٥٨٩ – عن أبي سعيد الخدري:
أن رسول الله ﷺ أبصر رجلًا يصلي وحده، فقال: «ألا رجل يتصدق على هذا فيصليَ معه؟ !».
(قلت: إسناده صحيح، وقوّاه ابن حزم، وابن حجر، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا وهيب عن سليمان الأسود عن أبي المتوكل عن أبي سعيد.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير سليمان الأسود -ويقال: ابن الأسود-؛ وهو الناجي أبو محمد البصري، وهو ثقة اتفاقًا.
والحديث أخرجه الحاكم (٢/ ٢٠٩) من طريق أخرى عن موسى بن إسماعيل.
وقال الدارمي والطبراني: سليمان بن الأسود.
وأخرجه الترمذي (١/ ٤٢٧ – ٤٢٨)، والبيهقي وأحمد (٣/ ٥ و٤٥) وابن حزم في «المحلى» (٤/ ٢٣٨) من طريق سعيد بن أبي عروبة قال: ثنى سليمان الناجي … به؛ وزاد في آخره:
فقام رجل من القوم فصلى معه. ثم أخرجه أحمد (٣/ ٨٥): ثنا علي بن عاصم: أنا سليمان الناجي … به بلفظ: قال:
صلى رسول الله ﷺ بأصحابه الظهر، قال: فدخل رجل من أصحابه، فقال له النبي ﷺ:
«ما حبسك يا فلان! عن الصلاة؟». قال: فذكر شيئًا اعتلّ به، قال: فقام يصلي، فقال رسول الله ﷺ … الحديث مثل رواية ابن أبي عروبة. وقال الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٤٥):
«رواه أحمد. وروى أبو داود والترمذي بعضه، ورجاله رجال (الصحيح)»!
كذا قال! وعلي بن عاصم لم يرو له الشيخان، وهو صدوق، مع ضعف فيه من قبل حفظه.
وسليمان الأسود لم يخرجا له أيضًا كما علمت. ثم قال الترمذي: «حديث حسن». وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم؛ سليمان الأسود هذا: هو سليمان بن سُحَيم، احتج به مسلم»! ووافقه الذهبي!
والحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»؛ كما في «نصب الراية» (٢/ ٢٧). وقوّاه ابن حزم؛ حيث قال -وهو يرد على خصومه-:
«لو ظفروا بمثل هذا؛ لطاروا به كل مطار»؛ يعني: أنه صحيح عنده لا مطعن فيه. والحافظ ابن حجر؛ فقال في «التلخيص» (٤/ ٢٩٩):
«وقد ورد ما هو نص في إعادتها في جماعة لمن صلى جماعة على وجه مخصوص؛ وذلك في حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد قال …».
قلت: فذكره.
ثم روى البيهقي من طريق المصنف بإسناده الصحيح عن الحسن في هذا الخبر:
فقام أبو بكر رضي الله عنه، فصلّى معه؛ وقد كان صلى مع رسول الله ﷺ.
وللحديث شواهد كثيرة أوردها الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٤٥ – ٤٦) وفيها:
«وعن ثابت -لعله- عن أنس: أن رجلًا جاء وقد صلى النبي ﷺ، فقام يصلي وحده، فقال النبي ﷺ:»من يتَّجِر على هذا فيصلي معه؟ !«. رواه الطبراني في»الأوسط«، وفيه محمد بن الحسن؛ فإن كان ابن زبالة فهو ضعيف»!
قلت: ليس به؛ وإنما هو محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي -لقبه: التَّلُّ-:
فقد أخرجه الدارقطني (١/ ١٠٣) من طريق عمر بن محمد بن الحسن الأسدي: ثنا أبي: نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس … به.
٥٥ – باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة؛ يصلي معهم
٥٩٠ – عن يزيد بن الأسود:
أنه صلى مع رسول الله ﷺ وهو غلام شابٌّ، فلما صلى؛ إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما، فجيء بهما تُرْعَدُ فرائصُهما.
فقال:
«ما منعكما أن تصليا معنا؟ !».
قالا: قد صلينا في رحالنا. فقال:
«لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الإمام ولم يصلِّ؛ فليصلِّ معه؛ فإنه له نافلة».
(قلت: إسناده صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه ابن السكن. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، وصححه ابن خزيمة أيضًا).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: ثنا شعبة: أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر ابن يزيد بن الأسود عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير جابر بن يزيد ابن الأسود؛ وقد قال النسائي: إنه «ثقة».
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ١٢٤٧): حدثنا شعبة … به.
ومن طريقه: أخرجه الطحاوي (١/ ٢١٣).
وأخرجه الدارمي (١/ ٣١٧)، وابن خزيمة (١٦٣٨)، وابن حبان (٤٣٥)، والدارقطني (ص ١٥٩)، والبيهقي (٢/ ٣٠٠)، وأحمد (٤/ ١٦١) من طرق أخرى عن شعبة … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٣٧)، والترمذي (١/ ٤٢٤ – ٤٢٥)، وابن خزيمة وابن حبان، والدارقطني، والحاكم (١/ ٢٤٤ – ٢٤٥)، والبيهقي (٢/ ٣٠١)، وابن أبي شيبة (٢/ ٢٧٤ – ٢٧٥)، وأحمد (٤/ ١٦٠ – ١٦١) من طرق أخرى عن يعلى بن عطاء … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح». وقال الحاكم.
«هذا حديث رواه شعبة وهشام بن حسان وغَيْلان بن جامع وأبو خالد الدالاني وأبو عوانة وعبد الملك بن عمير ومبارك بن فَضَالة وشريك بن عبد الله وغيرهم: عن يعلى بن عطاء؛ وقد احتج مسلم بيعلى بن عطاء»!
قلت: فماذا كان؟ ! ومن فوقه لم يحتج به مسلم ولا البخاري؟ ! وقال البيهقي:
«وقال الشافعي رحمه الله في (القديم): وهذا إسناد مجهول. وإنما قال ذلك -والله أعلم-؛ لأن يزيد بن الأسود ليس له راوٍ غير ابنه جابر بن يزيد، ولا لجابر ابن يزيد راوٍ غير يعلى بن عطاء. وهذا الحديث له شواهد، فالاحتجاج به وبشواهده صحيح». قال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٢٩٧):
قلت: وأخرجه الدارقطني أيضًا (ص ١٥٩) عن بقية.
والحديث صححه ابن السكن عن يعلى، كما قال الحافظ.
ومن شواهده التي أشار إليها البيهقي: حديث أبي ذر:
«صَلِّ الصلاة لوقتها؛ فإن أدركتها معهم فصلِّ؛ فإنها لك نافلة».
أخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وأصحاب «السنن»، وقد مضى في أوائل «الصلاة» (رقم ٤٥٨).
ومنها: عن محجن: عند النسائي بسند حسن لغيره.
وعن عبد الله بن سَرْجِس: عند الطبراني في «الكبير»؛ وفيه ضعف أو جهالة. انظر «المجمع» (٢/ ٤٥).
٥٩١ – (وفي رواية عنه قال: صليت مع النبي ﷺ الصبح بمنى … بمعناه).
(قلت: إسنادها صحيح أيضًا).
إسناده: حدثنا ابن معاذ: ثنا أبي: ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضًا، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير جابر بن يزيد، وهو ثقة كما ذكرنا في الإسناد قبله.
والحديث سبق تخريجه والكلام عليه قبل؛ وإنما ساقه المصنف من طريق أخرى عن شعبة بهذه الزيادة التي فيه؛ وهي أن الصلاة هي صلاة الصبح، وفي منى؛ وهي ثابتة عند الحاكم وغيره.
وفيها دلالة على أن الإعادة مع الجماعة مشروعة؛ ولو بعد الصبح وكذا العصر؛ وهو الحق وإليه ذهب الشافعية وغيرهم.
٥٦ – باب إذا صلى ثم أدرك جماعة؛ يعيد
٥٩٢ – عن سليمان -يعني: مولى ميمونة- قال:
أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلُّون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ !
قال: قد صليت؛ إني سمعت رسول الله ﷺ، يقول:
«لا تصلُّوا صلاة في يوم مرتين»!
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه ابن السكن. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (٢٣٨٩) في «صحيحيهما». وقال النووي: «إسناده حسن»).
إسناده: حدثنا أبو كامل: ثنا يزيد بن زُرَيْعٍ: ثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن سليمان -يعني: مولى ميمونة-.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عمرو بن شعيب، وهو ثقة، وفيه كلام لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، كما تقدم، وقد صحح حديثه هذا من يأتي ذكره.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ١٣٨)، والدارقطني (ص ١٥٩ – ١٦٠)،
وقال الدارقطني:
«تفرد به حسين العلم عن عمرو بن شعيب».
قلت: حسين ثقة احتج به الشيخان في «صحيحيهما».
وعمرو قد عرفت حاله. وقال أبو الطيب في تعليقه على «الدارقطني»:
«ورواه ابن حبان في»صحيحه«، وقال: عمرو بن شعيب في نفسه ثقة، يحتج بخبره إذا روى عن غير أبيه».
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه». قال النووي في «الخلاصة»:
«إسناده صحيح».
ونقل المناوي عن ابن السكن أنه صححه.
ولعمرو بن شعيب فيه إسناد آخر بزيادة فيه: أخرجه الطحاوي من طريق عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن خالد بن أيمن المَعَافِرِيِّ قال:
كان أهل العوالي يصلون في منازلهم ويصلون مع النبي ﷺ؛ فنهاهم رسول الله ﷺ أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين. قال عمرو: قد ذكرت ذلك لسعيد بن المسيب؟ فقال: صدق.
قلت: وهذا إسناد مرسل حسن بمتابعة سعيد بن المسيب.
وأما خالد بن أيمن المعافري؛ فقال الحافظ ابن حجر:
«تابعي أرسل، وذكره ابن حبان في»الثقات«؛ كما في»كشف الأستار”.
أرسلني مُحَرَّرُ بن أبي هريرة إلى ابن عمر أسأله: إذا صلى الرجل الظهر في بيته، ثم جاء إلى المسجد والناس يصلون، فصلى معهم؛ أيتهما صلاته؟ فقال ابن عمر: صلاته الأولى.
فلو كان يرى أن الصلاة الأخرى منهيٌّ عنها مطلقًا؛ لنهاه ولما أقره عليها، ولما كان لبيانه له أن الصلاة المفروضة من الصلاتين هي الأولى!
وأصرح من ذلك ما أخرجه مالك (١/ ١٥٣) عن نافع:
أن رجلًا سأل عبد الله بن عمر، فقال: إني أصلي في بيتي، ثم أدرك الصلاة مع الإمام؛ أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر: نعم. فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟ فقال ابن عمر: أوَ ذلك إليك؟ ! إنما ذلك إلى الله، يجعل أيتهما شاء! وحينئذ فتَرْكُ ابن عمر إعادة الصلاة في حديث الباب؛ إنما هو ليدل على أن الإعادة ليست حتمًا؛ وإنما هي على الاختيار أو الاستحباب، كما قال البيهقي رحمه الله (٢/ ٣٠٣).
هذا؛ وفي رواية مالك: أن ابن عمر توقف في تعيين الفريضة من الصلاتين؛ بينما جزم في رواية الطحاوي بأنها الأولى.
وهذا هو الحق؛ لموافقته للحديث المتقدم؛ والظاهر أنه كان لم يبلغه عن النبي ﷺ، فلما بلغه جزم به. والله أعلم.
٥٩٣ – عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«من أمّ الناس فأصاب الوقت؛ فله ولهم، ومن انتَقَصَ من ذلك شيئًا؛ فعليه ولا عليهم».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا سليمان بن داود المَهْرِيُّ: ثنا ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي الهَمْدَاني قال: سمعت عقبة بن عامر يقول …
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ لكن في عبد الرحمن بن حرملة كلام من قبل حفظه؛ إلا أنه لم يفحش؛ فقد قال ابن عدي:
«لم أر في حديثه حديثًا منكرًا».
فهو حسن الحديث محتجٌّ به؛ ما لم يظهر خطؤه، وقد روى له مسلم متابعة.
وقال فيه الحافظ:
«صدوق ربما أخطأ».
وأبو علي الهمداني: اسمه ثُمَامة بن شُفَي، وهو ثقة من رجال مسلم.
وأعله بعضهم بـ (يحيى) ابن أيوب؛ وهو المصري؛ قال المناوي:
«قال عبد الحق: فيه يحيى بن أيوب، لا يحتج به. وقال ابن القطان: لولا هو؛ لكنا نقول: الحديث صحيح»!
على أنه في نفسه ثقة محتج به في «الصحيحين»؛ وإن كان في حفظه ضعف؛ فهو في ذلك نحو شيخه عبد الرحمن بن حرملة.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢١٠) -عن حرملة بن يحيى-، و(١/ ٣١٣) – عن أحمد بن صالح المصري-، والطحاوي في «المشكل» (٣/ ٥٤): ثنا يونس بن عبد الأعلى- قالوا: ثنا ابن وهب … به.
وأخرجه البيهقي (٣/ ١٢٧) من طريق سعيد بن أبي مريم: أَبَنا يحيى بن أيوب … به.
وقد تناقض فيه الحاكم؛ فقال في الموضع الأول:
«حديث صحيح على شرط البخاري»! ووافقه الذهبي! وقال في الموضع الآخر:
«صحيح؛ فقد احتج مسلم بعبد الرحمن بن حرملة، واحتج البخاري بـ (يحيى) ابن أيوب»!
وقوله هذا أقرب إلى الصواب، وإن كان أخطأ في قوله: «احتج مسلم بعبد الرحمن»!
فإنما روى له متابعة كما سبق، وصرح بذلك الحافظ في «التهذيب».
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٣١١) -عن ابن أبي حازم-، والحاكم أيضًا -عن وهيب-، وأحمد (٤/ ١٤٦) -عن عَطَّاف-، و(٤/ ٢٠١) -عن علي بن عاصم- كلهم عن عبد الرحمن بن حرملة … به، ولم يسم عَطَّافٌ شيخَ ابن حرملة؛ وإنما
وقد تابعه عبد الله بن عامر الأسلمي عن أبي علي المصري … به نحوه:
أخرجه أحمد (٤/ ١٥٤ و١٥٦).
وعبد الله هذا ضعيف؛ لسوء حفظه، وهو ممن يكتب حديثه كما قال ابن عدي.
ومن طريقه: رواه الطيالسي أيضًا (رقم ١٠٠٤)؛ ولكنه لم يُسَمِّهِ.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريره مرفوعًا بلفظ:
«يصلون لكم؛ فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم».
أخرجه البخاري (٢/ ١٤٩)، وأحمد (٢/ ٣٥٥ و٥٣٦ – ٥٣٧)، ومن طريقه البيهقي (٣/ ١٢٦ – ١٢٧) من طريق عطاء بن يسار عنه.
ورواه الشافعي في «الأم» (١/ ١٤١) من طريق أخرى تعليقًا مجزومًا به. فقال:
«روى صفوان بن سليم عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:»يأتي قوم فيصلون لكم؛ فإن أتموا كان لهم ولكم، وإن نقصوا كان عليهم ولكم«…». وقال الحافظ في «الفتح»:
«وقد أخرج ابن حبان حديث أبي هريرة من وجه آخر، ولفظه:»يكون أقوام يصلون الصلاة؛ فإن أتموا فلكم ولهم«…».
قلت: وتمامه: «وإن انتقصوا فعليهم ولكم»؛ كما في «موارد الظمآن». عن أبي علي الإفريقي عن صفوان بن سُلَيْم.
وله شاهد آخر من حديث سهل بن سعد: أخرجه ابن ماجة، والحاكم
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي! وأخطآ؛ فإن في إسناده عبد الحميد بن سليمان أخا فليح؛ وقد ضعفه الجمهور، ولم يخرج له مسلم!
٥٨ – باب في كراهية التدافع على الإمامة
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٥٩ – باب من أحق بالإمامة؟
٥٩٤ – عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله ﷺ:
«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءةً، فإن كانوا في القراءة سواءً؛ فليؤُمَّهم أقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً؛ فليؤمهم أكبرهم سنًّا، ولا يُؤَمُّ الرجل في بيته، ولا في سلطانه، ولا يُجْلَسُ على تَكْرِمَتِهِ إلا بإذنه».
قال شعبة: فقلت: لإسماعيل: ما تكرمته؟ قال: فراشه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: ثنا شعبة: أخبرني إسماعيل بن رجاء قال: سمعت أوس بن ضَمْعَج يحدث عن أبي مسعود البدري.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٢٥) من طريق المصنف.
وأخرجه أبو عوانة (٢/ ٣٦)، والبيهقي من طريقه.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٣٣)، وأبو عوانة أيضًا، وابن ماجة (١/ ٣١٠)، وأحمد (٤/ ١١٨ و١٢١) من طريق أخرى عن شعبة … به؛ وزاد حجاج -عند أبي عوانة-:
«فليؤمهم أعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً؛ فأقدمهم هجرة …» وذكر الحديث.
وقد تابعه المسعودي عن إسماعيل بن رجاء؛ وفيه:
«وأقدمهم قراءة …» والباقي مثل رواية الجماعة عن شعبة.
وتابعه الأعمش أيضًا عن إسماعيل؛ ولكنه ليس فيه: «وأقدمهم قراءة»؛ وإنما فيه ما في رواية حجاج عن شعبة:
«فإن كانوا في القراءة سواءً؛ فأعلمهم بالسنة …» الحديث، ويأتي في الكتاب.
فالزيادتان صحيحتان عندي؛ خلافًا للخطابي في «المعالم» (١/ ٣٠٢)؛ حيث قال:
«والصحيح رواية سفيان عن إسماعيل بن رجاء …»، ثم ساق إسناده، ثم قال:
«وهذا هو الصحيح المستقيم في الترتيب …»، ثم فصل القول في بيان ذلك!
وقد خفيت عليه رواية الحجاج عند أبي عوانة؛ فإنها موافقة في الترتيب لرواية سفيان!
لكن هنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن الحديث ليس من رواية سفيان عن
كذلك أخرجه البيهقي (٣/ ١١٩) من طريق الحميدي عن سفيان. وكذلك رواه غيره عنه، كما يأتي.
وللجملة الأولى شاهد من حديث أنس مرفوعًا.
أخرجه أحمد (٣/ ١٦٣) بسند صحيح.
٥٩٥ – (وفي رواية عن شعبة … بهذا الحديث؛ قال فيه: «ولا يَؤُمُّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه»).
(قلت: إسنادها صحيح على شرط مسلم أيضًا).
إسناده: ثنا ابن معاذ: ثنا أبي عن شعبة … بهذا الحديث.
قلت: وهذا صحيح كالذي قبله.
٥٩٦ – قال أبو داود: «وكذا قال يحيى القطان عن شعبة:»أقدمهم قراءةً«…».
(قلت: وصله أحمد: ثنا يحيى عن شعبة … به).
قلت: وصله أحمد (٤/ ١٢١ – ١٢٢): ثنا يحيى عن شعبة … به.
٥٩٧ – وفي رواية أخرى عن أبي مسعود عن النبي ﷺ … بهذا الحديث؛ قال:
“فإن كانوا في القراءة سواءً؛ فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة وابن حبان (٢١٢٤) في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا عبد الله بن نُمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج الحضرمي قال: سمعت أبا مسعود.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ والحسن بن علي: هو ابن محمد الخَلّال الحَلْواني.
والحديث أخرجه أبو عوانة (٢/ ٣٥) من طريق الحسن بن عفان -وهو ابن علي ابن عفان- قال: ثنا عبد الله بن نمير … به؛ ولفظه:
«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة؛ فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سنًّا، ولا يُؤَمُّ الرجل في سلطانه، ولا يُجْلَسُ على تكرمته في بيته إلا بإذنه».
وهكذا أخرجه مسلم (٢/ ١٣٣)، والنسائي (١/ ١٢٣)، والترمذي (١/ ٤٥٨ – ٤٥٩)، والبيهقي (٣/ ١١٩ و١٢٥)، وأحمد (٤/ ١٢١ و٥/ ٢٧٢)، من طرق أخرى عن الأعمش … به.
ورواه ابن حبان في «صحيحه» (٢١٢٤).
وقد تابعه السُّدِّيُّ عن أوس: عند الخطيب (٧/ ٤٥١).
وأخرجه الدارقطني (ص ١٠٤)، والحاكم (١/ ٢٤٣)، والبيهقي (٣/ ١٩٩) من طريق جرير بن حازم عن الأعمش … به؛ إلا أنه قال:
“يؤم القوم أكثرهم قرآنًا؛ فإن كانوا في القرآن واحدًا فأقدمهم هجرة؛ فإن كانوا
فرواه بالمعنى؛ أعني: قوله: «فأعلمهم بالسنة؛ فإن كانوا في السنة سواء …» فقال: «فأفقههم فقهًا …» إلخ! وجعلها في المنزلة الثالثة، ومنزلتها الثانية.
ولذلك فإنها رواية شاذة. وقد أشار إلى هذا البيهقي؛ حيث قال عقبه:
«ورواه جماعة عن الأعمش على اللفظ الأول». وقال الحاكم:
«وهذه لفظة غريبة عزيزة بهذا الإسناد الصحيح»!
ثم ذكر له شاهدًا؛ وهو:
٥٩٨ – قال أبو داود: «رواه حجاج بن أرطاة عن إسماعيل قال:
»ولا تَقْعُدْ على تَكْرِمَةِ أحد إلا بإذنه«…».
(قلت: وصله الدارقطني والحاكم عن الحجاج، وهو مدلس، وقد عنعنه، وفي متنه نكارة ومخالفة للروايات السابقة؛ لكن هذا القدر المعلق منه صحيح).
إسناده: وصله الدارقطني (ص ١٠٤)، والحاكم (١/ ٢٤٣) من طريق أبي حامد محمد بن هارون الحضرمي: ثنا المنذر بن الوليد الجارودي: ثنا يحيى بن زكريا بن دينار الأنصاري: ثنا الحجاج عن إسماعيل بن رجاء … به؛ ولفظه:
«يؤم القوم أقدمهم هجرة؛ فإن كانوا في الهجرة سواءً فأفقههم في الدين؛ فإن كانوا في الدين سواءً فأقرؤهم للقرآن، ولا يُؤَمُّ الرجل في سلطانه، ولا يُقْعَدُ على تكرمته إلا بإذنه». قال الزيلعي (٢/ ٢٥):
«وهو معلول بالحجاج بن أرطاة».
قلت: وذلك لأنه مدلس؛ وقد عنعنه.
وحديث الحجاج هذا شاذ أيضًا؛ بل منكر مخالف لسياق حديث شعبة والأعمش السابقين تقديمًا وتأخيرًا، كما هو واضح.
ولكن الجملة الأخيرة منه -التي من أجلها علقها المصنف- صحيحة؛ لموافقتها في المعنى لسائر الروايات.
٥٩٩ – عن عمرو بن سَلِمة قال:
كنا بحاضر، يمرُّ بنا الناس إذا أتوُا النبي ﷺ، فكانوا إذا رجعوا مرُّوا بنا، فأخبرونا أن رسول الله ﷺ قال كذا وكذا، وكنت غلامًا حافظًا، فَحفِظت من ذلك قرآنًا كثيرًا، فانطلق أبي وافدًا إلى رسول الله ﷺ في نفر من قومه، فعلَّمهم الصلاة، وقال:
«يؤمكم أقرؤكم».
فكنت أقرأهم لِمَا كنت أحفظ، فقدَّموني، فكنت أؤمُّهم وعليَّ بردة صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني. فقالت امرأة من النساء: وارُوا عنا عورة قارِئكم! فاشتروا لي قميصًا عُمَانيًّا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع -أو ثمان- سنين.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري في «صحيحه» نحوه).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أنا أيوب عن عمرو بن
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلَمة، كما ذكر الحافظ في «الفتح» (٨/ ١٨).
وقد رواه عن أيوب: حمادُ بن زيد أيضًا كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن حزم (٤/ ٢١٨) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن منده والطبراني من طريق حماد بن سلمة؛ وفي روايتهما ما يدل على أنه وفد مع أبيه أيضًا؛ كما في «الفتح».
وأخرجه البخاري (٨/ ١٨ – ١٩): حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب … نحوه.
وأخرجه الدارقطني (ص ١٧٩)، والبيهقي (٣/ ٩١) من طرق أخرى عن سليمان بن حرب … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٢٧) من طريق سفيان عن أيوب قال: حدثني عمرو بن سَلِمَةَ الجَرْمي … به مختصرًا، وفيه:
وأنا ابن ثمان سنين … بدون شك.
وأخرجه أيضًا (١/ ١٠٥) من طريق سليمان بن حرب … بإسناده مختصرًا.
٦٠٠ – وفي رواية عنه … بهذا الحديث؛ قال:
فكنت أؤمهم في بُردة مُوَصَّلة فيها فَتْقٌ؛ فكنت إذا سَجَدتُ خَرَجَت اسْتِي!
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وزهير: هو ابن معاوية بن حُدَيج الجُعْفِيُّ.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٩١) من طريق يزيد بن هارون: أَبَنا عاصم … به، ولفظه: قال:
لما رجع قومي من عند رسول الله ﷺ؛ قالوا: إنه قال لنا:
«ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن». قال: فدعوني فعلموني الركوع والسجود؛ فكنت أصلي بهم وأنا غلام؛ وعلي بردة مفتوقة؛ فكانوا يقولون لأبي: ألا تغطي عنا است ابنك؟ !
٦٠١ – وفي أخرى عنه عن أبيه:
أنهم وفدوا إلى النبي ﷺ، فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله! من يَؤُمُّنا؟ قال:
«أكثركم جمعًا للقرآن -أو أخذًا للقرآن-». فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعتُ، فقدَّموني وأنا غلام وعليَّ شَمْلَةٌ لي. قال: فما شهدت مَجْمَعًا من جَرْم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا.
(قلت: إسناده صحيح؛ غير أن قوله: (عن أبيه) شاذ! والصواب ما يأتي بعده).
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيحين»؛ غير مسعر ابن حبيب الجرمي، وهو ثقة أيضًا اتفاقًا، لكن قوله: عن أبيه! شاذ؛ لم يوافقه عليه أحد ممن رواه عن عمرو، كما تقدم.
على أنه قد رواه عنه غير وكيع على الجادة، وهو:
٦٠٢ – قال أبو داود: «ورواه يزيد بن هارون عن مسعر بن حبيب عن عمرو بن سلمة قال: لما وفد قومي إلى النبي ﷺ … لم يقل: عن أبيه».
(قلت: وهذا هو الصحيح، وكذلك وصله البيهقي عن يزيد).
قلت: وصله البيهقي (٣/ ٢٢٥) من طريق العباس بن محمد الدوري: ثنا يزيد ابن هارون … به بلفظ: ثنا عمرو بن سلمة:
أن أباه ونفرًا من قومه وفدوا إلى رسول الله ﷺ حين أسلم الناس ليتعلموا القرآن، فلما قضوا حاجتهم قالوا: من يصلي بنا -أو لنا- … الحديث نحو الرواية المتقدمة.
وإسناده صحيح، رجالهم ثقات.
وقد رواه من طريق الحاكم؛ ولم أجده الآن في «مستدركه»!
٦٠٣ – عن ابن عمر أنه قال:
لما قدم المهاجرون الأولون؛ نزلوا العُصْبَة قبل مَقْدَمِ رسول الله ﷺ؛ فكان يؤمُّهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنًا. (وزاد في رواية:
(قلت: إسنادهما صحيح، والأولى على شرط مسلم والبخاري. وقد أخرجها في «صحيحه»، وأخرج الرواية الأخرى بنحوها)
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا أنس -يعني: ابن عياض-. (ح) وحدثنا الهيثم ابن خالد الجهني -المعنى- قالا: ثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
قلت: والإسناد الأول صحيح على شرط الشيخين، والآخر صحيح؛ فإن الهيثم بن خالد هذا -وإن كان ثقة- فلم يخرج له الشيخان.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٨٩) عن المؤلف.
وأخرجه البخاري (٢/ ١٤٨): حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: ثنا أنس بن عياض … به.
ثم أخرج (١٣/ ١٤٣)، والبيهقي من طريق ابن جريج أن نافعًا أخبره أن ابن عمر رضي الله عنه أخبره … به مختصرًا نحوه وزاد:
في مسجد قباء؛ فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة. قال البيهقي:
«كذا قال: (وفيهم أبو بكر)! ولعله في وقت آخر؛ فإنه إنما قدم أبو بكر رضي الله عنه مع النبي ﷺ. ويحتمل أن تكون إمامته إياهم قبل قدومه وبعده. وقول الراوي: (وفيهم أبو بكر) أراد بعد قدومه».
قلت: وهذا التأويل لا بد منه وإن لم يرتضه الحافظ؛ وذلك لأن الرواية الأولى صريحة بأنه كان يؤمهم قبل مَقْدَمِ النبي ﷺ؛ فليست تشمل أبا بكر؛ للسبب الذي ذكره البيهقي، ولذلك لم ينص فيها على أبي بكر.
كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأولين وأصحابَ النبي ﷺ في مسجد قباء؛ فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة.
فليس فيها أن الإمامة الواردة فيها كانت قبل القدوم حتى يرد الإشكال؛ بل فيها عكس ذلك؛ فإن من المعلوم أن مسجد قباء إنما بناه النبي ﷺ بعد قدومه إلى المدينة؛ كما في «صحيح البخاري» (٧/ ١٩٥).
وفي هذه الرواية: أن إمامته بأبي بكر إنما كانت فيه؛ فهي كالنص على أن ذلك كان بعد القدوم، فإذا ضَمَمْتَ هذا إلى ما أفادته الرواية الأولى -كما هو الواجب في أمثاله- ينتج منه أن سالمًا رضي الله عنه كان يؤمهم قبل القدوم وفيهم عمر؛ وغيره، وبعد القدوم وفيهم أبو بكر وغيره. وبذلك يطيح الإشكال من أصله. والله تعالى ولي التوفيق.
(تنبيه): قال المنذري في «مختصره»: «وأخرجه البخاري؛ وليس فيه ذكر عمر وأبي سلمة»!
وهذا النفي خطأ، كما عرفت مما سبق.
٦٠٤ – عن مالك بن الحويرث: أن النبي ﷺ قال له -أو لصاحب له-:
«إذا حضرت الصلاة؛ فأذِّنا ثم أقيما، ثم ليؤمَّكما أكبركما». (زاد في رواية: قال: وكنا يومئذ متقاربين في العلم).
(وفي الرواية الأولى: قال خالد: قلت لأبي قلابة: فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين).
(قلت: إسناد الرواية الأولى صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجها هو
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا إسماعيل. (ح) وثنا مسدد: ثنا مسلمة بن محمد -المعنى واحد-عن خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث. والزيادة في حديث مسلمة.
قلت: الإسناد الأول صحيح على شرط البخاري.
والآخر ضعيف؛ من قبل مسلمة بن محمد -وهو الثقفي البصري-؛ وهو مختلف فيه؛ قال ابن معين:
«ليس حديثه بشيء». وقال أبو حاتم:
«شيخ ليس بالمشهور، يكتب حديثه». وقال الآجُرِّي عن المصنف:
«حدثنا عنه مسدد أحاديث مستقيمة». قال: فقلت لأبي داود: إنه حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: «إياكم والزَّنْجَ؛ فإنه خلق مُشَوّهٌ»؟ فقال:
«من حدث بهذا فاتهمه» وقال الساجي في ترجمته في هذا الحديث:
«رفعه عنه بعضهم، ووقفه بعضهم». قال الحافظ:
«وروي من طرق واهية».
وأما ابن حبان فذكره في «الثقات»!
قلت: وهذا الحديث مما يدل على ضعفه؛ حيث أدرج في الحديث:
«وأظن في هذه الرواية إدراجًا؛ فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن عُلَيَّة عن خالد قال: قلت لأبي قلابة: فأين القراءة؟ قال: إنهما كانا متقاربين. وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحذاء، وقال فيه: قال الحذاء: وكانا متقاربين في القراءة. ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث، كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به، فينتفي الإدراج عن الإسناد. والله أعلم».
قلت: وهذا جمع حسن، لو ثبتت رواية مسلمة؛ وإذ ليس؛ فلا مسوِّغ لهذا الجمع!
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٢٠) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (٣/ ٤٣٦): ثنا إسماعيل عن خالد … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٠٨) من طريق أخرى عن إسماعيل؛ وليس عنده قول خالد: قلت … إلخ.
وكذلك رواه سفيان عن خالد … به.
أخرجه البخاري (٢/ ٨٨ – ٨٩) و(٦/ ٤١)، وأبو عوانة (١/ ٣٣٢ و٢/ ٨ و٣٤٩)، والنسائي أيضًا (١/ ١٠٤ و١٢٦)، والترمذي (١/ ٣٩٩)، وقال:
«حديث حسن صحيح».
ثم أخرجه البخاري (٢/ ١١٢)، ومسلم وأبو عوانة (٢/ ٨ – ٩)، وابن ماجة
«وصلوا كما رأيتموني أصلي».
وتابعه أيوب عن أبي قلابة … به أتم منه.
أخرجه البخاري (١١/ ٣٥٩ و١٣/ ١٩٨ – ١٩٩)، ومسلم وأبو عوانة والشافعي في «الأم» (١/ ١٤٠)، والدارمي (١/ ٢٨٦)، والبيهقي (٣/ ١٢٠)، وأحمد (٣/ ٤٣٦ و٥/ ٥٣) من طرق عنه.
وأخرجه النسائي (١/ ١٠٤ – ١٠٥)، والبخاري أيضًا (٢/ ٨٧ – ٨٨ و٨٩ و١٣٥ – ١٣٦ و٢٣٩)؛ وزاد في رواية -والشافعي والبيهقي- الزيادة التي عند أحمد عن شعبة.
وكذا رواه الدارقطني (١٠١).
٦٠ – باب إمامة النساء
٦٠٥ – عن أم ورقة بنت نوفل:
أن النبي ﷺ لما غزا بدرًا؛ قالت: قلت له: يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك، أُمَرِّضْ مرضاكم؛ لعل الله أن يرزقني الشهادة! قال:
«قِرِّي في بيتك؛ فإن الله عز وجل يرزقك الشهادة».
قال: فكانت تسمى (الشهيدة).
قال: وكانت قد قرأت القرآن؛ فاستأذنت النبي ﷺ أن تتخذ في
(قلت: إسناده حسن، وصححه ابن خزيمة، وأقره الحافظ، ووافقه العيني).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع بن الجراح: ثنا الوليد بن عبد الله بن جُمَيع: حدثتني جدَّتي وعبد الرحمن بن خَلّاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله موثقون من رجال مسلم؛ غير جدة الوليد -واسمها ليلى بنت مالك؛ كما في بعض الروايات-، وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري، وهما مجهولان؛ قال الحافظ عن الأولى:
«لا تعرف». وعن الآخر:
«مجهول الحال».
وهذا قد ذكره ابن حبان في «الثقات»؛ على قاعدته!
ولكن أحدهما يقوي رواية الآخر؛ لا سيما وأن الذهبي قال في «فصل النسوة المجهولات»:
«وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها». ولعله لذلك قال الحافظ:
في «بلوغ المرام» (٢/ ٤٨) -بعد أن عزاه للمصنف-:
«وصححه ابن خزيمة»؛ وأقره.
«فيه الوليد بن عبد الله بن جُميع الزهري الكوفي؛ وفيه مقال، وقد أخرج له مسلم»!
قلت: لكن هذا المقال لا يسقط حديثه عن درجة الحسن؛ فإنه -بالإضافة إلى تخريج مسلم له- فقد قال ابن معين فيه:
«ثقة». وكفى به توثيقًا!
وكذا قال العجلي. وقال أحمد والمصنف:
«ليس به بأس». وقال أبو زرعة:
«لا بأس به». وقال أبو حاتم:
«صالح الحديث».
وتناقض فيه ابن حبان. وقال ابن سعد:
«كان ثقة له أحاديث». وقال الحافظ:
«صدوق يهم». وقال العيني في «شرح الهداية» -كما في «التعليق المغني»-:
«فالحديث إذًا صحيح؛ أما الوليد، فإن مسلمًا أخرج له، وكفى هذا في عدالته وثقته».
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٤٠٥): ثنا أبو نعيم قال: ثنا الوليد بن عبد الله ابن جميع … به أتم منه.
ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي (٣/ ١٣٠).
وكان رسول الله ﷺ يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وأمرها أن تَؤُمَّ أهل دارها.
قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخًا كبيرًا).
(قلت: حديث حسن، وصححه من سبق ذكره).
إسناده: حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي: ثنا محمد بن الفضيل عن الوليد ابن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث … بهذ الحديث.
قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون؛ وقد سبق الكلام عليه في الذي قبله.
والحديث أخرجه الدارقطني (١٥٤ – ١٥٥)، والحاكم (١/ ٢٠٣)، وعنه البيهقي من طرق أخرى عن الوليد … به؛ إلا أنه قرن مع عبد الرحمن بن خلاد: ليلى بنت مالك -وهي جدة الوليد بن جميع- كما سبق في الإسناد قبله.
ورواه ابن نصر في «قيام الليل» (ص ٩٤) عن الجدة وحدها.
وكذلك رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (١٦٧٦).
٦١ – باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون
٦٠٧ – عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله ﷺ كان يقول:
«ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قومًا وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دِبارًا -والدِّبار: أن يأتيها بعد أن تفوته، ورجل اعتَبَد مُحَرَّرَه».
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن عبدٍ المعافري عن عبد الله بن عمرو.
قلت: وهذا إسناد ضعيف كما بيناه في الكتاب الآخر، وقد ذكرنا هناك أقوال العلماء في بعض رواته، وتضعيف من ضعف الحديث؛ فأغنى عن الإعادة.
والمهم هنا إثبات صحة الجملة الأولى منه؛ فأقول:
إنها وردت من حديث ابن عباس وأبي أمامة، ومن حديث قتادة وعطاء بن دينار مرسلًا.
أما الأول: فأخرجه ابن ماجة (١/ ٣٠٧) وابن حبان في «صحيحه». وقال النووي (٤/ ٢٧٤):
«إسناده حسن». وقال البوصيري:
«إسناده صحيح»؛ ولفظه.
«ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا (ولفظ ابن حبان مثل لفظ حديث ابن عمرو في الباب؛ والباقي اتفقا عليه): رجل أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان».
والثاني: أخرجه الترمذي (٢/ ١٩٣)، وقال:
«حديث حسن»، وهو كما قال، ولفظه حديث ابن عباس؛ إلا أنه قال: «العبد الآبق»؛ بدل: «وأخوان متصارمان».
وإسناده صحيح.
والرابع: أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» -كما في «الترغيب» (١/ ١٧١) -، وأشار إليه البيهقي، قال:
«وروي في الإمامة والمرأة: عن عطاء بن دينار عن النبي ﷺ مرسلًا، وعن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن أنس بن مالك يرفعه».
فهذه طرق أربعة -بل خمسة- للجملة الأولى من الحديث، تدل على صحتها.
وأما بقية الحديث؛ فإني لم أجد ما يشهد له، فبقي على الضعف الذي شهد به سنده؛ فأوردناه لذلك في الكتاب الآخر.
٦٢ – باب إمامة البر والفاجر
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٦٣ – باب إمامة الأعمى
٦٠٨ – عن أنس:
أن النبي ﷺ استخلف ابن أم مكتوم؛ يؤم الناس وهو أعمى.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه ابن حبان (٢١٣١ و٢١٣٢».
إسناده: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري أبو عبد الله: ثنا ابن مهدي: ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٨٨) من طريق المؤلف، وله فيه شيخ آخر: أخرجه عنه في «الخراج»، وسيأتي (رقم …) [باب في الضرير يولّى]؛ وزاد فيه: مرتين. ولفظه هناك:
استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين.
وهكذا أخرجه أحمد (٣/ ١٣٢) قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي … به.
ثم أخرجه (٣/ ١٩٢): ثنا بهز: ثنا أبو العوام القطان … به؛ ولفظه مثل لفظ ابن مهدي عنده، وزاد:
يصلي بهم وهو أعمى. وقال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٣٢٨):
«ورواه ابن حبان في»صحيحه«، وأبو يعلى، والطبراني من حديث هشام عن أبيه عن عائشة. ورواه الطبراني من حديث عطاء عن ابن عباس: أن النبي ﷺ استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة وغيرها من أمر المدينة. وإسناده حسن».
قلت: وهذان شاهدان قويان للحديث يرتقي بهما إلى درجة الصحة. وقد أوردهما الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٦٥)، وقال في الأول:
«ورجال أبي يعلى رجال (الصحيح)». وفي الآخر -وعزاه للبزار أيضًا-:
«وفيه عُفَيْرُ بن مَعْدان، وهو ضعيف».
قلت: وكذا قال الحافظ أيضًا في (عُفَير)؛ فلعل تحسينه لحديثه من أجل شواهده. والله أعلم.
٦٠٩ – عن أبي عطية قال:
كان مالك بن حويرث يأتينا إلى مُصَلّانا هذا، فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدَّمْ فَصَلِّهْ. فقال لنا: قَدِّموا رجلًا منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لِمَ لا أصلي بكم؛ سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«من زار قومًا فلا يَؤُمَّهم، ولْيَؤُمَّهم رجلٌ منهم».
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن خزيمة، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا أبان عن بُدَيْل: حدثني أبو عطية مولى منا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال سسلم؛ غير أبي عطية -وهو مولى بني عُقيل-؛ قال أبو حاتم:
«لا يعرف ولا يسمى». وقال ابن المديني:
«لا يعرفونه». وقال أبو الحسن القطان:
«مجهول». وقال الذهبي:
«لا يدرى من هو؟ ! روى عنه بديل بن ميسرة». وقال الحافظ: «مقبول».
قلت: فهو بهذا الإسناد ضعيف؛ لكن يشهد له حديث أبي مسعود البدري
فهو بهذا الشاهد صحيح، وقد صححه ابن خزيمة كما يأتي، والترمذي كما يأتي.
لكن زاد مسلم وغيره في حديث أبي مسعود: «إلا بإذنه»؛ فهذه تقيد عموم حديث الباب بمن لم يؤذن له؛ على خلاف ما فهم منه راويه مالك بن الحويرث!
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٢٦) من طريق المؤلف.
وأخرجه النسائي (١/ ١٢٧) -مختصرًا-، والترمذي (١/ ١٨٧)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١٦١/ ١)، وأحمد (٣/ ٤٣٦ و٤٣٦ – ٤٣٧ و٥/ ٥٣) من طرق أخرى عن أبان بن يزيد العطار … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
٦٥ – باب الإمام يقوم مكانًا أرفع من مكان القوم
٦١٠ – عن همام:
أن حذيفة أمّ الناس بالمدائن على دُكَّانٍ، فأخذ أبو مسعود بقميصه فَجَبَذَهُ، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا يُنْهَون عن ذلك؟ ! قال: بلى؛ قد ذكرت حين مددتني.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال النووي: «إسناده صحيح»، وكذا قال عبد الحق).
إسناده: حدثنا أحمد بن سنان وأحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي -المعنى- قالا: ثنا يعلى: ثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام.
وهمام: هو ابن الحارث النَّخَعِيُّ الكوفي.
وإبراهيم: هو النخعي.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢١٠)، وعنه البيهقي (٣/ ١٠٨) من طريق أخرى عن يعلى بن عبيد … به، وقال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الإمام الشافعي في «الأم» (١/ ١٥٢) من طريق أخرى عن الأعمش؛ فقال: أخبرنا ابن عيينة قال: أخبرنا الأعمش … به. وقال النووي في «المجموع» (٤/ ٢٩٥):
«وإسناده صحيح».
وصححه ابن خزيمة وابن حبان، كما في «التلخيص» (٤/ ٤٢٧)، وهو في «صحيح ابن خزيمة» (١٥٢٣)، وعنه ابن حبان (٣٧٣).
وأخرجه الدارقطني (ص ١٩٧)، والحاكم أيضًا من طريق زياد بن عبد الله ابن الطفيل عن الأعمش … به نحوه؛ وفيه: قال له أبو مسعود:
ألم تعلم أن رسول الله ﷺ نهى أن يقوم الإمام فوق، ويبقى الناس خلف؟ قال: فَلَمْ تَرَني أجبتك حين مددتتي؟ !
وليس عند الدارقطني منه إلا قول أبي مسعود: نهى رسول الله … إلخ؛ وزاد في آخره: يعني: أسفل منه. وقال:
«لم يروه غير زياد البكاء»!
وهذا إسناد حسن.
٦١١ – عن عدي بن ثابت الأنصاري:
حدثني رجل: أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار، وقام على دكان يصلي والناس أسفلَ منه، فتقدم حذيفة، فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته؛ قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله ﷺ يقول:
«إذا أمّ الرجل القوم؛ فلا يَقُمْ في مكان أرفع من مقامهم»؛ أو نحو ذلك؟ قال عمار: لذلك اتَّبعتك حين أخذت على يَدَيّ.
(قلت: حديث حسن؛ إلا قوله أن الإمام كان عمار بن ياسر، وأن الذي جذبه كان حذيفة؛ فإنه منكر. والصواب: أن الإمام كان حذيفة، والذي جبذه كان أبا مسعود، كما في الحديث الأول. قال الحافظ: «وهو أقوى»).
إسناده: حدثنا أحمد بن إبراهيم: ثنا حجاج عن ابن جريج: أخبرني أبو خالد عن عدي بن ثابت.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أبي خالد؛ قال الحافظ:
«يحتمل أن يكون هو الدالاني أو الواسطي. وقال الذهبي: لا يعرف»!
قلت: الواسطي: اسمه عمرو بن خالد؛ وهو متهم بالكذب، ويبعُد عندي أن يكون هو هذا؛ فإنه متأخر عنه.
وشيخ شيخه رجل لم يُسَمَّ؛ فهو مجهول.
فالإسناد ضعيف؛ وإنما أوردناه في هذا الكتاب؛ لشاهده الذي قبله، فهو به صحيح.
لكن قول: أن عمار بن ياسر هو الإمام على الدكان، وأن الذي أنكر عليه هو حذيفة بن اليمان: منكر!
والصواب: أن حذيفة هو الإمام، وأن الذي جبذه وأنكر عليه هو أبو مسعود، كما في الحديث المتقدم. قال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٤٢٧): «وهو أقوى».
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٠٩) من طريق المصنف.
٦٦ – باب إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة
٦١٢ – عن جابر بن عبد الله:
أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله ﷺ العشاء، ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة.
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة: ثنا يحيى بن سعيد عن محمد ابن عجلان: ثنا عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٨٦) من طريق محمد بن أبي بكر: ثنا يحيى ابن سعيد … به.
وأخرجه الشافعي في «الأم» (١/ ١٥٣): أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان … به؛ وزاد:
وهي له نافلة.
وإبراهيم هذا ضعيف.
لكن هذه الزيادة صحيحة ثابتة من طريق أخرى عن جابر، في بعض الروايات عنه، وهو الآتي عقب هذا.
وللحديث شاهد: رواه الإسماعيلي من حديث عائشة قالت:
كان النبي ﷺ إذا رجع من المسجد؛ صلى بنا. وقال:
«حديث غريب». قال في «التلخيص» (٤/ ٣٦٦):
«وهذا أحد الأحاديث الزائدة في»مستخرج الإسماعيلي«على ما في»البخاري«…».
٦١٣ – وعنه: أن معاذًا كان يصلي مع النبي ﷺ ثم يرجع فيؤم قومه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». وللحديث عند
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وسفيان: هو ابن عيينة.
والحديث أخرجه الإمام الشافعي في «الأم» (١/ ١٥٢ – ١٥٣)، وأحمد (٣/ ٣٠٨) قالا: ثنا سفيان … به، وله عندهما تتمة، قد أخرجها المصنف فيما يأتي في «تخفيف الصلاة» (رقم ٧٥٦) من طريق أحمد.
وأخرجه مسلم (٢/ ٤١ – ٤٢)، وأبو عوانة (٢/ ١٥٦)، والنسائي (١/ ١٣٤)، والطحاوي (١/ ١٢٦)، والبيهقي (٣/ ٨٥ – ٨٦) من طرق أخرى عن سفيان … به بتمامه.
وأخرجه البخاري (٢/ ١٥٣ و١٠/ ٤٢٤)، ومسلم أيضًا (٢/ ٤٢)، وكذا أبو عوانة والترمذي (٢/ ٤٧٧)، والدارمي (١/ ٢٩٧)، وللدارقطني (ص ١٠٢)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٣/ ٣٦٩) من طرق أخرى عن عمرو بن دينار … به مختصرًا ومطولًا. وفي رواية لمسلم زيادة:
العشاء الآخرة. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وزاد الدارقطني، وكذا الشافعي (١/ ١٥٣)، والطحاوي (١/ ٢٣٧ – ٢٣٨) من طريق ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار … به وزاد:
هي له نافلة، ولهم فريضة. قال الحافظ (٤/ ١٥٦) – وقد عزاها لعبد الرزاق أيضًا-:
قلت: ورواية الشافعي؛ قد مضت في الحديث المتقدم قبله.
٦٧ – باب الإمام يصلي من قعود
٦١٤ – عن أنس:
أن رسول الله ﷺ ركب فرسًا، فَصُرع عنه؛ فجُحِش شِقُّه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعودًا، فلما انصرف قال:
«إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا! ولك الحمد، وإذا صلى جالسًا؛ فصلوا جلوسًا أجمعون».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ١٥٥)، وعنه الإمام محمد في «موطئه» (ص ١١٣)، وكذا الشافعي في «الأم» (١/ ١٥١)، والبخاري (٢/ ١٤٢ – ١٤٣)، ومسلم (٢/ ١٨ – ١٩)، وأبو عوانة (٢/ ١٠٦)، والدارمي (١/ ٢٨٦ – ٢٨٧)، والطحاوي (١/ ٢٣٥)، والبيهقي (٣/ ٧٩) كلهم عن مالك … به.
وأخرجه البخاري أيضًا (٢/ ٤٦٧)، ومسلم وأبو عوانة، والنسائي (١/ ١٢٨ و١٦٢)، والترمذي (٢/ ١٩٤) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، وابن ماجة (١/ ٣٧٤) والطحاوي، والبيهقي (٢/ ٣٠٣ و٣/ ٧٨ – ٧٩)، والطيالسي (رقم ٢٠٩٠)، وأحمد (٣/ ١١٠ و١٦٢ و٢١٧ و٢٣٥) من طرق أخرى عن الزهري … به.
وأخرجه الطحاوي، وأحمد (٣/ ٣٥٥) من طريق أخرى من طريق حميد: ثنا أنس … به.
وهو على شرطهما؛ وإسناده عند أحمد ثلاثي من الوجهين أيضًا.
وأخرجه البخاري أيضًا (١/ ٣٨٧ – ٣٨٨) من طريق حميد.
٦١٥ – عن جابر قال:
ركب رسول الله ﷺ فرسًا بالمدينة، فصرعه على جِذْمِ نخلة، فانفكَّت قدمه، فأتيناه نعوده، فوجدناه في مَشْرُبة لعائشة رضي الله تعالى عنها يسبِّح جالسًا، قال: فقمنا خلفه، فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده،
«إذا صلى الإمام جالسًا؛ فصلوا جلوسًا؛ وإذا صلى الإمام قائمًا؛ فصلوا قيامًا، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها».
(قلت: إسناده صحيح كما قال الحافظ، وهو على شرط مسلم. وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه»، وكذا ابن حبان).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير ووكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ إلا أن البخاري أخرج لأبي سفيان -واسمه طلحة بن نافع القرشي مولاهم- مقرونًا بغيره؛ وقد تابعه أبو الزبير وغيره.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٣٠٠): ثنا وكيع: ثنا الأعمش … به.
وأخرجه الدارقطني (ص ١٦٢)، والبيهقي (٣/ ٧٩ – ٨٠) من طرق أخرى عن الأعمش … به. قال الحافظ في «الفتح» (٢/ ١٤٠):
«أخرجه أبو داود وابن خزيمة [٣/ ٥٣] بإسناد صحيح».
قلت: وهو على شرط مسلم كما علمت.
وأخرجه البخاري في «الأدب» (ص ١٤٠).
قلت: وله إسنادان آخران عن جابر:
أحدهما: عن أبي الزبير عنه:
والآخر: عن سالم بن أبي الجعد عنه:
أخرجه أحمد (٣/ ٣٩٥): ثنا أبو جعفر محمد بن جعفر المدائني: أنا ورقاء عن منصور عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه ابن حبان أيضًا في «صحيحه» (٣٦٤)، من الطريق الأول.
وأخرجه ابن ماجة (٣٤٨٥)، والمؤلف في «الطب» -كما سيأتي- من طريق أخرى عن جابر مختصرًا؛ بلفظ:
احتجم على وركه من وَثْءٍ، كان به.
ورواه النسائي.
وله عنده شاهد صحيح عن أنس.
٦١٦ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبّر فكبِّروا؛ ولا تكبروا حتى يُكبّر، وإذا ركع فاركعوا؛ ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد (وفي رواية: ولك الحمد)، وإذا سجد فاسجدوا؛ ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون».
(قلت: إسناده صحيح، وحسنه الحافظ”).
قال أبو داود:»اللهم ربنا! لك الحمد«؛ أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان».
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مُصعَب بن محمد، وهو ثقة عند ابن معين وغيره. وحسنه الحافظ في «الفتح» (٢/ ١٤٢).
والحديث رواه الإمام أحمد (٢/ ٣٤١): ثنا عفان: ثنا وهيب … به؛ إلا أنه قال:
«ربنا! ولك الحمد»، لم يذكر: «اللهم!».
ورواه زيد بن أسلم عن أبي صالح … به نحوه؛ وزاد فيه زيادة صحيحة، وهو:
٦١٧ – وعنه عن النبي ﷺ قال:
«إنما جعل الإمام ليؤتَمَّ به …» بهذا الخبر؛ وزاد: «وإذا قرأ فأنصتوا».
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال ابن حزم، وصححه أيضًا مسلم في «صحيحه»، ولم يخرجه، وأحمد وابن خزيمة. ويأتي شاهده من حديث أبي موسى (رقم ٨٩٣ و٨٩٤».
إسناده: حدثنا محمد بن آدم المِصِّيصِيُّ: نا أبو خالد عن ابن عجلان عن زيد ابن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة.
قال أبو داود: «هذه الزيادة:»وإذا قرأ فأنصتوا«؛ ليست بمحفوظة؛ الوهم عندنا من أبي خالد».
ثم استدركت فقلت: هو حسن الحديث ما لم يخالف من هو أحفظ منه وأكثر، وليس الأمر في هذا الحديث كذلك؛ فقد خالفه جماعة من الثقات؛ رووه عن أبي صالح؛ منهم: مصعب بن محمد كما تقدم، ومنهم: الأعمش: عند أبي عوانة (٢/ ١١٠)، وابن ماجة (١/ ٣٠٥)، وأحمد (٢/ ٤٤٠) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، كلاهما روياه عن أبي صالح … به بدون هذه الزيادة.
وكذلك أخرجه البخاري (٢/ ١٦٦ و١٧٢)، ومسلم (٢/ ١٩ و٢٠)، وأبو عوانة أيضًا (٢/ ١٠٩ – ١١٠)، وابن ماجة (١/ ٣٧٤)، والدارمي (١/ ٣٠٠)، وأحمد (٢/ ٢٣٠ و٣١٤ و٤١١ و٤٣٨) من طرق أخرى عن أبي هريرة … به دون الزيادة.
فاتفاق هؤلاء الثقات على ترك هذه الزيادة؛ مما يجعل القلب لا يطمئن لصحتها بهذا الإسناد. ولذلك قال ابن أبي حاتم في «العلل» (رقم ٤٦٥):
«سمعت أبي -وذكر حديث أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:»إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا قرأ فأنصتوا«-، قال أبي: ليس هذه الكلمة بالمحفوظ؛ وهو من تخاليط ابن عجلان، وقد رواه خارجة بن مصعب أيضًا وتابع ابن عجلان؛ وخارجة أيضًا ليس بالقوي».
ورواه البيهقي (٢/ ١٥٧) بإسناده عن ابن أبي حاتم ببعض اختصار، ثم قال:
«وقد رواه يحيى بن العلاء الرازي كما رواه؛ ويحيى بن العلاء متروك».
قلت: فلم يتابَع ابنُ عجلان على هذه الزيادة ممن يُعْتَدُّ به!
وقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن ابن معين أنه قال -في حديث ابن
«ليس بشيء».
فلو أن هذا الحديث لم يرد إلا من هذا الوجه؛ لكان نصيبه الكتاب الآخر، ولكن له شاهدًا من حديث أبي قتادة بإسناد صحيح، سيأتي لفظه في «التشهد» (رقم ٨٩٤)؛ فهو حديث صحيح لغيره. ولعله لذلك صححه مَنْ صححه مِنَ الأئمة؛ فمنهم الإمام مسلم؛ فقال في «صحيحه» (٢/ ١٥):
«هو صحيح»، وسيأتي تمام كلامه في ذلك عند حديث أبي قتادة. ومنهم ابن حزم، فقال في «المحلى» (٣/ ٢٤٠):
«هو حديث صحيح».
ومنهم الإمام أحمد وابن خزيمة؛ كما نقله أبو الحسنات في «إمام الكلام».
وبعد؛ فقد علمت أن علة الحديث إنما هي من ابن عجلان، كما صرح بذلك أبو حاتم وابن معين كما سبق. وخالفهما المصنف رحمه الله، فقال كما تقدم:
«الوهم عندنا من أبي خالد»! وهذا خطأ منه رحمه الله؛ لأمرين ذكرهما المنذري في «مختصره»؛ فقال:
«وفيما قاله نظر؛ فإن أبا خالد هذا: هو سليمان بن حيان الأحمر، وهو من الثقات الذين احتج البخاري ومسلم بحديثهم في»صحيحيهما«. ومع هذا؛ فلم ينفرد بهذه الزيادة، بل قد تابعه عليها أبو سعد محمد بن سعد الأنصاري الأشهلي المدني نزيل بغداد، وقد سمع من ابن عجلان، وهو ثقة، وثقه يحيى بن معين ومحمد بن عبد الله المُخرَّمي والنسائي».
والحديث أخرجه النسائي (١/ ١٤٦)، وابن ماجة (١/ ٢٧٩)، والطحاوي
وقد تابعه محمد بن سعد الأشهلي عن ابن عجلان:
أخرجه النسائي، وعنه الدارقطني (ص ١٢٥)، والخطيب في»تاريخه«(٥/ ٣٢٠).
وتابعه إسماعيل بن أبان؛ إلا أنه قال: عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم ومصعب بن شُرَحْبِيل عن أبي صالح … به.
أخرجه الدارقطني، والبيهقي (٢/ ١٥٦). وقال الدارقطني:
»إسماعيل بن أبان ضعيف«. وتابعه محمد بن مُيَسِّر؛ إلا أنه قال: عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة … به».
أخرجه أحمد (٢/ ٣٧٦)، والدارقطني، وقال:
«محمد بن ميسر ضعيف».
والخلاصة: أن الوهم في الحديث من ابن عجلان لا من أبي خالد؛ لمتابعة محمد بن سعد الأنصاري الثقة؛ وأن الحديث صحيح لما سبق بيانه.
٦١٨ – عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها قالت:
صلى رسول الله ﷺ في بيته وهو جالس، فصلى وراءه قوم قيامًا، فأشار إليهم؛ أن اجلسوا، فلما انصرف قال:
«إنما جعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فصلُّوا جلوسًا».
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٥٥).
وأخرجه البيهقي (٣/ ٧٩) من طريق المصنف.
وأخرجه البخاري (٢/ ١٣٨ و٤٦٧)، وأبو عوانة (٢/ ١٠٨)، والطحاوي (١/ ٢٣٥)، وأحمد (٦/ ١٤٨) من طرق أخرى عن مالك … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٩)، وأبو عوانة أيضًا، وابن ماجة (١/ ٣٧٤)، والطحاوي أيضًا، والبيهقي (٢/ ٢٦١ و٣٠٤)، وأحمد (٦/ ٥١ و٥٧ و٦٨ و١٩٤) من طرق أخرى عن هشام … به.
٦١٩ – عن جابر قال:
اشتكى النبي ﷺ، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يكبر؛ ليسمع الناس تكبيره … ثم ساق الحديث.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وابن حبان (٢١١٩) وأبو عوانة في «صحاحهم»، وتمامه عندهم، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا؛ فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودًا، فلمّا سلّم قال:
“إن كدتم آنفًا لتفعلون فعل فارس والروم؛ يقومون على ملوكهم وهم قعود،
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن مَوْهَب -المعنى- أن الليث حدثهم عن أبي الزبير عن جابر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ ويزيد بن خالد ليس من رجاله؛ وهو ثقة، وروايته متابعة.
والحديث أخرجه أبو عوانة (٢/ ١٠٨) من طريق المصنف.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٩)، والنسائي (١/ ١٢٨) عن قتيبة بن سعيد وحده.
ومن طريقه: رواه البيهقي أيضًا (٢/ ٢٦١).
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة، والبخاري في «الأدب المفرد» (ص ١٣٦ – ١٣٧)، وابن ماجة (١/ ٣٧٤ – ٣٧٥)، وأحمد (٤/ ٣٣٣)، وابن خزيمة أيضًا (٤٨٦) من طرق أخرى عن الليث … به.
وقد تابعه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير … به نحوه.
أخرجه مسلم، والنسائي (١/ ١٢٨)، والطحاوي (١/ ٢٣٤)، وابن حبان (٢١٢٠).
٦٢٠ – عن أُسَيْدِ بن حُضَيْرٍ:
أنه كان يؤمهم، قال: فجاء رسول الله ﷺ يعوده، فقالوا: يا رسول الله! إن إمامنا مريض! فقال:
«إذا صلى قاعدًا فصلُّوا قعودًا».
إسناده: حدثنا عبدة بن عبد الله: نا زيد -يعني: ابن الحُبَاب- عن محمد ابن صالح: ثنى حُصَيْنٌ -من ولد سعد بن معاذ- عن أسيد بن حضير.
قال أبو داود: «وهذا الحديث ليس بمتصل».
قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون؛ إلا أنه ليس بمتصل كما قال المصنف. وقال المنذري:
«وما قاله ظاهر؛ فإن حصينًا هذا إنما يروي عن التابعين، لا تحفظ له رواية عن الصحابة؛ سيّما أسيد بن حضير؛ فإنه قديم الوفاة، توفي سنة عشرين، وقيل: إحدى وعشرين».
قلت: وقد وجدته موصولًا من وجه آخر عن الحصين: أخرجه الحاكم (٣/ ٢٨٩) من طريق محمد بن طلحة التيمي عن محمد بن الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ عن أبيه عن جده عن أسيد بن حضير:
أنه كان تَأوَّهَ، وكان يؤمُّنا، فصلى بنا قاعدًا، فعاده رسول الله ﷺ، فقالوا: يا رسول الله! إن أسيدًا إمامنا، وإنه مريض، وإنه صلى بنا قاعدًا؟ فقال رسول الله ﷺ:
«فصلوا وراءه قعودًا؛ فإن الإمام ليؤتم به؛ فإذا صلى قاعدًا فصلوا خلفه قعودًا». وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»! ووافقه الذهبي!
قلت: ومحمد بن الحصين هذا؛ لم أجد من ترجمه! وقد ذكره الحافظ في الرواة عن أبيه الحصين.
ولبعضه طريق أخرى: أخرجه الدارقطني (ص ١٥٢) عن محمود بن لَبِيدٍ قال: كان أسيد بن حضير قد اشتكى عرق النِّسا، وكان لنا إمامًا، وكان يخرج إلينًا فيشير إلينا بيده؛ أن اجلسوا، فنجلس. فيصلي بنا جالسًا ونحن جلوس.
وفي سنده ضعف؛ لكن ذكره ابن حزم (٣/ ٧٠) من طريق أخرى مختصرًا. وأورده الحافظ (٢/ ١٤٥) أتم منه، وقال:
«رواه ابن المنذر بإسناد صحيح».
وبالجملة؛ فالحديث -بهذه الطرق، وشواهده التي تقدمت في الباب- صحيح.
٦٨ – باب الرجلين يَؤُمُّ أحدُهما صاحبَه؛ كيف يقومان؟
٦٢١ – عن أنس قال:
إن رسول الله ﷺ دخل على أُمِّ حَرَامٍ، فأتَوْهُ بسمن وتمر، فقال:
«رُدُّوا هذا في وعائه، وهذا في سقائه؛ فإني صائم». ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعًا، فقامت أم سُليم وأم حَرام خلفنا -قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال-؛ أقامني عن يمينه على بساط.
(قلت: سنده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو والبخاري، وابن حبان (٢٢٠٤)، وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: ثنا ثابت عن أنس.
والحديث أخرجه الإمام أحمد (٣/ ٢٤٨): ثنا عفان: ثنا حماد … به.
وله عنده تتمة في دعائه ﷺ لأنس أن يكثر الله له ماله وولده.
وهكذا أخرجه الطيالسي (رقم ٢٠٢٧): ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت … به نحوه.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٧٦ – ٧٧).
وأخرجه أحمد (٣/ ١٩٣ – ١٩٤)، ومسلم مفرقًا (٢/ ١٢٧ – ١٢٨ و٧/ ١٥٩) من طرق أخرى عن سليمان … به.
ورواه النسائي (١/ ١٢٩) دون التتمة؛ وهو رواية لأحمد (٣/ ٢١٧).
وأخرجه البخاري (٤/ ١٨٥)، وأحمد (٣/ ١٠٨) من طريق حميد عن أنس … به نحوه، وهو أتم من حديث سليمان.
وحميد مدلس، وقد عنعنه، ولكنهم قالوا: إن عامة ما يرويه عن أنس معنعنًا إنما سمعه من ثابت؛ فالظاهر أن هذا منها.
وللحديث طريق أخرى عن أنس مختصرًا؛ وهو:
٦٢٢ – عن أنس:
أن رسول الله ﷺ أمَّهُ وامرأةً منهم، فجعله عن يمينه، والمرأة خلف ذلك.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة في
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: ثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى ابن أنس يحدث عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ١٢٨)، وأبو عوانة (٢/ ٧٥)، والنسائي (١/ ١٢٩)، والبيهقي (٣/ ٩٥)، وأحمد (٣/ ٢٥٨ و٢٦١) من طرق أخرى عن شعبة … به.
ولأنس رضي الله عنه قصة أخرى في الباب؛ ستأتي في الكتاب -إن شاء الله تعالى – (برقم ٦٢٥).
(تنبيه): عزا المنذري في «مختصره» الحديث لابن ماجة؛ ولم أجده الآن عنده!
ثم وجدته عنده (١/ ٣٠٨).
٦٢٣ – عن ابن عباس قال:
بِتُّ في بيت خالتي ميمونة، فقام رسول الله ﷺ من الليل، فأطلق القربة، فتوضأ، ثم أوكأ القِرْبة، ثم قام إلى الصلاة، فقمت فتوضأت، كما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فأخذني بيميني فأدارني من ورائه، فأقامني عن يمينه، فصليت معه.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وهو في «الصحيحين» من وجه آخر عنه بنحوه، وسيأتي (رقم ١٢٣٧».
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال «الصحيح»؛ وفي عبد الملك بن أبي سليمان كلام لا يضر؛ فإنه ما من أحد إلا ويخطئ، وقد احتج به مسلم في «صحيحه»، وأخرج له هذا كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ١٨٣)، وأبو عوانة (٢/ ٧٦)، والنسائي (١/ ١٣٥)، والبيهقي (٣/ ٩٩)، وأحمد (رقم ٢٢٤٥) من طرق أخرى عن عبد الملك … به.
وقد تابعه عن عطاء: ابن جريج: عند مسلم، وأحمد (رقم ٣٤٧٩).
وقيس بن سعد: عند مسلم، وأبي عوانة.
وهو في «الصحيحين» وغيرهما من طريق كُرَيْبٍ عن ابن عباس … نحوه أتم منه، وسيأتي في «صلاة الليل» (رقم ١٢٤٥)، ومن طرقه هناك ما أورده المصنف هنا عقب هذا.
ومن طرقه ما في «المسند» برقم (٢٣٢٥ و٢٤١٣ و٢٥٧٢ و٣٢٤٣ و٣٣٥٩ و٣٤٥١)، وفي «البخاري» (٢/ ١٦٩).
٦٢٤ – (وفي رواية عنه في هذه القصة قال: فأخذ برأسي أو بِذُؤَابتي، فأقامني عن يمينه).
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وسيأتي نحوه تامًّا (برقم ١٢٣٧».
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: نا هُشَيْمٌ عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وأبو بشر: اسمه جعفر بن إياس.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٩٥) من طريق أخرى عن هشيم … به.
وأحمد (رقم ٢٦٥٢) من طريق شعبة عن أبي بشر … به.
ولشعبة فيه شيخ آخر عن سعيد بن جبير؛ وسيأتي في «صلاة الليل» (رقم ١٢٢٨).
وله في «المسند» طريقان آخران عن ابن جبير (رقم ٣٣٨٩ و٣٤٩٠ و٣٥٥٢).
وثالث: عند المصنف فيما يأتي.
٦٩ – باب إذا كانوا ثلاثة؛ كيف يقومون؟
٦٢٥ – عن أنس بن مالك قال:
إن جدته مُلَيْكَة دعت رسول الله ﷺ لطعام صنعته، فأكل منه، ثم قال: «قوموا فلأصلي لكم».
قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لُبِسَ، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله ﷺ، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا؛ فصلى لنا ركعتين، ثم انصرف.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٦٨).
ومن طريقه: أخرجه البخاري (١/ ٣٨٨ – ٣٨٩)، ومسلم (٢/ ١٢٧)، وأبو عوانة (٢/ ٧٣)، والنسائي (١/ ١٢٩)، والترمذي (١/ ٤٥٤ – ٤٥٥)، والطحاوي (١/ ١٨١)، والبيهقي (٣/ ٩٦)، وأحمد (٣/ ١٢٩ و١٦٤) من طرق أخرى عن مالك … به.
وللدارمي منه (١/ ٣١٩): الصلاة على الحصير فقط؛ وهو رواية لأحمد (٣/ ١٧٩) من طريق أخرى عن إسحاق.
ثم أخرجه هو (١٤٥٣ و٢٢٦)، والبخاري (٢/ ١٦٨)، وأبو عوانة (٢/ ٧٥) من طرق أخرى عن إسحاق … به مختصرًا أتم من حديث الدارمي.
ولأنس قصة أخرى نحو هذه، سبقت قبل باب (رقم ٦٢١ و٦٢٢).
٦٢٦ – عن الأسود [وهو ابن يزيد النَّخَعِيُّ] قال:
استأذن علقمة والأسود على عبد الله، وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية، فاستأذنت لهما، فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال:
هكذا رأيت رسول الله ﷺ فعل.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرح المرفوع منه: مسلم وأبو عوانة في
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا محمد بن فُضَيْلٍ عن هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير هارون بن عنترة؛ وهو ثقة.
وتناقض فيه ابن حبان! واختلف النقل عن الدارقطني؛ ففي «التهذيب»:
«وقال البرقاني: سألت الدارقطني عن عبد الملك بن هارون بن عنترة؟ فقال: متروك يكذب، وأبوه يحتج به، وجدّه يعتبر به»!
وكذا في «الميزان» في ترجمة هارون هذا. وأما في ترجمة ابنه عبد الملك؛ فقال: إنه «يروي عن أبيه. قال الدارقطني: هما ضعيفان».
وأقره في «اللسان».
وأما ما نقله الزيلعي (٢/ ٣٣) عن النووي أنه قال:
«فيه هارون بن عنترة، وهو وإن وثقه أحمد وابن معين؛ فقد قال الدارقطني: هو متروك كان يكذب»!
فإنه نقل خطأ عن الدارقطني؛ فإنما قال هذا في (عبد الملك) ابن المترجم، كما نقلناه آنفًا من الكتب الموثوقة! والله أعلم. وقال المنذري في «مختصره»:
«وفي إسناده هارون بن عنترة، وقد تكلم فيه بعضهم. وقال أبو عمر النِّمَري: وهذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح فيه عندهم التوقيف على ابن مسعود: أنه كذلك صلى بعلقمة والأسود. وهذا الذي أشار إليه أبو عمر؛ قد أخرجه مسلم في»صحيحه«، وهو موقوف».
وهارون بن عنترة؛ لم يتكلم فيه غير الدارقطني وابن حبان؛ مع أنهما وثقاه أيضًا؛ فالأخذ بتوثيقهما إياه أولى؛ لأمرين:
الأول: أنه جرح غير مفسر.
والآخر: أنه موافق لحكم الأئمة الآخرين عليه بالثقة.
ثم إنه لم يمرد به؛ بل قد تابعه محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود، ومنصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود، كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (رقم ٤٠٣٠): حدثنا ابن فضيل … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٢٨ – ١٢٩) من طريق أخرى عن ابن فضيل … به؛ لكن لم يقل: عن أبيه! فصار ظاهره الانقطاع!
وليس كذلك؛ بل هو متصل؛ بدليل رواية المصنف والنسائي؛ وفيه عنده زيادة في أوله.
وأخرجه الطحاوي (١/ ١٨١)، والبيهقي (٣/ ٩٨)، وأحمد (رقم ٤٣١١) من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود.
فهذه متابعة قوية لهارون بن عنترة.
وقد أعله النووي -كما في «نصب الراية» (٢/ ٣٤) – بقوله:
«وابن إسحاق مشهور بالتدليس، وقد عنعن، والمدلس إذا عنعن لا يحتج به بالاتفاق»!
قلت: قد صرح بسماعه في رواية لأحمد (رقم ٤٣٨٦): حدثنا يعقوب:
دخلت أنا وعمي علقمة على عبد الله بن مسعود بالهاجرة، قال: فأقام الظهر ليصلِّي، فقمنا خلفه، فأخذ بيدي ويد عمي، ثم جعل أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره، ثم قام بيننا، فصففنا خلفه صفًّا واحدًا، قال: ثم قال: هكذا كان رسول الله ﷺ يصنع إذا كانوا ثلاثة … الحديث.
فزالت شبهة التدليس، وعاد الحديث صحيحًا لا شبهة فيه.
وتابعه أيضًا أبو إسحاق عن ابن الأسود عن علقمة والأسود:
أنهما كانا مع ابن مسعود، فحضرت الصلاة، فتأخر علقمة والأسود، فأخذ ابن مسعود بأيديهما، فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ثم ركعا، فوضعا أيديهما على ركبهما وضرب أيديهما، ثم طبَّق بين يديه وشبَّك، وجعلهما بين فخذيه، وقال: رأيت النبي ﷺ فعله.
أخرجه أحمد (رقم ٣٩٢٧ و٣٩٢٨) من طريق إسرائيل عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وإسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي؛ وأبو إسحاق هو جده.
ولإسرائيل فيه إسناد آخر:
رواه مسلم (٢/ ٦٩)، وأبو عوانة (٢/ ١٦٦) من طريق عبيد الله بن موسى عنه عن منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود … به مثل حديثه عن جده؛ إلا أنه قال في آخره:
فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ.
ولا يعكر على هذا: أن الأعمش رواه عن إبراهيم ولم يصرح برفع الأمر الأول منهما؛ لما عرف أن زيادة الثقة مقبولة؛ لا سيما إذا جاءت من طريق أخرى، كما في حديث الباب.
وحديث الأعمش سيأتي بعضه في الكتاب (رقم ٨١٤).
وبالجملة؛ فالحديث صحيح مرفوع إلى النبي ﷺ، وإنَّ من أعلَّه بالوقف مخطئ؛ لأنه لم يتتبع طرقه، ولم يتوسع في تخريجه!
٧٠ – باب الإمام ينحرف بعد التسليم
٦٢٧ – عن يزيد بن الأسود قال:
صلَّيت خلف رسول الله ﷺ؛ فكان إذا انصرف انحرف.
(قلت: إسناده صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن سفيان: ثني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال «الصحيح»؛ غير جابر بن يزيد الأسود؛ وهو ثقة كما تقدم.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ١٨٢) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (١/ ١٩٦) من طريق أخرى عن يحيى.
وأخرجه الترمذي (١/ ٤٢٤ – ٤٢٥)، والنسائي (١/ ١٣٧)، والدارقطني (ص
شهدت مع النبي ﷺ حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخَيْفِ، فلما قضى صلاته وانحرف؛ إذا هو برجلين … الحديث؛ وقد مضى في الكتاب (رقم ٥٩٠)، دون هذا القدر الذي أورده المصنف هنا.
ثم أخرجه أحمد من طرق أخرى عن يعلى بن عطاء … نحوه.
ورواية هشيم هذه تدل على أن قوله في رواية الكتاب: كان … ليس على بابه؛ فإنها تدل صراحة على أن ذلك إنما كان منه ﷺ مرة واحدة في صلاة الصبح في مسجد الخيف! لكن هذا لا ينفي أن يكون ذلك من هديه ﷺ؛ إذا قام الدليل عليه من رواية غير يزيد بن الأسود، كما في حديث البراء الآتي بعده، وهو:
٦٢٨ – عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال:
كُنَّا إذا صلَّينا خلف رسول الله ﷺ؛ أحْبَبْنا أن نكون عن يمينه، فيُقْبِلَ علينا بوجهِهِ ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا محمد بن رافع: ثنا أبو أحمد الزُّبَيْرِي: نا مِسْعَرٌ عن ثابت بن عُبَيْد عن عُبَيْد بن البراء عن البراء بن عازب.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه كما يأتي.
وذهل المنذري في «مختصره» (رقم ٥٨٦) عن ذلك؛ فعزاه للنسائي وابن ماجة وحدهما!
«ربِّ! قِني عذابك يوم تبعث عبادك».
ثم أخرجه هو، ومسلم (٢/ ١٥٣)، وابن ماجة (١/ ٣١٥)، والبيهقي (٢/ ١٨٢)، وأحمد (٤/ ٢٩٠ و٣٠٤) من طرق أخرى عن مسعر … به؛ وليس عند ابن ماجة الزيادة، ولا قوله: فيُقْبِلَ علينا بوجهه ﷺ.
والحديث عزاه المنذري للنسائي كما سبق، وكذلك فعل النابلسي في «الذخائر» (رقم ٨٩٢)، وذكر أنه أخرجه في «الصلاة» عن شيخه سُوَيْدِ بن نَصْرٍ!
وقد فتشت فيه عنه؛ فلم أعثر عليه! فلعله في «السنن الكبرى» له! وإن كان النابلسي إنما يعزو لـ «السنن الصغرى»، كما نص عليه في المقدمة؛ ولكنه لم يقف عند هذا؛ فقد وجدناه كثيرًا ما يعزو أحاديث إليه، لا نجدها في «الصغرى»! بل إنه يعزوها أحيانًا إلى كتاب من «السنن» للنسائي، ليس ذلك الكتاب في «الصغرى» له؛ وإنما هي في «الكبرى»، كما في الحديث (رقم ٤٩٦٨) من «الذخائر»، وكذا الذي بعده؛ فإنه عزاه لـ «المحاربة» من «النسائي»، وليس هذا الكتاب في «الصغرى» له؛ وإنما فيه «تحريم الدم»؛ والحديثان فيهما (٢/ ١٦٣ و١٦٦).
٧١ – باب الإمام يتطوَّع في مكانه
٦٢٩ – عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا يصلِّي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحوَّل».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثنا عبد العزيز بن عبد الملك القُرَشي:
قال أبو داود: «عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة».
قلت: قال المنذري:
«وما قاله طاهر؛ فإن عطاءً الخراساني ولد في السنة التي مات فيها المغيرة بن شعبة، وهي سنة خمسين من الهجرة على المشهور، أو يكون ولد قبل وفاته بسنة على القول الآخر».
قلت: ورجال إسناده ثقات رجال مسلم؛ غير عبد العزيز بن عبد الملك القرشي؛ وهو مجهول، كما قال ابن القطان، وتبعه الحافظ وغيره.
لكن الحديث صحيح بما له من الشواهد كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ١٩٠) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٤٣٦) من طريقين عن عثمان بن عطاء عن أبيه … به.
وعثمان هذا ضعيف.
غير أن للحديث شاهدين، ينجبر بهما ضعف إسناده، ويرتقي بهما إلى الصحة.
أحدهما: حديث أبي هريرة مرفوعًا:
«أيعْجِزُ أحدكم -إذا صلى- أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله؟ !»؛ يعني: السُّبْحَةَ.
وسيأتي الكلام عليه في موضعه من الكتاب إن شاء الله تعالى (رقم ٩٢٢).
«لا تُوصَلُ صلاة بصلاة؛ حتى يتكلم أو يخرج».
أخرجه مسلم، والمصنف فيما يأتي في «الجمعة» (رقم ١٠٣٤) وغيرهما.
وقد أشار إلى ما ذهبنا إليه -من تقوية الحديث- الحافظُ ابن حجر؛ حيث قال في «الفتح» (٢/ ٢٦٧) -بعد أن أورد حديث الباب وشاهده الأول وضعفهما-:
«فإن قيل: لم يثبت الحديث في التنحِّي؛ قلنا: قد ثبت في حديث معاوية:»أو تخرج … «…».
٧٢ – من باب الإمام يُحْدِثُ بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة
٦٣٠ – عن علي قال: قال رسول الله ﷺ:
«مفتاحُ الصلاةِ الطهورُ، وتحريمُها التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ» (١)
٧٣ – باب ما يُؤْمَرُ به المأمومُ من اتباع الإمام
٦٣١ – عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا تُبادروني بركوع ولا سجود؛ فإنه مهما أسبقْكم به إذا ركعت؛ تدركوني به إذا رفعت؛ إني قد بدَّنْت».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان (٢٢٢٦».
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن ابن عجلان: حدثني محمد بن يحيى ابن حبان عن ابن مُحَيْرِيزٍ عن معاوية بن أبي سفيان.
والحديث أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٩٢): حدثنا يحيى بن سعيد … به؛ وزاد -بعد قوله: «إذا رفعت»-:
«ومهما أسبقكم به إذا سجدت؛ تدركوني إذا رفعت؛ إني قد بدنت».
وأخرجه كذلك ابن ماجة (١/ ٣٠٥ – ٣٠٦) من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد.
وأخرجه هو، وأحمد (٤/ ٩٨) -من طريق سفيان-، وللدارمي (١/ ٣٠١ – ٣٠٢)، والبيهقي (٢/ ٩٢) -من طريق الليث بن سعد- كلاهما عن ابن عجلان … به تامًّا.
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» من طريق يحيى وسفيان وغيرهما.
وروى له البيهقي شاهدًا من حديث أبي هريرة مرفوعًا مختصرًا.
وإسناده حسن؛ فيه ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث؛ فالحديث به صحيح.
وله شاهد آخر: عند ابن ماجة من حديث أبي موسى مرفوعًا نحوه.
وفيه دارم؛ وهو مجهول.
٦٣٢ – عن عبد الله بن يزيد الخَطْمِيِّ قال: ثنا البراء -وهو غير كذوب-:
أنهم كانوا إذا رفعوا رؤوسهم من الركوع مع رسول الله ﷺ؛ قاموا قيامًا، فإذا رأوه قد سجد سجدوا.
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الله بن يزيد الخَطْمِيَّ يخطب الناس قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي. وعبد الله بن يزيد صحابي صغير، شهد الحُدَيبية، وهو ابن سبع عشرة سنة. وقال الحافظ في «الفتح»:
«وفيه لطيفة، وهي رواية صحابي ابن صحابي عن صحابي ابن صحابي؛ كلاهما من الأنصار ثم من الأوس، وكلاهما سكن الكوفة».
وأبو إسحاق: هو السَّبِيعي واسمه عمرو بن عبد الله.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٧١٨): ثنا شعبة … به.
وأخرجه البخاري (٢/ ١٨٤)، والنسائي (١/ ١٣٢)، وأحمد (٤/ ٢٨٤ و٢٨٥ و٢٨٥ – ٢٨٦) من طرق أخرى عن شعبة … به.
وأخرجه أبو عوانة (٢/ ١٧٨) من طريق الطيالسي وغيره عن شعبة.
وأخرجه البخاري أيضًا (٢/ ١٤٤)، ومسلم (٢/ ٤٦)، وأبو عوانة، والترمذي (٢/ ٧٠)، وأحمد أيضًا (٤/ ٣٠٠ و٣٠٤) من حديث سفيان الثوري عن أبي إسحاق … به نحوه.
وأخرجه البخاري (٢/ ٢٣٦)، ومسلم، والبيهقي (٢/ ٩٢) من طرق أخرى عن أبي إسحاق … به نحوه.
وله طريق أخرى عن عبد الله بن يزيد الخطمي، تأتي بعد حديث.
٦٣٣ – عن البراء قال:
كنَّا نصلي مع النبي ﷺ؛ فلا يَحْنو أحدٌ منا ظهره، حتى يرى النبي ﷺ يَضَعُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه في «صحيحه» عن شيخين أحدهما شيخ المصنف فيه).
إسناده: حدثنا زهير بن حرب وهارون بن معروف -المعنى- قالا: ثنا سفيان عن أبان بن تَغْلِبَ -قال أبو داود: قال زهير: ثنا الكوفيون أبان وغيره- عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٤٦) … بإسناد المصنف وغيره، فقال: حدثنا زهير بن حرب وابن نمير قالا: ثنا سفيان ابن عيينة: حدثنا أبان وغيره … به -فقال زهير: حدثنا سفيان قال: حدثنا الكوفيون أبان وغيره- … قال:
حتى نراه يسجد.
وأخرجه البخاري وغيره من طريق أخرى عن البراء، وقد سبق الكلام عليه في الذي قبله؛ فراجعه.
٦٣٤ – عنه:
أنهم كانوا يصلُّون مع رسول الله ﷺ؛ فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: «سمع الله لمن حمده»؛ لم نزل قيامًا حتى يرونه قد وضع جبهته بالأرض،
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا الربيع بن نافع: ثنا أبو إسحاق -يعني: الفَزَاري- عن أبي إسحاق عن مُحَارِب بن دِثَارٍ قال: سمعت عبد الله بن يزيد يقول على المنبر: حدثني البراء.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
وأبو إسحاق الفَزاري: اسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث.
وشيخه أبو إسحاق: هو الشيباني؛ واسمه سليمان بن أبي سليمان.
والحديث أخرجه أبو عوانة (٢/ ١٧٩) من طريق المصنف.
ثم أخرجه هو، ومسلم (٢/ ٤٦)، والبيهقي (٢/ ٩٢) من طرق أخرى عن الفزاري … به.
وأخرجه البخاري وغيره من طريق أخرى عن عبد الله بن يزيد … نحوه، وقد تقدم لفظه قبل هذا بحديث.
٧٤ – باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله
٦٣٥ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«أمَا يخشى -أو ألا يخشى- أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد: أن يُحَوِّل اللهُ رأسَهُ رأسَ حمارٍ -أو صورته صورة حمار-؟ !».
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: ثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه دون قوله: «والإمام ساجد»؛ وهي زيادة صحيحة كما يأتي.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٢٤٩١): ثنا شعبة وحماد بن سلمة عن محمد بن زياد … به.
وأخرجه أبو عوانة (٢/ ١٣٧) من طريق الطيالسي عن شعبة وحده.
وكذلك أخرجه البخاري (٢/ ١٤٥)، ومسلم (٢/ ٢٩)، والدارمي (١/ ٣٠٢)، وأحمد (٢/ ٤٥٦ و٥٠٤) من طرق أخرى عن شعبة … به؛ وفيه عند أحمد الزيادة من ثلاثة طرق: محمد بن جعفر وحجاج ويزيد عن شعبة.
وأخرجها الخطيب (٤/ ٣٩٨) من طريق هُشَيْم عن شعبة … به.
وقد ثبتت من طرق أخرى عن ابن زياد، كما سنذكره.
وأخرجه البيهقي (٢/ ٩٣) من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّيِّ: ثنا حماد ابن سلمة وحماد بن زيد وشعبة وإبراهيم بن طَهْمان عن محمد بن زياد … به دون الزيادة، وبلفظ:
«أن يجعل الله رأسه رأس حمار». قال شعبة في حديثه:
«أو صورته صورة حمار».
»الشك من شعبة؛ فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة، وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد، ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد: فأما الحمادان فقالا: «رأس». وأما يونس فقال: «صورة». وأما الربيع فقال: «وجه». والظاهر أنه من تصرُّف الرواة. ورواة: «الرأس» أكثر، وهي أشمل؛ فهي المعتمدة! .
قلت: رواية الطيالسي تَقَدَّم نقلها من «مسنده».
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة.
وأخرجه أحمد (٢/ ٤٦٩ و٤٧٢) من طريقين آخرين عن حماد بن سلمة … به، وفيه الزيادة في رواية.
وحديث حماد بن زيد: أخرجه النسائي أيضًا (١/ ١٣٢)، والترمذي (٢/ ٤٧٥ – ٤٧٦)، وابن ماجة (١/ ٣٠٥). وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه ابن خزيمة أيضًا؛ وفيه عنده الزيادة، كما في «الفتح».
وحديث يونس: أخرجه أبو عوانة أيضًا، وأحمد (٢/ ٢٦٠ و٤٢٥).
وحديث الربيع: أخرجه أبو عوانة؛ لكن بلفظ:
«رأس».
وكذلك أخرجه هو -من حديث أيوب بن أبي تميمة وعَبَّاد بن منصور-، وأحمد (٢/ ٢٧١) -عن معمر-، والطبراني في «الصغير» (ص ١٠) -عن الحسن
وبالجملة؛ فالصواب في الحديث لفظ: «رأس»؛ لأنه الذي اتفق عليه جمهور الرواة.
٧٥ – باب فيمن ينصرف قبل الإمام
٦٣٦ – عن أنس:
أن النبي ﷺ حَضَّهُمْ على الصلاة، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة.
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه»، ولمسلم منه النهي عن الانصراف).
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: أنا حفص بن بُغَيْلٍ الدُّهني (*): ثنا زائدة عن المختار بن فُلْفُلٍ عن أنس.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير حفص بن بغيل؛ قال ابن حزم: «مجهول». وقال ابن القطان:
«لا يعرف له حال».
قلت: لكنه قد توبع على هذا الحديث، فهو صحيح كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٢٤٠): ثنا أبو سعيد: ثنا زائدة … به أتم منه؛
«والذي نفسي بيده؛ لو رأيتم ما رأيت؛ لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا».
قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ ! قال:
«رأيت الجنة والنار»؛ وحضهم على الصلاة، ونهاهم أن يسبقوه بالركوع والسجود، ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة، وقال:
«إني أراكم من أمامي ومن خلفي».
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه أحمد أيضًا (٣/ ٢١٧) -عن عبد الرحمن بن مهدي-، وأبو عوانة (٢/ ١٣٦)، والبيهقي (٢/ ١٩٢) -عن معاوية بن عمرو-، وأبو عوانة (٢/ ٢٥١) -عنه وعن يحيى بن أبي بكير-، والدارمي (١/ ٣٠٢) -عن أبي الوليد الطيالسي- كلهم عن زائدة … به؛ وليس عند الدارمي إلا قوله: حضهم على الصلاة … إلخ.
وهو عند البيهقي مختصر مثل حديث الباب.
وأخرجه هو (٢/ ٩١ – ٩٢)، ومسلم (٢/ ٢٨) من طرق أخرى عن المختار بن فلفل … به نحو حديث أبي سعيد عن زائدة، لكن ليس فيه الحض على الصلاة.
وكذلك هو في «المسند» (٣/ ١٥٤ و٢٤٥ و٢٩٠)؛ لكن ليس عنده أيضًا الانصراف.
وهو رواية لمسلم.
٦٣٦ / م-عن أبي هريرة:
أن رسول الله ﷺ سُئِلَ عن الصلاة في ثوب واحد؟ فقال النبي ﷺ:
«أوَلِكُلِّكُمْ ثوبان؟ !».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٥٨).
ومن طريقه: أخرجه الإمام محمد في «موطّئه» (ص ١١٣)، والبخاري (١/ ٣٧٤)، ومسلم (٢/ ٦١)، والنسائي (١/ ١٢٤)، والطحاوي (١/ ٢٢١)، وابن حبان (٢٢٩٢)، والبيهقي (٢/ ٢٣٧) كلهم عن مالك … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٣٣٤)، وأحمد (٢/ ٢٣٨) من حديث ابن عيينة عن الزهري … به.
وكذلك رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ٣٧٣ / ٧٥٨)؛ وزاد -هو وأحمد-:
قال أبو هريرة للذي سأله: أتعرف أبا هريرة؟ فإنه يصلي في ثوب واحد،
وخالف الوليد بن مسلم فقال: حدثنا الأوزاعي عن الزهري … به؛ إلا أنه
رفع قول أبي هريرة، وجعله جواب النبي ﷺ للسائل بلفظ: فقال:
»ليتوشح به ثم ليُصَلِّ فيه! .
أخرجه ابن حبان (٤/ ٢٨ / ٢٣٠٠). وقد أشار الحافظ- في شرحه لرواية
الشيخين- إلى رواية ابن حبان هذه، قال:
«فيحتمل أن يكونا حديثين، أو حديثًا واحدًا فرقه الرواة، وهو الأظهر»!
وأقول: بل الصواب الأول؛ لأن رواية ابن حبان شاذة؛ لخالفتها لكل الطرق
عن أبي هريرة وغيره، ولأن الوليد بن مسلم لم يصرح بتحديث الأوزاعي عن
الزهري- والوليد معروف بأنه كان يدلس تدليس التسوية-.
ولذلك فقد أخطأ المعلق على «الإحسان»- ولا أقول: إنه شعيب! – بقوله:
«إسناده صحيح» ا
وله طريقان آخران عن أبي هريرة:
الأول: عن محمد بن سيرين عنه:
أخرجه البخاري (١/ ٣٧٨)، ومسلم، والدارمي (١/ ٣١٨)، والطحاوي،
والدارقطني (ص ١٠٥)، والبيهقي (٢/ ٢٣٦)، والطيالسي (رقم ٢٤٩٦)، وأحمد
(٢/ ٢٣٠ و٤٩٥ و٤٩٨ – ٤٩٩)، والطبراني في «الصغير» (ص ٢٨ و٢٣١) من
طرق كثيرة عنه.
والاخر: أخرجه مسلم، والطحاوي، وأحمد (٢/ ٢٦٥ و٢٨٥ و٣٤٥) من
وتابعه محمد بن عمرو عن أبي سلمة: أخرجه الطحاوي، وأحمد (٢/ ٥٠١).
وله شاهد من حديث طَلْقِ بن علي، يأتي في الباب.
٦٣٧ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على مَنْكِبَيْهِ منه شيء».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه من طريق أخرى عن أبي الزناد كما يأتي.
وسفيان: هو ابن عيينة.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٢٤٣): ثنا سفيان … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ٦١)، وأبو عوانة (٢/ ٦١)، والنسائي (١/ ١٢٥)، والدارمي (١/ ٣١٨)، والطحاوي (١/ ٢٢٣)، والبيهقي (٢/ ٢٣٨) من طرق أخرى عن سفيان … به.
وتابعه مالك، فقال الشافعي في «الأم» (١/ ٧٧): أخبرنا مالك عن أبي الزناد … به.
ومن طريق مالك: أخرجه البخاري (١/ ٣٧٤ – ٣٧٥)، وأبو عوانة أيضًا.
وللحديث طريق أخرى بلفظ آخر، وهو:
٦٣٨ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«إذا صلى أحدكم في ثوب؛ فليخالف بطرفيه على عاتقيه».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا مسدد: أنا يحيى. (ح) وحدثنا مسدد: ثنا إسماعيل -المعنى- عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه من طريق أخرى عن يحيى بن أبي كثير.
وهشام: هو الدَّسْتوائي.
وإسماعيل: هو ابن عُلَيَّة.
ويحيى: هو ابن سعيد.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٤٢٧): ثنا إسماعيل: ثنا هشام الدستوائي … به.
وأخرجه (٢/ ٢٥٥) من طريق يزيد بن هارون: أنا هشام … به.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٧٥)، والبيهقي (٢/ ٢٣٨) من طريق شيبان عن يحيى ابن أبي كثير عن عكرمة قال: سمعته -أو كنت سألته- قال: سمعت -أبا هريرة … به.
رأيت رسول الله ﷺ يصلِّي في ثوب واحد، ملتحفًا مخالفًا بين طرفيه على منكبيه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة ابن سهل عن عمر بن أبي سلمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم عن قتيبة وغيره.
والليث: هو ابن سعد.
وأبو أمامة: اسمه أسعد.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٦٢): حدثنا قتيبة بن سعيد وعيسى بن حماد قالا: حدثنا الليث … به.
وأخرجه أبو عوانة (٢/ ٦٣)، والطحاوي (١/ ٢٢٢)، وأحمد (٤/ ٢٧) من طرق أخرى عن الليث … به.
وله طريق أخرى: أخرجه مالك (١/ ١٥٨)، والبخاري (١/ ٣٧٣)، ومسلم أيضًا، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ١٢٤)، والترمذي (٢/ ١٦٦) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، وابن ماجة (١/ ٣٢٤)، والطحاوي أيضًا، والبيهقي (٢/ ٢٣٧)، وأحمد (٤/ ٢٦) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن سلمة … به نحوه.
قَدِمْنَا على النبي ﷺ، فجاء رجل فقال: يا نبي الله! ما ترى في الصلاة في الثوب الواحد؟ قال: فأطلق رسول الله ﷺ إزاره، طَارَقَ به رداءَهُ، فاشتمل بهما، ثم قام فصلى بنا نبيُّ الله ﷺ. فلما أن قضى الصلاة قال:
«أوَكُلًّكُمْ يجد ثوبين؟ !».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا مُلازم بن عمرو الحنفي: ثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ وفي قيس بن طلق كلام لا يضر، وقد مضى بيان ذلك في حديث آخر للمصنف بهذا الإسناد (رقم ١٧٦).
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٢٢٢)، وابن حبان (٢٢٩٤)، والبيهقي (٢/ ٢٤٠)، وأحمد (٤/ ٢٢) من طرق أخرى عن ملازم … به.
وله طرق أخرى عن قيس؛ فقال الطيالسي (رقم ١٠٩٨): حدثنا أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق … به مختصرًا؛ بلفظ:
سئل رسول الله ﷺ: أيصلي الرجل في ثوب واحد؟ فسكت حتى حضرت الصلاة، فصلى في ثوب واحد، طارَقَ بين كتفيه.
وأخرجه الطحاوي، وأحمد من طريق عيسى بن خُثَيْمٍ عن قيس:
أن أباه شهد رسول الله ﷺ وسأله رجل عن الصلاة في الثوب الواحد، فلم
وأيوب بن عتبة وعيسى بن خُثَيم؛ لا بأس بهما في المتابعات.
٧٧ – باب الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يصلِّي
٦٤١ – عن سهل بن سعد قال:
لقد رأيت الرجال عاقدي أُزُرِهِمْ في أعناقهم -من ضيق الأزُرِ- خلف رسول الله ﷺ في الصلاة؛ كأمثال الصبيان. فقال قائل: يا معشر النساء! لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري: ثنا وكيع عن سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الأنباري، وهو ثقة، وقد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه الإمام أحمد (٣/ ٤٣٣): ثنا وكيع … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ٣٢)، وأبو عوانة (٢/ ٦٠)، والبيهقي (٢/ ٢٤١) من طرق أخرى عن وكيع … به.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٧٦ و٢/ ٢٣٧)، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ١٢٥)، وابن خزيمة (١٦٩٥)، وابن حبان (٥٠٨)، والبيهقي، وأحمد (٥/ ٣٣١) من طرق أخرى عن سفيان … به.
«فكأن النبي ﷺ أمر من يقول لهن ذلك، ويغلب على الظن أنه بلال. وإنما نهى النساء عن ذلك؛ لئلا يلمحن -عند رفع رؤوسهن من السجود- شيئًا من عورات الرجال بسبب ذلك عند نهوضهم، وعند أحمد وأبي داود التصريح بذلك من حديث أسماء بنت أبي بكر».
قلت: حديث أسماء يأتي في «السجود» برقم (٧٩٧)؛ وفيه رجل لم يُسَمَّ؛ لكن له في «المسند» طريق آخر صحيح، كما سنبينه هناك.
٧٨ – باب الرجل يصلِّي في ثوب بعضه على غيره
٦٤٢ – عن عائشة:
أن النبي ﷺ صَلَّى في ثوب؛ بعضه عليَّ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه مسلم وأبو عوانة أتمَّ منه، وقد مضى).
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: ثنا زائدة عن أبي حَصِينٍ عن أبي صالح عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وأبو صالح: اسمه ذكوان السَّمَّان.
وأبو حَصِين -بالفتح-: عثمان بن عاصم بن حصين الأسَدِي الكوفي.
وللحديث طريقان آخران عن عائشة رضي الله عنها، أخرج أحدَهما: مسلمٌ وأبو عوانة وغيرهما بأتم من هذا، وقد مضى في الكتاب (رقم ٣٩٥)؛ فراجعه إن شئت.
٦٤٣ – عن سَلَمَة بن الأكوع قال:
قلت: يا رسول الله! إني رجل أصيد؛ أفأصلِّي في القميص الواحد؟
قال:
«نعم، وازْرُرْه ولو بشوكة».
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي، وقال الحاكم: «حديث صحيح»! ووافقه الذهبي! وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (٢٢٩١) في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن موسى بن إبراهيم عن سلمة بن الأكوع.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله رجال مسلم؛ غير موسى بن إبراهيم -وهو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي-؛ وهو حسن الحديث؛ قال ابن المديني فيه:
«وسط».
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وأخرج له في «صحيحه»، وكذا شيخه ابن خزيمة كما يأتي. ولذا قال النووي في «المجموع» (٣/ ١٧٤):
«إسناده حسن».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢٥٠)، والبيهقي (٢/ ٢٤٠) من طرق أخرى عن عبد العزيز بن محمد … به.
وأخرجه الشافعي في «الأم» (١/ ٧٨) من الطريقين فقال: أخبرنا العَطَّاف بن خالد وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة.
وقد صرح العطاف بسماع موسى بن إبراهيم من سلمة في رواية عند أحمد، وكذلك أخرجه البخاري في «تاريخه»، كما في «الفتح» (١/ ٢٧٠).
وهو رواية الدراوردي: عند الحاكم.
وشذ عن ذلك ما أخرجه الطحاوي (١/ ٢٢٢) من طريق ابن أبي قَبِيلَة قال: أنا الدراوردي عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة بن الأكوع … به! فأخطأ ابن أبي قبيلة في موضعين من إسناده:
الأول: قوله: موسى بن محمد بن إبراهيم! وإنما هو موسى بن إبراهيم؛ ليس في آبائه: محمد، كما تقدم.
والآخر: قوله: عن أبيه! فزاد فيه رجلًا.
وقد تابعه على هذا: إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة: أخرجه البخاري في «التاريخ».
ولعله من أجل هذا الاختلاف؛ قال البخاري في «صحيحه» (١/ ٣٧٠) -بعد أن ذكر المرفوع من الحديث-:
«في إسناده نظر». وقال الحافظ في «شرحه» -بعد أن ذكر رواية ابن أبي أويس وعَطَّاف بن خالد من «تاريخ البخاري»-:
قلت: والراجح عندي أن رواية عطاف هي الصواب؛ لمتابعة الدراوردي له، وموافقته له بالتصريح بالسماع: عند الحاكم كما تقدم.
وإسماعيل بن أبي أويس وأبوه -واسمه: عبد الله بن عبد الله- وإن كانا من رجال «الصحيح»؛ فقد تكلم فيهما بعض الأئمة؛ لضعف في حفظهما؛ فلا تطمئن النفس لما تفردا به؛ لا سيما إذا كان من رواية الابن عن أبيه، كما هنا. والله أعلم.
والحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبان (٢٢٩١) في «صحيحيهما»، كما في «الفتح»، و«التهذيب».
٨٠ – باب إذا كان الثوب ضيِّقًا يتَّزِرُ به
٦٤٤ – عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:
أتينا جابرًا -يعني: ابن عبد الله- قال:
سِرْتُ مع رسول الله ﷺ في غزوة، فقام يصلي، وكانت عليَّ بُرْدَةٌ ذهبت أُخالف بين طرفيها، فلم تبلغ لي، وكانت لها ذَبَاذِبُ، فَنَكَسْتُها، ثم خالفت بين طرفيها، ثم تواقصت عليها لا تَسْقُطُ، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله ﷺ، فأخذ بيدي، فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره، فأخذنا بيديه جميعًا حتى أقامنا خلفه. قال: وجعل رسول الله ﷺ يرمُقني وأنا لا أشعُرُ، ثم فطِنْتُ به، فأشار إلي
«يا جابر!» قلت: لبيك يا رسول الله! قال:
«إذا كان واسعًا؛ فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقًا؛ فاشدده على حَقْوِكَ».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم في «صحيحه»، وأخرجه البخاري نحوه مختصرًا).
إسناده: حدثنا هشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن ويحيى بن الفضل السجِسْتَاني قالوا: ثنا حاتم -يعني: ابن إسماعيل-: ثنا يعقوب بن مجاهد أبو حَزْرَةَ عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجاله «الصحيح»؛ غير سليمان بن عبد الرحمن ويحيى بن الفضل السجستاني، وهما ثقتان، وروايتهما متابعة كما ترى.
والحديث أخرجه مسلم (٨/ ٢٣١ – ٢٣٦)، والبيهقي (٢/ ٢٣٩) من طريقين آخرين عن حاتم بن إسماعيل.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٧٥)، والبيهقي من طريق سعيد بن الحارث عن جابر … به نحوه مختصرًا.
وله طريق ثالثة في «المسند» (٣/ ٣٣٥)؛ وفيه من اختلط آخر عمره.
٦٤٥ – عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ -أو قال: قال عمر-:
“إذا كان لأحدكم ثوبان؛ فليصلِّ فيهما؛ فإن لم يكن إلا ثوب واحد؛
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال النووي: «إسناده صحيح». والتردد في رفعه إنما هو من نافع؛ لكنه رجح رفعه في بعض الروايات الصحيحة عنه. وصححه ابن خزيمة).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ أو قال: قال عمر …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال النووي في «المجموع» (٣/ ١٧٣)، وابن تيمية في «الاقتضاء» (ص ٤٢):
«إسناده صحيح».
وقد تردد نافع في رفعه، لكنه رجح رفعه في بعض الروايات الثابتة عنه، كما سنبينه.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٢٣٦) من طريق أخرى عن سليمان بن حرب … به.
ثم أخرجه من طريق أبي الربيع: ثنا حماد بن زيد … به، وزاد بعد قوله: أو قال: قال عمر:
«وأكثر ظني أنه قال: قال رسول الله ﷺ:
»ليصل أحدكم في ثوبين؛ فإن لم يجد … «الحديث». ثم قال:
«ورواه الليث بن سعد عن نافع هكذا بالشك».
وأخرجه هو، وابن خزيمة (٧٦٦) من طريق سعيد -وهو ابن أبي عروبة- عن أيوب … به، إلا أنه قال: قال رسول الله ﷺ … بدون شك في رفعه.
وأخرجه البيهقي من طريق أنس بن عياض عن موسى بن عقبة … به؛ إلا أنه قال: ولا يرى نافع إلا أنه عن رسول الله ﷺ قال … فذكره؛ بلفظ:
«إذا صلى أحدكم؛ فليلبس ثوبين؛ فإن الله أحق من تُزُيِّنَ له»، ثم قال: قال …
وأخرجه الطحاوي، وأحمد (٢/ ١٤٨) من طريق ابن جريج قال: أخبرني نافع:
أن ابن عمر كساه وهو غلام، فدخل المسجد فوجده يصلي متوشِّحًا. فقال: أليس لك ثوبان؟ قال: بلى. قال: أرأيت لو استعنت بك وراء الدار أكنت لابسَهُما؟ قال: نعم. قال: فالله أحق أن تَزَيَّنَ له أم الناس؟ قال نافع: بل الله. فأخبره عن رسول الله -أو عن عمر.
قال نافع: قد استيقنت أنه عن أحدهما، وما أراه إلا عن رسول الله ﷺ … فذكر الحديث نحوه.
وأخرج أحمد (رقم ٩٦) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني نافع قال: كان عبد الله بن عمر يقول:
إذا لم يكن للرجل إلا ثوب واحد؛ فليأتزر به ثم ليصلِّ؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول ذلك، ويقول:
لا تلتحفوا بالثوب إذا كان وحده كما تفعل اليهود.
قال نافع: ولو قلت لك: إنه أسند ذلك إلى رسول الله ﷺ؛ لرجوت أن لا
وأخرجه الطحاوي، وابن حبان (٣٤٨)، وابن عدي (٧/ ٣٨)، والبيهقي من طريق شعبة عن تَوْبَةَ العنبري عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال:
«إذا صلى أحدكم؛ فليتَّزِرْ وليَرْتَدِ».
وكل هذه الأسانيد إلى نافع صحيحة. ويظهر أنه كان يتردَّد الجزم برفعه؛ لكنه قد صرح في رواية ابن جريج وما في معناها أنه كان يغلب على ظنه رفعه؛ وغلبة الظن في مثل هذا الأمر كافية في الاحتجاج به. والله أعلم.
(تنبيه): وقع هذا الحديث والذي يليه -في بعض نسخ الكتاب- تحت باب آخر يتلو الباب الآتي، وهو (باب من قال: يتزر به إذا كان ضيقًا)! وعليها جرى المنذري في «مختصره»!
ومن الغريب أن القائمين على طبع المختصر قد وضعوا بجانب هذا الباب رقم [١: ٢٤٢]؛ يشيرون بذلك إلى أن الباب يوجد في الجزء والصفحة المشار إليهما من شرح «عون المعبود»! مع أنه ليس فيه إلا الباب الذي تراه هنا في الكتاب، وهو وإن كان بمعنى الباب الآخر؛ فإن إشارتهم تلك تفيد أن البابين كليهما في الشرح المذكور! وليس كذلك؛ فَلْيُعْلَمْ.
٦٤٦ – عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
نهى رسول الله ﷺ أن يصلي في لحاف لا يَتَوَشَّحَ به، والآخر: أن يصلِّيَ في سراويل وليس عليه رداءٌ.
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا محمد بن يحيى الذُّهلي: ثنا سعيد بن محمد: ثنا أبو تُمَيْلَةَ
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي المنيب عبيد الله -وهو ابن عبد الله العَتَكي-؛ وفيه مقال لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إذا لم يخالف؛ وقد وثقه ابن معين والنسائي والحاكم وغيرهم. وقال الآجُرِّي عن المصنف:
«ليس به بأس».
وأنكر أبو حاتم على البخاري ذكره أبا المنيب في «الضعفاء»، وقال:
«هو صالح الحديث». وقال الحافظ:
«صدوق يخطيء». وقال المنذري في «مختصره» (رقم ٦٠٨):
«في إسناده أبو تميلة يحيى بن واضح الأنصاري المروزي، وأبو المنيب عبيد الله ابن عبد الله العَتَكي المروزي؛ وفيهما مقال»!
قلت: أما أبو المنيب؛ فقد عرفت أن المقال الذي فيه لا يضر.
وأما أبو تميلة؛ فهو ثقة حجة من رجال الشيخين، وقد وثقه ابن معين وجماعة، ولم يتكلَّمْ فيه أحد بحُجَّة. والذهبي لما أورده في «الميزان»؛ قال:
«ولولا أن ابن الجوزي أورده في»الضعفاء«؛ لما أوردته».
على أنه لم يتفرد به؛ بل تابعه علي بن الحسن بن شقيق -كما ذكر الذهبي في «الميزان»-، وزيد بن الحباب: عند الطحاوي، كما يأتي.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢٥٠)، وعنه البيهقي (٢/ ٢٣٦) من طريق أخرى عن سعيد بن محمد الجَرْمِيِّ … به.
«حديث صحيح على شرط الشيخين، واحتجا بأبي تميلة. وأما أبو المنيب المروزي؛ فإنه من ثقات المراوزة، وممن يجمع حديثه في الخراسانيين»! ووافقه الذهبي!
وقد وهما؛ فإن أبا المنيب ليس من رجال الشيخين كما علمت.
وللشطر الثاني من الحديث شاهد من حديث جابر: أخرجه الخطيب (٥/ ١٣٨) بسند رجاله ثقات.
ثم إن الحديث يشهد له حديث أبي هريرة المتقدم (٦٣٧)؛ فلا وجه لتضعيف ابن عبد البر إياه في «التمهيد» (٦/ ٣٧٤)؛ فتنبه!
٨١ – من باب الإسبال في الصلاة
٦٤٧ – عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«من أسبل إزاره في صلاته خُيَلاءَ؛ فليس من الله جَلَّ ذِكْرُهُ في حِلٍّ ولا حرام».
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا زيد بن أخزم: ثنا أبو داود عن أبي عوانة عن عاصم عن أبي عثمان عن ابن مسعود.
قال أبو داود: «روى هذا جماعة عن عاصم موقوفًا على ابن مسعود، منهم حماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو الأحوص وأبو معاوية».
وأبو عوانة: هو الوضَّاح بن عبد الله اليَشْكُرِيُّ.
وعاصم: هو ابن سليمان الأحول.
وأبو عثمان: هو عبد الرحمن بن مُلّ -بلام ثقيلة والميم مثلثة- النَّهْدِيُّ -بفتح النون وسكون الهاء-.
وقد أشار المصنف رحمه الله إلى إعلال الحديث بالوقف بأن الجماعة الذين سمى بعضهم رووه موقوقًا!
وهذا ليس بعلة قادحة؛ فإن أبا عوانة ثقة ثبت -كما في «التقريب»-، وقد رفعه؛ فهي زيادة من ثقة واجبٌ قبولُها؛ ولا سيما والوقوف لا يقال بالرأي -كما في «الفتح» (١٠/ ٢٥٧) -.
وأثر حماد بن سلمة: أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٩/ ٣١٥ / ٩٣٦٨)، وإسناده جيد، ولفظه:
المسبل إزاره في الصلاة؛ ليس من الله عز وجل في حِلٍّ ولا حرام.
والحديث أخرجه الطيالسي في «مسنده» (رقم ٣٥١) هكذا: حدثنا أبو عوانة وثابت أبو زيد عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن ابن مسعود -رفعه أبو عوانة ولم يرفعه ثابت-:
أنه رأى أعرابيًّا عليه شَمْلَةٌ، نشر ذيلها وهو يصلي، فقال له:
«إنّ الذي يَجُرُّ ذيله من الخُيَلاءِ في الصلاة؛ ليس من الله في حِلٍّ ولا حرام».
وأورده صاحب «المهذب» (٣/ ١٧٦) موقوقًا على ابن مسعود. فقال النووي في تخريجه:
«ذكره البغوي في»شرح السنة«بغير إسناد عن ابن مسعود». قال:
«وبعضهم يرويه عن ابن مسعود عن النبي ﷺ»!
وكأن النووي رحمه الله لم يقف عليه في المصادر المتقدمة؛ وإلا لما أبعد النُّجْعَةَ!
(تنبيه): يظهر -من رواية المصنف والشاهد المتقدم- أن ذكر (الجَرّ) في رواية الطيالسي شاذ، والمحفوظ (الإسبال).
ويؤيده من جهة المعنى: أن (الجر) إنما يكون في المشي، فكيف يجمع في سياق واحد بين الجَرِّ والصلاة؟ ! وهذا بيِّن لا يخفى.
وقد خفي هذا على صاحب «تنبيه القاري لتقوية ما ضعفه الألباني» (ص ١٠ – ١١)؛ جريًا منه على ظاهر إسناد الطيالسي! ومثله كثير في عصرنا الحاضر ممن لا معرفة عندهم بعلل الحديث!
٨٢ – باب في كم تصلي المرأة؟
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٨٣ – باب المرأة تصلي بغير خمار
٦٤٨ – عن عائشة عن النبي ﷺ أنه قال:
«لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائض إلا بخمار».
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: ثنا حَجَّاج بن مِنْهال: ثنا حماد عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢٥١)، وعنه البيهقي (٢/ ٢٣٣) من طريق علي ابن عبد العزيز: ثنا حجاج بن المنهال … به.
وأخرجه الترمذي (٢/ ٢١٥ – ٢١٦)، وابن ماجة (١/ ٢٢٤)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٦/ ١٥٠ و٢١٨ و٢٥٩) من طرق أخرى عن حماد بن سلمة … به.
وأخرجه ابن حزم في «المحلى» (٣/ ٢١٩) من طريق حماد بن زيد: ثنا قتادة … به. ثم قال الترمذي:
«حديث حسن». وقال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأظن أنه لخلاف فيه على قتادة»، ووافقه الذهبي.
ثم ساق الحاكم رواية ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن … مرسلًا مرفوعًا به، وقد علقها المصنف عقب هذه؛ كأنه يشير بذلك إلى تعليل هذه الرواية الموصولة!
وليس ذلك بعلة قادحة في صحتها؛ فإن حماد بن سلمة ثقة، قد وصله عن
وأما الرواية الأخرى عن قتادة عن الحسن مرسلًا؛ فهي طريق أخرى لقتادة في هذا الحديث مرسلًا، تقوِّي طريقه الأولى الموصولة، كما لا يخفى.
وللحديث شاهد عن أبي قتادة رضي الله عنه … مرفوعًا نحوه.
أخرجه الطبراني في «الصغير» (ص ١٩٠)، وفي «الأوسط» أيضًا بسند ضعيف.
والحديث رواه ابن خزيمة (رقم ٧٧٥)، وابن حبان (١٧٠٨ – ١٧٠٩)، وابن الجارود (١٧٣).
٦٤٩ – قال أبو داود: «رواه سعيد -يعني: ابن أبي عروبة- عن قتادة عن الحسن عن النبي ﷺ».
(قلت: وصله الحاكم من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد، وهو مرسل قوي، شاهد لما قبله).
قلت: وصله الحاكم (١/ ٢٥١)، ومن طريقه البيهقي (٢/ ٢٣٣) من طريق عبد الوهاب بن عطاء: أَبَنا سعيد … به.
وهذا مرسل صحيح الإسناد، وكأن المصنف رحمه الله أورده هكذا معلقًا؛ إشارة إلى إعلال حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث … عن عائشة … مرفوعًا، وقد تقدم قبل!
ونحن نرى أن هذا الرسل لا يُعِلُّ الموصول؛ بل يعطيه قوة كما ذكرنا آنفًا، وبخاصة أنه جاء من طريق آخر عن الحسن.
٦٥٠ – عن أبي هريرة:
أن رسول الله ﷺ نهى عن السَّدْلِ في الصلاة، وأن يُغَطِّيَ الرجل فاه.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال الحافظ العراقي، وهو على شرط البخاري، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (رقم ٤٧٨».
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء وإبراهيم بن موسى عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء -قال إبراهيم- عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ وفي الحسن بن ذكوان -وهو أبو سلمة البصري- كلام لا ينزل حديثه عن الرتبة التي ذكرنا؛ وقد توبع على الشطر الأول منه كما يأتي.
والحديث أخرجه الحاكم (٢/ ٢٥٣)، والبيهقي (٢/ ٢٤٢) من طرق أخرى عن عبد الله بن المبارك … به.
وأخرج ابن ماجة (١/ ٣٠٦) -الشطر الثاني منه- من طريق محمد بن راشد عن الحسن بن ذكوان … به. وقال الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (١/ ١٤٠) -بعد أن عزاه إليه وإلى المصنف-:
«سنده حسن».
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» -بتمامه- (٤٧٨)، وقال الحاكم:
وإنما حكما بهذا لأنه وقع في إسناد الحاكم: الحسين -مصغرًا- بن ذكوان!
بدل: الحسن بن ذكوان!
ووقع في «تلخيص الذهبي»:
حسين المعلم!
والحسين هذا ثقة من رجال الشيخين؛ ولكن ذكره في إسناد هذا الحديث خطأ من الحاكم.
وقد رواه البيهقي من طريقه على الصواب.
وقد تبع الحاكم على خطئه هذا -وزاد عليه- الحافظ الزيلعي؛ حيث قال في «نصب الراية»:
«وسند أبي داود؛ فيه الحسن بن ذكوان العلم؛ ضعفه ابن معين وأبو حاتم. وقال النسائي: ليس بالقوي. لكن أخرج له البخاري في»الصحيح«، وذكره ابن حبان في»الثقات«، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به»!
فقد وصف الزيلعي الحسن -مكبرًا- بـ (المعلم)! وهذا خطأ بيِّن؛ فقد علمت مما سلف أن (المعلم) إنما هو لقب الحسين -المصغر-. فإما أن يكون سقطت (الياء) من قلم الناسخ أو المؤلف، فصار: الحسن. وإما أن يكونا الأصل هكذا مكبرًا، ويكون لقب (المعلم) سَبْقَ قلمٍ من أحدهما.
ويؤيد هذا: أن الأقوال التي نقلها عن الأئمة إنما قالوها في الحسن -المكبر لا المصغر-! والله أعلم.
وقد ذكرنا آنفًا أن الحسن بن ذكوان قد توبع على بعضه؛ وهو:
أن النبي ﷺ نهى عن السدل في الصلاة».
(قلت: هذه طريق أخرى عن عطاء. وقد وصله الترمذي وغيره إلى (عِسْل)، فهذا القدر من الحديث صحيح، وقوّاه البيهقي. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٤٧٩».
قلت: وصله الترمذي (٢/ ٢١٧)، والدارمي (١/ ٣٢٠)، والبيهقي (٢/ ٢٤٢)، وأحمد (٢/ ٢٩٥ و٣٤١ و٣٤٥ و٣٤٨) من طرق عن عِسْلِ بن سفيان … به.
وقال الترمذي:
«لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا إلا من حديث عسل بن سفيان»!
كذا قال! ورواية الحسن بن ذكوان المتقدمة تردُّ عليه. وعسل هذا ضعيف.
وقد تابعه أيضًا عامر الأحول؛ لكن في الطريق إليه ضعف:
أخرجه الطبراني في «الأوسط» عن أبي بَحْرٍ البَكْراوي -واسمه عبد الرحمن ابن عثمان-: ثنا سعيد بن أبي عروبة عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة … مرفوعًا فذكره. قال الزيلعي:
«ورجاله كلهم ثقات؛ إلا البكراوي؛ فإنه ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما، وكان يحيى بن سعيد حسن الرأي فيه، وروى عنه. قال ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه».
قلت: وقد رواه غيره عن عامر عن عطاء … مرسلًا: أخرجه البيهقي من طريق هشيم: أَبَنا عامر الأحول قال:
وهذا مرسل صحيح الإسناد. وقال البيهقي:
«وهذا الإسناد وإن كان منقطعًا؛ ففيه قوّة للموصولين قبله». ثم قال:
«وقد روي من أوجه أخر عن النبي ﷺ …»، ثم ساقها من حديث ابن مسعود وأبي جحيفة، ومن حديث أبي عطية الوادعي مرسلًا؛ وفيها ضعف، وإذا ضمت إلى ما سبق؛ ارتقى الحديث إلى درجة الصحيح.
٦٥٢ – عن ابن جريج قال:
أكثر ما رأيت عطاءً يصلي سادلًا.
(قلت: إسناده صحيح إلى عطاء، وقد صح الحديث عنه مرفوعًا على خلاف فعله، والعمدة على ما روى، لا على فعله أو ما رأى، وقد قال الببهقي: «وكأنه نسي الحديث، أو حمله على أن ذلك إنما لا يجوز للخيلاء، وكان لا يفعله خيلاءَ»).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى بن الطَّبَّاع: ثنا حَجَّاج عن ابن جريج.
قال أبو داود: «وهذا يضعف ذلك الحديث»!
قلت: كلا؛ بل الحديث صحيح، ولا يضعفه أنَّه صح عن أحد رواته -وهو عطاء- مخالفته فعلًا؛ لما تقرر في الأصول: أن العبرة برواية الراوي لا برأيه أو فعله المخالف لها، لا سيما وقد صح عن عطاء نفسه الإفتاء بما يوافق الحديث، وهو ما تقدم قريبًا أنه سئل عن السُّدْل؟ فكرهه. ولما قيل له: أعن النبي ﷺ؟ قال: نعم.
٨٥ – باب الصلاة في شُعر النساء
[تحته حديث واحد، تقدم بالنص، فأغنى عن إعادته، فانظر (رقم ٣٩٣)]
٨٦ – باب الرجل يصلِّي عاقصًا شَعْرَهُ
٦٥٣ – عن أبي سعيد المقبري:
أنه رأى أبا رافع مولى النبي ﷺ مرَّ بحسن بن علي عليهما السلام، وهو يصلي قائمًا، وقد غرز ضفره في قفاه، فحلَّها أبو رافع، فالتفت حسن إليه مغضبًا، فقال أبو رافع: أقْبِلْ على صلاتك ولا تغضب؛ فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«ذلك كِفْلُ الشيطان»؛ يعني: مغرز ضفره.
(قلت: إسناده حسن، وقال الترمذي: «حديث حسن»، وقال الحافظ ابن حجر: «إسناده جيد»، وصححه ابن حبان (٦٥٣».
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج: حدثني عمران بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري يحدث عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال
والحسن بن علي: هو ابن محمد الخلال الحُلْواني.
واسم أبي سعيد المقبري: كَيْسَان بن سعيد.
وكنية ابنه سعيد: أبو سعد المدني.
والحديث أخرجه الترمذي (٢/ ٢٢٣)، والبيهقي (٢/ ١٠٩) من طرق أخرى عن عبد الرزاق.
وأخرجه ابن خزيمة (٩١١)، وابن حبان (رقم ٤٧٤)، والبيهقي من طريق حجاج قال: قال لي ابن جريج … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن».
ونقل الشوكاني (٢/ ٢٨٦) عنه أنه صححه.
وقال الحافظ في «الفتح» (٢/ ٢٣٨) -بعد أن عزاه للمصنف-: «إسناده جيد».
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٣٢٣) من طريقين عن شعبة: أخبرني مُخَوّل قال: سمعت أبا سعد -رجلًا من أهل المدينة- يقول:
رأيت أبا رافع مولى رسول الله ﷺ رأى الحسن بن علي وهو يصلي، وقد عقص شعره، فأطلقه أو نهى عنه، وقال:
نهى رسول الله ﷺ أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره.
ورواه الدارمي (١/ ٣٢٠) من طريق أخرى عن شعبة … به عن أبي رافع قال:
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي سعد هذا؛ فقال الذهبي: «لا يعرف». وقال الحافظ:
«قيل: هو شُرَحْبِيلُ بن سعد».
قلت: ويدور في خَلَدِي أنه سعيد بن أبي سعيد المقبري؛ فإن كنيته أبو سعد المدني كما تقدم. وقد وجدت ما يؤيد ذلك من كلام المتقدمين، ففي «العلل» لابن أبي حاتم (رقم ٢٨٩):
«سألت أبي عن حديث رواه المؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن مُخَوَّل عن سعيد المقبري عن أم سلمة قالت: نهانا رسول الله ﷺ أن يصلي الرجل ورأسه معقوص؟ قال أبي: إنما روي عن مخول عن أبي سعيد [كذا] عن أبي رافع، وكنية سعيد المقبري: أبو سعيد [كذا]، وأخطأ مؤمل؛ إنما الحديث عن أبي رافع».
قلت: كذا في الموضعين: (أبو سعيد)! والظاهر أنه خطأ مطبعي، والصواب: (أبو سعد)؛ فإنها كنيته كما ذكرنا آنفًا.
والمقصود: أن أبا حاتم جزم أن حديث مخول: عن سعيد المقبري أبي سعد، وأن مؤملًا أصاب في ذلك، لكنه أخطأ في قوله: عن أم سلمة! وإنما الصواب: عن أبي رافع.
وقد رواه هكذا على الصواب: الإمام أحمد (٦/ ٨) -عن عبد الرزاق-، وسحنون في «المدونة» (١/ ٩٦) -عن وكيع- كلاهما عن سفيان عن مخول عن رجل عن أبي رافع … به مختصرًا.
فإذا ثبت أن أبا سعد هذا هو سعيد المقبري؛ فينتج من ذلك أن للحديث عنه راويين: أحدهما: عمران بن موسى. والآخر: مخول -وهو ابن راشد-.
وبذلك يرتقي الحديث إلى الصحة، لولا أنهما اختلفا في شيء من متنه وسنده:
أما الأول: فليس في حديث مخول: «ذلك كفل الشيطان»؛ بل فيه النهي عن ذلك.
والأمر فيه يسير، والقاعدة أن يضم هذا إلى ذلك.
وأما الآخر: فهو أن مخولًا لم يذكر بين أبي سعد وأبي رافع: أبا سعيد المقبري! ولعل الأصح إثباته؛ أخذًا بالزيادة. والله أعلم.
ثم إن حديث أم سلمة أورده الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٨٦)، وقال:
«رواه الطبراني في»الكبير«، ورجاله رجال (الصحيح)»!
ولست أدري؛ أهو عند الطبراني من طريق مؤمل بن إسماعيل -الذي في طريق أبي حاتم- أم عن غيره؟
فإن كان الأول؛ فقوله: «ورجاله رجال (الصحيح)»! فيه نظر؛ لأن مؤملًا هذا إنما أخرج له البخاري تعليقًا.
وإن كان الآخر؛ فهو دليل على أن لحديث أم سلمة أصلًا؛ ففيه قوة أخرى للحديث والله أعلم.
ثم وجدت له شاهدًا من حديث علي مرفوعًا:
«ولا تصَلِّ وأنت عاقص شعرك؛ فإنه كفل الشيطان».
٦٥٤ – عن كُرَيْبِ مولى ابن عباس:
أن عبد الله بن عباس رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوصٌ من ورائه، فقام وراءه، فجعل يَحُلُّه، وأقرَّ له الآخر. فلما انصرف؛ أقبل إلى ابن عباس فقال: ما لك ورأسي؟ ! قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«إنما مَثَلُ هذا مَثَل الذي يصلِّي وهو مكتوف».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن بكيرًا حدثه أن كريبًا مولى ابن عباس حدثه: أن عبد الله بن عباس …
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ١٠٢) من طريق المصنف.
وأخرجه هو، ومسلم (٢/ ٥٣)، وأبو عوانة (٢/ ٧٤)، والنسائي (١/ ١٦٧) من طرق أخرى عن ابن وهب … به.
وأخرجه الدارمي (١/ ٣٢٠)، وأحمد (رقم ٢٧٦٨ و٢٩٠٤) من طرق أخرى عن ابن الحارث … به؛ وقرن أحمد في رواية بـ (كريب): شعبة مولى ابن عباس.
ثم أخرج (رقم ٢٩٠٥) -المرفوع منه فقط- من طريق ابن لهيعة عن بكير.
٦٥٥ – عن عبد الله بن السائب قال:
رأيت النبي ﷺ يصلِّي يوم الفتح؛ ووضع نعليه عن يساره.
(قلت: إسناده صحيح، ورجاله رجال «الصحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن ابن جريج: حدثني محمد بن عَبَّاد بن جعفر عن ابن سفيان عن عبد الله بن السائب.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير مسدد؛ فمن رجال البخاري.
وابن سفيان -واسمه عبد الله بن سفيان المخزومي-؛ فمن رجال مسلم.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٤١٠ – ٤١١): ثنا يحيى بن سعيد … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٢٥ – ١٢٦)، وابن ماجة (١/ ٤٣٧) من طريقين آخرين عن يحيى.
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٥٩)، ومن طريقه البيهقي (٢/ ٤٣٢) من طريق عثمان ابن عمر: ثنا ابن جريج … به. وقال الحاكم:
«هذا حديث يعرف بمحمد بن عباد بن جعفر، أخرجته شاهدًا»! ووافقه الذهبي!
وهذا تشدد منهما؛ على خلاف عادتهما! وكان من حقهما أن يقولا: إنه صحيح على شرط مسلم! فقد أخرج في «صحيحه» بهذا الإسناد حديثًا آخر لعبد الله بن السائب هذا، وهو الآتي عقبه.
٦٥٦ – عن عبد الله بن السائب قال:
صلَّى بنا رسول الله ﷺ الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون -أو ذِكْرُ موسى وعيسى؛ ابن عباد يَشُكُّ، أو اختلفوا-؛ أخذت النبيَّ ﷺ سَعْلةٌ، فحذف فركع، وعبد الله بن السائب حاضر لذلك.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وعلقه البخاري في «صحيحه». وقال الحافظ: «إسناده مما تقوم به الحجة»).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا عبد الرزاق وأبو عاصم قالا: أنا ابن جريج قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن المسيِّب العابدي وعبد الله بن عمرو عن عبد الله بن السائب.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
وعبد الله بن عمرو: هو ابن العاص.
وأبو سلمة بن سفيان: اسمه عبد الله، كما تقدم قريبًا.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٤١١): ثنا عبد الرزاق وروح قالا: أنا ابن جريج … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ٣٩) من طريق أخرى عن عبد الرزاق … به.
فصلى في قِبَلِ الكعبة، فخلع نعليه، فوضعهما عن يساره.
وهي عند أحمد أيضًا في رواية؛ وسندها صحيح أيضًا على شرط مسلم.
ولعل هذا الذي غَرَّ الحافظ العراقي، فعزا هذا القدر من الحديث إلى مسلم كما تقدم؛ ظنًّا منه أنها عنده في صلب هذا الحديث؛ وإنما هي عند من ذكرت فقط.
ورواه ابن ماجة (١/ ٢٧٣) -مختصرًا- من طريق ابن عيينة عن ابن جريج عن ابن مُلَيكة عن ابن السائب.
وعلقه البخاري (٢/ ٢٠٣)، وقوّاه الحافظ، كما ذكرنا آنفًا.
٦٥٧ – عن أبي سعيد الخدري قال:
بينما رسول الله ﷺ يصلِّي بأصحابه؛ إذ خلع نعليه فوضعها عن يساره، فلما رأى ذلك القومُ؛ ألقَوْا نِعَالَهم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال:
«ما حملكم على إلقائكم نِعالَكم؟ !».
قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا! فقال رسول الله ﷺ:
«إن جبريل عليه السلام أتاني، فأخبرني أن فيهما قذرًا -أو قال: أذىً-». وقال:
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال النووي: «إسناده صحيح»،
وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط مسلم!، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة (١٠١٧)، وابن حبان في»صحيحيهما”، وقوّى إسناده ابن التُّرْكُماني).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد بن زيد عن أبي نَعَامَةَ السَّعْدي عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سعيد الخدري.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وهكذا وقع في بعض النسخ المعتمدة: (حماد بن زيد)! ووقع في البعض الأخرى: (حماد) غير منسوب.
ويغلب على ظني أن هذا هو الصواب؛ وذلك لأمور:
الأول: أن عادة المصنف جرت -فيما سبق من هذا الكتاب-:
أنه إذا روى عن شيخه موسى هذا عن حماد؛ فإنما يقول: عن حماد؛ لا ينسبه إلا نادرًا؛ فانظر الأحاديث رقم (٤٤ و٥٠ و٥٧ و٥٨ و٨٦ و٨٨ و١٦٧ و١٧٠ و٢١٦ و٢٢٧ و٢٦٣ و٣٢٦ و٣٥٩ و٣٩٨ و٤١٤ و٤١٥ و٤٣٢ و٤٦٥ و٤٩٠ و٥٠٢ و٥٠٧ و٥٤١ و٥٤٢ و٥٩٩ و٦٢١).
وإذا نسبه فإنما يقول: حماد بن سلمة؛ كالأحاديمثا (رقم ١٩٨ و٣٨٨ و٤٧٩).
وقد تبين لنا بالتتبع: أنه في كل تلك الأحاديث التي لم يُنْسَبْ فيها؛ إنما هو
وأيًّا ما كان؛ فإن موسى بن إسماعيل غير مشهور الرواية عن حماد بن زيد، حتى إن الحافظ في «التهذيب» لم يذكره في شيوخه؛ وإنما ذكر فيهم ابن سلمة. فعلى ذلك؛ ينبغي أن يكون هو المراد هنا. ويؤيد ذلك:
الأمر الثاني: وهو أن البيهقي روى الحديث من طريق المصنف … بإسناده هذا؛ فقال: حماد بن سلمة.
الأمر الثالث: أن الحديث إنما يعرف هكذا موصولًا من حديث حماد بن سلمة؛ كذلك أخرجه كل من يأتي ذكره.
الرابع: أنهم لم يذكروا في شيوخ ابن زيد: أبا نعامة هذا؛ وإنما ذكروه في شيوخ ابن سلمة؛ فتعين أنه هو.
الخامس: أن حماد بن زيد إنما يروي هذا الحديث عن أيوب عن أبي نعامة عن أبي نضرة … مرسلًا، كما يأتي.
فكل هذه الأمور تؤيد أن حمادًا إنما هو ابن سلمة. والله أعلم.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٢١٥٤): حدثنا حماد بن سلمة … به.
وأخرجه البيهقي (٢/ ٤٣١) من طريق المصنف عن موسى عن حماد بن سلمة … به.
وكذلك أخرجه الدارمي (١/ ٣٢٠)، وابن خزيمة (١٠١٧)، والحاكم (١/ ٢٦٠)، والبيهقي أيضًا (٢/ ٤٠٢ و٤٣١)، وكذا الطحاوي (١/ ٢٩٤)، وأحمد
«حديث صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي. وقال النووي في «المجموع» (٢/ ١٧٩ و٣/ ١٣٢ و١٥٦):
«إسناده صحيح».
ورواه ابن خزيمة وابن حبان؛ يعني: في «صحيحيهما» على ما في «التلخيص» (٤/ ٦٩)، قال:
«واختلف في وصله وإرساله، ورجح أبو حاتم في»العلل«الموصول».
قلت: ونصُّ كلامه في «العلل» لابنه (رقم ٣٣٠):
«سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي ﷺ: أنه صلى في نعليه، ثم خلع نعليه؛ فخلع الناس … وذكر الحديث؟ فقال أبي:
رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي نعامة عن أبي نضرة: أن النبي ﷺ … مرسل.
قال أبي: أيوب أحفظ. وقد وَهَّنَ أيوب رواية هذا الحديث حديث حماد بن سلمة. ورواه إبراهيم بن طهمان عن حَجَّاج الأحول عن أبي نعامة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي ﷺ. والمتصل أشبه؛ لأنه اتفق اثنان عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي ﷺ».
قلت: وأما البيهقي؛ فقد حاول تضعيف الحديث بما لا طائل تحته؛ فلا حاجة لنقل كلامه وبيان بطلانه؛ وقد رد عليه ابن التركماني في «الجوهر النقي»؛ فأجاد.
«إسناده لا بأس به».
وأخرجه الحاكم (١/ ١٣٩ – ١٤٠) أيضًا، وقال:
«حديث صحيح على شرط البخاري»، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وله شواهد أخرى، ذكرها في «التلخيص». ومن شواهده:
٦٥٨ – عن بكر بن عبد الله عن النبي ﷺ … بهذا؛ قال:
«فيهما خَبَثٌ»؛ قال في الموضعين: «خبث».
(قلت: حديث صحيح، وإسناده مرسل صحيح).
إسناده: حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل-: ننا أبان: ثنا قتادة: حدثني بكر بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ وبكر بن عبد الله: هو أبو عبد الله المُزَني البصري التابعي.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٣١) من طريق المصنف؛ وهو من شواهد حديث أبي سعيد الذي قبله.
٦٥٩ – عن شدَّاد بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ:
«خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يُصَلُّون في نِعالهم ولا خِفافهم».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحاكم ووافقه الذهبي، وقال العراقي: «إسناده حسن»، وقال الشوكاني: «لا مطعن في إسناده». وأخرجه ابن
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا مروان بن معاوية الفَزَاري عن هلال بن ميمون الرَّمْلي عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح: رجاله كلهم ثقات. ونقل المناوي في «الفيض» عن الحافظ العراقي أنه قال في «شرح الترمذي»:
«إسناده حسن». وقال الشوكاني (٢/ ١٠٩):
«أخرجه ابن حبان في»صحيحه«، ولا مطعن في إسناده».
والحديث أخرجه الحاكم (٦/ ٢٦٠)، وعنه البيهقي من طريق قتيبة … به.
وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي.
٦٦٠ – عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
رأيت رسول الله ﷺ يصلِّي حافيًا ومتنعلًا.
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا علي بن المبارك عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ وفي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده خلاف، والحق: أنه حسن الحديث، كما سبق بيانه مفصلا عند الحديث (رقم ١٢٤).
وهذا الإسناد: من الأدلة على أن المراد بجده فيه؛ إنما هو عبد الله بن عمرو بن
ففيه رد على من يقول: إن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه مرسلة أو منقطعة! وقد فصلنا هذه المسألة في المكان المشار إليه؛ فلتراجع.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٣١) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٣٢٢)، والطحاوي (١/ ٢٩٤)، وأحمد (٢/ ١٧٤ و٢١٥) من طرق أخرى عن حسين المعلم … به.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٧٨ و١٩٠) من طرق أخرى عن عمرو … به.
وللحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة؛ منهم أبو هريرة: في «المسند» (٢/ ٢٤٨) بسند صحيح، فالحديث صحيح.
وبقية الشواهد؛ قد أوردتها في كتابنا الكبير «صفة صلاة النبي ﷺ من التكبير إلى التسليم كأنك تراها».
٨٨ – باب المصلِّي إذا خلع نَعْلَيْهِ؛ أين يضعها؟
٦٦١ – عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا صلى أحدكم؛ فلا يضع نعليه عن يمينه، ولا عن يساره؛ فتكونَ عن يمين غيره؛ إلا أن لا يكون عن يساره أحد، وليضعها بين رجليه».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال العراقي: «سنده صحيح»، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا عثمان بن عمر: ثنا صالح بن رستم أبو
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فهو على شرطه. ولولا ما في صالح بن رستم من الكلام من قبل حفظه؛ لقلت -كما قال العراقي في «تخريج الإحياء» (١/ ١٣٠) -:
«سنده صحيح».
ثم استدركت فقلت: إنه ليس على شرط مسلم؛ لأن عبد الرحمن بن قيس هذا ظننت أولًا أنه أبو صالح الحنفي الكوفي -وهو من رجال مسلم-، ثم تيقنت أنه ليس به، بل هو أبو رَوْحٍ العَتَكِيُّ البصري، روى له المصنف هذا الحديث فقط؛ وقد روى عنه جماعة من الثِّقات، منهم يحيى القطان.
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وأخرج هو وشيخه ابن خزيمة حديثه هذا في «صحيحيهما» -كما في «التهذيب»-، وصححه الحاكم والذهبي كما يأتي. وأما قول المنذري في «مختصره» (رقم ٦٢٤):
«ويشبه أن يكون الزعفرانيَّ البصريَّ، كنيته أبو معاوية، ولا يحتج به»!
فغير سديد. قال الحافظ في «التهذيب». «وليس كما ظن؛ فإن الزعفراني يَصْغُرُ عن إدراك يوسف بن ماهك. وأيضًا؛ فقد ذكره ابن حبان في»الثقات«. وأما الزعفراني؛ فواهي الحديث كما ترى». ولذلك قال العراقي -بعد أن صححه كما قلناه آنفًا-:
«وضعفه المنذري؛ وليس بجيد».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢٥٩) من طريق الحسن بن مُكْرَم: ثنا عثمان ابن عمر … به.
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي! وهو من تساهلهما أو من أوهامهما؛ فإن صالح بن رستم لم يخرج له البخاري في «صحيحه»، وإنما روى له فيه تعليقًا.
ثم إن عبد الرحمن بن قيس قد علمت أنه لم يرو له غير المصنف؛ لكنه قد سقط من إسناد الحاكم؛ فلا أدري أذلك منه أم ممن بعده؟ !
والحديث: عند ابن خزيمة (١٠١٦) من طريقين عن عثمان بن عمر … به.
وله شاهد من حديث أبي بكرة بنحوه؛ بلفظ:
«ولكن ليخلعهما بين ركبتيه».
رواه الطبراني في «الكبير»، وفيه ضعف، كما في «المجمع» (٢/ ٥٥).
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه؛ وهو:
٦٦٢ – عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال:
«إذا صلى أحدكم فخلع نعليه؛ فلا يؤذ بهما أحدًا؛ ليجعلهما بين رجليه، أو ليُصَلِّ فيهما».
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدة: ثنا بقية وشعيب بن إسحاق عن الأوزاعي: حدثني محمد بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢٦٠) عن عبد الوهاب بن نجدة.
وأخرجه البيهقي (٢/ ٤٣٢) من طريق بشر بن بكر: ثنا الأوزاعي … به.
وخالفه في إسناده عن سعيد: عياض بن عبد الله القُرَشي فقال: عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة … مرفوعًا به، وزاد:
«ولا يؤذي بهما غيره»؛ فلم يذكر القرشيُّ بين سعيد المقبري وأبي هريرة: أبا سعيد المقبري.
أخرجه ابن خزيمة (١٠٠٩).
وقد تابعه على هذا: عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد -وهو المقبري-:
أخرجه ابن ماجة (١/ ٤٣٧ – ٤٣٨)؛ ولفظه:
«ألزم نعليك قدميك، فإن خلعتهما؛ فاجعلهما بين رجليك، ولا تجعلهما عن يمينك، ولا عن يمين صاحبك، ولا وراءك فتؤذي من خلفك».
لكن عبد الله بن سعيد هذا ضعيف جدًّا.
وأما عياض بن عبد الله القرشي؛ فثقة من رجال الشيخين.
وقد شارك سعيد المقبري أباه في الرواية عن أبي هريرة والسماع منه في غير ما حديث؛ فلعله سمعه من أبيه عن أبي هريرة أولًا، ثم سمعه منه مباشرة. والله أعلم.
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة: في «معجم الطبراني الصغير» (رقم ١٠٥١ – من ترتيبه).
٦٦٣ – عن ميمونة بنت الحارث قالت:
كان رسول الله ﷺ يصلِّي؛ وأنا حذاءه وأنا حائض، وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على الخُمْرَةِ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن شداد: حدثتني ميمونة بنت الحارث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وأخرجاه كما يأتي.
وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي.
والشيباني: هو أبو إسحاق، مشهور بكنيته؛ واسمه سليمان بن أبي سليمان.
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٣٨٨) -عن مسدد-، ومسلم (٢/ ٦٦ و١٢٨) -عن يحيى بن يحيى التميمي- كلاهما عن خالد … به.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٤١)، وابن خزيمة (٢/ ١٠٤)، وأبو عوانة (٢/ ٥٣)، وأحمد (٦/ ٣٣٠ – ٣٣١ و٣٣١) من طرق أخرى عن الشيباني … به.
ورواه شعبة عنه -الجملة الأخيرة منه-: كان يصلي على الخمرة:
أخرجه الطيالسي (رقم ١٦٢٦)، والبخاري (١/ ٣٩٠)، وابن خزيمة (٢/ ١٠٤)، وأبو عوانة (٢/ ٧٣)، والدارمي (١/ ٣١٩)، والبيهقي (٢/ ٤٢١).
ورواه سفيان بن عيينة بتمامه نحوه؛ دون الجملة الأخيرة منه؛ وقد مضى في الكتاب (رقم ٣٩٥).
وانظر «صحيح ابن خزيمة» (٢/ ١٥٥ – ١٠٦) بطرق أخرى.
٩٠ – باب الصلاة على الحصير
٦٦٤ – عن أنس بن مالك قال:
قال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إني رجل ضَخْمٌ -وكان ضخمًا- لا أستطيع أن أصلِّيَ معك -وصنع له طعامًا ودعاه إلى بيته-؛ فصَلِّ حتى أراك كيف تصلي؛ فأقتديَ بك. فنضحوا له طرفَ حصير لهم، فقام فصلى ركعتين.
قال فلان ابن الجارود لأنس بن مالك: أكان يصلي الضحى؟ قال: لم أَرَهُ صَلَّى إلا يَوْمَئِذٍ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه منهما البخاري، دون قوله: فَصَلِّ حتى أراك كيف تصلي؛ فأقتديَ بك).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: ثنا أبي: ثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (٢/ ١٢٥ – ١٢٦ و٣/ ٤٤ – ٤٥)، وأحمد (٣/ ١٣٠ –
وروى الطيالسي (رقم ٢٠٩٧ و٢٠٩٨) منه: صلاة الركعتين على الحصير، وسؤال أنس عن الضحى. وليس عندهم جميعًا: فصلِّ .. فأقتديَ بك.
وكذلك رواه خالد الحذاء عن أنس بن سيرين … به نحوه.
أخرجه البخاري (١٠/ ٤١٠ – ٤١١).
وذكر الحافظ في «شرحه»: أن ابن ماجة وابن حبان أخرجاه من رواية عبد الله ابن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس. قال:
«فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعًا. وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس. فحينئذ رواية ابن ماجة إما من (المزيد في متصل الأسانيد)، وإما أن يكون فيها وهم؛ لكون ابن الجارود كان حاضرًا عند أنس لما حدث هذا الحديث، وسأله عما سأله من ذلك، فظن بعض الرواة أن له فيه رواية».
قلت: وقفت على الحديث عند ابن ماجة (رقم ٧٥٦) والله أعلم.
وقد ذكر الحافظ أيضًا أن في رواية عبد الحميد هذه:
وإني أحب أن تأكل في بيتي، وتصلي فيه.
وقد أخرجها أحمد (٣/ ١١٢ و١٢٨ – ١٢٩)؛ وإسناده صحيح.
٦٦٥ – عن أنس بن مالك:
أن النبي ﷺ كان يزور أم سُلَيْمٍ، فتدركه الصلاة أحيانًا، فيصلي على بساط لنا؛ وهو حصير تنضحه بالماء.
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا المثنى بن سعيد: حدثني قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ ولم يخرجاه.
والحديث رواه الطبراني في «الصغير» (ص ١٢١) من طريق هشام الدَّسْتوَائي عن قتادة … مختصرًا بلفظ:
كان يصلي على الخمرة.
وله طريق أخرى عن أنس، فقال الإمام أحمد (٣/ ١٩٠): ثنا بَهْزٌ: حدثني موسى بن سعيد عن أبي التَّيَّاح عن أنس … به، ولفظه:
كان يزور أم سليم أحيانًا، ويتحدث عندها، فتدركه الصلاة، فيصلي على بساط؛ وهو حصير؛ ينضحه بالماء.
ورجاله رجال الشيخين؛ غير موسى بن سعيد هذا؛ فلم أعرفه، ولم يورده الحافظ في «التعجيل»!
وقد توبع؛ فأخرجه البخاري (١٠/ ٤٨٠)، ومسلم (٢/ ١٢٧)، وأحمد أيضًا (٣/ ٢١٢) من طريق عبد الوارث عن أبي التياح … به نحوه.
ورواه شعبة أيضًا عن أبي التياح … به مختصرًا.
أخرجه الترمذي (٢/ ١٥٤)، وأحمد (٣/ ١١٩ و١٧١). وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
٩١ – باب الرجل يسجد على ثوبه
٦٦٦ – عن أنس بن مالك قال:
كنَّا نصلي مع رسول الله ﷺ ِفي شدة الحرِّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكِّن وجهه من الأرض؛ بسط ثوبه فسجد عليه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل رحمه الله: ثنا بشر -يعني: ابن المُفَضَّلِ-: ثنا غالب القطان عن بكر بن عبد الله عن أنس بن مالك.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث رواه أحمد في «المسند» (٣/ ١٠٠) … بهذا السند.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٩٢ و٣/ ٦٢)، ومسلم (١٢/ ٥٩)، وأبو عوانة (١/ ٣٤٦)، والدارمي (١/ ٣٠٨)، وابن ماجة (١/ ٣٢١)، والبيهقي (٢/ ١٠٦) من طرق أخرى عن بشر بن المفضل … به.
وقد تابعه خالد بن عبد الرحمن السُّلَمِيُّ عن غالب … به مختصرًا؛ بلفظ:
كنا إذا صلينا خلف رسول الله ﷺ بالظهائر؛ سجدنا على ثيابنا؛ اتقاء الحر.
أخرجه البخاري (٢/ ١٨)، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ١٦٧ – ١٦٨)، والترمذي (٢/ ٤٧٩)، وقال:
وتابعه أيضًا عِمْران القطان: كما في «كامل ابن عدي» (٦/ ٢٠٣٤)، وأعله بغالب؛ فأخطأ! وليس هذا مجال بيان ذلك؛ فانظر «الضعيفة» (١٣٧٩).
تفريع أبواب الصفوف
٩٢ – باب تسوية الصفوف
٦٦٧ – عن جابر بن سَمُرَةَ قال: قال رسول الله ﷺ:
«ألا تَصُفُّونَ كما تَصُفُّ الملائكة عند ربهم؟ !».
قلنا: وكيف تَصُفُّ الملائكة عند ربهم؟ قال:
«يُتِمُّون الصفوف المقدَّمة، ويتراصُّون في الصف».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: ثنا زهير قال: سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر بن سمرة في الصفوف المتقدَّمة؟ فحدثنا عن المسيّب بن رافع عن تميم بن طَرَفة عن جابر بن سَمُرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ رجال الشيخين؛ غير تميم بن طرفة؛ فمن رجال مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.
وزهير: هو ابن معاوية؛ وقد صرَّح (*)
ورواه جابر بن عبد الله الأنصاري مختصرًا جدًّا مرفوعًا؛ بلفظ:
«إن من تمام الصلاة إقامةَ الصف».
أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٤٤ / ٢٤٢٥)، ومن طريقه أحمد (٣/ ٣٢٢)، وكذا الطبراني في «المعجم الكبير» (٢/ ١٩٨ / ١٧٤٤) … بسنده عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن.
وله شاهد من حديث أنس، يأتي برقم (٦٧٤).
٦٦٨ – عن النعمان بن بشير قال:
أقبل رسول الله ﷺ على الناس بوجهه، فقال:
«أقيموا صفوفكم -ثلاثًا-، والله لَتُقِيمُنَّ صُفوفَكم، أو ليُخالِفَنَّ الله بين قلوبكم».
قال: فرأيت الرجل يلزق مَنْكِبَهُ بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه.
(قلت: إسناده صحيح، وقال النووي: «حديث حسن إسناده جيد».
وقال الحافظ: «حديث صحيح». وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة. ثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي القاسم الجَدَلِيِّ قال: سمعت النعمان بن بشير.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي القاسم الجدلي -واسمه: الحسين بن الحارث الكوفي-؛ روى عنه جماعة من الثقات.
وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات».
وصحح له الدارقطني حديثًا، يأتي في الكتاب (رقم ٢٠٢٦).
وعلَّقه البخاري في «صحيحه» (٢/ ١٦٧) -القدر المذكور في الحديث بصيغة الجزم، فقال:
«وقال النعمان بن بشير:
رأيت الرجل يُلْزِقُ كعبه بكعب صاحبه». وقال الحافظ في «شرحه»:
«وصححه ابن خزيمة». وقال في موضع آخر (١/ ٢٣٥):
«حديث صحيح». وقال النووي في «المجموع» (١/ ٤٢١):
«حديث حسن، رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما بأسانيد جيدة»!
وقوله: «بأسانيد»! فيه نظر؛ فإنه لا إسناد له إلا هذا؛ ولكن النووي رحمه الله جرى في كتبه على هذا الاستعمال، في الأحاديث التي تكثر الأسانيد إلى بعض رواتها ممن دون الصحابي؛ وهذا اصطلاح خاص به، لا ينبغي أن يُغْتَرَّ به!
وأخرجه الإمام أحمد (٤/ ٢٧٦): ثنا وكيع … به.
وأخرجه البيهقي أيضًا (١/ ٧٦) من طريق أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ثنا سَلْم بن جُنَادة: ثنا وكيع … به.
وابن خزيمة هذا: هو صاحب «الصحيح» المعروف به؛ وقد أخرجه في «صحيحه» -كما في «التلخيص» (١/ ٣٥٧) -، وأشار إلى ذلك في «الفتح»، كما نقلناه آنفًا عنه.
ورواه ابن حبان أيضًا في «صحيحه»، كما في «الترغيب» (١/ ١٧٦).
ورواه الطبراني في «الكبير»؛ على ما في «التلخيص».
وأخرجه الدارقطني (ص ١٠٥) من طريق أخرى عن زكريا بن أبي زائدة.
ولبعضه طرق أخرى:
أحدهما: عن شعبة: أخبرني عمرو بن مرة: سمعت سالم بن أبي الجَعْدِ يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول: قال النبي ﷺ:
«لَتُسَوُّنَّ صفوفكم؛ أو ليخالفَنَّ الله بين وجوهكم».
أخرجه البخاري (٢/ ١٦٤)، ومسلم (٢/ ٣١)، وأبو عوانة (٢/ ٤٠)، والبيهقي (٣/ ١٠٠)، والطيالسي (رقم ٧٩٩)، وأحمد (٢٧٧) من طرق عن شعبة … به.
والطريق الأخرى تأتي في الكتاب عقب هذا الحديث.
ولبعضه الآخر شاهد من حديث أنس مرفوعًا:
«أقيموا صفوفكم؛ فإني أراكم من وراء ظهري». وكان أحدنا يُلزق منكبه
أخرجه البخاري (٢/ ١٦٧ – ١٦٨) من طريق حميد عنه. قال الحافظ:
«رواه سعيد بن منصور عن هُشَيْمٍ؛ فصرح فيه بتحديث أنس لحميد، وفيه الزيادة التي في آخره، وهي قوله: وكان أحدنا … إلى آخره. وصرح بأنها من قول أنس. وأخرجه الإسماعيلي من رواية معمر عن حميد بلفظ: قال أنس: فلقد رأيت أحدنا … إلى آخره. فأفاد هذا التصريح: أن الفعل المذكور كان في زمن النبي ﷺ». وقال:
«وزاد معمر في روايته. ولو فعلت ذلك بأحدهم اليوم؛ لَنَفَر كأنه بَغْلٌ شَمُوسٌ».
٦٦٩ – عن النعمان بن بَشِير قال:
كان النبي ﷺ يُسوِّينا في الصفوف؛ كما يُقَوّمُ القِدْحُ، حتى إذا ظنَّ أنْ قدْ أخذنا ذلك عنه وفَقِهْنا؛ أقبل ذات يوم بوجهه؛ إذا رجل مُنْتَبِذٌ بصدره فقال:
«لَتُسَوُّنَّ صفوفكم؛ أو ليخالفن الله بين وجوهكم».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». والبخاري المرفوع منه).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول …
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٧٦): ثنا بهز: ثنا حماد بن سلمة … به.
وأخرجه هو (٤/ ٢٧٢ و٢٧٦ و٢٧٧)، ومسلم (٢/ ٣١)، وأبو عوانة (٢/ ٤٠ و٤١)، والنسائي (١/ ١٣٠)، والترمذي (١/ ٤٣٨)، وابن ماجة (١/ ٣١٣)، والبيهقي (٣/ ١٠٠) من طرق أخرى عن سماك … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ورواه البخاري وغيره من طريق أخرى عن النعمان … مختصرًا، وقد ذكرناه في الذي قبله.
٦٧٠ – عن البراء بن عازب قال:
كان رسول الله ﷺ يتخلَّلُ الصَّفَّ من ناحية إلى ناحية، يمسح صدورنا ومناكبنا، وبقول:
«لا تختلفوا فتختلفَ قلوبكم». وكان يقول:
«إن الله عز وجل وملائكته يُصَلُّون على الصفوف الأُوَلِ».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا هَنَّادُ بن السَّرِيِّ وأبو عاصم بن جَوَّاسٍ الحنفي عن أبي الأحوص عن منصور عن طلحة اليَامِيِّ عن عبد الرحمن بن عَوْسَجَةَ عن البراء بن عازب.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الرحمن
وأبو عاصم: اسمه أحمد.
وأبو الأحوص: هو سلّام بن سُلَيْمٍ الحنفي. وقال النووي في «المجموع» (٤/ ٢٢٦)، وفي «الرياض» (ص ٤١٣):
«رواه أبو داود بإسناد حسن»! وقال في موضع آخر من «المجموع» (٤/ ٣٠١):
«رواه أبو داود بإسناد صحيح»؛ فأصاب.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٧٤١): ثنا شعبة عن طلحة بن مُصَرِّف … به.
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (٣/ ١٠٣).
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٨٥ و٣٠٤)، والدارمي (١/ ٢٨٩) من طرق أخرى عن شعبة … به.
ولابن ماجة منه: «إن الله وملائكته …» إلخ.
وأخرجه النسائي (١/ ١٣٠) من طريق قتيبة بن سعيد قال: ثنا أبو الأحوص … به.
ثم أخرجه البيهقي، والحاكم (١/ ٥٧٣ و٥٧٤ و٥٧٥)، وأحمد (٤/ ٢٨٥) عن طلحة بن مصرف … به.
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٩٧ و٢٩٩) من طريق أبي إسحاق الهَمْدَاني: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة … به.
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٩٦ – ٢٩٧)، والحاكم (١/ ٢١٧)، ومن طريقه البيهقي
«تراصُّوا في الصف؛ لا يَتَخَلَّلْكُم أولاد الحَذَفِ».
قلت: يا رسول الله! ما أولاد الحذف؟ قال:
«ضَأْنٌ جُرْدٌ سودٌ، تكون بأرض اليمن». وقال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!
وهو من أوهامهما! فإن ابن عوسجة قد مرَّ قريبًا أنه ليس من رجالهما.
ثم إن الحديث رواه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، كما في «الترغيب» (١/ ١٧٦).
٦٧١ – عن النعمان بن بَشير قال:
كان رسول الله ﷺ يُسَوِّي -يعني- صفوفنا إذا قمنا للصلاة؛ فإذا استوينا كبّر.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه بمعناه).
إسناده: حدثنا ابن معاذ: ثنا خالد -يعني: ابن الحارث-: ثنا حاتم بن أبي صَغِيرة عن سماك قال: سمعت النعمان بن بشير قال …
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم؛ وأخرجه بمعناه.
والحديث قال المنذري في مختصره«:
»هو طرف من الحديث المتقدم”.
كان رسول الله ﷺ يُسَوِّي صفوفنا، حتى كأنما يُسَوِّي بها القِداح، حتى رأى أنا قد عَقَلْنا عنه، ثم خرج يومًا، فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلًا باديًا صدره … الحديث.
٦٧٢ – عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قال:
«أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكبِ، وسُدُّوا الخَلَلَ، ولِينُوا بأيدي إخوانكم، ولا تَذَرُوا فُرُجاتٍ للشيطان، ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي. وروى ابن خزيمة منه في «صحيحه» قوله: «من وصل …» إلخ. وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا).
قال أبو داود: «ومعنى:»وَلِينوا بأيدي إخوانكم«: إذا جاء رجل إلى الصف، فذهب يدخل فيه؛ فينبغي أن يُلِينَ له كلُّ رجل مَنْكِبَيْه، حتى يدخل في الصف».
إسناده: حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافِقِيُّ: ثنا ابن وهب. (ح) وحدثنا قتيبة ابن سعيد: ثنا الليث -وحديث ابن وهب أتم- عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مُرَّةَ عن عبد الله بن عمر.
قال قتيبة: عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة … لم يذكر ابن عمر.
قال أبو داود: «أبو شجرة: كثير بن مُرَّةَ».
وإسناده الآخر -وهو المرسل- صحيح أيضًا، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ ولا يعل هذا الأولَ؛ لما تقرر أن زيادة الثقة مقبولة.
وقال المصنف -عقب قوله في الحديث: «ولينوا بأيدي إخوانكم»-:
«لم يقل عيسى:»بأيدي إخوانكم«…».
فأفاد أن هذه الزيادة في الإسناد المرسل. لكن قد ثبت في الموصول أيضًا عند غير المصنف، كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٠١) من طريق المصنف.
وأخرجه الإمام أحمد (رقم ٥٧٢٤): حدثنا هارون بن معروف: حدثنا عبد الله ابن وهب … به؛ وفيه الزيادة:
«ولينوا بأيدي إخوانكم»؛ وزاد أيضًا -بعد: «أقيموا الصفوف»-:
«فإنما تَصُفُّونَ بصفوف الملائكة».
وهذا إسناد على شرط مسلم.
وأخرج الجملة الأخيرة منه: النسائي (١/ ١٣١)، والحاكم (١/ ٢١٣) من طرق أخرى عن ابن وهب … به.
وعزاها المنذري في «الترغيب» (١/ ١٧٤) لابن خزيمة أيضًا في «صحيحه». ثم قال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري، والحافظ
وصححه النووي في «الرياض» (٤١٣/ ١٠٩٧)، و«المجموع» (٤/ ٢٢٧).
وروى عبد الرزاق في «المصنف» (٢/ ٤٨ / ٢٤٤١) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه وعن موسى بن عقبة: أن رسول الله كان يقول:
«أقيموا الصفوف، وحاذوا الناكب، وأنصتوا؛ فإن أجر المُنْصِتِ الذي لا يسمع؛ كأجر المُنْصِتِ الذي يسمع».
قلت: وعبد الرحمن بن زيد ضعيف جدًّا.
٦٧٣ – عن أنس بن مالك عن رسول الله ﷺ قال:
«رُصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق؛ فوالذي نفسي بيده؛ إني لأرى الشيطان يدخل من خَلَلِ الصف كأنها الحَذَفُ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال النووي: «إسناده صحيح على شرط مسلم»! وهو قصور).
إسناده: مسلم بن إبراهيم: ثنا أبان عن قتادة، عن أنس.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقول النووي في «المجموع» (٤/ ٢٢٧):
«صحيح على شرط مسلم»! قصور.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف (٣/ ١٠٠).
وأخرجه النسائي (١/ ١٣١)، وأحمد (٣/ ٢٦٠ و٢٨٣) من طرق أخرى عن
ورواه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما».
وله في «مسند الطيالسي» (رقم ٢١٠٨) طريق ثانٍ عن أنس … مختصرًا.
وفي «مسند أحمد» (٣/ ١٥٤) طريق ثالث أخصر منه؛ بلفظ:
«فإن الشياطين تقوم في الخلل».
وفيه عطاء بن السائب؛ مختلط.
وله عنده (٥/ ٢٦٢) شاهد من حديث أبي أمامة.
ورواه الطبراني أيضًا. وقال المنذري (١/ ١٧٢):
«إسناد أحمد لا بأس به»! كذا قال!
وله شاهد آخر من حديث البراء … مرفوعًا نحوه.
أخرجه أحمد (٤/ ٢٩٧)، وصححه الحاكم (١/ ٢١٧) على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي!
وإنما هو على شرط مسلم وحده؛ لأن الحسن بن عبيد الله النخعي لم يخرج له البخاري.
٦٧٤ – عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ:
«سَوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفِّ من تمام الصلاة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وأخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٩٩ – ١٠٠) من طريق المصنف.
وأخرجه البخاري (٢/ ١٦٦): حدثنا أبو الوليد قال: ثنا شعبة … به؛ إلا أنه قال:
«من إقامة الصلاة».
وأخرجه الطيالسي (رقم ١٩٨٢): حدثنا شعبة … به مثل لفظ الكتاب.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة (٢/ ٣٨ – ٣٩).
وكذلك رواه الإسماعيلي من طريق أبي داود الطيالسي -كما في «الفتح»-، قال:
«وزاد: قال -يعني: الطيالسي-: سمعت شعبة يقول: داهنت في هذا الحديث؛ لم أسأل قتادة: أسمعته من أنس أم لا؟ !».
قلت: وهذه الزيادة عند أبي عوانة أيضًا من طريق أَسَدِ بن موسى قال: سمعت شعبة يقول:
«كان هِمَّتي من الدنيا شَفَتَيْ قتادة، فإذا قال: سمعت؛ كتبت. وإذا قال: قال؛ تركت، وإنه حدثني بهذا عن أنس [قلت: فذكره مثل لفظ الكتاب] فلم أسأله: أسمعته؟ ! مخافة أن يُفْسِدَهُ عَلَيَّ».
وروى أبو نعيم (٩/ ٣٣) عن ابن مهدي عن شعبة … نحوه.
قلت: يعني: بعد تصريحه بالسماع. قال الحافظ:
نعود إلى تمام تخريج الحديث؛ فأقول: وأخرجه البيهقي من طريق عثمان بن سعيد: ثنا أبو الوليد الطيالسي … به مثل لفظ الكتاب.
وكذلك أخرجه مسلم (٢/ ٣٠)، وأحمد (٣/ ١٧٧) -عن محمد بن جعفر-، والدارمي (١/ ٢٨٩) -عن هاشم بن القاسم وسعيد بن عامر-، وابن ماجة (١/ ٣١٣) -عن يحيى بن سعيد وعلي بن نصر وبشر بن عمر-، وأحمد أيضًا (٣/ ١٧٧) -عن حجاج-، و(٣/ ٢٧٤) -عن وكيع-، و(٣/ ٢٩١) -عن بهز-، وابنه عبد الله في «زوائده» (٣/ ٢٧٩) -عن رجل-، والخطيب (١/ ٢٢٧١) -عن شعيب بن حرب- كلهم عن شعبة … به. وقال وكيع -في رواية عند أحمد (٣/ ١٧٩ و٢٧٤) -:
«… من حسن الصلاة».
وهذه الرواية -ورواية البخاري المتقدمة: «من إقامة الصلاة»- شاذة عندي؛ لمخالفتهما لرواية الجماعة عن شعبة.
لكن يشهد لرواية وكيع هذه: أن همامًا رواه عن قتادة عن أنس … مرفوعًا بلفظ: «إن من حسن الصلاة إقامة الصف».
أخرجه أحمد (٣/ ١٢٢)؛ وهو صحيح على شرطهما.
ويشهد له أيضًا حديث أبي هريرة الذي سبقت الإشارة إليه؛ وهو بلفظ:
«أقيموا الصف في الصلاة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصلاة».
أخرجه الشيخان، وأبو عوانة، وأحمد (٣/ ٣١٤) من طرق عن عبد الرزاق:
«من تمام الصلاة».
وهي شاذة أيضًا.
ويشهد لرواية الجماعة: حديث جابر بن عبد الله … مرفوعًا:
«إن من تمام الصلاة إقامة الصف».
أخرجه أحمد (٣/ ٣٢٢) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل عنه.
وهذا إسناد حسن.
٦٧٥ – عن أنس: أن رسول الله ﷺ قال:
«أتِمُّوا الصفَّ المقدَّمَ، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فَلْيَكُنْ في الصفِّ المؤخَّرِ».
(قلت: إسناده صحيح، وقال النووي: «إسناده حسن»!).
إسناده: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري: ثنا عبد الوهاب -يعني: ابن عطاء- عن سعيد عن قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الأنباري هذا؛ وهو ثقة. وقال النووي في «المجموع» (٤/ ٣٠١)، وفي «الرياض» (ص ٤١٤):
«رواه أبو داود بإسناد حسن»!
وأخرجه البيهقي (٣/ ١٠٢) من طريق أخرى عن عبد الوهاب.
وأخرجه هو، والنسائي (١/ ١٣١)، وأحمد (٣/ ١٣٢ و٢١٥ و٢٣٣) من طرق أخرى عن سعيد … به.
٦٧٦ – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ:
«خيارُكم أليَنُكُمْ مناكبَ في الصلاة».
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان).
إسناده: حدثنا ابن بشار: ثنا أبو عاصم: ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان:
أخبرني عمي عُمَارة بن ثوبان عن عطاء عن ابن عباس.
قال أبو داود: «جعفر بن يحيى؛ من أهل مكة».
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لأن جعفر بن يحيى وعمه عمارة بن ثوبان مجهولان.
وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين؛ لكن الحديث صحيح؛ لما له من الشواهد، كما سنذكر.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٠١) من طريق المصنف.
وبإسناده: أخرجه ابن خزيمة (٣/ ٢٩ / ١٥٦٦)، وعنه ابن حبان (٣/ ١٢٦ / ١٧٥٣ – الإحسان).
وأما شواهده التي وقفت عليها؛ فثلاثة:
الأول: من حديث ابن عمر … مرفوعًا به.
ورواه ابن حبان في «صحيحه».
الثاني: من حديث فاطمة بنت رسول الله ﷺ مرفوعًا به.
أخرجه الخطيب في «تاريخه» (١٢/ ٥٠)؛ وفيه ليث بن أبي سليم؛ وهو ضعيف.
الثالث: رواه زيد بن أسلم عن النبي ﷺ … مرسلًا.
كذا علقه البيهقي.
٩٣ – باب الصفوف بين السواري
٦٧٧ – عن عبد الحميد بن محمود قال:
صَلَّيْتُ مع أنس بن مالك يوم الجمعة، فدُفعنا إلى السواري، فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس:
كنا نتقي هذا على عهد رسول الله ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحاكم، والذهبي، والعسقلاني، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وابن خزيمة وابن حبان).
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: ثنا عبد الرحمن: ثنا سفيان عن يحيى بن هانئ عن عبد الحميد بن محمود.
وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات؛ وقد تكلم عبد الحق في عبد الحميد
ووثقه النسائي والدارقطني وابن حبان.
وعبد الرحمن: هو ابن مهدي.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ١٣١): ثنا عبد الرحمن بن مهدي … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٣١ – ١٣٢)، والترمذي (١/ ٤٤٣)، وكذا ابن خزيمة (١٥٦٨)، وابن حبان (٣٩٩ – موارد)، والحاكم (١/ ٢١٠ و٢١٨)، والبيهقي (٣/ ١٠٤) من طرق أخرى عن سفيان … به. وقال الحاكم:
«حديث صحيح». وفي الموضع الآخر:
«إسناده صحيح»، ووافقه الذهبي، وكذا العسقلاني في «فتح الباري» (١/ ٤٥٨). وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وللحديث شاهد من حديث معاوية بن قُرَّة عن أبيه … نحوه.
وإسناده حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقد تكلمت عليه وخرّجته في «الثمر المستطاب».
وأخرجه ابن خزيمة أيضًا (١٥٦٧)، وعنه ابن حبان (٤٠٠).
٩٤ – باب من يَسْتَحِبُّ أن يَلِيَ الإمامَ في الصفِّ وكراهية التأخُّر
٦٧٨ – عن أبي مسعود قال: قال رسول الله ﷺ:
“لِيَلِنِي منكم أُولُو الأحلام والنُّهَى، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا ابن كثير: أنا سفيان عن الأعمش عن عُمارة بن عُمَيْرٍ عن أبي مَعْمَرٍ عن أبي مسعود.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم.
وسفيان: هو ابن عيينة.
وأبو معمر: اسمه عبد الله بن سَخْبَرَةَ.
وابن كثير: هو محمد العَبْدي البصري.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٣٠)، وابن ماجة (١/ ٣٠٨ – ٣٠٩) من طرق أخرى عن سفيان … به.
وأخرجه مسلم أيضًا، وأبو عوانة (٢/ ٤١ – ٤٢ و٤٢)، والنسائي (١/ ١٢٩ – ١٣٠)، والبيهقي (٣/ ٩٧)، والطيالسي (رقم ٦١٢)، وأحمد (٤/ ١٢٢) من طرق أخرى عن الأعمش … به؛ وزادوا كلهم في أوله:
كان يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول:
«استووا ولا تختلفوا …» إلخ.
وقوله: «استووا»؛ ليس إلا عند مسلم و«المسندين». وزادوا في آخره: قال أبو مسعود:
قلت: وتابعه حبيب بن أبي ثابت عن عمارة؛ بلفظ:
«لِيَلِيَنِّي منكم الذين يأخذون عني -يعني: الصلاة-».
أخرجه الحاكم (٢/ ٢١٩).
وهذا اللفط -مع شذوذه عن رواية الجماعة عن الأعمش-؛ فيه عنعنة حبيب.
٦٧٩ – عن عبد الله [هو ابن مسعود] عن النبي ﷺ … مثله؛ وزاد:
«ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبكم؛ وإياكم وهَيْشَاتِ الأسواق».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يزيد بن زُرَيْعٍ: ثنا خالد عن أبي مَعْشَرٍ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ وخالد: هو الحَذَّاءُ.
وأبو معشر: اسمه زياد بن كُلَيْبٍ.
وإبراهيم: هو النَّخَعِيُّ.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٣٠)، وأبو عوانة (٢/ ٤٢)، والترمذي (١/ ٤٤٠) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، والبيهقي (٣/ ٩٦ – ٩٧)، وأحمد (رقم ٤٣٧٣) من طرق عن يزيد بن زريع … به.
فالظاهر أنه في «سننه الكبرى».
وأخرجه الحاكم (٢/ ٨)، وقال:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!
فوهما؛ لأن أبا معشر هذا لم يخرج له البخاري.
ورواه الطبراني (١٠/ ١٧٨ / ١٠٢٦٠) من طريق أبي عبيدة عن عبد الله.
٦٨٠ – عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ:
«إن الله وملائكته يصلُّون على ميامن الصفوف».
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال المنذري والعسقلاني، وهو على شرط مسلم، كما قال النووي. لكن أخطأ في متنه بعض رواته؛ حيث قال: «على ميامن الصفوف»! والصواب فيه ما رواه جماعة من الثقات بلفظ: «على الذين يَصِلُونَ الصفوف». وقال البيهقي: «إنه المحفوظ». وبهذا اللفظ: أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما». وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي. ومن أجل الخطأ المذكور؛ أوردنا الحديث في الكتاب الآخر أيضًا (رقم ١٠٤».
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا معاوية بن هشام: ثنا سفيان عن أسامة بن زيد عن عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن، كما قال المنذري في «الترغيب» (١/ ١٧٤)،
«وفيه رجل مختلف في توثيقه».
وهو يشير بذلك إما إلى معاوية بن هشام؛ وإما إلى أسامة بن زيد -وهو الليثي-؛ فإنهما من رجال مسلم، وفي كل منهما مقال، ولكن التحقيق أنهما ثقتان، في حفظهما شيء من الضعف، الذي لا يمنع من الاحتجاج به، ولا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن؛ كما حكم بذلك الحافظان المذكوران: المنذري والعسقلاني. وهذا كله ما لم يتبين خطؤهما.
وقد ظهر لي أن معاوية بن هشام قد أخطأ على سفيان في بعض متن هذا الحديث؛ وهو قوله: «على ميامن الصفوف»! وذلك لأنه رواه جماعة من الثقات -وهم قَبِيصَةُ الأشْجَعِيُّ وأبو أحمد والحسين بن حفص وعبد الرزاق وعبد الله بن الوليد العَدَني -عن سفيان بلفظ:
«على الذين يَصِلون الصفوف».
وكذلك رواه ابن وهب وغيره عن أسامة بن زيد.
وإسماعيل بن عَيّاش عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة … به.
وقد خرجت هذه الروايات في الكتاب الآخر؛ فلتراجع هناك.
والمقصود هنا: الإشارة إلى أن حديث الباب خطأ، وأن الصواب فيه رواية الجماعة.
وقد رواه بهذا اللفظ: الحاكم وصححه -كما ذكرنا (ص ٢٥٥) -، وكذلك رواه ابن خزيمة، وابن حبان في «صحيحيهما»؛ كما في «الترغيب» (١/ ١٧٤).
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٩٦ – بابُ صفِّ النساء، والتأخُّرِ عن الصَّفِّ الأول
٦٨١ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«خيرُ صفوفِ الرجالِ أولُها، وشرُّها أخرُها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أولُها».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما» وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا محمد بن الصَّبَاح البَزَّاز: ثنا خالد وإسماعيل بن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٣٧) عن المصنف.
وأخرجه هو، ومسلم (٢/ ٣٢)، والنسائي (١/ ١٣١)، والترمذي (١/ ٤٣٥ – ٤٣٦)، وابن ماجة (١/ ٣١٤)، والبيهقي (٣/ ٩٧)، والطيالسي (رقم ٢٤٠٨)، وأحمد (٢/ ٣٣٦ و٣٥٤ و٤٨٥) من طرق أخرى عن سهيل … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وله طريق أخرى عن أبي هريرة: أخرجها الدارمي (١/ ٢٩١)، والبيهقي من
وهذا إسناد حسن.
وأخرجه أحمد (٢/ ٢٤٧) من طريق سفيان -وهو ابن عيينة- عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة.
فهذا إسناد آخر لابن عجلان؛ إن كان حفظه.
وله شاهد من حديث عائشة: أخرجه البيهقي (٣/ ١٠٢) بإسناد صحيح.
وآخر من حديث جابر: عند ابن ماجة بسند حسن.
وشواهد أخرى؛ انظرها في «المجمع» (٢/ ٤٣) -إن شئت-.
٦٨٢ – عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ:
«لا يزال قومٌ يتأخَّرون عن الصفِّ الأولِ حتى يؤخرهم الله في النار».
(قلت: حديث صحيح، دون قوله: «في النار». وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا يحيى بن معين: ثنا عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم؛ لكن المحققين من العلماء -ومنهم المصنف- ضعفوا رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير، فقالوا: في حديثه عن يحيى اضطراب كثير، كما بينا ذلك في الكتاب الآخر (رقم ٣) (*). وكأنه
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٠٣).
ورواه ابن خزيمة وابن حبان (٣٩٢) في «صحيحيهما»، كما في «الترغيب» (١/ ١٧٦).
٦٨٣ – عن أبي سعيد الخدري:
أن رسول الله ﷺ رأى في أصحابه تأخُّرًا فقال لهم:
«تقدموا فَأْتَمُّوا بي، وليأتمَّ بكم مَنْ بعدَكم، ولا يزال قومٌ يتأخَّرون حتى يؤخِّرهم الله عز وجل».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن عبد الله الخُزَاعي قالا: ثنا أبو الأشهب عن أبي نَضْرة عن أبي سعيد الخدري.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأخرجه كما يأتي.
وأبو الأشهب: اسمه جعفر بن حَيَّان السَّعْدي العُطَاردي.
وأبو نضرة: اسمه المنذر بن مالك العبدي.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٣١)، وأبو عوانة (٢/ ٤٢ – ٤٣)، والنسائي (١/ ١٢٨)، وابن ماجة (١/ ٣٠٩)، والبيهقي (٣/ ١٠٣)، وأحمد (٣/ ١٩ و٣٤ و٥٤) من طرق أخرى عن أبي الأشهب … به؛ وزاد أحمد في رواية في آخره:
ورواه مسلم وأبو عوانة من طريق الجُريري عن أبي نضرة … به قال:
رأى رسول الله ﷺ قومًا في مؤخر المسجد … فذكر مثله.
وللمصنف بهذا الإسناد حديث آخر، يأتي في «الزكاة» (رقم ١٤٦٦).
٩٧ – باب مقام الإمام من الصف
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٩٨ – باب الرجل يصلِّي وحده خَلْفَ الصف
٦٨٣ / م-عن وابصة:
أن رسول الله ﷺ رأى رجلًا يصلّي خلف الصف وحده؛ فأمره أن يعيد (زاد في رواية: الصلاة).
(قلت: حديث صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن»، وصححه أحمد وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة وابن حبان وابن حزم).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا: ثنا شعبة عن عمرو ابن مرة عن هلال بن يِسَاف عن عمرو بن راشد عن وابصة.
قال سليمان بن حرب: … الصلاة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عمرو بن راشد؛ وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه نُسَيْرُ بن ذُعْلُوقٍ. وقال ابن حزم في «المحلى» (٤/ ٥٤):
«وعمرو بن راشد ثقة، وثقه أحمد بن حنبل وغيره».
وما أراه يصح؛ لأني لم أجده في شيء من كتب التراجم التي عندي، وأجمعها «تهذيب التهذيب»؛ وإنما نقلوا توتيقه عن ابن حبان وحده. ولو صح ذلك؛ لما اقتصر الحافظ على قوله في ترجمته من «التقريب»:
«مقبول».
نعم؛ قد نقل الحافظ وغيره عن الإمام أحمد أنه صحح هذا الحديث كما يأتي؛ فلعل ابن حزم استلزم من ذلك توثيقه لرجال إسناده؛ وإلا لما صححه!
ولا يخفى أن هذا غير لازم، لأن الحديث قد يُصَحَّحُ لغير إسناده؛ لطرقه وشواهده، كما هو الأمر في هذا الحديث عندي، فإني -وإن لم أذهب إلى صحة إسناده هذا-؛ فهو صحيح، لأن له طرقًا أخرى عن وابصة، وله شاهد أو شواهد، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه ابن حزم (٤/ ٥٢) من طريق المصنف … بإسناده الأولى عن شعبة.
وأخرجه الطيالسي (رقم ١٢٠١) قال: ثنا شعبة … به.
ومن طريقه: أخرجه الطحاوي (١/ ٣٢٩)، والبيهقي (٣/ ١٠٤).
وأخرجه الطحاوي، والترمذي (١/ ٤٤٨)، وأحمد (٤/ ٢٢٨) من طرق أخرى عن شعبة … به.
ولهلال فيه شيخ آخر عن وابصة: رواه حصين بن عبد الرحمن عنه قال: أخذ زياد بن أبي الجَعْدِ بيدي -ونحن بالرَّقَّةِ-؛ فقام بي على شيخ -يقال له: وابصة بن معبد- من بني أسَدٍ، فقال زياد: حدثني هذا الشيخ:
أخرجه الترمذي (١/ ٤٤٥ – ٤٤٦) -والسياق له-، وابن ماجة (١/ ٣١٥)، والدارمي (١/ ٢٩٤ – ٢٩٥)، والطحاوي والبيهقي وأحمد، والخطيب في «تاريخه» (٤/ ١٢٣).
وزياد بن أبي الجعد هذا؛ حاله كحال مُتَابعِهِ: عمرو بن راشد؛ فإنه وثقه ابن حبان أيضًا، وروى عنه -غير هلال- أخوه عبيد بن أبي الجعد.
ومهما يكن من حالهما؛ فإن اتفاقهما على رواية الحديث عن وابصة؛ مما يعطيه قوة، ويدل على أن له أصلًا.
وقد أخرجه ابن حبان في «صحيحه» من طريقيهما. ثم قال -كما في «نصب الراية» (٢/ ٣٨) -:
«وهلال بن يِسَاف سمعه من عمرو بن راشد ومن زياد بن أبي الجعد عن وابصة. فالخبران محفوظان، وليس هذا الخبر مما تفرد به هلال بن يِسَاف».
ثم أخرجه عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عمه عبيد بن أبي الجعد عن أبيه زياد بن أبي الجعد عن وابصة … فذكره.
قلت: ورواية يزيد بن زياد بن أبي الجعد: أخرجها الدارمي أيضًا، والبيهقي، وأحمد من طرق عنه. وقال الدارمي:
«كان أحمد بن حنبل يثبِّتُ حديث عمرو بن مرة. وأنا أذهب إلى حديث يزيد بن زياد بن أبي الجعد».
قلت: وفي هذا الكلام إشارة إلى ما صَرَّحَ به الترمذي؛ من أن الأئمة اختلفوا
فذهب أحمد إلى ترجيح الرواية الأولى.
وذهب الدارمي إلى الأخرى؛ ووافقه الترمذي فقال:
«وهذا عندي أصح من حديث عمرو بن مرة؛ لأنه قد روي من غير حديث هلال بن يساف عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة».
وكأنه يشير بهذا إلى رواية يزيد بن زياد بن أبي الجعد -المتقدمة آنفًا-.
وأما ما وقع في بعض نسخ «الترمذي» المطبوعة -عقب جملة الترمذي هذه- من زيادة:
(حدثنا محمد بن بشار: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة قال …)!
فهي زيادة لا أصل لها؛ أي: في نسخ «الترمذي» المخطوطة المعتمدة، وهي خطأ؛ كما صرح المحقق أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (١/ ٤٤٨)، وإن كان هو نفسه كان قد اغتر بهذه الزيادة، واعتمد عليها في تعليقه على «المحلى» (٤/ ٥٤)!
والحق الذي يجب القول به: أنه لا اختلاف بين الروايتين؛ بل إن إحداهما تشد من عضد الأخرى، وذلك لأن راويهما -هلال بن يساف- ثقة؛ وقد قال مرة: عن عمرو بن راشد عن وابصة، ومرةً: عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة. وهل هذا إلا كما لو جمعهما في رواية واحدة، فقال: عن عمرو بن راشد وزياد بن أبي الجعد عن وابصة؟ ! لا فرق في ذلك البتة.
«ورواية هلال بن يساف حديث وابصة مرة عن زياد بن أبي الجعد ومرة عن عمرو بن راشد قوة للخبر».
هذا؛ وإن في رواية حصين هذه عن هلال فائدةً مهمة، يتعلق عليها الجزم بصحة الحديث عن وابصة؛ وهي: أن زياد بن أبي الجعد حدث هلالًا بالحديث في حضرة وابصة وهو يسمع -كما سبق -، وأقر به ولم ينكره؛ فهو من باب العرض على الشيخ، وهو حجة -كالسماع- عند علماء هذا الشأن. وعلى هذا؛ يمكن القول بأن هلالًا قد سمع الحديث من وابصة مباشرة.
وإذا عرفت هذا؛ هان عليك أن تعلم صواب ما أخرجه أحمد -بإسناد صحيح على شرطهما- عن شِمْرِ بن عَطِيَّةَ عن هلال بن يِسَاف عن وابصة بن معبد قال … فذكر الحديث نحوه.
فهذا إسناد صحيح متصل، لا تدليس فيه ولا انقطاع. ويؤيد ما ذكرنا قول الترمذي:
«وفي حديث حصين ما يدل على أن هلالًا قد أدرك وابصة». وقال:
«حديث وابصة حديث حسن».
وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما، كما في «الفتح» (٢/ ٢١٣). وقال النووي في «المجموع» (٤/ ٢٩٨):
«قال ابن المنذر: ثبَّت هذا الحديثَ أحمد وإسحاقُ».
أخرجه ابن ماجة وغيره بسند صحيح.
٩٩ – باب الرجل يركع دون الصف
٦٨٤ – عن الحسن أن أبا بكرة حَدَّث:
أنه دخل المسجد؛ ونبيُّ الله ﷺ راكع. قال: فركعت دون الصف.
فقال النبي ﷺ:
«زادك الله حرصًا؛ ولا تَعدْ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري).
إسناده: حدثنا حميد بن مَسعَدة أن يزيد بن زريع حدثهم: ثنا سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم: ثنا الحسن.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير حميد بن مسعدة، فهو من رجال مسلم.
والحسن: هو البصري، وقد صرح بسماعه من أبي بكرة؛ فإن قوله: حَدَّث … المراد به: حدث أبو بكرة الحسن.
وقد جاء في بعض الروايات عن المصنف -كما يأتي-: حدثه؛ وكذا عند غيره، فزالت شبهة تدليسه.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٠٦)، وابن حزم (٤/ ٥٧) من طريق المصنف؛ وقع عندهما: حدثه. غير أن مصحح «المحلى» أفسد الأصل؛ فجعله: حدث! وعلق
«في الأصل: (حدثه)، وصححاه من»أبي داود«(١ ص ٢٥٤)»!
وهذا تسرع منه؛ فإنه جائز أن يكون في بعض أصول «السنن»، كما وقع في أصل «المحلى»! ويؤيد ذلك رواية البيهقي هذه. ويزيده تأييدًا: أن الحافظ قال في «الفتح»:
«وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه. وقيل: إنه لم يسمع من أبي بكرة، وإنما يروي عن الأحنف عنه. ورُدَّ هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال: حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه: أخرجه أبو داود والنسائي».
فهذا يدل على أنه قد وقع في بعض الأصول المعتمدة من «السنن»: حدثه؛ كما في رواية البيهقي وابن حزم عن المصنف؛ فإن الحافظ ما كان لينقل عن نسخة غير صحيحة ومعتمدة.
ويؤيد صحة ذلك: أن النسائي قد أخرج الحديث في «سننه» (١/ ١٣٩) … بإسناد المصنف هذا، مصرحًا بالتحديث، كما نقله الحافظ عنه؛ فإذا ثبت ذلك؛ فهي زيادة معتبرة، يجب قبولها؛ وبها يندفع الإعلال السابق.
وأما دعوى أن الحسن لم يسمع من أبي بكرة شيئًا؛ فهي باطلة؛ فقد سمع منه غير ما حديث، كما أثبتنا ذلك في حديث آخر للحسن عن أبي بكرة، تقدم (رقم ٢٢٧).
ثم إن الحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٢٣٠) من طريق الحِمَّاني قال: ثنا يزيد ابن زريع … به.
وأخرجه البخاري (٢/ ٢١٣)، والبيهقي (٢/ ٩٠ و٣/ ١٠٦)، وأحمد (٥/ ٤٥) من طريق هَمّام عن الأعلم … به.
ثم أخرجه هو (٥/ ٤٦)، والطيالسي (رقم ٨٧٦)، والبخاري في «جزء القراءة» (ص ١٧)، والطبراني في «الصغير» (ص ٢١٤) من طرق أخرى عن الحسن … به نحوه.
وله في «المسند» (٥/ ٤٢ و٥٠) طريقان آخران عن أبي بكرة؛ بسندين حسنين.
وقد ورد الحديث عن الأعلم من طريق آخر بزيادة فيه؛ وهو:
٦٨٥ – عن الحسن:
أن أبا بكرة جاء؛ ورسولُ اللهِ ﷺ راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف. فلما قضى النبي ﷺ صلاته قال:
«أيُّكُمُ الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف؟ !»
فقال أبو بكرة: أنا. فقال النبي ﷺ:
«زادك الله حرصًا؛ ولا تَعُدْ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أنا زياد الأعلم عن الحسن.
قال أبو داود: «زياد الأعلم: زياد بن فلان بن قرة؛ وهو ابن خالة يونس بن عبيد».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم أيضًا؛ وحماد: هو ابن سلمة.
ثم وجدت لهذه الزيادة طريقًا أخرى: في «صحيح ابن حبان» (٢١٩١ – الإحسان).
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ١٠٥ – ١٠٦) من طريق المصنف.
وأخرجه هو، والطحاوي (١/ ٢٣٠)، وأحمد (٥/ ٤٥)، وابن حزم (٤/ ٥٨) من طرق أخرى عن حماد … به.
وأخرجه البخاري وغيره من طرق أخرى عن الأعلم … به ببعض اختصار؛ وهو الذي في الكتاب قبله. وقد ذكره الزيلعي في «نصب الراية» (٢/ ٣٩) بسياق فيه زيادات، لا توجد في الروايات المتقدمة، وعزاه للبخارى في «صحيحه»!
وليس هو فيه بتلك الزيادات؛ وإنما هو في «جزء القراءة» له من طريق أخرى عن الحسن، كما سبق، وإسناده ضعيف؛ فليعلم ذلك!
تفريعُ أبوابِ السُّتْرَةِ