إسْلَامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ثَانِيًا

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْن امْرِئِ الْقِيسِ الْكَلْبِيُّ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ، وَصَلَّى بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.

(نَسَبُهُ وَسَبَبُ تَبَنِّي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَهُ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدِّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ ابْن عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللَّاتِ [٢] بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ.
وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ بِرَقِيقٍ [٣]، فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَصِيفٌ


[١] لَا يخلص إِلَيْك: لَا يُوصل إِلَيْك.
[٢] كَذَا فِي أ، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الله» .
[٣] وَذَلِكَ أَن أم زيد، وَهِي سعدى بنت ثَعْلَبَة، من بنى معن من طيِّئ، كَانَت قد خرجت بزيد لتزيره أَهلهَا، فأصابته خيل من بنى الْقَيْن بن جسر، فباعوه بسوق حُبَاشَة، وَهِي من أسواق الْعَرَب، وَزيد يَوْمئِذٍ ابْن ثَمَانِيَة أَعْوَام.
١ ‏/ ٢٤٧
فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ عَمَّتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهَا: اخْتَارِي يَا عَمَّةُ أَيَّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ شِئْتِ فَهُوَ لَكَ، فَاخْتَارَتْ زَيْدًا فَأَخَذَتْهُ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَهَا، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَتَبَنَّاهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ.

(شِعْرُ حَارِثَةَ حِينَ فَقَدْ ابْنَهُ زَيْدًا، وَقُدُومُهُ عَلَى الرَّسُولِ ﷺ يَسْأَلُهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ):
وَكَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ قَدْ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَبَكَى عَلَيْهِ حِينَ فَقَدَهُ، فَقَالَ:
بَكَيْتُ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ … أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دونه الْأَجَل
فو الله مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَسَائِلٌ … أَغَالَكَ بَعْدِي السَّهْلُ أَمْ غَالَكَ الْجَبَلْ [١] وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَكَ الدَّهْرُ أَوْبَةٌ … فَحَسْبِي مِنْ الدُّنْيَا رُجُوعُكَ لِي بَجَلْ [٢] تُذَكِّرْنِيهِ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا … وَتَعْرِضُ ذِكْرَاهُ إذَا غَرْبُهَا أَفَلْ [٣] وَإِنْ هَبَّتْ الْأَرْوَاحُ هَيَّجْنَ ذِكْرَهُ … فَيَا طُولَ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ [٤] سَأُعْمِلُ نَصَّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا … وَلَا أُسْأَمُ التَّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ [٥] حَيَاتِي أَوْ تَأْتِي عَلَيَّ مَنِيَّتِي … فَكُلُّ امْرِئٍ فَانٍ وَإِنْ غَرَّهُ الْأَمَلُ [٦] ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنْ شِئْتَ فَأَقِمْ عِنْدِي، وَإِنْ شِئْتَ فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيكَ، فَقَالَ: بَلْ أُقِيمُ عِنْدَكَ. فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ فَصَدَّقَهُ [٧] وَأَسْلَمَ،


[١] غال: أهلك.
[٢] بجل. بِمَعْنى حسب.
[٣] الأفول: غياب الشَّمْس. وَنسب الأفول إِلَى الْغُرُوب اتساعا ومجازا.
[٤] الْأَرْوَاح: جمع ريح، جمعه على الأَصْل، لِأَن الأَصْل فِيهِ الْوَاو. والوجل: الْخَوْف
[٥] النَّص: أرفع السّير.
[٦] وَزَاد السهيليّ بعد هَذَا الْبَيْت:
سأوصى بِهِ قيسا وعمرا كليهمَا … وَأوصى يزيدا ثمَّ أوصى بِهِ جبل
(يعْنى بِيَزِيد: كَعْبًا، وَهُوَ ابْن عَم زيد وَأَخُوهُ، ويعنى بجبل: جبلة بن حَارِثَة أَخا زيد، وَكَانَ أسن مِنْهُ)
[٧] وَيُقَال إِنَّه لما بلغ زيدا قَول أَبِيه قَالَ:
أحن إِلَى أَهلِي وَإِن كنت نَائِيا … بأنى قعيد الْبَيْت عِنْد المشاعر
١ ‏/ ٢٤٨
وَصَلَّى مَعَهُ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ٣٣: ٥. قَالَ: أَنَا زَيْدُ ابْن حَارِثَةَ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، إلَى آدَمَ عليه السلام -2

ذِكْرُ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ (أَوْلَادُهُ فِي رَأْيِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …