مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢١ / ٥٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطور: ٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالطُّورِ﴾ [الطور: ١] وَالْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى الطُّورَ وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الطُّورِ بِشَوَاهِدِهِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢١ / ٥٦٠
وَقَدْ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَالطُّورِ﴾ [الطور: ١] قَالَ «الْجَبَلِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ»
٢١ / ٥٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] يَقُولُ: وَكِتَابٍ مَكْتُوبٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
إِنِّي وَآيَاتٍ سُطِرْنَ سَطْرَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
إِنِّي وَآيَاتٍ سُطِرْنَ سَطْرَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] قَالَ: «صُحُفٍ»
٢١ / ٥٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] «وَالْمَسْطُورُ: الْمَكْتُوبُ»
٢١ / ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] قَالَ: «مَكْتُوبٍ»
٢١ / ٥٦١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] قَالَ: «مَكْتُوبٍ»
٢١ / ٥٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾ [الطور: ٣] يَقُولُ: فِي وَرِقٍ مَنْشُورٍ وَقَوْلُهُ: «فِي» مِنْ صِلَةِ مَسْطُورٍ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَكِتَابٍ سُطِرَ وَكُتِبَ فِي وَرِقٍ مَنْشُورٍ
٢١ / ٥٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾ [الطور: ٣] «وَهُوَ الْكِتَابُ»
٢١ / ٥٦٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فِي رَقٍّ﴾ [الطور: ٣] قَالَ «: الرِّقُّ: الصَّحِيفَةُ»
٢١ / ٥٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ [الطور: ٤] يَقُولُ: وَالْبَيْتِ الَّذِي يُعْمَرُ بِكَثْرَةِ غَاشِيَتِهِ وَهُوَ بَيْتٌ فِيمَا ذُكِرَ فِي السَّمَاءِ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ مِنَ الْأَرْضِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «رُفِعَ إِلَيَّ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ ⦗٥٦٣⦘ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
٢١ / ٥٦٢
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: «بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ، وَهُوَ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ، مِنْ فَوْقِهَا حُرْمَتُهُ فِي السَّمَاءِ كَحُرْمَةِ الْبَيْتِ فِي الْأَرْضِ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا»
٢١ / ٥٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه، وَخَرَجَ إِلَى الرَّحْبَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ أَوْ غَيْرُهُ: مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: «بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا»
٢١ / ٥٦٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، قَالَ: «مَسْجِدٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَا يَرْجِعُونَ فِيهِ أَبَدًا»
٢١ / ٥٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا عَنِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، قَالَ: «بَيْتٌ بِحِيَالِ الْبَيْتِ ⦗٥٦٤⦘ الْعَتِيقِ فِي السَّمَاءِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ عَلَى رَسْمِ رَايَاتِهِمْ، يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُونَ فِيهِ أَبَدًا»
٢١ / ٥٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا بَهْرَامُ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ قَالَ: «بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضَّرِيحُ قَصْدَ الْبَيْتِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ»
٢١ / ٥٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ قَالَ: «هُوَ بَيْتٌ حِذَاءَ الْعَرْشِ تَعْمُرُهُ الْمَلَائِكَةُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ»
٢١ / ٥٦٤
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثَنَا حُسَيْنٌ قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ وَأَنَا جَالِسٌ، عِنْدَهُ عَنِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، قَالَ: «بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ»
٢١ / ٥٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ [الطور: ٤] قَالَ: «بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ»
٢١ / ٥٦٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ [الطور: ٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ فِي السَّمَاءِ تَحْتَهُ الْكَعْبَةُ لَوْ خَرَّ لَخَرَّ عَلَيْهَا»، أَوْ «عَلَيْهِ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ»
٢١ / ٥٦٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ [الطور: ٤] «يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَرُوحُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مِنْ قَبِيلَةِ إِبْلِيسَ، يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ»
٢١ / ٥٦٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾ [الطور: ٤] قَالَ: بَيْتُ اللَّهِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ بَيْتَ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ لَيَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْ شَمْسُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا بَعْدَ ذَلِكَ»
٢١ / ٥٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»
٢١ / ٥٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمَّا عَرَجَ بِي الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ انْتَهَيْتُ إِلَى بِنَاءٍ فَقُلْتُ لِلْمَلَكِ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا بِنَاءٌ بَنَاهُ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، يُقَدِّسُونَ اللَّهَ وَيُسَبِّحُونَهُ، لَا يَعُودُونَ فِيهِ»
٢١ / ٥٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥] يَعْنِي بِالسَّقْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: السَّمَاءَ، وَجَعَلَهَا سَقْفًا، لِأَنَّهَا سَمَاءٌ لِلْأَرْضٍ، كَسَمَاءِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ سَقْفُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: مَا السَّقْفُ الْمَرْفُوعُ؟ قَالَ: «السَّمَاءُ»
٢١ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «السَّقْفُ الْمَرْفُوعُ: السَّمَاءُ»
٢١ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ، ⦗٥٦٧⦘ فَقَالَ: «السَّمَاءُ»
٢١ / ٥٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَرْعَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: «وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ: هُوَ السَّمَاءُ» قَالَ: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٢]
٢١ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥] قَالَ: «السَّمَاءُ»
٢١ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥] «سَقْفِ السَّمَاءِ»
٢١ / ٥٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥] «سَقْفِ السَّمَاءِ»
٢١ / ٥٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُوقَدِ وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ: وَالْبَحْرِ الْمُوقَدِ الْمُحَمَّى
٢١ / ٥٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: ⦗٥٦٨⦘ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: «أَيْنَ جَهَنَّمُ؟» فَقَالَ: الْبَحْرُ، فَقَالَ: “مَا أُرَاهُ إِلَّا صَادِقًا، ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦]، (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِرَتْ) مُخَفَّفَةً
٢١ / ٥٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] قَالَ: «بِمَنْزِلَةِ التَّنُّورِ الْمَسْجُورِ»
٢١ / ٥٦٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] قَالَ: «الْمُوقَدِ»
٢١ / ٥٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] قَالَ: «الْمُوقَدِ»، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦] قَالَ: «أُوقِدَتْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَإِذَا الْبِحَارُ مُلِئَتْ، وَقَالَ: الْمَسْجُورُ: الْمَمْلُوءُ
٢١ / ٥٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] «الْمُمْتَلِئُ» ⦗٥٦٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَسْجُورُ: الَّذِي قَدْ ذَهَبَ مَاؤُهُ
٢١ / ٥٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] قَالَ: «سَجُرُهُ حِينَ يَذْهَبُ مَاؤُهُ وَيُفَجَّرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَسْجُورُ: الْمَحْبُوسُ
٢١ / ٥٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] يَقُولُ: «الْمَحْبُوسُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَالْبَحْرِ الْمَمْلُوءِ الْمَجْمُوعِ مَاؤُهُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعَانِي السَّجْرِ: الْإِيقَادُ، كَمَا يُقَالُ: سُجِّرَتِ التَّنُّورُ، بِمَعْنَى: أُوقِدَتْ، أَوِ الِامْتِلَاءُ عَلَى مَا وَصَفْتُ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
فَتَوَسَّطَا عَرَضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا … مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَكَمَا قَالَ الْنَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ الْعُكْلِيُّ:
فَتَوَسَّطَا عَرَضَ السَّرِيِّ وَصَدَّعَا … مَسْجُورَةً مُتَجَاوِرًا قُلَّامُهَا
وَكَمَا قَالَ الْنَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ الْعُكْلِيُّ:
٢١ / ٥٦٩
إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً … تَرَى حَالَهَا النَّبْعَ وَالسَّاسَمَا
سَقَتْهَا رَوَاعِدُ مِنْ صَيْفِ … وَإِنْ مِنْ خَرِيفٍ فَلَنْ يُعْدَمَا
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَغْلَبُ مِنْ مَعَانِي السَّجْرِ، وَكَانَ الْبَحْرُ غَيْرَ مُوقَدٍ الْيَوْمَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مَسْجُورٌ، فَبَطَلَ عَنْهُ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَهُوَ الْإِيقَادُ صَحَّتِ الصِّفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ لَهُ الْيَوْمُ، وَهُوَ الِامْتِلَاءُ، لِأَنَّهُ كُلَّ وَقْتٍ مُمْتَلِئٌ وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْبَحْرَ الْمَسْجُورَ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ رَبُّنَا تبارك وتعالى بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ تَحْتَ الْعَرْشِ
سَقَتْهَا رَوَاعِدُ مِنْ صَيْفِ … وَإِنْ مِنْ خَرِيفٍ فَلَنْ يُعْدَمَا
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَغْلَبُ مِنْ مَعَانِي السَّجْرِ، وَكَانَ الْبَحْرُ غَيْرَ مُوقَدٍ الْيَوْمَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مَسْجُورٌ، فَبَطَلَ عَنْهُ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَهُوَ الْإِيقَادُ صَحَّتِ الصِّفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ لَهُ الْيَوْمُ، وَهُوَ الِامْتِلَاءُ، لِأَنَّهُ كُلَّ وَقْتٍ مُمْتَلِئٌ وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْبَحْرَ الْمَسْجُورَ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ رَبُّنَا تبارك وتعالى بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ تَحْتَ الْعَرْشِ
٢١ / ٥٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] قَالَ: «بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ تَحْتَ الْعَرْشِ»
٢١ / ٥٧٠
قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ قَالَ: وَسَمِعْتُهُ أَنَا مِنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] قَالَ: «بَحْرٌ تَحْتَ الْعَرْشِ»
٢١ / ٥٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] قَالَ: «بَحْرٌ ⦗٥٧١⦘ تَحْتَ الْعَرْشِ»
٢١ / ٥٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ [الطور: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ [الطور: ٧] يَا مُحَمَّدُ، لَكَائِنٌ حَالٌّ بِالْكَافِرِينَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٢١ / ٥٧١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ [الطور: ٧] «وَقَعَ الْقَسَمُ هَاهُنَا» ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ [الطور: ٧] «وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٢١ / ٥٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ [الطور: ٨] يَقُولُ: مَا لِذَلِكَ الْعَذَابِ الْوَاقِعِ بِالْكَافِرِينَ مِنْ دَافِعٍ يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ، فَيُنْقِذُهُمْ مِنْهُ إِذَا وَقَعَ
٢١ / ٥٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطور: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] فَيَوْمُ مِنْ صِلَةِ وَاقِعٍ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: تَمُورُ: تَدُورُ وَتُكْفَأُ وَكَانَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى يُنْشِدُ بَيْتَ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط] كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا … مَوْرَ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ
فَالْمَوْرُ عَلَى رِوَايَتِهِ: التَّكْفُّؤُ وَالتَّرْهِيلُ فِي الْمِشْيَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ ⦗٥٧٢⦘ كَانَ يَرْوِيهِ مَرَّ السَّحَابَةِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
[البحر البسيط] كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا … مَوْرَ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ
فَالْمَوْرُ عَلَى رِوَايَتِهِ: التَّكْفُّؤُ وَالتَّرْهِيلُ فِي الْمِشْيَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ ⦗٥٧٢⦘ كَانَ يَرْوِيهِ مَرَّ السَّحَابَةِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
٢١ / ٥٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] قَالَ: يَقُولُ: «تَحْرِيكًا»
٢١ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] قَالَ: «تَدُورُ السَّمَاءُ دَوْرًا»
٢١ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَخْبَرُونِي عَنْ مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنِّي عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] قَالَ: «تَدُورُ دَوْرًا»
٢١ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُقْرِي قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: ثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِّي عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] قَالَ: «⦗٥٧٣⦘ تَدُورُ دَوْرًا»
٢١ / ٥٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] «مَوْرُهَا: تَحْرِيكُهَا»
٢١ / ٥٧٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] يَعْنِي: «اسْتِدَارَتَهَا وَتَحْرِيكَهَا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَمَوْجُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ»
٢١ / ٥٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] قَالَ: «تَمَوُّجُ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، وَتَحْرِيكُهَا لِأَمْرِ اللَّهِ»
٢١ / ٥٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] قَالَ: «هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الْمَوْرُ: فَلَا عِلْمَ لَنَا بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَوْرُهَا: تَشَقُّقُهَا
٢١ / ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ ⦗٥٧٤⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ [الطور: ٩] قَالَ: «يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ»
٢١ / ٥٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطور: ١٠] يَقُولُ: وَتَسِيرُ الْجِبَالُ عَنْ أَمَاكِنِهَا مِنَ الْأَرْضِ سَيْرًا، فَتَصِيرُ هَبَاءً مُنْبَثًّا
٢١ / ٥٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [الطور: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَالْوَادِي الَّذِي يَسِيلُ مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ فِي جَهَنَّمَ، يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُكَذِّبِينَ بِوُقُوعِ عَذَابِ اللَّهِ لِلْكَافِرِينَ، يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: أُدْخِلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ﴾ [الطور: ١١] لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إِذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَشْبَهَ الْمُجَازَاةَ، لِأَنَّ الْمُجَازَاةَ يَكُونُ خَبَرُهَا بِالْفَاءِ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: الْأَوْقَاتُ تَكُونُ كُلُّهَا جَزَاءٌ مَعَ الِاسْتِقْبَالِ، فَهَذَا مِنْ ذَاكَ، لِأَنَّهُمْ قَدْ شَبَّهُوا «إِنْ» وَهِيَ أَصْلُ الْجَزَاءِ بِحِينَ، وَقَالَ: إِنَّ مَعَ يَوْمَ إِضْمَارُ فِعْلٍ، وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ جَزَاءً، لِأَنَّ الْإِعْرَابَ يَأْخُذُ ظَاهِرَ الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى جَزَاءً
٢١ / ٥٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ﴾ [الطور: ١٢] يَقُولُ: الَّذِينَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ وَاخْتِلَاطٍ فِي الدُّنْيَا يَلْعَبُونَ، غَافِلِينَ عَمَّا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ ⦗٥٧٥⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَوَيْلٌ لِلْمُكَذِّبِينَ يَوْمَ يُدَعُّونَ وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ﴾ [الطور: ١٣] تَرْجَمَةٌ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ [آل عمران: ١٦٧] وَإِبْدَالٌ مِنْهُ وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يُدَعُّونَ﴾ [البقرة: ٢٢١] يُدْفَعُونَ بِإِرْهَاقٍ وَإِزْعَاجٍ، يُقَالُ مِنْهُ: دَعَعْتُ فِي قَفَاهُ: إِذَا دَفَعْتُ فِيهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] قَالَ: «يُدْفَعُ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَرِدُوا النَّارَ»
٢١ / ٥٧٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] يَقُولُ: «يُدْفَعُونَ»
٢١ / ٥٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] قَالَ: «يُدْفَعُونَ فِيهَا دَفْعًا»
٢١ / ٥٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] يَقُولُ: «يُدْفَعُونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ ⦗٥٧٦⦘ دَفْعًا»
٢١ / ٥٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ﴾ [الطور: ١٣] قَالَ: «يُدْفَعُونَ»
٢١ / ٥٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعَا﴾ [الطور: ١٣] قَالَ: «يُزْعَجُونَ إِلَيْهَا إِزْعَاجًا» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ
٢١ / ٥٧٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] «الدَّعُّ: الدَّفْعُ وَالْإِرْهَاقُ»
٢١ / ٥٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] قَالَ: «يُدْفَعُونَ دَفْعًا»، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ [الماعون: ٢] قَالَ: «يَدْفَعُهُ، وَيُغْلِظُ عَلَيْهِ»
٢١ / ٥٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [الطور: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا تُكَذِّبُونَ، فَتَجْحَدُونَ أَنْ تَرِدُوهَا، وَتَصْلَوْهَا، أَوْ يُعَاقِبَكُمْ بِهَا رَبُّكُمْ وَتَرَكَ ذِكْرَ يُقَالُ لَهُمْ، اجْتِزَاءً بِدِلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
٢١ / ٥٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٦]⦗٥٧٧⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَمَّا يَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ إِذَا وَرَدُوا جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَفَسِحْرٌ أَيُّهَا الْقَوْمُ هَذَا الَّذِي وَرَدْتُمُوهُ الْآنَ أَمْ أَنْتُمْ لَا تُعَايِنُونَهُ وَلَا تُبْصِرُونَهُ؟ وَقِيلَ هَذَا لَهُمْ تَوْبِيخًا لَا اسْتِفْهَامًا
٢١ / ٥٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿اصْلَوْهَا﴾ [يس: ٦٤] يَقُولُ: ذُوقُوا حَرَّ هَذِهِ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ، وَرِدُوهَا فَاصْبِرُوا عَلَى أَلَمِهَا وَشِدَّتِهَا، أَوْ لَا تَصْبِرُوا عَلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ صَبَرْتُمْ أَوْ لَمْ تَصْبِرُوا ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٦] يَقُولُ: مَا تُجْزَوْنَ إِلَّا أَعْمَالَكُمْ: أَيْ لَا تُعَاقَبُونَ إِلَّا عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ فِي الدُّنْيَا رَبَّكُمْ وَكُفْرِكُمْ
٢١ / ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [الطور: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ فِي جَنَّاتٍ: يَقُولُ فِي بَسَاتِينَ وَنَعِيمٍ فِيهَا، وَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ: ﴿فَاكِهِينَ﴾ [الدخان: ٢٧] يَقُولُ: عِنْدَهُمْ فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ لِلرَّجُلِ يَكُونُ عِنْدَهُ تَمْرٌ كَثِيرٌ: رَجُلٌ تَامِرٌ، أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ لَبَنٌ كَثِيرٌ، فَيُقَالُ: هُوَ لِابْنٌ، كَمَا قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
أَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ … أَنَّكَ لِابْنٌ فِي الصَّيْفِ تَامِرٌ
أَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ … أَنَّكَ لِابْنٌ فِي الصَّيْفِ تَامِرٌ
٢١ / ٥٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [الطور: ١٨] يَقُولُ: عِنْدَهُمْ فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ بِإِعْطَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ ذَلِكَ ﴿وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [الطور: ١٨] يَقُولُ: وَرَفَعَ عَنْهُمْ رَبُّهُمْ عِقَابَهُ الَّذِي عَذَّبَ بِهِ أَهْلُ الْجَحِيمِ
٢١ / ٥٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ⦗٥٧٨⦘ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الطور: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كُلُوا وَاشْرَبُوا، يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ فِي الْجَنَّاتِ: كُلُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ مِمَّا آتَاكُمْ رَبُّكُمْ، وَاشْرَبُوا مِنْ شَرَابِهَا هَنِيئًا، لَا تَخَافُونَ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ فِيهَا أَذًى وَلَا غَائِلَةً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا لِلَّهِ مِنَ الْأَعْمَالِ
٢١ / ٥٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ﴾ [الطور: ٢٠] قَدْ جُعِلَتْ صُفُوفًا، وَتَرَكَ قَوْلَهُ: عَلَى نَمَارِقَ، اكْتِفَاءً بِدِلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ
٢١ / ٥٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الدخان: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَزَوَّجْنَا الذُّكُورَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ أَزْوَاجًا بِحُورٍ عِينٍ مِنَ النِّسَاءِ، يَقُولُ الرَّجُلُ: زَوِّجْ هَذَا الْخَلْفَ الْفَرْدَ أَوِ النَّعْلَ الْفَرْدَ بِهَذَا الْفَرْدِ، بِمَعْنَى: اجْعَلْهُمَا زَوْجًا وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الزَّوْجِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَالْحُورُ: جَمْعُ حَوْرَاءَ، وَهِيَ الشَّدِيدَةُ بَيَاضِ مُقْلَةِ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ سَوَادِ الْحَدَقَةِ وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، وَبَيَّنْتُ الصَّوَابَ فِيهِ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْعِينُ: جَمْعُ عَيْنَاءَ، وَهِيَ الْعَظِيمَةُ الْعَيْنِ فِي حُسْنٍ وَسَعَةٍ
٢١ / ٥٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: ٢١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ، أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَبْلُغُوا بِأَعْمَالِهِمْ دَرَجَاتِ آبَائِهِمْ، تَكْرِمَةً لِآبَائِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا أَلَتْنَا آبَاءَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
٢١ / ٥٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ) فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَرْفَعُ لِلْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتَهُ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ، لِيُقِرَّ اللَّهُ بِهِمْ عَيْنَهُ»
٢١ / ٥٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي دَرَجَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ، لِيُقِرَّ بِهِمْ عَيْنَهُ»، ثُمَّ قَرَأَ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
٢١ / ٥٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَرَأَ (وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَهُ
٢١ / ٥٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ تُرْفَعُ لَهُ ذُرِّيَّتُهُ، فَيُلْحَقُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمُ الَّتِي بَلَغَتِ الْإِيمَانِ بِإِيمَانٍ، أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمُ الصِّغَارَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغِ الْإِيمَانَ، وَمَا أَلَتْنَا الْآبَاءَ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
٢١ / ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) يَقُولُ: «الَّذِينَ أَدْرَكَ ذُرِّيَّتُهُمُ الْإِيمَانَ، فَعَمِلُوا بِطَاعَتِي، أَلْحَقْتُهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ⦗٥٨١⦘ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَوْلَادُهُمُ الصِّغَارُ نُلْحِقُهُمْ بِهِمْ»
٢١ / ٥٨٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) يَقُولُ: «مَنْ أَدْرَكَ ذُرِّيَّتُهُ الْإِيمَانَ، فَعَمِلُوا بِطَاعَتِي أَلْحَقْتُهُمْ بِآبَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَأَوْلَادَهُمُ الصِّغَارَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوَ هَذَا الْقَوْلِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْهَاءَ وَالْمِيمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ﴾ [الطور: ٢١] مِنْ ذِكْرِ الذُّرِّيَّةِ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي قَوْلِهِ: ذُرِّيَّتَهُمُ الثَّانِيَةِ مِنْ ذِكْرِ الَّذِينَ وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمُ الصِّغَارُ، وَمَا أَلَتْنَا الْكِبَارَ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
٢١ / ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: «أَدْرَكَ أَبْنَاؤُهُمُ الْأَعْمَالَ الَّتِي عَمِلُوا، فَاتَّبَعُوهُمْ عَلَيْهَا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّاتُهُمُ الَّتِي لَمْ يُدْرِكُوا الْأَعْمَالَ» فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: يَقُولُ: «لَمْ نَظْلِمْهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَنَنْقُصْهُمْ، فَنُعْطِيهِ ذُرِّيَّاتِهِمُ الَّذِينَ أَلْحَقْنَاهُمْ بِهِمْ، الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْأَعْمَالَ أَلْحَقْتُهُمْ بِالَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْأَعْمَالَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ⦗٥٨٢⦘ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: ٢١] فَأَدْخَلْنَاهُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِ آبَائِهِمْ، وَمَا أَلَتْنَا الْآبَاءَ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
٢١ / ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ، يُحَدِّثُ عَنْ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) «فَأَدْخَلَ اللَّهُ الذُّرِّيَّةَ بِعَمَلِ الْآبَاءِ الْجَنَّةَ، وَلَمْ يَنْقُصِ اللَّهُ الْآبَاءَ مِنْ عَمَلِهِمْ شَيْئًا» قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١]
٢١ / ٥٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قَالَ: «أَلْحَقَ اللَّهُ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِآبَائِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصِ الْآبَاءَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَيَرُدَّهُ عَلَى أَبْنَائِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: ٢١]: أَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَعْطَيْنَا الْآبَاءَ
٢١ / ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: «أُعْطُوا مِثْلَ أُجُورِ آبَائِهِمْ، وَلَمْ يُنْقَصْ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»
٢١ / ٥٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ (وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: «أُعْطُوا مِثْلَ أُجُورِهِمْ، ⦗٥٨٣⦘ وَلَمْ يُنْقَصْ مِنْ أُجُورِهِمْ»
٢١ / ٥٨٢
قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، (وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ) يَقُولُ: «أَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ الثَّوَابِ مَا أَعْطَيْنَاهُمْ» ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ: «مَا نَقَصْنَا آبَاءَهُمْ شَيْئًا»
٢١ / ٥٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) كَذَلِكَ قَالَهَا يَزِيدُ (ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: «عَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ فَأَلْحَقَهُمُ اللَّهُ بِآبَائِهِمْ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهُهَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الْإِيمَانَ بِإِيمَانٍ، وَآمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَلْحَقْنَا بِالَّذِينَ آمَنُوا ذُرِّيَّتَهُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الْإِيمَانَ فَآمَنُوا، فِي الْجَنَّةِ فَجَعَلْنَاهُمْ مَعَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَإِنْ قَصُرَتْ أَعْمَالُهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمْ تَكْرِمَةً مِنَّا لِآبَائِهِمْ، وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ أُجُورِ عَمَلِهِمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَغْلَبُ مِنْ مَعَانِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْأَقْوَالِ الْأُخَرِ وُجُوهٌ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ ﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ﴾ [الطور: ٢١] عَلَى التَّوْحِيدِ بِإِيمَانٍ (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) عَلَى الْجَمْعِ، وَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْكُوفَةِ ﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: ٢١] كِلْتَيْهِمَا بِإِفْرَادٍ وَقَرَأَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو
٢١ / ٥٨٣
(وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ قِرَاءَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ مُسْتَفِيضَاتٌ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي، فَبِأَيَّتِهَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢١ / ٥٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَلَتْنَا الْآبَاءَ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾ [الطور: ٢١] وَمَا نَقَصْنَاهُمْ مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا، فَنَأْخُذَهُ مِنْهُمْ، فَنَجْعَلَهُ لِأَبْنَائِهِمُ الَّذِينَ أَلْحَقْنَاهُمْ بِهِمْ، وَلَكِنَّا وَفَّيْنَاهُمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ، وَأَلْحَقْنَا أَبْنَاءَهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ، تَفَضُّلًا مِنَّا عَلَيْهِمْ وَالْأَلْتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: النَّقْصُ وَالْبَخْسُ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ، وَمِنَ الْأَلْتِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَبْلِغْ بَنِي ثُعَلٍ عَنِّي مُغَلْغَلَةً … جَهْدَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتًا وَلَا كَذِبَا
يَعْنِي: لَا نُقْصَانَ وَلَا زِيَادَةَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
أَبْلِغْ بَنِي ثُعَلٍ عَنِّي مُغَلْغَلَةً … جَهْدَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتًا وَلَا كَذِبَا
يَعْنِي: لَا نُقْصَانَ وَلَا زِيَادَةَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ ⦗٥٨٥⦘ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: «مَا نَقَصْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، قَوْلَهُ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ: «مَا نَقَصْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٥
وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ بِشْرٍ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: «وَمَا نَقَصْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: «مَا نَقَصْنَا الْآبَاءَ لِلْأَبْنَاءِ»
٢١ / ٥٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا نَقَصْنَا الْآبَاءَ لِلْأَبْنَاءِ، ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: «وَمَا نَقَصْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٨٦⦘ قَوْلَهُ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: «نَقَصْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ: «مَا نَقَصْنَا آبَاءَهُمْ شَيْئًا» قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، مِثْلَهُ
٢١ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ: «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ»
٢١ / ٥٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ: «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٦
وَحُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ: «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ»
٢١ / ٥٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: يَقُولُ: لَمْ نَظْلِمْهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ: ⦗٥٨٧⦘ لَمْ نَنْتَقِصْهُمْ فَنُعْطِيهِ ذُرِّيَّاتِهِمُ الَّذِينَ أَلْحَقْنَاهُمْ بِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا الْأَعْمَالَ أَلْحَقَهُمْ بِالَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا الْأَعْمَالَ ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الطور: ٢١] قَالَ: «لَمْ يَأْخُذْ عَمَلَ الْكِبَارِ فَيَجْزِيهِ الصِّغَارَ، وَأَدْخَلَهُمْ بِرَحْمَتِهِ، وَالْكُبَّارُ عَمِلُوا فَدَخَلُوا بِأَعْمَالِهِمْ»
٢١ / ٥٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: ٢١] يَقُولُ: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَعَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ مُرْتَهَنَةٌ لَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِذَنْبِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ بِذَنْبِ نَفْسِهِ
٢١ / ٥٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمْدَدْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ فِي الْجَنَّةِ، بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ مِنَ اللُّحْمَانِ
٢١ / ٥٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا﴾ [الطور: ٢٣] يَقُولُ: يَتَعَاطَوْنَ فِيهَا كَأْسَ الشَّرَابِ، وَيَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ:
نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَدْ … صَاحَ الدَّجَاجُ وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي
نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَدْ … صَاحَ الدَّجَاجُ وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي
٢١ / ٥٨٧
وَقَوْلُهُ ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا﴾ [الطور: ٢٣] يَقُولُ: لَا بَاطِلَ فِي الْجَنَّةِ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ «فِيهَا» مِنْ ذِكْرِ الْكَأْسِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى لِمَا فِيهَا الشَّرَابُ بِمَعْنَى: أَنَّ أَهْلَهَا لَا لَغْوٌ عِنْدَهُمْ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ، وَاللَّغْوُ: الْبَاطِلُ وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] يَقُولُ: وَلَا فِعْلَ فِيهَا يُؤَثَّمُ صَاحِبُهُ وَقِيلَ: عَنَى ⦗٥٨٨⦘ بِالتَّأْثِيمِ: الْكَذِبَ
٢١ / ٥٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا﴾ [الطور: ٢٣] يَقُولُ: «لَا بَاطِلٌ فِيهَا»
٢١ / ٥٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] يَقُولُ: لَا كَذِبٌ
٢١ / ٥٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا﴾ [الطور: ٢٣] قَالَ: «لَا يَسْتَبُّونَ» ﴿وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] يَقُولُ: «وَلَا يُؤَثَّمُونَ»
٢١ / ٥٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] أَيْ لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا بَاطِلٌ، إِنَّمَا كَانَ الْبَاطِلُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الشَّيْطَانِ “
٢١ / ٥٨٨
وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] قَالَ: «لَيْسَ فِيهَا لَغْوٌ وَلَا بَاطِلٌ، إِنَّمَا كَانَ اللَّغْوُ وَالْبَاطِلُ فِي الدُّنْيَا» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ ⦗٥٨٩⦘ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ [الطور: ٢٣] بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَأْسِ لَغْوٌ وَلَا تَأْثِيمٌ وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ (لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمَ) نَصْبًا غَيْرَ مُنَونٍ عَلَى وَجْهِ التَّبْرِئَةِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّفْعُ وَالتَّنْوِينُ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ بِهَا، وَأَنَّهَا أَصَحُّ الْمَعْنَيَيْنِ
٢١ / ٥٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الطور: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَطُوفُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي الْجَنَّةِ غِلْمَانٌ لَهُمْ، كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ فِي بَيَاضِهِ وَصَفَائِهِ مَكْنُونٌ، يَعْنِي: مَصُونٌ فِي كِنٍّ، فَهُوَ أَنْقَى لَهُ، وَأَصْفَى لِبَيَاضِهِ وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانَ يَطُوفُونَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ بِكُئُوسِ الشَّرَابِ الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهَا
٢١ / ٥٨٩
وَقَدْ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ [الطور: ٢٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْخَادِمُ، فَكَيْفَ الْمَخْدُومُ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ فَضْلَ الْمَخْدُومِ عَلَى الْخَادِمِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ»
٢١ / ٥٨٩
وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ [الطور: ٢٤] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَادِمُ مِثْلُ ⦗٥٩٠⦘ اللُّؤْلُؤِ، فَكَيْفَ الْمَخْدُومُ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى النُّجُومِ»
٢١ / ٥٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الصافات: ٢٧] الْآيَةَ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَقْبَلَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى بَعْضٍ، يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْهُمْ عِنْدَ الْبَعْثِ مِنْ قُبُورِهِمْ
٢١ / ٥٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧] قَالَ: «إِذَا بُعِثُوا فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ»
٢١ / ٥٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّا أَيُّهَا الْقَوْمُ كُنَّا فِي أَهْلِنَا فِي الدُّنْيَا مُشْفِقِينَ خَائِفِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَجِلِينَ أَنْ يُعَذِّبَنَا رَبُّنَا الْيَوْمَ ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ [الطور: ٢٧] بِفَضْلِهِ ﴿وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧] يَعْنِي: عَذَابَ النَّارِ، يَعْنِي فَنَجَّانَا مِنَ النَّارِ، وَأَدْخَلَنَا الْجَنَّةَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧] قَالَ: «عَذَابَ النَّارِ»
٢١ / ٥٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ﴾ [الطور: ٢٨] يَقُولُ: إِنَّا كُنَّا فِي الدُّنْيَا مِنْ قَبْلِ يَوْمِنَا هَذَا نَدْعُوهُ: نَعْبُدُهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ﴾ [الطور: ٢٨] يَعْنِي: اللَّطِيفُ بِعِبَادِهِ
٢١ / ٥٩١
كَمَا: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ﴾ [الطور: ٢٨] يَقُولُ: «اللَّطِيفُ»
٢١ / ٥٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿الرَّحِيمُ﴾ [الفاتحة: ١] يَقُولُ: الرَّحِيمُ بِخَلْقِهِ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ﴾ [الطور: ٢٨] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ (أَنَّهُ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ، بِمَعْنَى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَرُّ، أَوْ بِأَنَّهُ هُوَ الْبَرُّ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِالْكَسْرِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢١ / ٥٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَذَكِّرْ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِ مِنْ قَوْمِكَ وَغَيْرِهِمْ، وَعِظْهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ ﴿فَمَا أَنْتَ ⦗٥٩٢⦘ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ﴾ يَقُولُ فَلَسْتَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ بِكَاهِنٍ تَتَكَهَّنُ، وَلَا مَجْنُونٍ لَهُ رِئِيُّ يُخْبِرُ عَنْهُ قَوْمَهُ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ، وَلَكِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا يَخْذُلُكَ، وَلَكِنَّهُ يَنْصُرُكَ
٢١ / ٥٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: بَلْ يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ لَكَ: هُوَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ حَوَادِثَ الدَّهْرِ، يَكْفِينَاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَادِثَةٍ مُتْلِفَةٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ كَالَّذِي قُلْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَوْتُ
٢١ / ٥٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠]: حَوَادِثَ الدَّهْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] قَالَ: «حَوَادِثَ الدَّهْرِ»
٢١ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] «حَوَادِثَ الدَّهْرِ»
٢١ / ٥٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ الْمَوْتَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٥٩٣⦘ قَوْلَهُ: ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] يَقُولُ: «الْمَوْتَ»
٢١ / ٥٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] قَالَ: «يَتَرَبَّصُونَ بِهِ الْمَوْتَ»
٢١ / ٥٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] قَالَ: «قَالَ ذَلِكَ قَائِلُونَ مِنَ النَّاسِ تَرَبَّصُوا بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، الْمَوْتُ يَكْفِيكُمُوهُ، كَمَا كَفَاكُمْ شَاعِرَ بَنِي فُلَانٍ وَشَاعِرَ بَنِي فُلَانٍ»
٢١ / ٥٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] قَالَ: «هُوَ الْمَوْتُ، نَتَرَبَّصُ بِهِ الْمَوْتَ، كَمَا مَاتَ شَاعِرُ بَنِي فُلَانٍ، وَشَاعِرُ بَنِي فُلَانٍ»
٢١ / ٥٩٣
وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ قُرَيْشًا، لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمُ: احْبِسُوهُ فِي وَثَاقٍ، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ الْمَنُونَ حَتَّى يَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الشُّعَرَاءِ زُهَيْرٌ وَالنَّابِغَةُ، إِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠]»
٢١ / ٥٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] «الْمَوْتَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ
تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا … سَيَهْلِكُ عَنْهَا بَعْلُهَا أَوْ تُسَرَّحُ
» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: رَيْبَ الدُّنْيَا، وَقَالُوا: الْمَنُونُ: الْمَوْتُ
تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا … سَيَهْلِكُ عَنْهَا بَعْلُهَا أَوْ تُسَرَّحُ
» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: رَيْبَ الدُّنْيَا، وَقَالُوا: الْمَنُونُ: الْمَوْتُ
٢١ / ٥٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، ﴿رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: ٣٠] قَالَ: «رَيْبَ الدُّنْيَا، وَالْمَنُونُ: الْمَوْتُ»
٢١ / ٥٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ تَرَبَّصُوا﴾ [الطور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكَ: إِنَّكَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِكَ رَيْبَ الْمَنُونِ، تَرَبَّصُوا: أَيِ انْتَظِرُوا وَتَمَهَّلُوا فِي رَيْبَ الْمَنُونِ، فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ بِكُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ فِيكُمْ
٢١ / ٥٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [الطور: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَتَأْمُرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ⦗٥٩٥⦘ أَحْلَامُهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا لِمُحَمَّدٍ ﷺ: هُوَ شَاعِرٌ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ شِعْرٌ ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الطور: ٣٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا تَأْمُرُهُمْ بِذَلِكَ أَحْلَامُهُمْ وَعُقُولُهُمْ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ قَدْ طَغَوْا عَلَى رَبِّهِمْ، فَتَجَاوَزُوا مَا أَذِنَ لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا﴾ [الطور: ٣٢] قَالَ: «كَانُوا يُعَدُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَهْلَ الْأَحْلَامِ، فَقَالَ اللَّهُ: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَنْ يَعْبُدُوا أَصْنَامًا بُكْمًا، صُمًّا، وَيَتْرُكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ، فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ أَحْلَامُهُمْ حِينَ كَانَتْ لِدُنْيَاهُمْ، وَلَمْ تَكُنْ عُقُولُهُمْ فِي دِينِهِمْ، لَمْ تَنْفَعْهُمْ أَحْلَامُهُمْ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ﴾ [الطور: ٣٢] بَلْ تَأْمُرُهُمْ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الطور: ٣٢] أَيْضًا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الطور: ٣٢] قَالَ: «بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ»
٢١ / ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الطور: ٣٢] قَالَ: «بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ»
٢١ / ٥٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ [الطور: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ: تَقَوَّلَ مُحَمَّدٌ هَذَا الْقُرْآنَ وَتَخَلَّقَهُ
٢١ / ٥٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الطور: ٣٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَذَبُوا فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَيُصَدِّقُوا بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ
٢١ / ٥٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤] يَقُولُ: جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَلْيَأْتِ قَائِلُو ذَلِكَ لَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ، فَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ لِسَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتُوا مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ تَقَوَّلَهُ وَتَخَلَّقَهُ
٢١ / ٥٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَخُلِقَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، أَيْ مِنْ غَيْرِ آبَاءٍ وَلَا أَمْهَاتٍ، فَهُمْ كَالْجَمَادِ، لَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ لِلَّهِ حُجَّةً، وَلَا يَعْتَبِرُونَ لَهُ بِعِبْرَةٍ، وَلَا يَتَّعِظُونَ بِمَوْعِظَةٍ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَمْ خُلِقُوا لِغَيْرِ شَيْءٍ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، بِمَعْنَى: لِغَيْرِ شَيْءٍ
٢١ / ٥٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور: ٣٥] يَقُولُ: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ هَذَا الْخَلْقَ، فَهُمْ لِذَلِكَ لَا يَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا يَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، لِأَنَّ لِلْخَالِقِ الْأَمْرَ وَالنَّهْي ﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ يَقُولُ: أَخَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَيَكُونُوا هُمُ الْخَالِقِينَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يَخْلُقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴿بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطور: ٣٦] يَقُولُ: لَمْ يَتْرُكُوا أَنْ يَأْتَمِرُوا لِأَمْرِ رَبِّهِمْ، وَيَنْتَهُوا إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ ⦗٥٩٧⦘ وَنَهَى، لِأَنَّهُمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَكَانُوا بِذَلِكَ أَرْبَابًا، وَلَكِنَّهُمْ فَعَلُوا، لِأَنَّهُمْ لَا يُوقِنُونَ بِوَعِيدِ اللَّهِ وَمَا أَعَدَّ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ
٢١ / ٥٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [الطور: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ خَزَائِنُ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ، فَهُمْ لِاسْتِغْنَائِهِمْ بِذَلِكَ عَنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ، أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَمْ هُمُ الْمُسَلَّطُونَ
٢١ / ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٧] يَقُولُ: «الْمُسَلَّطُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَمْ هُمُ الْمُنْزِلُونَ
٢١ / ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ [الطور: ٣٧] قَالَ: «يَقُولُ أَمْ هُمُ الْمُنْزِلُونَ» ⦗٥٩٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَمْ هُمُ الْأَرْبَابُ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: يُقَالُ: سَيْطَرْتُ عَلَيَّ: أَيِ اتَّخَذْتَنِي خَوَلًا لَكَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَمْ هُمُ الْجَبَّارُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ الْمُسْتَكْبِرُونَ عَلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسَيْطِرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْجَبَّارُ الْمُتَسَلِّطُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية: ٢٢] يَقُولُ: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ مُسَلَّطٍ
٢١ / ٥٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ [الطور: ٣٨] يَقُولُ: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَرْتَقُونَ فِيهِ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ عَلَيْهِ الْوَحْيَ، فَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هُنَالِكَ مِنَ اللَّهِ أَنَّ الَّذِيَ هُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ، فَهُمْ بِذَلِكَ مُتَمَسِّكُونَ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ
٢١ / ٥٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [الطور: ٣٨] يَقُولُ: فَإِنْ كَانُوا يَدَّعُونَ ذَلِكَ فَلْيَأْتِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ذَلِكَ فَسَمِعَهُ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، يَعْنِي بِحُجَّةٍ تُبَيِّنُ أَنَّهَا حَقٌّ، كَمَا أَتَى مُحَمَّدٌ ﷺ بِهَا عَلَى حَقِيقَةِ قَوْلِهِ، وَصِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَالسُّلَّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: السَّبَبُ وَالْمِرْقَاةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
لَا تُحْرِزِ الْمَرْءَ أَحْجَاءُ الْبِلَادِ وَلَا … تُبْنَى لَهُ فِي السَّمَاوَاتِ السَّلَالِيمُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: جَعَلْتُ فُلَانًا سُلَّمًا لِحَاجَتِي: إِذَا جَعَلْتَهُ سَبَبًا لَهَا
لَا تُحْرِزِ الْمَرْءَ أَحْجَاءُ الْبِلَادِ وَلَا … تُبْنَى لَهُ فِي السَّمَاوَاتِ السَّلَالِيمُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ: جَعَلْتُ فُلَانًا سُلَّمًا لِحَاجَتِي: إِذَا جَعَلْتَهُ سَبَبًا لَهَا
٢١ / ٥٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الطور: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ: أَلِرَبِّكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ؟ ذَلِكَ إِذَنْ قِسْمَةٌ ضِيزَى
٢١ / ٥٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [الطور: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَتَسْأَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاكَ إِلَيْهِمْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ ثَوَابًا وَعِوَضًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَهُمْ مِنْ ثِقَلِ مَا حَمَّلْتَهُمْ مِنَ الْغُرْمِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِجَابَتِكَ إِلَى مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٥٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [الطور: ٤٠] يَقُولُ: «هَلْ سَأَلْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَجْرًا يُجْهِدُهُمْ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ الْإِسْلَامَ»
٢١ / ٥٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ [الطور: ٤٠] قَالَ: يَقُولُ: «أَسَأَلْتَهُمْ عَلَى هَذَا أَجْرًا، فَأَثْقَلَهُمُ الَّذِي يُبْتَغَى أَخْذُهُ مِنْهُمْ»
٢١ / ٥٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الطور: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ عِنْدَهُمْ عِلْمُ الْغَيْبِ، فَهُمْ يَكْتُبُونَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، فَيُنَبِّئُونَهُمْ بِمَا شَاءُوا، وَيُخْبِرُونَهُمْ بِمَا أَرَادُوا
٢١ / ٥٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الطور: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلْ يُرِيدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ بِكَ وَبِدِينِ اللَّهِ كَيْدًا ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ [الطور: ٤٢] يَقُولُ: فَهُمُ الْمَكِيدُونَ الْمَمْكُورُ بِهِمْ دُونَكَ، فَثِقْ بِاللَّهِ، وَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ
٢١ / ٦٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [الطور: ٤٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَمْ لَهُمْ مَعْبُودٌ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمُ الْعِبَادَةَ غَيْرُ اللَّهِ، فَيَجُوزُ لَهُمْ عِبَادَتُهُ، يَقُولُ: لَيْسَ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الطور: ٤٣] يَقُولُ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَنْ شِرْكِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مَعَهُ غَيْرَهُ
٢١ / ٦٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ [الطور: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قِطْعًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا، وَالْكِسْفُ: جَمْعُ كِسْفَةٍ، مِثْلَ التَّمْرُ جَمْعُ تَمْرَةٍ، وَالسِّدْرُ جَمْعُ سِدْرَةٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢١ / ٦٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٦٠١⦘ قَوْلَهُ: ﴿كِسْفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] يَقُولُ: «قِطْعًا»
٢١ / ٦٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا﴾ [الطور: ٤٤] يَقُولُ: «وَإِنْ يَرَوْا قِطْعًا» ﴿مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور: ٤٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: «يَقُولُوا لِذَلِكَ الْكِسْفِ مِنَ السَّمَاءِ السَّاقِطِ: هَذَا سَحَابٌ مَرْكُومٌ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَرْكُومٌ: بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ» وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْآيَاتِ، فَقَالُوا لَهُ: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَلَيْنَا كِسْفًا﴾ [الإسراء: ٩٢] فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَإِنْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا سَأَلُوا مِنَ الْآيَاتِ، فَعَايَنُوا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا، لَمْ يَنْتَقِلُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَلَقَالُوا: إِنَّمَا هَذَا سَحَابٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَتَّمَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
٢١ / ٦٠١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، يَقُولُوا ﴿سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور: ٤٤] يَقُولُ: «لَا يُصِدِّقُوا بِحَدِيثٍ، وَلَا يُؤْمِنُوا بِآيَةٍ»
٢١ / ٦٠١
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور: ٤٤] قَالَ: «حِينَ سَأَلُوا الْكِسْفَ قَالُوا: أَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»؛ قَالَ: يَقُولُ: «لَوْ أَنَّا فَعَلْنَا لَقَالُوا: ⦗٦٠٢⦘ سَحَابٌ مَرْكُومٌ»
٢١ / ٦٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ [الطور: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَدَعْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يَهْلِكُونَ، وَذَلِكَ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ [الطور: ٤٥] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى عَاصِمٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ (يَصْعَقُونَ)، وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ ﴿يُصْعَقُونَ﴾ [الطور: ٤٥] بِضَمِّ الْيَاءِ، وَالْفَتْحُ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيْنَا، لِأَنَّهُ أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ وأَشْهَرُهُمَا، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: صَعِقَ الرَّجُلُ وَصُعِقَ، وَسَعِدَ وَسُعَدَ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّعْقِ بِشَوَاهِدِهِ، وَمَا قَالَ فِيهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٢١ / ٦٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الطور: ٤٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [الطور: ٤٦] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ، ثُمَّ بَيَّنَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيَّ يَوْمٍ هُوَ، فَقَالَ: يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، يَعْنِي: مَكْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا، فَالْيَوْمُ الثَّانِي تَرْجَمَةٌ عَنِ الْأَوَّلِ
٢١ / ٦٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: ٤٨] يَقُولُ: وَلَا هُمْ يَنْصُرُهُمْ نَاصِرٌ، فَيَسْتَقِيدُ لَهُمْ مِمَّنْ عَذَّبَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ
٢١ / ٦٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْعَذَابِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةَ مِنْ دُونِ يَوْمِ الصَّعْقَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَذَابُ الْقَبْرِ
٢١ / ٦٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، ﴿عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] قَالَ: «عَذَابُ الْقَبْرِ»
٢١ / ٦٠٣
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] يَقُولُ: «عَذَابَ الْقَبْرِ قَبْلَ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
٢١ / ٦٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ لَتَجِدُونَ عَذَابَ الْقَبْرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧]»
٢١ / ٦٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ تَلَا ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧]» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ الْجُوعَ
٢١ / ٦٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٦٠٤⦘ الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] قَالَ: «الْجُوعُ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ: الْمَصَائِبَ الَّتِي تُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ ذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ
٢١ / ٦٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] قَالَ: «دُونَ الْآخِرَةِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يُعَذِّبُهُمْ بِهِ مِنْ ذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ» قَالَ: «فَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْرٌ وَثَوَابٌ عِنْدَ اللَّهِ، عَدَا مَصَائِبَهُمْ وَمَصَائِبَ هَؤُلَاءِ، عَجَّلَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا فِي الدُّنْيَا»، وَقَرَأَ ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ [التوبة: ٥٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِهِ عَذَابًا دُونَ يَوْمِهِمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَعَذَابُ الْقَبْرِ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُ فِي الْبَرْزَخِ، وَالْجُوعُ الَّذِي أَصَابَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَالْمَصَائِبُ الَّتِي تُصِيبُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ اللَّهُ نَوْعًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَهُمْ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ دُونَ نَوْعٍ بَلْ عَمَّ فَقَالَ ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] فَكُلُّ ذَلِكَ لَهُمْ عَذَابٌ، وَذَلِكَ لَهُمْ دُونَ يَوْمِ
٢١ / ٦٠٤
الْقِيَامَةِ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِنَّ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ عَذَابًا مِنَ اللَّهِ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الطور: ٤٧] بِأَنَّهُمْ ذَائِقُو ذَلِكَ الْعَذَابِ
٢١ / ٦٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [الطور: ٤٨] يَا مُحَمَّدُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْكَ، وَامْضِ لَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَبَلِّغْ رِسَالَاتِهِ ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: ٤٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَإِنَّكَ بِمَرْأًى مِنَّا نَرَاكَ وَنَرَى عَمَلَكَ، وَنَحْنُ نَحُوطُكَ وَنَحْفَظُكَ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْكَ مَنْ أَرَادَكَ بِسُوءٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
٢١ / ٦٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [طه: ١٣٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا قُمْتَ مِنْ نَوْمِكَ فَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ
٢١ / ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] قَالَ: «مِنْ كُلِّ مَنَامَةٍ، يَقُولُ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ»
٢١ / ٦٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي ⦗٦٠٦⦘ الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [الطور: ٤٨] قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ»
٢١ / ٦٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] قَالَ: «إِذَا قَامَ لِصَلَاةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَقَرَأَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ٦] قَالَ: «مِنْ نَوْمٍ» ذَكَرَهُ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَقُلْ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ
٢١ / ٦٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] قَالَ: «إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»
٢١ / ٦٠٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] «إِلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَلِّ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ مِنْ مَنَامِكَ، وَذَلِكَ نَوْمُ الْقَائِلَةِ، وَإِنَّمَا عَنَى صَلَاةَ الظُّهْرِ ⦗٦٠٧⦘ وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ أَنْ يُقَالَ فِي الصَّلَاةِ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، وَمَا رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ كَمَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ لَكَانَ فَرْضًا أَنْ يُقَالَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [الطور: ٤٨] أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ، وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الَّذِي قَالَهُ الضَّحَّاكُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلَعَلَّهُ أُرِيدَ بِهِ النَّدْبُ وَالْإِرْشَادُ قِيلَ: لَا دِلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنِيُّ بِهِ مَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ، فَيُجْعَلُ إِجْمَاعُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ مِمَّا خُيِّرَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ دَلِيلًا لَنَا عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ النَّدْبُ وَالْإِرْشَادُ وَإِنَّمَا قُلْنَا: عَنَى بِهِ الْقِيَامَ مِنْ نَوْمِ الْقَائِلَةِ، لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ تَجِبُ فَرْضًا بَعْدَ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ نَوْمِ النَّاسِ الْمَعْرُوفِ إِلَّا بَعْدَ نَوْمِ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ صَلَاةُ الْفَجْرِ، أَوْ بَعْدَ نَوْمِ الْقَائِلَةِ، وَذَلِكَ صَلَاةُ الظُّهْرِ؛ فَلَمَّا أَمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] بِالتَّسْبِيحِ بَعْدَ إِدْبَارِ النُّجُومِ، وَذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ بَعْدَ قِيَامِ النَّاسِ مِنْ نَوْمِهَا لَيْلًا، عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيحِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ هُوَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ قِيَامٍ مِنْ نَوْمِ الْقَائِلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا دُونَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ
٢١ / ٦٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ [ق: ٤٠] يَقُولُ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَعَظِّمْ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ ⦗٦٠٨⦘ بِالصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ، وَذَلِكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
٢١ / ٦٠٧
وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ [الطور: ٤٩] قَالَ: «وَمِنَ اللَّيْلِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ» ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] «يَعْنِي حِينَ تُدْبِرُ النُّجُومُ لِلْأُفُولِ عِنْدَ إِقْبَالِ النَّهَارِ» وَقِيلَ: عَنَى بِذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ
٢١ / ٦٠٨
ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] قَالَ: «هُمَا السَّجْدَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ»
٢١ / ٦٠٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُمَا الرَّكْعَتَانِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ»
٢١ / ٦٠٨
قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ يَقُولُ: «لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»
٢١ / ٦٠٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ «هُمَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا»
٢١ / ٦٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] قَالَ: «رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ»
٢١ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَا: ثَنَا حُمَيْدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] قَالَ: «الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ»
٢١ / ٦٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] «الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالتَّسْبِيحِ ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] صَلَاةَ الصُّبْحِ الْفَرِيضَةَ
٢١ / ٦٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] قَالَ: «صَلَاةَ الْغَدَاةِ»
٢١ / ٦٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] قَالَ: «صَلَاةَ الصُّبْحِ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهَا: الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ فَقَالَ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٩] وَالرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ غَيْرُ وَاجِبَتَيْنِ، وَلَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ ⦗٦١٠⦘ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، أَنَّ قَوْلَهُ فَسَبِّحْهُ عَلَى النَّدْبِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ عَلَى الْفَرْضِ حَتَّى تَقُومَ حُجَّةٌ بِأَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ النَّدْبُ، أَوْ غَيْرُ الْفَرْضِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ