سُورَةُ الْحَدِيدِ

مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ
٢٢ ‏/ ٣٨٤
الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْحَدِيدُ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أَنَّ كُلَّ مَا دُونَهُ مِنْ خَلْقِهِ يُسَبِّحُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِقْرَارًا بِرُبُوبِيَّتِهِ وَإِذْعَانًا لِطَاعَتِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾
٢٢ ‏/ ٣٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ: وَلَكِنَّهُ ﷻ الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ، فَخَالَفَ أَمْرَهُ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ خَلْقِهِ ﴿الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] فِي تَدْبِيرِهِ أَمْرَهُمْ، وَتَصْرِيفِهِ إِيَّاهُمْ فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ
٢٢ ‏/ ٣٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَلَا شَيْءَ فِيهِنَّ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ، وَهُوَ فِي جَمِيعِهِمْ نَافِذُ الْأَمْرِ، مَاضِي الْحُكْمِ
٢٢ ‏/ ٣٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٨] يَقُولُ يُحْيِي مَا يَشَاءُ مِنَ الْخَلْقِ بِأَنْ يُوجِدَهُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْدِثَ مِنَ النُّطْفَةِ الْمَيْتَةِ حَيَوَانًا بِنَفْخِ الرَّوْحِ فِيهَا مِنْ بَعْدِ تَارَاتٍ يُقَلِّبُهَا فِيهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَيُمِيتُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْأَحْيَاءِ بَعْدَ الْحَيَاةِ ⦗٣٨٥⦘ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَجَلَهُ فَيُفْنِيهِ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٢٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ذُو قُدْرَةٍ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، مِنْ إِحْيَاءٍ وَإِمَاتَةٍ، وَإِعْزَازٍ وَإِذْلَالٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ
٢٢ ‏/ ٣٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾ [الحديد: ٣] قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ حَدٍّ ﴿وَالْآخِرُ﴾ [الحديد: ٣] يَقُولُ: وَالْآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ نِهَايَةٍ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ كَانَ وَلَا شَيْءَ مَوْجُودٌ سِوَاهُ، وَهُوَ كَائِنٌ بَعْدَ فَنَاءِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨]
٢٢ ‏/ ٣٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالظَّاهِرُ﴾ [الحديد: ٣] يَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَهُوَ الْعَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا شَيْءَ أَعْلَى مِنْهُ
٢٢ ‏/ ٣٨٥
﴿وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: ٣] يَقُولُ: وَهُوَ الْبَاطِنُ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ، فَلَا شَيْءَ أَقْرَبُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ بِهِ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٣٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: ٣] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، إِذْ ثَارَ عَلَيْهِمْ سَحَابٌ، فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ⦗٣٨٦⦘ قَالَ: «فَإِنَّهَا الرَّقِيعُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ» قَالَ: «فَهَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ؟ قَالَ: «مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ» قَالَ: «فَهَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟» فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ: «فَوْقَهَا سَمَاءٌ أُخْرَى وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ» قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ؟» فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ قَالَ: «فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ الْعَرْشَ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ» قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الَّتِي تَحْتَكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «فَإِنَّهَا الْأَرْضُ» قَالَ: «فَهَلْ تَدْرُونَ مَا تَحْتَهَا؟» قَالُوا لَهُ مِثْلَ قَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ قَالَ: «فَإِنَّ تَحْتَهَا أَرْضًا أُخْرَى، وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ»، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ، بَيْنَ كُلِّ أَرَضِينَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دُلِّيَ أَحَدُكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ الْأُخْرَى لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ»، ثُمَّ قَرَأَ ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣]
٢٢ ‏/ ٣٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ ذُو عِلْمٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ، إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
٢٢ ‏/ ٣٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ، فَدَبَّرَهُنَّ وَمَا فِيهِنَّ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ، فَارْتَفَعَ عَلَيْهِ وَعَلَا
٢٢ ‏/ ٣٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ [سبأ: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ صِفَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ خَلْقِهِ ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: ٢] مِنْ خَلْقِهِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَلِجُ﴾ [الأعراف: ٤٠] يَدْخُلُ ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ: ٢] إِلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءِ قَطُّ ﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ [سبأ: ٢] فَيَصْعَدُ إِلَيْهَا مِنَ الْأَرْضِ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: ٤] يَقُولُ: وَهُوَ شَاهِدٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَيْنَمَا كُنْتُمْ يَعْلَمُكُمْ، وَيَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ، وَمُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ السَّبْعِ ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٦٥] يَقُولُ: وَاللَّهُ بِأَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا مِنْ حَسَنٍ وَسَيِّئٍ، وَطَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، ذُو بَصَرٍ، وَهُوَ لَهَا مُحْصٍ، لِيُجَازِيَ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
٢٢ ‏/ ٣٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ نَافِذٌ فِي جَمِيعِهِنَّ، وَفِي جَمِيعِ مَا فِيهِنَّ أَمْرُهُ ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة: ٢١٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِلَى اللَّهِ مَصِيرُ أُمُورِ جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَيَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ
٢٢ ‏/ ٣٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ [الحج: ٦١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ [الحج: ٦١] يُدْخِلُ مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، فَيَجْعَلُهُ زِيَادَةً فِي سَاعَاتِهِ ﴿وَيُولِجُ ⦗٣٨٨⦘ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج: ٦١] يَقُولُ: وَيُدْخِلُ مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ، فَيَجْعَلُهُ زِيَادَةً فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِمَا قَالُوا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، غَيْرَ أَنْ نَذْكُرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْ هُنَالِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى:
٢٢ ‏/ ٣٨٧
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحديد: ٦] قَالَ: «قِصَرُ هَذَا فِي طُولِ هَذَا، وَطُولُ هَذَا فِي قِصَرِ هَذَا»
٢٢ ‏/ ٣٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحديد: ٦] قَالَ: «دُخُولُ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، وَدُخُولُ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ»
٢٢ ‏/ ٣٨٨
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحديد: ٦] قَالَ: «قِصَرُ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فِي طُولِ لَيْلِهِ، وَقِصَرُ لَيْلِ الصَّيْفِ فِي طُولِ نَهَارِهِ»
٢٢ ‏/ ٣٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الحديد: ٦] يَقُولُ: وَهُوَ ذُو عِلْمٍ بِضَمَائِرِ صُدُورِ عِبَادِهِ، وَمَا عَزَمَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُهُمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِمَا أَنْفُسُهُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ خَافِيَةٌ
٢٢ ‏/ ٣٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: آمِنُوا بِاللَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ، فَأُقِرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَصَدِّقُوهُ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاتَّبِعُوهُ، وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَنْفِقُوا مِمَّا خَوَّلَكُمُ اللَّهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي أَوْرَثَكُمْ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَجَعَلَكُمْ خُلَفَاءَهُمْ فِيهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٣٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧] قَالَ: «الْمُعَمَّرِينَ فِيهِ بِالرِّزْقِ»
٢٢ ‏/ ٣٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا﴾ [الحديد: ٧] يَقُولُ: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَنْفَقُوا مِمَّا خَوَّلَهُمُ اللَّهُ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَهُمْ وَرَزَقَهُمْ مِنَ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: ٧] يَقُولُ: لَهُمْ ثَوَابٌ عَظْيمٌ
٢٢ ‏/ ٣٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الحديد: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَمَا شَأْنُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَقَدْ ⦗٣٩٠⦘ أَتَاكُمْ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ مَا قَطَعَ عُذْرَكُمْ، وَأَزَالَ الشَّكَّ مِنْ قُلُوبِكُمْ، وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ، قِيلَ: عُنِيَ بِذَلِكَ؛ وَقَدْ أَخَذَ مِنْكُمْ رَبُّكُمْ مِيثَاقَكُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ، بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ لَكُمْ سِوَاهُ
٢٢ ‏/ ٣٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾ [الحديد: ٨] قَالَ: «فِي ظَهْرِ آدَمَ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ غَيْرَ أَبِي عَمْرٍو ﴿وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾ [الحديد: ٨] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ أَخَذَ وَنَصْبِ الْمِيثَاقِ، بِمَعْنَى: وَقَدْ أَخَذَ رَبُّكُمْ مِيثَاقَكُمْ وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو: (وَقَدْ أُخِذَ مِيثَاقُكُمْ) بِضَمِّ الْأَلِفِ وَرَفْعِ الْمِيثَاقِ، عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كَانَ فَتْحُ الْأَلِفِ مِنْ أَخَذَ وَنَصْبُ الْمِيثَاقِ أَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ، وَقِلَّةِ الْقُرَّاءِ بِالْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى
٢٢ ‏/ ٣٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَالْآنَ أَحْرَى الْأَوْقَاتِ، أَنْ تُؤْمِنُوا لِتَتَابُعِ الْحُجَجِ عَلَيْكُمْ بِالرَّسُولِ وَإِعْلَامِهِ، وَدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ إِلَى مَا قَدْ تَقَرَّرَتْ صِحَّتُهُ عِنْدَكُمْ بِالْإِعْلَامِ وَالْأَدِلَّةِ وَالْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَيْكُمْ
٢٢ ‏/ ٣٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [البقرة: ٩٩] يَعْنِي مُفَصَّلَاتٍ ﴿لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الأحزاب: ٤٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِيُخْرِجَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، وَمِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٣٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الحديد: ٩] قَالَ: «مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى»
٢٢ ‏/ ٣٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ اللَّهَ بِإِنْزَالِهِ عَلَى عَبْدِهِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ لِهِدَايَتِكُمْ، وَتَبْصِيرِكُمُ الرَّشَادَ، لَذُو رَأْفَةٍ بِكُمْ وَرَحْمَةٍ، فَمِنْ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِكُمْ فَعَلَ ذَلِكَ
٢٢ ‏/ ٣٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ⦗٣٩٢⦘ وَإِلَى اللَّهِ صَائِرٌ أَمْوَالُكُمْ إِنْ لَمْ تُنْفِقُوهَا فِي حَيَاتِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِأَنَّ لَهُ مِيرَاثَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَإِنَّمَا حَثَّهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ عَلَى حَظِّهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لِيَكُونَ ذَلِكُمْ لَكُمْ ذُخْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمُوتُوا، فَلَا تَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَتَصِيرُ الْأَمْوَالُ مِيرَاثًا لِمَنْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
٢٢ ‏/ ٣٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [الحديد: ١٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ آمَنَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهَاجَرَ
٢٢ ‏/ ٣٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [الحديد: ١٠] قَالَ: «آمَنَ فَأَنْفَقَ، يَقُولُ: مَنْ هَاجَرَ لَيْسَ كَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ»
٢٢ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ [الحديد: ١٠] يَقُولُ: «مَنْ آمَنَ» قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: «يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِالْفَتْحِ فَتْحُ مَكَّةَ، وَبِالنَّفَقَةِ: النَّفَقَةُ فِي جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ
٢٢ ‏/ ٣٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد: ١٠] قَالَ: «كَانَ قِتَالَانِ، أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ، وَكَانَتْ نَفَقَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْأُخْرَى، كَانَتِ النَّفَقَةُ وَالْقِتَالُ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْقِتَالِ بَعْدَ ذَلِكَ»
٢٢ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ [الحديد: ١٠] قَالَ: «فَتْحِ مَكَّةَ»
٢٢ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ [الحديد: ١٠] قَالَ: «فَتْحِ مَكَّةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِالْفَتْحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ
٢٢ ‏/ ٣٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ»: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [الحديد: ١٠] الْآيَةَ
٢٢ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ [الحديد: ١٠] قَالَ: «فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ» قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ»
٢٢ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: فَصْلُ مَا بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَأُنْزِلَتْ ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ [الحديد: ١٠] إِلَى ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: ١٠] فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ عَظِيمٌ»
٢٢ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْهِجْرَتَيْنِ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ،» ثُمَّ تَلَا هُنَا الْآيَةَ ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ﴾ [الحديد: ١٠] الْآيَةَ
٢٢ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ أَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ»، قُلْنَا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُرَيْشٌ هُمْ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ أَهْلُ الْيَمَنِ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا»، فَقُلْنَا: هُمْ خَيْرٌ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ جَبَلٌ مِنْ ذَهَبٍ فَأَنْفَقَهُ مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِكُمْ وَلَا نَصِيفَهُ، أَلَا إِنَّ هَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ»، ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ﴾ [الحديد: ١٠] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: ١٠]
٢٢ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ التَّمَّارِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ أَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ»، فَقُلْنَا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُرَيْشٌ؟ قَالَ: «لَا، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ، أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ يَمَانِ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ خَيْرٌ مِنَّا؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لِأَحَدِكُمْ جَبَلُ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِكُمْ وَلَا نَصِيفَهُ»، ثُمَّ جَمَعَ أَصَابِعَهُ، وَمَدَّ خِنْصَرَهُ وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ هَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [الحديد: ١٠]» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ لِلَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ وَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ بِمَنْ أَنْفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ وَتَرَكَ ذِكْرَ مَنْ أَنْفَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَاتَلَ اسْتِغْنَاءً بِدِلَالَةِ الْكَلَامِ الَّذِي ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ ﴿أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ [الحديد: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ أَعْظَمُ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَقَاتَلُوا
٢٢ ‏/ ٣٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكُلَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ⦗٣٩٦⦘ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَالَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا، وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِإِنْفَاقِهِمْ فِي سَبِيلِهِ، وَقِتَالِهِمْ أَعْدَاءَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٣٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا﴾ [الحديد: ١٠]: وَآمَنُوا، ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥] قَالَ: «الْجَنَّةَ»
٢٢ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥] قَالَ: «الْجَنَّةَ»
٢٢ ‏/ ٣٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ مِنَ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقِتَالِ أَعْدَائِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَ، خَبِيرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٢٢ ‏/ ٣٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا مُحْتَسِبًا فِي
٢٢ ‏/ ٣٩٦
نَفَقَتِهِ مُبْتَغِيًا مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْقَرْضُ الْحَسَنُ، يَقُولُ: فَيُضَاعِفُ لَهُ رَبُّهُ قَرْضَهُ ذَلِكَ الَّذِي أَقْرَضَهُ، بِإِنْفَاقِهِ فِي سَبِيلِهِ، فَيَجْعَلُ لَهُ بِالْوَاحِدَةِ سَبْعَ مِئَةٍ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] فَهُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: لِي عِنْدَكَ قَرْضُ صِدْقٍ، وَقَرْضُ سَوْءٍ إِذَا فَعَلَ بِهِ خَيْرًا؛ وَأَنْشَدَ ذَلِكَ بَيْتًا لِلشَّنْفَرَى:
سَنَجْزِي سَلَامَانَ بْنَ مُفْرِجِ قَرْضَهَا … بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمُ فَأَزَلَّتِ
﴿وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١١] يَقُولُ: وَلَهُ ثَوَابٌ وَجَزَاءٌ كَرِيمٌ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَجْرَ: الْجَنَّةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٢٢ ‏/ ٣٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الحديد: ١٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد: ١٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يُضِيءُ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
٢٢ ‏/ ٣٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الحديد: ١٢] الْآيَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ ⦗٣٩٨⦘ يُضِيءُ نُورُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدَنَ أَبْيَنَ فَصَنْعَاءَ فَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُضِيءُ نُورُهُ إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ
٢٢ ‏/ ٣٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «يُؤْتَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالنَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْتَى نُورَهُ كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا عَلَى إِبهَامِهِ يُطْفَأُ مَرَّةً وَيَقِدُ مَرَّةً» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى إِيمَانُهُمْ وَهُدَاهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَبِأَيْمَانِهِمْ: كُتُبُهُمْ
٢٢ ‏/ ٣٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد: ١٢] «كُتُبُهُمْ، يَقُولُ اللَّهُ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا نُورُهُمْ فَهُدَاهُمْ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَنَى بِذَلِكَ النُّورَ الضَّوْءَ الْمَعْرُوفَ، لَمْ يَخُص عَنْهُ الْخَبَرَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الْأَيْدِي وَالْأَيْمَانِ
٢٢ ‏/ ٣٩٨
دُونَ الشَّمَائِلِ، لِأَنَّ ضِيَاءَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي يُؤْتَوْنَهُ فِي الْآخِرَةِ يُضِيءُ لَهُمْ جَمِيعَ مَا حَوْلَهُمْ، وَفِي خُصُوصِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنْ سَعْيِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ دُونَ الشَّمَائِلِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ غَيْرُ الضِّيَاءِ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَخْلُونَ مِنَ الضِّيَاءِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى يَوْمَ تَرَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى ثَوَابُ إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمُ الصَّالِحِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَفِي أَيْمَانِهِمْ كُتُبُ أَعْمَالِهِمْ تَتَطَايَرُ
٢٢ ‏/ ٣٩٩
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَسْعَى﴾ [القصص: ٢٠] يَمْضِي، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد: ١٢] بِمَعْنَى فِي وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد: ١٢] بِمَعْنَى عَلَى أَيْمَانِهِمْ وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَرَى﴾ [الحديد: ١٢] مِنْ صِلَةِ وَعَدَ
٢٢ ‏/ ٣٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الحديد: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يُقَالُ لَهُمْ: بِشَارَتُكُمُ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّتِي تُبَشَّرُونَ بِهَا جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، فَأَبْشِرُوا بِهَا
٢٢ ‏/ ٣٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِي الْجَنَّاتِ، لَا يَنْتَقِلُونَ عَنْهَا وَلَا يَتَحَوَّلُونَ وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ٧٢] يَقُولُ: خُلُودُهُمْ فِي الْجَنَّاتِ الَّتِي وَصَفَهَا هُوَ النُّجْحُ الْعَظِيمُ الَّذِي كَانُوا يَطْلُبُونَهُ بَعْدَ النَّجَاةِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا
٢٢ ‏/ ٣٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ
٢٢ ‏/ ٣٩٩
وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ فِي يَوْمِ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ، وَالْيَوْمُ مِنْ صِلَةِ الْفَوْزِ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ: انْظُرُونَا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿انْظُرُونَا﴾ [الحديد: ١٣] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ﴿انْظُرُونَا﴾ [الحديد: ١٣] مَوْصُولَةً بِمَعْنَى انْتَظِرُونَا، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (أَنْظِرُونَا) مَقْطُوعَةَ الْأَلِفِ مِنْ أَنْظَرْتَ بِمَعْنَى: أَخِّرُونَا، وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: أَنْظِرْنِي وَهُمْ يُرِيدُونَ انْتَظِرْنِي قَلِيلًا؛ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ بَيْتَ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
أَبَا هِنْدٍ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْنَا … وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ الْيَقِينَا
قَالَ: فَمَعْنَى هَذَا: انْتَظِرْنَا قَلِيلًا نُخْبِرْكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ هَاهُنَا تَأْخِيرٌ، إِنَّمَا هُوَ اسْتِمَاعٌ كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: اسْمَعْ مِنِّي حَتَّى أُخْبِرَكَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْوَصْلُ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ انْتَظِرْنَا، وَلَيْسَ لِلتَّأْخِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنًى، فَيُقَالُ: أَنْظِرُونَا، بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَهَمْزِهَا
٢٢ ‏/ ٤٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣] يَقُولُ: نَسْتَصْبِحْ مِنْ نُورِكُمْ، وَالْقَبَسُ: الشُّعْلَةُ
٢٢ ‏/ ٤٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ [الحديد: ١٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَيُجَابُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمُ: ارْجِعُوا مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ، وَاطْلُبُوا لِأَنْفُسِكُمْ هُنَالِكَ نُورًا، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُورِنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ﴾ [الحديد: ١٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الحديد: ١٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «بَيْنَمَا النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ نُورًا؛ فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ النُّورَ تَوَجَّهُوا نَحْوَهُ، وَكَانَ النُّورُ دَلِيلًا مِنَ اللَّهِ إِلَى الْجَنَّةِ؛ فَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ انْطَلَقُوا، تَبِعُوهُمْ، فَأَظْلَمَ اللَّهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا حِينَئِذٍ: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا؛ قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: ارْجِعُوا مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ، فَالْتَمِسُوا هُنَالِكَ النُّورَ» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحديد: ١٣] الْآيَةَ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٢٢ ‏/ ٤٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَضَرَبَ اللَّهُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِسُورٍ، وَهُوَ حَاجِزٌ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ ⦗٤٠٢⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بِسُورٍ لَهُ بَابٌ﴾ [الحديد: ١٣] قَالَ: «كَالْحِجَابِ فِي الْأَعْرَافِ»
٢٢ ‏/ ٤٠٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ﴾ [الحديد: ١٣] «السُّورُ: حَائِطٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
٢٢ ‏/ ٤٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ﴾ [الحديد: ١٣] قَالَ: «هَذَا السُّورُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ» ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾ [الأعراف: ٤٦] وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ السُّورَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ وَادِي جَهَنَّمَ
٢٢ ‏/ ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سِنَانٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عِنْدَ وَادِي جَهَنَّمَ، فَحَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] فَقَالَ: «هَذَا مَوْضِعُ السُّورِ عِنْدَ وَادِي جَهَنَّمَ»
٢٢ ‏/ ٤٠٢
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَطِيَّةَ بْنِ رُدَيْحِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: ثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ رُدَيْحِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] قَالَ: «هَذَا بَابُ الرَّحْمَةِ»
٢٢ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: «إِنَّ السُّورَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ»: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] «هُوَ السُّورُ الشَّرْقِيُّ، بَاطِنُهُ الْمَسْجِدُ، وَظَاهِرُهُ وَادِي جَهَنَّمَ»
٢٢ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ: ثَنَا صَفْوَانُ قَالَ: ثَنَا شُرَيْحٌ، أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ فِي الْبَابِ الَّذِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ: «إِنَّهُ الْبَابُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ»: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣]
٢٢ ‏/ ٤٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ [الحديد: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِذَلِكَ السُّورِ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ الْعَذَابُ: يَعْنِي النَّارَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] أَيِ «النَّارُ»
٢٢ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ [الحديد: ١٣] قَالَ: «الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا»
٢٢ ‏/ ٤٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُنَادِي الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ حُجِزَ بَيْنَهُمْ بِالسُّورِ، فَبَقَوْا فِي الظُّلْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَصَارَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجَنَّةِ، أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا نُصَلِّي وَنَصُومُ، وَنُنَاكِحُكُمْ وَنُوَارِثُكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، يَقُولُ: قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: بَلَى، بَلْ كُنْتُمْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، فَنَافَقْتُمْ، وَفِتْنَتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَانَتِ النِّفَاقُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحديد: ١٤] قَالَ: «النِّفَاقُ، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَحْيَاءً يُنَاكِحُونَهُمْ، وَيَغْشَوْنَهُمْ، وَيُعَاشِرُونَهُمْ، وَكَانُوا مَعَهُمْ أَمْوَاتًا، وَيُعْطَوْنَ النُّورَ جَمِيعًا ⦗٤٠٥⦘ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُطْفَأُ النُّورُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِذَا بَلَغُوا السُّورَ، وَيُمَازُ بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ»
٢٢ ‏/ ٤٠٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ: وَتَلَبَّثْتُمْ بِالْإِيمَانِ، وَدَافَعْتُمْ بِالْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] قَالَ: «بِالْإِيمَانِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ،» وَقَرَأَ ﴿فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة: ٥٢]
٢٢ ‏/ ٤٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ: «تَرَبَّصُوا بِالْحَقِّ وَأَهْلِهِ»
٢٢ ‏/ ٤٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ: وَشَكَكْتُمْ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَفِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ
٢٢ ‏/ ٤٠٥
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] «شَكُّوا»
٢٢ ‏/ ٤٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ [الحديد: ١٤] «كَانُوا فِي شَكٍّ مِنَ اللَّهِ»
٢٢ ‏/ ٤٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ: وَخَدَعْتُكُمْ أَمَانِيُّ نُفُوسِكُمْ، فَصَدَّتْكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَأَضَلَّتْكُمْ ﴿حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ: حَتَّى جَاءَ قَضَاءُ اللَّهِ بِمَنَايَاكُمْ، فَاجْتَاحَتْكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٤] «كَانُوا عَلَى خُدْعَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهِ مَا زَالُوا عَلَيْهَا حَتَّى قَذَفَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ»
٢٢ ‏/ ٤٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٤] يَقُولُ: وَخَدَعَكُمْ بِاللَّهِ الشَّيْطَانُ، فَأَطْمَعَكُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالسَّلَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ﴿الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٤] أَيِ «الشَّيْطَانُ»
٢٢ ‏/ ٤٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ ⦗٤٠٧⦘ الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٤] «أَيِ الشَّيْطَانُ»
٢٢ ‏/ ٤٠٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٤] «الشَّيْطَانُ»
٢٢ ‏/ ٤٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الحديد: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَهْلِ النِّفَاقِ، بَعْدَ أَنْ مُيِّزَ بَيْنَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ ﴿فَالْيَوْمَ﴾ [الأعراف: ٥١] أَيُّهَا الْمُنَافِقُونَ ﴿لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ﴾ [الحديد: ١٥] يَعْنِي: عِوَضًا وَبَدَلًا؛ يَقُولُ: لَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْكُمْ بَدَلًا مِنْ عِقَابِكُمْ وَعَذَابِكُمْ، فَيُخَلِّصُكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴿وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحديد: ١٥] يَقُولُ: وَلَا تُؤْخَذُ الْفِدْيَةُ أَيْضًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحديد: ١٥] «يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا»
٢٢ ‏/ ٤٠٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ﴾ [الحديد: ١٥] «مِنَ الْمُنَافِقِينَ» ﴿وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحديد: ١٥] «مَعَكُمْ» ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ [الحديد: ١٥]⦗٤٠٨⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ﴾ [الحديد: ١٥] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ بِالْيَاءِ ﴿يُؤْخَذُ﴾ [الحديد: ١٥]، وَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ بِالتَّاءِ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ الْيَاءُ وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى جَائِزَةً
٢٢ ‏/ ٤٠٧
وَقَوْلُهُ: ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ [الحديد: ١٥] يَقُولُ: مَثْوَاكُمْ وَمَسْكَنُكُمُ الَّذِي تَسْكُنُونَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ النَّارُ
٢٢ ‏/ ٤٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿هِيَ مَوْلَاكُمْ﴾ [الحديد: ١٥] يَقُولُ: النَّارُ أَوْلَى بِكُمْ
٢٢ ‏/ ٤٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: ١٢٦] يَقُولُ: وَبِئْسَ مَصِيرُ مَنْ صَارَ إِلَى النَّارِ
٢٢ ‏/ ٤٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحديد: ١٦] أَلَمْ يَحِنْ لِلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَنْ تَلِينَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، فَتَخْضَعَ قُلُوبُهُمْ لَهُ، وَلِمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ، وَهُوَ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي نَزَّلَهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ
٢٢ ‏/ ٤٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٦] قَالَ: «تُطِيعُ قُلُوبُهُمْ»
٢٢ ‏/ ٤٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٦]: «أَلَمْ يَحِنْ لِلَّذِينَ آمَنُوا»
٢٢ ‏/ ٤٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٦] الْآيَةَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ كَانَ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ»
٢٢ ‏/ ٤٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ يَقُولُ: «أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الحديد: ١٦] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ غَيْرَ شَيْبَةَ وَنَافِعٍ بِالتَّشْدِيدِ (نَزَّلَ)، وَقَرَأَهُ شَيْبَةُ وَنَافِعٌ، ﴿وَمَا نَزَلَ﴾ [الحديد: ١٦] بِالتَّخْفِيفِ، وَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا
٢٢ ‏/ ٤٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ﴾ [الحديد: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ يَأْنِ لَهُمْ أَنْ وَلَا يَكُونُوا، يَعْنِي الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحديد: ١٦] يَعْنِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ الَّذِي أُوتُوهُ مِنْ قَبْلِهِمُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: جَاءَ عِتْرِيسُ بْنُ عُرْقُوبٍ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «هَلَكَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ مَعْرُوفًا، وَلَمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ مُنْكَرًا، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، وَقَسَتْ قُلُوبُهُمُ اخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ، اسْتَهْوَتْهُ قُلُوبُهُمْ، وَاسْتَحَلَّتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ، وَقَالُوا: نَعْرِضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ تَرَكْنَاهُ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ قَتَلْنَاهُ؛ قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ كِتَابَ اللَّهِ فِي قَرْنٍ، ثُمَّ جَعَلَ الْقَرْنَ بَيْنَ ثَنْدُوَتَيْهِ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: أَتُؤْمِنُ بِهَذَا؟ قَالَ: آمَنْتُ بِهِ، وَيُومِئ إِلَى الْقَرْنِ الَّذِي بَيْنَ ثَنْدُوَتَيْهِ، وَمَا لِي لَا أُومِنُ بِهَذَا الْكِتَابِ، فَمِنْ خَيْرِ مِلَلِهِمُ الْيَوْمَ مِلَّةُ صَاحِبِ الْقَرْنِ» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ﴾ [الحديد: ١٦] مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُوسَى ﷺ، وَذَلِكَ الْأَمَدُ الزَّمَانُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٤١١⦘ قَوْلَهُ: ﴿الْأَمَدُ﴾ [الحديد: ١٦] قَالَ: «الدَّهْرُ»
٢٢ ‏/ ٤١٠
وَقَوْلُهُ ﴿فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: ١٦] عَنِ الْخَيْرَاتِ، وَاشْتَدَّتْ عَلَى السُّكُونِ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَاسِقُونَ
٢٢ ‏/ ٤١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿اعْلَمُوا﴾ [المائدة: ٩٨] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ﴾ [الحديد: ١٧] الْمَيْتَةَ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [البقرة: ١٦٤] يَعْنِي: بَعْدَ دُثُورِهَا وَدُرُوسِهَا، يَقُولُ: وَكَمَا نُحْيِي هَذِهِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بَعْدَ دُرُوسِهَا، كَذَلِكَ نَهْدِي الْإِنْسَانَ الضَّالَّ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْحَقِّ، فَنُوَفِّقَهُ وَنُسَدِّدَهُ لِلْإِيمَانِ حَتَّى يَصِيرَ مُؤْمِنًا مِنْ بَعْدِ كُفْرِهِ، وْمُهْتَدِيًا مِنْ بَعْدِ ضَلَالَةٍ
٢٢ ‏/ ٤١١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: ١٧] يَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْأَدِلَّةَ وَالْحُجَجَ لِتَعْقِلُوا
٢٢ ‏/ ٤١١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ﴾ [الحديد: ١٨] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، خَلَا ابْنِ كَثِيرٍ وَعَاصِمٍ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَالدَّالِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ، ثُمَّ تُدْغِمُ التَّاءَ فِي الصَّادِ، فَتَجْعَلُهَا صَادًا مُشَدَّدَةً، كَمَا
٢٢ ‏/ ٤١١
قِيلَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ [المزمل: ١] يَعْنِي الْمُتَزَمِّلَ وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَعَاصِمٌ (إِنَّ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَاتِ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِّ، بِمَعْنَى: إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحٌ مَعْنَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فِمُصِيبٌ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْحَرْفَيْنِ: أَعْنِي فِي الصَّادِ وَالدَّالِ، أَنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [الحديد: ١٨] يَعْنِي بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، وَفِيمَا أَمَرَ بِالنَّفَقَةِ فِيهِ، أَوْ فِيمَا نَدَبَ إِلَيْهِ ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١٨] يَقُولُ: يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُمْ قُرُوضَهُمُ الَّتِي أَقْرَضُوهَا إِيَّاهُ، فَيُوَفِّيهِمْ ثَوَابَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١٨] يَقُولُ: وَلَهُمْ ثَوَابٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَقُرُوضِهِمْ إِيَّاهُ كَرِيمٌ، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ
٢٢ ‏/ ٤١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [الحديد: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَإِرْسَالِهِ رُسُلَهُ، فَصَدَّقُوا الرُّسُلَ وَآمَنُوا بِمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ
٢٢ ‏/ ٤١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ مُنْفَصِلٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالْخَبَرُ عَنِ الَّذِينَ ⦗٤١٣⦘ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، مُتَنَاهٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] وَالصِّدِّيقُونَ مَرْفُوعُونَ بِقَوْلِهِ: هُمْ، ثُمَّ ابْتُدِئَ الْخَبَرُ عَنِ الشُّهَدَاءِ فَقِيلَ: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ، وَالشُّهَدَاءُ فِي قَوْلِهِمْ مَرْفُوعُونَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩]
٢٢ ‏/ ٤١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] قَالَ: «هَذِهِ مَفْصُولَةٌ» ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩]
٢٢ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩] قَالَ: «هِيَ لِلشُّهَدَاءِ خَاصَّةً»
٢٢ ‏/ ٤١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «هِيَ خَاصَّةُ لِلشُّهَدَاءِ»
٢٢ ‏/ ٤١٣
قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ فَقَالَ: «وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ»
٢٢ ‏/ ٤١٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] «هَذِهِ ⦗٤١٤⦘ مَفْصُولَةٌ، سَمَّاهُمُ اللَّهُ صِدِّيقِينَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ»، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩] «هَذِهِ مَفْصُولَةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قَوْلُهُ: ﴿وَالشُّهَدَاءُ﴾ [النساء: ٦٩] مِنْ صِفَةِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ؛ قَالُوا: إِنَّمَا تَنَاهَى الْخَبَرُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩] ثُمَّ ابْتُدِئَ الْخَبَرُ عَمَّا لَهُمْ، فَقِيلَ: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ
٢٢ ‏/ ٤١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ هُذَيْلًا، يُحَدِّثُ قَالَ: ذَكَرُوا الشُّهَدَاءَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلدُّنْيَا، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلسُّمْعَةِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ»؛ قَالَ شُعْبَةُ شَيْئًا هَذَا مَعْنَاهُ: وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، وَالرَّجُلُ يَمُوتُ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ شَهِيدٌ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩]
٢٢ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَلَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩] قَالَ: «كُلُّ مُؤْمِنٍ شَهِيدٌ»، ثُمَّ قَرَأَهَا
٢٢ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ⦗٤١٥⦘ يَقُولُ: «مُؤْمِنُو أُمَّتِي شُهَدَاءُ» قَالَ: ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩]
٢٢ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩] قَالَ: «بِالْإِيمَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِاللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: الشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: النَّبِيُّونَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى أُمَمِهِمْ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْكَلَامُ وَالْخَبَرُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، مُتَنَاهٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] وَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩] خَبَرُ مُبْتَدَأٍ عَنِ الشُّهَدَاءِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ مَعَانِيهِ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنَّ الْإِيمَانَ غَيْرُ مُوجِبٍ فِي الْمُتَعَارَفِ لِلْمُؤْمِنِ اسْمَ شَهِيدٍ لَا بِمَعْنَى غَيْرِهِ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ شَهِيدٌ عَلَى مَا آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الْبُعْدِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَعَانِيهِ، إِذَا أُطْلِقَ بِغَيْرِ وَصْلٍ، فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩] إِذَنْ وَالشُّهَدَاءُ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ هَلَكُوا فِي سَبِيلِهِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، لَهُمْ ثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي ⦗٤١٦⦘ الْآخِرَةِ وَنُورُهُمْ
٢٢ ‏/ ٤١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [المائدة: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَكَذَّبُوا بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجِهِ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
٢٢ ‏/ ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْمُعَجَّلَةَ لَكُمْ، مَا هِيَ إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ تَتَفَكَّهُونَ بِهِ، وَزِينَةٌ تَتَزَيَّنُونَ بِهَا، وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ، يَفْخَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا أَوْلَى فِيهَا مِنْ رِيَاشِهَا ﴿وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الحديد: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُبَاهِي بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ﴾ [الحديد: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ يَيْبَسُ ذَلِكَ النَّبَاتِ ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ [الزمر: ٢١] بَعْدَ أَنْ كَانَ أَخْضَرَ نَضِرًا
٢٢ ‏/ ٤١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾ [الحديد: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ النَّبَاتُ حُطَامًا، يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يَكُونُ نَبْتًا يَابِسًا مُتَهَشِّمًا ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ لِلْكُفَّارِ ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ [الحديد: ٢٠] لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
٢٢ ‏/ ٤١٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [الحديد: ٢٠] الْآيَةَ، يَقُولُ: «صَارَ النَّاسُ إِلَى هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ فِي ⦗٤١٧⦘ الْآخِرَةِ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ [الحديد: ٢٠] ذَكَرَ مَا فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ عَلَى مَا وَصَفَ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَإِنَّهَا إِمَّا عَذَابٌ، وَإِمَّا جَنَّةٌ قَالَ: وَالْوَاوُ فِيهِ وَأَوْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ
٢٢ ‏/ ٤١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْمُعَجَّلَةُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
٢٢ ‏/ ٤١٧
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
٢٢ ‏/ ٤١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿سَابِقُوا﴾ [الحديد: ٢١] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿إِلَى﴾ [البقرة: ١٤] عَمَلٍ يُوجِبُ لَكُمْ ﴿مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ﴾ [الحديد: ٢١] هَذِهِ الْجَنَّةُ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [الحديد: ٢١] يَعْنِي الَّذِينَ وَحَّدُوا اللَّهَ، وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ
٢٢ ‏/ ٤١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [المائدة: ٥٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي ⦗٤١٨⦘ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَضْلُ اللَّهِ تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ عَلَيْهِمْ، بِمَا بَسَطَ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا، وَوَهَبَ لَهُمْ مِنَ النِّعَمِ، وَعَرَّفَهُمْ مَوْضِعَ الشُّكْرِ، ثُمَّ جَزَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ مَا وَصَفَ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُمْ
٢٢ ‏/ ٤١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا أَصَابَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ بِجُدُوبِهَا وَقُحُوطِهَا وَذَهَابِ زَرْعِهَا وَفَسَادِهَا ﴿وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ [الحديد: ٢٢] بِالْأَوْصَابِ وَالْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [الأنعام: ٥٩] يَعْنِي إِلَّا فِي أُمِّ الْكِتَابِ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] يَقُولُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَ الْأَنْفُسَ، يَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَهَا يُقَالُ: قَدْ بَرَأَ اللَّهُ هَذَا الشَّيْءَ، بِمَعْنَى: خَلَقَهُ فَهُوَ بَارِئُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] قَالَ: «هُوَ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَ النَّفْسَ»
٢٢ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢٢] «أَمَّا مُصِيبَةُ الْأَرْضِ: فَالسِّنُونَ وَأَمَّا فِي أَنْفُسِكُمْ: فَهَذِهِ الْأَمْرَاضُ ⦗٤١٩⦘ وَالْأَوْصَابُ» ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَهَا»
٢٢ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢٢] قَالَ: «هِيَ السِّنُونَ» ﴿وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ [الحديد: ٢٢] قَالَ: «الْأَوْجَاعُ وَالْأَمْرَاضُ قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُصِيبُهُ خَدْشُ عُودٍ، وَلَا نَكْبَةُ قَدَمٍ، وَلَا خَلَجَانُ عِرْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَرُ»
٢٢ ‏/ ٤١٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ الْحَسَنِ، فَقَالَ رَجُلٌ: سَلْهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَنْ يَشُكُّ فِي هَذَا؟ كُلُّ مُصِيبَةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَفِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُبْرَأَ النَّسَمَةُ»
٢٢ ‏/ ٤١٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] يَقُولُ: «هُوَ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَ الْأَنْفُسَ»
٢٢ ‏/ ٤١٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] قَالَ: «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَهَا» قَالَ: «الْمَصَائِبُ وَالرِّزْقُ وَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مِمَّا تُحِبُّ وَتَكْرَهُ فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ ⦗٤٢٠⦘ النُّفُوسَ وَيَخْلُقَهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا
٢٢ ‏/ ٤١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] يَقُولُ: «فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَهَا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ﴿فِي﴾ [الحديد: ٢٢] الَّتِي بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا﴾ [الحديد: ٢٢] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ: إِلَّا هِيَ فِي كِتَابٍ، فَجَازَ فِيهِ الْإِضْمَارُ قَالَ: وَيَقُولُ: عِنْدِي هَذَا لَيْسَ إِلَّا يُرِيدُ إِلَّا هُوَ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ، قَوْلَهُ: ﴿فِي كِتَابٍ﴾ [الحديد: ٢٢] مِنْ صِلَةِ مَا أَصَابَ، وَلَيْسَ إِضْمَارُ هُوَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: لَيْسَ قَوْلُهُ عِنْدِي هَذَا لَيْسَ إِلَّا مِثْلَهُ، لِأَنَّ إِلَّا تَكْفِي مِنَ الْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ غَيْرُهُ
٢٢ ‏/ ٤٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ خَلْقَ النُّفُوسِ، وَإِحْصَاءَ مَا هِيَ لَاقِيَةٌ مِنَ الْمَصَائِبِ عَلَى اللَّهِ سَهْلٌ يَسِيرٌ
٢٢ ‏/ ٤٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: ٢٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا أَصَابَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي أَمْوَالِكُمْ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ، إِلَّا فِي كِتَابٍ قَدْ كُتِبَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَ نُفُوسَكُمْ ﴿لِكَيْلَا ⦗٤٢١⦘ تَأْسَوْا﴾ [الحديد: ٢٣] يَقُولُ: لِكَيْلَا تَحْزَنُوا ﴿عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٣] مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمْ تُدْرِكُوهُ مِنْهَا ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] مِنْهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] إِذَا مُدَّتِ الْأَلِفُ مِنْهَا: بِالَّذِي أَعْطَاكُمْ مِنْهَا رَبُّكُمْ وَمَلَّكَكُمْ وَخَوَّلَكُمْ؛ وَإِذَا قُصِرَتِ الْأَلِفُ، فَمَعْنَاهَا: بِالَّذِي جَاءَكُمْ مِنْهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] «مِنَ الدُّنْيَا» ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] «مِنْهَا»
٢٢ ‏/ ٤٢١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الطَّحَّانِ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] قَالَ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعْمَةِ»
٢٢ ‏/ ٤٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ الْبَكْرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا يَحْزَنُ وَيَفْرَحُ، وَلَكِنْ مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَجَعَلَهَا صَبْرًا، وَمَنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ فَجَعَلَهُ شُكْرًا»
٢٢ ‏/ ٤٢١
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ
٢٢ ‏/ ٤٢١
عز وجل: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] قَالَ: «لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ مِنْهَا» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿بمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ ﴿بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣] بِمَدِّ الْأَلِفِ وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ (بِمَا أَتَاكُمْ) بِقَصْرِ الْأَلِفِ؛ وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِقَصْرِ الْأَلِفِ اخْتَارَ قِرَاءَتَهُ كَذَلِكَ، إِذْ كَانَ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَا فَاتَكُمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَا أَفَاتَكُمْ، فَيُرَدُّ الْفِعْلُ إِلَى اللَّهِ، فَأُلْحِقَ قَوْلُهُ: (بِمَا أَتَاكُمْ) بِهِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحٌ مَعْنَاهُمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَإِنْ كُنْتُ أَخْتَارُ مَدَّ الْأَلِفِ لِكَثْرَةِ قَارِئِي ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مِنْهُ مُعْتَلُّو قَارِئِيهِ بِقَصْرِ الْأَلِفِ كَبِيرُ مَعْنًى، لِأَنَّ مَا جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ خَبَرًا عَنِ اللَّهِ، وَمَا صُرِفَ مِنْهُ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِهِ، فَغَيْرُ خَارِجٍ جَمِيعُهُ عِنْدَ سَامِعِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْفَائِتُ مِنَ الدُّنْيَا مَنْ فَاتَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَالْمُدْرِكُ مِنْهَا مَا أَدْرَكَ عَنْ تَقَدُّمِ اللَّهِ عز وجل وَقَضَائِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمَنْ عَقَلَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الحديد: ٢٢] فَأَخْبَرَ أَنَّ الْفَائِتَ مِنْهَا بِإِفَاتَتِهِ إِيَّاهُمْ فَاتَهُمْ، وَالْمُدْرِكَ مِنْهَا بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهُمْ أَدْرَكُوا، وَأَنَّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ لَهُمْ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَهُمْ
٢٢ ‏/ ٤٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: ٢٣] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُتَكَبِّرٍ بِمَا أُوتِي مِنَ الدُّنْيَا، فَخُورٍ بِهِ عَلَى النَّاسِ
٢٢ ‏/ ٤٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، الْبَاخِلِينَ بِمَا أُوتُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى اخْتِيَالِهِمْ بِهِ وَفَخْرِهِمْ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَهُمْ يَبْخَلُونَ بِإِخْرَاجِ حَقِّ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَيَشُحُّونَ بِهِ، وَهُمْ مَعَ بُخْلِهِمْ بِهِ أَيْضًا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ
٢٢ ‏/ ٤٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُدْبِرُ مُعْرِضًا عَنْ عِظَةِ اللَّهِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُدْبِرْ مُعْرِضًا عَنْ عِظَةِ اللَّهِ، تَارِكًا الْعَمَلَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ، فَرَحًا بِمَا أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا مُخْتَالًا بِهِ فَخُورًا بَخِيلًا، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ مَالِهِ وَنَفَقَتِهِ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ خَلْقِهِ، الْحَمِيدَ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ جَوَابِ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ [النساء: ٣٧] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَغْنَى بِالْأَخْبَارِ الَّتِي لِأَشْبَاهِهِمْ، وَلَهُمْ فِي الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ [الرعد: ٣١] وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَا الْمَوْضِعِ خَبَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنْزِلُ، هُوَ كَمَا أَنْزَلَ، أَوْ كَمَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْخَبَرُ قَدْ جَاءَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] عَطَفَ بِجَزَاءَيْنِ عَلَى جَزَاءٍ، وَجَعَلَ جَوَابَهُمَا وَاحِدًا، كَمَا تَقُولُ: إِنْ تَقُمْ وَإِنْ تُحْسِنْ آتِكَ، لَا أَنَّهُ حَذَفَ الْخَبَرَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ
٢٢ ‏/ ٤٢٣
عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ (فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ) بِحَذْفِ ﴿هُو﴾ [البقرة: ٢٩] مِنَ الْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفِهِمْ بِغَيْرِ ﴿هُوَ﴾ [البقرة: ٢٩] وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: ٢٤] بِإِثْبَاتِ هُوَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَكَذَلِكَ ﴿هُوِ﴾ [البقرة: ٢٩] فِي مَصَاحِفِهُمْ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٢ ‏/ ٤٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيُّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْمُفَصَّلَاتِ مِنَ الْبَيَانِ وَالدَّلَائِلِ، وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَالْمِيزَانِ بِالْعَدْلِ
٢٢ ‏/ ٤٢٤
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد: ٢٥] قَالَ: «الْمِيزَانُ: الْعَدْلُ»
٢٢ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد: ٢٥] «بِالْحَقِّ»؛ قَالَ: «الْمِيزَانُ: مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، وَيَتَعَاطَوْنَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَايِشِهِمُ الَّتِي يَأْخُذُونَ وَيُعْطُونَ، يَأْخُذُونَ بِمِيزَانٍ، وَيُعْطُونَ بِمِيزَانٍ، يَعْرِفُ مَا يَأْخُذُ وَمَا يُعْطِي» قَالَ: «وَالْكِتَابُ فِيهِ دِينُ النَّاسِ الَّذِي يَعْمَلُونَ وَيَتْرُكُونَ، فَالْكِتَابُ لِلْآخِرَةِ، وَالْمِيزَانُ لِلدُّنْيَا»
٢٢ ‏/ ٤٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِيَعْمَلَ النَّاسُ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْزَلْنَا لَهُمُ الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ: يَقُولُ: فِيهِ قُوَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَمَنَافِعُ لِلنَّاسٍ، وَذَلِكَ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنْهُ عِنْدَ لَقَائِهِمُ الْعَدُوَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهِ
٢٢ ‏/ ٤٢٥
وَقَدْ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ عِلْبَاءِ بْنِ أَحْمَرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نَزَلَتْ مَعَ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ: السِّنْدَانُ وَالْكَلْبَتَانِ، وَالْمِيقَعَةُ، وَالْمَطْرَقَةُ»
٢٢ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد: ٢٥] قَالَ: «الْبَأْسُ الشَّدِيدُ: السُّيُوفُ وَالسِّلَاحُ الَّذِي يُقَاتِلُ النَّاسُ بِهَا» ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [الحديد: ٢٥] «بَعْدَ، يَحْفِرُونَ بِهَا الْأَرْضَ ⦗٤٢٦⦘ وَالْجِبَالَ وَغَيْرِ ذَلِكَ»
٢٢ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ [الحديد: ٢٥] «وَجُنَّةٌ وَسِلَاحٌ، وَأَنْزَلَهُ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ»
٢٢ ‏/ ٤٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلِهِ بِالْغَيْبِ﴾ [الحديد: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا إِلَى خَلْقِنَا وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِيَعْدِلُوا بَيْنَهُمْ، وَلِيَعْلَمَ حِزْبُ اللَّهِ مَنْ يَنْصُرُ دِينَ اللَّهِ وَرُسُلَهَ بِالْغَيْبِ مِنْهُ عَنْهُمْ
٢٢ ‏/ ٤٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيُّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ قَوِيُّ عَلَى الِانْتِصَارِ مِمَّنْ بَارَزَهُ بِالْمُعَادَاةِ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ مِنْهُمْ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الِانْتِصَارِ مِنْهُ مِمَّا أَحَلَّ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ
٢٢ ‏/ ٤٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا أَيُّهَا النَّاسُ نُوحًا إِلَى خَلْقِنَا، وَإِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ إِلَيْهِمْ رُسُلًا ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [الحديد: ٢٦] وَكَذَلِكَ كَانَتِ النُّبُوَّةُ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا، وَعَلَيْهِمْ أُنْزِلَتِ الْكُتُبُ: التَّوْرَاةُ، وَالْإِنْجِيلُ، وَالزَّبُورُ، وَالْفُرْقَانُ، وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ ﴿فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ﴾ [الحديد: ٢٦] يَقُولُ: ⦗٤٢٧⦘ فَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُهْتَدٍ إِلَى الْحَقِّ مُسْتَبْصِرٌ ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٦٦] يَعْنِي مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا ﴿فَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٥٩] يَعْنِي ضُلَّالٌ، خَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ
٢٢ ‏/ ٤٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ أَتْبَعْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ عَلَى آثَارِ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ بِرُسُلِنَا، وَأَتْبَعْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ﴾ [الحديد: ٢٧] يَعْنِي: الَّذِينَ اتَّبَعُوا عِيسَى عَلَى مِنْهَاجِهِ وَشَرِيعَتِهِ ﴿رَأْفَةً﴾ [النور: ٢] وَهُوَ أَشَدُّ الرَّحْمَةِ ﴿وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ [الحديد: ٢٧] يَقُولُ: أَحْدَثُوهَا ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد: ٢٧] يَقُولُ: مَا افْتَرَضْنَا تِلْكَ الرَّهْبَانِيَّةَ عَلَيْهِمْ ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ٢٧] يَقُولُ: لَكِنَّهُمُ ابْتَدَعُوهَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ لَمْ يَرْعَوُا الرَّهْبَانِيَّةَ حَقَّ رِعَايَتِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا، لَمْ يَقُومُوا بِهَا، وَلَكِنَّهُمْ بَدَّلُوا وَخَالَفُوا دِينَ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ عِيسَى، فَتَنَصَّرُوا وَتَهَوَّدُوا
٢٢ ‏/ ٤٢٧
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ قَوْمٌ جَاءُوا مِنْ بَعْدِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا فَلَمْ يَرْعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: نَفْعَلُ كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ أَوَّلِيًا، فَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾ [الحديد: ٢٧] «فَهَاتَانِ مِنَ اللَّهِ، وَالرَّهْبَانِيَّةُ ابْتَدَعَهَا قَوْمٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنِ ابْتَغَوْا بِذَلِكَ وَأَرَادُوا رِضْوَانَ اللَّهِ، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ رَفَضُوا النِّسَاءَ، وَاتَّخَذُوا الصَّوَامِعَ»
٢٢ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا﴾ [الحديد: ٢٧] قَالَ: «لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِمْ، ابْتَدَعُوهَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ»
٢٢ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد: ٢٧] قَالَ: «فَلَمْ؟» قَالَ: «ابْتَدَعُوهَا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهَ تَطَوُّعًا، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا»
٢٢ ‏/ ٤٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّذِينَ لَمْ يَرْعَوُا الرَّهْبَانِيَّةَ حَقَّ رِعَايَتِهَا كَانُوا غَيْرَ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا الْمُرِيدِي الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُرَيْثِ أَبُو عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَتْ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَكَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ يَقْرَأُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فَقِيلَ لِمَلِكِهِمْ: مَا نَجِدُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيْنَا مِنْ شَتْمٍ يَشْتُمُنَاهُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ يَقْرَأُونَ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلُ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ مَعَ مَا يَعِيبُونَنَا بِهِ فِي قِرَاءَتِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَلْيَقْرَأُوا كَمَا نَقْرَأُ، وَلْيُؤْمِنُوا كَمَا آمَنَّا بِهِ.» قَالَ: «فَدَعَاهُمْ فَجَمَعَهُمْ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، أَوْ يَتْرُكُوا قِرَاءَةَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، إِلَّا مَا بَدَّلُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ فَدَعُونَا»؛ قَالَ: «فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً، ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْطُونَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا، فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الْأَرْضِ، وَنَهِيمُ وَنَشْرَبُ كَمَا تَشْرَبُ الْوحُوشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا بِأَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي، وَنَحْتَفِرُ الْآبَارَ، وَنَحْتَرِثُ الْبُقُولَ، فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ إِلَّا وَلَهُ حَمِيمٌ فِيهِمْ»؛ قَالَ: «فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧] الْآخَرُونَ قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا ⦗٤٣٠⦘ اتَّخَذَ فُلَانٌ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ؛» قَالَ: «فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، انْحَطَّ رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَجَاءَ سَائِحٌ مِنْ سِيَاحَتِهِ، وَجَاءَ صَاحِبُ الدَّارِ مِنْ دَارِهِ، وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمَنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: أَجْرَيْنِ لِإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى، وَتَصْدِيقِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَتَصْدِيقِهِمْ بِهِ قَالَ ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] الْقُرْآنَ، وَاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ ﷺ؛» وَقَالَ: «﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدَ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢٩]»
٢٢ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: ثَنَا دَاودُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: ثَنَا الصَّعْقُ بْنُ حَزْنٍ قَالَ: ثَنَا عَقِيلٌ الْجَعْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اخْتَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةٍ، نَجَا مِنْهُمْ ثَلَاثٌ وَهَلَكَ سَائِرُهُمْ: فِرْقَةٌ مِنَ الثَّلَاثِ وَازَتِ الْمُلُوكَ وَقَاتَلَتْهُمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَتْهُمُ الْمُلُوكُ؛ وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طَاقَةٌ بِمُوَازَاةِ الْمُلُوكِ، فَأَقَامُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِمْ يَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَتَلَهُمُ الْمُلُوكُ، وَنَشَرَتْهُمْ بِالْمَنَاشِيرِ؛ وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طَاقَةٌ بِمَوَازَاةِ الْمُلُوكِ، وَلَا بِالْمُقَامِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِمْ يَدْعُونَهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ ⦗٤٣١⦘ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَلَحِقُوا بِالْبَرَارِي وَالْجِبَالِ، فَتَرَهَّبُوا فِيهَا، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل» ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد: ٢٧] قَالَ: «مَا فَعَلُوهَا إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ» ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧] قَالَ: «مَا رَعَاهَا الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ حَقَّ رِعَايَتِهَا» ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧] قَالَ: «وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَصَدَّقُونِي» قَالَ ﴿وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦] قَالَ: «فَهُمُ الَّذِينَ جَحَدُونِي وَكَذَّبُونِي»
٢٢ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا﴾ [الحديد: ٢٧] «قَالَ الْآخَرُونَ مِمَّنْ تَعَبَّدَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَفَنِيَ مِنْ فَنِيَ مِنْهُمْ، يَقُولُونَ: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ، وَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدُوا بِهِمْ»
٢٢ ‏/ ٤٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الَّذِينَ لَمْ يَرْعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا: الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً﴾ [الحديد: ٢٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧] يَقُولُ: «مَا أَطَاعُونِي فِيهَا، وَتَكَلَّمُوا فِيهَا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ، فَلَمَّا اسْتُخْرِجَ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، وَكَثُرَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَذَهَبَ الرُّسُلُ وَقُهِرُوا، اعْتَزَلُوا فِي الْغِيرَانِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى كَفَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، وَتَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ عز وجل وَدِينَهُ، وَأَخَذُوا بِالْبِدْعَةِ وَبِالنَّصْرَانِيَّةِ وَبِالْيَهُودِيَّةِ، فَلَمْ يَرْعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا وَثَبَتَتْ طَائِفَةٌ عَلَى دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ، حِينَ جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبَعَثَ اللَّهُ عز وجل مُحَمَّدًا رَسُولًا ﷺ وَهُمْ كَذَلِكَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ»: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] إِلَى ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨]
٢٢ ‏/ ٤٣٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد: ٢٧] «كَانَ اللَّهُ عز وجل كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ ﷺ؛ فَلَمَّا اسْتُخْرِجَ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، وَكَثُرَ أَهْلُ الشِّرْكِ، وَانْقَطَعَتِ الرُّسُلُ، اعْتَزَلُوا النَّاسَ، فَصَارُوا فِي الْغِيرَانِ، فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى غَيَّرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَتَرَكُوا دِينَ اللَّهِ وَأَمْرَهُ وَعَهْدَهُ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ، فَابْتَدَعُوا النَّصْرَانِيَّةَ ⦗٤٣٣⦘ وَالْيَهُودِيَّةَ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل لَهُمْ: ﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧] وَثَبَتَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى دِينِ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَآمَنُوا بِهِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْكُمْ قِيَامَهُ، وَإِنَّمَا الْقِيَامُ شَيْءٌ ابْتَدَعْتُمُوهُ، وَإِنَّ قَوْمًا ابْتَدَعُوا بِدْعَةً لَمْ يَكْتُبْهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ابْتَغَوْا بِهَا رِضْوَانَ اللَّهِ، فَلَمْ يَرْعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، فَعَابَهُمُ اللَّهُ بِتَرْكِهَا، فَقَالَ: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: ٢٧]» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْعَوُا الرَّهْبَانِيَّةَ حَقَّ رِعَايَتِهَا بَعْضُ الطَّوَائِفِ الَّتِي ابْتَدَعَتْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ آتَى الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ؛ قَالَ: فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ رَعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقَّ الْأَجْرِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧] إِلَّا أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَرْعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا بَعْدَهُمْ، لِأَنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا رَعَوْهَا، فَجَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَرْعَهَا الْقَوْمُ عَلَى الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ مِنْهُمُ الْبَعْضُ الْحَاضِرُ، وَقَدْ مَضَى نَظِيرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
٢٢ ‏/ ٤٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَعْطَيْنَا ⦗٤٣٤⦘ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا الرَّهْبَانِيَّةَ ثَوَابَهُمْ عَلَى ابْتِغَائِهِمْ رِضْوَانَ اللَّهِ، وَإِيمَانِهِمْ بِهِ وَبِرَسُولِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ أَهْلُ مَعَاصٍ، وَخُرُوجٍ عَنْ طَاعَتِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧] قَالَ: «الَّذِينَ رَعَوْا ذَلِكَ الْحَقَّ»
٢٢ ‏/ ٤٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، خَافُوا اللَّهَ بِأَدَاءِ طَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ
٢٢ ‏/ ٤٣٤
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] «يَعْنِي الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] «يَعْنِي: الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٤
وَقَوْلُهُ: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ يُعْطِكُمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْأَجْرِ لِإِيمَانِكُمْ بِعِيسَى ﷺ، وَالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ، ثُمَّ إِيمَانِكُمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ بُعِثَ نَبِيًّا وَأَصْلُ الْكِفْلِ: الْحَظُّ، وَأَصْلُهُ: مَا يَكْتَفِلُ بِهِ الرَّاكِبُ، فَيَحْبِسُهُ وَيَحْفَظُهُ عَنِ السُّقُوطِ؛ يَقُولُ: يُحَصِّنُكُمْ هَذَا الْكِفْلُ مِنَ الْعَذَابِ، كَمَا يُحْصِنُ الْكِفْلُ الرَّاكِبَ مِنَ السُّقُوطِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «أَجْرَيْنِ، لِإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى ﷺ، وَتَصْدِيقِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَتَصْدِيقِهِمْ بِهِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٥
قَالَ: ثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «أَجْرَيْنِ: إِيمَانُهُمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَإِيمَانُهُمْ بِعِيسَى ﷺ، وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٥
وَبِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَهَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «أَجْرَيْنِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٥
حَدَّثَنَا عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] يَقُولُ: «ضِعْفَيْنِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٦
قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ جَعْفَرًا فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا إِلَى النَّجَاشِيِّ يَدْعُوهُ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَدَعَاهُ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَآمَنَ بِهِ؛ فَلَمَّا كَانَ انْصِرَافُهُ قَالَ نَاسٌ مِمَّنْ قَدْ آمَنَ بِهِ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا: ائْذَنْ لَنَا، فَنَأْتِي هَذَا النَّبِيَّ، فَنُسْلِمَ بِهِ، وَنُسَاعِدَ هَؤُلَاءِ فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّا أَعْلَمُ بِالْبَحْرِ مِنْهُمْ، فَقَدِمُوا مَعَ جَعْفَرٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ تَهَيَّأَ النَّبِيُّ ﷺ لِوَقْعَةِ أُحُدٍ؛ فَلَمَّا رَأَوْا مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَصَاصَةِ وَشِدَّةِ الْحَالِ، اسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ ﷺ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ لَنَا أَمْوَالًا، وَنَحْنُ نَرَى مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخَصَاصَةِ، فَإِنْ أَذِنْتَ لَنَا انْصَرَفْنَا، فَجِئْنَا بِأَمْوَالِنَا، وَوَاسَيْنَا الْمُسْلِمِينَ بِهَا فَأَذِنَ لَهُمْ، فَانْصَرَفُوا، فَأَتَوْا بِأَمْوَالِهِمْ، فَوَاسَوْا بِهَا الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ» ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٥٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] «فَكَانَتِ النَّفَقَةُ الَّتِي وَاسَوْا بِهَا الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَمَّا سَمِعَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِقَوْلِهِ:»﴿يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص: ٥٤] «فَخَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا مَنْ آمَنَ مِنَّا بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابِنَا فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكِتَابِكُمْ فَلَهُ أَجْرٌ كَأُجُورِكُمْ، فَمَا فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ» ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ ⦗٤٣٧⦘ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] «فَجَعَلَ لَهُمْ أَجْرَهُمْ، وَزَادَهُمُ النُّورَ وَالْمَغْفِرَةَ، ثُمَّ قَالَ:»لِكَيْلَا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهَكَذَا قَرَأَهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لِكَيْلَا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ
٢٢ ‏/ ٤٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «ضِعْفَيْنِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «وَالْكِفْلَانِ أَجْرَانِ بِإِيمَانِهِمُ الْأَوَّلِ، وَبِالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ»
٢٢ ‏/ ٤٣٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] «يَعْنِي الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] يَقُولُ: «أَجْرَيْنِ بِإِيمَانِكُمْ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ»
٢٢ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «أَجْرَيْنِ: أَجْرَ الدُّنْيَا، وَأَجْرَ الْآخِرَةِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: ثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «الْكِفْلَانِ: ضِعْفَانِ مِنَ الْأَجْرِ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ»
٢٢ ‏/ ٤٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْبَعِ مَنَازِلَ: رَجُلٌ كَانَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى، فَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَلَهُ أَجْرَانِ وَرَجُلٌ كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى، فَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَلَهُ أَجْرٌ وَرَجُلٌ كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى، فَكَفَرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَبَاءَ بِغَضَبٍ عَلَى غَضِبٍ وَرَجُلٌ كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَمَاتَ بِكُفْرِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ فَبَاءَ بِغَضَبٍ»
٢٢ ‏/ ٤٣٨
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الْكِفْلِ، كَمْ هُوَ؟ قَالَ: «ثَلَاثُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ حَسَنَةً، الْكِفْلَانِ: سَبْعُ مِائَةِ حَسَنَةٍ»
٢٢ ‏/ ٤٣٨
قَالَ سَعِيدٌ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ: «كَمْ أَفْضَلُ مَا ضُعِّفَتْ لَكُمُ الْحَسَنَةُ؟ قَالَ: كِفْلٌ ثَلَاثُ مِئَةٍ وَخَمْسُونَ حَسَنَةً؛ قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَانَا كِفْلَيْنِ» ثُمَّ ذَكَرَ سَعِيدٌ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] فَقُلْتُ لَهُ: الْكِفْلَانِ فِي الْجُمُعَةِ مِثْلُ ⦗٤٣٩⦘ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٢٢ ‏/ ٤٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: ثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ آمَنَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَالْكِتَابِ الْآخَرِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا وَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: ثَنِي صَالِحُ بْنُ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ، سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِهِ
٢٢ ‏/ ٤٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْفُرَاتِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّمَا آجَالُكُمْ فِي آجَالِ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ مِنْ بُكْرَةٍ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، أَلَا فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، أَلَا فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلَا فَعَمِلْتُمْ»
٢٢ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ قَالَ: أُمَّتِي وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قَالَتِ الْيَهُودُ: نَحْنُ، فَعَمِلُوا؛ قَالَ: فَمَنْ يَعْمَلُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ قَالَتِ النَّصَارَى: نَحْنُ، فَعَمِلُوا، وَأَنْتُمْ الْمُسْلِمُونَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا، وَأَقَلُّ أَجْرًا قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أُجُورِكُمْ ⦗٤٤١⦘ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ»
٢٢ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ خِطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ قَوْلًا كَثِيرًا حَسَنًا جَمِيلًا، وَكَانَ فِيهَا: «مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ أَجْرُهُ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا»
٢٢ ‏/ ٤٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَجْعَلُ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عَنَى بِهِ النُّورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الْقُرْآنَ
٢٢ ‏/ ٤٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «الْفُرْقَانَ وَاتِّبَاعَهُمُ النَّبِيَّ ﷺ»
٢٢ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «⦗٤٤٢⦘ الْفُرْقَانَ، وَاتِّبَاعَهُمُ النَّبِيَّ ﷺ»
٢٢ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو هِشَامٍ قَالَا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «الْقُرْآنَ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِالنُّورِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْهُدَى
٢٢ ‏/ ٤٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «هُدًى» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَعَدَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ، وَالْقُرْآنُ مَعَ اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نُورٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِمَا وَصَدَّقَهُمَا وَهُدًى، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِذَلِكَ، فَقَدِ اهْتَدَى
٢٢ ‏/ ٤٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١] يَقُولُ: وَيَصْفَحْ لَكُمْ عَنْ ذُنُوبِكُمْ فَيَسْتُرْهَا عَلَيْكُمْ ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ ذُو مَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ
٢٢ ‏/ ٤٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢٩]
٢٢ ‏/ ٤٤٢
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَفْعَلُ بِكُمْ رَبُّكُمْ هَذَا لِكَيْ يَعْلَمَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَخَصَّكُمْ بِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَضَّلَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ آتَى أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ الْفَضْلِ وَالْكَرَامَةِ، مَا لَمْ يُؤْتِهِمْ، وَأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ حَسَدُوا الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: ٢٨] فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: فَعَلْتُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٢ ‏/ ٤٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] الْآيَةَ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، حَسَدَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل» ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ﴾ [الحديد: ٢٩] الْآيَةَ
٢٢ ‏/ ٤٤٣
قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ قَبْلَنَا، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ يَعْمَلُونَ إِلَى اللَّيْلِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ سَئِمُوا عَمَلَهُ وَمَلُّوا، فَحَاسَبَهُمْ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ إِلَى اللَّيْلِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ، يَعْمَلُونَ لَهُ بَقِيَّةَ عَمَلِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُ هَؤُلَاءِ أَقَلُّهُمْ عَمَلًا، وَأَكْثَرُهُمْ أَجْرًا؟ قَالَ: ⦗٤٤٤⦘ مَالِي أُعْطِي مَنْ شِئْتُ، فَأَرْجُو أَنْ نَكُونَ نَحْنُ أَصْحَابُ الْقِيرَاطَيْنِ»
٢٢ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّهَا حِينَ نَزَلَتْ حَسَدَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ» ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ٢٩]
٢٢ ‏/ ٤٤٤
حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ قَالَ: ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾ [الحديد: ٢٩] «الَّذِينَ يَتَسَمَّعُونَ» ﴿أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ٢٩] حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ وَقِيلَ: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ﴾ [الحديد: ٢٩] إِنَّمَا هُوَ لِيَعْلَمَ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «لِكَيْ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ» لِأَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ «لَا» صِلَةً فِي كُلِّ كَلَامٍ دَخَلَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ جَحْدٌ غَيْرُ مُصَرَّحٍ، كَقَوْلِهِ فِي الْجَحْدِ السَّابِقِ، الَّذِي لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ١٠٩]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ [الأنبياء: ٩٥] الْآيَةَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٢ ‏/ ٤٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هَارُونَ الْغَنَوِيُّ قَالَ: قَالَ خَطَّابُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ٢٩]
٢٢ ‏/ ٤٤٥
قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ «لِكَيْلَا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ»
٢٢ ‏/ ٤٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ دُونَهُمْ، وَدُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ ﴿يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٧٣] يَقُولُ: يُعْطِي فَضْلَهُ ذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، لَيْسَ ذَلِكَ إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [البقرة: ١٠٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ عَلَى خَلْقِهِ، الْعَظِيمُ فَضْلُهُ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …