مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانِي عَشْرَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢١ / ٣٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: ١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَبِنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] يَقُولُ: لَا تَعْجَلُوا بِقَضَاءِ أَمْرٍ فِي حُرُوبِكُمْ أَوْ دِينِكُمْ، قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ لَكُمْ فِيهِ وَرَسُولُهُ، فَتَقْضُوا بِخِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ، مَحْكِيُّ عَنِ الْعَرَبِ فُلَانٌ يُقْدِّمُ بَيْنَ يَدَيْ إِمَامِهِ، بِمَعْنَى يَعْجَلُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ دُونَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ بِالْبَيَانِ عَنْ مَعْنَاهُ
٢١ / ٣٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] يَقُولُ: «لَا تَقُولُوا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ»
٢١ / ٣٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] الْآيَةَ قَالَ: «نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلَامِهِ»
٢١ / ٣٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] قَالَ: «لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقْضِيَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ»
٢١ / ٣٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا لَوُضِعَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَكَرِهَ اللَّهُ عز وجل ذَلِكَ، وَقَدَّمَ فِيهِ»
٢١ / ٣٣٦
وَقَالَ الْحَسَنُ: «أُنَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ذَبَحُوا قَبْلَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَمَرَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعِيدُوا ذَبْحًا آخَرَ»
٢١ / ٣٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] قَالَ: «إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا، لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا» وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمْ قَوْمٌ نَحَرُوا قَبْلَ أَنْ ⦗٣٣٧⦘ يُصَلِّيَ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُعِيدُوا الذَّبْحَ
٢١ / ٣٣٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] «يَعْنِي بِذَلِكَ فِي الْقِتَالِ، وَكَانَ مِنْ أُمُورِهِمْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْضَى إِلَّا بِأَمْرِهِ مَا كَانَ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِمْ»
٢١ / ٣٣٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] قَالَ: «لَا تَقْطَعُوا الْأَمْرَ دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»
٢١ / ٣٣٧
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] قَالَ: «لَا تَقْضُوا أَمْرًا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ» وَبِضَمِّ التَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا تُقَدِّمُوا﴾ [الحجرات: ١] قَرَأَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ قَدَّمْتُ فِي كَذَا، وَتَقَدَّمْتُ فِي كَذَا، فَعَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ لَوْ كَانَ قِيلَ: (لَا تَقَدَّمُوا) بِفَتْحِ التَّاءِ كَانَ جَائِزًا
٢١ / ٣٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات: ١] يَقُولُ: وَخَافُوا اللَّهَ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فِي ⦗٣٣٨⦘ قَوْلِكُمْ أَنْ تَقُولُوا مَا لَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ بِهِ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ، وَرَاقِبُوهُ، إِنَّ اللَّهَ سُمَيْعٌ لِمَا تَقُولُونَ، عَلِيمٌ بِمَا تُرِيدُونَ بِقَوْلِكُمْ إِذَا قُلْتُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ضَمَائِرِ صُدُورِكُمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ غَيْرِكُمْ
٢١ / ٣٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ تَتَجَهَّمُوهُ بِالْكَلَامِ، وَتُغْلِظُونَ لَهُ فِي الْخِطَابِ ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ [الحجرات: ٢] يَقُولُ: وَلَا تُنَادُوهُ كَمَا يُنَادِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ [الحجرات: ٢] قَالَ «لَا تُنَادُوهُ نِدَاءً، وَلَكِنْ قَوْلًا لَيِّنًا يَا رَسُولَ اللَّهِ»
٢١ / ٣٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ [الحجرات: ٢] «كَانُوا يَجْهَرُونَ لَهُ بِالْكَلَامِ، وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ، فَوَعَظَهُمُ اللَّهُ، وَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ»
٢١ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «كَانُوا يَرْفَعُونَ وَيَجْهَرُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَوُعِظُوا، وَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ»
٢١ / ٣٣٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] الْآيَةَ، هُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣] «نَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يُنَادُوهُ كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُشَرِّفُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ، وَيَدْعُوهُ إِذَا دَعَوْهُ بِاسْمِ النُّبُوَّةِ»
٢١ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو ثَابِتِ بْنِ ثَابِتٍ قَيْسُ بْنُ الشَّمَّاسِ قَالَ: ثَنِي عَمِّي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الحجرات: ٢] قَالَ: قَعَدَ ثَابِتٌ فِي الطَّرِيقِ يَبْكِي قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ؟ قَالَ: لَهَذِهِ الْآيَةُ، أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِيَّ، وَأَنَا صَيِّتٌ رَفِيعُ الصَّوْتِ قَالَ: فَمَضَى عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَغَلَبَهُ الْبُكَاءُ قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ جَمِيلَةَ ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا دَخَلْتِ بَيْتَ فَرَسِي، فَشُدِّي عَلَيَّ الضَّبَّةَ بِمِسْمَارٍ، ⦗٣٤٠⦘ فَضَرَبَتْهُ بِمِسْمَارٍ حَتَّى إِذَا خَرَجَ عَطَفَهُ وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ حَتَّى يَتَوَفَّانِي اللَّهُ، أَوْ يَرْضَى عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ قَالَ: وَأَتَى عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي» فَجَاءَ عَاصِمٌ إِلَى الْمَكَانِ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ، فَوَجَدَهُ فِي بَيْتِ الْفَرَسِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوكَ، فَقَالَ: اكْسِرِ الضَّبَّةَ قَالَ: فَخَرَجَا فَأَتَيَا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ؟» فَقَالَ: أَنَا صَيِّتٌ، وَأَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيَّ ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الحجرات: ٢] فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟» فَقَالَ: رَضِيتُ بِبُشْرَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا أَرْفَعُ صَوْتِي أَبَدًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ [الحجرات: ٣] الْآيَةَ
٢١ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مَحْزُونٌ، فَقَالَ: «يَا ثَابِتُ مَا الَّذِي أَرَى بِكَ؟» فَقَالَ: آيَةٌ قَرَأْتُهَا اللَّيْلَةَ، فَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ حَبِطَ عَمَلِي ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] وَكَانَ فِي أُذُنِهِ صَمَمٌ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْشَى أَنْ أَكُونَ قَدْ رَفَعْتُ صَوْتِي، وَجَهَرْتُ لَكَ بِالْقَوْلِ، وَأَنْ أَكُونَ قَدْ حَبِطَ عَمَلِي، وَأَنَا لَا أَشْعُرُ: فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «امْشِ عَلَى الْأَرْضِ نَشِيطًا فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»
٢١ / ٣٤٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] الْآيَةَ قَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ: فَأَنَا كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَجْهَرُ لَهُ بِالْقَوْلِ، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَعَدَ فِي بَيْتِهِ، فَتَفَقَّدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهُ لَجَارِي، وَلَئِنْ شِئْتَ لَأَعْلَمَنَّ لَكَ عِلْمَهُ، فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ تَفَقَّدَكَ، وَسَأَلَ عَنْكَ، فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] الْآيَةَ وَأَنَا كُنْتُ أَرْفَعُ صَوْتِي فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَجْهَرُ لَهُ بِالْقَوْلِ، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْيَمَامَةِ انْهَزَمَ النَّاسُ، فَقَالَ: «أُفٍّ لِهَؤُلَاءِ وَمَا يَعْبُدُونَ، وَأُفٍّ لِهَؤُلَاءِ وَمَا يَصْنَعُونَ»، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ خَلُّوا لِي بِشَيْءٍ لَعَلي أَصْلَى بِحَرِّهَا سَاعَةً قَالَ: وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى ثُلْمَةٍ، فَقَتَلَ وَقُتِلَ
٢١ / ٣٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] قَالَ: يَا نَبِيِّ اللَّهِ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فَوْقَ صَوْتِكَ، وَإِنِّي امْرُؤٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ، وَنَهَى اللَّهُ الْمَرْءَ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، فَأَجِدُنِي أُحِبُّ أَنْ أُحْمَدَ؛ وَنَهَى اللَّهُ عَنِ الْخُيَلَاءِ وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْجَمَالَ؛ قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا ثَابِتُ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، ⦗٣٤٢⦘ وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟» فَعَاشَ حَمِيدًا، وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ
٢١ / ٣٤١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ جَمِيلٍ الْجُمَحِيُّ قَالَ: ثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «قَدِمَ وَفْدٌ أَرَاهُ قَالَ: تَمِيمٌ، عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، مِنْهُمُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ عَلَى قَوْمِهِ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَفْعَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ قَالَ: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الحجرات: ٣] قَالَ: فَمَا حَدَّثَ عُمَرُ النَّبِيَّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَسْمَعُ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: وَمَا ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَدَّهُ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ»
٢١ / ٣٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ [الحجرات: ٢] يَقُولُ: أَنْ لَا تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ فَتَذْهَبَ بَاطِلَةً لَا ثَوَابَ لَكُمْ عَلَيْهَا، وَلَا جَزَاءَ بِرَفْعِكُمْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ نَبِيِّكُمْ، وَجَهْرِكُمْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ⦗٣٤٣⦘ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَعْنَاهُ: لَا تَحْبَطُ أَعْمَالُكُمْ قَالَ: وَفِيهِ الْجَزْمُ وَالرَّفْعُ إِذَا وَضَعَتْ «لَا» مَكَانَ «أَنْ» قَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «فَتَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ» وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْجَزْمِ، وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قَالَ: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ: أَيْ مَخَافَةَ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَقَدْ يُقَالُ: أَسْنِدِ الْحَائِطَ أَنْ يَمِيلَ وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥] يَقُولُ: وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَدْرُونَ
٢١ / ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الحجرات: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَكُفُّونَ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَصْلُ الْغَضِّ: الْكَفُّ فِي لِينٍ وَمِنْهُ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَهُوَ كَفُّهُ عَنِ النَّظَرِ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ … فَلَا كَعْبًا بَلَغَتْ وَلَا كِلَابًا
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ … فَلَا كَعْبًا بَلَغَتْ وَلَا كِلَابًا
٢١ / ٣٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ [الحجرات: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، هُمُ الَّذِينَ اخْتَبَرَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِامْتِحَانِهِ إِيَّاهَا، فَاصْطَفَاهَا وَأَخْلَصَهَا لِلتَّقْوَى، يَعْنِي لِاتِّقَائِهِ بِأَدَاءِ طَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، كَمَا يُمْتَحَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ، فَيَخْلُصُ جَيِّدُهَا، وَيَبْطُلُ خَبَثُهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الحجرات: ٣] قَالَ: «أَخْلَصَ»
٢١ / ٣٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الحجرات: ٣] قَالَ: «أَخْلَصَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ فِيمَا أَحَبَّ»
٢١ / ٣٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] يَقُولُ: لَهُمْ مِنَ اللَّهِ عَفْوٌ عَنْ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ، وَصَفْحٌ مِنْهُ عَنْهَا لَهُمْ ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩] يَقُولُ: وَثَوَابٌ جَزِيلٌ، وَهُوَ الْجَنَّةُ
٢١ / ٣٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ وَرَاءِ حُجْرَاتِكَ، وَالْحُجْرَاتُ: جَمْعُ حُجْرَةٍ، وَالثَّلَاثُ: حُجْرٌ، ثُمَّ تُجْمَعُ الْحُجَرُ فَيُقَالُ: حُجُرَاتٌ وَحُجْرَاتٌ، وَقَدْ تَجْمَعُ بَعْضُ الْعَرَبِ الْحُجَرَ: حُجَرَاتٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جَمْعٍ كَانَ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشْرَةٍ عَلَى فُعَلَ يَجْمَعُونَهُ عَلَى فَعَلَاتٍ بِفَتْحِ ثَانِيهِ، وَالرَّفْعُ أَفْصَحُ وَأَجْوَدُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
⦗٣٤٥⦘ أَمَا كَانَ عَبَّادٌ كَفِيئَا لِدَارِمٍ … بَلَى وَلِأَبْيَاتٍ بِهَا الْحُجُرَاتُ
يَقُولُ: بَلَى وَلِبَنِي هَاشِمٍ
⦗٣٤٥⦘ أَمَا كَانَ عَبَّادٌ كَفِيئَا لِدَارِمٍ … بَلَى وَلِأَبْيَاتٍ بِهَا الْحُجُرَاتُ
يَقُولُ: بَلَى وَلِبَنِي هَاشِمٍ
٢١ / ٣٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٣] يَقُولُ: أَكْثَرُهُمْ جُهَّالٌ بِدِينِ اللَّهِ، وَاللَّازِمُ لَهُمْ مِنْ حَقِّكَ وَتَعْظِيمِكَ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي بَعْدَهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءُوا يُنَادُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ وَرَاءِ حُجْرَاتِهِ: يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إِلَيْنَا
٢١ / ٣٤٥
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَا: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ، فَقَالَ: «ذَاكَ اللَّهُ تبارك وتعالى» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «ذَاكُمُ اللَّهُ عز وجل»
٢١ / ٣٤٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ دَاودَ الطُّفَاوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْلِمٍ الْبَجَلِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: جَاءَ ⦗٣٤٦⦘ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَنَحْنُ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا نَعِشْ فِي جَنَاحِهِ؛ قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ قَالَ: ثُمَّ جَاءُوا إِلَى حُجَرِ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات: ٤] قَالَ: فَأَخَذَ نَبِيُّ اللَّهِ بِأُذُنِي فَمَدَّهَا، فَجَعَلَ يَقُولُ: «قَدْ صَدَّقَ اللَّهُ قَوْلَكَ يَا زَيْدُ، قَدْ صَدَّقَ اللَّهُ قَوْلَكَ يَا زَيْدُ»
٢١ / ٣٤٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: ثَنَا عَفَّانُ قَالَ: ثَنَا وهَيْبٌ قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: ثَنِي الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ مَدْحِي زَيْنٌ، وَإِنَّ شَتْمِي شَيْنٌ؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «وَيْلَكَ ذَلِكَ اللَّهُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] الْآيَةَ
٢١ / ٣٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٤٧⦘ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] أَعْرَابُ بَنِي تَمِيمٍ “
٢١ / ٣٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَنَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجَرِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ مَدْحِي زَيْنٌ، إِنَّ شَتْمِي شَيْنٌ؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «وَيْلَكَ ذَلِكَ اللَّهُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات: ٤]
٢١ / ٣٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يُنَادِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ حَمْدَهُ لَزَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمَّهُ لَشَيْنٌ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «ذَاكُمُ اللَّهُ» فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ ” وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ شَاعِرًا
٢١ / ٣٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: “كَانَ بِشْرُ بْنُ غَالِبٍ وَلَبِيدُ بْنُ عُطَارِدٍ، أَوْ بِشْرُ بْنُ عُطَارِدٍ وَلَبِيدُ بْنُ غَالِبٍ، وَهُمَا عِنْدَ الْحَجَّاجِ جَالِسَانِ، يَقُولُ بِشْرُ بْنُ غَالِبٍ لِلَبِيدِ بْنِ عُطَارِدٍ نَزَلَتْ فِي قَوْمِكَ بَنِي تَمِيمٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِآخِرِ الْآيَةِ، أَجَابَهُ: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات: ١٧] قَالُوا: أَسْلَمْنَا، وَلَمْ يُقَاتِلْكَ بَنُو أَسَدٍ
٢١ / ٣٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ⦗٣٤٨⦘ أَتَى أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وَرَاءِ حُجْرَتِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «مَا لَكَ مَا لَكَ؟»، فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ مَدْحِي لَزَيْنٌ، وَأَنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ذَاكُمُ اللَّهُ»، فَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات: ٢] ” وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْجِيمِ مِنَ الْحُجُرَاتِ، سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ، فَإِنَّهُ قَرَأَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى مَا وَصَفْتُ مِنْ جَمْعِ الْحُجْرَةِ حُجَرٌ، ثُمَّ جَمْعُ الْحُجَرِ: حُجُرَاتٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا الضَّمُّ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا لِمَا وَصَفْتُ قَبْلُ
٢١ / ٣٤٧
وَقَوْلَهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [الحجرات: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ صَبَرُوا فَلَمْ يُنَادُوكَ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ إِذَا خَرَجْتَ، لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُمْ بِتَوْقِيرِكَ وَتَعْظِيمِكَ، فَهُمْ بِتَرْكِهِمْ نِدَاءَكَ تَارِكُونَ مَا قَدْ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ ذُو عَفْوٍ عَمَّنْ نَادَاكَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، إِنْ هُوَ تَابَ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ بِنِدَائِكَ كَذَلِكَ، وَرَاجَعَ أَمْرَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ، وَفِي غَيْرِهِ؛ رَحِيمٌ بِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذَنْبِهِ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِ تَوْبَتِهِ مِنْهُ
٢١ / ٣٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ⦗٣٤٩⦘ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَأٍ عَنْ قَوْمٍ فَتَبَيَّنُوا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: ٩٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (فَتَثَبَّتُوا) بِالثَّاءِ، وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ مَنْقُوطَةٌ بِالثَّاءِ وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ فَتَبَيَّنُوا بِالْبَاءِ، بِمَعْنَى: أَمْهِلُوا حَتَّى تَعْرِفُوا صِحَّتَهُ، لَا تَعْجَلُوا بِقَبُولِهِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى «فَتَثَبَّتُوا» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ
٢١ / ٣٤٨
ذِكْرُ السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا فِي صَدَقَاتِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْقَوْمُ، فَتَلَقَّوْهُ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: فَحَدَّثَهُ الشَّيْطَانُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، قَالَتْ: فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: ⦗٣٥٠⦘ إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا صَدَقَاتِهِمْ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمُونَ قَالَ: فَبَلَغَ الْقَوْمَ رُجُوعُهُ قَالَ: فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَصَفُّوا لَهُ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَسَخَطِ رَسُولِهِ بَعَثْتَ إِلَيْنَا رَجُلًا مُصَدِّقًا، فَسُرِرْنَا بِذَلِكَ، وَقَرَّتْ بِهِ أَعْيُنُنَا، ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ مِنْ بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَخَشِينَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ غَضَبًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى جَاءَ بِلَالٌ، وَأَذَّنَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ؛ قَالَ: وَنَزَلَتْ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾»
٢١ / ٣٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ الْآيَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، لِيَأْخُذَ مِنْهُمُ الصَّدَقَاتِ، وَإِنَّهُ لَمَّا أَتَاهُمُ الْخَبَرُ فَرِحُوا، وَخَرَجُوا لِيَتَلَقَّوْا رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنَّهُ لَمَّا حُدِّثَ الْوَلِيدُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ، رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَدْ مَنَعُوا الصَّدَقَةَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَضَبًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ، إِذْ أَتَاهُ الْوَفْدُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا حُدِّثْنَا أَنَّ رَسُولَكَ رَجَعَ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّا خَشِينَا أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَدَّهُ كِتَابٌ جَاءَهُ مِنْكَ لِغَضَبِ غَضِبْتَهُ عَلَيْنَا، وَإِنَّا نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ ⦗٣٥١⦘ رَسُولِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ “
٢١ / ٣٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ قَالَ: «الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، بَعَثَهُ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، لِيُصَدِّقَهُمْ، فَتَلَقَّوْهُ بِالْهَدِيَّةِ فَرَجَعَ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ جَمَعَتْ لِتُقَاتِلَكَ»
٢١ / ٣٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ [الحجرات: ٦] وَهُوَ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، بَعَثَهُ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مُصَدِّقًا إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ، فَهَابَهُمْ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَبَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَلَا يُعَجِّلَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهُمْ لَيْلًا، فَبَعَثَ عُيُونَهُ؛ فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرُوا خَالِدًا أَنَّهُمْ مُسْتَمْسِكُونَ بِالْإِسْلَامِ، وَسَمِعُوا آذَانَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَتَاهُمْ خَالِدٌ، فَرَأَى الَّذِي يُعْجِبُهُ، فَرَجَعَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل مَا
٢١ / ٣٥١
تَسْمَعُونَ، فَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ يَقُولُ: «التَّبَيُّنُ مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٢١ / ٣٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ»
٢١ / ٣٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ هِلَالٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ حِينَ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ»
٢١ / ٣٥٢
قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ إِلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، الْوَلِيدَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ؛ فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ رَكِبُوا إِلَيْهِ؛ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ خَافَهُمْ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ هَمُّوا بِقَتْلِهِ، وَمَنَعُوا مَا قِبَلَهُمْ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ، فَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذِكْرِ غَزْوِهِمْ حَتَّى هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَنْ يَغْزُوَهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ قَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْنَا بِرَسُولِكَ حِينَ بَعَثْتَهُ إِلَيْنَا، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ لِنُكْرِمَهُ، وَلِنُؤَدِّيَ إِلَيْهِ مَا قِبَلَنَا مِنَ الصَّدَقَةِ، فَاسْتَمَرَّ رَاجِعًا،
٢١ / ٣٥٢
فَبَلَغَنَا أَنَّهُ يَزْعُمُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّا خَرَجْنَا إِلَيْهِ لِنُقَاتِلَهُ، وَوَاللَّهِ مَا خَرَجْنَا لِذَلِكَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَفِيهِمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ الْآيَةَ ” قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى قَوْمٍ يُصَدِّقُهُمْ، فَأَتَاهُمُ الرَّجُلُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إِحْنَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَلَمَّا أَتَاهُمْ رَحَّبُوا بِهِ، وَأَقَرُّوا بِالزَّكَاةِ، وَأَعْطَوْا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنَعَ بَنُو فُلَانٍ الصَّدَقَةَ، وَرَجَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأَتَوْهُ فَقَالَ: «أَمَنَعْتُمُ الزَّكَاةَ، وَطَرَدْتُمْ رَسُولِي؟» فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا فَعَلْنَا، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا بُدَّ لَنَا، وَلَا مَنَعْنَا حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِنَا، فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَعَذَرَهُمْ
٢١ / ٣٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ [الحجرات: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَبَيَّنُوا لِئَلَّا تُصِيبُوا قَوْمًا بُرَآءَ مِمَّا قُذِفُوا بِهِ بِجِنَايَةٍ بِجَهَالَةٍ مِنْكُمْ ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا ⦗٣٥٤⦘ فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: ٦] يَقُولُ: فَتَنْدَمُوا عَلَى إِصَابَتِكُمْ إِيَّاهُمْ بِالْجِنَايَةِ الَّتِي تُصِيبُونَهُمْ بِهَا
٢١ / ٣٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحجرات: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِأَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، ﴿أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٧] فَاتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَقُولُوا الْبَاطِلَ، وَتَفْتَرُوا الْكَذِبَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُخْبِرُهُ أَخْبَارَكُمْ، وَيُعَرِّفُهُ أَنْبَاءَكُمْ، وَيُقَوِّمُهُ عَلَى الصَّوَابِ فِي أُمُورِهِ
٢١ / ٣٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْمَلُ فِي الْأُمُورَ بَآرَائِكُمْ وَيَقْبَلُ مِنْكُمْ مَا تَقُولُونَ لَهُ فَيُطِيعُكُمْ ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: ٧] يَقُولُ: لَنَالَكُمْ عَنَتٌ، يَعْنِي الشِّدَّةَ وَالْمَشَقَّةَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ بِطَاعَتِهِ إِيَّاكُمْ لَوْ أَطَاعَكُمْ لِأَنَّهُ كَانَ يُخْطِئُ فِي أَفْعَالِهِ كَمَا لَوْ قَبِلَ مِنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَوْلَهُ فِي بَنِي الْمُصْطَلِقِ: إِنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا، وَمَنَعُوا الصَّدَقَةَ، وَجَمَعُوا الْجُمُوعَ لِغَزْوِ الْمُسْلِمِينَ، فَغَزَاهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ، وَأَصَابَ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ كَانَ قَدْ قَتَلَ، وَقَتَلْتُمْ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا لَكُمْ قَتْلُهُ، وَأَخَذَ وَأَخَذْتُمْ مِنَ الْمَالِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَكُمْ أَخْذُهُ مِنْ أَمْوَالِ قَوْمٍ مُسْلِمَيْنَ، فَنَالَكُمْ مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ عَنَتٌ ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
٢١ / ٣٥٤
الْإِيمَانَ﴾ [الحجرات: ٧] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَنْتُمْ تُطِيعُونَ رَسُولَ اللَّهِ، وَتَأْتَمُّونَ بِهِ فَيَقِيكُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ مِنَ الْعَنَتِ مَا لَوْ لَمْ تُطِيعُوهُ وَتَتَّبِعُوهُ، وَكَانَ يُطِيعُكُمْ لَنَالَكُمْ وَأَصَابَكُمْ
٢١ / ٣٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ٧] يَقُولُ: وَحَسَّنَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ فَآمَنْتُمْ ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ﴾ [الحجرات: ٧] بِاللَّهِ ﴿وَالْفُسُوقَ﴾ [الحجرات: ٧] يَعْنِي الْكَذِبَ ﴿وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات: ٧] يَعْنِي رُكُوبَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَضْيِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: ٧] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَبَّبَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ، وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَرَّهَ إِلَيْهِمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ السَّالِكُونَ طَرِيقَ الْحَقِّ
٢١ / ٣٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾ [الحجرات: ٨] يَقُولُ: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ، وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعْمَةَ الَّتِي عَدَّهَا فَضْلًا مِنْهُ، وَإِحْسَانًا وَنِعْمَةً مِنْهُ أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: ٢٦] يَقُولُ: وَاللَّهُ ذُو عِلْمَ بِالْمُحْسِنِ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسِيءِ، وَمَنْ هُوَ لِنِعَمِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ أَهْلٌ، وَمَنْ هُوَ لِذَلِكَ غَيْرُ أَهْلٍ، وَحِكْمَةٍ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ، وَصَرْفِهِ إِيَّاهُمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ قَضَائِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: ٧] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ، رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٧] حَتَّى بَلَغَ ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: ٧] «هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، لَوْ أَطَاعَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ، فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ أَسْخَفُ رَأْيًا، وَأَطْيَشُ عُقُولًا، اتَّهَمَ رَجُلٌ رَأْيَهُ، وَانْتَصَحَ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ ثِقَةٌ لِمَنْ أَخَذَ بِهِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِنَّ مَا سِوَى كِتَابِ اللَّهِ تَغْرِيرٌ»
٢١ / ٣٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ، تَلَا قَتَادَةُ ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ [الحجرات: ٧] قَالَ: «فَأَنْتُمْ أَسْخَفُ رَأْيًا وَأَطْيَشُ أَحْلَامًا، فَاتَّهَمَ رَجُلٌ رَأْيَهُ، وَانْتَصَحَ كِتَابَ اللَّهِ» وَكَذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾ [الحجرات: ٧] قَالُوا
٢١ / ٣٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ٧] قَالَ: «حَبَّبَهُ إِلَيْهِمْ وَحَسَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾ [الحجرات: ٨] قَالُوا أَيْضًا
٢١ / ٣٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ﴾ [الحجرات: ٧] قَالَ: الْكَذِبَ وَالْعِصْيَانَ؛ قَالَ: «عِصْيَانُ النَّبِيِّ ﷺ» ﴿أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: ٧] «مِنْ أَيْنَ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةٌ؛ قَالَ: وَالْمُنَافِقُونَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ فِي الْقُرْآنِ الْكَاذِبِينَ؛ قَالَ: وَالْفَاسِقُ: الْكَاذِبُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كُلِّهِ»
٢١ / ٣٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ اقْتَتَلُوا، فَأَصْلِحُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَيْنَهُمَا بِالدُّعَاءِ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ، وَالرِّضَا بِمَا فِيهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، وَذَلِكَ هُوَ الْإِصْلَاحُ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى﴾ [الحجرات: ٩] يَقُولُ: فَإِنْ أَبَتَ إِحْدَى هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ لَهُ، وَعَلَيْهِ وَتَعَدَّتْ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَدْلًا بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَجَابَتِ الْأُخْرَى مِنْهُمَا ﴿فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾ [الحجرات: ٩] يَقُولُ: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَعْتَدِّي، وَتَأْبَى الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ ﴿حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩] يَقُولُ: حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ ﴿فَإِنْ فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ [الحجرات: ٩] يَقُولُ: فَإِنْ رَجَعَتِ الْبَاغِيَةُ بَعْدَ قِتَالِكُمْ إِيَّاهُمْ إِلَى الرِّضَا بِحُكْمِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى الَّتِي قَاتَلَتْهَا بِالْعَدْلِ: يَعْنِي بِالْإِنْصَافِ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ عَدْلًا بَيْنَ خَلْقِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٣٥٨⦘ قَوْلَهُ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩] «فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ النَّبِيَّ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْعُوهُمَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَيُنْصِفُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ أَجَابُوا حَكَمَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، حَتَّى يُنْصِفَ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ، فَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ أَنْ يُجِيبَ فَهُوَ بَاغٍ، فَحَقٌّ عَلَى إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُجَاهِدَهُمْ وَيُقَاتِلَهُمْ، حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَيُقِرُّوا بِحُكْمِ اللَّهِ»
٢١ / ٣٥٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: «هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ أَمَرَ بِهِ الْوُلَاةَ كَهَيْئَةِ مَا تَكُونُ الْعَصَبَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ، حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِذَا رَجَعَتْ أَصْلَحُوا بَيْنَهُمَا، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةٌ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ؛ قَالَ: وَلَا يُقَاتِلُ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ إِلَّا الْإِمَامُ» وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ اقْتَتَلَتَا فِي بَعْضِ مَا تَنَازَعَتَا فِيهِ، مِمَّا سَأَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
٢١ / ٣٥٨
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ⦗٣٥٩⦘ أَنَسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ: فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ وَرَكِبَ حِمَارًا، وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونِ، وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ؛ فَلَمَّا أَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَوَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَاللَّهِ لَنَتْنُ حِمَارِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ قَالَ: فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ قَالَ: فَكَانَ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِمْ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩] “
٢١ / ٣٥٨
حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ قَالَ: ثَنَا عَبْثَرٌ قَالَ: ثَنِي حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: «رَجُلَانِ اقْتَتَلَا فَغَضِبَ لِذَا قَوْمُهُ، وَلِذَا قَوْمُهُ، فَاجْتَمَعُوا حَتَّى اضَّرَبُوا بِالنِّعَالِ حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ»
٢١ / ٣٥٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: «كَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِغَيْرِ سِلَاحٍ»
٢١ / ٣٥٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: «كَانَا حَيَّيْنِ مِنْ أَحْيَاءِ الْأَنْصَارِ، كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ بِغَيْرِ سِلَاحٍ»
٢١ / ٣٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: «كَانَ قِتَالُهُمْ بِالنِّعَالِ وَالْعِصِيِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنَهُمْ»
٢١ / ٣٦٠
قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ قَالَ: ثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: “كَانَتْ تَكُونُ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، فَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْحُكْمِ فَيَأْبَوْنَ أَنْ يُجِيبُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩] يَقُولُ: ادْفَعُوهُمْ إِلَى الْحُكْمِ، فَكَانَ قِتَالُهُمُ الدَّفْعُ
٢١ / ٣٦٠
قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أُمُ زَيْدٍ، تَحْتَ رَجُلٍ، فَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا شَيْءٌ، فَرَقَّاهَا إِلَى عُلِّيَّةٍ، فَقَالَ لَهُمُ: احْفَظُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمَهَا، فَجَاءُوا وَجَاءَ قَوْمُهُ، فَاقْتَتَلُوا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَجَاءَ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: تَبْغِي: لَا تَرْضَى بُصلْحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَوْ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
٢١ / ٣٦٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٦١⦘ قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] قَالَ: «الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ اقْتَتَلُوا بِالْعِصِيِّ بَيْنَهُمْ»
٢١ / ٣٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩] الْآيَةَ، «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُدَارَأَةً فِي حَقٍّ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: لَآخُذَنَّهُ عَنْوَةً لِكَثْرَةِ عَشِيرَتِهِ، وَأَنَّ الْآخَرَ دَعَاهُ لِيُحَاكِمُهُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَأَبَى أَنْ يَتْبَعَهُ، فَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ حَتَّى تَدَافَعُوا، وَحَتَّى تَنَاوَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ بِالسُّيُوفِ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُقَاتَلَ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، كِتَابِ اللَّهِ، وَإِلَى حُكْمِ نَبِيِّهِ ﷺ» وَلَيْسَتْ كَمَا تَأَوَّلَهَا أَهْلُ الشُّبُهَاتِ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ، وَأَهْلُ الْفِرَاءِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ، أَنَّهُ الْمُؤْمِنُ يَحِلُّ لَكَ قَتْلُهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَظَّمَ اللَّهُ حُرْمَةَ الْمُؤْمِنِ حَتَّى نَهَاكَ أَنْ تَظُنَّ بِأَخِيكَ إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠] الْآيَةَ
٢١ / ٣٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، «أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ تَنَازُعٌ حَتَّى اضْطَرَبُوا بِالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩]» قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رَجُلَانِ ⦗٣٦٢⦘ بَيْنَهُمَا حَقٌّ، فَتَدَارَا فِيهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَآخُذَنَّهُ عَنْوَةً، لِكَثْرَةِ عَشِيرَتِهِ؛ وَقَالَ الْآخَرُ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَتَنَازَعَا حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي
٢١ / ٣٦١
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ زَيْدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات: ٩] «وَذَلِكَ الرَّجُلَانِ يَقْتَتِلَانِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَوِ النَّفَرُ وَالنَّفَرُ، أَوِ الْقَبِيلُ وَالْقَبِيلَةُ؛ فَأَمَرَ اللَّهُ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْضُوا بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ: إِمَّا الْقِصَاصُ وَالْقَوَدُ، وَإِمَّا الْعَقْلُ وَالْعِيرُ، وَإِمَّا الْعَفْوُ»، ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى﴾ [الحجرات: ٩] «بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ، حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَيَرْضَى بِهِ»
٢١ / ٣٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: ثَنِي ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ: يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ: «جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ: فَلَمَّا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ: لَقَدْ آذَانَا بَوْلُ حِمَارِهِ، وسَّدَ عَلَيْنَا الرُّوحَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ رَوَاحَةَ شَيْءٌ حَتَّى خَرَجُوا بِالسِّلَاحِ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَاهُمْ، فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ⦗٣٦٣⦘ أُبَيٍّ:
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاكَ خَصْمَكَ جَاهِدًا … تُظَلَّمْ وَيَصْرَعْكَ الَّذِينَ تُصَارِعُ
قَالَ: فَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩]»
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاكَ خَصْمَكَ جَاهِدًا … تُظَلَّمْ وَيَصْرَعْكَ الَّذِينَ تُصَارِعُ
قَالَ: فَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩]»
٢١ / ٣٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقْسَطُوا﴾ [الحجرات: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاعْدِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي حُكْمِكُمْ بَيْنَ مَنْ حَكَمْتُمْ بَيْنَهُمْ بِأَنْ لَا تَتَجَاوَزُوا فِي أَحْكَامِكُمْ حُكْمَ اللَّهِ وَحُكْمَ رَسُولِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَادِلِينَ فِي أَحْكَامِهِمْ، الْقَاضِينَ بَيْنَ خَلْقِهِ بِالْقِسْطِ
٢١ / ٣٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠] فِي الدِّينِ ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: ١٠] إِذَا اقْتَتَلَا بِأَنْ تَحْمِلُوهُمَا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ وَمَعْنَى الْأَخَوَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: كُلٌّ مُقْتَتِلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَبِالتَّثْنِيَةِ قَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَرَأَ «بَيْنَ إِخْوَانِكُمْ» بِالنُّونِ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمْعِ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافٌ لِمَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ
٢١ / ٣٦٣
الْأَمْصَارِ، فَلَا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ بِهَا ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَخَافُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ عَلَيْكُمْ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُقْتَتِلِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْعَدْلِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، لِيَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ، فَيَصْفَحَ لَكُمْ عَنْ سَالِفِ إِجْرَامِكُمْ إِذَا أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ، وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَاتَّقَيْتُمُوهُ بِطَاعَتِهِ
٢١ / ٣٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَا يَهْزَأْ قَوْمٌ مُؤْمِنُونَ مِنْ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴿عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ: الْمَهْزُوءُ مِنْهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْهَازِئِينَ
٢١ / ٣٦٤
﴿وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ: وَلَا يَهْزَأْ نِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ مِنْ نِسَاءٍ مُؤْمِنَاتٍ، عَسَى الْمَهْزُوءُ مِنْهُنَّ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنَ الْهَازِئَاتِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السُّخْرِيَةِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ سُخْرِيَةُ الْغَنِيِّ مِنَ الْفَقِيرِ، نُهِيَ أَنْ يَسْخَرَ مِنَ الْفَقِيرِ لِفَقْرِهِ
٢١ / ٣٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «لَا يَهْزَأْ قَوْمٌ بِقَوْمٍ أَنْ يَسْأَلَ رَجُلٌ فَقِيرٌ غَنِيًّا، أَوْ فَقِيرًا، وَإِنْ تَفَضَّلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَسْتَهْزِئْ بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ نُهِيَ مِنَ اللَّهِ مِنْ سَتَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانَ أَنْ يَسْخَرَ مِمَّنْ كَشَفَ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ مِنْهُمْ
٢١ / ٣٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «رُبَّمَا عَثَرَ عَلَى الْمَرْءِ عِنْدَ خَطِيئَتَهُ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ ظَهْرٌ عَلَى عَثْرَتَهُ هَذِهِ، وَسَتَرْتَ أَنْتَ عَلَى عَثْرَتِكَ، لَعَلَّ هَذِهِ الَّتِي ظَهَرَتْ خَيْرٌ لَهُ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ اللَّهِ، وَهَذِهِ الَّتِي سَتَرْتَ أَنْتَ عَلَيْهَا شَرٌّ لَكَ، مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ مَا يَغْفِرُ لَكَ؛ قَالَ: فَنُهِيَ الرَّجُلُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿لَا يَسْخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ [الحجرات: ١١] وَقَالَ فِي النِّسَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ»
٢١ / ٣٦٥
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّ بِنَهْيِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَسْخَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ جَمِيعُ مَعَانِي السُّخْرِيَةِ، فَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَسْخَرَ مِنْ مُؤْمِنٍ لَا لِفَقْرِهِ، وَلَا لِذَنْبٍ رَكِبَهُ، وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ
٢١ / ٣٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَلَا يَطْعَنُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ وَقَالَ: ﴿لَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] فَجَعَلَ اللَّامِزَ أَخَاهُ لَامِزًا نَفْسَهُ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَلْزَمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ تَحْسِينِ أَمْرِهِ، وَطَلَبِ صَلَاحِهِ، وَمَحَبَّتِهِ الْخَيْرَ وَلِذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ فَإِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ» وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضِ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] بِمَعْنَى: وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٣٦٧⦘ الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «لَا تَطْعَنُوا»
٢١ / ٣٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ: «وَلَا يَطْعَنُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٢١ / ٣٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ: «لَا يَطْعَنُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ»
٢١ / ٣٦٧
قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ: وَلَا تَدَاعَوْا بِالْأَلْقَابِ؛ وَالنَّبَزُ وَاللَّقَبُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، يُجْمَعُ النَّبَزُ: أَنْبَازًا، وَاللَّقَبُ: أَلْقَابًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَلْقَابِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنِ التَّنَابُزِ بِهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا الْأَلْقَابَ الَّتِي يَكْرَهُ النَّبْزَ بِهَا الْمُلَقَّبُ، وَقَالُوا: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ كَانَتْ لَهُمْ أَسْمَاءُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا نُهُوا أَنْ يَدْعُوَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِمَا يَكْرَهُ مِنْ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُدْعَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
٢١ / ٣٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَبِيرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ: «فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بَنِي سَلَمَةَ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَا مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا وَلَهُ اسْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَكَانَ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ بِالِاسْمِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] الْآيَةُ كُلُّهَا»
٢١ / ٣٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي جَبِيرَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الرَّجُلَ بِالْأَسْمَاءِ، فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا بِاسْمٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١]» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: ثَنِي أَبُو جُبَيْرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ
٢١ / ٣٦٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاودُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ثَنِي أَبُو جَبِيرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي سَلِمَةَ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا ⦗٣٦٩⦘ بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَيْسَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَّا وَلَهُ اسْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَكَانَ يَدْعُو الرَّجُلُ، فَتَقُولُ أُمُّهُ: إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذَا قَالَ: فَنَزَلَتْ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] وَقَالَ مَرَّةً: كَانَ إِذَا دَعَا بِاسْمٍ مِنْ هَذَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَغْضَبُ مِنْ هَذَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ: يَا فَاسِقُ، يَا زَانِي
٢١ / ٣٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: يَا مُنَافِقُ، يَا كَافِرُ»
٢١ / ٣٦٩
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: يَا فَاسِقُ، يَا مُنَافِقُ»
٢١ / ٣٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «يَا فَاسِقُ، يَا كَافِرُ»
٢١ / ٣٦٩
قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣٧٠⦘ أَوْ عِكْرِمَةَ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: يَا فَاسِقُ، يَا كَافِرُ»
٢١ / ٣٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «دُعِيَ رَجُلٌ بِالْكُفْرِ وَهُوَ مُسْلِمٌ»
٢١ / ٣٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] «يَقُولُ لِلرَّجُلِ: لَا تَقُلْ لِأَخِيكَ الْمُسْلِمِ: ذَاكَ فَاسِقٌ، ذَاكَ مُنَافِقٌ، نَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ»
٢١ / ٣٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ: «لَا يَقُولَنَّ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ: يَا فَاسِقُ، يَا مُنَافِقُ»
٢١ / ٣٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «تَسْمِيَتُهُ بِالْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَانٍ، فَاسِقٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَبِالْفُسُوقِ ⦗٣٧١⦘ وَالْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ بَعْدَ التَّوْبَةِ
٢١ / ٣٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١] الْآيَةَ قَالَ: «التَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَمِلَ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابَ مِنْهَا، وَرَاجَعَ الْحَقَّ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يُعَيَّرَ بِمَا سَلَفَ مِنْ عَمَلِهِ»
٢١ / ٣٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «كَانَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ، فَيُلَقَّبُ فَيُقَالُ لَهُ: يَا يَهُودِيُّ، يَا نَصْرَانِيُّ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ» وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، وَالتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ: هُوَ دُعَاءُ الْمَرْءِ صَاحِبَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ مِنَ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ، وَعَمَّ اللَّهُ بِنَهْيِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضَ الْأَلْقَابِ دُونَ بَعْضٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبُزَ أَخَاهُ بِاسْمٍ يَكْرَهُهُ أَوْ صِفَةٍ يَكْرَهُهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّتِ الْأَقْوَالُ الَّتِي قَالَهَا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا، وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ بَعْضٍ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا نَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبُزَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
٢١ / ٣٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ فَعَلَ مَا نَهَيْنَا عَنْهُ، وَتَقَدَّمَ عَلَى مَعْصِيَتِنَا بَعْدَ إِيمَانِهِ، فَسَخِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمَزَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ، وَنَبَزَهُ بِالْأَلْقَابِ، فَهُوَ فَاسِقٌ ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ: فَلَا تَفْعَلُوا فَتَسْتَحِقُّوا إِنْ فَعَلْتُمُوهُ أَنْ تُسَمَّوْا فُسَّاقًا، بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ، وَتَرَكَ ذِكْرَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْكَلَامِ، اكْتِفَاءً بِدِلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ﴾ [الحجرات: ١١] عَلَيْهِ
٢١ / ٣٧٢
وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِهِ، يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَرَأَ ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ حِينَ تُسَمِّيهِ بِالْفِسْقِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عَلَى الْإِسْلَامِ» قَالَ: «وَأَهْلُ هَذَا الرَّأْيِ هُمُ الْمُعْتَزِلَةُ، قَالُوا: لَا نُكَفِّرُهُ كَمَا كَفَّرَهُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ، وَلَا نَقُولُ لَهُ مُؤْمِنٌ كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ، وَلَكِنَّا نُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ إِنْ كَانَ سَارِقًا فَهُوَ سَارِقٌ، وَإِنْ كَانَ خَائِنًا سَمَّوْهُ خَائِنًا؛ وَإِنْ كَانَ زَانِيًا سَمَّوْهُ زَانِيًا» قَالَ: «فَاعْتَزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَأَهْلَ الْجَمَاعَةِ، فَلَا بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ قَالُوا، وَلَا بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ، فَسُمُّوا بِذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ» فَوَجَّهَ ابْنُ زَيْدٍ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١١] إِلَى مَنْ دُعِيَ فَاسِقًا، وَهُوَ تَائِبٌ مِنْ فِسْقِهِ، فَبِئْسَ الِاسْمُ ذَلِكَ لَهُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ أَوْلَى بِالْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَقَدَّمَ بِالنَّهْيِ عَمَّا تَقَدَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَخْتِمَهَا بِالْوَعِيدِ لِمَنْ تَقَدَّمَ عَلَى بَغْيِهِ، أَوْ بِقَبِيحِ رُكُوبِهِ مَا رَكِبَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ، لَا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ قُبْحِ مَا كَانَ التَّائِبُ أَتَاهُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ، إِذْ كَانَتِ الْآيَةُ لَمْ تُفْتَتَحْ
٢١ / ٣٧٢
بِالْخَبَرِ عَنْ رُكُوبِهِ مَا كَانَ رَكِبَ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنَ الْقَبِيحِ، فَيُخْتَمُ آخِرُهَا بِالْوَعِيدِ عَلَيْهِ أَوْ بِالْقَبِيحِ
٢١ / ٣٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ نَبْزِهِ أَخَاهُ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْ نَبْزِهِ بِهِ مِنَ الْأَلْقَابِ، أَوْ لَمْزِهِ إِيَّاهُ، أَوْ سُخْرِيَتِهِ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأَكْسَبُوهَا عِقَابَ اللَّهِ بِرُكُوبِهِمْ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ
٢١ / ٣٧٣
وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: ١١] قَالَ: «وَمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَلِكَ الْفُسُوقِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»
٢١ / ٣٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَّعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَا تَقْرَبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنْ تَظُنُّوا بِهِمْ سُوءًا، فَإِنَّ الظَّانَّ غَيْرُ مُحِقٍّ، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ [الحجرات: ١٢] وَلَمْ يَقُلِ: الظَّنَّ كُلَّهُ، إِذْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَظُنَّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ الْخَيْرَ، فَقَالَ: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] فَأَذِنَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَظُنَّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ الْخَيْرَ وَأَنْ يَقُولُوهُ، وَإِنْ لَمْ
٢١ / ٣٧٣
يَكُونُوا مِنْ قِيلِهِ فِيهِمْ عَلَى يَقِينٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ: «نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَ أَنْ يَظُنَّ بِالْمُؤْمِنِ شَرًّا» وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ: إِنَّ ظَنَّ الْمُؤْمِنِ بِالْمُؤْمِنِ الشَّرَّ لَا الْخَيْرَ إِثْمٌ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَاهُ عَنْهُ، فَفِعْلُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ إِثْمٌ وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ: وَلَا يَتَتَبَّعْ بَعْضُكُمْ عَوْرَةَ بَعْضٍ، وَلَا يَبْحَثْ عَنْ سَرَائِرِهِ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ الظُّهُورَ عَلَى عُيُوبِهِ، وَلَكِنِ اقْنَعُوا بِمَا ظَهَرَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِهِ، وَبِهِ فَاحْمِدُوا أَوْ ذِمُّوا، لَا عَلَى مَا لَا تَعْلَمُونَهُ مِنْ سَرَائِرِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ: «نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَ أَنْ يَتَتَبَّعَ عَوْرَاتِ ⦗٣٧٥⦘ الْمُؤْمِنِ»
٢١ / ٣٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢] قَالَ: «خُذُوا مَا ظَهَرَ لَكُمْ وَدَعُوا مَا سَتَرَ اللَّهُ»
٢١ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢] «هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّجَسُّسُ أَوِ التَّجْسِيسُ؟ هُوَ أَنْ تَتَّبِعَ، أَوْ تَبْتَغِيَ عَيْبَ أَخِيكَ لِتَطَّلِعَ عَلَى سِرِّهِ»
٢١ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢] قَالَ: «الْبَحْثُ»
٢١ / ٣٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: ١٢] قَالَ: «حَتَّى أَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَأَسْأَلَ عَنْهُ، حَتَّى أَعْرِفَ حَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ قَالَ: فَسَمَّاهُ اللَّهُ تَجَسُّسًا قَالَ: يَتَجَسَّسُ كَمَا يَتَجَسَّسُ الْكِلَابُ»
٢١ / ٣٧٥
قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ: وَلَا يَقُلْ بَعْضُكُمْ فِي بَعْضٍ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مَا يَكْرَهُ الْمَقُولُ فِيهِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ لَهُ فِي وَجْهِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَالْأَثَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْغِيبَةِ، فَقَالَ: «هُوَ أَنْ تَقُولَ لِأَخِيكَ مَا فِيهِ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَقَدْ بَهَتَّهُ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ
٢١ / ٣٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلَاءَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالَ: قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ؛ قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ» ⦗٣٧٧⦘ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ لَهُ؛ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ»
٢١ / ٣٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ رَجُلٍ، سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا ذَكَرْتَ الرَّجُلَ بِمَا فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَقَالَ شُعْبَةُ مَرَّةً أُخْرَى: وَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَهِيَ فِرْيَةٌ قَالَ أَبُو مُوسَى: هُوَ عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ
٢١ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «إِذَا ذَكَرْتَ الرَّجُلَ بِأَسْوَأَ مَا فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»
٢١ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «إِذَا قُلْتَ فِي الرَّجُلِ أَسْوَأَ مَا فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا قُلْتَ مَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»
٢١ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «الْغِيبَةُ أَنْ يَقُولَ لِلرَّجُلِ أَسْوَأَ مَا يَعْلَمُ فِيهِ، وَالْبُهْتَانُ: أَنْ يَقُولَ مَا لَيْسَ فِيهِ»
٢١ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ يَقُولُ: «مَا الْتَقَمَ أَحَدٌ لُقْمَةً أَشَرَّ مِنَ اغْتِيَابِ الْمُؤْمِنِ، إِنْ قَالَ فِيهِ مَا يَعْلَمُ فَقَدِ اغْتَابَهُ، وَإِنْ قَالَ فِيهِ مَا لَا يَعْلَمُ فَقَدْ بَهَتَهُ»
٢١ / ٣٧٨
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «إِذَا ذَكَرْتَ الرَّجُلَ بِمَا فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ»
٢١ / ٣٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْغِيبَةِ: «أَنْ تَذْكُرَ مِنْ أَخِيكَ مَا تَعْلَمُ فِيهِ مِنْ مَسَاوِئِ أَعْمَالِهِ، فَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ»
٢١ / ٣٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: ثَنَا حَسَّانُ بْنُ الْمُخَارِقِ، أَنَّ امْرَأَةً، دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ؛ فَلَمَّا قَامَتْ لِتَخْرُجَ أَشَارَتْ عَائِشَةُ بِيَدِهَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، أَيْ أَنَّهَا قَصِيرَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اغْتَبْتِيهَا»
٢١ / ٣٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَوْ مَرَّ بِكَ أَقْطَعُ، فَقُلْتَ: «ذَاكَ الْأَقْطَعُ، كَانَتْ مِنْكَ غِيبَةً» قَالَ: وَسَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ يَقُولُ ذَلِكَ
٢١ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ، يَقُولُ: «لَوْ مَرَّ بِكَ رَجُلٌ أَقْطَعُ، فَقُلْتَ لَهُ: إِنَّهُ أَقْطَعُ كُنْتَ قَدِ اغْتَبْتَهُ» قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، فَقَالَ: صَدَقَ
٢١ / ٣٧٩
حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ الْكُرْدِيِّ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: ثَنِي أَخِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَرَأَوْا فِي قِيَامِهِ عَجْزًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْجَزَ فُلَانًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَكَلْتُمْ أَخَاكُمْ وَاغْتَبْتُمُوهُ»
٢١ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ، عَنْ مُثَنَّى بْنِ صَبَّاحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَ الْقَوْمُ رَجُلًا، فَقَالُوا: مَا يَأْكُلُ إِلَّا مَا أُطْعِمَ، وَمَا يَرْحَلُ إِلَّا مَا رُحِّلَ لَهُ، وَمَا أَضْعَفَهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اغْتَبْتُمْ أَخَاكُمْ»، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَغَيْبَتُهُ أَنْ نُحَدِّثَ بِمَا فِيهِ؟ قَالَ: «بِحَسْبِكُمْ أَنْ تُحَدِّثُوا عَنْ أَخِيكُمْ مَا فِيهِ»
٢١ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ»
٢١ / ٣٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْغِيبَةَ، أَنْ تَذْكُرَ أَخَاكَ بِمَا يَشِينُهُ، وَتَعِيبُهُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ كَذَبْتَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ»
٢١ / ٣٨٠
وَقَوْلُهُ ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ مَيْتًا، فَإِنْ لَمْ تُحِبُّوا ذَلِكَ وَكَرِهْتُمُوهُ، لِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ، فَكَذَلِكَ لَا تُحِبُّوا أَنْ تَغْتَابُوهُ فِي حَيَاتِهِ، فَاكْرَهُوا غَيْبَتَهُ حَيًّا، كَمَا كَرِهْتُمْ لَحْمَهُ مَيْتًا، فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ⦗٣٨١⦘ غَيْبَتَهُ حَيًّا، كَمَا حَرَّمَ أَكْلَ لَحْمِهِ مَيْتًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ [الحجرات: ١٢] قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَغْتَابَ الْمُؤْمِنَ بِشَيْءٍ، كَمَا حَرَّمَ الْمَيْتَةَ»
٢١ / ٣٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ، لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ [الحجرات: ١٢] قَالُوا: «نَكْرَهُ ذَلِكَ» قَالَ: «فَكَذَلِكَ فَاتَّقُوا اللَّهَ»
٢١ / ٣٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ، لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ: «كَمَا أَنْتَ كَارِهٌ لَوْ وَجَدْتَ جِيفَةً مُدَوَّدَةً أَنْ تَأْكُلَ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ فَاكْرَهْ غَيْبَتَهُ وَهُوَ حَيُّ»
٢١ / ٣٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، فَخَافُوا عُقُوبَتَهُ بِانْتِهَائِكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ ظَنِّ أَحَدِكُمْ بِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ
٢١ / ٣٨١
ظَنَّ السُّوءِ، وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِ، وَالتَّجَسُّسِ عَمَّا سَتَرَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ، وَاغْتِيَابِهِ بِمَا يَكْرَهُهُ، تُرِيدُونَ بِهِ شَيْنَهُ وَعَيْبَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي نَهَاكُمْ عَنْهَا رَبُّكُمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٢] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ رَاجِعٌ لِعَبْدِهِ إِلَى مَا يُحِبُّهُ إِذَا رَجَعَ الْعَبْدُ لِرَبِّهِ إِلَى مَا يُحِبُّهُ مِنْهُ، رَحِيمٌ بِهِ بِأَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذَنْبٍ أَذْنَبَهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ [الحجرات: ١٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ بِالتَّثْقِيلِ (مَيِّتًا)، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ﴿مَيْتًا﴾ [الأنعام: ١٢٢] بِالتَّخْفِيفِ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ عِنْدَنَا مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢١ / ٣٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا أَنْشَأْنَا خَلْقَكُمْ مِنْ مَاءِ ذَكَرِ مِنَ الرِّجَالِ، وَمَاءِ أُنْثَى مِنَ النِّسَاءِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْوَلَدَ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ، وَقَدْ قَالَ تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣]»
٢١ / ٣٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «مَا خَلَقَ اللَّهُ الْوَلَدَ إِلَّا مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: ١٣]»
٢١ / ٣٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتعَارَفُوا﴾ [الحجرات: ١٣] يَقُولُ: وَجَعَلْنَاكُمْ مُتَنَاسِبِينَ، فَبَعْضُكُمْ يُنَاسِبُ بَعْضًا نَسَبًا بَعِيدًا، وَبَعْضُكُمْ يُنَاسِبُ بَعْضًا نَسَبًا قَرِيبًا؛ فَالْمُنَاسِبُ النَّسَبَ الْبَعِيدَ مَنْ لَمْ يَنْسُبْهُ أَهْلُ الشُّعُوبِ، وَذَلِكَ إِذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ مِنَ الْعَرَبِ: مِنْ أَيِّ شِعْبٍ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مِنُ مُضَرَ، أَوْ مِنْ رَبِيعَةَ وَأَمَّا أَهْلُ الْمُنَاسَبَةِ الْقَرِيبَةِ أَهْلُ الْقَبَائِلِ، وَهُمْ كَتَمِيمٍ مِنْ مُضَرَ، وَبَكْرٍ مِنْ رَبِيعَةَ، وَأَقْرَبُ الْقَبَائِلِ الْأَفْخَاذُ وَهُمَا كَشَيْبَانَ مِنْ بَكْرٍ وَدَارِمٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَمِنَ الشَّعْبِ قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ الْبَاهِلِيِّ:
مِنْ شَعْبِ هَمْدَانَ أَوْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ أَوْ … خَوْلَانَ أَوْ مَذْحِجٍ هَاجُوا لَهُ طَرَبَا
⦗٣٨٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
مِنْ شَعْبِ هَمْدَانَ أَوْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ أَوْ … خَوْلَانَ أَوْ مَذْحِجٍ هَاجُوا لَهُ طَرَبَا
⦗٣٨٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا بَكْرُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «الشُّعُوبُ: الْجُمَّاعُ، وَالْقَبَائِلُ: الْبُطُونُ»
٢١ / ٣٨٤
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «الشُّعُوبُ: الْجُمَّاعُ»
٢١ / ٣٨٤
قَالَ خَلَّادٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ، مِثْلُ بَنِي تَمِيمٍ، وَالْقَبَائِلُ: الْأَفْخَاذُ»
٢١ / ٣٨٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «الشُّعُوبُ: الْجَمْهُورُ، وَالْقَبَائِلُ: الْأَفْخَاذُ»
٢١ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿شُعُوبًا﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «النَّسَبُ الْبَعِيدُ» ﴿وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] «دُونَ ذَلِكَ»
٢١ / ٣٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا ⦗٣٨٥⦘ وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «الشُّعُوبُ:»النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ كَقَوْلِهِ: فُلَانٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَفُلَانٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ “
٢١ / ٣٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «هُوَ النَّسَبُ الْبَعِيدُ» قَالَ: «وَالْقَبَائِلُ: كَمَا تَسْمَعُهُ يُقَالُ: فُلَانٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ»
٢١ / ٣٨٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «أَمَّا الشُّعُوبُ: فَالنَّسَبُ الْبَعِيدُ» وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الشُّعُوبُ: الْأَفْخَاذُ
٢١ / ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «الشُّعُوبُ: الْأَفْخَاذُ، وَالْقَبَائِلُ: الْقَبَائِلُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الشُّعُوبُ: الْبُطُونُ، وَالْقَبَائِلُ: الْأَفْخَاذُ
٢١ / ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «⦗٣٨٦⦘ الشُّعُوبُ: الْبُطُونُ، وَالْقَبَائِلُ: الْأَفْخَاذُ الْكِبَارُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الشُّعُوبُ: الْأَنْسَابُ
٢١ / ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «الشُّعُوبُ: الْأَنْسَابُ»
٢١ / ٣٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: ١٣] يَقُولُ: لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِيِ النَّسَبِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا جَعَلْنَا هَذِهِ الشُّعُوبُ وَالْقَبَائِلُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي قُرْبِ الْقَرَابَةِ مِنْهُ وَبُعْدِهِ، لَا لِفَضِيلَةٍ لَكُمْ فِي ذَلِكَ، وَقُرْبَةً تُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللَّهِ، بَلْ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: ١٣] قَالَ: «جَعَلْنَا هَذَا لِتَعَارَفُوا، فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ كَذَا وَكَذَا»
٢١ / ٣٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عِنْدَ رَبِّكُمْ، أَشَدُّكُمُ اتِّقَاءً لَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، لَا أَعْظَمَكُمْ بَيْتًا وَلَا أَكْثَرَكُمْ عَشِيرَةً
٢١ / ٣٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «النَّاسُ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ كَطَفِّ الصَّاعِ لَمْ يَمْلَأُوهُ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْأَلُكُمْ عَنْ أَحْسَابِكُمْ وَلَا عَنْ أَنْسَابِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»
٢١ / ٣٨٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ أَنْسَابَكُمْ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَسَابٍّ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ وَلَدُ آدَمَ طَفَّ الصَّاعِ لَمْ تَمْلَأُوهُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلَّا بِدَيْنٍ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا بَذِيًّا بَخِيلًا جَبَانًا»
٢١ / ٣٨٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «ثَلَاثُ آيَاتٍ جَحَدَهُنَّ النَّاسُ: الْإِذْنُ كُلُّهُ»، وَقَالَ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] «وَقَالَ النَّاسُ أَكْرَمُكُمْ: أَعْظَمُكُمْ بَيْتًا» وَقَالَ عَطَاءٌ: نَسِيتُ الثَّالِثَةَ
٢١ / ٣٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ ذُو عِلْمٍ ⦗٣٨٨⦘ بِأَتْقَاكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَكْرَمِكُمْ عِنْدَهُ، ذُو خِبْرَةٍ بِكُمْ وَبِمَصَالِحِكُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ
٢١ / ٣٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْأَعْرَابُ: صَدَّقْنَا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ [الدخان: ٢١] وَلَسْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي أَعْرَابٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ
٢١ / ٣٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: أَعْرَابُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ” وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ: قُولُوا أَسْلَمْنَا، وَلَا تَقُولُوا آمَنَّا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أُمِرَ ⦗٣٨٩⦘ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا صَدَّقُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَمْ يَصَّدِّقُوا قَوْلَهُمْ بِفِعْلِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: قُولُوا أَسْلَمْنَا، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَوْلٌ، وَالْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ
٢١ / ٣٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ، وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ»
٢١ / ٣٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَعْطَى النَّبِيُّ ﷺ رِجَالًا، وَلَمْ يُعْطِ رَجُلًا مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَلَمْ تُعْطِ فُلَانًا شَيْئًا، وَهُو مُؤْمِنٌ، فَقَالَ النَّبِي ﷺ: «أَوْ مُسْلِمٌ» حَتَّى أَعَادَهَا سَعْدٌ ثَلَاثًا، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «أَوْ مُسْلِمٌ»، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا وَأَدَعُ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُمْ، لَا أُعْطِيهِ شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ»
٢١ / ٣٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: «لَمْ يُصَدِّقُوا إِيمَانَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ» ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] «وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ ⦗٣٩٠⦘ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا، وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، صَدَّقُوا إِيمَانَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ؛ فَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ: أَنَا مُؤْمِنٌ فَقَدْ صَدَقَ؛ قَالَ: وَأَمَّا مَنِ انْتَحَلَ الْإِيمَانَ بِالْكَلَامِ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ كَذَبَ، وَلَيْسَ بِصَادِقٍ»
٢١ / ٣٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: «هُوَ الْإِسْلَامُ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا أَمَرَ النَّبِي ﷺ بِقِيلِ ذَلِكَ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَتَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرُوا، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ لَهُمُ أَسْمَاءَ الْأَعْرَابِ، لَا أَسْمَاءَ الْمُهَاجِرِينَ
٢١ / ٣٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ [الحجرات: ١٤] الْآيَةَ، «وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَتَسَمَّوْا بِاسْمِ الْهِجْرَةِ، وَلَا يَتَسَمَّوْا بِأَسْمَائِهِمُ الَّتِي سَمَّاهُمُ اللَّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْمَوَارِيثُ لَهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مَنُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِإِسْلَامِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلَكِنِ اسْتَسْلَمْتُمْ خَوْفَ السِّبَاءِ وَالْقَتْلِ
٢١ / ٣٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ [الحجرات: ١٤] «وَلَعَمْرِي مَا عَمَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْأَعْرَابَ، إِنَّ مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْأَعْرَابِ امْتَنُّوا بِإِسْلَامِهِمْ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: أَسْلَمْنَا، وَلَمْ نُقَاتِلْكَ، كَمَا قَاتَلَكَ بَنُو فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ، فَقَالَ اللَّهُ: لَا تَقُولُوا آمَنَّا، وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا حَتَّى بَلَغَ فِي قُلُوبِكُمْ»
٢١ / ٣٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: «لَمْ تَعُمَّ هَذِهِ الْآيَةُ الْأَعْرَابَ، إِنَّ مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهَا فِي طَوَائِفَ مِنَ الْأَعْرَابِ»
٢١ / ٣٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: «اسْتَسْلَمْنَا لِخَوْفِ السِّبَاءِ وَالْقَتْلِ»
٢١ / ٣٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ⦗٣٩٢⦘، ﴿قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: «اسْتَسْلَمْنَا»
٢١ / ٣٩١
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤] «اسْتَسْلَمْنَا، دَخَلْنَا فِي السَّلَمِ، وَتَرَكْنَا الْمُحَارَبَةَ وَالْقِتَالَ بِقَوْلِهِمْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢١ / ٣٩٢
وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَقَدَّمَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي الْمِلَّةِ إِقْرَارًا مِنْهُمْ بِالْقَوْلِ، وَلَمْ يُحَقِّقُوا قَوْلَهُمْ بِعَمَلِهِمْ أَنْ يَقُولُوا بِالْإِطْلَاقِ آمَنَّا دُونَ تَقْيِيدِ قَوْلِهِمْ بِذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا الْقَوْلَ الَّذِي لَا يُشْكِلُ عَلَى سَامِعِيهِ وَالَّذِي قَائِلُهُ فِيهِ مُحِقٌّ، وَهُوَ أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا، بِمَعْنَى: دَخَلْنَا فِي الْمِلَّةِ وَالْأَمْوَالِ، وَالشَّهَادَةِ الْحَقِّ
٢١ / ٣٩٢
قَوْلُهُ: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْعِلْمُ بِشَرَائِعِ الْإِيمَانِ، وَحَقَائِقِ مَعَانِيهِ فِي قُلُوبِكُمْ
٢١ / ٣٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ [الحجرات: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ⦗٣٩٣⦘ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الْقَائِلِينَ آمَنَّا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ، إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ، فَتَأْتَمِرُوا لَأَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ، وَتَعْمَلُوا بِمَا فُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَتَنْتَهُوا عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ ﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ [الحجرات: ١٤] يَقُولُ: لَا يَظْلِمُكُمْ مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا وَلَا يَنْقُصُكُمْ مِنْ ثَوَابِهَا شَيْئًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤] «لَا يَنْقُصْكُمْ»
٢١ / ٣٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾ [الحجرات: ١٤] يَقُولُ: «لَنْ يَظْلِمَكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا»
٢١ / ٣٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الحجرات: ١٤] قَالَ: «إِنْ تَصْدُقُوا إِيمَانَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْكُمْ» وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ ﴿لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤] بِغَيْرِ هَمْزٍ وَلَا أَلِفٍ، سِوَى أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ (لَا يَأْلِتْكُمْ) بِأَلِفٍ اعْتِبَارًا مِنْهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] فَمَنْ قَالَ: أَلَتَ قَالَ: يَأْلِتُ ⦗٣٩٤⦘ وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ مَنْ لَاتَ يَلِيتُ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدَى سَرَيْتُ … وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤] بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَا هَمْزٍ، عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: لَاتَ يَلِيتُ، لِعِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَلَا تَسْقُطُ الْهَمْزَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ، وَالْهَمْزَةُ إِذَا سَكَنَتْ ثَبَتَتْ، كَمَا يُقَالُ: تَأْمُرُونَ وَتَأْكُلُونَ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ إِذَا سَكَنَ مَا قَبْلَهَا، وَلَا يُحْمَلُ حَرْفٌ فِي الْقُرْآنِ إِذَا أَتَى بِلُغَةٍ عَلَى آخَرَ جَاءَ بِلُغَةٍ خِلَافِهَا إِذَا كَانَتِ اللُّغَتَانِ مَعْرُوفَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَلَتَ وَلَاتَ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مِنْ كَلَامِهِمْ
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدَى سَرَيْتُ … وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤] بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَا هَمْزٍ، عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ: لَاتَ يَلِيتُ، لِعِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَلَا تَسْقُطُ الْهَمْزَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ، وَالْهَمْزَةُ إِذَا سَكَنَتْ ثَبَتَتْ، كَمَا يُقَالُ: تَأْمُرُونَ وَتَأْكُلُونَ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ إِذَا سَكَنَ مَا قَبْلَهَا، وَلَا يُحْمَلُ حَرْفٌ فِي الْقُرْآنِ إِذَا أَتَى بِلُغَةٍ عَلَى آخَرَ جَاءَ بِلُغَةٍ خِلَافِهَا إِذَا كَانَتِ اللُّغَتَانِ مَعْرُوفَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَلَتَ وَلَاتَ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مِنْ كَلَامِهِمْ
٢١ / ٣٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عَفْو أَيُّهَا الْأَعْرَابُ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَتَابَ إِلَيْهِ مِنْ سَالِفِ ذُنُوبِهِ، فَأَطِيعُوهُ، وَانْتَهُوا إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، يَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ عَلَى مَا تَابُوا مِنْهُ، فَتُوبُوا إِلَيْهِ يَرْحَمْكُمْ
٢١ / ٣٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] «غَفُورٌ لِلذُّنُوبِ الْكَثِيرَةِ أَوِ الْكَبِيرَةِ، شَكَّ يَزِيدُ، رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ»
٢١ / ٣٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْأَعْرَابِ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا، يَقُولُ: ثُمَّ لَمْ يَشُكُّوا فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَلَا فِي نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَأَلْزَمَ نَفْسَهُ طَاعَةَ اللَّهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ، وَالْعَمَلَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْهُ فِي وجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٢] يَقُولُ: جَاهَدُوا الْمُشْرِكِينَ بِإِنْفَاقِ أَمْوَالِهِمْ، وَبَذْلِ مُهَجِهِمْ فِي جِهَادِهِمْ، عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ جِهَادِهِمْ، وَذَلِكَ سَبِيلُهُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
٢١ / ٣٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّا مُؤْمِنُونَ، لَا مَنْ دَخَلَ فِي الْمِلَّةِ خَوْفَ السَّيْفِ لِيَحْقِنَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٣٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: ١٥] قَالَ: «صَدَّقُوا إِيمَانَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ»
٢١ / ٣٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ الْقَائِلِينَ آمَنَّا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ ﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ﴾ [الحجرات: ١٦] أَيُّهَا الْقَوْمُ بِدِينِكُمْ، يَعْنِي بِطَاعَتِكُمْ رَبَّكُمْ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: وَاللَّهُ الَّذِي تُعَلِّمُونَهُ أَنَّكُمْ مُؤْمِنُونَ، عَلَّامُ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَكَيْفَ تُعَلِّمُونَهُ بِدِينِكُمْ، وَالَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَهُوَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فِي سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ، فَيَخْفَى عَلَيْهِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَقُولُ: وَاللَّهُ بِكُلِّ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَبِمَا يَكُونُ ذُو عِلْمٍ وَإِنَّمَا هَذَا تَقَدُّمٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ بِالنَّهْيِ، عَنْ أَنَ يَكْذِبُوا وَيَقُولُوا غَيْرَ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ فِي دِينِهِمْ يَقُولُ: اللَّهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمٌ بِهِ، فَاحْذَرُوا أَنْ تَقُولُوا خِلَافَ مَا يَعْلَمُ مِنْ ضَمَائِرِ صُدُورِكُمْ، فَيَنَالُكُمْ عُقُوبَتُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ
٢١ / ٣٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يُمُنَّ عَلَيْكَ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ يَا مُحَمَّدُ أَنْ أَسْلَمُوا ﴿قُلْ لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١٧] يَقُولُ: بَلِ اللَّهُ يُمُنُّ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنْ وَفَّقَكُمْ لِلْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قَوْلِكُمْ آمَنَّا،
٢١ / ٣٩٦
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي مَنَّ عَلَيْكُمْ بِأَنْ هَدَاكُمْ لَهُ، فَلَا تَمُنُّوا عَلِيَّ بِإِسْلَامِكُمْ وَذُكِرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، امْتَنُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: آمَنَّا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَلَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ غَيْرُنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ:
٢١ / ٣٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات: ١٧] «أَهُمْ بَنُو أَسَدٍ؟ قَالَ: قَدْ قِيلَ ذَلِكَ»
٢١ / ٣٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات: ١٧] أَهُمْ بَنُو أَسَدٍ؟ قَالَ: «يَزْعُمُونَ ذَاكَ»
٢١ / ٣٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: «كَانَ بِشْرُ بْنُ غَالِبٍ وَلَبِيدُ بْنُ عُطَارِدٍ، أَوْ بِشْرُ بْنُ عُطَارِدٍ، وَلَبِيدُ بْنُ غَالِبٍ عِنْدَ الْحَجَّاجِ جَالِسَيْنِ، فَقَالَ بِشْرُ بْنُ غَالِبٍ لِلَبِيدِ بْنِ عُطَارِدٍ: نَزَلَتْ فِي قَوْمِكَ تَمِيمٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ﴾ [الحجرات: ٤] فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ:»إِنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِآخِرِ الْآيَةِ أَجَابَهُ ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات: ١٧] قَالُوا: أَسْلَمْنَا وَلَمْ نُقَاتِلْكَ بَنُو أَسَدٍ “
٢١ / ٣٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَا تَمُنُّوا﴾ [الحجرات: ١٧] «⦗٣٩٨⦘ أَنَّا أَسْلَمْنَا، بِغَيْرِ قِتَالٍ لَمْ نُقَاتِلْكَ كَمَا قَاتَلَكَ بَنُو فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [الحجرات: ١٧] لَهُمْ ﴿لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يُمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١٧]»
٢١ / ٣٩٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ﴾ [الحجرات: ١٧] قَالَ: «فَهَذِهِ الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي الْأَعْرَابِ»
٢١ / ٣٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ أَيُّهَا الْأَعْرَابُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الصَّادِقُ مِنْكُمْ مِنَ الْكَاذِبِ، وَمَنِ الدَّاخِلُ مِنْكُمْ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ رَغْبَةً فِيهِ، وَمَنِ الدَّاخِلُ فِيهِ رَهْبَةً مِنْ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَجُنْدِهِ، فَلَا تُعَلِّمُونَا دِينَكُمْ وَضَمَائِرَ صُدُورِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّهُ ضَمَائِرُ صُدُورِكُمْ، وَتُحَدِّثُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ، وَيَعْلَمُ مَا غَابَ عَنْكُمْ، فَاسْتَسَرَّ فِي خَبَايَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الحجرات: ١٨] يَقُولُ: وَاللَّهُ ذُو بَصَرٍ بِأَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا، أَجَهْرًا تَعْمَلُونَ أَمْ سِرًّا، طَاعَةً تَعْمَلُونَ أَوْ مَعْصِيَةً؟ وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ وَكُفْؤُهُ وَ﴿أَنْ﴾ [البقرة: ٢٥] فِي قَوْلِهِ: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ [الحجرات: ١٧] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِوُقُوعِ يَمُنُّونَ عَلَيْهَا، وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ إِسْلَامَهُمْ»، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا، وَلَوْ قِيلَ: هِيَ نَصْبٌ بِمَعْنَى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ لِأَنْ
٢١ / ٣٩٨
أَسْلَمُوا، لَكَانَ وَجْهًا يُتَّجَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: هِيَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِمَعْنَى: لِأَنْ أَسْلَمُوا وَأَمَّا ﴿أَنْ﴾ [البقرة: ٢٥] الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلِ اللَّهُ يُمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٧] فَإِنَّهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِسُقُوطِ الصِّلَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: بَلِ اللَّهُ يُمُنُّ عَلَيْكُمْ بِأَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ
٢١ / ٣٩٩
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !