إسْلَامُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ

وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ باللَّه وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. فَخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ ﷺ، لَا يَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
١ ‏/ ٢٤٠
(تَبْشِيرُ الرَّسُولِ لِخَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُبَشِّرَ خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبٌ فِيهِ وَلَا نَصَبٌ [١] .
قَالَ ابْنُ هِشَام: الْقصب (هَاهُنَا) [٢]: اللُّؤْلُؤُ الْمُجَوَّفُ.

(جِبْرِيلُ يُقْرِئ خَدِيجَةَ السَّلَامَ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أُقْرِئْ خَدِيجَةَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا خَدِيجَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ مِنْ رَبِّكَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ:
اللَّهُ السَّلَامُ، وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَعَلَى جِبْرِيلِ السَّلَامُ.

(فَتْرَةُ الْوَحْيِ وَنُزُولُ سُورَةِ الضُّحَى):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتْرَةً مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَأَحْزَنَهُ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِسُورَةِ الضُّحَى، يُقْسِمُ لَهُ رَبُّهُ، وَهُوَ الَّذِي أَكْرَمَهُ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ، مَا وَدَّعَهُ وَمَا قَلَاهُ، فَقَالَ تَعَالَى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى ٩٣: ١- ٣. يَقُولُ: مَا صَرَمَكَ فَتَرَكَكَ، وَمَا أَبْغَضَكَ مُنْذُ أَحَبَّكَ. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى ٩٣: ٤: أَيْ لِمَا عِنْدِي مِنْ مَرْجِعِكَ إلَيَّ، خَيْرٌ لَكَ مِمَّا عَجَّلْتَ لَكَ مِنْ الْكَرَامَةِ فِي الدُّنْيَا. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ٩٣: ٥ مِنْ الْفُلْجِ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ. أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى ٩٣: ٦- ٨ يُعَرِّفُهُ اللَّهُ مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ فِي عَاجِلِ أَمْرِهِ، وَمَنِّهِ عَلَيْهِ فِي يُتْمِهِ وَعَيْلَتِهِ وَضَلَالَتِهِ، وَاسْتِنْقَاذِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِرَحْمَتِهِ.


[١] هَذَا حَدِيث مُرْسل، وَقد رَوَاهُ مُسلم مُتَّصِلا عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، «قَالَت:
مَا غرت على أحد، مَا غرت على خَدِيجَة، وَلَقَد هَلَكت قبل أَن يَتَزَوَّجنِي رَسُول الله ﷺ بِثَلَاث سِنِين، وَلَقَد أَمر أَن يبشرها بِبَيْت من قصب فِي الْجنَّة» . (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[٢] زِيَادَة عَن أ.
١٦- سيرة ابْن هِشَام- ١
١ ‏/ ٢٤١
(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِمُفْرَدَاتِ سُورَةِ الضُّحَى):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: سَجَى: سُكْنٌ. قَالَ أُمِّيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ:
إذْ أَتَى مَوْهِنَا وَقَدْ نَامَ صَحْبِي … وَسَجَا اللَّيْلُ بِالظَّلَامِ الْبَهِيمِ [١] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ إذَا سَكَنَ طَرَفُهَا: سَاجِيَةٌ، وَسَجَا طَرَفُهَا.
قَالَ جَرِيرُ (بْنُ الْخَطَفَى) [٢]:
وَلَقَدْ رَمَيْنَكَ حِينَ رُحْنَ بِأَعْيُنٍ … يَقْتُلْنَ مِنْ خَلَلِ السُّتُورِ سُوَاجِي
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَالْعَائِلُ: الْفَقِيرُ. قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ:
إلَى بَيْتِهِ يَأْوِي الضَّرِيكُ إذَا شَتَا … وَمُسْتَنْبَحٌ بَالِي الدَّرِيسَيْنِ عَائِلُ [٣] وَجَمْعُهُ: عَالَةٌ وَعَيْلٌ. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَالْعَائِلُ (أَيْضًا) [٢]: الَّذِي يَعُولُ الْعِيَالَ. وَالْعَائِلُ (أَيْضًا) [٢]: الْخَائِفُ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا ٤: ٣. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:
بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يُخِسُّ شَعِيرَةً … لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلٍ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا. وَالْعَائِلُ (أَيْضًا) [٢]:
الشَّيْء المثقل المعيى. يَقُولُ الرَّجُلُ: قَدْ عَالَنِي هَذَا الْأَمْرُ: أَيْ أَثْقَلَنِي وَأَعْيَانِي.
قَالَ الْفَرَزْدَقُ [٤]:


[١] الموهن: سَاعَة من اللَّيْل. والبهيم: الشَّديد السوَاد لَيْسَ فِيهِ ضِيَاء.
[٢] زِيَادَة عَن أ.
[٣] الضريك: الْفَقِير والضعيف الْمُضْطَر. والمستنبح: الّذي يضل عَن الطَّرِيق فِي ظلمَة اللَّيْل، فينبح نباح الْكلاب لتسمعه الْكلاب فتجاوبه، فَيعلم مَوضِع الْبيُوت فيقصدها. والدريس: الثَّوْب الْخلق، وثناه لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِزَار والرداء، وَهُوَ أقل مَا يكون للرجل من اللبَاس.
[٤] يمدح الفرزدق بِهَذَا الشّعْر سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة، وَكَانَ حِينَئِذٍ أَمِير الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة رحمه الله، وَكَانَ يوليه مُعَاوِيَة سنة، ويولى مَرْوَان سنة أُخْرَى، فَأَنْشد الفرزدق سعيد بن الْعَاصِ بِحَضْرَة مَرْوَان هَذِه القصيدة، وفيهَا:
قيَاما ينظرُونَ إِلَى سعيد … كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ بِهِ الهلالا
فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: بل قعُودا ينظرُونَ، فَقَالَ: لَا أَقُول إِلَّا قيَاما، وَإنَّك يَا أَبَا عبد الْملك لصافن من بَينهم (صفن الْفرس: إِذا وقف على ثَلَاث قَوَائِم وَرفع وَاحِدَة. وصفن الرجل أَيْضا: إِذا رفع إِحْدَى قَدَمَيْهِ ووقف على الْأُخْرَى) . (رَاجع الرَّوْض، وَشرح السِّيرَة لأبى ذَر الخشنيّ، والأغاني) .
١ ‏/ ٢٤٢
تَرَى الْغُرَّ الْجَحَاجِحَ مِنْ قُرَيْشٍ … إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ عَالَا [١] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ٩٣: ٩- ١٠: أَيْ لَا تَكُنْ جَبَّارًا وَلَا مُتَكَبِّرًا، وَلَا فَحَّاشًا فَظًّا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ٩٣: ١١: أَيْ بِمَا جَاءَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ نِعْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ النُّبُوَّةِ فَحَدِّثْ، أَيْ اُذْكُرْهَا وَادْعُ إلَيْهَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِبَادِ بِهِ مِنْ النُّبُوَّةِ سِرًّا إلَى مَنْ يَطْمَئِنُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، إلَى آدَمَ عليه السلام -2

ذِكْرُ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ (أَوْلَادُهُ فِي رَأْيِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …