مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعَ عَشْرَةَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٤ / ١٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: ١]: انْشَقَّتْ وَإِذَا كَوَاكِبُهَا انْتَثَرَتْ مِنْهَا فَتَسَاقَطَتْ. ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار: ٣] يَقُولُ: فَجَّرَ اللَّهُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَمَلَأَ جَمِيعَهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ
٢٤ / ١٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار: ٣] يَقُولُ: بَعْضُهَا فِي بَعْضِ
٢٤ / ١٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار: ٣] فُجِّرَ عَذْبُهَا فِي مَالِحِهَا، وَمَالِحُهَا فِي عَذْبِهَا
٢٤ / ١٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿وَإِذَا ⦗١٧٥⦘ الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾ [الانفطار: ٣] قَالَ: فُجِّرَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، فَذَهَبَ مَاؤُهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُلِئَتْ
٢٤ / ١٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ [الانفطار: ٤] يَقُولُ: وَإِذَا الْقُبُورُ أُثِيرَتْ، فَاسْتُخْرِجَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى أَحْيَاءً. يُقَالُ: بَعْثَرَ فُلَانٌ حَوْضَ فُلَانٍ: إِذَا جَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، يُقَالُ: بَعْثَرَهُ وَبَحْثَرَهُ: لُغَتَانِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
٢٤ / ١٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ [الانفطار: ٤] يَقُولُ: بُحِثَتْ
٢٤ / ١٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: عَلِمَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا قَدَّمَتْ لِذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ يَنْفَعُهُ، وَأَخَّرَتْ وَرَاءَهُ مِنْ شَيْءٍ سَنَّهُ فَعُمِلَ بِهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
٢٤ / ١٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ثني عَنِ الْقُرَظِيُّ، أَنَّهُ قَالَ فِي: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٥] قَالَ: مَا قَدَّمَتْ مِمَّا عَمِلَتْ، وَأَمَّا مَا أَخَّرَتْ فَالسُّنَّةُ يَسُنُّهَا الرَّجُلُ، يَعْمَلُ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: مَا قَدَّمَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي أَدَّتْهَا، وَمَا أَخَّرَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي ضَيَّعَتْهَا
٢٤ / ١٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ﴾ [الانفطار: ٥] قَالَ: مَا افْتُرِضَ عَلَيْهَا وَمَا أَخَّرَتْ قَالَ: مِمَّا افْتُرِضَ عَلَيْهَا
٢٤ / ١٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٥] قَالَ: تَعْلَمُ مَا قَدَّمَتْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا أَخَّرَتْ مِمَّا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ حَقٍّ لِلَّهِ عَلَيْهِ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ
٢٤ / ١٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٥] قَالَ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ، وَأَخَّرَتْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ
٢٤ / ١٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مَا قَدَّمَتْ ⦗١٧٧⦘ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٥] قَالَ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا أَخَّرَتْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ
٢٤ / ١٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٥] قَالَ: مَا قَدَّمَتْ: عَمِلَتْ، وَمَا أَخَّرَتْ: تَرَكَتْ وَضَيَّعَتْ، وَأَخَّرَتْ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي دَعَاهَا اللَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَخَّرَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ
٢٤ / ١٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار: ٥] قَالَ: أَنَا مِمَّا أَخَّرَ الْحَجَّاجَ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَا عَمِلَ الْعَبْدُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ مِمَّا قَدَّمَهُ، وَأَنَّ مَا ضَيَّعَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَفَرَّطَ فِيهِ فَلَمْ يَعْمَلْهُ، فَهُوَ مِمَّا قَدْ قَدَّمَ مِنْ شَرٍّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا أَخَّرَ مِنَ الْعَمَلِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ هُوَ مَا عَمِلَهُ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَعْمَلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ سَيِّئَةٌ قَدَّمَهَا، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: مَا أَخَّرَ: هُوَ مَا سَنَّهُ مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ، مِمَّا إِذَا عَمِلَ بِهِ الْعَامِلُ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْعَامِلِ بِهَا أَوْ وِزْرُهُ
٢٤ / ١٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي ⦗١٧٨⦘ خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ، أَيُّ شَيْءٍ غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، غَرَّ الْإِنْسَانَ بِهِ عَدُوَّهُ الْمُسَلَّطُ عَلَيْهِ
٢٤ / ١٧٧
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الانفطار: ٦] شَيْءٌ مَا غَرَّ ابْنَ آدَمَ هَذَا الْعَدُوُّ الشَّيْطَانُ
٢٤ / ١٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ﴾ [الانفطار: ٧] يَقُولُ: الَّذِي خَلَقَكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ فَسَوَّى خَلْقَكَ ﴿فَعَدَلَكَ﴾ [الانفطار: ٧] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ: (فَعَدَّلَكَ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِهَا؛ وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ، وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ جَعَلَكَ مُعْتَدِلًا مُعَدَّلَ الْخَلْقِ مُقَوَّمًا، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِالتَّخْفِيفِ، وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى صَرَفَكَ، وَأَمَالَكَ إِلَى أَيِّ صُورَةٍ شَاءَ، إِمَّا إِلَى صُورَةٍ حَسَنَةٍ، وَإِمَّا إِلَى صُورَةٍ قَبِيحَةٍ، أَوْ إِلَى صُورَةِ بَعْضِ قَرَابَاتِهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَهُمَا إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بِهِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ، لِأَنَّ دُخُولَ فِي لِلتَّعْدِيلِ أَحْسَنُ فِي
٢٤ / ١٧٨
الْعَرَبِيَّةِ مِنْ دُخُولِهَا لِلْعَدْلَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: عَدَّلْتُكَ فِي كَذَا، وَصَرَّفْتُكَ إِلَيْهِ، وَلَا تَكَادُ تَقُولُ: عَدَلْتُكَ إِلَى كَذَا وَصَرَفْتُكَ فِيهِ، فَلِذَلِكَ اخْتَرْتُ التَّشْدِيدَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَذَكَرْنَا أَنَّ قَارِئِي ذَلِكَ تَأَوَّلُوهُ، جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَهْلِ الْتَأْوِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ
٢٤ / ١٧٩
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: ٨] قَالَ: فِي أَيِّ شَبَهٍ: أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ عَمٍّ
٢٤ / ١٧٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: ٨] قَالَ: إِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ حِمَارٍ
٢٤ / ١٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: ٨] قَالَ: خِنْزِيرًا أَوْ حِمَارًا
٢٤ / ١٧٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: ٨] قَالَ: إِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ قِرْدٍ، وَإِنْ شَاءَ فِي صُورَةِ خِنْزِيرٍ
٢٤ / ١٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا مُطَهَّرُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ جَدِّي، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: «مَا وُلِدَ لَكَ»؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَسَى أَنْ يُولَدَ لِي إِمَّا غُلَامٌ، وَإِمَّا جَارِيَةٌ، قَالَ: «فَمَنْ يُشْبِهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ عَسَى أَنْ يُشْبِهَ؟ إِمَّا أَبَاهُ، وَإِمَّا أُمَّهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَهَا: “مَهْ، لَا تَقُولَنَّ هَكَذَا، إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِمِ أَحْضَرَ اللَّهُ كُلَّ نَسَبٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آدَمَ، أَمَا قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ [الانفطار: ٨] قَالَ: سَلَكَكَ
٢٤ / ١٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ كَمَا تَقُولُونَ، مِنْ أَنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ فِي عِبَادَتِكُمْ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَكِنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ؛ وَالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ﴾ [الانفطار: ٩] قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
٢٤ / ١٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ﴾ [الانفطار: ٩] قَالَ: بِالْحِسَابِ
٢٤ / ١٨١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ﴾ [الانفطار: ٩] قَالَ: بِيَوْمِ الْحِسَابِ
٢٤ / ١٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدَّيْنِ﴾ [الانفطار: ٩] قَالَ: يَوْمَ شِدَّةٍ، يَوْمَ يَدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ
٢٤ / ١٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ [الانفطار: ١٠] يَقُولُ: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ رُقَبَاءَ حَافِظَيْنَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ، وَيُحْصُونَهَا عَلَيْكُمْ
٢٤ / ١٨١
﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار: ١١] يَقُولُ: كِرَامًا عَلَى اللَّهِ كَاتِبِينَ، يَكْتُبُونَ أَعْمَالَكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
٢٤ / ١٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَيُّوبَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار: ١١] قَالَ: يَكْتُبُونَ مَا تَقُولُونَ وَمَا تَعْنُونَ
٢٤ / ١٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: ١٢] يَقُولُ: يَعْلَمُ هَؤُلَاءِ الْحَافِظُونَ مَا تَفْعَلُونَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، يُحْصَوْنَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ
٢٤ / ١٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ الَّذِينَ بَرُّوا بِأَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ لَفِي نَعِيمِ الْجِنَّانِ يُنَعَّمُونَ فِيهَا
٢٤ / ١٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ﴾ [الانفطار: ١٤] الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ﴿لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٤]
٢٤ / ١٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الانفطار: ١٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يُصْلَى هَؤُلَاءِ الْفُجَّارُ الْجَحِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ يُدَانُ الْعِبَادُ بِالْأَعْمَالِ، فَيُجَازَوْنَ بِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
٢٤ / ١٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الانفطار: ١٥] مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَظَّمَهُ اللَّهُ، وَحَذَّرَهُ عِبَادَهُ
٢٤ / ١٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ [الانفطار: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا هَؤُلَاءِ الْفُجَّارُ مِنَ الْجَحِيمِ بِخَارِجِينَ أَبَدًا فَغَائِبِينَ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا مُخَلَّدُونَ مَاكِثُونَ، وَكَذَلِكَ ⦗١٨٣⦘ الْأَبْرَارُ فِي النَّعِيمِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [الحجر: ٤٨]
٢٤ / ١٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمَا أَدْرَاكَ يَا مُحَمَّدُ، أَيْ وَمَا أَشْعَرَكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ؟ يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ يَوْمُ الْحِسَابِ وَالْمُجَازَاةِ، مُعَظِّمًا شَأْنَهُ جَلَّ ذِكْرُهُ، بِقِيلِهِ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
٢٤ / ١٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار: ١٧] تَعْظِيمًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ تُدَانُ فِيهِ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ
٢٤ / ١٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار: ١٨] يَقُولُ: ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ أَشْعَرَكَ أَيُّ شَيْءٍ يَوْمُ الْمُجَازَاةِ وَالْحِسَابِ يَا مُحَمَّدُ، تَعْظِيمًا لَأَمْرِهِ. ثُمَّ فَسَّرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعْضَ شَأْنِهِ فَقَالَ: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾ [الانفطار: ١٩] يَقُولُ: ذَلِكَ الْيَوْمُ، يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ، يَقُولُ: يَوْمَ لَا تُغْنِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، فَتَدْفَعُ عَنْهَا بَلِيَّةً نَزَلَتْ بِهَا، وَلَا تَنْفَعُهَا بِنَافِعَةٍ، وَقَدْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا تَحْمِيهَا، وَتَدْفَعُ عَنْهَا مَنْ بَغَاهَا سُوءًا، فَبَطَلَ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، وَاضْمَحَلَّتْ هُنَالِكَ الْمَمَالِكُ، وَذَهَبَتِ الرِّيَاسَاتُ، وَحَصَلَ الْمُلْكُ لِلْمَلِكِ الْجَبَّارِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٩] يَقُولُ: وَالْأَمْرُ كُلُّهُ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي الدِّينَ لِلَّهِ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ
٢٤ / ١٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٩] قَالَ: لَيْسَ ثَمَّ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يَقْضِي شَيْئًا، وَلَا يَصْنَعُ شَيْئًا إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ
٢٤ / ١٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٩] وَالْأَمْرُ وَاللَّهِ الْيَوْمَ لِلَّهِ، وَلَكِنَّهُ يَوْمَئِذٍ لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ﴾ [الانفطار: ١٩] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ بِنَصْبِ يَوْمٍ إِذْ كَانَتْ إِضَافَتُهُ غَيْرَ مَحْضَةٍ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ بِضَمِّ يَوْمٍ وَرَفْعِهِ رَدًّا عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَالرَّفْعُ فِيهِ أَفْصَحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَوْمَ مُضَافٌ إِلَى يَفْعَلُ، وَالْعَرَبُ إِذَا أَضَافَتِ الْيَوْمَ إِلَى تَفْعَلُ أَوْ يَفْعَلُ أَوْ أَفْعَلُ رَفَعُوهُ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمُ أَفْعَلُ كَذَا، وَإِذَا أَضَافَتْهُ إِلَى فِعْلٍ مَاضٍ نَصَبُوهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا … وَقُلْتُ أَلَمَّا تَصْحُ وَالشِّيبُ وَازِعُ
[البحر الطويل] عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا … وَقُلْتُ أَلَمَّا تَصْحُ وَالشِّيبُ وَازِعُ
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !