٢٢١ – عن عائشة:
أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يأكل أو ينام؛ توضأ؛ يعني: وهو جنب.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ والأسود: هو ابن يزيد النخعي.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ١٩١): حدثنا يحيى … به.
وأخرجه النسائي عن يحيى أيضًا.
ثم أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما» والطحاوي والبيهقي وأحمد (٦/ ١٩٢) من طرق أخرى عن شعبة … به. وقال أحمد:
«قال يحيى: ترك شعبة حديث الحكم في الجنب إذا أراد أنْ يأكل توضأ».
قلت: وقول يحيى هذا -وهو القطان-؛ ذكره الحافظ في «التلخيص» (٢/ ١٥٢) برواية ابن أبي خيثمة، ثم عقبها بقوله:
«قلت: قد أخرجه مسلم من طريقه؛ فلعله تركه بعد أن كان يحدث به؛ لتفرده بذكر الأكل، كما حكاه الخلال عن أحمد».
قلت: والحكم -وهو ابن عُتَيْبة- ثقة ثبت؛ فتفرده لا يضر.
وحديثه يفيد استحباب الوضوء من الجنب للأكل، ولا يعارض الحديث المتقدم في الباب قبله (رقم ٢٢٠)؛ فإنه يدل على جواز ترك الوضوء والاكتفاء بغسل اليدين والفم، كما في رواية صحيحة.
والحديث رواه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن عائشة، زوج النبي ﷺ قال:
سألتها: كيف كان رسول الله ﷺ يصنع إذا كان هو جنب؛ وأراد أن ينام قبل
أخرجه أحمد (٦/ ٢٧٣)، والدارمي (١/ ١٩٣)، وإسناده حسن. فإنه من رواية ابن إسحاق عن عبد الرحمن، وقد صرح بالتحديث عند أحمد.
وتابعه حجاج عنه: أخرجه أحمد (٦/ ٢٢٤ و٢٣٥ و٢٦٠) نحوه. وفي لفظ له:
كان رسول الله ﷺ يُجْنِبُ من الليل، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة حتى يصبح ولا يمس ماءً.
والحجاج هذا؛ الظاهر أنه ابن أرطاة، وهو مدلس، وقد عنعنه.
٢٢٢ – قال أبو داود: «وقال علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ».
هذه آثار معلقة، ولم أقف على من خرجها؛ إلا أثر ابن عمر؛ فقد أخرجه أحمد (٢/ ٣٦) عقب حديثه المتقدم في الكتاب (رقم ٢١٨)؛ لكن من طريق نافع قال:
فكان ابن عمر إذا أراد أن يفعل شيئًا من ذلك؛ توضأ وضوءه للصلاة؛ ما خلا رجليه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه مالك (١/ ٦٨). ومن طريقه البيهقي (١/ ٢٠٠)، عن نافع:
أن عبد الله بن عمر كان إذا أراد أن ينام أو يَطْعَمَ وهو جنب؛ غسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم طَعِمَ أو نام.
وغسل فرجه، ولم يغسل قدميه.
وإسناده صحيح.
وقد خالفته عائشة أيضًا رضي الله عنها، فقالت: إذا أصاب أحدُكم المرأةَ، ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل؛ فلا يَنَمْ حتى يتوضأ وضوءه للصلاة.
أخرجه مالك وعنه الطحاوي (١/ ٧٥).
وإسناده صحيح على شرطهما.
٩٠ – باب الجنب يؤخر الغسل
٢٢٣ – عن غُضَيْفِ بن الحارث قال:
قلت لعائشة: أرايتِ رسول الله ﷺ يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره؟
قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره.
قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سَعَةً.
قلت: أرأيتِ رسول الله ﷺ كان يوتر في أول الليل أم في آخره؟
قالت: ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في آخره.
قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سَعَةً.
قالت: ربما جهر به، وربما خَفَتَ.
قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سَعَةً!
(قلت: إسناده صحيح. وروى مسلم وأبو عوانة في «صحيحهما» الفصل الأول منه).
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا مُعتمر. (ح) وثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: ثنا بُرْدُ بن سنان عن عُبَادة بن نُسَيٍّ عن غُضَيْفِ بن الحارث.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
والحديث في «مسند أحمد» (٦/ ٤٧) … بإسناده هذا.
وروى البيهقي (١/ ١٩٩) الفصل الأول منه من طريق المؤلف، وابن ماجة (١/ ٤٠٨) الفصل الأخير الثالث منه من طريق إسماعيل ابن عُلَيَّة -وهو ابن إبراهيم-.
ورواه أحمد (٦/ ١٣٨) من طريق سفيان عن برد … به دون الفصل الأخير.
وروى منه الحاكم (١/ ١٥٣) الفصل الأول.
ثم رواه هو، والنسائي (١/ ٧٠)، وكذا البيهقي من طرق أخرى عن برد.
وله في «المسند» (٦/ ٧٣ و١٤٩) طريق أخرى عن معاوية بن صالح عن عبد الله ابن أبي قيس عنها … به بتمامه.
وإسناده صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه في «صحيحه» (١/ ١٧١)،
وهذا القدر، أخرجه أبو عوانة أيضًا في «صحيحه» (١/ ٢٧٨)، والنسائي (١/ ٧٠)، والحاكم (١/ ١٥٣).
وأخرجه المصنف فيما يأتي في «الوتر» (١٢٩١) بنحو ما هنا.
وله في «المسند» (٦/ ١٦٧) طريق ثالث، ورجاله ثقات رجال مسلم، لكن فيه انقطاع.
٢٢٤ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ ينام وهو جنب؛ من غير أن يمسَّ ماءً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه أبو العباس بن شُرَيح والحاكم والبيهقي).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير قال: أنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ١٣٩٧): حدثنا سفيان … به.
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (١/ ٢٠١)، وكذلك أخرجه الترمذي (١/ ٢٠٢) وابن ماجة (١/ ٢٠٥)، والطحاوي (١/ ٧٤)، وابن حزم (١/ ٨٧) من طرق عن سفيان … به.
ثم أخرجه الترمذي وابن ماجة والطحاوي وأحمد (٦/ ٤٣، ١٧١) من طرق أخرى عن أبي إسحاق … به؛ وزادوا -إلا الترمذي-:
ثم أخرجه أحمد (٦/ ١٠٢) من طريق حسن -وهو ابن موسى- ومن طريق
أبي كامل -واسمه فضيل بن حسين-، والبيهقي من طريق يحيى بن يحيى
وأحمد بن يونس وعمرو بن خالد؛ كلهم عن زهير عن أبي إسحاق قال:
سألت الأسود بن يزيد -وكان لي جارًا وصديقًا- عما حدثته عائشة عن صلاة رسول الله ﷺ؟ فقال: قالت:
كان ينام أول الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له إلى أهله حاجة قضى حاجته، ثم نام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب -فلا والله ما قالت: قام- وأخذ الماء -ولا والله ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد-، وإن لم يكن له حاجة؛ توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى الركعتين.
وفي رواية أحمد: وإن لم يكن جنبًا بدل: وإن لم يكن له حاجة.
وهي أوضح في المعنى.
وقد أخرجه مسلم (٢/ ١٦٧) من طريق أحمد بن يونس ويحيى بن يحيى عن زهير … به، دون قوله: قبل أن يمس ماءً.
وكذلك رواه الطيالسي (رقم ١٣٨٦)، ومن طريقه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٣٠٨) من طريق شعبة عن أبي إسحاق. ثم قال البيهقي:
«أخرجه مسلم في»الصحيح«دون قوله: قبل أن يمس ماءً وذلك لأن الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس، فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك برواية إبراهيم النخعي وعبد الرحمن ابن الأسود عن الأسود بخلاف رواية أبي إسحاق»!
كان إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ توضأ وضوءه للصلاة، وقد مضى في الباب قبله (رقم ٢١٩). ثم قال البيهقي:
«وحديث أبي إسحاق السبيعي صحيح من جهة الرواية، وذلك أن أبا إسحاق بين سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية عنه؛ والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه، وكان ثقة؛ فلا وجه لردِّه»، ثم ذكر عن الحاكم وأبي العباس ابن شريح أنهما صححا الحديث.
وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى؛ فإن أبا إسحاق السبيعي -واسمه عمرو بن عبد الله- ثقة حجة، وقد رماه بعضهم بالتدليس؛ فتصريح زهير بن معاوية بسماعه من الأسود قد دفع شيهة تدليسه.
وفيه شبهة أخرى؛ وهو أنه كان قد شاخ ونسي؛ ولكنه لم يختلط، كما قال الذهبي. وأما الحافظ فقال في «التقريب»: إنه «اختلط بآخره»!
وأيًّا ما كان؛ فإن هذا الحديث قد رواه عنه جماعة؛ منهم سفيان الثوري، وهو أثبت الناس فيه، كما قال الحافط نفسه في «التهذيب».
فما رواه المصنف عقب الحديث فقال: ثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول:
«هذا الحديث وهم؛ يعني: حديث أبي إسحاق»! وقال الترمذي:
«وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث: شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق»!
ومن ذلك ما في «سنن ابن ماجة» عقب الحديث:
قال سفيان: فذكرت الحديث يومًا، فقال لي إسماعيل: يا فتى! تشدُّ هذا الحديث بشيء؟ !
قلت: وقد وجدنا ما يشهد له؛ فقال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ١٥٦):
«ويؤيده ما رواه هشيم عن عبد الملك عن عظاء عن عائشة مثل رواية أبي إسحاق عن الأسود (١)، وما رواه ابن خزيمة وابن حبان في»صحيحيهما«عن ابن عمر: أنه سأل النبي ﷺ: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال:»نعم، ويتوضأ إن شاء«، وأصله في»الصحيحين«دون قوله:»إن شاء«…».
قلت: وكذلك رواه المصنف -كما مضى (رقم ٢١٨) – مثل رواية «الصحيحين»؛ لكن الحديث عندهم من حديث عمر، وهو السائل، لا ابنه عبد الله. والله أعلم.
وبالجملة؛ فهذه طريق أخرى للحديث، وهو صحيح أيضًا على شرط مسلم؛ فهو شاهد قوي لرواية أبي إسحاق، تشهد أنه قد حفظ ولم يهم كما زعموا!
(تنبيه): لا تعارض بين هذا الحديث وبين أحاديث البابين قبله؛ فإن هذا يدل على
كان رسول الله ﷺ تصيبه الجنابة من الليل وهو يريد الصيام، فينام ويستيقظ، ويصبح جنبًا، فيفيض عليه من الماء، ثم يتوضأ.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
(تنبيه ثانٍ): زعم الطحاوي أن أبا إسحاق غلط في هذا الحديث، فاختصره من حديث طويل أخطأ في اختصاره إياه؛ وذلث أن فهدًا حدثنا قال: ثنا أبو غسان قال: ثنا زهير …
قلت: فذكر الحديث مثل رواية البيهقي المتقدمة؛ إلا أنه قال -بعد قوله: ويحيي آخره-:
ثم إن كانت له حاجة؛ قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماءً … الحديث.
فقد سقط من روايته قوله: إلى أهله … فتغير من أجل ذلك المعنى من أصله!
ثم أخذ يؤول الجملة ويفسرها بما يعارض رواية أبي إسحاق المختصرة! !
وذلك خطأ منه مبني على خطأ روايته المخالفة لرواية الجماعة كما سبق؛ وقد تبعه على هذا الخطأ جماعة من المتأخرين! والسبب في ذلك: عدم تتبع طرق الحديث وألفاظه. والله الموفق.
٩١ – باب في الجنب يقرأ القرآن
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٩٢ – باب في الجنب يصافح
٢٢٥ – عن حذيفة:
أن النبي ﷺ لَقِيَهُ فأهوى إليه، فقال:
إني جنب! فقال: «إن المسلم لا يَنْجُسُ».
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى عن مِسْعَرٍ عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٧٥) عن مسدد.
وأخرجه أحمد (٥/ ٣٨٤) عن يحيى بن سعيد … به.
وأخرجه أبو عوانة أيضًا، والنسائي (١/ ٥١)، وابن ماجة (١/ ١٩١) من طرق عن يحيى.
وقد تابعه وكيع عن مسعر بن كِدَام.
أخرجه مسلم (١/ ١٩٤)، والبيهقي (١/ ١٨٩ – ١٩٠).
وله طريق أخرى عند النسائي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن حذيفة قال:
كان رسول الله ﷺ إذا لقي الرجل من أصحابه؛ مَاسَحَه ودعا له؛ قال: فرأيته يومًا بُكرةً؛ فحِدْتُ عنه، ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال:
«إني رأيتك؛ فحِدْتَ عنِّي؟ !».
فقال: إني كنت جنبًا؛ فخشيت أن تمسَّني! فقال رسول الله ﷺ:
«إن المسلم لا ينجس».
وصححه ابن حبان فأخرجه في «صحيحه» (٢/ ٢٧٦ – ٢٧٧)، وأقره في «الفتح» (١/ ٣١٠).
٢٢٦ – عن أبي هريرة قال:
لقيني رسول الله ﷺ في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال:
«أين كنت يا أبا هريرة؟ !». قال: قلت: إني كنت جنبًا، فكرهت أن أجالسك على غير طهارة! فقال:
«سبحان الله! إن المسلم لا ينجس».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة. قال: وفي حديث بشر: قال: ثنا حميد قال: ثني بكر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أبو عوانة (١/ ٢٧٥) من طريق مسدد قال: ثنا بشر بن المُفَضَّل قال: ثنا حميد الطويل … به.
وأخرجه أحمد (٢/ ٤٧١) … عن يحيى به؛ وفيه أيضًا تصريح حميد بالتحديث.
وأخرجه الترمذي (١/ ٢٠٧ – ٢٠٨)، وقال:
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه النسائي من طريق بشر بن المفضل.
ثم أخرجه الشيخان أيضًا وابن ماجة والطحاوي (١/ ٧)، وأحمد (٢/ ٢٣٥ و٣٨٢) من طرق أخرى عن حميد … به.
٩٣ – باب في الجنب يدخل المسجد
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٩٤ – باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ
٢٢٧ – عن أبي بكرة:
أن رسول الله ﷺ دخل في صلاة الفجر؛ فأومأ بيده أنْ: مكانَكُمْ، ثم جاء ورأسه يقطر؛ فصلى بهم.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان والبيهقي. وقال النووي والعراقي: «إسناده صحيح»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح». ولذلك قال النووي في «المجموع» (٤/ ٢٦١)، والعراقي في «تخريج الإحياء» (١/ ١٥٧):
لكن أعله ابن التركماني بالانقطاع؛ فقال: (٢/ ٣٩٧):
«وفي كتاب»المتصل والمرسل والمقطوع«للبرديجي:
الذي صح للحسن سماعًا من الصحابة: أنس، وعبد الله بن مُغَفَّلٍ، وعبد الرحمن بن سَمُرة، وأحمر بن جَزْءٍ. فدل هذا على أن حديث الحسن عن أبي بكرة مرسل»!
قلت: وهذا خطأ؛ فإن الحسن -وهو البصري- قد سمع من غير هؤلاء المذكورين، وقد سرد أسماءهم الزيلعيُّ في «نصب الراية» (١/ ٩٠) نقلًا عن البزار في «مسنده»؛ وفيهم أبو بكرة هذا، وله في «مسند أحمد» أحاديث برواية الحسن عنه، صرح في بعضها بسماعه منه، فانظر (٥/ ٣٧ و٤١ – ٤٢ و٤٤ و٤٨ – ٥١)، وأحدها في «صحيح البخاري» (٢٧٠٤)؛ وقال عقيبه:
«قال لي علي بن عبد الله -يعني: ابن المديني-: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث».
قلت: وسيأتي هذا في «السنة» (١٣ – باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة)، ويأتي له آخر في «الأدب» (رقم …) وانظر «الصلاة» (رقم ٦٨٥).
فقد صح سماع الحسن من أبي بكرة؛ لكن هذا لا ينفي أن يكون روى عنه بالواسطة أيضًا؛ فإن بينهما في بعض الأحاديث: الأحنفَ بن قيس؛ كما في الحديث الآتي في «الفتن» (رقم …) [باب في النهي عن القتال في الفتنة].
وقد سبق أن ذكرنا عند الحديث رقم (١٣) أن الحسن البصري موصوف بالتدليس؛ فإذا عنعن في حديث؛ تُوُقِّفَ عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه فيه، أو الواسطة الثقة.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٣٩٧) مع الرواية الآتية بعده من طريق المؤلف؛ وحكم عليه بالصحة في كتاب «المعرفة»، كما قال ابن التركماني وغيره، وصححه ابن حبان (٢٧٢) بلفظ:
وكبَّر في صلاة الفجر …
وأخرجه أحمد (٥/ ٤١ و٤٥) من طريق أبي كامل وعفان قالا: ثنا حماد -زاد عفان- بن سلمة … به. ثم أخرجه عن شيخه يزيد -وهو ابن هارون-: نا حماد ابن سلمة … به.
وأخرجه المصنف عنه؛ وهو:
٢٢٨ – وفي رواية عنه … بإسناده ومعناه؛ وقال في أوله: فكبَّر … وهو رواية ابن حبان بلفظ: كبَّر في صلاة الفجر … وقال في آخره: فلما قضى الصلاة قال:
«إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا».
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة … بإسناده ومعناه.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»، كالذي قبله، وقد سبق فيه الكلام بإيضاح. وقد قال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٣٢٤):
قلت: إنما جاء مرسلًا من طرق أخرى غير هذه الطريق؛ فليس فيه اختلاف؛ بل إن تلك الطرق المرسلة تقويه وتشهد له؛ كما أشار إلى ذلك البيهقي فيما يأتي.
والحديث أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ١٧١ / ١) من طريق أخرى عن يزيد بن هارون … به.
وقد جاءت له شواهد:
الأول: عن أنس قال:
دخل رسول الله ﷺ في صلاته، فكبَّر وكبَّرنا معه، ثم أشار إلى القوم: كما أنتم؛ فلم نزل قيامًا حتى أتانا رسول الله ﷺ قد اغتسل ورأسه يقطر.
أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٤١٠٤ – بترقيمي)، والدارقطني (ص ١٣٨)، والبيهقي من طريق عبيد الله بن معاذ: ثنا أبي: ثنا سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن أنس.
وهذا إسناد صحبح على شرط الشيخين. ثم قال الدارقطني:
«خالفه عبد الوهاب الخفاف …»، ثم ساقه من طريقه: ثنا سعيد عن قتادة عن بكر بن عبد الله المُزَني.
أن رسول الله ﷺ دخل في صلاة، فكبَّر وكبَّر من خلفه … الحديث.
قال عبد الوهاب: وبه نأخذ.
قلت: عبد الوهاب تُكُلِّمَ فيه من قبل حفظه؛ فإن كان حفظ هذا فهو إسناد
«ما علمت أن أحدًا قدم بغداد إلا وقد تُعُلِّقَ عليه في شيء من الحديث؛ إلا معاذًا العنبري؛ فإنه ما قدروا أن يتعلقوا عليه بشيء مع شغله بالقضاء». وقال يحيى القطان:
«ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ».
قلت: وفي هذا غاية المدح بالضبط والحفط والإتقان؛ فمثله -إذا خولف- فهو المقدم، وروايته هي الراجحة بلا شك.
وحديث أنس هذا؛ أورده الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٦٩)، وقال:
«رواه الطبراني في»الأوسط«، ورجاله رجال (الصحيح)».
الشاهد الثاني: عن علي بن أبي طالب قال:
بينما نحن مع رسول الله ﷺ نصلي؛ إذ انصرف ونحن قيام، ثم أقبل ورأسه يقطر، فصلى لنا الصلاة ثم قال:
«إني ذكرت أني كنت جنبًا -حين قمت إلى الصلاة- لم أغتسل؛ فمن وجد منكم في بطنه رِزًّا، أو كان على مثل ما كنت عليه؛ فلينصرف حتى يفرغ من حاجته أو غسله، ثم يعود إلى صلاته».
أخرجه الإمام أحمد (١/ ٨٨ / رقم ٦٦٨ و٦٦٩) من طريق حسن بن موسى ويحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة: حدثنا الحارث بن يزيد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن زُرَيْرٍ الغافقي عن علي بن أبي طالب.
«فمن وجد منكم … إلخ»! ولم تجدها في شيء من طرق الحديث؛ فهي ضعيفة. وأما أصل الحديث فصحيح.
الثالث: عن أبي هريرة:
أن النبي ﷺ خرج إلى الصلاة، فلما كبّر انصرف وأومأ إليهم؛ أي: كما أنتم، ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم، فلما صلى قال:
«إني كنت جنبًا، فنسيت أن أغتسل».
أخرجه أحمد (٢/ ٤٤٨)، والدارقطني (١٣٨)، والبيهقي (٢/ ٣٩٧ – عن وكيع-، وابن ماجة (١/ ٣٦٨) -عن عبد الله بن موسى التيمي- كلاهما عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم؛ فهو على شرطه، وأسامة بن زيد هذا: هو الليثي مولاهم أبو زيد المدني، وليس هو العدوي مولاهم المدني! هذا ضعيف. ولعل صاحب «الزوائد» ظنَّه هو هذا؛ فقال:
«إسناده ضعيف؛ لضعف أسامة بن زيد»! وقال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٣٢٤):
«وفي إسناده نظر»!
وقد جاء الحديث في»الصحيحين«وغيرهما عن أبي هريرة من طريق أخرى باللفظ الآتي في الكتاب بعد هذا؛ وفيه أن انصرافه كان قبل الدخول في الصلاة بالتكبير؛ فهذا خلاف ما روى أسامة!
قلت: لكن أسامة لم يتفرد بهذا اللفظ عن أبي هريرة؛ بل جاء عنه من طريق أخرى، كما جاء مرسلًا من وجوه تأتي في الكتاب.
فالظاهر: أن لأبي هريرة في الباب حديثين: أحدهما مثل حديث أبي بكرة.
والآخر حديثه الآتي.
٢٢٩ – قال أبو داود:»رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: فلما قام في مُصَلَّاه وانتظرنا أن يكبر؛ انصرف ثم قال:
«كما أنتم»«.
(قلت: وصله البخاري في»صحيحه«، وكذا أبو عوانة، ووصله المؤلف بعد أربعة أحاديث، لكن بلفظ آخر).
إسناده معلق، وقد وصله البخاري (٢/ ٩٦)، وأبو عوانة (٢/ ٢٩)، وأحمد (٢/ ٢٣٨ – ٢٣٩) من طريق صالح عن ابن شهاب … به؛ إلا أنهم قالوا:»مكانكم”. ويأتي بتمامه عند الحديث (رقم ٢٣٤).
٢٣٠ – ورواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد عن النبي ﷺ قال:
فكبّر ثم أومأ بيده إلى القوم؛ أن: اجلسوا، فذهب واغتسل.
«المرسل هو المحفوط، وكل ذلك شاهد لحديث أبي بكرة».
قلت: لكن رواه أحمد وغيره من طريق أخرى عن أبي هريرة؛ وإسناده حسن على شرط مسلم).
إسناده معلق، وكذلك ذكره البيهقي.
وقد أخرجه هو والطبراني في «معجمه الصغير» (ص ١٦٦) من طريق أبي الربيع عبيد الله بن محمد الحارثي: ثنا الحسن بن عبد الرحمن العريان الحارثي: ثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة:
أن النبي ﷺ كبَّر بهم في صلاة الصبح، فأومأ إليهم، ثم انطلق؛ فرجع ورأسه يقطر فصلى بهم، فقال:
«إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا فنسيت». ثم قالا:
«تفرد به الحسن بن عبد الرحمن الحارثي».
قلت: ولم أجد من ترجمه، وكذلك الراوي عنه عبيد الله بن محمد الحارثي؛ لم أجده. ثم قال البيهقي:
“ورواه إسماعيل ابن عُلَيَّةَ وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي ﷺ مرسلًا.
قلت: لكن جاء موصولًا من طريق أخرى عن أبي هريرة بإسناد حسن، وقد ذكرناه تحت الرواية (رقم ٢٢٨)؛ فراجعه.
٢٣١ – وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار قال:
إن رسول الله ﷺ كبَّر في صلاةٍ.
(قلت: هو في «موطأ مالك»، وهو مرسل أيضًا صحيح الإسناد، وكذا رواه المؤلف).
إسناده: قلت: هو في «الموطأ» (١/ ٦٩)، وعنه رواه محمد (ص ١٢٠).
وهو مرسل صحيح الإسناد.
٢٣٢ – عن الربيع من محمد عن النبي ﷺ:
أنه كبَّر.
(قلت: والربيع هذا تابعي مجهول؛ لكن حديثه هذا مقرون).
إسناده: قال المؤلف عقب الذي سبق:
«وكذلك حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد».
وهذا مرسل، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير الربيع هذا؛ فهو تابعي
٢٣٣ – عن أبي هريرة قال:
أقيمت الصلاة وصَفَّ الناس صفوفهم، فخرج رسول الله ﷺ، حتى إذا قام في مقامه؛ ذكر أنه لم يغتسل؛ فقال للناس:
«مكانَكم»، ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينطف رأسه قد اغتسل؛ ونحن صفوف.
٢٣٤ – وفي رواية:
فلم نزل قيامًا ننتظره؛ حتى خرج علينا وقد اغتسل.
(قلت: إسنادهما صحيح. وأخرجه الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم» بنحو الرواية الأولى، وعند مسلم أيضًا الرواية الأخرى).
إسنادهما: حدثنا عمرو بن عثمان قال: ثنا محمد بن حرب قال: ثنا الزُّبَيْدِيُّ. (ح) وحدثنا عياش بن الأزرق قال: أخبرنا ابن وهب عن يونس. (ح) وحدثنا مَخْلَدُ بن خالد قال: ثنا إبراهيم بن خالد -إمام مسجد صنعاء- قال: ثنا رَبَاح عن معمر. (ح) وثنا مُؤَمَّلُ بن الفضل قال: ثنا الوليد عن الأوزاعي؛ كلهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
أقيمت الصلاة … إلخ؛ وهذا لفظ ابن حرب.
وقال عياش في حديثه:
فلم نزل قيامًا … إلخ الرواية الثانية.
الأول: من طريق عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عن الزُّبيدي عن الزهري.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير عمرو بن عثمان، وهو ثقة.
ومحمد بن حرب: هو أبو عبد الله الخولاني؛ وكلاهما حمصي.
وقد أخرجه النسائي (١/ ١٢٨) … بهذا الإسناد عن هذا الشيخ.
الثاني: من طريق عياش بن الأزرق عن ابن وهب عن يونس عنه.
وهذا إسناد صحيح كالأول.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٠١)، والنسائي (١/ ١٣٠)، والبيهقي (٢/ ٣٩٨)، من طرق عن ابن وهب … به.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٠٥)، وأبو عوانة (٢/ ٢٩)، والبيهقي، وأحمد (٢/ ٥١٨) عن عثمان بن عمر عن يونس.
الثالث: عن مَخْلَدِ بن خالد عن إبراهيم بن خالد عن رَبَاح عن معمر عنه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير إبراهيم بن خالد، وهو ثقة.
وقد أخرجه أحمد (٢/ ٢٨٣): ثنا إبراهيم بن خالد … به؛ ولفظه مثل لفظ ابن حرب تقريبًا.
الرابع: عن مُؤَمَّل بن الفضل عن الوليد عن الأوزاعي عنه.
وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير مؤمل بن الفضل، وهو ثقة.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٠٥)، ومسلم، وأبو عوانة من طرق أخرى عن الوليد … به.
وله إسناد خامس عن الزهري؛ رواه عنه صالح بن كَيْسان بلفظ:
خرج وقد أقيمت الصلاة وعُدِّلت الصفوف، حتى إذا قام في مصلاه، انتظرنا أن يكبر انصرف، قال:
«على مكانكم»؛ فمكثنا على هيئتنا؛ حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماءً، وقد اغتسل.
رواه البخاري وغيره، وعلقه المصنف فيما سبق (رقم ٢٢٩)، وقد خرّجناه هناك.
وهذه الرواية صريحة في أن الانصراف كان قبل التكبير، وكذلك في رواية ابن وهب، وهي تخالف روايه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ومحمد بن سيرين المتقدمتين عن أبي هريره؛ ففيها أن الانصراف كان بعد التكبير، وكذلك في حديث أبي بكرة في أول الباب، وحديث أنس وعلي اللذين أوردناهما هناك. وقد قال البيهقي:
«ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أصح من رواية ابن ثوبان عنه؛ إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه: رواية أبي بكرة مسندةً، ورواية عطاء بن يسار وابن سيرين مرسلةً؛ وروي أيضًا عن أنس …»؛ ثم ساق حديث أنس بإسناده المتقدم.
ولا تعارض بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى في الباب؛ لأنهما واقعتان مختلفتان، كما جزم به ابن حبان، وتبعه النووي في «المجموع» (٤/ ٢٦١)؛ فقال:
وأما حمل قوله في حديث أبي بكرة ومن معه: (كبّر) على: (أراد أن يكبِّر)!
فهو مع أنه خلاف الظاهر؛ فإنه باطل بالنظر إلى مجموع الروايات؛ فقد اتفقت جميعًا -خلافًا لحديث أبي سلمة- على أنه عليه الصلاة والسلام لم يتكلم حين انصرف من الصلاة، بل إنما أشار إليهم بيده، ولو أنه كان قبل الدخول فيها؛ لكلمهم عليه الصلاة والسلام، كما فعل في القصة الأخرى في رواية أبي سلمة، ولما أخر قوله ﷺ: «إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا»؛ لأنه ليس في التأخير فائدة؛ بل هي في الإسراع بالبيان؛ ولكن منعه من ذلك أنه في الصلاة، ولذلك عاد فأتمها دون أن يكلمهم.
وأيضًا؛ فإن في حديث أنس: دخل في صلاته، فكبّر وكبّرنا معه …
وأصرح منه حديث علي:
بينما نحن مع رسول الله ﷺ نصلي؛ إذ انصرف …
فهذا كله يدفع ذلك التأويل ويبطله.
٩٥ – باب في الرجل يجد البِلَّةَ في منامه
٢٣٥ – عن عائشة قالت:
سُئِلَ النبي ﷺ عن الرجل يجد البَلَلَ ولا يذكر احتلامًا؟ قال:
«يغتسل».
وعن الرجل يرى أنْ قَدِ احتلم ولا يجد البلل؟ قال:
فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك؛ أعليها غُسل؟ قال:
«نعم؛ إنما النساء شقائق الرجال».
(قلت: حديث حسن. وقول أم سليم: المرأة ترى … إلخ؛ أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» من حديث أنس. وقال ابن القطان: إنه «صحيح»).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا حماد بن خالد الخَيَّاط قال: ثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه ضعيف من أجل العمري هذا -وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب؛ وهو أخو عبيد الله هذا الذي روى عنه هذا الحديث-؛ وهو وإن كان ثقة في نفسه -ومن رجال مسلم- فإنَّه ضعيف من قِبَلِ حفظه؛ ولذلك ضعَّفه النسائي وأبو حاتم ويحيى بن سعيد والبخاري وأحمد -في رواية-، حتى قال ابن حبان: «كان ممن غلب عليه الصلاح، حتى غفل عن الضبط، فاستحق الترك»!
وأعدل الأقوال فيه -عندي- قول الخليلي:
«ثقة؛ غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه».
وقال الخطّابي في شرحه لهذا الحديث من «المعالم» (رقم ٢٢٨):
«ليس بالقوي عند أهل الحديث». وقال النووي (٢/ ١٤٢):
«وهو ضعيف عند أهل العلم، لا يحتج بروايته». وقال الحافظ في «التقريب»:
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ١٦٨) من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد (٦/ ٢٥٦): ثنا حماد بن خالد … به.
وأخرجه الترمذي (١/ ١٨٩ – ١٩٠)، والبيهقي أيضًا (١/ ١٦٧) -مقتصرًا على السؤال عن الرجل- من طرق أخرى عن حماد … به.
وأخرجه الدارمي (١/ ١٩٥) من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر … به مختصرًا مثل رواية البيهقي الأخرى.
وكذا أبو يعلى في «مسنده» (٣/ ١١٥٣ – مصورة المكتب الإسلامي). وقال الترمذي:
«وإنما روى هذا الحديثَ: عبدُ الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر … حديث عائشة في الرجل يجد البلَل ولا يذكر احتلامًا. وعبد الله بن عمر؛ ضعَّفه يحيى ابن سعيد من قبل حفظه في الحديث».
وقال الشوكاني -بعد أن ذكر كثيرًا من أقوال الأئمة فيه توثيقًا وتجريحًا-:
«وقد تفرد به المذكور، ولم تجده عند غيره، وهكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة من طريقه؛ فالحديث معلول بعلتين: الأولى: العمري المذكور. وللثانية: التفرد وعدم المتابعات. فقصر عن درجة الحسن والصحة».
وتعقبه الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على «الترمذي» فقال -بعد أن نقل كلامه المذكور-:
“ولم يفعل الشوكاني شيئًا فيما قال؛ فإن العمري أقل أحواله أن يكون حديثه حسنًا. وأما زعم التعليل بالتفرد؛ فإنه غير صواب؛ لأن العبرة في ذلك بمخالفة
قلت: فذكر حديثها؛ وهو الآتي (رقم ٢٣٧)؛ ثم ذكره من حديث أم سليم، ومن حديث أنس! !
ونحن نرى أن الحق ما ذهب إليه الشوكاني؛ لما عرفت من حال العمري في سوء الحفظ. والشوكاني رحمه الله لما كان يرى ذلك، ورأى أنه انفرد بالحديث -يعني: بتمامه- جعل ذلك علة أخرى؛ بمعنى أنه لو توبع فيه -ولو من مثله في الحفظ- لكان ربما حكم على الحديث بالحسن أو الصحة، فلما تفرد به؛ جعله علّة أخرى، وهو لا يريد بذلك أن التفرد -مطلقًا- علّة؛ بل أراد ذلك من مثل (العمري) في ضعفما حفظه. ولذلك فلا يرد عليه كلام الشيخ: «وأما الانفراد وحده؛ فليس بعلّة»! !
وقوله هذا حق؛ لكن ليس على إطلاقه، كما عرفت!
وأما عطفه على ذلك أن (العمري) لم يتفرد بأصل القصة! ! فهو من الحجة للشوكاني على الشيخ؛ لأن الروايات المذكورة ليس في شيء منها ما في رواية العمري هذه؛ من السؤال عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؛ وقد أشار الترمذي في كلامه السابق إلى أنه تفرد بهذا القدر من الحديث.
فهذا التفرد -مع ثبوت سوء حفظه- ممَّا يزيد وَهَنَ الحديث ويضعِّفه، كما هو واضح، والحمد لله!
وأما القدر الآخر من الحديث -والذي فيه: «إنما النساء شقائق الرجال»-؛ فهو حديث صحيح، جاء من غير هذه الطريق؛ من حديث أنس وأم سليم.
أما حديث أنس؛ فأخرجه الدارمي (١/ ١٩٥) قال: أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال:
دخلَتْ على رسول الله ﷺ أم سليم وعنده أم سلمة، فقالت: المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقالت أم سلمة: تَرِبَتْ يداك يا أم سليم! فضحت النساء! فقال النبي ﷺ منتصرًا لأم سليم:
«بل أنت تربت يداك! إن خيركن التي تسأل عما يعنيها، إذا رأت الماء فلتغتسل». قالت أم سلمة: وللنساء ماءٌ يا رسول الله؟ ! قال:
«نعم؛ فأين يشبههن الولد؟ إنما هن شقائق الرجال»
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٩٠): حدثنا أبو الأزهر قال: ثنا محمد بن كثير … به.
ورواه البزار أيضًا؛ كما في «المقاصد الحسنة»؛ وقال:
«قال ابن القطان: هو من طريق عائشة ضعيف، ومن طريق أنس صحيح».
قلت: ورجال هذه الطريق ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن كثير -وهو أبو يوسف الصنعاني المِصِّيصِيّ- وهو صدوق كثير الغلط، كما في «التقريب».
ولعل البزار رواه من غير طريقه حتى جاز لابن القطان أن يصححه (١)! أو لعله إنما صححه لأنه قد توبع فيه عن الأوزاعي، مع شيء من المخالفة في إسناده:
وأبو سعد: هو البقال؛ ضعيف مدلس.
كانت مجاورة أم سلمة زوج النبي ﷺ؛ فكانت تدخل عليها، فدخل النبي ﷺ، فقالت أم سليم: يا رسول الله! أرأيت إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام؛ أتغتسل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم! فضحت النساء عند رسول الله ﷺ! فقالت أم سليم: إن الله لا يستحيي من الحق، وإنا أنْ نسأل النبي ﷺ عما أشكل علينا خيرٌ من أن نكون منه على عمياء-! فقال النبي ﷺ لأم سلمة:
«بل أنت تربت يداك! نعم يا أم سليم! عليها الغسل إذا وجدت الماء».
فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وهل للمرأة ماء؟ ! فقال النبي ﷺ:
«فأنّى يشبهها ولدها؟ ! هن شقائق الرجال».
ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين كلهم؛ وأبو المغيرة: اسمه عبد القدوس ابن الحجاج الخولاني.
وسكت عليه الحافظ في «الفتح» (١/ ٣٠٩). وأعله الهيثمي في «مجمع الزوائد» بالانقطاع؛ فقال (١/ ٢٦٨):
«وإسحاق لم يسمع من أم سليم»!
قلت. لكن دلت الرواية الأولى على أن إسحاق إنما رواه عن أنس، وهو عن أمه أم سليم، وقد صرح بسماعه من أنس في رواية عكرمة بن عمار عنه بهذا الحديث؛ دون قوله: «هن شقائق الرجال».
أخرجه مسلم (١/ ١٧١ – ١٧٢)، وأبو عوانة.
فعاد الحديث -بمجموع هذه الأسانيد- إلى أنه من رواية إسحاق عن أنس؛ فزالت شبهة الانقطاع، وثبت بذلك صحة الحديث.
٩٦ – باب المرأة ترى ما يرى الرجل
٢٣٦ – عن ابن شهاب قال: قال عروة: عن عائشة:
أن أم سليم الأنصارية -وهي أم أنس بن مالك- قالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق؛ أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل؛ أتغتسل أم لا؟ قالت عائشة: فقال النبي ﷺ:
«نعم؛ فلتغتسل إذا وجدت الماء».
قالت عائشة: فأقبلتُ عليها فقلت: أُفٍّ لك! وهل ترى ذلك المرأة؟ ! فأقبل عليَّ رسول الله ﷺ فقال:
«تربت يمينك يا عائشة! ومن أين يكون الشَّبَهُ؟ !».
(قلت: إسناده حسن صحيح. وأخرجه مسلم، وابن حبان (١١٦٣)، وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عنبسة: ثنا يونس عن ابن شهاب قال: قال عروة: عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ إلا أنه أخرج لعنبسة -وهو ابن خالد بن يزيد الأموي؛ مولاهم- مقرونًا بغيره؛ وذكره ابن حبان
«عنبسة أحب إلينا من الليث بن سعد».
وفي الطرف الآخر؛ قول يحيى بن بكير:
«إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق! كان يجيئني؛ ولم يكن موضعًا للكتابة أن يكتب عنه»! !
قلت: ولم نجد ما يسقط الاحتجاج بحديثه، ولولا أن البخاري قرنه بغيره لصححنا حديثه. وقد قال الحافظ عنه في «التقريب»:
«صدوق».
على أن حديثه هذا صحيح؛ فقد توبع عليه، ذكره أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٩٢) من طريق ابن وهب ثنا يونس … به.
وتابعه جماعة عن ابن شهاب؛ فقال المصنف عقيبه:
«وكذا روى الزبيدي وعُقَيل ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري، وابن أبي الوزير عن مالك عن الزهريِّ، ووافق الزهريَّ مسافعٌ الحَجَبِيُّ قال: عن عروة عن عائشة. وأما هشام بن عروة …» إلخ المذكور آنفًا.
قلت: أما رواية الزبيدي؛ فأخرجها أبو عوانة والنسائي (١/ ٤١).
وأما رواية عُقَيل؛ فوصلها مسلم وأبو عوانة والدارمي (١/ ١٩٥)، والبيهقي (١/ ١٦٨).
وأما رواية ابن أخي الزهري وابن أبي الوزير؛ فلم أقف عليهما الآن!
وقد رواه مالك في «الموطأ» (١/ ٧٠) عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير: أن أم
«وكل من روى هذا الحديث عن مالك؛ لم يذكر فيه عنه عائشة -فيما علمت- إلا ابن أبي الوزير وعبد الله بن نافع؛ فإنهما روياه عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم …»، ثم أسنده من طريقهما؛ قال:
«وقال الدارقطني: تابع ابنَ أبي الوزير على إسناد هذا الحديث عن مالك: حُبَابُ بن جَبَلَةَ وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ومَعْنُ بن عيسى». ذكره السيوطي في «تنوير الحوالك».
وأما رواية مُسَافع الحَجَبِيُّ؛ فوصلها مسلم وأبو عوانة والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣/ ٢٧٦)، والبيهقي وأحمد (٦/ ٩٢).
٢٣٧ – قال أبو داود: «وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة: أن أم سليم جاءت إلى رسول الله ﷺ».
(قلت: وصله الشيخان وابن حبان (١١٦٢)، وأبو عوانة في «صحاحهم».
وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وفي هذه الرواية أن القائلة: وهل ترى ذلك المرأة؟ هي أم سلمة. وفي الرواية الأولى: أنها عائشة. وكلاهما صحيح، كما قال الذُّهْلِي، واستحسنه الحافظ).
وصله الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم»، والترمذي (١/ ٢٠٩)، وابن ماجة (١/ ٢٠٨)، والطحاوي في «المشكل» (٣/ ٢٧٦)، والبيهقي، وأحمد (٦/ ٢٩٢ و٣٠٢ و٣٠٦) من طرق عن هشام … به نحو حديث الزهري؛ إلا أن فيه أن القائلة: وهل ترى ذلك المرأة؟ هي أم سلمة لا عائشة.
والمصنف إنما أشار إلى الاختلاف الذي وقع في إسناده؛ ففي هذه الرواية: أن عروة رواه عن زينب بنت أبي سلمة عن والدتها أم سلمة؛ رواه عنه ابنه هشام.
وفي تلك: رواه عن عائشة؛ رواه عنه الزهري ومسافع الحجبي.
وكأن المصنف رحمه الله أشار إلى ترجيحه هذه الرواية لاتفاق الثقتين عليها.
قال الحافظ:
«فظاهر صنيع البخاري: ترجيح رواية هشام … لكن نقل ابن عبد البر عن الذُّهلي أنه صحَّح الروايتين … وقال النووي في»شرح مسلم«: يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعًا أنكرتا على أم سليم». قال الحافظ:
«وهو جمع حسن؛ لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي ﷺ في مجلس واحد». قال في «عون المعبود» -تعليقًا على قول الحافظ: «وهو جمع حسن»-:
«قلت: بل هو متعين؛ لصحة الروايتين في ذلك».
قلت: وليست رواية هشام عن أبيه وحيدة في المعنى؛ فقد أخرج أحمد (٦/ ٣٠٨)، والطحاوي (٣/ ٢٧٦) من طريق عبد الله بن رافع مولى أم سلمة … عن أم سلمة … مثل حديث هشام.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وورد مثله من حديث أنس وأم سليم نفسها؛ وقد ذكرناهما عند حديث عائشة الأول في الباب.
فقد وُجد لكل من الروايتين شواهد؛ مما يدل على أن القصتين صحيحتان،
٩٧ – باب مقدار الماء الذي يُجْزِى به الغُسْل
٢٣٨ – عن عائشة:
أن رسول الله ﷺ كان يغتسل من إناء واحد -هو الفَرَقُ- من الجنابة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وابن حبان (١٩٨».
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٦٦) … بهذا السند.
ومن طريقه: أخرجه مسلم (١/ ١٧٥)، وكذا النسائي (١/ ٤٧)، والبيهقي (١/ ١٩٤).
ورواه البخاري (١/ ٢٨٩)، والطيالسي (رقم ١٤٣٨) من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري … نحوه.
وأخرجه البيهقي (١/ ١٩٣) عن الطيالسي.
٢٣٩ – قال أبو داود: «قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: قالت:
كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد فيه قدر الفَرَقِ».
قال أبو داود: «سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفَرَقُ: ستةَ عشرَ رطلًا، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث (١). قال: فمن قال: ثمانية أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ (٢)».
قال: «وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثًا فقد أوفى. قيل: الصيحاني ثقيل؟ قال: الصيحاني أطيب؟ قال (٣): لا أدري».
إسناده معلق كما ترى؛ وقد وصله أحمد (٦/ ١٩٩) قال: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر وابن جريج عن الزهري … به.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
وأخرجه البيهقي.
ثم أخرجه هو ومسلم من طريق الليث بن سعد عن الزهري … به نحوه مثل
(٢) يشير إلى الرد على أبي حنيفة؛ فإنه هو القائل بذلك من بين الأئمة، ووافقه صاحبه محمد بن الحسن! وخالفهما صاحبهما أبو يوسف، فرجع إلى القول الصحيح؛ فقد روى الطحاوي في «شرح المعاني» (١/ ٣٢٤) بإسناد صحيح عن أبي يوسف قال:
قدمت المدينة، فأخرج إلي من أثق به صاعًا، ففال: هذا صاع النبي ﷺ، فقدرته
فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل. قال الطحاوي:
«وسمعت ابن أبي عمران يقول: يقال: إن الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس».
(٣) قوله: «الصيحاني أطيب؟ قال»؛ لا يوجد في «مسائل المصنف».
«وروى ابن عيينة نحو حديث مالك».
قلت: وصله أحمد (٦/ ٣٧): ثنا سفيان عن الزهري … به، ولفظه:
كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد؛ وكان يغتسل من القَدَحِ، وهو الفَرَقُ.
وأخرجه مسلم، وزاد:
قال سفيان: والفَرَق ثلاثة آصُعٍ.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» أيضًا (١/ ٢٩٥) من الطرق جميعها؛ إلا طريق مالك.
٩٨ – باب في الغُسْل من الجنابة
٢٤٠ – عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ:
أنهم ذكروا عند رسول الله ﷺ الغُسْل من الجنابة؟ فقال رسول الله ﷺ: «أما أنا؛ فأفيض على رأسي ثلاثًا»؛ وأشار بيديه كلتيهما.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النُّفَيْلِيُ قال: ثنا زهير قال: ثنا أبو إسحاق قال: أخبرني سليمان بن صُرَدَ عن جبير بن مطعم.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وهو من رواية الصحابي عن مثله.
هكذا وصف زهير؛ قال: فجعل باطن كفيه مما يلي السماء، وظهرهما مما يلي الأرض.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة (١/ ٢٩٧)، والنسائي (١/ ٤٩)، وابن ماجة (١/ ٢٠٣)، وأحمد (٤/ ٨١ و٨٤ و٨٥)، والبيهقي أيضًا من طرق أخرى عن أبي إسحاق … به؛ وزاد أحمد في رواية:
«ثم أفيضه بَعْدُ على سائر جسدي».
وإسنادها صحيح على شرطهما؛ وصححه النووي (٢/ ١٨١).
وله شاهد عن جابر: عند الطيالسي (١/ ٦٠ / ٢٢٤ – منحة العبود).
٢٤١ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ إذا اغتسل؛ دعا بشيء من نحو الحِلابِ؛ فأخذ بِكَفَّيْهِ، فبدأ بِشِقِّ رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذِ بكَفَّيّهِ؛ فقال بهما على رأسه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه بسند المؤلف. ورواه أبو عوانة).
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى فال: ثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وحنظلة: هو ابن أبي سفيان
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٢٩٣)، ومسلم (١/ ١٧٥)، والنسائي (١/ ٧٢) عن شيخ المصنف محمد بن المثنى … به، وكذلك أخرجه البيهقي (١/ ١٨٤).
ثم أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٩٦) من طريق أخرى عن أبي عاصم الضحاك بن مَخْلَدٍ … به، وزاد البيهقي:
قَدْرَ هذا؛ وأرانا أبو عاصم قَدْرَ الحِلاب بيده؛ فإذا هو كقدر كوز يسع ثمانية أرطال.
وإسنادها صحيح.
٢٤٢ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ إذا اغتسل من الجنابة؛ يبدأ فيفرغ بيمينه (وفي رواية: غسل يديه) يصُبُّ الإناء على يده اليمنى، فيغسل فرجه (وفي الرواية الأخرى: يفرغ على شماله، وربما كَنَت عن الفَرْجِ)، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يُدْخِلُ يده في الإناء فيُخَلِّلُ شعره، حتى إذا رأى أنه قد أصاب البَشَرَةَ -أو أنقى البشرة- أفرغ على رأسه ثلاثًا؛ فإذا فَضَلَ فَضْلَةٌ صَبَّهَا عليه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في «صحاحهم» نحوه. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب الواشِحِي. (ح) وثنا مسدد قالا: نا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ١٠١)، والبيهقي (١/ ١٧٥) من طرق أخرى عن حماد بن سلمة عن هشام.
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم»، والنسائي (١/ ٤٨ و٤٩ و٧٢)، والترمذي (١/ ١٧٤) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، ومالك أيضًا (١/ ٦٥ – ٦٦)، والدارقطني (ص ٤٢)، وأحمد (٦/ ٥٢) من طرق أخرى عن هشام … به نحوه.
وقد تابعه قتادة عن عروة بن الزبير … مختصرًا بلفظ:
كان إذا أراد أن يغتسل من جنابة؛ توضأ وضوءه للصلاة ثم صَبَّ على رأسه ثلاث مرار يخلل بأصابعه أصول الشعر.
أخرجه أحمد (٦/ ٢٥٢)؛ وإسناده صحيح على شرطهما.
وله عند مسلم (١/ ١٧٦)، وأبي عوانة، والنسائي (١/ ٤٨)، وأحمد (٦/ ٧١ و٩٦ و١١٥ و١٤٣ و١٦١ و١٧٣) طريق أخرى عن عائشة.
٢٤٣ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يغتسل من الجنابة؛ بدأ بكَفَّيهِ فغسلها ثم غسل مرافِغَهُ، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما؛ أهوى بهما إلى حائطٍ، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا عمرو بن علي الباهلي: ثنا محمد بن أبي عدي: ثني سعيد
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو معشر: هو زياد بن كُلَيْبٍ.
وسعيد: هو ابن أبي عروبة.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ١٧١): ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا سعيد.
وعبد الوهاب عن سعيد … به.
وقد جاء ضرب اليدين على الحائط من حديث ميمونة أيضًا في رواية عنها؛ كما سنذكره فيما يليه.
٢٤٤ – عن ميمونة قال:
وضعت للنبي ﷺ غُسْلًا يغتسل به من الجنابة؛ فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثًا، ثم صَبَّ على فرجه فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم صَبَّ على رأسه وجسده، ثم تنحَّى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل؛ فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده. فذكرت (١) ذلك لإبراهيم؟ فقال:
كانوا لا يرون بالمنديل بأسًا؛ ولكن كانوا يكرهون العادة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مُسَدَّدُ بن مُسَرْهَدٍ: ثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كُرَيْبٍ قال: نا ابن عباس عن خالته ميمونة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وسالم: هو ابن أبي الجعد.
وعبد الله بن داود: هو ابن عامر الهَمْدَاني؛ المعروف بالخُرَيْبِيِّ.
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٢٨٨ و٢٩٦ و٢٩٨ و٢٩٩ و٣٠٤ و٣٠٥ و٣٠٨)، ومسلم (١/ ١٧٤ – ١٧٥)، وأبو عوانة (١/ ٢٩٩ – ٣٥٠)، والنسائي (١/ ٤٩ – ٥٠)، والترمذي (١/ ١٧٣ – ١٧٤) -وقال: «حسن صحيح»-، والدارمي (١/ ١٩١)، وابن ماجة (١/ ٢٠٢)، والدارقطني (ص ٤٢)، والبيهقي (١/ ١٧٤ – ١٧٧ و١٨٤)، وأحمد (٦/ ٣٣٥ – ٣٣٦) من طرق عن الأعمش … به، دون قوله: فذكرت ذلك لإبراهيم … إلخ؛ فليس هو إلا عند البيهقي وأحمد في رواية. ولفظ أحمد:
قال سليمان: فذكرت ذلك لإبراهيم؟ فقال: هو كذلك ولم ينكره. وقال إبراهيم: لا بأس بالمنديل؛ إنما هي عادة. ولفظ البيهقي: فقال:
إنما كره ذلك مخافة العادة. وقال الترمذي في روايته:
ثم دلك بيده الحائط أو الأرض.
وهو رواية البخاري وأبي عوانة. وفي رواية لهما:
على الحائط … بدون شك.
٢٤٥ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة؛ ولا أراه يُحْدِثُ وُضوءًا بعد الغسل.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وحسنه المنذري).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النُّفَيْلي: ثنا زهير: ثنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٥٣)، والبيهقي (١/ ١٧٩)، وأحمد (٦/ ١١٩ و١٥٤) من طرق عن زهير … به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين». ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطيالسي (رقم ١٣٩٠) مختصرًا؛ فقال: ثنا شريك وزهير عن أبي إسحاق … بلفظ:
كان لا يتوضأ بعد الغسل.
وأخرجه من طريق شريك: النسائي (١/ ٤٩ و٨٣)، والترمذي (١/ ١٧٩)، وابن ماجة (١/ ٢٠٤)، وأحمد أيضًا (٦/ ٦٨ و٢٥٨). وقال الترمذي:
من الجنابة.
وحسنه المنذري في «مختصره».
وتابعهما الحسن بن صالح عن أبي إسحاق: عند النسائي، وأحمد (٦/ ٢٥٣).
***
انتهى بحمد الله وفضله المجلد الأول من «صحيح سنن أبي داود»، ويليه إن شاء الله تعالى المجلد الثاني، وأوله:
١٠٠ – باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟
و«سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك».
الطبعة الأولى
١٤٢٣ هـ
٢٠٠٢ م
الناشر
مؤسسة غراس للنشر والتوزيع
الكويت- شارع الصحافة- مقابل مطابع الرأي العام التجارية
هاتف: ٤٨١٩٠٣٧ – فاكس: ٤٨٣٨٤٩٥ – هاتف وفاكس: ٤٥٧٨٨٦٨
الجهراء: ص. ب: ٢٨٨٨ – الرمز البريدي: ٠١٠٣٠
Website: www.gheras.com
E-mail: [email protected]
٢٤٦ – عن أم سلمة قالت:
إن امرأة من المسلمين (وفي رواية: أنها) قالت:
يا رسول الله! إني إمرأة أشدُّ ضَفْرَ رأسي؛ أفأنقضه للجنابة؟ قال:
«إنما يكفيك أن تَحْفِني عليه ثلاثًا (وفي رواية: تحثي عليه ثلاث حثيات) من ماء، ثم تُفِيضي على جسدك؛ فإذا أنت قد طَهُرْتِ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا زهير بن حرب وابن السرح قالا: نا سفيان بن عيينة عن أيوب ابن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة.
قلت: والرواية الأخرى في الموضعين لزهير.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه مسلم (١/ ١٧٨)، وأبو عوانة (١/ ٣٠١)، والنسائي (١/ ٤٧)، والترمذي (١/ ١٧٥) -وقال: «حسن صحيح»-، وابن ماجة (١/ ٢٠٩)، والدارقطني (٤٢)، والبيهقي (١/ ١٧٨)، وأحمد (٦/ ٢٨٩) من طرق عن ابن عيينة … به.
وقد تابعه الثوري عن أيوب بن موسى … به.
أفأنقضه للحيضة والجنابة؟
وأخرجه أبو عوانة من الطريقين عن الثوري؛ ليس فيه: للحيضة.
وتابعه رَوْحُ بن للقاسم قال: ثنا أيوب بن موسى … به؛ ولم يذكر الحيضة.
فذِكْرُ: الحيضة في الحديث شاذ؛ لأنها لم ترد في رواية ابن عيينة وللثوري ورَوْحٍ عن أيوب؛ إلا في رواية عن عبد الرزاق عن الثوري. وقال ابن للقيم في «تهذيب السنن» (١/ ١٦٧ – ١٦٨):
«أما حديث أم سلمة؛ فالصحيح فيه: الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض؛ وليست لفظة الحيض بمحفوظة …»، ثم ساق الروايات المتقدمة؛ ثم قال:
«فقد اتفق ابن عيينة وروح بن القاسم عن أيوب؛ فاقتصرا على الجنابة.
واختُلف فيه عن الثوري؛ فقال يزيد بن هارون عنه كما قال ابن عيينة وروح. وقال عبد الرزاق عنه: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ ورواية الجماعة أولى بالصواب؛ فلو أن الثوري لم يختلف عليه؛ لترجِّحت رواية ابن عيينة وروح، فكيف وقد روى عنه يزيد بن هارون مثل رواية الجماعة؟ ! ومن أعطى النظر حقَّه؛ علم أن هذه اللفظة ليست محفوظة في الحديث».
٢٤٧ – وفي رواية عنها: إن امرأة جاءت إلى أم سلمة … بهذا الحديث، قالت. فسألت لها النبي ﷺ … بمعناه؛ قال فيه:
«واغْمِزِي قرونَكِ عند كل حَفْنَةٍ».
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح: ثني ابن نافع -يعني: الصائغ- عن أسامة عن المَقْبُرِي عن أم سلمة.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ وهو على شرط مسلم.
لكن قد خالف أسامة في إسناده؛ فأسقط -من بين المقبري وأم سلمة-: عبد الله بن رافع؛ وقد صرَّح في رواية بسماع المقبري من أم سلمة كما يأتي! فإن كان أسامة قد حفظه: فهو؛ وإلا فالرواية التي قبلها أصح.
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ٢٦٣)، والبيهقي (١/ ١٨١) من طرق أخرى عن أسامة … به. وقال البيهقي:
«وقصَّر بإسناده أسامة بن زيد في رواية ابن وهب عنه أن سعيدًا سمعه من أم سلمة، وذلك فيما أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق …».
قلت: فساق إسناده بذلك، ثم قال:
«ورواية أيوب بن موسى أصح من رواية أسامة بن زيد؛ وقد حفظ في إسناده ما لم يحفظ أسامة بن زيد».
٢٤٨ – عن عائشة قالت:
كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة؛ أخذت ثلاث حَفَناتٍ هكذا -تعني: بكفيها جميعًا-؛ فتصبُّ على رأسها، وأخذت بيد واحدة فصبَّتْها على هذا الشق، والأخرى على الشق الآخر.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري في
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن أبي بُكَيْرٍ: نا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٣٠٦): حدثنا خَلَّاد بن يحيى قال: ثنا إبراهيم ابن نافع … به. وقال:
على شقها الأيمن …، على شقها الأيسر.
٢٤٩ – عن عائشة قالت:
كنا نغتسل وعلينا الضِّماد، ونحن مع رسول الله ﷺ مُحِلَّاتٍ ومُحْرِماتٍ.
(قلت: إسناده صحيح. وقال المنذري: «إسناده حسن»).
إسناده: حدثنا نصر بن علي: نا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عمر بن سويد، وهو ثقة، كما في «التقريب»، وثقه ابن معين وابن حبان. فقول المنذري:
«إسناده حسن»!
قصور.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ١٨١ – ١٨٢) من طريق نصر بن علي.
أفتاني جُبَيْرُ بن نُفَيْرٍ عن الغسل من الجنابة: أن ثوبان حدثهم: أنهم استفتوا النبي ﷺ عن ذلك؟ فقال:
«أما الرجل؛ فليَنْشُر رأسه، فليغسله حتى يَبْلُغَ أصول الشعر. وأما المرأة؛ فلا عليها أن لا تنقضه، لِتَغْرِفْ على رأسها ثلاث غَرَفَات بكفَّيها».
(قلت: إسناده صحيح. وقواه ابن القيم والشوكاني).
إسناده: حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش. قال ابن عوف: ونا محمد بن إسماعيل عن أبيه: ثني ضمضم بن زرعة عن شريح ابن عبيد.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات؛ غير محمد بن إسماعيل؛ فقال المصنف:
«لم يكن بذاك، قد رأيته ودخلت حمص غير مرة وهو حي؛ وسألت عمرو بن عثمان عنه؟ فذمَّه». وقال أبو حاتم:
«لم يسمع من أبيه شيئًا، حملوه على أن يحدِّث فحدَّث».
قلت: وإنما اعتمدنا في تصحيحه على قول محمد بن عوف: «قرأت في أصل إسماعيل بن عياش». وهذه وجادة صحيحة من ثقة في أصل ثقةٍ؛ وهي حجة على المعتمد؛ انظر «مقدمة ابن الصلاح» (ص ١٦٩). وأعلَّه المنذري بقوله:
«في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه؛ وفيهما مقال»! وردَّ عليه ابن القيم، فقال:
“وهذا إسناد شامي؛ وأكثر أئمة الحديث يقول: حديث إسماعيل بن عياش
«وأكثر ما علَّل به: أن في إسناده إسماعيل بن عياش. والحديث من روايته عن الشاميين، وهو قوي فيهم، فيُقْبَلُ».
قلت: وأعله صاحب «العون» بالانقطاع؛ قال:
«لأن ابن عوف ومحمد بن إسماعيل؛ كلاهما لم يسمع من إسماعيل بن عياش»!
وهذا منه بناءً على القول المرجوح في ترك العمل بالوجادة! وليس عليه العمل؛ وما علومنا وما روايتنا إلا من طريق الوجادة!
ولذلك لم يعلَّ الحديثَ بها: المنذريُّ وابنُ القيم والشوكانيُّ؛ فتنبه.
١٠١ – باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟
١٠٢ – باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء
[ليس تحتهما حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
١٠٣ – باب مواكلة الحائض ومجامعتها
٢٥١ – عن أنس بن مالك قال:
إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة؛ أخرجوها من البيت، ولم يُواكِلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت. فسُئِلَ رسول الله ﷺ عن ذلك؟ فأنزل الله تعالى ذِكْرُهُ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا
«جامعوهن في البيوت، واصنعوا كلَّ شيء غيرَ النكاح».
فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئًا من أمرنا إلا خالَفَنَا فيه! فجاء أُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ وعَبَّادُ بن بِشْرٍ إلى النبي ﷺ؛ فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نَنْكِحُهُنَّ في المحيض؟ ! فتَمعَّرَ وجه رسول الله ﷺ؛ حتى ظنَنَّا أنْ قَدْ وجد عليهما! فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لَبَنٍ إلى رسول الله ﷺ، فبعث في آثارهما، فسقاهما؛ فظننا أنه لم يجد عليهما.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وابن حبان (١٣٥٩)، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسمأعيل: نا حماد: نا ثابت البناني عن أنس بن مالك.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه الطيالسي (٢٠٥٢) قال: حدثنا حماد بن سلمة … به.
وأخرجه مسلم، وابن حبان (١٣٥٩) وأبو عوانة في «صحاحهم»، والنسائي والدارمي والبيهقي، وأحمد (٣/ ٢٤٦) عن حماد. وكذا الترمذي (٢/ ١٦٢ – طبع بولاق)؛ وقال:
«حديث حسن صحيح».
وروى ابن ماجة بعضه.
كنت أتَعَرَّقُ العظم وأنا حائض؛ فأعطيه النبيَّ ﷺ، فيضع فَمَهُ في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب؛ فأناوله، فيضع فَمَهُ في الموضع الذي كنت أشرب منه.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم، وابن حبان (١٣٥٧)، وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال «الصحيح».
والحديث أخرجه مسلم، وابن حبان (١٣٥٧)، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ٥٤ و٦٧)، وأحمد (٦/ ٦٢ و٦٤ و١٩٢ و٢١٠) من طرق عن مسعرٍ … به.
وتابعه سفيان الثوري عندهم.
وشعبة: عند ابن ماجة، والطيالسي (رقم ١٥١٤)، وأحمد (٦/ ١٢٧ و٢١٤).
وله عند النسائي وابن ماجة (٦٤٣)، والبيهقي (١/ ٣١٢) طرق أخرى عن المقدام.
٢٥٣ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ. يضع رأسه في حَجْرِي؛ فيقرأ وأنا حائض.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (١٣/ ٤٤٦)، وأبو عوانة والنسائي وابن ماجة، وأحمد (٦/ ١٤٨ و١٩٠ و٢٠٤) من طرق عن سفيان … به.
وأخرجه مسلم (١/ ١٦٩)، وأحمد (٦/ ١٥٨ و٢٥٨) -من طريق داود بن عبد الرحمن المكي-، والبخاري (١/ ٣١٩)، وأحمد أيضًا (٦/ ١١٧) -من طريق زهير- كلاهما عن منصور … به.
وله في «المسند» متابعة أخرى (٦/ ١٣٥)، وطريق أخرى (٦/ ٦٨ – ٦٩).
١٠٤ – باب الحائض تُنَاوِلُ من المسجد
٢٥٤ – عن عائشة قالت:
قال لي رسول الله ﷺ:
«ناوليني الخُمْرَةَ»؛ من السجد.
قلت: إني حائض! فقال رسول الله ﷺ:
«إن حيضتك ليست في يَدِكِ».
(قلت: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح». وقد أخرجه مسلم، وابن حبان (١٣٥٣)، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح».
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٤٥ و٢٢٩): ثنا أبو معاوية … به.
وأخرجه مسلم والبيهقي من طرق عن أبي معاوية.
ثم أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحيحه»، والنسائي (١/ ٥٢ – ٥٣ و٦٨)، والترمذي، والطيالسي (رقم ١٤٣٠)، وأحمد (٦/ ١٠١ و١٧٣)، من طرق عن الأعمش … به.
ثم أخرجه مسلم، وأحمد (٦/ ١١٤) من طرق أخرى عن ثابت بن عبيد. ثم قال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وله طريق أخرى عن عائشة:
أخرجه ابن ماجة (١/ ٢١٨)، وابن حبان (١٣٥٣)، وأحمد (٦/ ١٠٦ و١١٠ و١٧٩ و٢٤٥) من وجوه عن عبد الله البَهِيِّ عنها. وانظر «الإرواء» (١٩٤).
وله شاهد من حديث أبي هريرة: في «صحيحي مسلم وأبو عوانة» و«سنن النسائي» و«أحمد».
وعن أنس: عند البزار في «مسنده» (١/ ١٦٣ / ٣٢٣) من طريق شبيب بن بشر عنه.
وإسناده حسن.
٢٥٥ – عن مُعَاذةَ قالت:
إن امرأة سألت عائشة: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت:
أحَرُورِيَّةٌ أنت؟ ! لقد كنَّا نحيض عند رسول الله ﷺ؛ فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وابن حبان (١٣٤٦)، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا وهيب: نا أيوب عن أبي قلابة عن معاذة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه مسلم وأبو عوانة والنسائي والترمذي -وقال: «حسن صحيح»- والدارمي والبيهقي، وأحمد (٦/ ٣٢ و٢٣٢) من طرق أخرى عن أيوب … به.
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة، والنسائي (١/ ٣١٩)، وابن ماجة والبيهقي، والطيالسي (رقم ١٥٧٠)، وأحمد (٦/ ٩٧ و١٢٠ و١٤٣ و١٨٥) من طرق عن معاذة. وفي لفظ:
… فأمرهن أن يَجْزِينَ؟ !
أخرجه مسلم وأحمد من طريق يزيد الرِّشْكِ عن معاذة.
كنا نحيض عند رسول الله ﷺ؛ فما يأمر امرأة منا بِرَدِّ الصلاة.
أخرجه الدارمي (١/ ٢٣٣)؛ وسنده لا بأس به في المتابعات والشواهد.
٢٥٦ – وفي رواية عنها عن عائشة … بهذا الحديث؛ وزاد فيه:
فنُؤْمَرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
(قلت: إسنادها صحيح. وقد أخرجها مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا الحسن بن عمرو: أنا سفيان -يعني: ابن عبد الملك- عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الحسن بن عمرو -وهو السَّدُوسِيُّ البصري-؛ روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق، لم يصب الأزدي في تضعيفه».
والحديث أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي وأحمد من طريق عاصم الأحول عن معاذة قالت:
سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ !
فقالت: أحرورية أنت؟ ! قلت: لستُ بحروريةٍ؛ ولكني أسأل! قالت:
كان يصيبنا ذلك؛ فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
وأخرجه النسائي (١/ ٣١٩) من طريق قتادة عن معاذة … نحوه.
٢٥٧ – عن ابن عباس عن النبي ﷺ؛ في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال:
«يتصدق بدينار أو نصف دينار».
قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال: «دينار أو نصف دينار».
(قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري. وصححه أيضًا الحاكم، ووافقه الذهبي وابن القطان وابن دقيق العيد وابن التركماني وابن حجر العسقلاني. وذكر الحلال عن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد -يعني: هذ االحديث-. قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم؛ إنما هو كفارة. وقوّاه ابن القيم).
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مِقْسم عن ابن عباس … وربما لم يرفعه شعبة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ والحكم: هو ابن عتيبة.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٢٢٩ – ٢٣٠): ثنا يحيى عن شعبة. ومحمد بن جعفر: ثنا شعبة … به.
ثم أخرجه (١/ ٢٨٦) من طريق محمد بن جعفر أيضًا.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٢٢٠): حدثنا محمد بن يشار: ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي عن شعبة … به.
وأخرجه النسائي (١/ ٥٥ و٦٦ – ٦٧): أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٥٤)، والبيهقي (١/ ٣١٤) من طريق أخرى عن شعبة … به. وقال الدارمي -في بيان نسب عبد الحميد هذا-:
«عبد الحميد بن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب؛ وكان واليَ عمر ابن عبد العزيز على الكوفة».
قلت: كذا في نسختنا: «عبد الحميد بن زيد …»! وأرى أن (ابن زيد) زيادة من بعض النساخ أو الطابع! فإنه (عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب)، كما في كتب القوم؛ وكنيته أبو عمر المدني.
ثم أخرجه الحاكم (١/ ١٧١ – ١٧٢) من طريق مسدد … به، وقال: «حديث صحيح؛ فقد احتجا جميعًا بـ (مقسم بن نجدة). فأما عبد الحميد بن عبد الرحمن؛ فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري، ثقة مأمون»!
وقد أخطأ الحاكم في موضعين:
الأول: قوله: إن مقسم بن نجدة احتج به الشيخان! وليس كذلك فإن مسلمًا لم يرو له البتة.
والآخر: قوله أن عبد الحميد بن عبد الرحمن هذا هو أبو الحسن الجزري! بل هو أبو عمر المدني؛ كما سبق عن الدارمي.
وأما أبو الحسن الجزري؛ فهو شامي مجهول. وقد أشار الحافط في «التهذيب» إلى خطأ الحاكم في قوله: إنه عبد الحميد بن عبد الرحمن! وصرح بذلك في «التقريب».
والسبب في وقوع الحاكم في هذا الخطأ: أن أبا الحسن الجزري هذا ممن روى
ثم إن البيهقي أخرج الحديث من طرق عن شعبة … به موقوفًا على ابن عباس؛ وقد أشار إليه المؤلف كما سبق. ولا يخدج هذا في روايته المرفوعة؛ لأن الرفع زيادة منه قد حفظها.
وأيضًا؛ فقد بين السبب في وقفه له، فيما أخرجه الدارمي: أخبرنا سعيد بن عامر عن شعبة … بإسناده عن ابن عباس: في الذي يغشى امرأته وهي حائض: يتصدق بدينار أو نصف دينار.
قال شعبة: أما حفظي فهو مرفوع، وأما فلان وفلان فقالا: غير مرفوع. فقال بعض القوم: حدِّثنا بحفظك ودَعْ ما قال فلان وفلان! فقال: والله ما أحب أني عُمِّرْتُ في الدنيا عُمُرَ نوح؛ وإني حدثت بهذا أو سكتُّ عن هذا.
وسعيد بن عامر: هو الضُّبَعِيُّ، وهو ثقة حجة؛ وقد أبان في روايته عن شعبة سبب إيقافه للحديث أحيانًا، وأن ذلك ليس منه مباشرة؛ بل بسبب الذين أوقفوه!
وذلك مما لا يضره إن شاء الله تعالى.
على أن شعبة لم يتفرد برفعه؛ فقد أخرجه البيهقي من طريق قتادة: حدثني الحكم بن عُتَيْبَة. .. به ولفظه:
أن رجلًا أتى النبي ﷺ فزعم أنه أتى -يعني- امرأته وهي حائض؟ فأمره نبي الله ﷺ أن يتصدق بدينار؛ فإن لم يجد فنصف دينار.
وقد رواه قتادة أيضًا عن مقسم … به.
أخرجه أحمد (١/ ٢٣٧ و٣١٢)، والبيهقي، وقال: “لم يسمعه قتادة من
ثم أخرجه البيهقي من طريق مَطَرٍ الورَّاق عن الحكم بن عتيبة عن مقسم … به. وقال:
«هكذا رواه جماعة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم. وفي رواية شعبة عن الحكم دلالة على أن الحكم لم يسمعه من مقسم؛ إنما سمعه من عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مقسم»!
قلت: ولا دلالة على ما ذكره البيهقي؛ لأن الحَكَمَ كان معاصرًا لمقسم؛ فجائز أن يكون قد سمعه منه مباشرة. وقد جزم أحمد ويحيى القطان بأنه لم يسمع منه إلا خمسة أحاديث؛ ذكرها الحافظ في «التهذيب»، وفيها هذا الحديث في إتيان الحائض. وهذا أولى بالقبول لأمرين:
الأول: أنه مثبت، والبيهقي نَافٍ؛ والمثبت مقدم على النافي.
والآخر: أنهما أجلُّ من البيهقي وأعلم بالحديث ورجاله.
وقد تابع عبدَ الحميد بن عبد الرحمن على أصل الحديث غيرُ واحد عن مقسم؛ لكن خالفوه في لفظه؛ وفي حفظهم ضعف، ولذلك أوردنا حديثهم في الكتاب الآخر (رقم ٤١)؛ ولكنها على كل حال تشهد على أن أصل الحديث مرفوع ليس بموقوف.
ورواه يعقوب بن عطاء عن مقسم … به مثل رواية عبد الحميد.
أخرجه الدارقطني (ص ٤١٠)، والبيهقي (١/ ٣١٨) من طريق أبي بكر بن عياش عن يعقوب. وقال البيهقي:
«ويعقوب بن عطاء لا يحتج بحديثه». وتعقبه ابن التركماني بقوله:
وبعد؛ فإن الكلام على طرق هذا الحديث وأسانيده وألفاظه طويل جدًّا، وفي القدر الذي ذكرنا كفاية في إثبات صحة إسناده.
وأما من حيثُ متنه؛ فالصواب فيه رواية عبد الحميد هذه؛ وهي التي رجَّحها المصنف على غيرها وصححها كما رأيت، والألفاظ الأخرى المخالفة لها؛ في أسانيدها مقال؛ فلا تصلح للمعارضة، ولا يجوز التمسك بها في دعوى الاضطراب في متنه، كما سنبيِّن ذلك إن شاء الله تعالى في الكتاب الآخر.
وقد قال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٤٢٦):
«والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدًّا». قال:
«وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه. وأقر ابنُ دقيق العيد تصحيحَ ابن القطان، وقوّاه في»الإمام«، وهو الصواب؛ فكم من حديث قد احتجوا به؛ فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا، كحديث بئر بضاعة [رقم ٥٩ و٦٠]، وحديث القلتين [رقم ٥٦ – ٥٨] ونحوهما. وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في»شرح المهذب«و»التنقيح«و»الخلاصة«: أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم. وتبع النوويُّ في بعض ذلك ابنَ الصلاح».
قلت: وقوّاه ابن التركماني؛ ومنه نقلنا ما ذكرنا في الأعلى عن أحمد. وكذا قوّاه ابن القيم في «التهذيب».
وتجد تفصيل الكلام على هذا الحديث وطرقه وألفاظه في تعليق الشيخ أحمد
٢٥٨ – عن ابن عباس قال:
إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار.
(قلت: هو بهذا التفصيل موقوف صحيح).
إسناده: حدثنا عبد السلام بن مُطَهِّر: نا جعفر -يعني ابن سليمان- عن علي ابن الحكم البُنَاني عن أبي الحسن الجَزَرِيِّ عن مقسم عن ابن عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير أبي الحسن الجزري؛ وهو مجهول، وزعم الحاكم أنه عبد الحميد بن عبد الرحمن راوي الحديث السابق! وهو وهم منه، كما سبق بيانه هناك.
لكنه لم يتفرد به كما يأتي؛ فكان الحديث صحيحًا موقوفًا.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣١٨) من طريق المؤلف.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٧٢) من طريق أخرى عن عبد السلام … به. وقال:
«قد أُرسل هذا الحديث وأُوقف أيضًا. ونحن على أصلنا الذي أصَّلناه: أن القول قول الذي يسنده ويصل؛ إذا كان ثقة».
قلت: وهو كما قال الحاكم رحمه الله. ويشير بذلك إلى حديث عبد الحميد السابق؛ فإنه أورد عقيبه هذا الحديث الموقوف.
وله طريق أخرى عن مقسم؛ وهو:
(قلت: وصله الدارمي؛ لكنه قال: عن عبد الكريم عن رجل … لم يسمِّ مقسمًا).
إسناده: هو معلق كما ترى، ولم أجده موصولًا عن ابن جريج هكذا.
نعم؛ أخرجه الدارمي (١/ ٢٥٤) من طريق سفيان عن ابن جريج عن عبد الكريم عن رجل عن ابن عباس … به موقوقًا.
فلعل هذا الرجل الذي لم يُسَمَّ وقع مسمَّى عند المصنف.
وقد رواه ابن جريج أيضًا عن عطاء عن ابن عباس. قال البيهقي:
«وقد قيل: عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس موقوفًا. وإن كان محفوظًا؛ فهو من قول ابن عباس يصح …»، ثم ساق إسناده إلى سفيان الثوري عن ابن جريج … به. قال:
«والمشهور: عن ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية عن مقسم عن ابن عباس، كما تقدم». وتعقبه ابن التركماني في موضعين: الأول؛ قوله: «إن كان محفوظًا»؛ فقال:
«رجال إسناده ثقات؛ فلا وجه لتمريضه بقوله: فإن كان محفوظًا».
والموضع الآخر؛ قوله: «والمشهور عن ابن جريج …» إلخ، فقال ابن التركماني:
“وكأنه يقصد بذلك أيضًا الاستضعاف لرواية ابن جريج عن عطاء؛ وليست
قلت: ولعل وجه تمريض البيهقي لرواية ابن جريج عن عطاء: أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه.
على أن ابن جريج قد رواه عند عبد الكريم مرفوعًا؛ وهما التي أشار إليها البيهقي بقوله: «كما تقدم».
وقد أخرجها أحمد (١/ ٣٦٧) قال: ثنا عبد الرزاق: أنا ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم وغيره عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث أن ابن عباس أخبره:
أن النبي ﷺ جعل في الحائض نِصَابَ دينار، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل؛ فنصف دينار. كلُّ ذلك عن النبي ﷺ.
والبيهقي أخرجه (١/ ٣١٦) من طريق نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبي أمية عبد الكريم البصري … به نحوه مرفوعًا.
وأخرجه الدارقطني (ص ٤١١) من طريق ابن لهيعة عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عبد الكريم البصري أنه أخبره … به.
وأخرجه البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن عبد الكريم أبي أمية عن عكرمة عن ابن عباس … مرفوعًا نحو الرواية الأولى في الباب؛ وزاد:
وفسَّره مقسم فقال. إذا كان في إقبال الدم فدينار … الحديث فجعله من تفسير مقسم.
ثم رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن عبد الكريم عن مقسم … به مرفوعًا
ثم رواه من طريق هشام الدَّسْتُوائي: ثنا عبد الكريم أبو أمية عن مقسم … به موقوفًا مثل الرواية الأولى. ثم قال البيهقي:
«هذا أشبه بالصواب. وعبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية غير محتج به».
وقال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٢٤):
«وهو مجمع على ضعفه».
واعلم أن في الرواة من طبقة واحدة رجلين؛ اسم كل منهما عبد الكريم:
أحدهما ضعيف؛ وهو عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري.
والآخر ثقة من رجال الشيخين؛ وهو عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد الحَرَّاني.
فاختلفوا في راوي هذا الحديث؛ هل هو الأول أم الآخر؟ !
فجزم البيهقي أنه الأول -كما رأيت-، وتبعه الحافظ ابن حجر، وسبقهما الإمام أحمد فقال في «المسند» (١/ ٢٣٧) -عقب رواية قتادة عن مقسم المتقدمة في الحديث الأول-:
«ورواه عبد الكريم أبو أمية … مثله بإسناده».
وخالفهم ابن التركماني -تبعًا للمزي-؛ فذهبا إلى أنه ابن مالك الجزري الثقة! وتبعهما الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على «الترمذي» (١/ ٢٤٧)؛ وصحح إسناده من أجل ذلك!
والحق: أنه الأول؛ لأن ابن جريج صرح بأنه أبو أمية البصري في رواية نافع
فبعد اتفاق هؤلاء الثلاثة على أنه أبو أمية البصري الضعيف؛ لا مجال للقول بأنه ابن مالك الجزري الثقة؛ لا سيما وأنه لم يأتِ مصرَّحًا بذلك في شيء من الروايات؛ إلا في رواية عبد الله بن مُحَرَّر عنه؛ فقال: عبد الكريم بن مالك.
لكن ابن محرر هذا متروك؛ بل كذبه بعضهم.
ومما يدل على أنه عبد الكريم الضعيف: اضطرابه في إسناد هذا الحديث، وفي متنه:
أما الأول؛ فرواه الجمهور عنه عن مقسم عن ابن عباس، ورواه سعيد -في رواية- عنه عن عكرمة عن ابن عباس.
وأما اضطرابه في متنه؛ فهو أنه تارة يرويه مرفوعًا، وتارة موقوفًا. ثم إنه تارة يروي كلًّا منهما مفسرًا، وأخرى غير مفسرٍ، وتارة يجعل التفسير من كلام مقسم! وتجد هذا كله أو جله فيما سبق من التخريج.
والصواب من ذلك: المرفوع غير مفسر؛ لمتابعة عبد الحميد له .. وأن المفسر من قول ابن عباس؛ لمتابعة أبي الحسن الجزري وعطاء له؛ كما قد سبق بيانه.
١٠٧ – باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع
٢٦٠ – عن ميمونة قالت:
أن النبي ﷺ كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض؛ إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين؛ تحتجز به.
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن مَوْهَبٍ الرَّمْلي: ثني الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن نُدْبَة مولاة ميمونة عن ميمونة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير ندبة -بضم أولها؛ ويقال: بفتحها، وسكون الدال بعدها موحدة، ويقال: بموحدة أولها مع التصغير- مقبولة، ويقال: إن لها صحبة؛ كذا في «التقريب». وفي «التهذيب»:
«ذكرها ابن حبان في»الثقات«، وذكرها ابن منده وأبو نعيم في»الصحابة«…».
وأما ابن حزم؛ فقال في «المحلى» (٢/ ١٧٩):
«وهي مجهولة لا تعرف».
قلت: لكن الحديث له طريق آخر وشواهد؛ فهو بها صحيح بلا شك. ولذلك قال ابن القيم رحمه الله -رادًّا على ابن حزم-:
«فأما تعليله حديث ندبة بكونها مجهولة؛ فإنها مدنية روت عن مولاتها ميمونة، وروى عنها حبيب، ولم يعلم أحد جرحها، والراوي إذا كانت هذه حاله؛ إنما يخشى من تفرده بما لا يتابع عليه، فأما إذا روى ما رواه الناس، وكانت لروايته شواهد ومتابعات؛ فإن أئمة الحديث يقبلون حديثًا مثل هذا، ولا يردونه ولا يعللونه بالجهالة، فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر؛ عللوه بمثل هذه الجهالة وبالتفرد. ومن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك، فيظن أن ذلك تناقض منهم، وهو مَحْضُ العلم والذوق والوزن المستقيم. فيجب التنبُّه لهذه النكتة؛ فكثيرًا ما تمر بك في الأحاديث، ويقع الغلط بسببها».
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٥٤ – ٥٥ و٦٧)، والدارمي (١/ ٢٤٦)، والبيهقي (١/ ٣١٣)، وأحمد (٦/ ٣٣٢ و٣٣٥ – ٣٣٦) من طرق عن الليث … به.
وكذا أخرجه الطحاوي (٢/ ٢١).
وقد تابعه شعيب بن أبي حمزة -عند البيهقي-، ومحمد بن إسحاق -عند أحمد- كلاهما عن الزهري … به نحوه.
وتابعهم يونس: عند الطحاوي.
وأما الطريق الآخر؛ فهو عند مسلم (١/ ١٦٧)، وأبي عوانة (١/ ٣٠٩ – ٣١٠)، والدارمي (١/ ٢٤٤)، وأحمد (٦/ ٣٣٥) عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت:
كان رسول الله ﷺ يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيَّضٌ.
وأخرجه البخاري أيضًا (١/ ٣٢١)، والمصنف نحوه. ويأتي برقم (١٨٨٣).
وله عنها طريق ثالث: عند مسلم وأبي عوانة.
ومن شواهده: ما أخرجه ابن ماجة (١/ ٢١٩) من طريق ابن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حُدَيْجٍ عن معاوية بن أبي سفيان عن أم حبيبة زوج النبي ﷺ قال:
سألتها: كيف كنتِ تصنعين مع رسول الله ﷺ في الحيضة؟ قالت: كانت
وهذا إسناد حسن، لولا عنعنة ابن إسحاق. ولكنه صحيح مَعْنىً؛ بحديث الباب، كما قال السندي.
ومن شواهده: أحاديث عائشة في الباب.
٢٦١ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ يأمر إحدانا -إذا كانت حائضًا- أن تَتَّزِرَ، ثم يضاجعها زوجها (وقال مرة: يباشرها).
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا ابن حبان (١٣٦١)، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ١٧٤): ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة … به.
وأخرجه الطيالسي (رقم ١٣٧٥).
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة والنسائي والترمذي -وقال: «حديث حسن صحيح»- والدارمي وابن ماجة والبيهقي والطيالسي أيضًا، وأحمد (٦/ ١٣٤
وقد تابعه عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه. ويأتي آخر الباب.
٢٦٢ – عن خِلاس الهَجَرِيِّ قال: سمعت عائشة تقول:
كنت أنا ورسول الله ﷺ نبيتُ في الشِّعَارِ الواحد؛ وأنا حائض طامث؛ فإن أصابه منه شيء؛ غسل مكانه ولم يَعْده، ثم صلى فيه، وإن أصاب -تعني- ثوبه مني شيء؛ غسل مكانه ولم يَعْدُه، ثم صلى فيه.؟
(قلت: إسناده صحيح. وقال المنذري: «هو حسن»)
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن جابر بن صُبْحٍ قال: سمعت خلاسًا الهَجَرِيّ.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير جابر بن صُبح؛ قال ابن معين:
«ثقة».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال المنذري عقب الحديث:
«وهو حسن».
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٦٧): أخبرنا محمد بن المثنى قال: ثنا يحيى … به.
ورواه البيهقي عن المؤلف.
أنّ النبي ﷺ، كان إذا أراد من الحائض شيئًا؛ ألقى على فرجها ثوبًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ: «إسناده قوي».
وقال ابن عبد الهادي: «إسناده صحيح»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي ﷺ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٣٢١):
«إسناده قوي». وقال ابن عبد الهادي -كما في «فيض القدير»-:
«إسناده صحيح».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣١٤): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: ثنا أبو بكر ابن إسحاق: ثنا أبو مسلم: ثنا أبو عمر: ثنا حماد … به؛ وزاد:
ثم صنع ما أراد.
قال أبو بكر: «وكل أزواج النبي ﷺ ثقات».
٢٦٤ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ يأمرنا -في فَوْح حيضتنا- أن نتزر ثم يباشرنا.
وأيُّكم يملك إرْبه كما كان رسول الله ﷺ يملك إربه؟ !
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن ابن الأسود عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وكذا قال الحاكم (١/ ١٧٢) -وقد أخرجه عن عثمان-، ووافقه الذهبي.
والحديث أخرجه الشيخان وأبو عوانة وابن ماجة والبيهقي من طريق -علي ابن مُسْهر-، وأبو عوانة وابن ماجة، وأحمد (٦/ ٣٣) -من طرق أخرى- كلهم عن أبي إسحاق الشيباني … به.
وله طريق أخرى عن عائشة: رواه أبو إسحاق -وهو السِّبِيعي- عن أبي ميسرة عنها … به.
أخرجه أحمد (٦/ ١١٣ و١٦٠ – ١٦١ و١٨٢ و٢٠٤)، والطحاوي (٢/ ٢١)، والبيهقي (١/ ٣١٤) من طرق عنه.
وهذا إسناد صحيح أيضًا على شرطهما.
١٠٨ – باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض
٢٦٥ – عن أم سلمة زوج النبي ﷺ قالت:
إن امرأة كانت تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ على عهد رسول الله ﷺ؛ فاستفتت لها أمُّ سلمة رسولَ الله ﷺ؟ فقال:
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال النووي).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وكذا قال النووي في «المجموع» (٢/ ٤١٥).
وقد أعل بالانقطاع! ويأتي الجواب عنه.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٨٠ – ٨١). ومن طريقه: رواه محمد في «موطئه» (ص ٧٩)، وكذا النسائي (١/ ٦٥)، والبيهقي (١/ ٣٣٢)، وأحمد (٦/ ٣٢٠) كلهم عن مالك … به. وكذا رواه عنه في «الحلية» (٩/ ١٥٧).
وقد تابعه عبيد الله بن عمر قال: أخبرني نافع … به:
أخرجه النسائي وابن ماجة (١/ ٢١٥)، والدارقطني (ص ٨٠) -عن أبي أسامة-، وأحمد (٦/ ٢٩٣) -عن ابن نمير- كلاهما عنه.
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عنهما كليهما في «المصنف»؛ كما في «الجوهر النقي».
وخالفهما أنس بن عياض عنه؛ فأدخل بين سليمان بن يسار وأم سلمة رجلًا.
«وأبو أسامة أجل من أنس بن عياض؛ وقد تابعه عبد الله بن نمير؛ فروايتهما مرجحة بالحفظ والكثرة».
وتابعه عن سليمان بن يسار: أيوبُ السَّخْتِياني:
أخرجه الدارقطني (ص ٧٦)، والبيهقي (٣٣٤)، وأحمد (٦/ ٣٢٢)؛ ولم يختلف عليه فيه؛ بخلاف رواية نافع. فقول البيهقي:
«إن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة»!
غير قوي؛ وإن كان احتج على ذلك برواية الليث وغيره عن نافع … مثل رواية أنس بن عياض عن عبيد الله.
وقد ذكر المؤلف رواياتهم -فيما بعد- وقد اختلف فيه على الليث أيضًا، كما سنبينه في الرواية الآتية.
فترجيح ما اختُلِفَ فيه على ما لم يُخْتَلَفْ فيه؛ مما لا يخفى ضعفه؛ لا سيما وأن سليمان بن يسار ثقة جليل، أحد الفقهاء السبعة، ولم يعرف بتدليس، وقد أدرك أم سلمة حتمًا؛ فحديثه عنها محمول على الاتصال.
فإن كان لا بد من الترجيح؛ فرواية أيوب أصح من رواية نافع؛ وإلا فالروايتان ثابتتان، ويكون ابن يسار سمعه منها مباشرة (١)، ومرة بالواسطة. وقد قال ابن التركماني:
«وذكر صاحب»الكمال«أن سليمان سمع من أم سلمة؛ فيحتمل أنه سمع هذا الحديث منها، ومن رجل عنها».
ولذلك صحح النووي إسناد الحديث كما سبق؛ ولم يعرِّج على إعلال البيهقي له بالانقطاع أو جهالة الواسطة.
ويقوِّي الحديث: أن له طريقًا أخرى عن أم سلمة؛ سنورده عند الكلام على الرواية الأخيرة للحديث (رقم ٢٦٩).
٢٦٦ – وفي رواية عنها:
أن امرأة كانت تُهراق الدمَ … فذكر معناه؛ قال: «فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة؛ فلتغتسل ….» بمعناه.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: ثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلًا أخبره عن أم سلمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ لولا الرجل الذي لم يسمَّ.
لكن قد رواه سليمان عن أم سلمة؛ دون هذه الواسطة، كما في الرواية الأولى؛ وقد ذكرنا عندها أنها أرجح من هذه، فراجعها.
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ١٩٩)، والبيهقي (١/ ٣٣٣) من طرق عن الليث … به.
وقد اختلف فيه على الليث:
فأخرجه المصنِّف -ومن ذكرنا- هكذا.
ورواه أَسِيدٌ عن الليث … مثل رواية مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن
ورواه أَسِيدٌ أيضًا عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان والحجاج بن أرطاة كلاهما عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة. كذا في «الجوهر النقي».
وقد تابع ليثًا على الوجه الأول: عبيد الله بن عمر، وصخر بن جويرية، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وجويرية بن أسماء عن نافع:
أما حديث عبيد الله فهو:
٢٦٧ – وفي رواية عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار:
أن امرأة كانت تهْرَاق الدماءَ …. فذكر معنى حديث الليث؛ قال:
«فإذا خَلَفَتْهنَّ وحضرت الصلاة؛ فلتغتسل …»، وساق معناه.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا أنس -يعني: ابن عياض- عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار.
والكلام على هذا الإسناد كالكلام على الذي قبله.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٣٣) من طريق المؤلف.
وقد خولف فيه أنس بن عياض؛ فرواه أبو أسامة وابن نمير عن عبيد الله … مثل رواية مالك عن نافع؛ وقد سبق تخريجها عند تخريج الرواية الأولى.
وأما حديث صخر بن جويرية؛ فهو:
«فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة؛ فلتغتسل وَلْتَسْتَذْفِرْ بثوب، ثم تصلي».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا يعقوب بن إبراهيم: نا عبد الرحمن بن مهدي: نا صخر بن جويرية عن نافع.
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
والدارقطني (ص ٨٠) من طريق أخرى عن ابن مهدي.
وأما حديث إسماعيل بن إبراهيم وجويرية بن أسماء؛ فأخرجهما البيهقي، وسبق تحقيق الكلام على هذا الحديث.
٢٦٩ – عن وهيب: نا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة … بهذه القصة؛ قال فيه:
«تدع الصلاة، وتغتسل فيما سوى ذلك، وتستذفر بثوب وتصلي».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا وهيب … به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص ٧٦) -عن مُعَلَّى بن أسد-، والبيهقي (١/ ٣٣٤) -عن عفان- كلاهما عن وهيب … به، وفي روايتهما تسمية المرأة.
أن فاطمة -وقال معلى- بنت أبي حُبَيْشٍ استحيضت، فكانت تغتسل من مِرْكَنٍ لها، فتخرج وهي غالبة الصفرة، فاستفتت لها أم سلمة رسولَ الله ﷺ؟ فقال:
«لتنظر أيام أقرائها وأيام حيضتها؛ فتدع فيها الصلاة وتغتسل …» الحديث.
وقد أخرجه أحمد أيضًا (٦/ ٣٢٢ – ٣٢٣): ثنا عفان … به.
وقد تابع أيوبَ عن سليمان: نافعٌ في بعض الروايات عنه؛ وقد سبق بيان اختلاف الروايات عليه في ذلك.
٢٧٠ – قال أبو داود: «وسمى المرأةَ التي كانت استحيضت حمادُ بن زيد عن أيوب … في هذا الحديث؛ قال: فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ».
(قلت: وصله الدارقطني عنه بإسناد صحيح).
إسناده معلق؛ وقد وصله الدارقطني (ص ٦٧).
وإسناده صحيح.
ثم أخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل عن أيوب … به؛ وفيه التسمية أيضًا؛ وإسماعيل: هو ابن علية.
وللحديث طريق أخرى: أخرجه أحمد (٦/ ٣٠٤): ثنا سريج: ثنا عَبْدُ الله -يعني: ابن عمر- عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة قالت:
جاءت فاطمةُ رسولَ اللهِ ﷺ، فقالت: إني أُسْتَحاضُ … الحديث نحوه.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ لكن عبد الله بن عمر -وهو العمري- سيئ الحفظ؛ غير أنه صحيح الحديث في المتابعات.
٢٧١ – عن عائشة أنها قالت:
إن أم حبيبة سألت النبي ﷺ عن الدم -فقالت عائشة: فرأيت مِرْكَنَهَا ملآنَ دمًا-؟ فقال لها رسول الله ﷺ:
«امكثي قَدْرَ ما كانت تحبسك حيضتُكِ، ثم اغتسلي».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». ولمسلم فيه شيخان؛ أحدهما شيخ المصنف فيه).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر عن عِرَاكٍ عن عروة عن عائشة.
قال أبو داود: “ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها.
ورواه ابن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة.
قلت: ومقصود المؤلف من هذا التعليق: أن جعفرًا الذي وقع غير منسوب في إسناده؛ إنما هو جعفر بن ربيعة؛ لأمرين ذكرهما:
الأول: أن قتيبة روى هذا الحديث في أتناء أحاديث يرويها لجعفر بن ربيعة،
ووقع هذا في آخرها هكذا: (جعفر) غير منسوب، وهو جعفر بن ربيعة، كما جاء منسوبًا في الأحاديث التي قبلها عند قتيبة.
والأمر الآخر: أن ابن عياش ويونس روياه عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٣١) من طريق أحمد بن سلمة عنه.
ثم قال النسائي: وأخبرنا به قتيبة مرة أخرى؛ ولم يذكر فيه: جعفر بن ربيعة.
قلت: يعني: أنه أسقطه من الإسناد.
والصواب إثباته؛ فقد تابعه على ذلك محمد بن رُمْحٍ: عند مسلم، ويونس بن محمد وشعيب بن الليث: عند أبي عوانة (١/ ٣٢٢)، ويحيى بن بكير: عند البيهقي؛ كلهم قالوا: عن الليث عن يزيد عن جعفر عن عراك … به.
ورواه بكر بن مضر أيضًا عن جعفر بن ربيعة: أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي.
٢٧٢ – عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير: أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته:
أنها سألت رسول الله ﷺ؟ فشَكَتْ إليه الدم؟ فقال لها رسول الله ﷺ:
«إنما ذلك عرق؛ فانظري إذا أتى قُرْؤك فلا تصلِّي، فإذا مَرّ قُرْؤُكِ فتطهَّري؛ ثم صلِّي ما بين القُرْءِ إلى القُرْءِ».
(قلت: حديث صحيح. وقد صححه عبد الحق «الأحكام الكبرى» (٥٢١)، وهو بمعنى حديث عروة عن عائشة الآتي في الباب الذي يلي (رقم ٢٨١».
قلت: رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير المنذر بن المغيرة؛ قال المنذري في «مختصره» (رقم ٢٧١):
«سُئل عنه أبو حاتم الرازي؟ فقال: هو مجهول ليس بمشهور». وقال الذهبي في «الميزان»:
«لا يعرف؛ وبعضهم قوّاه. وقال أبو حاتم: مجهول».
قلت: وهذا (البعض) الذي أشار إليه الذهبي؛ إنما هو ابن حبان؛ فقد أورده في «الثقات» -كما في «التهذيب»-. وقال في «التقريب»:
«مقبول»؛ حيث يتابع؛ وإلا فلين الحديث.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٦٥): أخبرنا عيسى بن حماد … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٣١) -عن يحيى بن بكير-، وأحمد (٦/ ٤٢٠ و٤٦٣) -عن يونس بن محمد-؛ وكلاهما عن الليث … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٢١٤): حدثنا محمد بن رمح: أنا الليث … به، كلاهما عن الليث …. به.
وقال النسائي عقيبه:
«وقد روى هذا الحديث: هشام بن عروة عن عروة … ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر»؛ يعني: من سماع عروة للحديث من فاطمة، وحديث هشام يأتي في الباب الذي يلي (رقم ٢٨١). وقال البيهقي:
«رواه هشام عن أبيه عنها، وليس في روايته هذا الحصر الذي ذكره البيهقي؛ وهو أنه بين أن أباه إنما سمع القصة منها. وقد زعم ابن حزم أن عروة أدرك فاطمة، ولم يَسْتَبْعِد أن يسمعه من فاطمة».
وجزم بسماع عروة من عائشة وفاطمة: ابنُ القيم رحمه الله؛ فقال في «التهذيب» (١/ ٨٢ – ١٨٣) -ردًّا على إعلال ابن القطان للحديث؛ بقوله: «المغيرة مجهول. قاله أبو حاتم الرازي، والحديث عند غير أبي داود معنعن، لم يقل فيه: إن فاطمة حدثته»-. قال ابن القيم:
[«إنَّ عروة قد أدرك عائشة وفاطمة] كلتيهما، وسمع منهما بلا ريب، ففاطمة بنت عمه وعائشة خالته؛ فالانقطاع الذي رمى به الحديث مقطوع دابره، وقد صرح بأن فاطمة حدثته. وقوله: إن المغيرة جهله أبو حاتم؛ لا يضره ذلك؛ فإن أبا حاتم الرازي يجهل رجالًا وهم ثقات معروفون، وهو متشدد في الرجال، وقد وثق المغيرةَ جماعةٌ وأثنوا عليه وعرفوه. وقوله: الحديث عند غير أبي داود معنعن؛ فإن ذلك لا يضره؛ ولا سيّما على أصله في زيادة الثقة، فقد صرح سهيل عن الزهري عن عروة قال: حدثتني فاطمة. [قلت: يعني: الرواية الآتية (رقم ٢٧٣)]. وحَمْلُهُ على سهيل وأن هذا مما ساء حفظه فيه: دعوى باطلة، وقد صحح مسلم وغيره حديث سهيل»!
قلت: وفي هذا الرد نظر من وجهين:
الأول: قوله: «وقد وثق المغيرة جماعةٌ»، وهذا وهم تبع فيه ابن القطان؛ وإنما
وقوله: «وثقه جماعة»! غير صحيح؛ فلم يوثقه غير ابن حبان كما سبق؛ وهو
معروف بتساهله في التوثيق. وقد أشار إلى ذلك الذهبي فيما سبق، وجزم بأنه لا
يعرف.
والوجه الآخر: أن سهيلًا قد تردد في إسناده بين أن يكون سمعه من فاطمة أو من أسماء -كما يأتي-؛ فلا حجة فيه؛ لا سيما وأنه قد خالفه غيره؛ فجزم أنه من (مسند أسماء)؛ كما سيأتي في الكتاب.
والحق: أن علة الحديث جهالة (المنذر) هذا.
ولكن لما كان له طرق أخرى وشواهد يأتي ذكرها في الكتاب؛ حكمنا عليه بالصحة.
منها: ما عند الحاكم (٤/ ٦٢) من طريق أبي قلابة: ثنا أبو عاصم عن عثمان ابن الأسود عن ابن أبي مليكة:
أن خالته فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ أتت عائشة فقالت: إني أخاف أن أكون من أهل النار! لم أصل منذ نحوٍ مِنْ سَنَتَينِ! فسألت النبي ﷺ؟ فقال … فذكره نحوه.
٢٧٣ – عن الزهري عن عروة بن الزبير قال:
حدثتني فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ: أنها أمرت أسماءَ -أو أسماء حدثتني-: أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حُبَيْش أن تسأل رسول الله ﷺ؟ فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، ثم تغتسل.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله رجال «الصحيح»، والتردد المذكور في
إسناده: حدثنا يوسف بن موسى: نا جرير عن سهيل -يعني: ابن أبي صالح- عن الزهري.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال «الصحيح».
٢٧٤ – قال أبو داود: «رواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة: أن أم حبيبة بنت جَحْش اسْتُحيِضَتْ، فأمرها النبي ﷺ أن تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي».
قال أبو داود: «لم يسمع قتادة من عروة شيئًا».
(قلت: لكنه بمعنى حديث عائشة السابق (رقم ٢٧١».
إسناده معلق؛ ولم أقف عليه موصولًا! وقد ذكره البيهقي (١/ ٣٣٢) عن المؤلف هكذا معلقًا؛ ثم قال:
«ورواية عراك بن مالك عن عروة عن عائشة في شأن أم حبيبة أصح من هذه الرواية».
قلت: حديث عائشة هذا قد سبق في الباب (رقم ٢٧١)؛ وهو مثل هذا في المعنى؛ فإنه قال لها فيه:
«امكثي قَدْر ما كانت تحبسك حيضتك»؛ فهذا مثل قوله هنا:
فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها.
إن أم حبيبة كانت تستحاض، فسألت النبي ﷺ؟ فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها.
قال أبو داود: «وهذا وهم من ابن عيينة، ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري؛ إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح. وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة؛ لم يذكر فيه: تدع الصلاة أيام أقرائها».
(قلت: وصله مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وابن عيينة ثقة حافظ متقن، وقد تابعه الأوزاعي وغيره من الثقات، فانظر الحديث الآتي (رقم ٢٨٣).
وقد خالف الحميديَّ: محمدُ بن المثنى ومحمدُ بن الصَّبَّاح ومحمدُ بن إدريس الشافعي الإمام وموسى بن عبد الرحمن المسروقي؛ فكلهم رووه عن ابن عيينة؛ فذكروا فيه هذه الزيادة. ورواية هؤلاء مقدمة على رواية الحميدي).
إسناده معلق؛ وقد وصله مسلم (١/ ١٨١) -عن محمد بن المثنى-، وأبو عوانة (١/ ٣٢٢) -عن محمد بن الصباح-، والنسائي (١/ ٤٥) -عن موسى-، والطحاوي (١/ ٦٠) -عن محمد-؛ كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري … به. ولم يَسُقْ مسلم والطحاوي لفظه.
ومحمد عند الطحاوي: هو ابن إدريس الشافعي الإمام.
وأما موسى عند النسائي -وهو شيخه فيه-؛ فلم يتبين لي من هو؟ ! وفيمن روى عنهم النسائي في «سننه» كثيرون بهذا الاسم؛ وهم:
١ – موسى بن حزام الترمذي أبو عمران الفقيه.
٣ – موسى بن سليمان بن إسماعيل أبو القاسم المَنْبِجِيُّ.
٤ – موسى بن عبد الله بن موسى بن موسى الخُزَاعي أبو طلحة البصري.
٥ – موسى بن عبد الرحمن بن سعيد المسروقي أبو عيسى الكوفي.
٦ – موسى بن محمد الشامي أبو محمد.
ولم يذكر الحافظ في «التهذيب» فيمن روى عنه هؤلاء: سفيان بن عيينة! فلذلك لم نستطع تعيين المراد منهم! ويغلب على الظن أنه موسى بن عبد الرحمن المسروقي؛ فإنه كوفي مثل ابن عيينة؛ ثم تأكد ذلك عندي حين راجعت الأحاديث المتقدمة على هذا؛ فوجدته قد أخرج له حديثين آخرين (١/ ٢٧ و٣٦)، قال في الأول منهما: «أخبرنا موسى بن عبد الرحمن». وقال في الآخر: «أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي». ثم روى له هذا الحديث فقال: «أخبرنا موسى»؛ فلم ينسبه اعتمادًا على ما سبق، كما جرت عليه عادة المحدثين.
وقد أخرجه (١/ ٤٤) من طريق محمد بن المثنى أيضًا.
ثم إن المصنف قد أعل الحديث بتفرد ابن عيينة به عن الزهري دون سائر أصحابه، وبأن الحميدي رواه عن ابن عيينة؛ فلم يذكر فيه:
تدع الصلاة أيام أقرائها! !
وهذا ليس بشيء عندي؛ وذلك أن الحميدي قد خالفه الجماعة الذين سبق ذكرهم؛ فرووه عن ابن عيينة بإثبات هذه الزيادة. والمثبت مقدم على النافي؛ لا سيما وأنهم جماعة.
«ولقائل أن يقول: إن الوهم ليس من ابن عيينة؛ بل من راويه أبي موسى محمد بن المثنى؛ فهو ذكر هذه الجملة في روايته عن ابن عيينة. وأما الحميدي فلم يذكرها؛ فالقول قول الحميدي»! !
فهذا ليس بشيء أيضًا؛ لأنه ظن أنه تفرد به محمد بن المثنى؛ وإنما جاءه ذلك من عدم تتبع الروايات والمتابعات.
ثم إن ابن عيينة لم يتفرد به؛ بل تابعه الأوزاعي بلفظ:
«إذا أقبلت الحيضة؛ فدعي الصلاة»، وسيأتي في الكتاب (رقم ٢٨٣)؛ وادعى المصنف هناك أنه وهم فيه الأوزاعي أيضًا!
وليس كذلك؛ فقد تابعه حفص بن غيلان عن الزهري.
وتابع الزهريَّ: أبو بكر بن محمد بن عمرو، بن حزم عن عمرة، كما سنذكره هناك إن شاء الله تعالى.
٢٧٦ – وروت قَمِيرُ بنت عمرو -زوج مسروق-عن عائشة: المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل.
(قلت: هو موقوف معلق. وقد وصله الدارمي وغيره بإسناد صحيح، وقد رواه المصنف وغيره مرفوعًا؛ لكنه خطأ؛ ولذ لك أوردناه في الكتاب الآخر (رقم ٥٢».
إسناده معلق؛ وقد وصله الدارمي (١/ ٢٠٢): أخبرنا جعفر بن عون: ثنا إسماعيل عن عامر عن قَمِيرَ … به موقوفًا بلفظ:
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير قمير، وهي ثقة.
ثم أخرجه هو (١/ ٢٠٣)، والطحاوي (١/ ٦٣)، والبيهقي (١/ ٣٢٩ و٣٣٥ و٣٤٥) من طرق أخرى عن عامر -وهو الشعبي- … به نحوه. وسيأتي في الكتاب أيضًا (رقم ٣١٦).
وقد روي من طريق أخرى عن قمير عن عائشة مرفوعًا.
أخرجه المصنف وغيره عن أيوب أبي العلاء عن عبد الله بن شُبْرُمة عنها.
وأيوب هذا؛ فيه ضعف من قبل حفظه، وقد خالفه جماعة فأوقفوه؛ وهو الصواب، ولذلك أوردنا حديثه هذا في الكتاب الآخر فانظره (رقم ٥٢).
٢٧٧ – وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه:
أن النبي ﷺ أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها.
(قلت: هو معلق مرسل؛ وقد وصله وأسنده النسائي وغيره عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن زينب بنت جَحْش قالت: إنها مستحاضة؟ فقال:
«لتجلس أيام أقرائها ثم تغتسل، وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل وتصلي، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل وتصليها جميعًا، وتغتسل للفجر».
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أنه منقطع بين القاسم وزينب،
إسناده معلق؛ وقد وصله الطحاوي (١/ ٦٠)، والبيهقي (١/ ٣٥٣) من طريق سفيان -وهو ابن عيينة- عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه:
أن امرأة استحيضت من المسلمين؛ فسألوا النبي ﷺ … ثم ذكر نحوه [قلت: يعني: نحو حديث الثوري الذي ذكرنا لفظه آنفًا]؛ إلا أنه قال:
«تعد أيامها».
ثم أخرجاه من طريق نُعَيْم بن حَمَّاد فال: ثنا ابن المبارك قال: أنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن زينب بنت جحش قالت:
سألت النبي ﷺ أنها مستحاضة؟ فقال … الحديث؛ وزاد البيهقي بلفظ:
سألت رسول الله ﷺ لحمنة فقلت: إنها مستحاضة …
ولعلها سقطت من الطابع أو الناسخ للطحاوي؛ فإن سياقه يدل لذلك كما ترى.
لكن نعيم بن حماد ضعيف.
وأخرجه النسائي (١/ ٦٥): أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن سفيان … به؛ ولفظه قد سقناه في الأعلى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لولا أنه منقطع بين القاسم بن محمد وزينب؛ غير أنه قد جاء موصولًا بذكر عائشة بينهما.
إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت … فذكر مثله.
(قلت: قد وصله المصنف بعد سبعة أبواب؛ فانظره بالرقم الموضوع له هنا؛ إشارةً إلى أنه مكرر).
٣١٢ – وروى شَرِيك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ:
«المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي».
(قلت: يأتي موصولًا بعد أربعة أبواب بهذا الرقم).
٢٧٨ – وروى سعيد بن جبير عن علي وابن عباس:
المستحاضة تجلس أيام أقرائها.
(قلت: وصله الطحاوي من طريق قتادة عن أبي حسان -واسمه مسلم بن عبد الله- عن سعيد بن جبير:
أن امرأة أتت ابن عباس رضي الله عنه بكتاب بعدما ذهب بصره، فدفعه إلى ابنه فَتَرْتَرَ فيه، فدفعه إليَّ فقرأته، فقال لابنه: ألا هَذْرَمْتَهُ كما هَذْرَمَهُ الغلام المصري؟ ! فإذا فيه:
(بسم الله الرحمن الرحيم: من امرأة من المسلمين: أنها استحيضت فاستفتَت عليًّا؟ فأمرها أن تغتسل وتصلي).
قال قتادة: وأخبرني عَزْرَةُ عن سعيد أنه قيل له: إن الكوفة أرض باردة، وإنها يشق عليها الغسل لكل صلاة؟ ققال:
لو شاء الله لابتلاها بما هو أشد منه.
وإسناده صحيح).
إسناده معلق، وقد وصله الطحاوي (١/ ٦٠) قال: حدثنا سليمان بن شعيب قال: ثنا الخَصِيبُ بن ناصح قال: همام عن قتادة.
وهذا إسناد صحيح.
ثم أخرجه (١/ ٦١) من طريق إسماعيل بن رجاء عن سعيد بن جبير … به نحوه.
وإسناده صحيح أيضًا.
وذكره ابن حزم (٢/ ٢١٣) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير … نحوه. وسيأتي لفظ إسماعيل (رقم ٣٠٥).
٢٧٩ – وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم وطَلْقُ بن حبيب عن ابن عباس.
(قلت: وصله من طريق الأول: الدارمي بلفظ:
المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتستثفر، ثم تصلي. فقال الرجل: وإن كانت تَسِيلُ؟ فال: وإن كانت تسيل مثل هذا المِثْعَب.
ووصله البيهقي من طريق طلق بن حبيب قال:
كتبت امرأة إلى ابن عباس في الدم منذ سنتين، فكتبت إليه تعظِّم عليه إن كان عنده علم؛ إلاّ أنبأها به؟ فقال:
تجلس وقت أقرائها، ثم تغتسل وتصلي. فما أتى عليها شهران حتى طهرت).
إسناده معلق؛ وقد وصله الدارمي من طريق عمار؛ فقال (١/ ٢٠١): أخبرنا أسود بن عامر: ثنا شعبة عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس في المستحاضة … إلخ.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٣٥) من طريق طلق؛ وإسناده هكذا: أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشْران العَدْل -ببغداد-: أبنَا إسماعيل بن محمد الصفار: ثنا محمد بن عبد الملك: ثنا يزيد بن هارون: ثنا سليمان -يعني: التيمي- عن طلق -يعني: ابن حبيب- قال … فذكره.
وهذا إسناد صحيح؛ علي بن محمد بن عبد الله بن بشران من شيوخ الخطيب البغدادي؛ وقد ترجمه في «تاريخه» (١٢/ ٩٨ – ٩٩)، وقال:
«وكان ثقة ثبتًا».
وإسماعيل الصفار؛ قال الدارقطني:
«ثقة».
٢٨٠ – وكذلك رواه مَعْقِلٌ الخَثْعَمِيُّ عن علي.
(قلت: لم أقف عليه موصولًا! ومعقل الخثعمي مجهول؛ لكنه قد توبع كما سبق.
ثم رأيت المصنف قد وصله فيما يأتي؛ فانظره (رقم ٥٥) من الكتاب الآخر).
٢٧٦ – وكذلك روى الشَّعبي عن قَمِيرَ امرأة مسروق عن عائشة.
(قلت: قد سبق بهذا الرقم).
قال أبو داود: «وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم: أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها».
(قلت: أخرج جُلَّ هذه الآثار الدارميُّ (١/ ٢٠١ و٢٠٢ و٢٠٤ و٢٠٥) بأسانيده إليهم).
٢٨١ – عن زهير: نا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت:
إن فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ جاءت رسول الله ﷺ، فقالت: إني امرأة أُستحاض فلا أطهر؛ أفأدع الصلاة؟ قال:
«إنما ذلك عِرْقٌ وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة؛ فدعي الصلاة، فإذا أدبرت؛ فاغسلي عنك الدم ثم صلِّي».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن محمد النفيلي قالا: ثنا زهير … به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٣٤٠) قال: حدثنا أحمد بن يونس عن زهير … به مختصرًا. قال الحافظ:
«وقد أخرجه أبو نعيم في»المستخرج«من طريقه تامًّا».
وهكذا بتمامه: أخرجه البخاري أيضًا (١/ ٢٦٤ و٣٣٤ و٣٣٨)، ومسلم (١/ ١٨٠)، وأبو عوانة (١/ ٣١٩)، والنسائي (١/ ٤٣ و٤٥ و٦٥)، والترمذي (١/ ٢١٧ – ٢١٩)، والدارمي (١/ ١٩٨)، وابن ماجة (١/ ٢١٤)، والطحاوي (١/ ٦١ – ٦٢)، والدارقطني (ص ٧٦)، والبيهقي (١/ ١١٦ و٣٢٣ و٣٣٠ و٣٤٣)، وأحمد (٦/ ١٩٤) من طرق كثيرة عن هشام بن عروة … به.
وزاد البخاري في آخره، وكذا الترمذي والدارقطني: قال هشام: قال أبي:
«… ثم توضّئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
وهي عندهم من طريق أبي معاوية.
وهي أيضًا عند الطحاوي من طريق أبي حنيفة.
وعند ابن حبان في «صحيحه» -كما في «نصب الراية» (١/ ٢٠٣) – من طريق أبي حمزة.
«حتى يجيء ذلك الوقت».
وهي أيضًا عند النسائي والبيهقي من حديث حماد بن زيد؛ وهو عند مسلم؛ ولكنه لم يسق لفظه.
وعند الدارمي والطحاوي من حديث حماد بن سلمة؛ كلاهما عن هشام … به مختصرًا بلفظ:
«وتوضّئي».
وقد أعل النسائي -ثم البيهقي- هذه الزيادة بتفرد حماد بن زيد بها!
ويردُّ ذلك ما سبق من المتابعات، فلا نطيل الكلام بالرد عليهما! وقد كفانا مؤنة ذلك ابن التركماني في «الرد على البيهقي»، ثم الحافظ ابن حجر وغيرهما.
ولهذه الزيادة شواهد؛ فانظر ما سيأتي (رقم ٣١٢ و٣١٣).
٢٨٢ – عن مالك عن هشام … بإسناد زهير ومعناه؛ قال:
«فإذا أقبلت الحيضة؛ فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قَدْرُها؛ فاغسلي الدم عنك وصلِّي».
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجه البخاري وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وهو في «الموطأ» (١/ ٧٩ – ٨٠».
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٧٩ – ٨٠).
وأخرجه البخاري (١/ ٣٢٤)، وأبو عوانة (١/ ٣١٣)، والنسائي (١/ ٤٥ و٦٦)، والطحاوي (١/ ٦٢) كلهم عن مالك … به.
وأخرجه هؤلاء وغيرهم من طرق أخرى عن هشام بن عروة، وقد سبق تخريجه في الذي قبله.
ورواه البيهقي أيضًا عن مالك (١/ ٣٢١ و٣٢٩)، وكذا الدارقطني (٧٥).
١٠٩ – باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة
٢٨٣ – عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة بنت جحش -خَتَنَةَ رسول الله ﷺ، وتحت عبد الرحمن ابن عوف- استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله ﷺ؟ فقال رسول الله ﷺ:
«إن هذه ليست بالحيضة؛ ولكن هذا عِرْقٌ؛ فاغتسلي وصلِّي».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه» بإسناد المؤلف، وأخرجه البخاري أيضًا وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وكذا الحاكم وقال: «صحيح على شرطهما»، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا: أنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث.
والحديث أخرجه مسلم (١/ ١٨١) فقال: حدثنا، والنسائي (١/ ٤٤) قال: أخبرنا -ثم اتفقا-: محمد بن سلمة … به.
وأخرجه أبو عوانة (١/ ٣٢١ – ٣٢٢)، والبيهقي (١/ ٣٤٨) من طرق أخرى عن عبد الله بن وهب … به (٢)؛ وكذلك أخرجه الحاكم (١/ ١٧٣)، وقال:
«صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٣٨)، والطحاوي (١/ ٥٩)، والطيالسي (رقم ١٤٣٩ و١٥٨٣)، وأحمد (١٦/ ٤١) من حديث ابن أبي ذئب عن ابن شهاب … به.
وأخرجه أبو عوانة أيضًا (١/ ٣٢١).
ثم أخرجه هو ومسلم، والطحاوي (١/ ٦٠)، والبيهقي وأحمد (٦/ ١٨٧)، والدارمي أيضًا (١/ ٢٠٠) -من طريق إبراهيم بن سعد-، والنسائي (١/ ٦٥)، والطحاوي -عن سفيان- كلاهما عن الزهري عن عمرة وحدها.
وأخرجه النسائي، والترمذي (١/ ٢٢٩) -من طريق الليث-، والنسائي (١/ ٦٥) -من طريق الأوزاعي-، وأحمد (٦/ ٢٣٧) -عن محمد بن إسحاق-؛ ثلاثتهم عن الزهري عن عروة وحده.
(٢) وفي آخره عندهم زيادة من قول عائشة؛ سيذكره المصنف مرة أخرى معها رقم (٢٩٤)؛ وهي عند البخاري أيضًا.
»وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة«.
قلت: هو رواية عن الأوزاعي، وقد علقه المصنف أيضًا؛ وهو:
٢٨٤ – قال أبو داود:»زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة:
استحيضت أم حبيبة بنت جحش -وهي تحت عبد الرحمن بن عوف- سبع سنين، فأمرها النبي ﷺ قال:
«إذا أقبلت الحيضة؛ فدعي الصلاة، فإذا أدبرت؛ فاغتسلي وصلِّي».
(قلت: وصله أبو عوانة في «صحيحه» وأحمد في «مسنده» وغيرهما، وهو صحيح على شرط الشيخين، وكذلك قال الحاكم ووافقه الذهبي).
قال أبو داود: «ولم يذكر هذا الكلامَ أحدٌ من أصحاب الزهري غيرَ الأوزاعي، ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة، ولم يذكروا هذا الكلام».
(قلت: يعني: قوله: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة»! وليس الأمر كما قال المصنف رحمه الله؛ فقد تابع الأوزاعيَّ على ذكر هذا الكلام النعمانُ ابن المنذر وأبو معبد حفص بن غيلان كلاهما عن الزهري: أخرجه من طريقهما أبو عوانة في «صحيحه» والنسائي وغيرهما. وتابعهم ابن عيينة كما سبق (رقم ٢٧٥)، وسيشير إليه المؤلف قريبًا”.
(قلت: يعني: في قصة فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ، وقد مضى الحديث (رقم ٢٨١).
وأقول: إن هذا اللفظ ثابت صحيح في قصة أم حبيبة هذه أيضًا؛ بدليل رواية الثقات له عن الزُّهري كما سبق. وتركُ الآخرين له من أصحاب الزُّهري ممن ذكرهم المؤلف لا يُعِلُّهُ؛ لأنهم نفاةٌ وهم مثبتون. وأيضًا فقد رواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مثل
«وقوله:»إذا أقبلت الحيضة … وإذا أدبرت … «تفرد به الأوزاعي من بين ثقات أصحاب الزهري. والصحيح أن أم حبيبة كانت معتادة، وأن هذه اللفظة إنما ذكرها هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ. وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي كما رواه غيره من الثقات ..»، ثم ساق إسناده إليه بذلك! وقد تعقبه ابن التركماني بقوله:
«قلت: ذكر أبو عوانة في»صحيحه«حديث بشر هذا [١/ ٣٢٠] على موافقة ما رواه الأوزاعي أولًا؛ بخلاف ما ذكره البيهقي، فأخرج -أعني: أبا عوانة- من جهة عمرو بن أبي سلمة وبشر بن بكر عن الأوزاعي عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة؛ وفيه:»إن هذه ليست بالحيضة؛ ولكن هذا عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي ثم صلي … «الحديث، ثم قال عقبه: ثنا إسحاق الطحان: أنا عبد الله بن يوسف: نا الهيثم بن حميد: ثنا النعمان بن المنذر والأوزاعي وأبو معبد عن الزهري … بنحوه. فظهر من هذا أن النعمان وأبا معبد وافقا الأوزاعي على روايته في الإقبال والإدبار. وقد وثق أبو زرعة النعمانَ. وأمّا أبو معبد حفص بن غيلان؛ فقد وثقه ابن معين ودُحَيْمٌ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان: من ثقات أهل الشام وفقهائهم. وهذا مخالف لقول البيهقي: (قوله:»إذا أقبلت الحيضة … وإذا أدبرت .. «تفرد به الأوزاعي من بين ثقات أصحاب الزهري …)».
ثم قال: «قال أبو داود: وزاد ابن عيينة فيه أيضًا: أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها. وهو وهم من ابن عيينة، وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه».
(قلت: قد مضى حديث ابن عيينة (رقم ٢٧٥)، وهو حديث صحيح، لم يهم فيه ابن عيينة؛ لما ذكرناه آنفًا).
إسناده معلق؛ وقد وصله الإمام أحمد (٦/ ٨٣) قال: ثنا أبو المغيرة قال: ثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري … به.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ووصله أيضًا النسائي (١/ ٤٣)، والبيهقي (١/ ٣٢٧) من طرق أخرى عن الأوزاعي … به.
ووصله الدارمي (١/ ١٩٦)، وابن ماجة (١/ ٢١٥)، والحاكم (١/ ١٧٣)، بإسناد أحمد.
وقد زعم المؤلف رحمه الله أن الأوزاعي تفرد بقوله في هذا الحديث:
«إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة»! !
وليس كذلك؛ فقد تابعه النعمان بن المنذر وأبو معبد حفص بن غيلان:
أخرج حديثهما: أبو عوانة (١/ ٣٢١)، والنسائي (١/ ٤٣)، والطحاوي
وهذه متابعات قوية: النعمان بن المنذر وحفص بن غيلان ثقتان.
وكذا الراوي عنهما الهيثم بن حميد؛ ولم يتفرد به عن الأوزاعي، كما يأتي بعد قليل.
وتابعهم ابن عيينة -كما سبق-؛ وسيشير إليه المصنف قريبًا.
وقد تابع الزهريَّ على هذه الجملة في هذا الحديث: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة … به.
أخرجه أبو عوانة (١/ ٣٢٣)، والنسائي (١/ ٤٤ و٦٥)، والطحاوي، وأحمد (٦/ ١٢٨ – ١٢٩) من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
٢٨٥ – عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ قالت:
إنها كانت تستحاض، فقال لها النبي ﷺ:
«إذا كان دم الحيض؛ فإنه دَمٌ أسودُ يُعْرِفُ، فإذا كان ذلك؛ فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضَّئي وصلِّي؛ فإنما هو عِرْقٌ».
٢٨٦ – وفي رواية عن عروة عن عائشة قالت:
إن فاطمة كانت تستحاض، فذكر معناه.
(قلت: إسناده حسن، ورواية ابن أبي عدي له على الوجهين لا يُعِلُّهُ؛ بل
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: نا محمد بن أبي عدي عن محمد -يعني: ابن عمرو- قال: ثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ.
قال أبو داود:
«قال ابن المثنى: ثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم ثنا به بَعْدُ حفظًا قال: ثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: إن فاطمة كانت تستحاض … فذكر معناه».
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن عمرو، وهو حسن الحديث كما تقدم مرارًا، وأخرج له البخاري مقرونًا، ومسلم متابعة.
ورواية محمد بن أبي عدي له مرة من كتابه عن عروة عن فاطمة، وأخرى من حفظه عن عروة عن عائشة … لا يعله؛ لأنه -أعني: ابن أبي عدي هذا- ثقة جليل، كما قال الذهبي في «الميزان»، وقد احتج به الشيخان.
فروايته على الوجهين محمول على ثبوتهما عنده.
وقد تابعه المنذر بن المغيرة؛ فرواه عن عروة أن فاطمة بنت أبا حُبَيْشٍ حدثته … به نحوه. وقد مضى (رقم ٢٧٢)، فصرح في روايته بسماع عروة من فاطمة.
من أجل ذلك؛ صحح الحديث غيرُ ما واحد من العلماء المحققين، كما يأتي ذكره قريبًا إن شاء الله تعالى.
«فيه شيء»!
وكذلك ضعفه أبو حاتم؛ فقال ابنه في «العلل» (١/ ٤٩ / رقم ١١٧):
«سألت أبي عن حديث رواه محمد بن أبي عدي عن محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن الزهري عن عروة عن فاطمة أن النبي ﷺ قال لها:»إذا رأيت الدم الأسود؛ فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الأحمر فتوضئي«؟ فقال أبي: لم يتابَعْ محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر»!
قلت: محمد بن عمرو ثقة؛ وفيه ضعف يسير في حفظه؛ وإنما ينظر فيه إذا خالف؛ وروايته هذه ليست بالمخالفة لرواية الأوزاعي ومن معه عن الزهري من حيث المعنى؛ بل هما موافقة ومبينة لها.
ثم إنه قد عُرِفَ أن الحديث المنكر إنما هو الحديث يتفرد به الراوي الضعيف دون سائر الثقات؛ وليس محمد بن عمرو ضعيفًا، فلا يكون حديثه منكرًا فتأمل!
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٢٥) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (١/ ٤٥ و٦٦) بإسناد المصنف هذا على الوجهين.
وأخرج الطحاوي في «مشكل الآثار» (٣/ ٣٠٦) من طريقه الوجه الثاني منهما.
ومن طريق صالح بن أبان البصري عن محمد بن المثنى؛ الوجه الأول.
وأخرجهما الدارقطني (ص ٧٦) من طرق أخرى عن محمد بن المثنى.
وأخرج الوجه الأولى البيهقي، وابن حزم (٢/ ١٦٣ – ١٦٤) من طريق أحمد بن حنبل: ثنا محمد بن أبي عدي … به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم».
كذا قال! ووافقه الذهبي! وصححه ابن حبان أيضًا (١٣٤٥)، وابن حزم في «المحلى» (٢/ ١٩٩)، والنووي في «المجموع» (٢/ ٤٠٣).
وأعله الطحاوي وغيره؛ فقالوا: إن ابن أبي عدي اضطرب فيه؛ فرواه مرة عن عائشة، ومرة عن فاطمة كما سبق! قال ابن حزم (٢/ ١٦٨):
«هذا كله قوة للخبر، وليس هذا اضطرابًا؛ لأن عروة رواه عن فاطمة وعائشة معًا، وأدركهما معًا؛ فعائشة خالته أخت أمه، وفاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ بن المطلب ابن أسد: ابنة عمه، وهو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد. ومحمد بن أبي عدي الثقة الحافظ المأمون. ولا يعترض بهذا إلا المعتزلة الذين لا يقولون بخبر الواحد؛ تعللًا على إبطال السنن».
وقد أجاب بنحو هذا ابن القيم رحمه الله في «التهذيب»؛ ونقلنا كلامه في ذلك مختصرًا عند حديث المنذر بن المغيرة، الذي سبقت الإشارة إليه آنفًا.
وللحديث شاهد: أخرجه الدارقطني (ص ٨٠ – ٨١)، والبيهقي (١/ ٣٢٦) من طريق عبد الملك: سمعت العلاء قال: سمعت مكحولًا يحدث عن أبي أمامة مرفوعًا بلفظ:
«ودم الحيض لا يكون إلا دمًا أسود عبيطًا، تعلوه حمرة، ودم المستحاضة رقيق تعلوه صفرة …» الحديث. وقال الدارقطني:
ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئًا».
وله شاهد آخر من حديث ابن عباس: أخرجه الطبراني في «الكبير»؛ وضعفه الهيثمي في «المجمع» (١/ ٢٨٠).
٢٨٧ – قال أبو داود: «وروى أنس بن سيرين عن ابن عباس: في المستحاضة قال:
إذا رأت الدم البَحْرَانيَّ؛ فلا تصلِّي، وإذا رأت الطهر -ولو ساعة-؛ فلتغتسل وتصلِّي».
(قلت: وصله الدارمي بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن حزم: «إنه أصح إسناد يكون»).
وصله الدارمي (١/ ٢٠٣) قال: أخبرنا محمد بن عيسى: ثنا ابن عُلَيَّةَ؛ أنا خالد عن أنس بن سيرين قال:
استحيضت امرأة من آل أنس؛ فأمروني فسألت ابن عباس؟ فقال: أما ما رأت الدم البحراني …. إلخ.
وهذا سند صحيح.
وقد ذكره ابن حزم (٢/ ١٦٦) من طريق أحمد بن حنبل: ثنا إسماعيل ابن علية … به. ثم قال (٢/ ١٩٨):
«إنه أصح إسناد يكون». وقال البيهقي (١/ ٣٤٠) -بعد أن ذكره من طريق المؤلف معلقًا-:
ثم أخرجه -أعني- الدارمي من طريق يزيد بن زريع: ثنا خالد … به نحوه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
٢٨٨ – قال أبو داود: «وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب: في المستحاضة:
إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلَّت».
(قلت: وصله الدارمي والبيهقي من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا يحيى … به. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد وصله المصنف من طريق آخر يأتي (رقم ٣١٩».
وصله الدارمي (١/ ٢٠١) قال: أخبرنا يزيد بن هارون … به.
ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي (١/ ٢٣٠).
وهو على شرط مسلم.
٢٨٩ – وروى سُمَيٌّ وغيره عن سعيد بن المسيب: تجلس أيام أقرائها.
(قلت: وصله الدارمي بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن سمي قال: سألت سعيد بن المسيب عن المستحاضة؟ فقال: تجلس أيام أقرائها وتغتسل من الظهر إلى الظهر، وتستذفر بثوب، ويأتيها زوجها وتصوم. فقلت: عمن هذا؟ فأخذ الحصا).
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وانظر رقم (٣١٩).
٢٩٠ – وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب.
(قلت: لم أره موصولًا من هذا الوجه بهذا اللفظ).
لم أره موصولًا من هذا الوجه بهذا اللفط! وإنما أخرجه الدارمي (١/ ٢٠٥) بلفظ آخر فقال: أخبرنا أبو المغيرة: ثنا الأوزاعي: ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب قال:
تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت.
وكان الحسن يقول ذلك.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
٢٩١ – قال أبو داود: «وروى يونس عن الحسن:
الحائض إذا مَدَّ بها الدم؛ تمسك بعد حيضتها يومًا أو يومين؛ فهي مستحاضة».
(قلت: وصله الدارمي. وإسناده صحيح على شرط مسلم).
وصله الدارمي (١/ ٢١٠) قال: أخبرنا حجاج: ثنا حماد عن يونس … به.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصلِّ.
قال التيمي: فجعلت أنقص حتى بلغت يومين. فقال:
إذا كان يومين فهو من حيضها.
وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك.
(قلت: وصله الدارمي بإسناد صحيح نحوه).
وصله الدارمي (١/ ٢٠٢) قال: أخبرنا محمد بن عيسى: ثنا معتمر عن أبيه: … به نحوه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
٢٩٣ – عن حَمْنَةَ بنت جحش قالت:
كنت أُستحاض حيضةً كثيرةً شديدةً، فأتيت رسول الله ﷺ أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة؛ فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم! فقال:
«أنعتُ لك الكُرْسُفَ؛ فإنه يُذْهِبُ الدَّمَ».
قالت: هو أكثر من ذلك! قال:
«فاتخذي ثوبًا».
«سآمرك بأمرين؛ أيُّهما فعلت أجزأ عنك من الآخر؛ فإن قَوِيتِ عليهما فأنت أعلم». فقال لها:
«إنما هذه رَكْضَةٌ من رَكَضَاتِ الشيطان، فتحيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى ذِكْرُهُ، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طَهُرْتِ واستنقأت؛ فصلِّي ثلاثًا وعشرين ليلة أو أربعًا وعشرين ليلة وأيامَها، وصومي؛ فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كُلَّ شهر؛ كما يحضن النساء وكما يطهرن، مِيقاتَ حيضهن وطهرن، فإن قويت على أن تؤخِّري الظهر وتعجِّلي العصر، وتغتسلي وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر، وتؤخِّرين المغرب وتعجِّلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك». قال رسول الله ﷺ:
«وهذا أعجب الأمرين إليَّ».
(قلت: إسناده حسن. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». قال: «وسألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن صحيح. وهكذا قال أحمد». وقال ابن العربي والنووي: «حديث صحيح»، وقوّاه ابن القيم).
إسناده: حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا: نا عبد الملك بن عمرو: نا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٤٣٩): ثنا عبد اللك بن عمرو … به.
وأخرجه الترمذي (١/ ٢٢١ – ٢٢٥)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣/ ٢٩٩)، والدارقطني (ص ٢٩)، والحاكم (١/ ١٧٢)، وعنه البيهقي (١/ ٣٣٨) كلهم من طرق عن عبد الملك بن عمرو أبي عامر العقدي … به.
وقد تابعه شريك بن عبد الله عن ابن عقيل.
أخرجه أحمد (٦/ ٣٨١ و٤٣٩ – ٤٤٠)، وابن ماجة (١/ ٢١٦)، والطحاوي (٣/ ٣٠٠)، والدارقطني.
وتابعه أيضًا عبيد الله بن عمروٍ الرقي: عند الدارقطني والحاكم، وعنه البيهقي أيضًا.
وإبراهيم بن أبي يحيى: عند الدارقطني.
وابن جريج: عند ابن ماجة (١/ ٢١٤ – ٢١٥)؛ وكلهم قالوا: عن ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمران بن طلحة؛ إلا ابن جريج فإنه قال: عمر بن طلحة!
وهو وهم منه أو ممن دلَّسه؛ فقد رواه عن ابن عقيل بالعنعنة، وقد قيل: إن بينهما النعمان بن راشد، كما في «المحلى» (٢/ ١٩٤)؛ عن الإمام أحمد، قال:
«والنعمان يعرف فيه الضعف». ولذلك قال الترمذي:
«والصحيح: عمران بن طلحة».
«فعمر بن طلحة غير مخلوق، لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر»!
وأعله أيضًا بأن الذين رووه عن ابن عقيل؛ كلهم ضعيف؛ حاشا عبيد الله بن عمرو الرقي؛ فإن الذي رواه عنه ضعيف؛ وهو الحارث بن أبي أسامة! !
وهذا نقد خاطئ؛ فإن هؤلاء الذين رووه عن ابن عقيل؛ أكثرهم ثقات غير متهمين؛ وإنما ضُعِّفوا من قبل حفظهم، فمثل هولاء إذا اجتمعوا على رواية حديث؛ دلَّ ذلك على صحته؛ لأنه يبعد جدًّا أن يكون كل منهم أخطأه حفظه موافقًا زميله في ذلك؛ لا سيما وإن فيهم زهير بن محمد؛ وقد احتج به الشيخان، وصرح البخاري أنه صحيح الحديث فيما رواه أهل البصرة عنه.
وهذا الحديث من هذا القبيل؛ فإنه من رواية عبد الملك بن عمرو أبي عامر العقدي، وهو بصري؛ فيكون -على قول البخاري- صحيحًا كما قال ابن القيم في «التهذيب»، وقد صرح بصحة الحديث في رواية الترمذي عنه كما ذكرت آنفًا (ص ٥١٠). فتضعيف رواية زهير مطلقًا؛ خطأ واضح لا يجوز أن يُغْتَرُّ به!
وقد أطال ابن القيم رحمه الله في الرد على ابن حزم وغيره ممن ضعفوا الحديث، وأجاب عن كل ما أعلوه به؛ فراجعه (١/ ١٨٣ – ١٨٧).
وممن صحح الحديث من المتأخرين: النووي رحمه الله؛ فقال في «المجموع» (٢/ ٣٧٧ و٣٩٧):
«حديث صحيح».
وكذا قال ابن العربي -كما في «نيل الأوطار» (١/ ٢٣٨) -، ثم نقل النووي كلامَ الترمذي المذكور (ص ٥١٠)، ثم قال:
قلت: هذا الذي قاله هذا القائل؛ لا يقبل؛ فإن أئمة الحديث صححوه كما سبق! وهذا الراوي وإن كان مختلفًا في توثيقه وجرحه؛ فقد صحح الحفاظ حديثه هذا؛ وهم أهل هذا الفن، وقد علم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح والحسن: أنه إذا كان في الراوي بعض الضعف انجُبر حديثه بشواهد له أو متابعة؛ وهذا من ذلك».
قلت: كأنه يشير إلى ما سيأتي (رقم ٣٠٦ و٣٠٧ و٣٠٨)؛ فإن فيها الغُسْل للثلاث صلوات جميعًا.
وقد ذهل عن هذا كلِّه النوويُّ؛ فأنكر -فيما بعدُ (٢/ ٥٣٦) – ثبوت شيء من الأحاديث في الأمر بالغُسْلِ لكل صلاة؛ مع أنه ثابت فيما صححه هو! !
ومما ينبغي التنبيه عليه: أنَّ جميع من روى الحديث عن ابن عقيل؛ رواه مرفوعًا كله؛ إلا عمرو بن ثابت؛ فإنه أوقف الجملة الأخيرة منه:
«وهذا أعجب الأمرين إليَّ»! رواه المصنف معلقًا!
ولما كان (عمرو) هذا ضعيفًا؛ فقد أوردنا حديثه في الكتاب الآخر (رقم ٤٩)، ولبعضه شاهد من حديث فاطمة بنت أبي حبيش عند أحمد (٦/ ٤٦٤)، وفيه جملة الركضة.
١١٠ – من باب ما روي أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة
٢٩٤ – عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت:
«إن هذه ليست بالحيضة؛ ولكن هذا عِرْقٌ فاغتسلي وصَلِّي».
قالت عائشة: فكانت تغتسل في مِرْكَنٍ في حجرة أختها زينب بنت جحش؛ حتى تعلو حمرة الدم الماء”.
(قلت: قد سبق هذا (رقم ٢٨٣)؛ دون قوله: قالت عائشة … إلخ.
والإسناد واحد، وهو صحيح على شرط مسلم!).
إسناده: حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المرادي قالا: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن.
قلت: قد مضى هذا الإسناد بهذا الحديث مع الكلام عليه وتخريجه؛ فراجعه (٢٨٣).
٢٩٥ – وفي رواية عن عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة … بهذا الحديث؛ قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: الحديث صحيح؛ لكن الصواب فيه أنه من (مسند عائشة) كما في الرواية التي قبلها وكما يأتي بعدها).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا عنبسة: نا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن.
فرواه عنه عنبسة -وهو ابن خالد- هكذا؛ جعله من (مسند أم حبيبة) برواية عمرة عنها، وأسقط من بينهما عائشة.
وقد تابعه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، كما يأتي في الكتاب (رقم ٢٩٧).
وخالفه القاسم بن مبرور -كما علقه الصنف بعد هذه الرواية- فقال: عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة … فأدخل بينهما عائشة.
وهذا هو الصواب: أنه من رواية عمرة عن عائشة، لكن هو من (مسندها) لا من (مسند أم حبيبة)؛ كذلك رواه الثقات الحفاظ من أصحاب الزهري؛ منهم عمرو بن الحارث وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد وسفيان والأوزاعي؛ كلهم قالوا: عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن أم حبيبة … وقد سبق تخريج أحاديثهم عند الحديث (رقم ٢٨٣).
٢٩٦ – قال أبو داود: «قال القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة بنت جحش».
(قلت: لم أجد من وصله! والصواب فيه أنه عن عائشة أن أم حبيبة … كما سبق).
٢٩٧ – وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة. وربما قال معمر: عن عمرة عن أم حبيبة … بمعناه.
٢٩٨ – «وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة … وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي ﷺ أمرها أن تغتسل».
(قلت: وصله عن إبراهيم بن سعد: مسلم وغيره. وأما رواية ابن عيينة؛ فقد وصلها أبو عوانة وغيره كما ذكرنا عند رواية ابن عيينة؛ وقد علقها المصنف فيما مضى (رقم ٢٧٥)، لكن ليس عندهم هذه الزيادة التي ذكرها المصنف هنا: «ولم يقل: إن النبي ﷺ أمرها أن تغتسل». وكأنه: يعني عند كل صلاة؛ وإلا فإن مطلق الغسل قد قاله ابن عيينة عن الزهري؛ لكن قد ثبت أمر المستحاضة بالغسل عند كل صلاة، فانظر الأحاديث الآتية: (رقم ٣٠١ – ٣٠٣). كما ثبت الغسل لكل صلاتين كما يأتي (رقم ٣٠٦ و٣٠٨».
قد سبق أن علق المصنف رواية ابن عيينة (رقم ٢٧٥)؛ وقد ذكرنا من وصله هناك.
وأما رواية ابراهيم بن سعد؛ فقد خرجتها عند الكلام على الحديث المتقدم (رقم ٢٨٣)، لكن ليس عند الذين خرجوه قول ابن عيينة: «ولم يقل …» إلخ؛ بل عند أبي عوانة ما نصه:
فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، تقول: ثم يأمرها أن تغتسل لكل صلاة.
وفي معناه قول الليث بن سعد -عقب روايته للحديث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن معًا:
قال ابن شهاب: لم يأمرها النبي ﷺ أن تغتسل عند كل صلاة؛ إنما فعلته هي.
أخرجه مسلم والترمذي والطحاوي، وأحمد (٦/ ٨٢).
وقد أخرج الطحاوي -إثر هذه الرواية- رواية إبراهيم بن سعد سمع ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها … مثله، ولم يذكر قول الليث.
ثم ساقه من طريق سفيان، فقال فيه: عن عائشة … مثله.
فهذا يدل على أن حديث سفيان ليس فيه ما ذكره المصنف رحمه الله فلعل؛ ذلك وقع في رواية له! !
٢٩٩ – عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فأمرها رسول الله ﷺ أن تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: إسناده صحيح. وقد أخرجه البخاري في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا محمد بن إسحاق المُسَيِّبِيُّ: ثني أبي عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجالهم كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسحاق المُسَيِّبِيُّ، وهو ابن محمد بن عبد الرحمن؛ قال الذهبي:
«صالح الحديث». وقال الحافظ:
«صدوق؛ فيه لين».
قلت: وقد تابعه مَعْنٌ عند البخاري. وغيرُه عند غيرِه؛ وقد ذكرنا مَنْ خَرَّجَهُ عن ابن أبي ذئب قريبًا، وعند الحديث (رقم ٢٨٣).
٣٠٠ – وكذلك رواه الأوزاعي أيضًا … قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: وصله أبو عوانة وغيره؛ وقد سبق معلقًا أيضًا (رقم ٢٨٤».
٣٠١ – عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله ﷺ؛ فأمرها بالغُسْلِ لكل صلاة … وساق الحديث.
(قلت: وتمامه: فإن كانت لَتَدْخُلُ المِرْكنَ مملوءًا ماءً؛ فتغتمس فيه ثم تخرج منه؛ وإن الدم لَغَالِبُهُ، فتخرج فتصلي. وهو حديث صحيح).
إسناده: حدثنا هَنَّاد بن السَّرِيِّ عن عَبْدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه أخرج لابن إسحاق مقرونًا؛ ثم هو مدلس، وقد عنعنه.
وعبدة: هو ابن سليمان الكِلَابي أبو محمد الكوفي.
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ٢٠٠)، والطحاوي (١/ ٥٩)، وأحمد (٦/ ٢٣٧) من طرق عن ابن إسحاق … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٥٠) من طريق المؤلف، وابن حزم (٢/ ٢١٢) من طريقه أيضًا ومن طريق أحمد بسند آخر له عن ابن إسحاق.
وقد تابعه سليمان بن كثير؛ وهو:
٣٠٢ – قال أبو داود: «ورواه أبو الوليد الطيالسي -ولم أسمعه منه- عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
استحيضت زينب بنت جحش، فقال لها النبي ﷺ:
»اغتسلي لكل صلاة … «وساق الحديث».
(قلت: حديث صحيح، لكن قوله: (زينب بنت جحش) وَهَمٌ من سليمان ابن كثير؛ فإنه ضعيف في روايته عن الزهري خاصة، والصواب: (أم حبيبة بنت جحش)، كما في الرواية التي قبل هذه، وفي غيرها مما سبق. وقد قيل: إن أم حبيبة اسمها (زينب) وقيل: (حبيبة)، قال الدارقطني: «وهو الصواب». والله أعلم).
علَّقه المصنف، ولم أجد من وصله! وقد رواه البيهقي (١/ ٣٥٠) من طريق المؤلف.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنهم تكلموا في سليمان بن كثير في روايته عن الزهري خاصة، فقال النسائي:
وقال الذهلي نحو ذلك قبله. وقال ابن حبان:
«كان يخطيء كثيرًا، فأما روايته عن الزهري؛ فقد اختلطت عليه صحيفته، فلا يحتج بشيء ينفرد به عن الثقات». وقال الحافظ في «التقريب»:
«لا بأس به في غير الزهري».
قلت: ومما وهم فيه على الزهري قوله: (زينب بنت جحش)؛ فإنه لم يتابعه على قوله هذا أحد من أصحاب الزهري؛ اللهم إلا ابن أبا ذئب في رواية الطيالسي عنه (رقم ١٤٣٩ و١٥٨٣).
وخالفه معن -وهو ابن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم-، وحسين المَرْوُرُّذي؛ وأسد -وهو ابن موسى- ويزيد -وهو ابن هارون- كلهم قالوا عن ابن أبي ذئب: (أم حبيبة بنت جحش).
وهذا هو الصواب! وأبو داود الطيالسي -مع جلالة قدره وكثرة حفظه-؛ فقد نسب إلى الخطأ!
وهكذا على الصواب رواه سائر أصحاب الزهري: عمرو بن الحارث والأوزاعي وابن عيينة، وقد مضت أحاديثهم في الكتاب (رقم ٢٧٥ و٢٨٣ و٢٨٤)، والليث ابن سعد: عند أحمد (٦/ ٨٢)، وإبراهيم بن سعد، وقد علقها المصنف قريبًا (رقم ٢٩٨).
وقد قال ابن القيم في «التهذيب»:
“وقد رد جماعة من الحفاظ هذا، وقالوا: زينب بنت جحش زوجة النبي
قلت: لكن الروايات عن مالك لم تتفق على هذا؛ ففي بعض الروايات عنه قال: (ابنة جحش؛ لم يُسَمِّها)؛ وقال القاضي عياض:
«وهذا هو الصواب» (١). كما في «تنوير الحوالك»؛ ونقل عن الدارقطني أن الصواب في اسمها: (حبيبة). والله أعلم.
ثم إن الحديث قد أعله البيهقي بالمخالفة، فقال:
«ورواية أبي الوليد أيضًا غير محفوظة؛ فقد رواه مسلم بن إبراهيم عن سليمان ابن كثير، كما رواه سائر الناس عن الزهري …».
قلت: ثم ساق إسناده إليه بذلك مثل الرواية الأولى في الباب (رقم ٢٩٤)، ليس فيه الأمر بالغسل لكل صلاة؛ ثم قال:
«وهذا أولى؛ لموافقته سائر الروايات عن الزهري، ورواية محمد بن إسحاق عن الزهري غلط؛ لمخالفتها سائر الروايات عن الزهري»! وتعقبه ابن التركماني بقوله:
“قلت: المخالفة على وجهين: مخالفة ترك، ومخالفة تعارض وتناقض. فإن
قلت: وخبر ابن الهاد المشار إليه؛ قد سبق تخريجه عند الكلام على الحديث (رقم ٢٨٤)، وهو يرويه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة:
أن أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأنها استحيضت لا تطهر، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ؟ فقال رسول الله ﷺ:
«ليست بحيضة؛ لتنظر قدر قرئها التي كانت تَحَيضُ له، فتترك الصلاة، ثم تنتظر -ما كان- بعد ذلك، وتغتسل لكل صلاة».
وهذا شاهد قوي لرواية ابن إسحاق وسليمان بن كثير؛ فقد ذكرنا هناك أن إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما البيهقي؛ فقد أعله بمجرد الدعوى؛ فقال:
«قال أبو بكر -يعني: الفقيه-: قال بعض مشايخنا: خبر ابن الهاد غير محفوظ»! ! وقد رد عليه ابن التركماني، فقال:
«قلت: إن أراد غير محفوظ عنه؛ فليس كذلك؛ فإن البيهقي أخرجه فيما مَرَّ من طريق ابن أبي حازم عنه. وأخرجه النسائي من طريق بكر بن نصر عنه.
وأخرجه أبو عوانة في»صحيحه«من طريق عبد العزيز الدراوردي عنه. فهؤلاء ثلاثة رووه عنه. وإن أراد أنه غير محفوظ منه؛ فليس كذلك أيضًا؛ لأن ابن الهاد من الثقات المحتج بهم في»الصحيح«…».
٣٠٣ – عن زينب بنت أبي سلمة:
أن امرأة كانت تُهْرَاقُ الدَّمَ -وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف-: أن رسول الله ﷺ أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلِّي.
(قلت: حديث صحيح؛ وإسناده مرسل صحيح. وصححه ابن حزم، وقوَّاه ابن القيم والحافظ).
إسناده: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر: نا عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: حدثتني زينب بنت أبي سلمة … قلت: فذكر الحديث، ثم قال إثره: وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت … قلت: فذكر الحديث المذكور بعده (رقم ٣٠٤).
وإسناد الأول صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكنه شبه المرسل؛ وبذلك أعله ابن القطان، فقال ابن القيم في «التهذيب»:
«وقد أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه مرسل، قال: لأن زينب ربيبةَ النبي ﷺ معدودةٌ في التابعيات، وإن كانت ولدت بأرض الحبشة، فهي تروي عن عائشة وأمها أم سلمة، وحديث:»لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ إلا على زوج«؛ ترويه عن أمها وعن أم حبيبة وعن زينب أزواج النبي ﷺ، وكل ما جاء عنها عن النبي ﷺ -مما لم تذكر بينها وبينه أحدًا- لم تذكر سماعًا منه، مثل حديثها هذا، أو حديثها: أن النبي ﷺ نهى عن الدباء والحَنْتَم، وحديثها في تغيير اسمها». قال ابن القيم:
“وهذا تعليل فاسد؛ فإنها معروفة الرواية عن النبي ﷺ، وعن أمها وأم حبيبة وزينب، وقد أخرج النسائي وابن ماجة هذا الحديث من روايتها عن أم
قلت: والحق أن أحاديث زينب هذه مرسلة كما ذهب إليه ابن القطان؛ فإننا لم تجد لها رواية فيها التصريح بسماعها منه ﷺ، وهي وإن كانت ثبت لها رؤية، فهي -من هذه الحيثية- صحابية في أصح الأقوال، ولكنها من حيث الرواية تابعية؛ لأنها لم تكن قد بلغت سن التمييز حين وفاته عليه السلام، فقد كان عمرها آنئذٍ بين السادسة والسابعة؛ لأن النبي ﷺ كان قد تزوج أمها أم سلمة في السنة الرابعة من الهجرة على الصحيح، كما في «التهذيب»، وكانت زينب حينئذ لا تزال ترضع، كما روى الحاكم (٤/ ١٦ – ١٧)، وأحمد (٦/ ٢٩٥ و٣١٣ – ٣١٤) من طريق عمر بن أبي سلمة عن أم سلمة في قصة وفاة زوجها أبي سلمة، ثم تَزَوَّجِ النبي ﷺ بها؛ قالت:
فكان رسول الله ﷺ يأتيها وهي ترضع زينب، فكانت إذا جاء النبي ﷺ؛ أخذتها فوضعتها في حجرها ترضعها … الحديث. وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي، والحافظ في «التهذيب».
وله طريقان آخران عن أم سلمة: أخرجهما أحمد (٦/ ٣٠٧ و٣٢٠ و٣٢١)، ولفظه في أحدهما:
قالت: فلما وضعتُ زينبَ؛ جاءتي النبي ﷺ فخطبني … (١) الحديث نحوه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين. فقول ابن القيم:
أنها «قد حفظت عن النبي ﷺ»! مع أنه مما لا دليل عليه؛ لا تساعده هذه
ولذلك ذكرها العجلي في «ثقات التابعين». قال الحافظ:
«كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأظن أنها لم تحفظ». قال:
«وذكرها ابن سعد فيمن لم يرو عن النبي ﷺ شيئًا، وروى عن أزواجه».
وأما دخول زينب على النبي ﷺ وهو يغتسل؛ فقد أشار ابن عبد البر في «الاستيعاب» إلى ضعف الرواية بذلك. وقد ذكره الحافظ من طريق عَطَّاف بن خالد عن أمِّه عن زينب.
وأم عطاف هذه؛ لم أعرفها، ولم أجد من ذكرها! والله أعلم.
ثم إن قول ابن القيم: إن «النسائي وابن ماجة أخرجا هذا الحديث من رواية زينب عن أم سلمة»!
فخطأ بيِّن؛ فليس عندهما هذا الحديث البتَّة من رواية زينب عنها؛ بل ولا هو عند غيرهما من هذا الوجه؛ وإنما لأم سلمة حديث آخر في الاستحاضة، وليس فيه الغسل لكل صلاة، وهو الذي أخرجه النسائي وابن ماجة؛ وهو من طريق سليمان بن يسار عنها -وأدخل بعضهم بينهما رجلًا-، وقد مضى في الكتاب أيضًا (رقم ٢٦٥ – ٢٦٩).
وأدخل آخر بينهما مرجانة. أخرجه البيهقي (١/ ٣٥٠).
فالظاهر أن هذه الرواية هي منشأ خطأ ابن القيم رحمه الله ظن أنها من رواية زينب عن أم سلمة، والمعصوم من عصمه الله!
ثم أرى أن زينب أخذت الحديث من صاحبة القصة أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن هشام بن عروة روى عن أبيه عنها:
أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
أخرجه مالك (١/ ٨١)، وإسناده صحيح على شرطهما.
وزينب بنت جحش: هي أم حبيبة؛ أخطأ بعض الرواة في تسميتها، كما سبق بيانه عند الكلام على الحديث السابق، فلا يبعد أن تكون أم حبيبة قد حدثتها بقصتها، وأَمْر الرسول ﷺ إياها بالغسل لكل صلاة.
ويؤيد ذلك:
الأمر الآخر: وهو أن أم حبيبة قد حدثت بالحديث، فرواه عنها جماعة؛ منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن، الذي روى هذا عنها بواسطة زينب هذه كما يأتي.
ثم استدركت فقلت: إن أبا سلمة لم يسمعه منها، كما سنذكره، فالاعتماد على الوجه الأول فقط.
ولذلك قوَّى الحافظ في «الفتح» (١/ ٣٣٩) هذا الحديث، وجعله شاهدًا للرواية التي قبله، واستدرك به على من ضعفها، ثم قال: فيحمل الأمر -يعني: بالغسل لكل صلاة- على الندب؛ جمعًا بين الروايتين: هذه ورواية عكرمة؛ يعني: الآتية
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٥١) من طريق المصنف.
ثم أخرجه هو وابن حزم (٢/ ٢١١) من طرق أخرى عن أبي معمر. ثم قال ابن حزم (٢/ ٢١٣): إنه في غاية الصحة.
ثم أخرجاه من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أم حبيبة … به. وأعله البيهقي بالإرسال -يعني: الانقطاع-. وقد قال أبو حاتم:
«إن أبا سلمة لم يسمع من أم حبيبة». والله أعلم.
وأخرجه الدارمي أيضًا (١/ ٢٢١).
٣٠٤ – عن عائشة قالت:
إن رسول الله ﷺ قال -في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر-: «إنما هي -أو قال: إنما هو- عِرْقٌ -أو قال: عروق-».
(قلت: حديث صحيح).
قال أبو داود: «في حديث ابن عقيل الأمران جميعًا، قال:»إن قويت فاغتسلي لكل صلاة؛ وإلا فاجمعي«؛ كما قال القاسم في حديثه».
(قلت: يعني: حديث القاسم بن عبد الرحمن الآتي في الباب الذي يلي. وحديث ابن عقيل مضى (رقم ٢٩٣)؛ لكن ليس فيه الغسل لكل صلاة، وإنما فيه الجمع).
إسناده: هو مقرون مع إسناد الحديث السابق؛ وهو من رواية عبد الله بن عمرو
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أم بكر؛ قال الذهبي والعسقلاني:
«لا تعرف».
قلت: لكن حديثها هذا صحيح؛ فقد تابعها عليه: عروة عن عائشة، وهو وعمرة عنها أيضًا، وقد تقدم في الكتاب حديثهما (رقم ٢٨٠ – ٢٨٢) بأتم من هذا.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٧١): ثنا عبد الصمد قال: ثني أبي: ثنا حسين … به.
ثم أخرجه هو (٦/ ٢٧٩)، وابن ماجة (١/ ٢٢٣)، والبيهقي (١/ ٣٣٧)، من طرق أخرى عن يحيى بن أبي كثير … به.
وقال صاحب «الزوائد».
«إسناده صحيح، ورجاله ثقات»!
كذا قال! وقد اغتر بتوثيق ابن حبان لأم بكر هذه، وقد عرفت حالها.
٣٠٥ – وقد روي هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس.
(قلت: وصله الطحاوي بإسناد صحيح بلفظ: اغتسلي عند كل صلاتين مرة وصلِّي).
وصله الطحاوي (١/ ٦١): ثنا ابن أبي داود قال: ثنا أبو معمر قال: ثنا عبد الوارث قال: ثنا محمد بن جَحَادة عن إسماعيل بن رجاء عن سعيد بن جبير
جاءته امرأة مستحاضة تسأله؟ فلم يُفْتِها، وقال لها: سَلِي غيري! قال: فأتتِ ابن عمر فساءلته؟ فقال لها: لا تصلي ما رأيتِ الدم. فرجعت إلى ابن عباس فأخبرته؟ فقال: رحمه الله! إن كاد ليكفرك. قال: ثم سألت علي بن أبي طالب؟ فقال: تلك ركزة من الشيطان أو قُرْحة في الرحم! اغتسلي عند كُلِّ صلاتين مرةً وصلي. قال: فلقيتِ ابن عباس بعدُ فسألتْهُ؟ فقال: ما أجدُ لكِ إلا ما قال علي رضي الله عنه.
وهذا إسناد صحيح؛ رجاله رجال مسلم؛ غير ابن أبي داود -واسمه إبراهيم-، وهو ثقة حافظ.
١١١ – من باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غُسْلًا
٣٠٦ – عن عائشة قالت:
استحيضت امرأة على عهد رسول الله ﷺ، فأُمرتْ أن تعجِّل العصر وتؤخر الظهر؛ وتغتسل لهما غُسْلًا، وتؤخر المغرب وتُعجِّل العشاء؛ وتغتسل لهما غُسْلًا، وتغتسل لصلاة الصبح غُسْلًا، فقلت لعبد الرحمن: عن النبي ﷺ؟ فقال: لا أحدثك عن النبي ﷺ بشيء.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقوّاه ابن التركماني. وقوله: فأُمرت … محمول عند المحدِّثين والأصوليين على أن الآمر هو النبي ﷺ، ومما يشهد له ما بعده).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: ثني أبي: نا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ١٤١٩) قال: حدثنا شعبة … به بلفظ:
فأُمِرت. قلت: من أمرها؟ لنبي ﷺ؟ قال: لست أحدثك عن النبي ﷺ شيئًا. قالت: فأمرت … الحديث.
وهكذا أخرجه الدارمي (١/ ١٩٨ – ١٩٩) من طريق هاشم بن القاسم: ثنا شعبة … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٥٢) من طريق الطيالسي.
وأخرجه النسائي (١/ ٦٥)، والطحاوي (١/ ٦٠)، وأحمد (٦/ ١٧٢)، والبيهقي أيضًا من طرق أخرى عن شعبة … به، دون قوله: فقلت لعبد الرحمن … إلخ. وفي رواية للبيهقي:
فأمرها النبي ﷺ …
فصرح بأن الآمر هو النبي ﷺ؛ لكن البيهقي حكم بخطأ هذه الرواية، ثم قال:
قال أبو بكر بن إسحاق: قال بعض مشايخنا: لم يسند هذا الخبر غير محمد ابن إسحاق. وشعبة لم يذكر النبي ﷺ، وأنكر أن يكون الخبر مرفوعًا.
قلت: وتعقبه ابن التركماني بقوله:
“قلت: امتنع عبد الرحمن من إسناد الأمر إلى النبي عليه السلام صريحًا.
ولا شك أنه إذا سمع: فأُمِرَتْ … ليس له أن يقول: فأمرها النبي عليه السلام؛ لأن اللفظ الأول مسند إلى النبي ﷺ بطريق اجتهادي لا بالصريح؛ فليس له أن ينقله بلى ما هو صريح، ولا يلزم من امتناعه من صريح بالنسبة إلى النبي عليه
قلت: ورواية ابن إسحاق؛ قد أخرجها المصنف عقيب هذا الحديث؛ لكن ابن إسحاق عنعنه؛ وهو مدلس، وقد زاد فيه بعض الأحرف مما لم ترد في هذا الحديث؟ ! ولا في حديث ابن عيينة الآتي بعد هذا؛ ومن أجل ذلك أوردناه في الكتاب الآخر (رقم ٥١).
٣٠٧ – قال أبو داود: «ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: إن امرأة استحيضت، فسألت النبي ﷺ؟ فأمرها … بمعناه».
(قلت: وصله الطحاوي والبيهقي، وهو مرسل صحيح الإسناد شاهد لما قبله).
قلت: قد مضى معلقًا أيضًا (رقم ٢٧٧) عن عبد الرحمن، ووصلناه هناك من طريق الطحاوي والبيهقي، وهو مرسل صحيح الإسناد، وهو يقوي رواية شعبة عن عبد الرحمن مسندًا، ويؤيد أن الحديث مرفوع إلى النبي ﷺ.
وكأنه -للدلالة على ذلك- عقبها المصنف رحمه الله بهذا التعليق.
والحديث أسنده الثوري أيضًا؛ لكن خالف شعبة في إسناده فقال: عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن زينب بنت جحش قالت:
سألت رسول الله ﷺ لحمنة، فقلت: إنها مستحاضة … الحديث نحوه.
٣٠٨ – عن أسماء بنت عُمَيْسٍ قالت:
قلت: يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ استحيضت منذ كذا وكذا؛ فلم تُصَلِّ؟ فقال رسول الله ﷺ:
«سبحان الله! إن هذا من الشيطان، لتجلسْ في مِرْكَنٍ؛ فإذا رأت صفرة فوق الماء؛ فلتغتسل للظهر والعصر غسلًا واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلًا واحدًا، وتغتسل للفجر غسلًا واحدًا، وتَوَضَّأُ فيما بين ذلك».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وكذلك قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال ابن حزم: «إنه في غاية الصحة». وقال المنذري: «حديث حسن»).
إسناده: حدثنا وهب بن بقية: أنا خالد عن سهيل -يعني: ابن أبي صالح- عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وكذلك قال الحاكم والذهبي كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٥٣)، وابن حزم (٢/ ٢١٢ – ٢١٣) من طريق المؤلف.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٧٤) من طريق أخرى عن وهب بن بقية … به.
«صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي. وقال ابن حزم:
«إنه في غاية الصحة».
ونقل الصنعاني في «سبل السلام» (١/ ١٤٠)، وصاحب «عون المعبود» عن المنذري أنه قال:
«حديث حسن».
قلت: هذا في النسخة المطبوعة في مِصْرَ مِنْ «مختصر السنن» للمنذري.
والحديث رواه جرير أيضًا عن سُهَيل؛ لكنه خالفه في المتن وشك في إسناده:
أما المتن؛ فإنه قال: فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، ثم تغتسل.
هذا هو الحديث عنده لا غير؛ فليس عنده ما رواه خالد بن عبد الله وعلي بن عاصم، كما أنه ليس عندهما ما عنده. فإذا ضمت الروايتان إلى بعضهما؛ تَمَّ الحديث وكَمَلَ.
وأما الإسناد؛ فإنه قال فيه: عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ أنها أمرت أسماء -أو أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ-: أن تسأل رسول الله ﷺ.
والصواب من ذلك: أسماء حدثتني … إلخ؛ كما تدل عليه رواية خالد وعلي.
وحديث جرير مضى في الكتاب (رقم ٢٧٣).
ولم يصح عن النبي ﷺ أنه أمرها [يعني: الستحاضة] بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع الحيض، وهو قوله ﷺ: «إذا أقبلت الحيضة؛ فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي»؛ وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل. وأما الأحاديث الواردة في «سنن أبي داود» و«البيهقي» وغيرهما: أن النبي ﷺ أمرها بالغسل لكل صلاة؛ فليس فيها شيء ثابت«! !
ومن الغريب: أنه غفل عن حديث ابن عقيل الذي صححه جماعة -ومنهم النووي نفسه-؛ وفيه الغسل أكثر من مرة واحدة، وقد سبق أن نبهنا على هذا عند الحديث المشار إليه فراجعه (رقم ٢٩٣).
والأمر في هذا الحديث ليس للوجوب، بل للاستحباب.
٣٠٩ – قال أبو داود:»يرواه مجاهد عن ابن عباس: لما اشتدَّ عليها الغسل؛ أمرها أن تجمع بين الصلاتين«.
(قلت: وصله الطحاوي من طريق قيس بن سعد عنه قال:
قيل لابن عباس: إن أرضنا أرض باردة؟ قال:
تؤخر الظهر وتعجل العصر؛ وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء؛ وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، وتغتسل للفجر غسلًا».
وإسناده صحيح، وقد وصله الدارمي أيضًا، وإسناده على شرط مسلم، وانظر ما تقدم (رقم ٢٧٨».
وهذا إسناد صحيح.
ثم وجدت الدارمي قد أخرجه فقال (١/ ٢٢١): أخبرنا حجاج بن منهال … به.
فهو صحيح على شرط مسلم.
٣١٠ – قال أبو داود: «ورواه إبراهيم عن ابن عباس».
(قلت: لم أقف عليه).
٣١١ – وهو قول إبراهيم النَّخَعِيِّ وعبد الله بن شداد.
(قلت: وصله عنهما الدارمي بإسنادين صحيحين. والأول على شرط الشيخين، والآخر على شرط البخاري).
وصله عنهما الدارمي، فقال (١/ ٢٠٤٤): أخبرنا محمد بن يوسف: ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم قال:
المستحاضة تجلس أيام أقراثها، ثم تغتسل للظهر والعصر غسلًا واحدًا، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء، وللفجر غسلًا واحدًا، ولا تصوم، ولا يأتيها زوجها، ولا تمس المصحف.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ثم قال الدارمي (١/ ٢٠٥): أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس: ثنا أبو زُبَيْدٍ: ثنا حصين عن عبد الله بن شداد قال:
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وأبو زُبيد: اسمه عَبْثَرُ بن القاسم.
١١٢ – باب من قال: تغتسل من طُهْرٍ إلى طُهْرٍ
٣١٢ – عن عَدِيِّ بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ في المستحاضة:
»تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلِّي، والوضوء عند كل صلاة (زاد في رواية: وتصوم وتصلي)«.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن جعفر بن زياد، وأنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت.
قال أبو داود:»وزاد عثمان: «وتصوم وتصلي»«.
وهذا إسناد ضعيف: شريك سيئ الحفظ. وأبو اليقظان اسمه عثمان بن عُمَيْر، وهو ضعيف.
وثابت -والد عدي- مجهول الحال، كما في»الميزان«، و»التقريب«.
وأما ابن حبان؛ فذكره في»الثقات«على قاعدته.
وأما جد عدي؛ فلم يعرف! وقد ذكر في»التهذيب” خمسة أقوال عن العلماء في اسمه، ولم يستقر الخلاف على شيء يطمئن القلب إليه؛ فلا نطيل الكلام
والحديث أخرجه الترمذي (١/ ٢٢٠)، والدارمي (١/ ٢٠٢)، وابن ماجة (١/ ٢١٥)، والطحاوي (١/ ٦١)، والبيهقي (١/ ٣٤٧) من طرق عن شريك … به. وقال الترمذي:
«تفرد به شريك عن أبي اليقظان». قال:
«وسألت محمدًا عن هذا الحديث؛ فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن جده. جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه. وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: إن اسمه دينار؟ فلم يعبأ به».
وأما نقل مجد الدين ابن تيمية في «المنتقى» (١/ ٢٣٩) عن الترمذي أنه قال: «حسن»!
فخطأ؛ بل كلامه السابق يشير إلى تضعيفه له. وقال ابن سيد الناس في شرحه:
«وسكت الترمذي عن هذا الحديث، فلم يحكم بشيء، وليس من باب الصحيح، ولا ينبغي أن يكون من باب الحسن؛ لضعف راويه عن عدي بن ثابت».
قلت: لكنه من باب الصحيح لغيره؛ لأن له شاهدًا من حديث عائشة رضي الله عنها؛ وهو:
٣١٣ – عن عائشة قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ إلى النبي ﷺ، فذكر خبرها [قلت: انظره (رقم ٢٨١)]؛ قال:
(قلت: حديث صحيح. وقد أخرجه البخاري وابن حبان في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة.
قلت: قد سبق هذا الإسناد بحديث آخر (رقم ١٧٢)، وقد تكلمنا عليه هناك بما فيه كفاية.
وخلاصة ذلك: أن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أن حبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد عنعنه؛ وقد اتفق علماء الحديث على أنه لم يسمع من عروة -وهو ابن الزبير- شيئًا؛ فعلة الحديث الانقطاع ليس إلا.
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ٢١٥)، والطحاوي (١/ ٦١)، والدارقطني (١/ ٧٨)، والبيهقي (١/ ٣٤٤)، وأحمد (٦/ ٤٢ و٢٠٤ و٢٦٢) من طرق عن الأعمش … به، وزادوا:
«وإن قطر الدم على الحصير».
وقد بين ابن ماجة في روايته -من طريق وكيع- والدارقطني -من طريقه ومن طريق عبد الله بن داود- جميعًا عن الأعمش أن عروة: هو ابن الزبير.
وتابعهما محمد بن ربيعة عن الأعمش: عند الدارقطني؛ كلهم قالوا: عنه عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير.
فهذا يدفع (القيل) الذي ذكره المنذري، وهو أن عروة هذا إنما هو المزني؛ وهو مجهول! وقد قيل هذا في الحديث المشار إليه آنفًا؛ والصواب أنه عروة بن الزبير في
ومما يؤيد ذلك في هذا الحديث: ما أخرجه الدارقطني بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال:
جئنا من عند عبد الله بن داود الخُرَيْبِيِّ إلى يحيى بن سعيد القطان. فقال: من أين جئتم؟ قلنا: من عند عبد الله بن داود. فقال: ما حدثكم؟ قلنا: حدثنا عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة … الحديث. فقال يحيي: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا: زعم أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا.
قلت: فهذه الرواية تدل على أن يحيى القطان كان يرى أن عروة في الحديث: هو ابن الزبير؛ ولكنه أعله بالانقطاع، وكذلك ابن حزم أعله في «المحلى» (١/ ٢٥٣) بالانقطاع.
وهو علة هذا الإسناد، كما ذكرنا فيما سلف.
وأما المصنف رحمه الله؛ فقد أعله بعلة أخرى، وهي الوقف، فقال عقب رواية عائشة الآتية -وقد ساقها موقوفًا ومرفوعًا، والمرفوع ليس على شرطنا، فأوردناه في الكتاب الآخر (رقم ٥٢) – قال المصنف:
«قال أبو داود: وحديث عدي بن ثابت، والأعمش عن حبيب، وأيوب أبي العلاء: كلها ضعيفة لا تصح. ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب؛ هذا الحديث؛ أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش، وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعًا، وأوقفه أيضًا أسباط عن الأعمش … موقوف عن عائشة».
قال أبو داود:
“ورواه ابن داود عن الأعمش … مرفوعًا أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء
وهو كما قال المصنف رحمه الله؛ لكننا لا نوافقه على ضعف حديث عائشة المرفوع هذا، ولا على ضعف حديثها الآتي بعده موقوفًا.
أما المرفوع؛ فلأن إعلاله بالوقف غير مسلَّم؛ لأنه قد رواه جماعة من الثقات مرفوعًا عن الأعمش؛ منهم وكيع: عند المصنف وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وأحمد. وقال البيهقي.
»وهكذا رواه علي بن هاشم وقرة بن عيسى ومحمد بن ربيعة وجماعة عن الأعمش. واختلف فيه على عبد الله بن داود الخريبي. ورواه حفص بن غياث وأبو أسامة وأسباط بن محمد عن الأعمش؛ فوقفوه على عائشة واختصروه”.
قلت: ورواية الآخرين المرفوعة؛ أخرجها كلَّها الدارقطنيُّ. ورواية علي بن هاشم عند أحمد أيضًا.
وممَّن رفعه أيضًا عن الأعمش: يحيى بن عيسى: عند الطحاوي، وسعيد بن محمد الوراق: عند الدارقطني.
فهؤلاء ستة -أكثرهم أئمة كبار- زادوا عن الأعمش الرفع؛ فوجب على
ثم استدل المصنف على ضعف الحديث بأن في رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة في حديث المستحاضة!
قلت: يعني: الحديث المتقدم (رقم ٢٩٥)! وهذا ليس بشيء؛ لأن المستحاضة المشار إليها هي أم حبيبة، ولا يلزم من عدم ذكر الوضوء في قصتها أن لا يكون صحيحًا في غيرها، كقصة فاطمة في هذا الحديث؛ فإن ذكر الوضوء فيه ثابت صحيح لم يتفرد بذكره حبيب عن عروة؛ بل قد تابعه ابنه هشام؛ فرواه عن أبيه مثل رواية حبيب هذه.
أخرجه البخاري وغيره، وقد ذكرنا لفظه فيما مضى عند الكلام على حديث هشام هذا؛ المذكور في الكتاب (رقم ٢٨١). وسنذكره بنصه قريبًا (رقم ٣١٨).
وفي هذا رد واضح على المؤلف؛ حيث ضعَّف الحديث؛ وقد صححه من ذكرنا (ص ٩٥).
وأما قوله: «وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعًا»!
فقد وصله الدارقطني (ص ٧٨) من طريق أحمد بن أبي خيثمة: نا عمر بن حفص: ثنا أبي: ثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة: في المستحاضة تصلي وإن قطر الدم على حصيرها.
وقال ابن أبي خيثمة: لم يرفعه حفص. وتابعه أبو أسامة.
قلت: فليس فيه إنكار حفص رفع الحديث؛ وغاية ما فيه أنه رواه موقوفًا؛ وتابعه على ذلك أبو أسامة، وقد خالفهم من سبق ذكرهم؛ فروايتهم هي المقدمة.
فهو من تساهل المصنف أيضًا؛ وسيأتي الجواب عنه عند رواية ابن داود هذه (رقم ٣١٥).
٣١٤ – عن عائشة في المستحاضة:
تغتسل مرة واحدة، ثم تَوَضَّأُ إلى أيام أقرائها.
(قلت: حديث صحيح موقوف).
إسناده: حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي: نا يزيد عن أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة.
قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أم كلثوم لا يدرى من هي؟
والحجاج: هو ابن أرطاة، وهو ثقة، لكنه مدلس.
وأيوب بن أبي مسكين ثقة؛ لكن في حفظه ضعف. وفي «التقريب» أنه «صدوق له أوهام».
قلت: وقد اضطرب في هذا الحديث؛ فمرة أوقفه، ومرة رفعه بإسناد آخر عن عائشة.
والصواب الموقوف؛ ولذلك أوردنا المرفوع في الكتاب الآخر، كما سبقت الإشارة إليه.
والمصنف رحمه الله ضعفه مرفوعًا وموقوفًا! ولكن لمّا رأينا الموقوف قد جاء من وجه آخر صحيح، صححناه كما هو شرطنا في الكتاب، فانظر ما يأتي (رقم
٣١٥ – قال أبو داود: «ورواه [قلت: يعني: حديث عائشة المرفوع (رقم ٣١٣)]: ابن داود عن الأعمش مرفوعًا أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة».
(قلت: وصله الدارقطني من طريق الفضل بن سهل: ثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي ﷺ، قالت: يا رسول الله! إني امرأة أُستحاض فلا أطهر؛ أفأدع الصلاة؟ فقال:
«دعي الصلاة أيام أقرائك، ثم اغتسلي وصلِّي، وإن قطر الدم على الحصير».
قلت: وليس فيه -كما ترى- إنكار ابن داود كما ذكره المصنف رحمه الله تعالى! ومجرد السكوت عن هذه الريادة وترك روايتها؛ لا ينبغي أن يستنتج منه أن التارك لها استنكرها؛ فإنه إنما روى ما ذُكِرَ له، أو ما حفظ! كيف وقد رواه جماعة من الثقات عن الأعمش؛ فأثبتوها؟ ! كما في الرواية الأولى! كيف وقد ثبتت من رواية هشام بن عروة عن أبيه؟ !).
إسناده: وصله الدارقطني (ص ٧٨): حدثنا الحسين بن إسماعيل: نا الفضل ابن سهل: ثنا عبد الله بن داود … به.
قلت: وهذا إسناد صحيح إلى حبيب؛ والحسين هذا: هو أبو عبد الله الضَّبِّيُّ المحاملي؛ وهو ثقة فاضل، له ترجمة في «تاريخ بغداد» (٨/ ١٩ – ٢٣).
وليس في سياقه ما يدل على الإنكار الذي ادعاه المصنف رحمه الله؛ كما بيناه أعلاه.
ويجوز أن يكون الأعمش كان يختصره أحيانًا؛ مراعاةً لحال السؤال أو البيان للمسألة.
ويؤيد ذلك: أن وكيعًا روى الحديث -كما سبق في الكتاب- دون قوله في آخره:
«وإن قطر الدم على الحصير»، ورواه غير المصنف عنه بإثبات هذه الزيادة، كما ذكرنا فيما تقدم.
ثم أخرجه أحمد (٦/ ١٣٧) عنه أيضًا مختصرًا جدًّا؛ بلفظ:
«تصلي المستحاضة، وإن قطر الدم على الحصير».
فهذا الاختلاف في إتمام الحديث واختصاره؛ ليس له وجه إلا ما ذكرنا من المراعاة؛ فلا يكون رواية من اختصره حجة على من أتمه؛ لا سيما إذا كانوا جماعة، كما في هذا الحديث! وهذا بين لا يخفى. والحمد لله.
٣١٦ – وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان ومغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي عن حديث قمير عن عائشة:
توضأ لكل صلاة.
(قلت: وصل أحاديثهم -دون حديث مغيرة-: الدارمي والطحاوي والبيهقي، وهو حديث صحيح موقوفًا، وصححه المؤلف. وقد روي من حديث
وصل أحاديثهم -إلا حديث المغيرة-: الطحاوي والدارمي والبيهقي:
فأخرجه الطحاوي (١/ ٦٣)، والبيهقي (١/ ٣٣٥) من طريق شعبة قال: ثنا عبد الملك بن ميسرة والمجالد بن سعيد وبيان قالوا: سمعنا عامرًا الشعبي يحدث عن قمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المستحاضة:
تدع الصلاة أيام حيضها، ثم تغتسل غسلًا واحدًا، وتتوضأ عند كل صلاة.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٢٩) من طريق أخرى عن شعبة عن عبد الملك وحده.
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٠١) -عن مجالد-، و(١/ ٢٠٢) -عن إسماعيل؛ وهو ابن أبي خالد-، وهو (١/ ٢٠٣)، والطحاوي -عن فراس- كلهم عن عامر … به.
وهذا إسناد صحيح.
وقد رواه المصنف وغيره من طريق أخرى عن قمير … مرفوعًا.
ولكنه لا يصح، ولذلك أوردناه في الكتاب الآخر؛ واستغنينا عنه بحديث حبيب السابق، وحديث هشام عن أبيه الآتي.
هذا؛ ولفظ حديث فراس: المستحاضة تجلس أيام أقرائها، ثم تغتسل غسلًا واحدًا، وتتوضأ لكل صلاة.
وروى البيهقي (١/ ٣٥١) من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة:
وهذا سند صحيح في الشواهد والمتابعات.
٣١٧ – ورواية داود وعاصم: عن الشعبي عن قمير عن عائشة:
تغتسل كل يوم مرة.
(قلت: وصله الدارمي من طريق داود -وهو ابن أبي هند-. وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد صححه المؤلف).
قلت: وصله الدارمي (١/ ٢٠٦) من طريق داود؛ فقال: أخبرنا حجاج: ثنا حماد عن داود عن الشعبي عن قمير امرأة مسروق أن عائشة قالت في المستحاضة: وتغتسل كل يوم مرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
٣١٨ – وروى هشام بن عروة عن أبيه:
المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.
(قلت: وصله أحمد عقب حديث هشام المتقدم (رقم ٢٨١) فقال: قال يحيى -هو ابن سعيد القطان-: قلت لهشام: أغسلٌ واحد تغتسل، وتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم. وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه المؤلف. وقد صح مرفوعًا من طريق أبي معاوية: عند البخاري والترمذي وغيرهما، ومن طريق أبي حمزة وأبي عوانة: عند ابن حبان في «صحيحه» (١٣٥١)، ومن طريق حماد بن زيد: عند مسلم والنسائي والبيهقي، ومن طريق حماد بن سلمة: عند الدارمي والطحاوي، ومن طريق أبي حنيفة: عنده؛ كلهم قالوا:
أخرجه أحمد (٦/ ١٩٤) من طريق يحيى ووكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة:
أن فاطمة بنت أبي حبيش جاءت إلى النبي ﷺ … الحديث. وقال عقيبه: قال يحيى … إلى آخره.
وأخرجه البخاري والترمذي والدارقطني، والبيهقي (١/ ٣٤٤) من طريق أبي معاوية عن هشام … به. وقال في آخره: قال: وقال أبي: «ثم توضئي لكل صلاة؛ حتى يجيء ذلك الوقت». ثم قال البيهقي:
«وقول عروة فيه صحيح».
قلت: وهو -أعني: عروة- قد رفع الحديث؛ حيث قال:
«ثم توضئي». وهذا من قوله ﷺ حتمًا؛ لأنه هو الذي كان يخاطب المستحاضة لا عروة، كما هو واضح بيِّن. وحينئذ فقول البيهقي:
«والصحيح: أن هذه الكلمة من قول عروة بن الزبير»!
ليس بصحيح. وقد رد عليه الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٦٥)؛ حيث قال:
«وادعى بعضهم أن قوله:»ثم توضئي«من كلام عروة موقوفًا عليه! وفيه نظر؛ لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ، بصيغة الإخبار. فلما أتى به بصيغة الأمر؛ شاكله الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله:»فاغسلي«…».
قلت: ويؤيد ذلك: أن هذه الزيادة من تمام الحديث -عند غير أبي معاوية- وصلوه بالحديث.
أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله! إني أستحاض فلا أطهر … الحديث، وقال فيه:
«فاغتسلي عند طهرك وتوضَّئي لكل صلاة».
قلت: وهذا مرسل لم يذكر فيه عائشة! والصحيح أنه موصول بذكرها فيه؛ فقد أخرجه كذلك ابن حبان (١٣٥١) من حديث محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سمعت أبي يقول: ثنا أبو حمزة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش … الحديث.
وهكذا هو موصول عند أبي معاوية ومن تابعه؛ وقد سبق تخريج أحاديثهم عند حديث هشام المتقدم؛ فلا داعي للإعادة.