– ١٠٧ – سورة الماعون.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
– ١ – أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
– ٢ – فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
– ٣ – وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ
– ٤ – فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ
– ٥ – الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ
– ٦ – الذين هُمْ يراؤون
– ٧ – وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿أرأيتْ﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ﴾ وَهُوَ الْمَعَادُ وَالْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ

٢ ‏/ ٦٨٠
اليتيم﴾ أي هو الذي يقهر اليتيم وَلَا يُطْعِمُهُ وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِ ﴿وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين﴾ كقوله ﴿وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين﴾، ثم قال تَعَالَى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قال ابن عباس: يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَا يصلون في السر، ولهذا قال: ﴿لِّلْمُصَلِّينَ﴾ الذين هُمْ من أهل الصلاة ثُمَّ هُمْ عَنْهَا سَاهُونَ، إِمَّا عَنْ فِعْلِهَا بالكلية، أو يخرجها عن وقتها، وقال عطاء بن دينار: الحمد لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: ﴿عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وَلَمْ يقل ﴿في صلاتهم ساهون﴾ فيؤخرونها إلى آخر الوقت، أو لا يؤدونها بأركانها وشروطها عَنِ الْخُشُوعِ فِيهَا وَالتَّدَبُّرِ لِمَعَانِيهَا، فَاللَّفْظُ يَشْمَلُ ذلك كله، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ الله فيها إلا قليلًا» (أخرجه الشيخان). فَهَذَا آخَّرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ الَّتِي هِيَ الْوُسْطَى – كَمَا ثَبَتَ بِهِ النَّصُّ – إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ وَقْتُ كَرَاهَةٍ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَنَقَرَهَا نَقْرَ الْغُرَابِ، لَمْ يَطْمَئِنَّ وَلَا خَشَعَ فِيهَا أَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ: «لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى الْقِيَامِ إِلَيْهَا مُرَاءَاةَ النَّاسِ، لَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، فهو كما إذا لم يصل بالكلية، قال الله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلًا﴾، وقال تعالى ههنا: ﴿الذين هم يراؤون﴾، وروى الطبراني عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إن في
جهنم لواديًا تستعذ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ، أُعِدَّ ذَلِكَ الْوَادِيَ لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ: لِحَامِلِ كِتَابِ اللَّهِ، وَلِلْمُصَّدِّقِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ، وَلِلْحَاجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وللخارج في سبيل الله» (أخرجه الطبراني). وروى الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَذَكَّرُوا الرِّيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ يُكَنَّى بِأَبِي يَزِيدَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سامع خلقه وحقّره وصغّره» (أخرجه أحمد). ومما يتعلق بقوله تعالى: ﴿الذين هُمْ يراؤون﴾ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلَّهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ رياء، لما رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَصَلِّي، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ، فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «كُتِبَ لَكَ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ العلانية» (أخرجه الحافظ الموصلي). وفي رواية عنه قَالَ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ يُسِرُّهُ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ» (أخرجه الترمذي والطيالسي وأبو يعلى الموصلي). وعن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ يؤخرون الصلاة عن وقتها» (أخرجه ابن جرير الطبري). قلت: وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا يَحْتَمِلُ تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، ويحتمل صَلَاتَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا شَرْعًا، أَوْ تَأْخِيرَهَا عَنْ أول الوقت.
وقوله تعالى: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ أَيْ لَا أَحْسَنُوا عِبَادَةَ رَبِّهِمْ، وَلَا أَحْسَنُوا إِلَى خَلْقِهِ، حَتَّى وَلَا بِإِعَارَةِ ما ينتفع به مع بقاء عينه ورجوعهم إِلَيْهِمْ، فَهَؤُلَاءِ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ أُولَى وأولى. وقد قال مجاهد ﴿الماعون﴾ الزكاة، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنْ صَلَّى رَاءَى، وَإِنْ فَاتَتْهُ لِمَ يَأْسَ عَلَيْهَا، وَيَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ، وَفِي لَفْظٍ: صَدَقَةَ مَالِهِ. وَقَالَ
٢ ‏/ ٦٨١
زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ ظَهَرَتِ الصَّلَاةُ فصلوها، وخفيت الزكاة فمنعوها. وسئل ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ الْمَاعُونِ؟ فَقَالَ: هُوَ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وأشباه ذلك، وقال ابن جرير، عن عبد الله قَالَ: «كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْمَاعُونَ الدلو والفأس والقدر لا يستغنى عنهن»، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُلٌّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَكُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَارِيَّةَ الدلو والقدر، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ يَعْنِي مَتَاعَ الْبَيْتِ، وكذا قال مجاهد والنخعي أنها العارية للأمتعة، وقد اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَمْنَعُونَ الزَّكَاةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَمْنَعُونَ الطَّاعَةَ، ومنهم من قال: يمنعون العارية، وعن عَلِيٍّ: الْمَاعُونُ مَنْعُ النَّاسِ الْفَأْسَ وَالْقِدْرَ وَالدَّلْوَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: رَأْسُ الْمَاعُونِ زَكَاةُ الْمَالِ وَأَدْنَاهُ المنخل والدلو والإبرة، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَةُ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا، وَتَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَرْكُ الْمُعَاوَنَةِ بِمَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، وَلِهَذَا جاء في الحديث: «كل معروف صدقة».

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

– ١٧ – سورة الإسراء 2

– ٤٥ – وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا …