[مقدمة]
روى الترمذي عَنْ أنَس قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَرَأَ إِذَا زُلْزِلَتِ عدلت له بنصف القرآن» (أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا زُلْزِلَتْ تَعْدِلُ نِصْفَ القرآن، وقل هُوَ الله أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن» (أخرجه الترمذي، وقال: غريب). وعن أنَس بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: «هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا فُلَانُ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ، قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «ثُلُثُ الْقُرْآنِ» قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «رُبُعُ الْقُرْآنِ» قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «رُبُعُ الْقُرْآنِ» قَالَ: «أَلَيْسَ مَعَكَ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «رُبُعُ الْقُرْآنِ، تَزَوَّجْ» (أخرجه الترمذي أيضًا، وقال: حديث حسن).
٢ / ٦٦٥
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
٢ / ٦٦٥
– ١ – إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا
– ٢ – وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا
– ٣ – وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا
– ٤ – يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا
– ٥ – بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا
– ٦ – يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ
– ٧ – فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ
– ٨ – وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾: أَيْ تَحَرَّكَتْ مِنْ أَسْفَلِهَا ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ يَعْنِي أَلْقَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾، وكقوله: ﴿وَأَلْقَتْ مَا فيها وتخلت﴾، وفي الحديث: «تلقى الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُتِلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثم يدَعونه
٢ / ٦٦٥
فلا يأخذون منه شيئًا» (أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا)، وقوله عز وجل: ﴿وقال الإنسان مالها﴾ أي استنكر أمرها بعدما كَانَتْ قَارَّةً سَاكِنَةً ثَابِتَةً، وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ عَلَى ظَهْرِهَا أَيْ تَقَلَّبَتِ الْحَالُ، فَصَارَتْ مُتَحَرِّكَةً مُضْطَرِبَةً، قَدْ جَاءَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا قَدْ أعده لها، من الزلزال الذي لا محيد عَنْهُ، ثُمَّ أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الْأَمْوَاتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وحينئذٍ اسْتَنْكَرَ النَّاسُ أمرها، وتبدل الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ، وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ القهار، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ أَيْ تُحَدِّثُ بِمَا عَمِلَ العاملون على ظهرها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنَّ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها» (أخرجه أحمد والترمذي والنسائي). وفي معجم الطبراني: «تَحَفَّظُوا مِنَ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ عَامِلٌ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا إلاّ وهي مخبرة» (أخرجه الحافظ الطبراني) وقوله تعالى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ قَالَ الْبُخَارِيُّ: أَوْحَى لَهَا، وَأَوْحَى إِلَيْهَا، وَوَحَى لَهَا، وَوَحَى إِلَيْهَا، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿أَوْحَى لَهَا﴾ أَيْ أَوْحَى إِلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُضَمَّنٌ بِمَعْنَى أذن لها، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ قَالَ، قَالَ لَهَا رَبُّهَا قُولِي، فَقَالَتْ؛ وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿أَوْحَى لَهَا﴾ أَيْ أَمَرَهَا، وَقَالَ الْقُرَظِيُّ: أَمَرَهَا أَنْ تنشق عنهم، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا﴾ أَيْ يَرْجِعُونَ عَنْ موقف الْحِسَابِ ﴿أَشْتَاتًا﴾ أَيْ أَنْوَاعًا وَأَصْنَافًا مَا بَيْنَ شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ، مَأْمُورٍ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَأْمُورٍ به إلى النار، قال ابن جرير: يتصدعون أشتاتًا فلا يجتمعون آخرما عَلَيْهِمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ ﴿أَشْتَاتًا﴾ فِرَقًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي ليجازوا بِمَا عَمِلُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾. روى الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ» الحديث. فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْحُمُرِ؟ فَقَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾» (أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري). وروى الإمام أحمد عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْفَرَزْدَقِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَرَأَ عَلَيْهِ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ قَالَ: حسبي أن لا أسمع غيرها (أخرجه أحمد والنسائي)، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»، وله أيضًا في الصَّحِيحِ: «لَا تحقرنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ إِلَيْهِ مُنْبَسِطٌ» (أخرجه البخاري). وفي الصحيح أيضًا: «يا معشر نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا تحقرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فرسن شاة» (أخرجه البخاري أيضًا) يَعْنِي ظِلْفَهَا، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «رُدُّوا السَّائِلَ ولو بظلف محرق». وعن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَتِرِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مسدها من الشبعان» (أخرجه أَحْمَدُ). وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا تَصَدَّقَتْ بِعِنَبَةٍ وقالت: كم فيها مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ
٢ / ٦٦٦
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه قَاعِدٌ، فَبَكَى حِينَ أُنْزِلَتْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ»؟ قَالَ: يُبْكِينِي هَذِهِ السُّورَةُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْلَا أَنَّكُمْ تُخْطِئُونَ وَتُذْنِبُونَ فَيَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ لَخَلَقَ اللَّهُ أُمَّةً يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ فَيَغْفِرَ لهم» (أخرجه ابن جرير). وروى ابن أبي حاتم، عن سعيد ابن جبير في قول الله تَعَالَى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ وَذَلِكَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْجَرُونَ عَلَى الشيء القليل إذا أَعْطَوْهُ، فَيَجِيءُ الْمِسْكِينُ إِلَى أَبْوَابِهِمْ، فَيَسْتَقِلُّونَ أَنْ يُعْطُوهُ التَّمْرَةَ وَالْكَسْرَةَ وَالْجَوْزَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَرُدُّونَهُ وَيَقُولُونَ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ إِنَّمَا نُؤْجَرُ عَلَى مَا نُعْطِي وَنَحْنُ نُحِبُّهُ، وَكَانَ آخَرُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يُلَامُونَ عَلَى الذَّنْبِ الْيَسِيرِ: الْكَذْبَةِ وَالنَّظْرَةِ وَالْغِيبَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا وَعُدَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَرَغَّبَهُمْ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَعْمَلُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ، وَحَذَّرَهُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ، فَنَزَلَتْ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ (أخرجه ابن أبي حاتم) يَعْنِي وَزْنَ أَصْغَرِ النَّمْلِ ﴿خَيْرًا يَرَهُ﴾ يَعْنِي فِي كِتَابِهِ وَيَسُرُّهُ ذَلِكَ قَالَ: يَكْتُبُ لِكُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ بِكُلِّ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةً وَاحِدَةً وَبِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ضَاعَفَ اللَّهُ حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عشرًا وَيَمْحُو عَنْهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ فَمَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ دَخَلَ الجنة. وروى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إيَّاكم وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرجُل حَتَّى يُهْلِكْنَهُ» وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، وَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فيها (أخرجه الإمام أحمد).