سُورَةُ الشُّورَى

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٠ ‏/ ٤٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حَم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الشورى: ٢] قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعَانِي حُرُوفِ الْهِجَاءِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا أَوَائِلُ مَا افْتُتِحَ بِهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَبَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ نَظِيرَةَ الْمَاضِيَةِ مِنْهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ حُذَيْفَةَ فِي مَعْنَى هَذِهِ خَاصَّةً قَوْلًا
٢٠ ‏/ ٤٦٤
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ الْحَوْطِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْحِمْصِيُّ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: أَخْبِرْنِي عَنْ تَفْسِيرِ، قَوْلِ اللَّهِ: ﴿حَم عسق﴾ [الشورى: ٢] قَالَ: فَأَطْرَقَ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ كَرَّرَ، مَقَالَتَهُ فَأَعْرَضَ، فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ وَكَرِهَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ كَرَّرَهَا الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُجِبْهُ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: «أَنَا أُنَبِّئُكَ بِهَا، قَدْ عَرَفْتُ بِمَ كَرِهَهَا، نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْإِلَهِ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ يَنْزِلُ عَلَى نَهْرٍ مِنْ أَنْهَارِ الْمَشْرِقِ، تُبْنَى عَلَيْهِ مَدِينَتَانِ يَشُقُّ النَّهْرُ بَيْنَهُمَا شَقًّا، فَإِذَا ⦗٤٦٥⦘ أَذِنَ اللَّهُ فِي زَوَالِ مُلْكِهِمْ، وَانْقِطَاعِ دَوْلَتِهِمْ وَمُدَّتِهِمْ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَى إِحْدَاهُمَا نَارًا لَيْلًا، فَتُصْبِحُ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً قَدِ احْتَرَقَتْ، كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَكَانَهَا، وَتُصْبِحُ صَاحِبَتُهَا مُتَعَجِّبَةً، كَيْفَ أَفْلَتَتْ، فَمَا هُوَ إِلَّا بَيَاضُ يَوْمِهَا ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهَا وَبِهِمْ جَمِيعًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿حم عسق﴾ [الشورى: ١] يَعْنِي: عَزِيمَةً مِنَ اللَّهِ وَفِتْنَةً وَقَضَاءً حُمَّ، عَيْنْ: يَعْنِي عَدْلًا مِنْهُ، سِينْ: يَعْنِي سَيَكُونُ، وَقافْ: يَعْنِي وَاقِعٌ بِهَاتَيْنِ الْمَدِينَتَيْنِ «وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهُ» حم سق» بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَيَقُولُ: إِنَّ السِّينَ: عُمْرُ كُلِّ فِرْقَةٍ كَائِنَةٍ، وَإِنَّ الْقَافَ: كُلُّ جَمَاعَةٍ كَائِنَةٍ وَيَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا كَانَ يَعْلَمُ الْعَيْنَ بِهَا وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ مِنْ غَيْرِ عَيْنٍ
٢٠ ‏/ ٤٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الشورى: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَكَذَا يُوحِي إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَقِيلَ: إِنَّ حم عَيْنْ سِينْ قَ أُوحِيَتْ إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ بُعِثَ، كَمَا أُوحِيَتْ إِلَى نَبِيِّنَا ﷺ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ﴾ [الشورى: ٣] فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ ﴿الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ
٢٠ ‏/ ٤٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّهِ مَلْكُ ﴿مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ [البقرة: ٢٥٥] يَقُولُ: وَهُوَ ذُو عُلُوٍّ وَارْتِفَاعٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا دُونَهُ، لِأَنَّهُمْ فِي سُلْطَانِهِ، جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ قُدْرَتُهُ، مَاضِيَةٌ فِيهِمْ مَشِيئَتُهُ ﴿الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ١٠٥] الَّذِي لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْجَبْرِيَّةُ
٢٠ ‏/ ٤٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَشَقَّقْنَ مِنْ فَوْقِ الْأَرَضِينَ مِنْ عَظَمَةِ الرَّحْمَنِ وَجَلَالِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ قَالَ: «يَعْنِي مِنْ ثِقَلِ الرَّحْمَنِ وَعَظَمَتِهِ تبارك وتعالى»
٢٠ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ أَيْ «مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ» ⦗٤٦٧⦘ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٢٠ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾ قَالَ: «يَتَشَقَّقْنَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: ١٨] قَالَ: مُنْشَقٌّ بِهِ»
٢٠ ‏/ ٤٦٧
حُدَّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ [الشورى: ٥] يَقُولُ: «يَتَصَدَّعْنَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ»
٢٠ ‏/ ٤٦٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ الطُّوسِيُّ قَالَ: ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى كَعْبٍ، فَقَالَ: يَا كَعْبُ أَيْنَ رَبُّنَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: دَقَّ اللَّهُ تَعَالَى، أَفَتَسْأَلُ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ كَعْبٌ: «دَعُوهُ، فَإِنْ يَكُ عَالِمًا ازْدَادَ، وَإِنْ يَكُ جَاهِلًا تَعَلَّمَ سَأَلْتَ أَيْنَ رَبُّنَا، وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ الْعَظِيمِ مُتَّكِئٌ، وَاضِعُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَمَسَافَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، وَمِنَ الْأَرْضِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسُ مِئَةِ سَنَةٍ، وَكَثَافَتُهَا خَمْسُ مِئَةِ سَنَةٍ، حَتَّى تَمَّ سَبْعَ أَرَضِينَ، ثُمَّ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ ⦗٤٦٨⦘ سَنَةٍ، وَكَثَافَتُهَا خَمْسُ مِئَةِ سَنَةٍ، وَاللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ مُتَّكِئٌ، ثُمَّ تُفْطَرُ السَّمَاوَاتُ» ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ: «اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ الْآيَةَ»
٢٠ ‏/ ٤٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ وَشُكْرِهِمْ لَهُ مِنْ هَيْبَةِ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ
٢٠ ‏/ ٤٦٨
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٥] قَالَ: «وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ لَهُ مِنْ عَظَمَتِهِ»
٢٠ ‏/ ٤٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥] يَقُولُ: وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ
٢٠ ‏/ ٤٦٨
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٥] قَالَ: «لِلْمُؤْمِنِينَ» يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ لِذُنُوبِ مُؤْمِنِي عِبَادِهِ، الرَّحِيمُ بِهِمْ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْهَا “
٢٠ ‏/ ٤٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الشورى: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ [التوبة: ١٠٧] يَا مُحَمَّدُ مِنْ ⦗٤٦٩⦘ مُشْرِكِي قَوْمِكَ ﴿مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الأعراف: ٣] آلِهَةً يَتَوَلَّوْنَهَا وَيَعْبُدُونَهَا ﴿اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ﴾ [الشورى: ٦] يُحْصِي عَلَيْهِمْ أَفْعَالَهُمْ، وَيَحْفَظُ أَعْمَالَهُمْ، لِيُجَازِيهِمْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَزَاءَهُمْ ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام: ١٠٧] يَقُولُ: وَلَسْتَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ بِالْوَكِيلِ عَلَيْهِمْ بِحِفْظِ أَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ، فَبَلِّغْهُمْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ
٢٠ ‏/ ٤٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَكَذَا ﴿أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٣] يَا مُحَمَّدُ ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: ٢] بِلِسَانِ الْعَرَبِ، لِأَنَّ الَّذِينَ أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ قَوْمٌ عَرَبٌ، فَأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، لِيَفْهَمُوا مَا فِيهِ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ وَذِكْرِهِ، لَأَنَّا لَا نُرْسِلُ رَسُولًا إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ [الشورى: ٧] وَهِيَ مَكَّةُ ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢] يَقُولُ: وَمَنْ حَوْلَ أُمِّ الْقُرَى مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ [الشورى: ٧] قَالَ: «مَكَّةُ»
٢٠ ‏/ ٤٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ﴾ [الشورى: ٧] يَقُولُ عز وجل: وَتُنْذِرَ عِقَابَ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجَمْعِ عِبَادَهُ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ وَالْعَرْضِ وَقِيلَ: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ، وَالْمَعْنَى: ⦗٤٧٠⦘ وَتُنْذِرُهُمْ يَوْمَ الْجَمْعِ، كَمَا قِيلَ: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ، وَالْمَعْنَى: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ﴾ [الشورى: ٧] قَالَ: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] يَقُولُ: لَا شَكَّ فِيهِ
٢٠ ‏/ ٤٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] يَقُولُ: مِنْهُمْ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاتَّبَعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ ﴿وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] يَقُولُ: وَمِنْهُمْ فَرِيقٌ فِي الْمُوقَدَةِ مِنْ نَارِ اللَّهِ الْمَسْعُورَةِ عَلَى أَهْلِهَا، وَهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، وَخَالَفُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُهُ
٢٠ ‏/ ٤٧٠
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» فَقُلْنَا: لَا، إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ»، ثُمَّ أُجْمِلَ، عَلَى آخِرِهِمْ، «فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا، وَهَذَا كِتَابُ أَهْلِ النَّارِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ»، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ، «فَلَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا» قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: فَفِيمَ ⦗٤٧١⦘ إِذَنْ نَعْمَلُ إِنْ كَانَ هَذَا أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَلْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ، وَصَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ، فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا: «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْخَلْقِ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَلِمَ نَعْمَلُ وَنَنْصَبُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْعَمَلُ إِلَى خَوَاتِمِهِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، أَنَّ أَبَا فِرَاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ نَفَضَهُ نَفْضَ الْمِزْوَدِ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ، فَخَرَجَ أَمْثَالُ النَّغَفِ، فَقَبَضَهُمْ قَبْضَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: شَقِيُّ وَسَعِيدٌ، ثُمَّ أَلْقَاهُمَا، ثُمَّ قَبَضَهُمَا فَقَالَ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧]»
٢٠ ‏/ ٤٧١
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي شَبُّوَيْهِ، حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ حُجَيْرَةَ، أَنَّهُ ⦗٤٧٢⦘ بَلَغَهُ أَنَّ مُوسَى قَالَ: «يَا رَبِّ خَلْقُكَ الَّذِينَ خَلَقْتَهُمْ، جَعَلْتَ مِنْهُمْ فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقًا فِي السَّعِيرِ، لَوْمَا أَدْخَلْتَهُمْ كُلَّهُمُ الْجَنَّةَ قَالَ»: يَا مُوسَى ارْفَعْ زَرْعَكَ، فَرَفَعَ قَالَ: قَدْ رَفَعْتُ قَالَ: ارْفَعْ، فَرَفَعَ، فَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا قَالَ: يَا رَبِّ قَدْ رَفَعْتُ قَالَ: ارْفَعْ قَالَ: قَدْ رَفَعْتُ إِلَّا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ قَالَ: كَذَلِكَ أُدْخِلُ خَلْقِي كُلَّهُمُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَا لَا خَيْرَ فِيهِ ” وَقِيلَ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] فَرَفَعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشورى: ٧] بِالنَّصْبِ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الِابْتِدَاءُ، كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُ الْعَسْكَرَ مَقْتُولٌ أَوْ مُنْهَزِمٌ، بِمَعْنَى: مِنْهُمْ مَقْتُولٌ، وَمِنْهُمْ مُنْهَزِمٌ
٢٠ ‏/ ٤٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِّنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَ خَلْقَهُ عَلَى هُدًى، وَيَجْعَلَهُمْ عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ، وَ﴿لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الشورى: ٨] يَقُولُ: أَهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَجَمَاعَةً مُجْتَمِعَةً عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ ﴿وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [الشورى: ٨] يَقُولُ: لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ يَدْخُلُ مَنْ يَشَاءُ، مِنْ عِبَادِهِ فِي رَحْمَتِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُدْخِلُهُ فِي رَحْمَتِهِ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُ لِلدُّخُولِ فِي دِينِهِ، الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ ﴿وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: ٨] . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَ خَلْقَهُ عَلَى هُدًى، وَيَجْعَلَهُمْ عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ، وَ﴿لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الشورى: ٨] يَقُولُ: أَهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَجَمَاعَةً مُجْتَمِعَةً عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ ﴿وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ [الشورى: ٨] يَقُولُ: لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ يَدْخُلُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فِي رَحْمَتِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ يُدْخِلُهُ فِي رَحْمَتِهِ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُ لِلدُّخُولِ فِي دِينِهِ، الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ ﴿وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: ٨] يَقُولُ: وَالْكَافِرُونَ بِاللَّهِ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ يَتَوَلَّاهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا نَصَيرٌ يَنْصُرُهُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ حِينَ يُعَاقِبُهُمْ، فَيُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ، وَيَقْتَصُّ لَهُمْ مِمَّنْ عَاقَبَهُمْ، وَإِنَّمَا قِيلَ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَسْلِيَةً لَهُ عَمَّا كَانَ يَنَالُهُ مِنَ الْهَمِّ بِتَوْلِيَةِ قَوْمِهِ عَنْهُ، وَأَمْرًا لَهُ بِتَرْكِ إِدْخَالِ الْمَكْرُوهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَجْلِ إِدْبَارِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، وَإِعْلَامًا لَهُ أَنَّ أُمُورَ عِبَادِهِ
٢٠ ‏/ ٤٧٢
بِيَدِهِ، وَأَنَّهُ الْهَادِي إِلَى الْحَقِّ مَنْ شَاءَ، وَالْمُضِلُّ مَنْ أَرَادَ دُونَهُ، وَدُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ
٢٠ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمِ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَتَوَلَّوْنَهُمْ ﴿فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ﴾ [الشورى: ٩] يَقُولُ: فَاللَّهُ هُوَ وَلِيُّ أَوْلِيَائِهِ، وَإِيَّاهُ فَلْيَتَّخِذُوا وَلِيًّا لَا الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ، وَلَا مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴿وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [الشورى: ٩] يَقُولُ: وَاللَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِمْ، فَيَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٢٠] يَقُولُ: وَاللَّهُ الْقَادِرُ عَلَى إِحْيَاءِ خَلْقِهِ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِمْ وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، إِنَّهُ ذُو قُدْرَةٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
٢٠ ‏/ ٤٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَتَنَازَعْتُمْ بَيْنَكُمْ، فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَكُمْ وَيَفْصِلُ فِيهِ الْحُكْمَ
٢٠ ‏/ ٤٧٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٠] قَالَ ابْنُ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ: «فَهُوَ يَحْكُمُ فِيهِ»، وَقَالَ الْحَارِثُ: «فَاللَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [الشورى: ١٠] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ ⦗٤٧٤⦘ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ هَذَا الَّذِي هَذِهِ الصِّفَاتِ صِفَاتُهُ رَبِّي، لَا آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ، الَّتِي لَا تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [التوبة: ١٢٩] فِي أُمُورِي، وَإِلَيْهِ فَوَّضْتُ أَسْبَابِي، وَبِهِ وَثِقْتُ ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ فِي أُمُورِي وَأَتُوبُ مِنْ ذُنُوبِي
٢٠ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
٢٠ ‏/ ٤٧٤
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِ
٢٠ ‏/ ٤٧٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: ﴿فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «خَالِقُ»
٢٠ ‏/ ٤٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النحل: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: زَوَّجَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] لِأَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ، فَهُوَ مِنَ الرِّجَالِ ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا﴾ [الشورى: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا مِنَ الضَّأْنِ اثَنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثَنَيْنِ، وَمِنَ الْإِبِلِ اثَنَيْنِ، وَمِنَ الْبَقَرِ اثَنَيْنِ، ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَمِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ ذَلِكَ ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] يَقُولُ: يَخْلُقُكُمْ فِيمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ، وَيُعِيشُكُمْ فِيمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ⦗٤٧٥⦘ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَخْلُقُكُمْ فِيهِ
٢٠ ‏/ ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] قَالَ: «نَسْلٌ بَعْدَ نَسْلٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: ﴿يَذْرَؤُكُمْ﴾ [الشورى: ١١] قَالَ: «يَخْلُقُكُمْ»
٢٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] قَالَ: «نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] قَالَ: «يَخْلُقُكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: يُعِيشُكُمْ فِيهِ
٢٠ ‏/ ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ ⦗٤٧٦⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] يَقُولُ: «يَجْعَلُ لَكُمْ فِيهِ مَعِيشَةً تَعِيشُونَ بِهَا»
٢٠ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] قَالَ: «يُعِيشُكُمْ فِيهِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ [الشورى: ١١] قَالَ: «عَيْشٌ مِنَ اللَّهِ يُعِيشُكُمْ فِيهِ» وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ مِنْ قَائِلِيهِمَا فَقَدْ يَحْتَمِلُ تَوْجِيهُهُمَا إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ فِي مَعْنَاهُ يُعِيشُكُمْ فِيهِ، أَرَادَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ: يُحْيِيكُمْ بِعَيْشِكُمْ بِهِ كَمَا يُحْيِي مَنْ لَمْ يَخْلُقْ بِتَكْوِينِهِ إِيَّاهُ، وَنَفْخِهِ الرُّوحَ فِيهِ حَتَّى يَعِيشَ حَيًّا وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى ذَرْءِ اللَّهِ الْخَلْقَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ
٢٠ ‏/ ٤٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ، وَأَدْخَلَ الْمِثْلَ فِي الْكَلَامِ تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ إِذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ بِهِ وَبِالْكَافِ، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا قِيلَ:
مَا إِنْ نَدِيتَ بِشَيْءٍ أَنْتَ تَكْرَهُهُ
٢٠ ‏/ ٤٧٦
فَأَدْخَلَ عَلَى «مَا» وَهِيَ حَرْفُ جَحْدٍ «إِنْ» وَهِيَ أَيْضًا حَرْفُ جَحْدٍ، لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ بِهِمَا، وَإِنِ اتَّفَقَ مَعْنَاهُمَا تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ، وَكَمَا قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ:
وَقَتْلَى كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّخِيلِ … تَغَشَّاهُمُ مُسْبِلٌ مُنْهَمِرْ
وَمَعْنَى ذَلِكَ: كَجُذُوعِ النَّخِيلِ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ إِذَا أَبْصَرْتَ فَضْلَهُمْ … مَا إِنْ كَمِثْلِهِمُ فِي النَّاسِ مِنْ أَحَدِ
وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: لَيْسَ مِثْلَ شَيْءٍ، وَتَكُونُ الْكَافُ هِيَ الْمُدْخَلَةُ فِي الْكَلَامِ، كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
وَصَالِيَاتِ كَكَمَا يُؤْثَفَيْنَ
فَأَدْخَلَ عَلَى الْكَافِ كَافًا تَوْكِيدًا لِلتَّشْبِيهِ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
تَنْفِي الْغَيَادِيقُ عَلَى الطَّرِيقِ … قَلَّصَ عَنْ كَبَيْضَةٍ فِي نِيقِ
فَأَدْخَلَ الْكَافَ مَعَ «عَنْ»، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ بِشَرْحٍ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ، فَلِذَلِكَ تَجَوَّزْنَا فِي الْبَيَانِ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ ‏/ ٤٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَاصِفًا نَفْسَهُ بِمَا هُوَ بِهِ، وَهُوَ يَعْنِي نَفْسَهُ: السَّمِيعُ لِمَا تَنْطِقُ بِهِ خَلْقُهُ مِنْ قَوْلٍ، الْبَصِيرُ لِأَعْمَالِهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِهِ، مُحْصٍ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الجاثية: ٢٢] مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ
٢٠ ‏/ ٤٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لَهُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَبِيَدِهِ مَغَالِيقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَمَفَاتِيحُهَا، فَمَا يَفْتَحْ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا، وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «مَفَاتِيحُ بِالْفَارِسِيَّةِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «مَفَاتِيحُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» وَعَنِ الْحَسَنِ بِمِثْلِ ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»
٢٠ ‏/ ٤٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الرعد: ٢٦] يَقُولُ: يُوَسِّعُ رِزْقَهُ وَفَضْلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَبْسُطُ لَهُ، وَيُكْثِرُ مَالَهُ وَيُغْنِيهِ وَيَقْدِرُ: يَقُولُ: وَيُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فَيُضَيِّقُهُ وَيُفْقِرُهُ ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الشورى: ١٢] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى بِكُلِّ مَا يَفْعَلُ مِنْ تَوْسِيعِهِ عَلَى مَنْ يُوَسِّعُ، وَتَقْتِيرِهِ عَلَى مَنْ يُقَتِّرُ، وَمَنِ الَّذِي يُصْلِحُهُ الْبَسْطُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ، وَيُفْسِدُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَالَّذِي يُصْلِحُهُ التَّقْتِيرُ عَلَيْهِ وَيُفْسِدُهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، ذُو عِلْمٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَوْضِعُ الْبَسْطِ وَالتَّقْتِيرِ وَغَيْرِهِ، مِنْ صَلَاحِ تَدْبِيرٍ خَلْقِهِ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِلَى مَنْ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي صِفَتُهُ مَا وَصَفْتُ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَيُّهَا النَّاسُ فَارْغَبُوا، وَإِيَّاهُ فَاعَبْدوا مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَا الْأَوْثَانَ وَالْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ، الَّتِي لَا تَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
٢٠ ‏/ ٤٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ﴾ [الشورى: ١٣] رَبُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] أَنْ يَعْمَلَهُ ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [فاطر: ٣١] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَشَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَمَرْنَاكَ بِهِ ﴿وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ
٢٠ ‏/ ٤٧٩
إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾ [الشورى: ١٣] يَقُولُ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ «فَأَنْ» إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ، فِي مَوْضِعِ نَصَبٍ عَلَى التَّرْجَمَةِ بِهَا عَنْ «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ رَدًّا عَلَى الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢] وَتَفْسِيرًا عَنْهَا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا، أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ، وَهُوَ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَإِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِيَ أَوْصَى بِهِ جَمِيعَ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَصِيَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ إِقَامَةُ الدِّينِ الْحَقِّ، وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] قَالَ: «مَا أَوْصَاكَ بِهِ وَأَنْبِيَاءَهُ كُلَّهُمْ دَيْنٌ وَاحِدٌ»
٢٠ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] قَالَ: «هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ»
٢٠ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ ⦗٤٨١⦘ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] «بُعِثَ نُوحٌ حِينَ بُعِثَ بِالشَّرِيعَةِ بِتَحْلِيلِ الْحَلَالِ، وَتَحْرِيمِ الْحَرَامِ» ﴿وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ [الشورى: ١٣]
٢٠ ‏/ ٤٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] قَالَ: «الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ»
٢٠ ‏/ ٤٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا﴾ [الشورى: ١٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: «حَسْبُكَ مَا قِيلَ لَكَ» وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾ [الشورى: ١٣] أَنِ اعْمَلُوا بِهِ عَلَى مَا شَرَعَ لَكُمْ وَفَرَضَ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [الأنعام: ٧٢] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ أَقِيمُوا، الدِّينَ﴾ [الشورى: ١٣] قَالَ: «اعْمَلُوا بِهِ»
٢٠ ‏/ ٤٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] يَقُولُ: وَلَا تَخْتَلِفُوا فِي الدِّينِ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِالْقِيَامِ بِهِ، كَمَا اخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ قَبْلِكُمْ
٢٠ ‏/ ٤٨١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] «تَعَلَّمُوا أَنَّ الْفُرْقَةَ هَلَكَةٌ، وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ ثِقَةٌ»
٢٠ ‏/ ٤٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَإِفْرَادِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالْبَرَاءَةِ مِمَّا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: ١٣] قَالَ: «أَنْكَرَهَا الْمُشْرِكُونِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَصَادَمَهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ، فَأَبَى اللَّهُ تبارك وتعالى إِلَّا أَنْ يُمْضِيَهَا وَيَنْصُرَهَا وَيُفْلِجَهَا وَيُظْهِرَهَا عَلَى مَنْ نَاوَأَهَا»
٢٠ ‏/ ٤٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مِنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٣] يَقُولُ: اللَّهُ يَصْطَفِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَيَخْتَارُ لِنَفْسِهِ وَوِلَايَتِهِ مَنْ أَحَبَّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مِنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٣] يَقُولُ: «وَيُوَفِّقُ لِلْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ ⦗٤٨٣⦘ مَا بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام مِنَ الْحَقِّ مَنْ أَقْبَلَ إِلَى طَاعَتِهِ، وَرَاجَعَ التَّوْبَةَ مِنْ مَعَاصِيهِ»
٢٠ ‏/ ٤٨٢
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مِنْ يُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٣] «مَنْ يُقْبِلُ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ»
٢٠ ‏/ ٤٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ [الشورى: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا تَفَرَّقَ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ فِي أَدْيَانِهِمْ فَصَارُوا أَحْزَابًا، إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، بِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَبَعَثَ بِهِ نُوحًا، هُوَ إِقَامَةُ الدِّينِ الْحَقِّ، وَأَنْ لَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ
٢٠ ‏/ ٤٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ [الشورى: ١٤] فَقَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّهَا هَلَكَةٌ»
٢٠ ‏/ ٤٨٣
﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة: ٢١٣] يَقُولُ: بَغْيًا مِنْ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَحَسَدًا وَعَدَاوَةً عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ [الشورى: ١٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَوْلَا قَوْلٌ سَبَقَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَبِّكَ لَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعَذَابِ، وَلَكِنَّهُ أَخَّرَ ذَلِكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَذَلِكَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فِيمَا ذُكِرَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ
٢٠ ‏/ ٤٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الشورى: ١٤] قَالَ: «يَوْمُ الْقِيَامَةِ»
٢٠ ‏/ ٤٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ: لَفَرَغَ رَبُّكَ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ نُوحًا مِنْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِهِ، بِإِهْلَاكِهِ أَهْلَ الْبَاطِلِ مِنْهُمْ، وَإِظْهَارِهِ أَهْلَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ
٢٠ ‏/ ٤٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الشورى: ١٤] يَقُولُ: وَإِنَّ الَّذِينَ أَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْحَقِّ كِتَابَهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠] يَقُولُ: لَفِي شَكٍّ مِنَ الدِّينِ الَّذِي وَصَّى اللَّهُ بِهِ نُوحًا وَأَوْحَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَأَمَرَكُمَا بِإِقَامَتِهِ مُرِيبٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الشورى: ١٤] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٤٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الشورى: ١٤] قَالَ: «الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى»
٢٠ ‏/ ٤٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى: ١٥]
٢٠ ‏/ ٤٨٤
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِلَى ذَلِكَ الدِّينِ الَّذِي شَرَعَ لَكُمْ، وَوَصَّى بِهِ نُوحًا، وَأَوْحَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ، وَاسْتَقِمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَلَا تَزِغْ عَنْهُ، وَاثْبُتْ عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَكَ رَبُّكُ بِالِاسْتِقَامَةِ وَقِيلَ: فَلِذَلِكَ فَادْعُ، وَالْمَعْنَى: فَإِلَى ذَلِكَ، فَوُضِعَتِ اللَّامُ مَوْضِعَ إِلَى، كَمَا قِيلَ: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥] وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ مَعْنَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ﴾ [الشورى: ١٥] إِلَى مَعْنَى هَذَا، وَيَقُولُ: مَعْنَى الْكَلَامِ: فَإِلَى هَذَا الْقُرْآنِ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ وَالَّذِي قَالَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِمَّا قُلْنَاهُ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكَلَامِ، لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ خَبَرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِإِقَامَتِهِ، وَلَمْ يَأْتِ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْصِرَافِهِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ
٢٠ ‏/ ٤٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَتَّبِعْ يَا مُحَمَّدُ أَهْوَاءَ الَّذِينَ شَكُّوا فِي الْحَقِّ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَهُمْ، فَتَشُكَّ فِيهِ، كَالَّذِي شَكُّوا فِيهِ ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ﴾ [الشورى: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: صَدَّقْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ، تَوْرَاةً كَانَ أَوْ إِنْجِيلًا أَوْ زَبُورًا أَوْ صُحُفَ إِبْرَاهِيمَ، لَا أُكَذِّبُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَكْذِيبَكُمْ بِبَعْضِهِ مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ، وَتَصْدِيقَكُمْ بِبَعْضٍ
٢٠ ‏/ ٤٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: وَأَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَعْدِلَ بَيْنَكُمْ مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ، فَأَسِيرَ فِيكُمْ جَمِيعًا بِالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ وَبَعَثَنِي بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ
٢٠ ‏/ ٤٨٦
كَالَّذِي: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] قَالَ: «أُمِرَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَعْدِلَ، فَعَدَلَ حَتَّى مَاتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَالْعَدْلُ مِيزَانُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، بِهِ يَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، وَلِلضَّعِيفِ مِنَ الشَّدِيدِ، وَبِالْعَدْلِ يُصَدِّقُ اللَّهُ الصَّادِقَ، وَيُكَذِّبُ الْكَاذِبَ، وَبِالْعَدْلِ يَرُدُّ الْمُعْتَدِي وَيُوَبِّخُهُ» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاودَ عليه السلام: كَانَ يَقُولُ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَعْجَبَنِي جِدًّا: الْقَصْدُ فِي الْفَاقَةِ وَالْغِنَى، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَالْخَشْيَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَهْلَكَهُ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبِعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ وَأَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيهُنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلَبٌ شَاكِرٌ، وَبَدَنٌ صَابِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى اللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَاهَا: كَيْ، وَأُمِرْتُ كَيْ أَعْدِلَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَأُمِرْتُ بِالْعَدْلِ، وَالْأَمْرُ وَاقِعٌ عَلَى مَا بَعْدَهُ، وَلَيْسَتِ اللَّامُ الَّتِي فِي لِأَعْدِلَ بِشَرْطٍ قَالَ: ﴿وَأُمِرْتُ﴾ [الشورى: ١٥] تَقَعُ عَلَى «أَنْ» وَعَلَى «كَيْ» وَاللَّامُ، أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ، وَكَيْ أَعْبُدَ، وَلِأَعْبُدَ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا طَالَبَ الِاسْتِقْبَالَ، فَفِيهِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ
٢٠ ‏/ ٤٨٦
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ عَامِلٌ فِي مَعْنَى لِأَعْدِلَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَأُمِرْتُ بِالْعَدْلِ بَيْنَكُمْ
٢٠ ‏/ ٤٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] يَقُولُ: اللَّهُ مَالِكُنَا وَمَالِكُكُمْ مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ [القصص: ٥٥] يَقُولُ: لَنَا ثَوَابُ مَا اكَتْسَبْنَاهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَلَكُمْ ثَوَابُ مَا اكْتَسَبْتُمْ مِنْهَا
٢٠ ‏/ ٤٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] يَقُولُ: لَا خُصُومَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ.
٢٠ ‏/ ٤٨٧
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَالْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] قَالَ: «لَا خُصُومَةَ»
٢٠ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ [الشورى: ١٥] «لَا خُصُومَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَقَرَأَ: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٢٠ ‏/ ٤٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ [الشورى: ١٥] يَقُولُ: اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِي بَيْنَنَا بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [المائدة: ١٨] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ الْمَعَادُ وَالْمَرْجِعُ بَعْدَ مَمَاتِنَا
٢٠ ‏/ ٤٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: ١٦]⦗٤٨٨⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يُخَاصِمُونَ فِي دِينِ اللَّهِ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتَجَابَ لَهُ النَّاسُ، فَدَخَلُوا فِيهِ مِنَ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ﴾ [الشورى: ١٦] يَقُولُ: خُصُومَتُهُمُ الَّتِي يُخَاصِمُونَ فِيهِ بَاطِلَةٌ ذَاهِبَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ [الشورى: ١٦] يَقُولُ: وَعَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ غَضَبٌ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ خَاصَمُوا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي دِينِهِمْ، وَطَمِعُوا أَنْ يَصُدُّوهُمْ عَنْهُ، وَيَرُدُّوهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ
٢٠ ‏/ ٤٨٧
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْهُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: ١٦] قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ كَانُوا يُجَادِلُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَقَالَ: هُمْ أَهْلُ الضَّلَالَةِ كَانَ اسْتُجِيبَ لَهُمْ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، وَهُمْ يَتَرَبَّصُونَ بِأَنْ تَأْتِيَهُمُ الْجَاهِلِيَّةُ»
٢٠ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ [الشورى: ١٦] قَالَ: «طَمِعَ رِجَالٌ بِأَنْ تَعُودَ الْجَاهِلِيَّةُ»
٢٠ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ⦗٤٨٩⦘ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ [الشورى: ١٦] قَالَ: «بَعْدَ مَا دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ»
٢٠ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ١٦] قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالُوا: كِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ»
٢٠ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ﴾ [الشورى: ١٦] الْآيَةَ قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى حَاجُّوا أَصْحَابَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: كِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ»
٢٠ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: «نَهَاهُ عَنِ الْخُصُومَةِ»
٢٠ ‏/ ٤٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ [الشورى: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ﴾ [الشورى: ١٧] هَذَا ﴿الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٢] يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانِ﴾ [الشورى: ١٧] يَقُولُ: وَأَنْزَلَ الْمِيزَانَ وَهُوَ الْعَدْلُ، لِيَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْإِنْصَافِ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ ⦗٤٩٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٠ ‏/ ٤٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانِ﴾ [الشورى: ١٧] قَالَ: «الْعَدْلُ»
٢٠ ‏/ ٤٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانِ﴾ [الشورى: ١٧] قَالَ: «الْمِيزَانُ: الْعَدْلُ»
٢٠ ‏/ ٤٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُدْرِيكَ وَيُعَلِّمُكَ، لَعَلَّ السَّاعَةَ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الْقِيَامَةُ قَرِيبٌ ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ [الشورى: ١٨] يَقُولُ: يَسْتَعْجِلُكَ يَا مُحَمَّدُ بِمَجِيئِهَا الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ بِمَجِيئِهَا، ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا غَيْرُ جَائِيَةٍ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ [الشورى: ١٨] يَقُولُ: وَالَّذِينَ صَدَّقُوا بِمَجِيئِهَا، وَوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُمُ الْحَشْرَ فِيهَا ﴿مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ [الشورى: ١٨] يَقُولُ: وَجِلُونَ مِنْ مَجِيئِهَا، خَائِفُونَ مِنْ قِيَامِهَا، لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهِمْ فِيهَا ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ [الشورى: ١٨] يَقُولُ: وَيُوقِنُونَ أَنَّ مَجِيئَهَا الْحَقُّ الْيَقِينُ، لَا يَمْتَرُونَ فِي مَجِيئِهَا ﴿أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ﴾ [الشورى: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ فِي قِيَامِ السَّاعَةِ وَيُجَادِلُونَ فِيهِ ﴿لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ [الشورى: ١٨] يَقُولُ: لَفِي جَوْرٍ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، وَزَيْغٍ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ وَالرَّشَادِ، بَعِيدًا مِنَ الصَّوَابِ
٢٠ ‏/ ٤٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
٢٠ ‏/ ٤٩٠
الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَّصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ ذُو لُطْفٍ بِعِبَادِهِ، يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ فَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ ﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ﴾ [الشورى: ١٩] الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ ذُو أَيْدٍ لِشِدَّتِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ عِقَابَهُ بِقُدْرَتِهِ ﴿الْعَزِيزُ﴾ [البقرة: ١٢٩] فِي انْتِقَامِهِ إِذَا انْتَقَمَ مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الْآخِرَةَ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ: يَقُولُ: نَزِدْ لَهُ فِي عَمَلِهِ الْحَسَنِ، فَنَجْعَلُ لَهُ بِالْوَاحِدَةِ عَشْرًا، إِلَى مَا شَاءَ رَبُّنَا مِنَ الزِّيَادَةِ ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [الشورى: ٢٠] يَقُولُ: وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا وَلَهَا يَسْعَى لَا لِلْآخِرَةِ، نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قَسَمْنَا لَهُ مِنْهَا ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَّصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] يَقُولُ: وَلَيْسَ لِمَنْ طَلَبَ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا وَلَمْ يُرِدِ اللَّهَ بِهِ فِي ثَوَابِ اللَّهِ لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي أَرَادُوهُ فِي الدُّنْيَا حَظٌّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٠ ‏/ ٤٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] إِلَى ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] قَالَ: يَقُولُ: «مَنْ كَانَ إِنَّمَا يَعْمَلُ لِلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا»
٢٠ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ⦗٤٩٢⦘ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا﴾ [الشورى: ٢٠] الْآيَةَ، يَقُولُ: «مَنْ آثَرَ دُنْيَاهُ عَلَى آخِرَتِهِ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ نَصِيبًا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارَ، وَلَمْ نَزِدْهُ بِذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا إِلَّا رِزْقًا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَقُسِمَ لَهُ»
٢٠ ‏/ ٤٩١
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَعَمَلَهَا نَزِدْ لَهُ فِي عَمَلِهِ ﴿وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [الشورى: ٢٠] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا وَعَمَلَهَا آتَيْنَاهُ مِنْهَا، وَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ، الْحَرْثُ الْعَمَلُ، مَنْ عَمِلَ لِلْآخِرَةِ أَعْطَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ عَمِلَ لِلدُّنْيَا أَعْطَاهُ اللَّهُ “
٢٠ ‏/ ٤٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠] قَالَ: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ عَمَلَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي عَمَلِهِ»
٢٠ ‏/ ٤٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] قَالَ: لِلْكَافِرِ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٠ ‏/ ٤٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ شُرَكَاءُ فِي شِرْكِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ ﴿شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢١] يَقُولُ:
٢٠ ‏/ ٤٩٢
ابْتَدَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يُبِحِ اللَّهُ لَهُمُ ابْتِدَاعَهُ ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا السَّابِقُ مِنَ اللَّهِ فِي أَنَّهُ لَا يُعَجِّلُ لَهُمُ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ مَضَى مِنْ قِيلِهِ إِنَّهُمْ مُؤَخَّرُونَ بِالْعُقُوبَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، لَفَرَغَ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بِتَعْجِيلِهِ الْعَذَابَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: ٢١] يَقُولُ: وَإِنَّ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ
٢٠ ‏/ ٤٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ يقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: تَرَى يَا مُحَمَّدُ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا﴾ [الشورى: ٢٢] يَقُولُ: وَجِلِينَ خَائِفِينَ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ عَلَى مَا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ ﴿وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ [الشورى: ٢٢] يَقُولُ: وَالَّذِينَ هُمْ مُشْفِقُونَ مِنْهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، نَازِلٌ بِهِمْ، وَهُمْ ذَائِقُوهُ لَا مَحَالَةَ
٢٠ ‏/ ٤٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾ [الشورى: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَأَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى فِي الدُّنْيَا فِي رَوْضَاتِ الْبَسَاتِينِ فِي الْآخِرَةِ وَيَعْنِي بِالرَّوْضَاتِ: جَمْعُ رَوْضَةٍ، وَهِيَ الْمَكَانُ الَّذِي يَكْثُرُ نَبْتُهُ، وَلَا تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَوَاضِعِ الْأَشْجَارِ رِيَاضٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:
وَالنَّغْضَ مِثْلَ الْأَجْرَبِ الْمُدَجِّلِ … حَدَائِقَ الرَّوْضِ الَّتِي لَمْ تُحْلَلِ
⦗٤٩٤⦘ يَعْنِي بِالرَّوْضِ: جَمْعَ رَوْضَةٍ وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: الْخَبَرَ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ السُّرُورِ وَالنَّعِيمِ.
٢٠ ‏/ ٤٩٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾ [الشورى: ٢٢] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: «فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا»
٢٠ ‏/ ٤٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الزمر: ٣٤] يَقُولُ: لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي الْآخِرَةِ مَا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَلَذُّهُ أَعْيُنُهُمْ، ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ [فاطر: ٣٢]، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنْ هَذَا النَّعِيمِ، وَهَذِهِ الْكَرَامَةِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، الْكَبِيرُ الَّذِي يَفْضُلُ كُلَّ نُعَيْمٍ وَكَرَامَةٍ فِي الدُّنْيَا مِنْ بَعْضِ أَهْلِهَا عَلَى بَعْضٍ
٢٠ ‏/ ٤٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [الشورى: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنِّي أَعْدَدْتُهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي الْآخِرَةِ مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ، الْبُشْرَى الَّتِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ فِيهَا ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الأنعام: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلَّذِينَ يُمَارُونَكَ فِي السَّاعَةِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ: لَا أَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى دَعَايَتِكُمْ إِلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ وَالنَّصِيحَةِ الَّتِي أَنْصَحُكُمْ ثَوَابًا وَجَزَاءً وَعِوَضًا مِنْ أَمْوَالِكُمْ تُعْطُونَنِيهِ ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]
٢٠ ‏/ ٤٩٤
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي قَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَتَصِلُوا رَحِمِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.
٢٠ ‏/ ٤٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيَعْقُوبُ قَالَا: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ»، فَقَالَ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا أَنْ تَوَدُّونِي فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»
٢٠ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ قَالَ: فَنَزَلَتْ ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «إِلَّا الْقَرَابَةُ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَنْ تَصِلُوهَا»
٢٠ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَرَابَةٌ فِي جَمِيعِ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَذَبُوهُ وَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوهُ قَالَ: «يَا قَوْمُ إِذَا أَبَيْتُمْ أَنْ تُبَايِعُونِي فَاحْفَظُوا قَرَابَتِي فِيكُمْ، لَا يَكُنُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ أَوْلَى بِحِفْظِي وَنُصْرَتِي مِنْكُمْ»
٢٠ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ قَالَ لِقُرَيْشٍ: «لَا أَسْأَلُكُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَسْأَلُكُمْ أَنْ لَا تُؤْذُونِي لَقَرَابَةِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّكُمْ قَوْمِي وَأَحَقُّ مَنْ أَطَاعَنِي وَأَجَابَنِي»
٢٠ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ وَاسِطًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَانَ لَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَسَبٌ، فَقَالَ: «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ تَحْفَظُونِي فِي قَرَابَتِي، قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»
٢٠ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاسِطَ النَّسَبِ مِنْ قُرَيْشٍ، لَيْسَ حَيُّ مِنْ أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ إِلَّا وَقَدْ وَلَدُوهُ قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] «إِلَّا أَنْ تُوَدُّونِي لِقَرَابَتِي مِنْكُمْ وَتَحْفَظُونِي»
٢٠ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ قَالَ: ثَنَا عَبْثَرٌ قَالَ: ثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَأُمُّهُ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَأُمُّ أَبِيهِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالَ: «احْفَظُونِي فِي قَرَابَتِي»
٢٠ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا حَرَمِيُّ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ ⦗٤٩٧⦘ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «تَعْرِفُونَ قَرَابَتِي، وَتُصَدِّقُونَنِي بِمَا جِئْتُ بِهِ، وَتَمْنَعُونِي»
٢٠ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] «وَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَمَرَ مُحَمَّدًا ﷺ أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ عَلَى هَذَا الْقُرْآنِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ يَصِلُوا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ، وَكُلُّ بُطُونِ قُرَيْشٍ قَدْ وَلَدَتْهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ»
٢٠ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] أَنْ تَتَّبِعُونِي، وَتُصَدِّقُونِي وَتَصِلُوا رَحِمِي “
٢٠ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ إِلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهِمْ وِلَادَةٌ، فَقَالَ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي مِنْكُمْ»
٢٠ ‏/ ٤٩٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] يَعْنِي قُرَيْشًا يَقُولُ: «إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَأَعِينُونِي عَلَى عَدُوِّي، وَاحْفَظُوا قَرَابَتِي، وَإِنَّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي، ⦗٤٩٨⦘ وَتُعِينُونِي عَلَى عَدُوِّي»
٢٠ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: يَقُولُ: «إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي كَمَا تَوَادُّونَ فِي قَرَابَتِكُمْ وَتَوَاصَلُونَ بِهَا، لَيْسَ هَذَا الَّذِي جِئْتُ بِهِ يَقْطَعُ ذَلِكَ عَنِّي، فَلَسْتُ أَبْتَغِي عَلَى الَّذِي جِئْتُ بِهِ أَجْرًا آخُذُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْكُمْ»
٢٠ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] يَقُولُ: «لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَجْرًا، إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي قَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَتَمْنَعُونِي مِنَ النَّاسِ»
٢٠ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «كُلُّ قُرَيْشٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي بِالْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: قُلْ لِمَنْ تَبِعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا قَرَابَتِي
٢٠ ‏/ ٤٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: ثَنَا الصَّبَّاحُ بْنُ يَحْيَى ⦗٤٩٩⦘ الْمُرِّيُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الدَّيْلَمِ قَالَ: لَمَّا جِيءَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَسِيرًا، فَأُقِيمَ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَكُمْ وَاسْتَأْصَلَكُمْ، وَقَطَعَ قُرْبَى الْفِتْنَةِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه: «أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ»؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «أَقَرَأْتَ آلْ حم؟» قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ وَلَمْ أَقْرَأَ آلْ حم قَالَ: «مَا قَرَأْتَ ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]» قَالَ: وَإِنَّكُمْ لَأَنْتُمْ هُمْ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
٢٠ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتِ الْأَنْصَارُ: فَعَلْنَا وَفَعَلْنَا، فَكَأَنَّهُمْ فَخَرُوا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوِ الْعَبَّاسُ، شَكَّ عَبْدُ السَّلَامِ: لَنَا الْفَضْلُ عَلَيْكُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَاهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِي؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَلَمْ تَكُونُوا ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَفَلَا تُجِيبُونِي؟» قَالُوا: مَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَا تَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْرِجْكَ قَوْمُكَ فَآوَيْنَاكَ، أَوَلَمْ يُكَذِّبُوكَ فَصَدَّقْنَاكَ، أَوَلَمْ يَخْذُلُوكَ فَنَصَرْنَاكَ؟» قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُولُ حَتَّى جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ، وَقَالُوا: أَمْوَالُنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ: فَنَزَلَتْ ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]
٢٠ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «هِيَ قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
٢٠ ‏/ ٤٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَا: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، عز وجل: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «قُرْبَى النَّبِيِّ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدَّدُوا إِلَى اللَّهِ، وَتَتَقَرَّبُوا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالطَّاعَةِ
٢٠ ‏/ ٥٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاودَ، أَخُوهُ أَيْضًا قَالَا: ثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدَّدُوا للَّهِ وَتَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «الْقُرْبَى إِلَى اللَّهِ»
٢٠ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «إِلَّا التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ، وَالتَّوَدُّدَ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ»
٢٠ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْكِتَابِ أَجْرًا، إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، إِلَّا أَنْ تَوَدَّدُوا إِلَى اللَّهِ بِمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ، وَعَمَلٍ بِطَاعَتِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٠١
قَالَ بِشْرٌ: قَالَ يَزِيدُ: وَحَدَّثَنِيهِ يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] «إِلَّا أَنْ تَوَدَّدُوا إِلَى اللَّهِ فِيمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَيْهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَتَكُمْ
٢٠ ‏/ ٥٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: ثَنَا قُرَّةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] «قَالَ: أُمِرْتَ أَنْ تَصِلَ قَرَابَتَكَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي قَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَتَصِلُوا الرَّحِمَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
٢٠ ‏/ ٥٠١
وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ لِدُخُولِ «فِي» فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ مَنْ قَالَ: إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا قَرَابَتِي، أَوْ تَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ لِدُخُولِ «فِي» فِي الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ، وَلَكَانَ التَّنْزِيلُ: إِلَّا مَوَدَّةَ الْقُرْبَى إِنْ عَنَى بِهِ الْأَمْرَ بِمَوَدَّةِ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَوْ إِلَّا الْمَوَدَّةَ بِالْقُرْبَى، أَوْ ذَا الْقُرْبَى إِنْ عَنَى بِهِ التَّوَدُّدَ وَالتَّقَرُّبَ وَفِي دُخُولِ «فِي» فِي الْكَلَامِ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: إِلَّا مَوَدَّتِي فِي قَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فِي الْمَوَدَّةِ أُدْخِلَتَا بَدَلًا مِنَ الْإِضَافَةِ، كَمَا قِيلَ: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤١] وَقَوْلُهُ: «إِلَّا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْتِثَنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا، لَكِنِّي أَسْأَلُكُمُ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، فَالْمَوَدَّةُ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: هِيَ مَنْصُوبَةٌ بُمَضْمَرٍ مِنَ الْفِعْلِ، بِمَعْنَى: إِلَّا أَنْ أَذْكُرَ مَوَدَّةَ قَرَابَتِي
٢٠ ‏/ ٥٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَعْمَلْ حَسَنَةً، وَذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يُطِيعُ اللَّهَ فِيهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] يَقُولُ: نُضَاعِفْ عَمَلَهُ ذَلِكَ الْحَسَنَ، فَنَجْعَلْ لَهُ مَكَانَ الْوَاحِدِ عَشْرًا إِلَى مَا شِئْنَا مِنَ الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ ⦗٥٠٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٠ ‏/ ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «يَعْمَلْ حَسَنَةً»
٢٠ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «مَنْ يَعْمَلْ خَيْرًا نَزِدْ لَهُ الِاقْتِرَافُ: الْعَمَلُ»
٢٠ ‏/ ٥٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [الشورى: ٢٣] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ، شَكُورٌ لِحَسَنَاتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ.
٢٠ ‏/ ٥٠٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿» إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] لِلذُّنُوبِ ﴿شَكُورٌ﴾ [الشورى: ٢٣] لِلْحَسَنَاتِ يُضَاعِفُهَا “
٢٠ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [الشورى: ٢٣] قَالَ: «غَفَرَ لَهُمُ الذُّنُوبَ، وَشَكَرَ لَهُمْ نِعَمًا هُوَ أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا، وَجَعَلَهَا فِيهِمْ»
٢٠ ‏/ ٥٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ: ﴿افْتَرَى﴾ [آل عمران: ٩٤] مُحَمَّدٌ ﴿عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: ٢١] فَجَاءَ بِهَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْنَا اخْتِلَاقًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ⦗٥٠٤⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ﴾ [الشورى: ٢٤] يَا مُحَمَّدُ يَطْبَعْ عَلَى قَلْبِكَ، فَتَنْسَ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٠ ‏/ ٥٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشورى: ٢٤] «فَيُنْسِيكَ الْقُرْآنَ»
٢٠ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشورى: ٢٤] قَالَ: «إِنْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْسَاكَ مَا قَدْ أَتَاكَ»
٢٠ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشورى: ٢٤] قَالَ: «يَطْبَعْ»
٢٠ ‏/ ٥٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى: ٢٤] يَقُولُ: وَيَذْهَبُ اللَّهُ بِالْبَاطِلِ فَيَمْحَقُهُ ﴿وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ [الشورى: ٢٤] الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَيُثْبِتُهُ
٢٠ ‏/ ٥٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى: ٢٤] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَلَكِنَّهُ حُذِفَتْ مِنْهُ الْوَاوُ فِي الْمُصْحَفِ، كَمَا حُذِفَتْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ [العلق: ١٨] وَمَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَيَدَعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ﴾ [الإسراء: ١١] وَلَيْسَ بِجَزْمٍ عَلَى الْعَطْفِ ⦗٥٠٥⦘ عَلَى يَخْتِمْ
٢٠ ‏/ ٥٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الأنفال: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا فِي صُدُورِ خَلْقِهِ، وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُهُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمْ شَيْءٌ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: لَوْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ أَنْ تَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، لَطَبَعْتُ عَلَى قَلْبِكَ، وَأَذْهَبْتُ الَّذِي آتَيْتُكَ مِنْ وَحْيِي، لِأَنِّي أَمْحُو الْبَاطِلَ فَأُذْهِبُهُ، وَأُحِقُّ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ الْكَافِرِينَ بِهِ، الزَّاعِمِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ لَفُعِلَ بِهِ مَا أُخْبِرَ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
٢٠ ‏/ ٥٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي يَقْبَلُ مُرَاجَعَةَ الْعَبْدِ إِذَا رَجَعَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ بَعْدِ كُفْرِهِ ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى: ٢٥] يَقُولُ: وَيَعْفُو أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَهِيَ مَعَاصِيهِ الَّتِي تَابَ مِنْهَا ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (يَفْعَلُونَ) بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُ عِبَادُهُ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿تَفْعَلُونَ﴾ [النحل: ٩١] بِالتَّاءِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ
٢٠ ‏/ ٥٠٥
مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْيَاءَ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّ الْكَلَامَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْخَبَرِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: ٢٥] وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥] وَيَعْلَمُ رَبُّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَا تَفْعَلُونَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ جَزَاءَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَرْكَبُوا مَا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ مِنْهُ الْعُقُوبَةَ
٢٠ ‏/ ٥٠٦
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «أَتَيْنَا عَبْدَ اللَّهِ نَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥] قَالَ: فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أُنَاسًا أَوْ رِجَالًا يَسْأَلُونَهُ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ حَرَامًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥]»
٢٠ ‏/ ٥٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ لِبَعْضِهِمْ دُعَاءَ بَعْضٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٠ ‏/ ٥٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عَثَّامٌ قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا مُعَاذٌ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الْمُؤْمِنُونِ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنَّ مَنْ تُصِيبُونَ مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، ذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا عَمِلَ لِأَحَدِكُمُ الْعَمَلَ قَالَ: أَحْسَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ، أَحْسَنْتَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الشورى: ٢٦]»
٢٠ ‏/ ٥٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ١٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَزِيدُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مَعَ إِجَابَتِهِ إِيَّاهُمْ دُعَاءَهُمْ، وَإِعْطَائِهِ إِيَّاهُمْ مَسْأَلَتَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ، بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا لَمْ يَسْأَلُوهُ وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْفَضْلَ الَّذِي ضَمِنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَزِيدَهُمُوهَ، هُوَ أَنْ يُشَفِّعَهُمْ فِي إِخْوَانِ إِخْوَانِهِمْ إِذَا هُمْ شُفِّعُوا فِي إِخْوَانِهِمْ، فَشَفَعُوا فِيهِمْ.
٢٠ ‏/ ٥٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشورى: ٢٦] قَالَ: «يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِهِمْ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» قَالَ: «يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِ إِخْوَانِهِمْ»
٢٠ ‏/ ٥٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: ٢٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَالْكَافِرُونَ بِاللَّهِ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الشورى: ٢٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيِ اسْتَجَابَ فَجَعَلَهُمْ هُمُ الْفَاعِلِينَ، فَالَّذِينَ فِي قَوْلِهِ رَفْعٌ، وَالْفِعْلُ لَهُمْ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: وَاسْتَجَابَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لِرَبِّهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ إِذْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَذَا الْقَوْلُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الرَّفْعُ، بِمَعْنَى: وَيُجِيبُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَالْآخَرُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الشورى: ٢٦] يَكُونُ «الَّذِينَ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى: وَيُجِيبُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَقَدْ جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] وَالْمَعْنَى: فَأَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ، إِلَّا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ اسْتَجَابَ، أَدْخَلْتَ اللَّامَ فِي الْمَفْعُولِ، وَإِذَا قُلْتَ أَجَابَ حَذَفْتَ اللَّامَ، وَيَكُونُ اسْتَجَابَهُمْ، بِمَعْنَى: اسْتَجَابَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ﴾ [المطففين: ٣] وَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِذَا كَالُوا لَهُمْ، أَوْ وَزَنَوْا لَهُمْ ﴿يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: ٣] قَالَ: وَيَكُونُ «الَّذِينَ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ إِنْ يُجْعَلِ الْفِعْلُ لَهُمْ، أَيِ
٢٠ ‏/ ٥٠٨
الَّذِينَ آمَنُوا يَسْتَجِيبُونَ لِلَّهِ، وَيَزِيدُهُمْ عَلَى إِجَابَتِهِمْ، وَالتَّصْدِيقِ بِهِ مِنْ فَضْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مُعَاذٌ وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِيهِ
٢٠ ‏/ ٥٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٧] ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَمَنَّوْا سَعَةَ الدُّنْيَا وَالْغِنَى، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ، فَوَسَّعَهُ وَكَثَّرَهُ عِنْدَهُمْ لَبَغَوْا، فَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ الَّذِي حَدُّهُ اللَّهُ لَهُمْ إِلَى غَيْرِ الَّذِي حَدُّهُ لَهُمْ فِي بِلَادِهِ بِرُكُوبِهِمْ فِي الْأَرْضِ مَا حَظَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ يُنَزِّلُ رِزْقَهُمْ بِقَدَرٍ لِكِفَايَتِهِمُ الَّذِي يَشَاءُ مِنْهُ.
٢٠ ‏/ ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هَانِئٍ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ، وَغَيْرَهُ، يَقُولُونَ: «إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّةِ ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٢٧] ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ أَنَّ لَنَا، فَتَمَنَّوْا» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي قَالَ: ثَنَا حَيْوَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ يَقُولُ: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
٢٠ ‏/ ٥٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٢٧] الْآيَةَ قَالَ: «كَانَ يُقَالُ: خَيْرُ الرِّزْقِ مَا لَا يُطْغِيكَ وَلَا يُلْهِيكَ» وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي زَهْرَةُ الدُّنْيَا وَكَثْرَتُهَا» فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ كَرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ، حَتَّى إِذَا سُرِّيَ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ» يَقُولُهَا ثَلَاثًا: «إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ»، يَقُولُهَا ثَلَاثًا وَكَانَ ﷺ وِتْرَ الْكَلَامِ: «وَلَكِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ رَبِيعٌ قَطُّ إِلَّا أَحْبَطَ أَوْ أَلَمَّ فَأَمَّا عَبْدٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَوَضَعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَ وَارْتَضَى، فَذَلِكَ عَبْدٌ أُرِيدَ بِهِ خَيْرٌ، وَعُزِمَ لَهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَأَمَّا عَبْدٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَوَضَعَهُ فِي شَهَوَاتِهِ وَلَذَّاتِهِ، وَعَدَلَ عَنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ عَبْدٌ أُرِيدَ بِهِ شَرٌّ، وَعُزِمَ لَهُ عَلَى شَرٍّ»
٢٠ ‏/ ٥١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ وَيُفْسِدُهُمْ مِنْ غِنًى وَفَقْرٍ وَسَعَةٍ وَإِقْتَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ وَمَضَارِّهِمْ، ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، بَصِيرٌ بِتَدْبِيرِهِمْ وَصَرْفِهِمْ فِيمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ
٢٠ ‏/ ٥١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي يُنَزِّلُ الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ فَيُغِيثُكُمْ بِهِ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ [الشورى: ٢٨] يَقُولُ: مِنْ بَعْدِ مَا يُئِسَ مِنْ نُزُولِهِ وَمَجِيئِهِ ﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [الشورى: ٢٨] يَقُولُ: وَيَنْشُرُ فِي خَلْقِهِ رَحْمَتَهُ، وَيَعْنِي بِالرَّحْمَةِ: الْغَيْثَ الَّذِي يُنَزِّلُهُ مِنَ السَّمَاءِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَجْدَبَتِ الْأَرْضُ، وَقَنَطَ النَّاسُ قَالَ: «مُطِرُوا إِذَنْ»
٢٠ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾ [الشورى: ٢٨] قَالَ: «يَئِسُوا»
٢٠ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَحَطَ الْمَطَرُ، وَقَنَطَ النَّاسُ قَالَ: «مُطِرْتُمْ ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [الشورى: ٢٨]»
٢٠ ‏/ ٥١١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الشورى: ٢٨] يَقُولُ: وَهُوَ الَّذِي يَلِيكُمْ ⦗٥١٢⦘ بِإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ، الْحَمِيدُ بِأَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ، وَنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ فِي خَلْقِهِ
٢٠ ‏/ ٥١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى إِحْيَائِكُمْ بَعْدَ فَنَائِكُمْ، وَبَعْثِكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ مِنْ بَعْدِ بَلَائِكُمْ، خَلْقُهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ، يَعْنِي وَمَا فَرَّقَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ
٢٠ ‏/ ٥١٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [الشورى: ٢٩] قَالَ: «النَّاسُ وَالْمَلَائِكَةُ»
٢٠ ‏/ ٥١٢
﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: ٢٩] يَقُولُ: وَهُوَ عَلَى جَمْعِ مَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ إِذَا شَاءَ جَمْعَهُ، ذُو قُدْرَةٍ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ خَلْقُهُ وَتَفْرِيقُهُ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَكَذَلِكَ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى جَمْعِ خَلْقِهِ بِحَشْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ تَفَرُّقِ أَوْصَالِهِمْ فِي الْقُبُورِ
٢٠ ‏/ ٥١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [الشورى: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يُصِيبَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الدُّنْيَا فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] يَقُولُ: فَإِنَّمَا يُصِيبُكُمْ ⦗٥١٣⦘ ذَلِكَ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ لَكُمْ بِمَا اجْتَرَمْتُمْ مِنَ الْآثَامِ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ وَيَعْفُو لَكُمْ رَبُّكُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ إِجْرَامِكُمْ، فَلَا يُعَاقِبُكُمْ بِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: نَزَلَتْ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٨] وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَأْكُلُ، فَأَمْسَكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَرَاءٍ مَا عَمِلْتُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ فَهُوَ مِنْ مَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ، وَتُدَّخَرُ مَثَاقِيلُ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: فَأَرَى مِصْدَاقَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ الْهَيْثَمُ بْنُ الرَّبِيعِ، فَقَالَ فِيهِ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَانَ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ
٢٠ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] الْآيَةَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «لَا ⦗٥١٤⦘ يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ خَدْشُ عُودٍ، وَلَا عَثْرَةُ قَدَمٍ، وَلَا اخْتِلَاجُ عِرْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَرُ»
٢٠ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] الْآيَةَ قَالَ: «يُعَجَّلُ لِلْمُؤْمِنِينَ عُقُوبَتُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا يُؤَاخَذُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: وَمَا عُوقِبْتُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ عُقُوبَةٍ بِحَدٍّ حَدَدْتُمُوهُ عَلَى ذَنْبٍ اسْتَوْجَبْتُمُوهُ عَلَيْهِ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ يَقُولُ: فَبِمَا عَمِلْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [المائدة: ١٥] فَلَا يُوجِبُ عَلَيْكُمْ فِيهَا حَدًّا
٢٠ ‏/ ٥١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ [الشورى: ٣٠] الْآيَةَ قَالَ: «هَذَا فِي الْحُدُودِ» وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ مَا مِنْ رَجُلٍ يُصِيبُهُ عَثْرَةُ قَدَمٍ وَلَا خَدْشُ عُودٍ أَوْ كَذَا وَكَذَا إِلَّا بِذَنْبٍ، أَوْ يَعْفُو، وَمَا يَعْفُو أَكْثَرُ
٢٠ ‏/ ٥١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [العنكبوت: ٢٢] يَقُولُ: وَمَا أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ⦗٥١٥⦘ بِمُفِيتِي رَبِّكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ إِذَا أَرَادَ عُقُوبَتَكُمْ عَلَى ذُنُوبِكُمُ الَّتِي أَذْنَبْتُمُوهَا، وَمَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا هَرَبًا فِي الْأَرْضِ، فَمُعْجِزِيهِ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي سُلْطَانِهِ وَقَبْضَتِهِ، جَارِيَةٌ فِيكُمْ مَشِيئَتُهُ ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ [البقرة: ١٠٧] يَلِيكُمْ بِالدِّفَاعِ عَنْكُمْ إِذَا أَرَادَ عُقُوبَتَكُمْ عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: ١٠٧] يَقُولُ: وَلَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ نَصِيرٌ يَنْصُرُكُمْ إِذَا هُوَ عَاقَبَكُمْ، فَيَنْتَصِرُ لَكُمْ مِنْهُ، فَاحْذَرُوا أَيُّهَا النَّاسُ مَعَاصِيهِ، وَاتَّقُوهُ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ أَوْ نَهَاكُمْ، فَإِنَّهُ لَا دَافِعَ لِعُقُوبَتِهِ عَمَّنْ أَحَلَّهَا بِهِ
٢٠ ‏/ ٥١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [الشورى: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِ اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ أَرَادَهُ، السُّفُنُ الْجَارِيَةُ فِي الْبَحْرِ وَالْجَوَارِي: جَمْعُ جَارِيَةٍ، وَهِيَ السَّائِرَةُ فِي الْبَحْرِ
٢٠ ‏/ ٥١٥
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ﴾ [الشورى: ٣٢] قَالَ: «السُّفُنُ»
٢٠ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ﴾ [الشورى: ٣٢] قَالَ: «الْجَوَارِي: السُّفُنُ»
٢٠ ‏/ ٥١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ [الشورى: ٣٢] يَعْنِي كَالْجِبَالِ: وَاحِدُهَا عَلَمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
يَعْنِي: جَبَلٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ [الشورى: ٣٢] قَالَ: «كَالْجِبَالِ»
٢٠ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: «الْأَعْلَامُ: الْجِبَالُ»
٢٠ ‏/ ٥١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ [الشورى: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنْ يَشَأِ اللَّهُ الَّذِي قَدْ أَجْرَى هَذِهِ السُّفُنَ فِي الْبَحْرِ أَنْ لَا تَجْرِي فِيهِ، أَسْكَنَ الرِّيحَ الَّتِي تَجْرِي بِهَا فِيهِ، فَثَبَتْنَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَوَقَفْنَ عَلَى ⦗٥١٧⦘ ظَهْرِ الْمَاءِ لَا تَجْرِي، فَلَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ [الشورى: ٣٣] سُفُنُ هَذَا الْبَحْرِ تَجْرِي بِالرِّيحِ فَإِذَا أُمْسِكَتْ عَنْهَا الرِّيحُ رَكَدَتْ قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥]
٢٠ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ [الشورى: ٣٣] «لَا تَجْرِي»
٢٠ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ [الشورى: ٣٣] يَقُولُ: «وُقُوفًا»
٢٠ ‏/ ٥١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: ٥] يَقُولُ: إِنَّ فِي جِرْيِ هَذِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ لَعِظَةٌ وَعِبْرَةٌ وَحُجَّةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، لِكُلِّ ذِي صَبْرٍ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، شَكُورٌ لِنِعَمِهِ وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُ
٢٠ ‏/ ٥١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّنْ مَّحِيصٍ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ ⦗٥١٨⦘ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الشورى: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوْ يُوبِقَ هَذِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ رُكْبَانُهَا مِنَ الذُّنُوبِ، وَاجْتَرَمُوا مِنَ الْآثَامِ، وَجَزَمَ يُوبِقْهُنَّ، عَطْفًا عَلَى ﴿يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾ [الشورى: ٣٣] وَمَعْنَى الْكَلَامِ إِنْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ، ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ [الشورى: ٣٤] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ [الشورى: ٣٤] أَوْ يُهْلِكْهُنَّ بِالْغَرَقِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ [الشورى: ٣٤] يَقُولُ: «يُهْلِكْهُنَّ»
٢٠ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ [الشورى: ٣٤] أَوْ يُهْلِكْهُنَّ “
٢٠ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ [الشورى: ٣٤] قَالَ: «يُغْرِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ [الشورى: ٣٤] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ [الشورى: ٣٤] «أَيْ بِذُنُوبِ أَهْلِهَا»
٢٠ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ [الشورى: ٣٤] قَالَ: «بِذُنُوبِ أَهْلِهَا»
٢٠ ‏/ ٥١٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ [الشورى: ٣٤] قَالَ: «يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبَتْ أَصْحَابُهُنَّ»
٢٠ ‏/ ٥١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٤] يَقُولُ: وَيَصْفَحْ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذُنُوبِكُمْ فَلَا يُعَاقِبْ عَلَيْهَا
٢٠ ‏/ ٥١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ [الشورى: ٣٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي آيَاتِهِ وَعِبَرِهِ وَأَدِلَّتِهِ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (وَيَعْلَمُ الَّذِينَ) رَفْعًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: ١٥] وَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ﴾ [الشورى: ٣٥] نَصَبًا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] عَلَى الصَّرْفِ؛ وَكَمَا قَالَ ⦗٥٢٠⦘ النَّابِغَةُ:
فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ … رَبِيعُ النَّاسِ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ
وَنُمْسِكَ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ … أَجَبِّ الظَّهْرِ لَهُ سَنَامُ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٠ ‏/ ٥١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصِ﴾ [فصلت: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيدِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُمْ عَلَى ذُنُوبِهِمْ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ، وَلَا لَهُمْ مِنْهُ مَلْجَأٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصِ﴾ [فصلت: ٤٨] «مَا لَهُمْ مِنْ مَلْجَأٍ»
٢٠ ‏/ ٥٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الشورى: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَا أُعْطِيتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ رِيَاشِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْبَنِينَ، فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهُوَ مَتَاعٌ
٢٠ ‏/ ٥٢٠
لَكُمْ تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ مِنْ دَارِ الْآخِرَةِ، وَلَا مِمَّا يَنْفَعُكُمْ فِي مَعَادِكُمْ ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [القصص: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي عِنْدَ اللَّهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَتَاعِهَا وَأَبْقَى، لِأَنَّ مَا أُوتِيتُمْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ نَافِدٌ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ النَّعِيمِ فِي جِنَانِهِ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ بَاقٍ غَيْرَ نَافِدٍ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة: ٨٢]: يَقُولُ: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، وَعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُونَ فِي أُمُورِهِمْ، وَإِلَيْهِ يَقُومُونَ فِي أَسْبَابِهِمْ، وَبِهِ يَثِقُونَ، خَيْرٌ وَأَبْقَى مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
٢٠ ‏/ ٥٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الشورى: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ﴾ [الشورى: ٣٧] وَكَبَائِرَ فَوَاحِشِ الْإِثْمِ، قَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهَا وَبَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِيهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا ﴿وَالْفَوَاحِشَ﴾ [الشورى: ٣٧] قِيلَ: إِنَّهَا الزِّنَى
٢٠ ‏/ ٥٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ ⦗٥٢٢⦘، ﴿وَالْفَوَاحِشَ﴾ [الشورى: ٣٧] قَالَ: «الْفَوَاحِشُ: الزِّنَى» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿كَبَائِرَ الْإِثْمِ﴾ [الشورى: ٣٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْجِمَاعِ كَذَلِكَ فِي النَّجْمِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (كَبِيرَ الْإِثْمِ) عَلَى التَّوْحِيدِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، عَنَى بِكَبِيرِ الْإِثْمِ: الشِّرْكَ، كَمَا كَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: كَأَنِّي أَسْتَحِبُّ لِمَنْ قَرَأَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ أَنْ يَخْفِضَ الْفَوَاحِشِ، لِتَكُونَ الْكَبَائِرُ مُضَافَةً إِلَى مَجْمُوعٍ إِذْ كَانَتْ جَمْعًا، وَقَالَ: مَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنَ الْقُرَّاءِ خَفَضَ الْفَوَاحِشَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى تَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٠ ‏/ ٥٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا مَا غَضِبُوا عَلَى مَنِ اجْتَرَمَ إِلَيْهِمْ جُرْمًا، هُمْ يَغْفِرُونَ لِمَنْ أَجْرَمَ إِلَيْهِمْ ذَنْبَهُ، وَيَصْفَحُونَ عَنْهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ
٢٠ ‏/ ٥٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [الشورى: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ أَجَابُوا لِرَبِّهِمْ حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ ⦗٥٢٣⦘ عِبَادَةِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ دُونَهُ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٢٧٧] الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتِهَا ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ٣٨] يَقُولُ: وَإِذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ تَشَاوَرُوا بَيْنَهُمْ ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] يَقُولُ: وَمِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُؤَدُّونَ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ لِأَهْلِهَا مِنْ زَكَاةٍ وَنَفَقَةٍ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٣٨] الْآيَةَ الْأَنْصَارَ
٢٠ ‏/ ٥٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَرَأَ ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٧] قَالَ: «فَبَدَأَ بِهِمْ» ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٣٨] «الْأَنْصَارُ» ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ﴾ [الشورى: ٣٨] «وَلَيْسَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ٣٨] «لَيْسَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَيْضًا»
٢٠ ‏/ ٥٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ إِذَا بَغَى عَلَيْهِمْ بَاغٍ، وَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْبَاغِي الَّذِي حَمِدَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْمُنْتَصِرَ مِنْهُ بَعْدَ بَغْيِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمُشْرِكُ إِذَا بَغَى عَلَى الْمُسْلِمِ
٢٠ ‏/ ٥٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ذَكَرَ الْمُهَاجِرِينَ ⦗٥٢٤⦘ صِنْفَيْنٍ، صِنْفًا عَفَا، وَصِنْفًا انْتَصَرَ، وَقَرَأَ ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٧] قَالَ: «فَبَدَأَ بِهِمْ» ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٣٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] «وَهُمُ الْأَنْصَارُ» ثُمَّ ذَكَرَ الصِّنْفَ الثَّالِثَ فَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] «مِنَ الْمُشْرِكِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ كُلُّ بَاغٍ بَغَى فَحُمِدَ الْمُنْتَصِرُ مِنْهُ
٢٠ ‏/ ٥٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] قَالَ: «يَنْتَصِرُونَ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَدُوا» وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْصُصْ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، بَلْ حَمِدَ كُلَّ مُنْتَصِرٍ بِحَقٍّ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا فِي الِانْتِصَارِ مِنَ الْمَدْحِ؟ قِيلَ: إِنَّ فِي إِقَامَةِ الظَّالِمِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَعُقُوبَتِهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ تَقْوِيمًا لَهُ، وَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ الْمَدْحِ
٢٠ ‏/ ٥٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى ذَلِكَ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: وَجَزَاءُ سَيِّئَةِ الْمُسِيءِ عُقُوبَتُهُ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ، فَهِيَ مَسَاءَةٌ لَهُ وَالسَّيِّئَةُ: إِنَّمَا هِيَ الْفَعْلَةُ مِنَ السُّوءِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]⦗٥٢٥⦘ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يُجَابَ الْقَائِلُ الْكَلِمَةِ الْقَزَعَةِ بِمِثْلِهَا
٢٠ ‏/ ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو بِشْرٍ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] قَالَ: «يَقُولُ أَخْزَاهُ اللَّهُ، فَيَقُولُ: أَخْزَاهُ اللَّهُ»
٢٠ ‏/ ٥٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] قَالَ: «إِذَا شَتَمَكَ بِشَتِيمَةٍ فَاشْتُمْهُ مِثْلَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْتَدِيَ» وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٥٢٥
بِمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] «مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
٢٠ ‏/ ٥٢٥
﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ [الشورى: ٤٠] الْآيَةَ، لَيْسَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُمْ لِأَنَّهُ أَحَبَّهُمْ ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١]، ثُمَّ نَسَخَ هَذَا كُلَّهُ وَأَمَرَهُ بِالْجِهَادِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ هَذَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْكُمْ، سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا مِنْكُمْ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ عَفَوْتُمْ وَأَصْلَحْتُمْ فِي الْعَفْوِ، فَأَجْرُكُمْ فِي عَفْوِكُمْ عَنْهُمْ إِلَى
٢٠ ‏/ ٥٢٥
اللَّهِ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ؛ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ كَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٩٤] وَلِلَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ وَجْهٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّوَابَ عِنْدَنَا: أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ عَلَى الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَنْقُلْهُ إِلَى الْبَاطِنِ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، وَأَنْ لَا يُحْكَمَ لِحُكْمٍ فِي آيَةٍ بِالنَّسْخِ إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَعُ الْعُذْرَ أَوْ حُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ حُجَّةٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ الْمُشْرِكُونَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، فَنُسَلِّمُ لَهَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٥٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَمَنْ عَفَا عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ إِسَاءَتَهُ إِلَيْهِ، فَغَفَرَهَا لَهُ، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ بِهَا، وَهُوَ عَلَى عُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا قَادِرٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، فَأَجْرُ عَفْوِهِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ مُثِيبُهُ عَلَيْهِ ثَوَابَهُ ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: ٤٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ أَهْلَ الظُّلْمِ الَّذِينَ يَتَعَدَّوْنَ عَلَى النَّاسِ، فَيُسِيئُونَ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِيهِ
٢٠ ‏/ ٥٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ إِيَّاهُ ﴿فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١] يَقُولُ: فَأُولَئِكَ الْمُنْتَصِرُونَ مِنْهُمْ لَا سَبِيلَ لِلْمُنْتَصِرِ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ بِعُقُوبَةٍ وَلَا أَذًى، لِأَنَّهُمُ انْتَصَرُوا مِنْهُمْ بِحَقٍّ، وَمَنْ أَخَذَ حَقَّهُ مِمَّنْ وَجَبَ ذَلِكَ لَهُ ⦗٥٢٧⦘ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ، لَمْ يَظْلِمْ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ كُلَّ مُنْتَصِرٍ مِمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، مُسْلِمًا كَانَ الْمُسِيءُ أَوْ كَافِرًا
٢٠ ‏/ ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: ثَنَا مُعَاذٌ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ عَنْ الِانْتِصَارِ، ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ [الشورى: ٤١] الْآيَةَ، فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ امْرَأَةِ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: زَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَعِنْدَنَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَجَعَلَ يَصْنَعُ بِيَدِهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَفْطِنْ لَهَا، فَقُلْتُ بِيَدِي حَتَّى فَطَّنْتُهُ لَهَا، فَأَمْسَكَ، وَأَقْبَلَتْ زَيْنَبُ تَقَحَّمُ لِعَائِشَةَ، فَنَهَاهَا، فَأَبَتْ أَنْ تَنْتَهِيَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ: «سُبِّيهَا» فَسَبَّتْهَا وَغَلَبَتْهَا وَانْطَلَقَتْ زَيْنَبُ فَأَتَتْ عَلِيًّا، فَقَالَتْ: إِنَّ عَائِشَةَ تَقَعُ بِكُمْ وَتَفْعَلُ بِكُمْ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ، فَقَالَ لَهَا: «إِنَّهَا حِبَّةُ أَبِيكِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»، فَانْصَرَفَتْ وَقَالَتْ لِعَلِيٍّ: إِنِّي قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ ⦗٥٢٨⦘ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ [الشورى: ٤١] الْآيَةَ قَالَ: «هَذَا فِي الْخَمْشِ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ»
٢٠ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١] قَالَ: «هَذَا فِيمَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْقِصَاصِ، فَأَمَّا لَوْ ظَلَمَكَ رَجُلٌ لَمْ يَحِلَّ لَكَ أَنْ تَظْلِمَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ الِانْتِصَارَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَقَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ
٢٠ ‏/ ٥٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١] قَالَ: «لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ انْتَصَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا قَدْ نُسِخَ، وَلَيْسَ هَذَا فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤]» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مَعْنِي بِهِ كُلَّ مُنْتَصِرٍ مِنْ ظَالِمِهِ، وَأَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ لِلْعِلَّةِ الَّتِي بَيَّنْتُ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا
٢٠ ‏/ ٥٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾ [الشورى: ٤٢] يَقُولُ تبارك وتعالى: إِنَّمَا الطَّرِيقُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى الَّذِينَ يَتَعَدَّوْنَ عَلَى النَّاسِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، بِأَنْ ⦗٥٢٩⦘ يُعَاقِبُوهُمْ بِظُلْمِهِمْ لَا عَلَى مِنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ حَقَّهُ
٢٠ ‏/ ٥٢٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الشورى: ٤٢] يَقُولُ: وَيَتَجَاوَزُونَ فِي أَرْضِ اللَّهِ الْحَدَّ الَّذِي أَبَاحَ لَهُمْ رَبُّهُمْ إِلَى مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِيهِ، فَيُفْسِدُونَ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩١] يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، لَهُمْ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ
٢٠ ‏/ ٥٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَنْ صَبَرَ عَلَى إِسَاءَةٍ إِلَيْهِ، وَغَفَرَ لِلْمُسِيءِ إِلَيْهِ جُرْمَهُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَنْتَصِرْ مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى الِانْتِصَارِ مِنْهُ قَادِرٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمَنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٣] يَقُولُ: إِنَّ صَبْرَهُ ذَلِكَ وَغُفْرَانَهُ ذَنْبَ الْمُسِيءِ إِلَيْهِ، لَمَنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الَّتِي نَدَبَ إِلَيْهَا عِبَادَهُ، وَعَزَمَ عَلَيْهِمُ الْعَمَلَ بِهِ ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [الشورى: ٤٤] يَقُولُ: وَمَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ عَنِ الرَّشَادِ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ وَلِيٍّ يَلِيهِ، فَيَهْدِيهِ لِسَبِيلِ الصَّوَابِ، وَيُسَدِّدُهُ مِنْ بَعْدِ إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ ﴿وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [الشورى: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَتَرَى الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَّا عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ يَقُولُونَ لِرَبِّهِمْ: ﴿هَلْ﴾ [البقرة: ٢١٠] لَنَا يَا رَبِّ ﴿إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤٤] وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ
٢٠ ‏/ ٥٢٩
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرَنَا وَسَمِعْنَا﴾ الْآيَةَ، اسْتَعْتَبَ الْمَسَاكِينَ فِي غَيْرِ حِينِ الِاسْتِعْتَابِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤٤] يَقُولُ: «إِلَى الدُّنْيَا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ «إِنَّ» فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمَنْ عَزْمٍ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: ٤٣] مَعَ دُخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ﴾ [الشورى: ٤٣] فَكَانَ نَحْوِيُّو أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: أَمَّا اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ﴾ [الشورى: ٤٣] فَلَامُ الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا إِنَّ ذَلِكَ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ، وَقَالَ: قَدْ تَقُولُ: مَرَرْتُ بِالدَّارِ الذِّرَاعُ بِدِرْهَمٍ: أَيِ الذِّرَاعُ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، وَمَرَرْتُ بِبُرٍّ قَفِيزٌ بِدِرْهَمٍ، أَيْ قَفِيزٌ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ قَالَ: وَأَمَّا ابْتِدَاءُ «إِنَّ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَمِثْلُ ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨] يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ، وَهَذَا إِذَا طَالَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَسْتَخْطِئُ هَذَا الْقَوْلَ وَيَقُولُ: إِنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَدْخَلَتِ اللَّامَ فِي أَوَائِلِ الْجَزَاءِ أَجَابَتْهُ بِجَوَابَاتِ الْأَيْمَانِ بِمَا، وَلَا، وَإِنَّ وَاللَّامِ قَالَ: وَهَذَا مِنْ ذَاكٍ، كَمَا قَالَ: ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ﴾ [الحشر: ١٢] ﴿وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا
٢٠ ‏/ ٥٣٠
يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [الحشر: ١٢] فَجَاءَ بِلَا وَبِاللَّامِ جَوَابًا للَّامِ الْأُولَى قَالَ: وَلَوْ قَالَ: لَئِنْ قُمْتُ إِنِّي لَقَائِمٌ لَجَازَ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الْعَائِدِ، لِأَنَّ الْجَوَّابَ فِي الْيَمِينِ قَدْ يَكُونُ فِيهِ الْعَائِدُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: لَئِنْ قُمْتَ لَأَقُومَنَّ، وَلَا أَقُومُ، وَإِنِّي لَقَائِمٌ فَلَا تَأْتِي بِعَائِدٍ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: مَرَرْتُ بِدَارٍ الذِّرَاعُ بِدِرْهَمٍ وَبِبُرٍّ قَفِيزٌ بِدِرْهَمٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْأَوَّلِ بِالْعَائِدِ، وَإِنَّمَا يُحْذَفُ الْعَائِدُ فِيهِ، لِأَنَّ الثَّانِي تَبْعِيضٌ لِلْأَوَّلِ مَرَرْتُ بِبُرٍّ بَعْضُهُ بِدِرْهَمٍ، وَبَعْضُهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى التَّبْعِيضُ حَذَفَ الْعَائِدَ قَالَ: وَأَمَّا ابْتِدَاءُ «إِنَّ» فِي كُلِّ مَوْضِعٍ إِذَا طَالَ الْكَلَامُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَبْتَدِئَ إِلَّا بِمَعْنَى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ جَوَّابٌ لِلْجَزَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا فَرَرْتُمْ مِنْهُ مِنَ الْمَوْتِ، فَهُوَ مُلَاقِيكُمْ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدِي أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا
٢٠ ‏/ ٥٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ [الشورى: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَرَى يَا مُحَمَّدُ الظَّالِمِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ ﴿خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ﴾ [الشورى: ٤٥] يَقُولُ: خَاضِعِينَ مُتَذَلِّلِينَ
٢٠ ‏/ ٥٣١
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الْخُشُوعُ: ⦗٥٣٢⦘ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ لِلَّهِ عز وجل»، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل: ﴿لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [الشورى: ٤٤] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ﴾ [الشورى: ٤٥] قَالَ: «قَدْ أَذَلَّهُمُ الْخَوْفُ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَخَشَعُوا لَهُ»
٢٠ ‏/ ٥٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿خَاشِعِينَ﴾ [الشورى: ٤٥] قَالَ: «خَاضِعِينَ مِنَ الذُّلِّ»
٢٠ ‏/ ٥٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] يَقُولُ: يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ الظَّالِمُونَ إِلَى النَّارِ حِينَ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مِنْ طَرْفٍ ذَلِيلٍ وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: مِنْ طَرْفٍ قَدْ خَفِيَ مِنْ ذِلَّةٍ
٢٠ ‏/ ٥٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ﴾ [الشورى: ٤٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] يَعْنِي بِالْخَفِيِّ: «الذَّلِيلَ»
٢٠ ‏/ ٥٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] قَالَ: «ذَلِيلٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُسَارِقُونَ النَّظَرَ
٢٠ ‏/ ٥٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] قَالَ: «يُسَارِقُونَ النَّظَرَ»
٢٠ ‏/ ٥٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] قَالَ: «يُسَارِقُونَ النَّظَرَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ فِي ذَلِكَ: جَعَلَ الطَّرْفَ الْعَيْنَ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَنَظَرُهُمْ مِنْ عَيْنٍ ضَعِيفَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: وَقَالَ يُونُسُ: إِنَّ ﴿مِنْ طَرْفٍ﴾ [الشورى: ٤٥] مِثْلُ بِطَرْفٍ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَرَبْتُهُ فِي السَّيْفِ، وَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] لِأَنَّهُ لَا يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ، إِنَّمَا يَنْظُرُ بِبَعْضِهَا وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى: ٤٥] لِأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى النَّارِ بِقُلُوبِهِمْ، لِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُمْيًا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى النَّارِ مِنْ طَرْفٍ ذَلِيلٍ، وَصَفَهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْخَفَاءِ لِلذِّلَّةِ الَّتِي قَدْ رَكِبَتْهُمْ، حَتَّى كَادَتْ أَعْيُنُهُمْ أَنْ تَغُورَ، فَتَذْهَبَ
٢٠ ‏/ ٥٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ ⦗٥٣٤⦘ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الشورى: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ: إِنَّ الْمَغْبُونِينَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ
٢٠ ‏/ ٥٣٣
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلَهُ: ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ١٥] قَالَ: «غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ فِي الْجَنَّةِ»
٢٠ ‏/ ٥٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ﴾ [الشورى: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ الْكَافِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عَذَابٍ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مُقِيمٍ عَلَيْهِمْ، ثَابِتٍ لَا يَزُولُ عَنْهُمْ، وَلَا يَبِيدُ، وَلَا يَخِفُّ
٢٠ ‏/ ٥٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ حِينَ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْلِيَاءُ يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَا يَنْتَصِرُونَ لَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ عَلَى مَا نَالَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤٦] يَقُولُ: وَمَنْ يَخْذُلْهُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ فَمَا لَهُ مِنْ طَرِيقٍ إِلَى الْوُصُولِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْإِضْلَالَ بِيَدِهِ دُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ
٢٠ ‏/ ٥٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ﴾ [الشورى: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْكَافِرِينَ بِهِ: أَجِيبُوا أَيُّهَا النَّاسُ دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ عَلَى مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ ﴿مِّنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤٣] يَقُولُ: لَا شَيْءَ يَرُدُّ مَجِيئَهُ إِذَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ، وَذَلِكَ ⦗٥٣٥⦘ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ﴾ [الشورى: ٤٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مَعْقِلٍ تَحْتَرِزُونَ فِيهِ، وَتَلْجَأُونَ إِلَيْهِ، فَتَعْتَصِمُونَ بِهِ مِنَ النَّازِلِ بِكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، كَانَ فِي الدُّنْيَا ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧] يَقُولُ: وَلَا أَنْتُمْ تَقْدِرُونَ لَمَّا يَحِلُّ بِكُمْ مِنْ عِقَابِهِ يَوْمَئِذٍ عَلَى تَغْيِيرِهِ، وَلَا عَلَى انْتِصَارٍ مِنْهُ إِذَا عَاقَبَكُمْ بِمَا عَاقَبَكُمْ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ﴾ [الشورى: ٤٧] قَالَ: “مِنْ مَحْرَزٍ وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ نَكِيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧] قَالَ: «نَاصِرٍ يَنْصُرُكُمْ»
٢٠ ‏/ ٥٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ﴾ [الشورى: ٤٧] «تَلْجَأُونَ إِلَيْهِ» ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ [الشورى: ٤٧] يَقُولُ: «مِنْ عِزٍّ تَعْتَزُّونَ»
٢٠ ‏/ ٥٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ﴾ [الشورى: ٤٨]
٢٠ ‏/ ٥٣٥
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ أَعْرَضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ عَمَّا أَتَيْتُهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَدَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الرُّشْدِ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ، وَأَبَوْا قَبُولَهُ مِنْكَ، فَدَعْهُمْ، فَإِنَّا لَنْ نُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ رَقِيبًا عَلَيْهِمْ، تَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ وَتُحْصِيهَا ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [الشورى: ٤٨] يَقُولُ: مَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا أَنْ تُبَلِّغَهُمْ مَا أَرْسَلْنَاكَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَإِذَا بَلَّغْتَهُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ ﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا﴾ [الشورى: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّا إِذَا أَغْنَيْنَا ابْنَ آدَمَ فَأَعْطَيْنَاهُ مِنْ عِنْدِنَا سَعَةً، وَذَلِكَ هُوَ الرَّحْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَرِحَ بِهَا: يَقُولُ: سُرَّ بِمَا أَعْطَيْنَاهُ مِنَ الْغِنَى، وَرَزَقْنَاهُ مِنَ السَّعَةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [النساء: ٧٨] يَقُولُ: وَإِنَّ أَصَابَتْهُمْ فَاقَةٌ وَفَقْرٌ وَضِيقُ عَيْشٍ ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٩٥] يَقُولُ: بِمَا أَسْلَفَتْ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ، جَحَدَ نِعْمَةَ اللَّهِ، وَأَيِسَ مِنَ الْخَيْرِ ﴿فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ﴾ [الشورى: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّ الْإِنْسَانَ جَحُودٌ نِعَمَ رَبِّهِ، يُعَدِّدُ الْمَصَائِبِ، وَيَجْحَدُ النِّعَمَ وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ [النساء: ٧٨] فَأَخْرَجَ الْهَاءَ وَالْمِيمَ مَخْرَجَ كِنَايَةِ جَمْعِ الذُّكُورِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِنْسَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْعِ
٢٠ ‏/ ٥٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّهِ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ، يَفْعَلُ فِي سُلْطَانِهِ مَا يَشَاءُ، وَيَخْلُقُ مَا يُحِبُّ خَلْقَهُ، يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْوَلَدِ الْإِنَاثَ ⦗٥٣٧⦘ دُونَ الذُّكُورِ، بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَا حَمَلَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ أُنْثَى ﴿وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ [الشورى: ٤٩] يَقُولُ: وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمُ الذُّكُورَ، بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ حَمْلٍ حَمَلَتْهُ امْرَأَتُهُ ذَكَرًا لَا أُنْثَى فِيهِمْ
٢٠ ‏/ ٥٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ [الشورى: ٥٠] قَالَ: «يَخْلِطُ بَيْنَهُمْ يَقُولُ: التَّزْوِيجُ: أَنْ تَلِدَ الْمَرْأَةُ غُلَامًا، ثُمَّ تَلِدُ جَارِيَةً، ثُمَّ تَلِدُ غُلَامًا، ثُمَّ تَلِدُ جَارِيَةً»
٢٠ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ [الشورى: ٤٩] ” قَادِرٌ وَاللَّهِ رَبُّنَا عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَهَبَ لِلرَّجُلِ ذُكُورًا لَيْسَتْ مَعَهُمْ أُنْثَى، وَأَنْ يَهَبَ لِلرَّجُلِ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا، فَيَجْمَعُهُمْ لَهُ جَمِيعًا، ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى: ٥٠] «لَا يُولَدُ لَهُ»
٢٠ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ [الشورى: ٤٩] «لَيْسَتْ مَعَهُمْ إِنَاثٌ» ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ [الشورى: ٥٠] قَالَ: «يَهَبُ لَهُمْ إِنَاثًا وَذُكْرَانًا»، ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ ⦗٥٣٩⦘ عَقِيمًا﴾ [الشورى: ٥٠] لَا يُولَدُ لَهُ “
٢٠ ‏/ ٥٣٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى: ٥٠] يَقُولُ: «لَا يُلْقِحُ»
٢٠ ‏/ ٥٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى: ٥٠] «لَا يَلِدُ وَاحِدًا وَلَا اثَنَيْنِ»
٢٠ ‏/ ٥٣٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ [الشورى: ٤٩] «لَيْسَ فِيهِمْ أُنْثَى» ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ [الشورى: ٥٠] «تَلِدُ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا مَرَّةً وَأُنْثَى مَرَّةً» ﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ [الشورى: ٥٠] «لَا يُولَدُ لَهُ» وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ﴾ [الشورى: ٥٠]
٢٠ ‏/ ٥٣٩
مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ [الشورى: ٥٠] قَالَ: «أَوْ يَجْعَلُ فِي الْوَاحِدِ ذَكَرًا وَأُنْثَى تَوْأَمًا»، هَذَا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ [الشورى: ٥٠]
٢٠ ‏/ ٥٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [سورة: الشورى، آية رقم: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهِ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَخْلُقُ، وَقُدْرَةٍ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ⦗٥٤٠⦘ أَرَادَ خَلْقَهُ
٢٠ ‏/ ٥٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيُّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يُكَلِّمَهُ رَبُّهُ إِلَّا وَحْيًا يُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، أَوْ إِلْهَامًا، وَإِمَّا غَيْرُهُ ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: ٥١] يَقُولُ: أَوْ يُكَلِّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ كَلَامَهُ وَلَا يَرَاهُ، كَمَا كَلَّمَ مُوسَى نَبِيَّهُ ﷺ ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾ [الشورى: ٥١] يَقُولُ: أَوْ يُرْسِلَ اللَّهُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ رَسُولًا، إِمَّا جِبْرَائِيلُ، وَإِمَّا غَيْرُهُ ﴿فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥١] يَقُولُ: فَيُوحِيَ ذَلِكَ الرَّسُولُ إِلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ مَا يَشَاءُ، يَعْنِي: مَا يَشَاءُ رَبُّهُ أَنْ يُوحِيَهُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْي، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا﴾ [الشورى: ٥١] «يُوحِي إِلَيْهِ» ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: ٥١] «مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ»، ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥١] قَالَ: «جِبْرَائِيلُ يَأْتِي بِالْوَحْيِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ﴾ [الشورى: ٥١]، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ
٢٠ ‏/ ٥٤٠
قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿فَيُوحِيَ﴾ [الشورى: ٥١] بِنَصْبِ الْيَاءِ عَطْفًا عَلَى ﴿يُرْسِلَ﴾ [الشورى: ٥١]، وَنَصَبُوا ﴿يُرْسِلَ﴾ [الشورى: ٥١] عَطْفًا بِهَا عَلَى مَوْضِعِ الْوَحْيِ وَمَعْنَاهُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُوحِيَ إِلَيْهِ أَوْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ وَقَرَأَ ذَلِكَ نَافِعٌ الْمَدَنِيُّ (فَيُوحِي) بِإِرْسَالِ الْيَاءِ بِمَعْنَى الرَّفْعِ عَطْفًا بِهِ عَلَى (يُرْسِلُ)، وَبِرَفْعِ (يُرْسِلُ) عَلَى الِابْتِدَاءِ
٢٠ ‏/ ٥٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ عَلِيُّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّهُ يَعْنِي نَفْسَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ذُو عُلُوٍّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَارْتِفَاعٍ عَلَيْهِ، وَاقْتِدَارٍ ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩]: يَقُولُ: ذُو حِكْمَةٍ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ
٢٠ ‏/ ٥٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] وَكَمَا كُنَّا نُوحِي فِي سَائِرِ رُسُلِنَا، كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ، رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا: يَقُولُ: وَحْيًا وَرَحْمَةً مِنْ أَمْرِنَا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الرُّوحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الرَّحْمَةَ
٢٠ ‏/ ٥٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] قَالَ: «رَحْمَةً مِنْ أَمْرِنَا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَحْيًا مِنْ أَمْرِنَا
٢٠ ‏/ ٥٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] قَالَ: «وَحْيًا مِنْ أَمْرِنَا» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّوحِ فِيمَا مَضَى بِذِكْرِ اخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ ‏/ ٥٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: ٥٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: مَا كُنْتَ تَدْرِي يَا مُحَمَّدُ أَيُّ شَيْءٍ الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ اللَّذَيْنِ أَعْطَيْنَاكَهُمَا ﴿وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا﴾ [الشورى: ٥٢] يَقُولُ: وَلَكِنْ جَعَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ، وَهُوَ الْكِتَابُ نُورًا، يَعْنِي ضِيَاءً لِلنَّاسٍ، يَسْتَضِيئُونَ بِضَوْئِهِ الَّذِي بَيَّنَ اللَّهُ فِيهِ، وَهُوَ بَيَانُهُ الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ، مِمَّا لَهُمْ فِيهِ فِي الْعَمَلِ بِهِ الرَّشَادُ، وَمِنَ النَّارِ النَّجَاةُ ﴿نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] يَقُولُ: نَهْدِي بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ «بِهِ» مِنْ ذِكْرِ الْكِتَابِ
٢٠ ‏/ ٥٤٢
ويعني بِقَوْلِهِ: ﴿نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ﴾ [الشورى: ٥٢] نُسَدِّدُ إِلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ﴿مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] يَقُولُ: نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ هِدَايَتَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ عِبَادِنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: ٥٢] «يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ» ﴿وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى: ٥٢] «يَعْنِي بِالْقُرْآنِ» وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ﴾ [الشورى: ٥٢] فَوَحَّدَ الْهَاءَ، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلُ الْكِتَابَ وَالْإِيمَانَ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْخَبَرَ عَنِ الْكِتَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الْإِيمَانَ وَالْكِتَابَ، وَلَكِنْ وَحَّدَ الْهَاءَ، لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَفْعَالِ يَجْمَعُ جَمِيعَهَا الْفِعْلُ، كَمَا يُقَالُ: إِقْبَالُكَ وَإِدْبَارُكَ يُعْجِبُنِي، فَيُوَحِّدُهُمَا وَهُمَا اثَنَانِ
٢٠ ‏/ ٥٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ عِبَادَنَا، بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ، وَالْبَيَانِ لَهُمْ
٢٠ ‏/ ٥٤٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] قَالَ تبارك وتعالى ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧] «دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل»
٢٠ ‏/ ٥٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] قَالَ: «لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»
٢٠ ‏/ ٥٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] يَقُولُ: «تَدْعُو إِلَى دَيْنٍ مُسْتَقِيمٍ»
٢٠ ‏/ ٥٤٤
﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، طَرِيقُ اللَّهِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ عِبَادَهُ، الَّذِي لَهُمْ مُلْكُ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالصِّرَاطُ الثَّانِي: تَرْجَمَةٌ عَنِ الصِّرَاطِ الْأَوَّلِ
٢٠ ‏/ ٥٤٤
وَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَا إِلَى اللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ تَصِيرُ أُمُورُكُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَيَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْعَدْلِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَيْسَتْ أُمُورُهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ؟ قِيلَ: هِيَ وَإِنْ كَانَ إِلَيْهِ تَدْبِيرُ جَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَهُمْ حُكَّامًا وَولَاةً يَنْظُرُونَ بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَاكِمٌ وَلَا سُلْطَانٌ غَيْرُهُ، فَلِذَلِكَ قِيلَ: إِلَيْهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ هُنَالِكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ قَضَاؤُهَا وَتَدْبِيرُهَا فِي كُلِّ حَالٍ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …