُمْنَى بَطْنَ رَاحَتِهِ، فَمَا رَفَعَ إِلَى فِيهِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَطُّ إِلَّا بَكَى إِذَا رَآهَا، وَمَا قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاسِ قَطُّ إِلَّا نَشَرَ رَاحَتَهُ، فَاسْتَقْبَلَ بِهَا النَّاسَ لِيَرَوْا رَسْمَ خَطِيئَتِهِ فِي يَدِهِ
٢٠ ‏/ ٧١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، يَذْكُرُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَمَّا أَصَابَ دَاوُدُ الْخَطِيئَةَ خَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى نَبَتَ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ مِنَ الْبَقْلِ مَا غَطَّى رَأْسَهُ؛ ثُمَّ نَادَى: رَبِّ قَرُحَ الْجَبِينُ، وَجَمَدَتِ الْعَيْنُ، وَدَاوُدُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ فِي خَطِيئَتِهِ شَيْءٌ، فَنُودِيَ: أَجَائِعٌ فَتُطْعَمُ، أَمْ مَرِيضٌ فَتُشْفَى، أَمْ مَظْلُومٌ فَيُنْتَصَرُ لَكَ؟ قَالَ: فَنَحَبَ نَحْبَةً هَاجَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ نَبَتَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ غُفِرَ لَهُ وَكَانَتْ خَطِيئَتُهُ مَكْتُوبَةً بِكَفِّهِ يَقْرَءُوهَا، وَكَانَ يُؤْتَى بِالْإِنَاءِ لِيَشْرَبَ فَلَا يَشْرَبُ إِلَّا ثُلُثَهُ أَوْ نِصْفَهُ، وَكَانَ يَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، فَيَنْحَبُ النَّحْبَةَ تَكَادُ مَفَاصِلُهُ تَزُولُ بَعْضُهَا مِنْ ⦗٧٤⦘ بَعْضٍ، ثُمَّ مَا يُتِمُّ شَرَابَهُ حَتَّى يَمْلَأَهُ مِنْ دُمُوعِهِ» وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ دَمْعَةَ دَاوُدَ تَعْدِلُ دَمْعَةَ الْخَلَائِقِ، وَدَمْعَةَ آدَمَ تَعْدِلُ دَمْعَةَ دَاوُدَ وَدَمْعَةَ الْخَلَائِقِ، قَالَ: فَهُوَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، خَطِيئَتُهُ مَكْتُوبَةٌ بِكَفِّهِ، فَيَقُولُ: رَبِّ ذَنْبِي ذَنْبِي قَدِّمْنِي، قَالَ: فَيُقَدَّمُ فَلَا يَأْمَنُ فَيَقُولُ: رَبِّ أَخِّرْنِي فَيُؤَخَّرُ فَلَا يَأْمَنُ “
٢٠ ‏/ ٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ نَظَرَ إِلَى الْمَرْأَةِ فَأَهَمَّ، قَطَعَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْصَى صَاحِبَ الْبَعْثِ، فَقَالَ: إِذَا حَضَرَ الْعَدُوُّ فَقَرِّبْ فُلَانًا بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ، وَكَانَ التَّابُوتُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسْتَنْصَرُ بِهِ، مَنْ قُدِّمَ بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَنْهَزِمَ عَنْهُ الْجَيْشُ، فَقُتِلَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ وَنَزَلَ الْمَلَكَانِ عَلَى دَاوُدَ يَقُصَانِ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ، فَفَطِنَ دَاوُدُ فَسَجَدَ، فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاجِدًا حَتَّى نَبَتَ الزَّرْعُ مِنْ دُمُوعِهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَكَلَتِ الْأَرْضُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ» فَلَمْ أَحْصِ مِنَ الرَّقَاشِيِّ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: “رَبِّ زَلَّ دَاوُدُ زَلَّةً أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، إِنْ لَمْ تَرْحَمْ ضَعْفَ دَاوُدَ وَتَغْفِرْ ذَنْبَهُ، جَعَلْتَ ذَنْبَهُ حَدِيثًا فِي
٢٠ ‏/ ٧٤

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …