حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ﴾ [يونس: ٥٩] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩] قَالَ: هُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ»
١٢ / ٢٠٢
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: ٥٩] قَالَ: الْحَرْثُ وَالْأَنْعَامُ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: الْبَحَائِرُ وَالسِّيَبُ
١٢ / ٢٠٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: ٥٩] قَالَ: فِي الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ»
١٢ / ٢٠٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: ٥٩] . . الْآيَةَ» يَقُولُ: كُلُّ رِزْقٍ لَمْ أُحَرِّمْ حَرَّمْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس: ٥٩] فِيمَا حَرَّمْتُمْ مِنْ ذَلِكَ ﴿أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩]
١٢ / ٢٠٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: ٥٩] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩] وَقَرَأَ ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٩] وَقَرَأَ: ﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ ⦗٢٠٣⦘ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] حَتَّى بَلَغَ: ﴿لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٣٨] فَقَالَ: هَذَا قَوْلُهُ: جَعَلَ لَهُمْ رِزْقًا، فَجَعَلُوا مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا، وَحَرَّمُوا بَعْضَهُ وَأَحَلُّوا بَعْضَهُ. وَقَرَأَ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ﴾ [الأنعام: ١٤٣] اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَيُّ هَذَيْنِ حَرَّمَ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ وَأَحَلَّ لِهَؤُلَاءِ؟ ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا﴾ [الأنعام: ١٤٤] . . إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ»
١٢ / ٢٠٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: ٥٩] هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ [الأنعام: ١٣٦] . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٦]»
١٢ / ٢٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [يونس: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا ظَنُّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَرَّصُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ تَحْرِيمَ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ، وَالْأَقْوَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ غِذَاءً، أَنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِكَذِبِهِمْ وَفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ، أَيَحْسَبُونَ أَنَّهُ يَصْفَحُ عَنْهُمْ وَيَغْفِرُ؟ كَلَّا بَلْ يُصْلِيهِمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ
١٢ / ٢٠٣
عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَذُو تَفْضُلٍ عَلَى خَلْقِهِ بِتَرْكِهِ مُعَاجَلَةَ مَنِ افْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِبَ بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَإِمْهَالِهِ إِيَّاهُ إِلَى وُرُودِهِ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [يونس: ٦٠] يَقُولُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَهُ عَلَى تَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ نِعَمَهُ
١٢ / ٢٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَمَا تَكُونُ﴾ [يونس: ٦١] يَا مُحَمَّدُ ﴿فِي شَأْنٍ﴾ [يونس: ٦١] يَعْنِي فِي عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، ﴿وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ: وَمَا تَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ قُرْآنٍ، ﴿وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ: وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ خَيْرِ أَوْ شَرٍّ؛ ﴿إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ: إِلَّا وَنَحْنُ شُهُودٌ لِأَعْمَالِكُمْ وَشُؤُونِكُمْ إِذْ تَعْمَلُونَهَا وَتَأْخُذُونَ فِيهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ إِذْ تَفْعَلُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذْ تَشِيعُونَ فِي الْقُرْآنِ الْكَذِبَ ⦗٢٠٥⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٠٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ: فَتَشِيعُونَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْكَذِبِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِذْ تُفِيضُونَ فِي الْحَقِّ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١] فِي الْحَقِّ مَا كَانَ» قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عِبَادُهُ عَمَلًا إِلَّا كَانَ شَاهِدَهُ، ثُمَّ وَصَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١] فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ﴾ [يونس: ٦١] إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُ عَنْ وَقْتِ عَمَلِ الْعَامِلِينَ أَنَّهُ لَهُ شَاهِدٌ لَا عَنْ وَقْتِ تِلَاوَةِ النَّبِيِّ ﷺ الْقُرْآنَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ شُهُودِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَقْتَ إفَاضَةِ الْقَوْمِ فِي الْقُرْآنِ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ: «إِذْ يُفِيضُونَ فِيهِ» خَبَرًا مِنْهُ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ فِيهِ. ⦗٢٠٦⦘ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنِ الْمُكَذِّبِينَ، وَلَكِنْ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ شَاهِدُهُ إِذْ تَلا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذِلِكَ لَكَانَ التَّنْزِيلُ: «إِذْ تُفِيضُ فِيهِ» لِأَنَّ النَّبِي ﷺ وَاحِدٌ لَا جَمْعٌ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ﴾ [يونس: ٦١] فَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ فِي ابْتِدَائِهِ خِطَابَهُ ﷺ، بِالْإِفْرَادِ، ثُمَّ عَوْدِهِ إِلَى إِخْرَاجِ الْخِطَابَ عَلَى الْجَمْعِ نَظِيرِ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] وَذَلِكَ أَنَّ فِيَ قَوْلِهِ: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى صَرْفِهِ الْخِطَابَ إِلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ جَمَاعَةِ النَّاسِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ خِطَابَهُ ثُمَّ صَرَفَ الْخِطَابَ إِلَى جَمَاعَةِ النَّاسِ، وَالنَّبِيِّ ﷺ فِيهِمْ، وَخَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِهِ عَمَلًا إِلَّا وَهُوَ لَهُ شَاهِدٌ يُحْصِي عَلَيْهِ وَيَعْلَمُهُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ [يونس: ٦١] يَا مُحَمَّدُ عَمَلَ خَلْقِهِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْهِ عِلْمُ شَيْءٍ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ سَمَاءٍ. وَأَصْلُهُ مِنْ عُزُوبِ الرَّجُلِ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَاشِيَتِهِ، وَذَلِكَ غَيْبَتُهُ عَنْهُمْ فِيهَا، يُقَالُ مِنْهُ: عَزَبَ الرَّجُلُ عَنْ أَهْلِهِ يَعْزُبُ، وَيَعْزِبُ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ. وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِاتِفَاقِ مَعْنَيْهِمَا وَاسْتِفَاضَتِهِمَا فِي مَنْطِقِ الْعَرَبِ غَيْرَ أَنِّي أَمِيلُ إِلَى الضَّمِّ فِيهِ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ ⦗٢٠٧⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ [يونس: ٦١] يَعْنِي: مِنْ زِنَةِ نَمْلَةٍ صَغِيرَةٍ، يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ: خُذْ هَذَا فَإِنَّهُ أَخَفُّ مِثْقَالًا مِنْ ذَاكِ؛ أَيْ أَخَفُّ وَزْنًا. وَالذَّرَّةُ وَاحِدَةُ الذَّرِّ، وَالذَّرُّ: صِغَارُ النَّمْلِ. وَذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ﷻ أَصْغَرَ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ خَفَّ فِي الْوَزْنِ كُلَّ الْخِفَّةِ، وَمَقَادِيرُ ذَلِكَ وَمَبْلَغُهُ، وَلَا أَكْبَرُهَا وَإِنْ عَظُمَ وَثَقُلَ وَزْنُهُ، وَكَمْ مَبْلَغُ ذَلِكَ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ: فَلْيَكُنْ عَمَلُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا يُرْضِي رَبُّكُمْ عَنْكُمْ، فَإِنَّا شُهُودٌ لِأَعْمَالِكُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْنَا شَيْءٌ مِنْهَا، وَنَحْنُ مُحْصُوهَا وَمُجَازُوكُمْ بِهَا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلَهُ: ﴿وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ﴾ [يونس: ٦١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ «أَصْغَرَ» و«أَكْبَرَ» عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا الْخَفْضَ، عَطْفًا بِالْأَصْغَرِ عَلَى الذَّرَّةِ، وَبِالْأَكْبَرِ عَلَى الْأَصْغَرِ، ثُمَّ فُتِحَتْ رَاؤُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْرِيَانِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: «وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ» رَفْعًا، عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْمِثْقَالِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الرَّفْعَ. وَذَلِكَ أَنَّ «مِنْ» لَوْ أُلْقِيَتْ مِنَ الْكَلَامِ لَرُفِعَ الْمِثْقَالُ، وَكَانَ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ وَلَا أَكْبَرُ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ: ﴿مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر: ٣] وَ«غَيْرِ اللَّهِ» وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ عَلَى وَجْهِ الْخَفْضِ وَالرَّدِ عَلَى الذَّرَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِرَاءَةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَعَلَيْهِ عَوَامُّ الْقُرَّاءِ، وَهُو أَصَحُّ فِي ⦗٢٠٨⦘ الْعَرَبِيَّةِ مَخْرَجًا، وَإِنْ كَانَ لِلْأُخْرَى وَجْهٌ مَعْرُوفٌ وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ: وَمَا ذَاكَ كُلُّهُ إِلَّا فِي كِتَابٍ عِنْدَ اللَّهِ مُبِينٍ عَنْ حَقِيقَةِ خَبَرِ اللَّهِ لِمَنْ نَظَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ كَانَ أَوْ يَكُونُ إِلَّا وَقَدْ أَحْصَاهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنِ اللَّهِ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ
١٢ / ٢٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا يَعْزُبُ﴾ [يونس: ٦١] يَقُولُ: لَا يَغِيبُ عَنْهُ»
١٢ / ٢٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ [يونس: ٦١] قَالَ: مَا يَغِيبُ عَنْهُ»
١٢ / ٢٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ أَنْصَارَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُمْ فَآمَنَهُمْ مِنْ عِقَابِهِ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا. وَالْأَوْلِيَاءُ جَمْعُ وَلِيٍّ، وَهُوَ النَّصِيرُ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ ⦗٢٠٩⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ يُذْكَرُ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ سِيَمَا الْخَيْرِ وَالْإِخْبَاتِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٠٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] قَالَ: الَّذِينَ يُذْكَرُ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو هِشَامٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، مِثْلَهُ
١٢ / ٢٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، «﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] قَالَ: الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ»
١٢ / ٢٠٩
قَالَ: ثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] قَالَ: مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ»
١٢ / ٢٠٩
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ سَهْلِ أَبِي الْأَسَدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَقَالَ «الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ»
١٢ / ٢١٠
قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] قَالَ: الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ لِرُؤْيَتِهِمْ»
١٢ / ٢١٠
قَالَ: ثَنَا أَبُو يَزِيدَ الرَّازِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ»
١٢ / ٢١٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا فُرَاتٌ، عَنْ أَبِي مَعْبِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ»
١٢ / ٢١٠
قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ⦗٢١١⦘ الْهُذَيْلِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] . . الْآيَةَ، قَالَ: إِنَّ وَلِيَّ اللَّهِ إِذَا رُئِيَ ذُكِرَ اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا
١٢ / ٢١٠
حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ الضَّبِّيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ» . قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالٍ وَلَا أَنْسَابٍ، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ، عَلَى مَنَابِرٍ مِنْ نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزُنَ النَّاسُ»، وَقَرَأَ: «﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢]»
١٢ / ٢١١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا مِنْ هُمْ، وَمَا أَعْمَالُهُمْ، فَإِنَّا نُحِبُّهُمْ لِذَلِكَ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا فِي ⦗٢١٢⦘ اللَّهِ بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطُونَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزُنَ النَّاسُ» . وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] “
١٢ / ٢١١
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، قَالَ: ثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَأْتِي مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ قَوْمٌ لَمْ يَتَّصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَافَوْا فِي اللَّهِ؛ يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا، يَفْزَعُ النَّاسُ فَلَا يَفْزَعُونَ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: الْوَلِيُّ، أَعْنِي وَلِيَّ اللَّهِ، هُوَ مَنْ كَانَ ⦗٢١٣⦘ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا، وَهُوَ الَّذِي آمَنَ وَاتَّقَى، كَمَا قَالَ اللَّهُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦٣] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ:
١٢ / ٢١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: ٦٢] مَنْ هُمْ يَا رَبِّ؟ قَالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦٣] قَالَ: أَبَى أَنْ يَتَقَبَّلَ الْإِيمَانَ إِلَّا بِالتَّقْوَى»
١٢ / ٢١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِينَ صَدَقُوا الِلَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكَانُوا يَتَّقُونَ اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٤] مِنْ نَعْتِ الْأَوْلِيَاءِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتَ عِنْدَكَ أَفِي مَوْضِعِ رَفْعٍ «الَّذِينَ آمَنُوا» أَمْ فِي مَوْضِعِ نَصَبٍ؟ قِيلَ: فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَعْتِ الْأَوْلِيَاءِ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ خَبَرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَالْعَرَبُ كَذَلِكَ تَفْعَلُ خَاصَّةً فِي «إِنَّ»، إِذَا جَاءَ نَعْتُ الِاسْمِ الَّذِي عَمِلَتْ فِيهِ بَعْدَ تَمَامِ خَبَرِهِ رَفَعُوهُ، فَقَالُوا. إِنَّ أَخَاكَ قَائِمٌ الظَّرِيفُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَامُ الْغُيُوبِ﴾ [سبأ: ٤٨] وَكَمَا قَالَ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ
١٢ / ٢١٣
تُخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٤] وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجَلِهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّ إِجْمَاعَ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الْإِبَانَةِ عَنِ الْعِلَلِ الَّتِي مِنْ أَجَلِهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ
١٢ / ٢١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْبُشْرَى مِنَ اللَّهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْبُشْرَى الَّتِي بَشَّرَ اللَّهُ بِهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا هِيَ، وَمَا صِفَتُهَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الرُّؤْيَةُ الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢١٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢١٤
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ، أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: ثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ»، أَوْ قَالَ: «غَيْرُكَ» . قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَةُ الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ، أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢١٥
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هِيَ الرُّؤْيَةُ الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ» حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: ثَنَا أَبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ
١٢ / ٢١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَأَبُو عُثْمَانَ بْنُ عُمَرَ، قَالَا: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ: «سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ؛ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢١٦
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ رَجُلٍ سَأَلَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، بُشْرَاهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَبُشْرَاهُ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»
١٢ / ٢١٦
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرُكَ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا؛ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ غَيْرُكَ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا، هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢١٦
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، يُخْبِرُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو السَّكُونِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ
١٢ / ٢١٧
حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْدٍ الْحِمْصِيُّ أَحْمَدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ الْأَحْمُوشِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقَالَ: آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَسْأَلُكَ عَنْهَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ عُبَادَةُ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ؛ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فِي الْمَنَامِ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢١٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ هِيَ الْبُشْرَى يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢١٧
قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «الرُّؤْيَا ⦗٢١٨⦘ الْحَسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَهِيَ الْمُبَشِّرَاتُ»
١٢ / ٢١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَهِيَ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»
١٢ / ٢١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُبَشَّرُ بِهَا الْعَبْدُ، جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
١٢ / ٢١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَدْ عَرَفْنَا بُشْرَى الْآخِرَةِ، فَمَا بُشْرَى الدُّنْيَا؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، أَوْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
١٢ / ٢١٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ⦗٢١٩⦘ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَبْلَكَ؛ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»
١٢ / ٢١٨
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ»
١٢ / ٢١٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»
١٢ / ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ كَانَ بِمِصْرَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ؛ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»
١٢ / ٢١٩
قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرَكَ؛ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٠
قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ قَبْلِكَ؛ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ»
١٢ / ٢٢٠
قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ؛ ثُمَّ سَمِعْتُهُ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ؛ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٠
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ⦗٢٢١⦘ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقِيهًا قَدِمَ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَوَاسِمِ، قَالَ: قُلْتُ: أَلَا تُخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٠
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: “﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَبَانُ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي» قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢١
قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَسُئِلَ عَنْ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْهَا، فَقَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ؛ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فِي قَوْلِهِ: “﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْإِنْسَانُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٢
وَقَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَوْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْهَا، فَقَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»
١٢ / ٢٢٢
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّجُلُ»
١٢ / ٢٢٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ»
١٢ / ٢٢٢
قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٢
قَالَ: ثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَعْضِ إِخْوَانِهِ»
١٢ / ٢٢٢
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانُوا يَقُولُونَ: الرُّؤْيَا مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ»
١٢ / ٢٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْهَا، فَقَالَ: «مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ قَبْلَكَ» قَالَ: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٣
قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: «ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ، وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ، قِيلَ: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٣
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] فَهُوَ قَوْلُهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿وَبِشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٧] قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٣
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يُبَشَّرُ بِهَا فِي حَيَاتِهِ»
١٢ / ٢٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُبَشَّرُ ⦗٢٢٤⦘ بِهَا الْمُؤْمِنُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
١٢ / ٢٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ»
١٢ / ٢٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثَنَا صَفْوَانُ، قَالَ: ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ عُبَادَةُ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَمَّا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ لِي: «يَا عُبَادَةُ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي؛ تِلْكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَى لَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بِشَارَةٌ يُبَشَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَوْتِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٢٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ: «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: هِيَ الْبِشَارَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»
١٢ / ٢٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْلَى، عَنْ أَبِي بِسْطَامٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] قَالَ: يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ قَبْلَ الْمَوْتِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمِنَ الْبِشَارَةِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ؛ مِنْهَا بُشْرَى الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي تَحْضُرُهُ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ، تَقُولُ لِنَفْسِهِ: اخْرُجِي إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ». وَمِنْهَا: بُشْرَى اللَّهِ إِيَّاهُ مَا وَعْدَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَبِشَّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] . . الْآيَةَ. وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ بُشْرَى اللَّهِ إِيَّاهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بَشَّرَهُ بِهَا، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنَى، فَذَلِكَ مِمَّا عَمَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَالْجَنَّةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ [يونس: ٦٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا خَلَفَ لِوَعْدِهِ وَلَا تَغْيِيرَ لِقَوْلِهِ عَمَّا قَالَ؛ وَلَكِنَّهُ يُمْضِي لِخَلْقِهِ مَوَاعِيدَهُ، وَيُنْجِزَهَا لَهُمْ. ⦗٢٢٦⦘ وَقَدْ
١٢ / ٢٢٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «أَطَالَ الْحَجَّاجُ الْخُطْبَةَ، فَوَضَعَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِي، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ بَدَّلَ كِتَابَ اللَّهِ فَقَعَدَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: لَا تَسْتَطِيعُ أَنْتَ ذَاكَ وَلَا ابْنَ الزُّبَيْرِ ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ [يونس: ٦٤] فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَقَدْ أُوتِيتَ عِلْمًا أَنْ تَفْعَلَ. قَالَ أَيُّوبُ: فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ سَكَتَ» وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذِهِ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ هِيَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، يَعْنِي الظَّفْرُ بِالْحَاجَةِ وَالطِّلْبَةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ
١٢ / ٢٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [يونس: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا يَحْزُنْكَ يَا مُحَمَّدُ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي رَبِّهِمْ مَا يَقُولُونَ، وَإِشْرَاكِهِمْ مَعَهُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ؛ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِعِزَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا، وَهُوَ الْمُنْتَقِمُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ مَا يَقُولُونَ، فَلَا يَنْصُرُهُمْ عِنْدَ انْتِقَامِهِ مِنْهُمْ أَحَدٌ، لِأَنَّهُ لَا يُعَازُهُ شَيْءٌ. ﴿هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [المائدة: ٧٦] يَقُولُ: وَهُوَ ذُو السَّمْعِ لِمَا يَقُولُونَ مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْكَذِبِ عَلَيْهِ، وَذُو عِلْمٍ بِمَا يُضْمِرُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَيُعْلِنُونَهُ، مُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كُلَّهُ، وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ
١٢ / ٢٢٦
وَكُسِرَتْ «إِنَّ» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٦٥] لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مُبْتَدَأٌ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهَا الْقَوْلُ، لِأَنَّ الْقَوْلَ عَنَى بِهِ قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٦٥] لَمْ يَكُنْ مِنْ قِيلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا هُوَ خَبَرٌ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ
١٢ / ٢٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ﴾ [يونس: ٥٥] يَا مُحَمَّدُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ مِلْكًا وَعَبِيدًا لَا مَالِكُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سِوَاهُ، يَقُولُ: فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مَعْبُودًا مَنْ يَعْبُدُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ، وَهِيَ لِلَّهِ مِلْكٌ، وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ لِلْمَالِكِ دُونَ الْمَمْلُوكِ، وَلِلْرَبِّ دُونَ الْمَرْبُوبِ. ﴿وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ﴾ [يونس: ٦٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَتَّبِعُ مَنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَعْنِي غَيْرَ اللَّهِ وَسِوَاهُ شُرَكَاءَ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَيُّ شَيْءٍ يَتَّبِعُ مَنْ يَقُولُ لِلَّهِ شُرَكَاءُ فِي سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ كَاذِبًا، وَاللَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِمِلْكِ كُلِّ شَيْءٍ فِي سَمَاءٍ كَانَ أَوْ أَرْضٍ. ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ [الأنعام: ١١٦] يَقُولُ: مَا يَتَّبِعُونَ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ وَدَعْوَاهُمْ إِلَّا الظَّنَّ، يَقُولُ: إِلَّا الشَّكَّ لَا الْيَقِينَ. ﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١١٦] يَقُولُ: وَإِنْ هُمْ يَتَقَوَّلُونَ الْبَاطِلَ تَظَنُّنًا وَتَخَرُّصًا لِلْإِفْكِ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُمْ بِمَا يَقُولُونَ
١٢ / ٢٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِي اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ ﴿هُوَ﴾ [البقرة: ٢٩] الرَّبُّ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ﴾ [يونس: ٦٧] وَفَصَلَهُ مِنَ النَّهَارِ، ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [يونس: ٦٧] مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ فِي نَهَارِكُمْ مِنَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ، وَتَهْدَءُوا فِيهِ مِنَ التَّصَرُّفِ وَالْحَرَكَةِ
١٢ / ٢٢٧
لِلْمَعَاشِ وَالْعَنَاءِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ بِالنَّهَارِ. ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ: وَجَعَلَ النَّهَارَ مُبْصِرًا، فَأَضَافَ الْإِبْصَارَ إِلَى النَّهَارِ، وَإِنَّمَا يُبْصَرُ فِيهِ، وَلَيْسَ النَّهَارُ مِمَّا يُبْصِرُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ، خَاطَبَهُمْ بِمَا فِي لُغَتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
[البحر الطويل] لَقَدْ لُمتِنَا يَا أُمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى … وَنِمْتِ وَمَا لَيْلُ الْمَطِيِّ بِنَائِمِ
فَأَضَافَ النَّوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَوَصَفَهُ بِهِ، وَمَعْنَاهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا فِيهِ هُوَ وَلَا بَعِيرُهُ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ رَبُّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ، لَا مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي اخْتِلَافِ حَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَحَالِ أَهْلِهِمَا فِيهِمَا دَلَالَةٌ وَحُجَجًا عَلَى أَنَّ الَّذِيَ لَهُ الْعِبَادَةُ خَالِصًا بِغَيْرِ شَرِيكٍ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَخَالَفَ بَيْنَهُمَا، بِأَنْ جَعَلَ هَذَا لِلْخَلْقِ سَكَنًا وَهَذَا لَهُمْ مَعَاشًا، دُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. وَقَالَ: ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس: ٦٧] لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْحُجَجَ، وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيَتَّعِظُونَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ، ثُمَّ يُعْرَضُونَ عَنْ عِبَرِهِ وَعِظَاتِهِ
[البحر الطويل] لَقَدْ لُمتِنَا يَا أُمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى … وَنِمْتِ وَمَا لَيْلُ الْمَطِيِّ بِنَائِمِ
فَأَضَافَ النَّوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَوَصَفَهُ بِهِ، وَمَعْنَاهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا فِيهِ هُوَ وَلَا بَعِيرُهُ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ رَبُّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ، لَا مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي اخْتِلَافِ حَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَحَالِ أَهْلِهِمَا فِيهِمَا دَلَالَةٌ وَحُجَجًا عَلَى أَنَّ الَّذِيَ لَهُ الْعِبَادَةُ خَالِصًا بِغَيْرِ شَرِيكٍ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَخَالَفَ بَيْنَهُمَا، بِأَنْ جَعَلَ هَذَا لِلْخَلْقِ سَكَنًا وَهَذَا لَهُمْ مَعَاشًا، دُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. وَقَالَ: ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس: ٦٧] لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْحُجَجَ، وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيَتَّعِظُونَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ، ثُمَّ يُعْرَضُونَ عَنْ عِبَرِهِ وَعِظَاتِهِ
١٢ / ٢٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ
١٢ / ٢٢٨
مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُمُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. يَقُولُ اللَّهُ مُنَزُّهًا نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا وَافْتَرُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ: سُبْحَانَ اللَّهُ، تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا قَالُوا وَادَّعُوا عَلَى رَبِّهِمْ. ﴿هُوَ الْغَنِيُّ﴾ [يونس: ٦٨] يَقُولُ: اللَّهُ غَنِيُّ عَنْ خَلْقِهِ جَمِيعًا، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى وَلَدٍ، لِأَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يَطْلُبُهُ مَنْ يَطْلُبُهُ لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَذِكْرًا لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَاللَّهُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ غَنِيُّ، فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى مُعِينٍ يُعِينُهُ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلَا يَبِيدُ فَيَكُونُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى خَلَفٍ بَعْدَهُ. ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، مُلْكًا وَالْمَلَائِكَةً عِبَادَهُ وَمُلْكُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَبْدُ الرَّجُلِ وَمُلْكُهُ لَهُ وَلَدًا؟ يَقُولُ: أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ خَطَأَ مَا تَقُولُونَ؟ ﴿إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾ [يونس: ٦٨] يَقُولُ: مَا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِمَا تَقُولُونَ وَتَدَّعُونَ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتِ اللَّهِ مِنْ حُجَّةٍ تَحْتَجُّونَ بِهَا، وَهِيَ السُّلْطَانُ. ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٢٨] قَوْلًا لَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ وَصِحَّتَهُ، وَتُضِيفُونَ إِلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ جَهْلًا مِنْكُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ
١٢ / ٢٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٧٠]
١٢ / ٢٢٩
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [يونس: ٦٩] فَيَقُولُونَ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ، وَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا؛ ﴿لَا يُفْلِحُونَ﴾ [يونس: ٦٩] يَقُولُ: لَا يَبْقُونَ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنْ لَهُمْ ﴿مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٧٠] يُمَتَّعُونَ بِهِ، وَبَلَاغٌ يَتَبَلَّغُونَ بِهِ إِلَى الْأَجَلِ الَّذِي كُتِبَ فَنَاؤُهُمْ فِيهِ. ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ [يونس: ٧٠] يَقُولُ: ثُمَّ إِذَا انْقَضَى أَجَلُهُمُ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ، إِلَيْنَا مَصِيرُهُمْ وَمُنْقَلِبُهُمْ. ﴿ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ﴾ [يونس: ٧٠] وَذَلِكَ إِصْلَاؤُهُمْ جَهَنَّمَ؛ ﴿بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [الأنعام: ٧٠] بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَيُكَذِّبُونَ رُسُلَهُ وَيَجْحَدُونَ آيَاتِهِ. وَرَفَعَ قَوْلَهُ: ﴿مَتَاعٌ﴾ [البقرة: ٢٤١] بِمُضْمَرٍ قَبْلَهُ إِمَّا «ذَلِكَ» وَإِمَّا «هَذَا»
١٢ / ٢٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي قَالُوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مِنْ قَوْمِكَ ﴿نَبَأَ نُوحٍ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: خَبَرَ نُوحٍ، ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: إِنْ كَانَ عَظُمَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَشَقَّ عَلَيْكُمْ، ﴿وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: وَوَعْظِي إِيَّاكُمْ بِحُجَجِ اللَّهِ، وَتَنْبِيهِي إِيَّاكُمْ عَلَى ذَلِكَ. ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: إِنْ كَانَ شَقَّ عَلَيْكُمْ مَقَامِي بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَزَمْتُمْ عَلَى قَتْلِي أَوْ طَرْدِي مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، فَعَلَى اللَّهِ اتِّكَالِي وَبِهِ ثِقَتِي وَهُوَ سَنَدِي وَظَهْرِي
١٢ / ٢٣٠
﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: فَأَعِدُّوا أَمْرَكُمْ وَاعْزِمُوا عَلَى مَا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ فِي أَمْرِي؛ يُقَالُ مِنْهُ: أَجْمَعْتُ عَلَى كَذَا، بِمَعْنَى: عَزَمْتُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى الصَّوْمِ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صَوْمَ لَهُ» بِمَعْنَى: مَنْ لَمْ يَعْزِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] يَا لَيْتَ شَعْرِي وَالْمُنَى لَا تَنْفَعُ … هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَعُ
وَرُوِي عَنِ الْأَعْرَجِ فِي ذَلِكَ مَا
[البحر الكامل] يَا لَيْتَ شَعْرِي وَالْمُنَى لَا تَنْفَعُ … هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَعُ
وَرُوِي عَنِ الْأَعْرَجِ فِي ذَلِكَ مَا
١٢ / ٢٣١
حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أُسَيْدٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ: «﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: أَحْكِمُوا أَمْرَكُمْ وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ» وَنَصَبَ قَوْلَهُ: ﴿وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ لَهُ، وَذَلِكَ: وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ، وَعَطَفَ بِالشُّرَكَاءِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿أَمْرَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٢] عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
فَالرُّمْحُ لَا يُتَقَلَّدُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيمَا أُظْهِرَ مِنَ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى مَا حُذِفَ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ مِمَّا حُذِفَ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١]
[البحر الكامل] وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى … مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
فَالرُّمْحُ لَا يُتَقَلَّدُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيمَا أُظْهِرَ مِنَ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى مَا حُذِفَ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ مِمَّا حُذِفَ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١]
١٢ / ٢٣١
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: «﴿وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١]» نَصَبًا، وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَجْمِعُوا﴾ [يونس: ٧١] بِهَمْزِ الْأَلِفِ وَفَتْحِهَا، مِنْ أَجْمَعْتُ أَمْرِي فَأَنَا أَجْمَعُهُ إِجْمَاعًا. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَهَمْزِهَا (وَشُرَكَاؤُكُمْ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى: وَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ، وَلْيَجْمَعْ أَمَرَهُمْ أَيْضًا مَعَكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: «﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] «بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ» أَجْمِعُوا «، وَنَصْبِ» الشُّرَكَاءَ»، لِأَنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ وَاو، وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهَا وَرَفْضِ مَا خَالَفَهَا، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهَا بِمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ. وَعَنَى بِالشُّرَكَاءِ آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَا يَكُنُ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: ثُمَّ لَا يَكُنُ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ مُلْتَبِسًا مُشْكَلًا مُبْهَمًا؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: غُمَّ عَلَى النَّاسِ الْهِلَالُ، وَذَلِكَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَتَبَيَّنُوهُ،
١٢ / ٢٣٢
وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز] بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوا … بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا
وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْغَمِّ، لِأَنَّ الصَّدْرَ يُضِيقُ بِهِ وَلَا يَتَبَيَّنُ صَاحِبُهُ لَأَمْرِهِ مَصْدَرًا يَصْدُرُهُ يَتَفَرَّجُ عَنْهُ مَا بِقَلْبِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ خَنْسَاءَ:
[البحر الطويل] وَذِي كُرْبَةٍ رَاخَى ابْنُ عَمْرٍو خِنَاقَهُ … وَغُمَّتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَتَجَلَّتِ
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا
[البحر الرجز] بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاسَ إِذْ تُكُمُّوا … بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا
وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْغَمِّ، لِأَنَّ الصَّدْرَ يُضِيقُ بِهِ وَلَا يَتَبَيَّنُ صَاحِبُهُ لَأَمْرِهِ مَصْدَرًا يَصْدُرُهُ يَتَفَرَّجُ عَنْهُ مَا بِقَلْبِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ خَنْسَاءَ:
[البحر الطويل] وَذِي كُرْبَةٍ رَاخَى ابْنُ عَمْرٍو خِنَاقَهُ … وَغُمَّتَهُ عَنْ وَجْهِهِ فَتَجَلَّتِ
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا
١٢ / ٢٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ [يونس: ٧١] قَالَا: لَا يَكْبُرُ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ [يونس: ٧١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: ثُمَّ امْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ وَافْرُغُوا مِنْهُ. كَمَا
١٢ / ٢٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس: ٧١] قَالَ: اقْضُوا إِلَيَّ مَا كُنْتُمْ قَاضِينَ»
١٢ / ٢٣٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس: ٧١] قَالَ: اقْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ [يونس: ٧١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: امْضُوا إِلَيَّ، كَمَا يُقَالُ: قَدْ قَضَى فُلَانٌ، يُرَادُ: قَدْ مَاتَ وَمَضَى. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ مَعْنَاهُ: ثُمَّ افْرُغُوا إِلَيَّ، وَقَالُوا: الْقَضَاءُ: الْفَرَاغُ، وَالْقَضَاءُ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: وَكَأَنَّ قَضَى دِينَهُ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فَرَغَ مِنْهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: «ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ» بِمَعْنَى: تَوَجَّهُوا إِلَيَّ حَتَّى تُصَلُّوا إِلَيَّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ أَفْضَى إِلَيَّ الْوَجَعُ وَشِبْهُهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس: ٧١] يَقُولُ: وَلَا تُؤَخِّرُونَ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَنْظَرْتُ فُلَانًا بِمَا لِي عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ. ⦗٢٣٥⦘ وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ نَبِيِّهِ نُوحٍ عليه السلام لِقَوْمِهِ: إِنَّهُ بِنُصْرَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَيْهِمْ وَاثِقٌ وَمِنْ كَيْدِهِمْ وَتَوَاثُقِهِمْ غَيْرُ خَائِفٍ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ آلِهَتَهُمْ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، يَقُولُ لَهُمُ: امْضُوا مَا تُحَدِّثُونَ أَنْفُسَكُمْ بِهِ فِيَّ عَلَى عَزْمٍ مِنْكُمْ صَحِيحٍ، وَاسْتَعِينُوا مَنْ شَايَعَكُمْ عَلَيَّ بِآلِهَتِكُمُ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلَا تُؤَخِّرُوا ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَأَنَا بِهِ وَاثِقٌ أَنَّكُمْ لَا تَضُرُّونِي إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ، فَإِنَّهُ حَثٌّ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ، وَتَعْرِيفٌ مِنْهُ سَبِيلَ الرَّشَادِ فِيمَا قَلَّدَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالْبَلَاغِ عَنْهُ
١٢ / ٢٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نَبِيِّهِ نُوحٍ عليه السلام لِقَوْمِهِ: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَنِّي بَعْدَ دُعَائِي إِيَّاكُمْ وَتَبْلِيغِ رِسَالَةَ رَبِّي إِلَيْكُمْ مُدْبِرِينَ، فَأَعْرَضْتُمْ عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، وَتَرْكِ إِشْرَاكَ الْآلِهَةِ فِي عِبَادَتِهِ، فَتَضْيِعٌ مِنْكُمْ، وَتَفْرِيطٌ فِي وَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، لَا بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِي؛ فَإِنِّي لَمْ أَسْأَلْكُمْ عَلَى مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ أَجْرًا وَلَا عِوَضًا
١٢ / ٢٣٥
أَعْتَاضُهُ مِنْكُمْ بِإِجَابَتِكُمْ إِيَّايَ إِلَى مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْهُدَى، وَلَا طَلَبْتُ مِنْكُمْ عَلَيْهِ ثَوَابًا وَلَا جَزَاءً. ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [يونس: ٧٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنْ جَزَائِيَ، وَأَجْرُ عَمَلِي، وَثَوَابُهُ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَا عَلَيْكُمُ أَيُّهَا الْقَوْمُ، وَلَا عَلَى غَيْرِكُمْ. ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٧٢] وَأَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُذْعِنِينَ لَهُ بِالطَّاعَةِ الْمُنْقَادِينَ لَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ الْمُذَلَّلِينَ لَهُ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَبِأَمْرِهِ آمُرُكُمْ بِتَرْكِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ
١٢ / ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [يونس: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَكَذَّبَ نُوحًا قَوْمُهُ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ عَنِ اللَّهِ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ، فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ حَمَلَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، يَعْنِي فِي السَّفِينَةِ. ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ﴾ [يونس: ٧٣] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا الَّذِينَ نَجَّيْنَا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ بَعْدَ أَنْ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، يَعْنِي حُجَجَنَا وَأَدِلَّتَنَا عَلَى تَوْحِيدِنَا، وَرِسَالَةِ رَسُولِنَا نُوحٍ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمْ نُوحٌ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ، يَقُولُ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: انْظُرْ مَاذَا أَعْقَبَهُمْ تَكْذِيبُهُمْ رَسُولَهُمْ، فَإِنَّ عَاقِبَةَ مَنْ كَذَّبَكَ مِنْ قَوْمِكَ إِنْ تَمَادُوا فِي كُفْرِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ نَحْوُ الَّذِي كَانَ مِنْ عَاقِبَةِ قَوْمِ نُوحٍ حِينَ كَذَّبُوهُ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَلْيَحْذَرُوا أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا
١٢ / ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِ نُوحٍ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ، فَأَتَوْهُمْ بِبَيِّنَاتٍ مِنَ الْحُجَجِ وَالْأَدِلَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُلٌ، وَأَنَّ مَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ حَقٌّ. ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [يونس: ٧٤] يَقُولُ: فَمَا كَانُوا لِيُصَدِّقُوا بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُمْ بِمَا كَذَّبَ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مِنْ قَبْلِهِمْ. ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ [يونس: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا طَبَعْنَا عَلَى قُلُوبِ أُولَئِكَ فَخَتَمْنَا عَلَيْهَا، فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ نَصِيحَتَهُمْ وَلَا يَسْتَجِيبُونَ لِدُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ بِمَا اجْتَرَمُوا مِنَ الذُّنُوبِ، وَاكْتَسَبُوا مِنَ الْآثَامِ، كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ مَنِ اعْتَدَى عَلَى رَبِّهِ، فَتَجَاوَزَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَخَالَفَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رُسُلُهُمْ مِنْ طَاعَتِهِ، عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ
١٢ / ٢٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾ [يونس: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ إِلَى قَوْمِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ ابْنَيْ عِمْرَانَ إِلَى فِرْعَوْنَ مِصْرَ ﴿وَمَلَئِهِ﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَعْنِي: وَأَشْرَافِ قَوْمِهِ وَسَادَتِهِمْ، ﴿بِآيَاتِنَا﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ: بِأَدِلَّتِنَا عَلَى حَقِيقَةِ مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِذْعَانِ لِلَّهِ بِالْعُبُودَةِ، وَالْإِقْرَارِ لَهُمَا بِالرِّسَالَةِ. ﴿فَاسْتَكْبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٣] يَقُولُ: فَاسْتَكْبَرُوا عَنِ الْإِقْرَارِ بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُوسَى وَهَارُونُ. ﴿وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] يَعْنِي: آثِمِينَ بِرَبِّهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى
١٢ / ٢٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ [يونس: ٧٧]
١٢ / ٢٣٨
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا﴾ [يونس: ٧٦] يَعْنِي: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بَيَانُ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُوسَى وَهَارُونُ، وَذَلِكَ الْحُجَجُ الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا، وَهِيَ الْحَقُّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ ﴿قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٧٦] يَعْنُونَ: أَنَّهُ يَبِينُ لِمَنْ رَآهُ وَعَايَنَهُ أَنَّهُ سِحْرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. ﴿قَالَ مُوسَى﴾ [البقرة: ٥٤] لَهُمْ: ﴿أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧٧] مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾ [يونس: ٧٧] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي سَبَبِ دُخُولِ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾ [يونس: ٧٧] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أُدْخِلَتْ فِيهِ عَلَى الْحِكَايَةِ لِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: أَسِحْرٌ هَذَا؟ فَقَالَ: أَتَقُولُونَ: أَسِحْرٌ هَذَا؟ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّهُمْ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ، وَلَمْ يَقُولُوهُ بِالْأَلِفِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا جَاءَ بِغَيْرِ أَلِفٍ. قَالَ: فَيُقَالُ: فَلِمَ أُدْخِلَتِ الْأَلِفُ؟ فَيُقَالُ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قِيلِهِمْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْرٌ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِلْجَائِزَةِ إِذَا أَتَتْهُ: أَحَقٌّ هَذَا؟ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ. قَالَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْهُمْ: أَسِحْرٌ هَذَا، مَا أَعْظَمَهُ وَأَوْلَى ذَلِكَ فِي هَذَا بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمَقُولَ مَحْذُوفًا، وَيَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾ [يونس: ٧٧] مِنْ قِيلِ مُوسَى مُنْكِرًا عَلَى فِرْعَوْنَ، وَمَلَئِهِ قَوْلَهُمْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ سِحْرٌ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: قَالَ مُوسَى لَهُمْ: ﴿أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧٧] وَهِيَ الْآيَاتُ الَّتِي أَتَاهُمْ بِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حُجَّةً لَهُ عَلَى صِدْقِهِ،
١٢ / ٢٣٨
سِحْرٌ، أَسِحْرٌ هَذَا الْحَقُّ الَّذِي تَرَوْنَهُ؟ فَيَكُونُ السِّحْرُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفًا اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ قَوْلِ مُوسَى ﴿أَسِحْرٌ هَذَا﴾ [يونس: ٧٧] عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل] فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ أَوْ حِينَ نَصَّبَتْ … لَهُ مَنْ خَذَا آذَانِهَا وَهُوَ جَانِحُ
يُرِيدُ: «أَوْ حِينَ أَقْبَلَ»، ثُمَّ حَذَفَ اكْتِفَاءَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ وَالْمَعْنَى: بَعَثَنَاهُمْ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ، فَتَرَكَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فِي أَشْبَاهٍ لِمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٍ يُتْعِبُ إِحْصَاؤُهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ [يونس: ٧٧] يَقُولُ: وَلَا يَنْجَحُ السَّاحِرُونَ وَلَا يَبْقُونَ
[البحر الطويل] فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ أَوْ حِينَ نَصَّبَتْ … لَهُ مَنْ خَذَا آذَانِهَا وَهُوَ جَانِحُ
يُرِيدُ: «أَوْ حِينَ أَقْبَلَ»، ثُمَّ حَذَفَ اكْتِفَاءَ بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ وَالْمَعْنَى: بَعَثَنَاهُمْ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ، فَتَرَكَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فِي أَشْبَاهٍ لِمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٍ يُتْعِبُ إِحْصَاؤُهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ [يونس: ٧٧] يَقُولُ: وَلَا يَنْجَحُ السَّاحِرُونَ وَلَا يَبْقُونَ
١٢ / ٢٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ لِمُوسَى: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا﴾ [يونس: ٧٨] يَقُولُ: لِتَصْرِفَنَا وَتَلْوِينَا، ﴿عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [يونس: ٧٨] مِنْ قَبْلِ مَجِيئِكَ مِنَ الدِّينِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: لَفَتَ فُلَانٌ عُنُقَ فُلَانٍ إِذَا لَوَاهَا، كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
[البحر الرجز] لَفْتًا وَتَهْزِيعًا سَوَاءَ اللَّفْتِ
التَّهْزِيعُ: الدَّقُّ، وَاللَّفْتُ: اللَّيُّ. كَمَا
[البحر الرجز] لَفْتًا وَتَهْزِيعًا سَوَاءَ اللَّفْتِ
التَّهْزِيعُ: الدَّقُّ، وَاللَّفْتُ: اللَّيُّ. كَمَا
١٢ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿لِتَلْفِتَنَا﴾ [يونس: ٧٨] قَالَ: لِتَلْوِينَا ﴿عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [يونس: ٧٨]» ⦗٢٤٠⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨] يَعْنِي الْعَظَمَةَ، وَهِيَ الْفِعْلِيَاءُ مِنَ الْكِبْرِ. وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنُ الرِّقَاعِ:
[البحر الخفيف] سُؤْدُدًا غَيْرَ فَاحِشٍ لَا يُدَا … نِيهِ تَجْبَارُهُ وَلَا كِبْرِيَاءُ
[البحر الخفيف] سُؤْدُدًا غَيْرَ فَاحِشٍ لَا يُدَا … نِيهِ تَجْبَارُهُ وَلَا كِبْرِيَاءُ
١٢ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨] قَالَ: الْمُلْكُ»
١٢ / ٢٤٠
قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨] قَالَ: السُّلْطَانُ فِي الْأَرْضِ»
١٢ / ٢٤٠
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْمُلْكُ فِي الْأَرْضِ»
١٢ / ٢٤٠
قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨] قَالَ: الطَّاعَةُ»
١٢ / ٢٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨] قَالَ: الْمُلْكُ» ⦗٢٤١⦘ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٢٤٠
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «السُّلْطَانُ فِي الْأَرْضِ» وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَاتِ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُلْكَ سُلْطَانٌ، وَالطَّاعَةَ مُلْكٌ؛ غَيْرَ أَنَّ مَعْنَى الْكِبْرِيَاءِ هُوَ مَا ثَبَتَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ عَظَمَةً بِمُلْكٍ وَسُلْطَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٧٨] يَقُولُ: وَمَا نَحْنُ لَكُمَا يَا مُوسَى وَهَارُونَ بِمُؤْمِنِينُ، يَعْنِي بِمُقِرِّينَ بِأَنَّكُمَا رَسُولَانِ أُرْسِلْتُمَا إِلَيْنَا
١٢ / ٢٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُم مُّلْقُونَ﴾ [يونس: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِقَوْمِهِ: ائْتُونِي بِكُلِّ مَنْ يَسْحَرُ مِنَ السَّحَرَةِ، عَلِيمٌ بِالسِّحْرِ. فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ، قَالَ مُوسَى: أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ مِنْ حِبَالِكُمْ وَعِصِيِّكُمْ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدْ تُرِكَ، وَهُوَ: فَأَتَوْهُ بِالسَّحَرَةِ فَلَمَّا جَاءَ ⦗٢٤٢⦘ السَّحَرَةُ؛ وَلَكِنِ اكْتَفَى بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ﴾ [يونس: ٨٠] عَلَى ذَلِكَ، فَتُرِكَ ذِكْرُهُ. وَكَذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ [يونس: ٨٠] مَحْذُوفٌ أَيْضًا قَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ: “فَأَلْقُوا حِبَالَهُمْ وَعِصِيِّهِمْ، فَلَمَّا أَلْقُوا قَالَ مُوسَى، وَلَكِنِ اكْتَفَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، فَتُرِكَ ذِكْرُهُ
١٢ / ٢٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَلْقُوا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَمَّا أَلْقُوا﴾ [الأعراف: ١١٦] مَا هُمْ مُلْقُوهُ ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] لَهُمْ ﴿مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ﴾ [يونس: ٨١] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ «﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ﴾ [يونس: ٨١]» عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنْ مُوسَى عَنِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ سِحْرٌ كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى تَأْوِيلِهِمْ، قَالَ مُوسَى: الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ أَيُّهَا السَّحَرَةُ هُوَ السِّحْرُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (مَا جِئْتُمْ بِهِ آلسِّحْرُ) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ مُوسَى إِلَى السَّحَرَةِ عَمَّا جَاءُوا بِهِ، أَسِحْرٌ هُوَ أَمْ غَيْرُهُ؟ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ لَا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، لِأَنَّ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ شَاكًا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ السَّحَرَةُ أَنَّهُ سِحْرٌ لَا حَقِيقَةٌ لَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى اسْتِخْبَارِ السَّحَرَةِ عَنْهُ أَيْ هُوَ.
١٢ / ٢٤٢
وَأُخْرَى أَنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَدْ كَانَ عَلَى عِلْمٍ مِنَ السَّحَرَةِ، إِنَّمَا جَاءَ بِهِمْ فِرْعَوْنُ لِيُغَالِبُوهُ عَلَى مَا كَانَ جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي كَانَ اللَّهُ آتَاهُ، فَلَمْ يَكُنْ يَذْهَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَدِّقُونَهُ فِي الْخَبَرِ عَمَّا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ، فَيَسْتَخْبِرُهُمْ أَوْ يَسْتَجِيزُ اسْتِخْبَارَهُمْ عَنْهُ؛ وَلَكِنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْلَمَهُمُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِبُطُولِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَتَاهُ وَمُبْطِلٌ كَيْدَهُمْ بِجِدِّهِ، وَهَذِهِ أَوْلَى بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْأُخْرَى. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ دُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي السِّحْرِ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ الْعَرَبِ فِي نَظِيرِ هَذَا أَنْ يَقُولُوا: مَا جَاءَنِي بِهِ عَمْرٌو دِرْهَمَ، وَالَّذِي أَعْطَانِي أَخُوكَ دِينَارَ، وَلَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا الَّذِي أَعْطَانِي أَخُوكَ الدِّرْهَمُ، وَمَا جَاءَنِي بِهِ عَمْرُو الدِّينَارُ؟ قِيلَ لَهُ: بَلَى كَلَامُ الْعَرَبِ إِدْخَالُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي خَبَرِ مَا وَالَّذِي إِذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْ مَعْهُودٍ قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطِبُ وَالْمُخَاطَبُ، بَلْ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، لِأَنَّ الْخَبَرَ حِينَئِذٍ خَبَرٌ عَنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ؛ وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْ مَجْهُولٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ وَلَا مَقْصُودٍ قَصَدَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَدْخُلُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْخَبَرِ، وَخَبَرُ مُوسَى كَانَ خَبَرًا عَنْ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَ السَّحَرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ نَسَبَتْ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَمًا لَهُ عَلَى صِدْقِهِ وَنُبُوَّتِهِ إِلَى أَنَّهُ سِحْرٌ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: السِّحْرُ الَّذِي وَصَفْتُمْ بِهِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ أَيُّهَا السَّحَرَةُ، هُوَ الَّذِي جِئْتُمْ
١٢ / ٢٤٣
بِهِ أَنْتُمْ لَا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَنَا. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ. فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾ [يونس: ٨١] يَقُولُ: سَيَذْهَبُ بِهِ، فَذَهَبَ بِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِأَنْ سَلَّطَ عَلَيْهِ عَصًا مُوسَى قَدْ حَوَّلَهَا ثُعْبَانًا يَتَلَقَّفُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ. ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٨١] يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ مَنْ سَعَى فِي أَرْضِ اللَّهِ بِمَا يَكْرَهُهُ وَعَمِلَ فِيهَا بِمَعَاصِيهِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ»، وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «مَا جِئْتُمْ بِهِ سِحْرٌ»، وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّدُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِنَحْوِ الَّذِي اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِيهِ
١٢ / ٢٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ لِلسَّحَرَةِ: ﴿وَيَحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ﴾ [يونس: ٨٢] يَقُولُ: وَيُثْبِتُ اللَّهُ الْحَقَّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ، فَيُعْلِيهِ عَلَى بَاطِلِكُمْ، وَيُصَحِّحُهُ بِكَلِمَاتِهِ، يَعْنِي بِأَمْرِهِ؛ ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: ٨] يَعْنِي الَّذِينَ اكْتَسَبُوا الْإِثْمَ بِرَبِّهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ.
١٢ / ٢٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ [يونس: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمْ يُؤْمِنْ لِمُوسَى مَعَ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنَ الْحُجَجِ وَالْأَدِلَّةِ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ خَائِفِينَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ. ⦗٢٤٥⦘ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الذُّرِّيَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الذُّرِّيَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْقَلِيلُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: «﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الذُّرِّيَّةُ: الْقَلِيلُ»
١٢ / ٢٤٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] الذُّرِّيَّةُ: الْقَلِيلُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٣]» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِطُولِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْآبَاءَ مَاتُوا وَبَقِيَ الْأَبْنَاءُ، فَقِيلَ لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا ذُرِّيَّةَ مَنْ هَلَكَ مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى عليه السلام. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٤٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] قَالَ: أَوْلَادُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ طُولِ الزَّمَانِ وَمَاتَ ⦗٢٤٦⦘ آبَاؤُهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٢ / ٢٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] قَالَ: أَوْلَادُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى مِنْ طُولِ الزَّمَانِ وَمَاتَ آبَاؤُهُمْ»
١٢ / ٢٤٦
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، «﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ﴾ [يونس: ٨٣] قَالَ: أَبْنَاءُ أُولَئِكَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الزَّمَانُ وَمَاتَتْ آبَاؤُهُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ﴾ [يونس: ٨٣] قَالَ: كَانَتِ الذُّرِّيَّةُ الَّتِي آمَنَتْ لِمُوسَى مِنْ أُنَاسٍ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَسِيرٌ، مِنْهُمُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمُؤْمِنُ آلَ فِرْعَوْنَ، وَخَازِنُ فِرْعَوْنَ، وَامْرَأَةُ خَازِنِهِ» ⦗٢٤٧⦘ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ، وَذَلِكَ مَا
١٢ / ٢٤٦
حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] يَقُولُ: بَنِي إِسْرَائِيلَ «فَهَذَا الْخَبَرُ يُنْبِئُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الذُّرِّيَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أُرِيدَ بِهَا ذُرِّيَّةُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَلَكُوا قَبْلَ أَنْ يُقِرُّوا بِنُبُوَّتِهِ لِطُولِ الزَّمَانِ، فَأُدْرَكَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ فَآمَنَ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ بِمُوسَى وَإِنَّمَا قُلْتُ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرٌ لِغَيْرِ مُوسَى، فَلَأَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ» ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾ [الأعراف: ٦٠]» مِنْ ذِكْرِ مُوسَى لِقُرْبِهِمْ مِنْ ذِكْرِهِ، أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ فِرْعَوْنَ لِبُعْدِ ذِكْرِهِ مِنْهَا، إِذْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ دَلِيلٌ مِنْ خَبَرٍ وَلَا نَظَرٍ. وَبَعْدُ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ﴾ [يونس: ٨٣] الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ [يونس: ٨٣] مِنْ ذِكْرِ مُوسَى لَا مِنْ ذِكْرِ فِرْعَوْنَ؛ لِأَنَّهَا لَوُ كَانَتْ مِنْ ذِكْرِ فِرْعَوْنَ لَكَانَ الْكَلَامُ: «عَلَى خَوْفٍ مِنْهُ»، وَلَمْ يَكُنْ ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ ⦗٢٤٨⦘﴾ [يونس: ٨٣] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ [يونس: ٨٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي عَلَى حَالِ خَوْفٍ مِمَّنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمِ مُوسَى بِمُوسَى فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ خَائِفُونَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنُوهُمْ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ، لِأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ إِنَّمَا كَانَتْ أُمَّهَاتُهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَآبَاؤُهُمْ مِنَ الْقِبْطِ، فَقِيلَ لَهُمُ الذُّرِّيَّةُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، كَمَا قِيلَ لِأَبْنَاءِ الْفُرْسِ الَّذِينَ أُمَّهَاتُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَآبَاؤُهُمْ مِنَ الْعَجَمِ: أَبْنَاءٌ. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى الذُّرِّيَّةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَنَّهَا أَعْقَابُ مَنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ٣] وَكَمَا قَالَ: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ﴾ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ﴾ [الأنعام: ٨٥] فَجَعَلَ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَلَئِهِمْ﴾ [يونس: ٨٣] فَإِنَّ الْمَلَأَ: الْأَشْرَافَ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَمِنْ أَشْرَافِهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِيمَنْ عَنَى بِالْهَاءِ وَالْمِيمِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَلَئِهِمْ﴾ [يونس: ٨٣] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: عَنَى بِهَا الذُّرِّيَّةَ. وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ، عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَمَلَأِ الذُّرِّيَّةِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ⦗٢٤٩⦘ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: عَنَى بِهِمَا فِرْعَوْنَ، قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ وَفِرْعَوْنُ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ إِذَا ذُكِرَ لِخَوفٍ أَوْ سَفَرٍ وَقُدُومٍ مِنْ سَفَرٍ ذَهَبَ الْوَهْمُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ مَعَهُ. وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ: قَدِمَ الْخَلِيفَةُ فَكَثُرَ النَّاسُ، تُرِيدُ بِمَنْ مَعَهُ، وَقَدِمَ فَغَلَتِ الْأَسْعَارُ؟ لَأَنَّا نَنْوِي بِقُدُومِهِ قَدُومَ مَنْ مَعَهُ. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ يُرِيدُ أَنَّ بِفِرْعَونَ آلَ فِرْعَوْنَ، وَيَحْذِفُ آلَ فِرْعَوْنَ فَيَجُوزُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] يُرِيدُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْهَاءُ وَالْمُيمُ عَائِدَتَانِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ. وَوَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَمَلَأِ الذُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذُرِّيَّةِ الْقَرْنِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى مَنْ كَانَ أَبُوهُ قِبْطِيًّا وَأُمُّهُ إِسْرَائِيلِيَّةَ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مَعَ فِرْعَوْنَ عَلَى مُوسَى. وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ يَفْتِنَهُمْ﴾ [يونس: ٨٣] يَقُولُ: كَانَ إِيمَانُ مَنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمِ مُوسَى عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ أَنْ يَفْتِنَهُمْ بِالْعَذَابِ، فَيَصُدَّهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَيَحْمِلُهِمْ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ إِيمَانِهِمْ، وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ. ⦗٢٥٠⦘ وَقَالَ: ﴿أَنْ يَفْتِنَهُمْ﴾ [يونس: ٨٣] فَوَحَّدَ وَلَمْ يَقُلْ: «أَنْ يَفْتِنُوهُمْ»، لِدَلِيلِ الْخَبَرِ عَنْ فِرْعَوْنَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ﴾ [يونس: ٨٣] وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٨٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَجَبَّارٌ مُسْتَكْبِرٌ عَلَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ. ﴿وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ [يونس: ٨٣] وَإِنَّهُ لِمَنْ الْمُتَجَاوِزِينَ الْحَقَّ إِلَى الْبَاطِلِ، وَذَلِكَ كُفْرُهُ بِاللَّهِ، وَتَرْكُهُ الْإِيمَانَ بِهِ، وَجُحُودُهُ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَادِّعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ الْأُلُوهَةَ، وَسَفْكُهُ الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حِلِّهَا
١٢ / ٢٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُّسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ مُوسَى نَبِيِّهِ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَصَدَّقْتُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ. ﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا﴾ [يونس: ٨٤] يَقُولُ: فَبِهِ فَثِقُوا، وَلِأَمْرِهِ فَسَلِّمُوا، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْذُلَ وَلِيَّهُ وَيُسْلِمُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ. ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمَيْنَ﴾ [يونس: ٨٤] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ مُذْعِنِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا
١٢ / ٢٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: ﴿عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الأعراف: ٨٩] أَيْ بِهِ وَثِقْنَا، وَإِلَيْهِ فَوَّضْنَا أَمْرَنَا. وَقَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْمِ مُوسَى أَنَّهُمْ دَعُوا رَبَّهُمْ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا لَا تَخْتَبِرْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ، وَلَا ⦗٢٥١⦘ تَمْتَحِنْهُمْ بِنَا؛ يَعْنُونَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي سَأَلُوهُ رَبَّهُمْ مِنْ إِعَادَتِهِ ابْتِلَاءِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ بِهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلُوهُ أَنْ لَا يُظْهِرَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا سُلِّطُوا عَلَيْهِمْ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَهَوَانِ الْآخَرِينَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] قَالَ: لَا يَظْهَرُوا عَلَيْنَا فَيَرَوْا أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنَّا»
١٢ / ٢٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] قَالَ: قَالُوا: لَا تُظْهِرْهُمْ عَلَيْنَا فَيَرَوْا أَنَّهُمْ خَيْرٌ مِنَّا»
١٢ / ٢٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، «﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] قَالَ: لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَزْدَادُوا فِتْنَةً» ⦗٢٥٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا»
١٢ / ٢٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] قَالَ: لَا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيُضِلُّونَا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ أَيْضًا فَيَفْتِنُونَا
١٢ / ٢٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَيَقُولُ قَوْمُ فِرْعَوْنَ: لَوُ كَانُوا عَلَى حَقٍّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَلَا عُذِّبُوا، فَيُفْتَنُوا بِنَا»
١٢ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٢٥٣⦘ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] قَالَ: لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ، فَيَقُولُ قَوْمُ فِرْعَوْنَ: لَوُ كَانُوا عَلَى حَقٍّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَلَا عُذِّبُوا، فَيُفْتَتَنُوا بِنَا»
١٢ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] قَالَ: لَا تُصِبْنَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ، وَلَا بِأَيْدِيهِمْ فَيُفْتَتَنُوا، وَيَقُولُوا: لَوُ كَانُوا عَلَى حَقٍّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَمَا عُذِّبُوا»
١٢ / ٢٥٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٨٥] لَا تَبْتَلِنَا رَبَّنَا فَتَجْهَدَنَا وَتَجْعَلُهُ فِتْنَةً لَهُمْ هَذِهِ الْفِتْنَةُ. وَقَرَأَ: ﴿فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ﴾ [الصافات: ٦٣] قَالَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ﷺ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَيَرْمُونَهُمْ: أَلَيْسَ ذَلِكَ فِتْنَةً لَهُمْ، وَسُوءًا لَهُمْ؟ وَهِيَ بَلِيَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ رَغِبُوا إِلَى اللَّهِ فِي أَنْ يُجِيرَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِحْنَةً لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ وَبَلَاءً، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ مَصَدَّةٌ عَنِ اتِّبَاعِ مُوسَى، وَالْإِقْرَارِ بِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ فِتْنَةٌ، ⦗٢٥٤⦘ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ لَهُمْ إِبْعَادًا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَكَذَلِكَ مِنَ الْمَصَدَّةِ كَانَ لَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، أَنْ لَوُ كَانَ قَوْمُ مُوسَى عَاجَلَتْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِحْنَةٌ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِهِمْ، فَاسْتَعَاذَ الْقَوْمُ بِاللَّهِ مِنْ كُلِّ مَعْنَى يَكُونُ صَادًا لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ بِأَسْبَابِهِمْ
١٢ / ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [يونس: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَجِّنَا يَا رَبَّنَا بِرَحْمَتِكَ، فَخَلِّصْنَا مِنْ أَيْدِي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانَ يَسْتَعْبِدُونَهُمْ، وَيَسْتَعْمِلُونَهُمْ فِي الْأَشْيَاءِ الْقَذِرَةِ مِنْ خِدْمَتِهِمْ
١٢ / ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى، وَأَخِيهِ أَنِ اتَّخِذَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا، يُقَالُ مِنْهُ: تَبَوَّأَ فُلَانٌ لِنَفْسِهِ بَيْتًا: إِذَا اتَّخَذَهُ. وَكَذَلِكَ تَبَوَّأَ مُصْحَفًا: إِذَا اتَّخَذَهُ. وَبَوَّأْتُهُ أَنَا بَيْتًا: إِذَا اتَّخَذْتُهُ لَهُ. ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] يَقُولُ: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِدَ تُصَلُّونَ فِيهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلَهُ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] فَقَالَ ⦗٢٥٥⦘ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: مَسَاجِدَ»
١٢ / ٢٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: أُمِرُوا أَنْ يَتَّخِذُوهَا مَسَاجِدَ»
١٢ / ٢٥٥
قَالَ: ثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: ثَنَا خُصَيْفٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: كَانُوا يَفْرُقُونَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ أَنْ يُصَلُّوا، فَقَالَ لَهُمُ: اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، يَقُولُ: اجْعَلُوهَا مَسْجِدًا حَتَّى تُصَلُّوا فِيهَا»
١٢ / ٢٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: خَافُوا فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ»
١٢ / ٢٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: كَانُوا خَائِفِينَ، فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ»
١٢ / ٢٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: كَانُوا خَائِفِينَ فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ»
١٢ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ، وَكَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا خَائِفِينَ، فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ»
١٢ / ٢٥٦
قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانُوا خَائِفِينَ، فَأَمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ»
١٢ / ٢٥٦
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَخَافُ فِرْعَوْنَ، فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ مَسَاجِدَ يُصَلُّونَ فِيهَا»
١٢ / ٢٥٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] يَقُولُ: مَسَاجِدَ»
١٢ / ٢٥٦
قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ⦗٢٥٧⦘: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ يَخَافُونَ»
١٢ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿أَنْ تَبَوَّءَا، لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: مَسَاجِدَ»
١٢ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: كَانُوا خَائِفِينَ، فَأَمَرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ»
١٢ / ٢٥٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: قَالَ أَبِي زَيْدٌ: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مَسَاجِدَكُمْ تُصَلُّونَ فِيهَا؛ تِلْكَ الْقِبْلَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاجْعَلُوا مَسَاجِدَكُمْ قِبَلَ الْكَعْبَةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] يَعْنِي الْكَعْبَةَ»
١٢ / ٢٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ ⦗٢٥٨⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبِشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُظْهِرَ صَلَاتَنَا مَعَ الْفَرَاعِنَةِ. فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ»
١٢ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] يَقُولُ: وَجِّهُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ [النور: ٣٦]»
١٢ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: قِبَلَ الْقِبْلَةِ»
١٢ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: نَحْوَ الْكَعْبَةِ، حِينَ خَافَ مُوسَى، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْكَنَائِسِ الْجَامِعَةِ، فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا فِي بُيُوتِهِمْ مَسَاجِدَ مُسْتَقْبِلَةَ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ فِيهَا سِرًّا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً
١٢ / ٢٥٨
قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ ⦗٢٥٩⦘ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ [يونس: ٨٧] مَسَاجِدَ»
١٢ / ٢٥٨
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: مِصْرُ، الْإِسْكَنْدَرِيَّةُ»
١٢ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: وَذَلِكَ حِينَ مَنَعَهُمْ فِرْعَوْنُ الصَّلَاةَ، فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا مَسَاجِدَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَنْ يُوَجَّهُوا نَحْوَ الْقِبْلَةِ»
١٢ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿بُيُوتِكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: نَحْوَ الْقِبْلَةِ»
١٢ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: مَسَاجِدَ. ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: قِبَلَ الْقِبْلَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا. ⦗٢٦٠⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] قَالَ: يُقَابِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعَانِي الْبُيُوتِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بُيُوتًا، الْبُيُوتُ الْمَسْكُونَةُ إِذَا ذُكِرَتْ بِاسْمِهَا الْمُطْلَقِ دُونَ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَهَا اسْمٌ هِيَ بِهِ مَعْرُوفَةٌ خَاصٌ لَهَا، وَذَلِكَ الْمَسَاجِدُ. فَأَمَّا الْبُيُوتُ الْمُطْلَقَةُ بِغَيْرِ وَصْلِهَا بِشَيْءٍ، وَلَا إِضَافَتِهَا إِلَى شَيْءٍ، فَالْبُيُوتُ الْمَسْكُونَةُ، وَكَذَلِكَ الْقِبْلَةُ؟ الْأَغْلَبُ مِنَ اسْتِعْمَالِ النَّاسِ إِيَّاهَا فِي قِبَلِ الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَوَاتِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ تَوْجِيهِ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَّا إِلَى الْأَغْلَبِ مِنْ وجُوهِهَا الْمُسْتَعْمَلِ بَيْنَ أَهْلِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ دُونَ الْخَفِيِّ الْمَجْهُولِ مَا لَمْ تَأْتِ دَلَالَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ [يونس: ٨٧] دَلَالَةٌ تَقْطَعُ الْعُذْرَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ غَيْرُ الظَّاهِرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، لَمْ يَجُزْ لَنَا تَوْجِيهُهُ إِلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ الَّذِي وَصَفْنَا. وَكذلك القول في قَوْلُهُ: ﴿قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [يونس: ٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتِهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَبِشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام: وَبِشِّرْ مُقِيمِي الصَّلَاةِ الْمُطِيعِي اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنْهُ
١٢ / ٢٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ مُوسَى يَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَعْطَيْتَ فِرْعَوْنَ، وَكُبَرَاءَ قَوْمِهِ وَأَشْرَافَهُمْ، وَهُمُ الْمَلَأُ، زِينَةً مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَأَثَاثِهَا، وَأَمْوَلًا مِنْ أَعْيَانِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. ﴿رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ﴾ [يونس: ٨٨] يَقُولُ مُوسَى لِرَبِّهِ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَهُمْ مَا أَعْطَيْتَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: «﴿لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ﴾ [يونس: ٨٨]» بِمَعْنَى: لِيُضِلُّوا النَّاسَ، عَنْ سَبِيلِكَ، وَيَصُدُّوهُمْ عَنْ دِينِكَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: «لِيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ» بِمَعْنَى: لِيَضِلُّوا هُمْ عَنْ سَبِيلِكَ، فَيَجُورُوا عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَكَانَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْطَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَأَمْوَالِهَا لِيُضِلُّوا النَّاسَ عَنْ دِينِهِ، أَوْ لِيَضِلُّوا هُمْ عَنْهُ؟ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ أَمَا أَعْطَاهُمْ لِأَجْلِهِ، فَلَا عَتَبَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمْتَ.
١٢ / ٢٦١
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى هَذِهِ اللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيُضِلُّوا﴾ [يونس: ٨٨] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: رَبَّنَا فَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ، كَمَا قَالَ: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] أَيْ فَكَانَ لَهُمْ وَهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِيَكُونَ عَدُوًّا وَحَزَنًا، وَإِنَّمَا الْتَقَطُوهُ فَكَانَ لَهُمْ. قَالَ: فَهَذِهِ اللَّامُ تَجِيءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: هَذِهِ اللَّامُ لَامُ كَيْ؛ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَهُمْ مَا أَعْطَيْتَهُمْ كَيْ يُضِلُّوا، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَقَالَ آخَرُ: هَذِهِ اللَّامَاتُ فِي قَوْلِهِ «لِيُضِلُّوا» وَ«لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا»، وَمَا أَشْبَهَهَا بِتَأْوِيلِ الْخَفْضِ: آتَيْتَهُمْ مَا أَتَيْتَهُمْ لِضَلَالِهِمْ، وَالْتَقَطُوهُ لِكَوْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ آلَتِ الْحَالَةُ إِلَى ذَلِكَ. وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ لَامَ كَيْ فِي مَعْنَى لَامِ الْخَفْضِ، وَلَامَ الْخَفْضِ فِي مَعْنَى لَامِ كَيْ لِتَقَارُبِ الْمَعْنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ﴾ [التوبة: ٩٥] أَيْ لِإِعْرَاضِكُمْ، وَلَمْ
١٢ / ٢٦٢
يَحْلِفُوا لِإِعْرَاضِهِمْ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] سَمَوْتَ وَلَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِتَسْمُو … وَلَكِنَّ الْمُضَيِّعَ قَدْ يُصَابُ
قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَالُ: وَمَا كُنْتَ أَهْلًا لِلْفِعْلِ، وَلَا يُقَالُ لِتَفْعَلَ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ: وَهَذَا مِنْهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهَا لَامُ كَيْ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَهُمْ مَا أَعْطَيْتَهُمْ مِنْ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْأَمْوَالِ لِتَفْتِنَهُمْ فِيهِ، وَيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ عِبَادَكَ، عُقُوبَةً مِنْكَ. وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] وَقَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] هَذَا دُعَاءٌ مِنْ مُوسَى، دَعَا اللَّهَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ أَنْ يُغَيِّرَ أَمْوَالَهُمْ عَنْ هَيْئَتِهَا، وَيُبْدِلَهَا إِلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي هِيَ بِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] يَعْنِي بِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نُغَيِّرَهَا عَنْ هَيْئَتِهَا الَّتِي هِيَ بِهَا، يُقَالُ مِنْهُ: طُمِسَتْ عَيْنُهُ أَطْمِسُهَا وَأَطْمِسُهَا طَمْسًا وَطُمُوسًا، وَقَدْ تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ الطَّمْسَ فِي الْعَفْوِ وَالدُّثُورِ وَفِي الِانْدِقَاقِ وَالدُّرُوسِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
[البحر البسيط] مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ … عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِنَا.
[البحر الوافر] سَمَوْتَ وَلَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِتَسْمُو … وَلَكِنَّ الْمُضَيِّعَ قَدْ يُصَابُ
قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَالُ: وَمَا كُنْتَ أَهْلًا لِلْفِعْلِ، وَلَا يُقَالُ لِتَفْعَلَ إِلَّا قَلِيلًا. قَالَ: وَهَذَا مِنْهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهَا لَامُ كَيْ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَهُمْ مَا أَعْطَيْتَهُمْ مِنْ زِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْأَمْوَالِ لِتَفْتِنَهُمْ فِيهِ، وَيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ عِبَادَكَ، عُقُوبَةً مِنْكَ. وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] وَقَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] هَذَا دُعَاءٌ مِنْ مُوسَى، دَعَا اللَّهَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ أَنْ يُغَيِّرَ أَمْوَالَهُمْ عَنْ هَيْئَتِهَا، وَيُبْدِلَهَا إِلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي هِيَ بِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾ [النساء: ٤٧] يَعْنِي بِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نُغَيِّرَهَا عَنْ هَيْئَتِهَا الَّتِي هِيَ بِهَا، يُقَالُ مِنْهُ: طُمِسَتْ عَيْنُهُ أَطْمِسُهَا وَأَطْمِسُهَا طَمْسًا وَطُمُوسًا، وَقَدْ تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ الطَّمْسَ فِي الْعَفْوِ وَالدُّثُورِ وَفِي الِانْدِقَاقِ وَالدُّرُوسِ، كَمَا قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
[البحر البسيط] مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ … عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِيهِ مِثْلَ قَوْلِنَا.
١٢ / ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٦٤
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ زَائِدَةَ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: بَلَغَنَا عَنِ الْقُرَظِيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: اجْعَلْ سُكَرَهُمْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «اجْعَلْ سُكَرَهُمْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، «﴿اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: اجْعَلْهَا حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: صَارَتْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ زُرُوعَهُمْ تَحَوَّلَتْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ حُرُوثًا لَهُمْ صَارَتْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: يَقُولُونَ: صَارَتْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَا: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: صَارَتْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ حُرُوثًا لَهُمْ صَارَتْ حِجَارَةً»
١٢ / ٢٦٥
حُدِّثْتُ عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨]⦗٢٦٦⦘ قَالَ: جَعَلَهَا اللَّهُ حِجَارَةً مَنْقُوشَةً عَلَى هَيْئَةِ مَا كَانَتْ»
١٢ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَصَابَهُمْ ذَلِكَ؛ طَمَسَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَصَارَتْ حِجَارَةً ذَهَبُهُمْ، وَدَرَاهِمُهُمْ، وَعَدَسُهُمْ، وَكُلُّ شَيْءٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَهْلَكَهَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٦٦
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: أَهْلِكْهَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٢ / ٢٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] يَقُولُ: دَمَّرْ عَلَيْهِمْ ⦗٢٦٧⦘ وَأَهْلِكْ أَمْوَالَهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاطْبَعْ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَلِينَ وَلَا تَنْشَرِحَ بِالْإِيمَانِ. كَمَا
١٢ / ٢٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَقَالَ مُوسَى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ فِرْعَوْنَ: «رَبَّنَا ﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَحَالَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْإِيمَانَ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ الْإِيمَانُ»
١٢ / ٢٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] يَقُولُ: وَاطْبَعْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] وَهُوَ الْغَرَقُ»
١٢ / ٢٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] بِالضَّلَالَةِ»
١٢ / ٢٦٧
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: بِالضَّلَالَةِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٢٦٨⦘ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٢٦٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] يَقُولُ: أَهْلِكْهُمْ كُفَّارًا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَلَا يُصَدِّقُوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَيُقِرُّوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْمُوجِعَ. كَمَا:
١٢ / ٢٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَلَا يُؤْمِنُوا﴾ [يونس: ٨٨] بِاللَّهِ فِيمَا يَرَوْنَ مِنَ الْآيَاتِ، ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨]» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٢٦٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمِنْقَرِيَّ، يَقُولُ: “﴿فَلَا
١٢ / ٢٦٨
يُؤْمِنُوا﴾ [يونس: ٨٨] يَقُولُ: دَعَا عَلَيْهِمْ ” وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ: ﴿يُؤْمِنُوا﴾ [يونس: ٨٨] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هُوَ نَصْبٌ؛ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْفَاءِ أَوْ يَكُونُ دُعَاءً عَلَيْهِمْ إِذَا عَصَوْا. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هُوَ نَصْبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ﴾ [يونس: ٨٨] وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَوْضِعُهُ جَزْمٌ عَلَى الدُّعَاءِ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِمْ، بِمَعْنَى: فَلَا آمَنُوا. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَلَا يَنْبَسِطْ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى … وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا وَأَنْفُكَ رَاغِمُ
بِمَعْنَى: فَلَا انْبَسَطَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى، وَلَا لَقِيتَنِي عَلَى الدُّعَاءِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: هُوَ دُعَاءٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ فَلَا يُؤْمِنُوا. قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا جَوَابًا لِمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خَرَجَتْ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ، فَتَجْعَلُ ﴿فَلَا يُؤْمِنُوا﴾ [يونس: ٨٨] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْجَوَابِ، وَلَيْسَ بِسَهْلٍ. قَالَ: وَيَكُونُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز] يَا نَاقَ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا … إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا
قَالَ: وَلَيْسَ الْجَوَابُ بِسَهْلٍ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
[البحر الطويل] فَلَا يَنْبَسِطْ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى … وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا وَأَنْفُكَ رَاغِمُ
بِمَعْنَى: فَلَا انْبَسَطَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى، وَلَا لَقِيتَنِي عَلَى الدُّعَاءِ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: هُوَ دُعَاءٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ فَلَا يُؤْمِنُوا. قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا جَوَابًا لِمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خَرَجَتْ عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ، فَتَجْعَلُ ﴿فَلَا يُؤْمِنُوا﴾ [يونس: ٨٨] فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْجَوَابِ، وَلَيْسَ بِسَهْلٍ. قَالَ: وَيَكُونُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الرجز] يَا نَاقَ سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا … إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا
قَالَ: وَلَيْسَ الْجَوَابُ بِسَهْلٍ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
١٢ / ٢٦٩
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ جَزْمٌ عَلَى الدُّعَاءِ، بِمَعْنَى: فَلَا آمَنُوا. وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ دُعَاءً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] فَإِلْحَاقُ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يُؤْمِنُوا﴾ [يونس: ٨٨] إِذْ كَانَ فِي سِيَاقِ ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ أَشْبَهُ وَأَوْلَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: حَتَّى يَرَوُا الْغَرَقَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ مِنْ بَعْضِ وجُوهِهَا فِيمَا مَضَى
١٢ / ٢٧٠
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٨٨] قَالَ: الْغَرَقَ»
١٢ / ٢٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٨٩] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ إِجَابَتِهِ لِمُوسَى ﷺ وَهَارُونَ دُعَاءَهُمَا عَلَى فِرْعَوْنَ وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ وَأَمْوَالِهِمْ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] اللَّهُ لَهُمَا ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩] فِي فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَأَمْوَالِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ نُسِبَتِ الْإِجَابَةُ إِلَى اثْنَيْنِ، وَالدُّعَاءُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ وَاحِدٍ قِيلَ: إِنَّ الدَّاعِيَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، فَإِنَّ الثَّانِي كَانَ مُؤْمِنًا وَهُوَ هَارُونُ، فَلِذَلِكَ نُسِبَتِ الْإِجَابَةُ إِلَيْهِمَا، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ دَاعٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ⦗٢٧١⦘ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكَمَا﴾ [يونس: ٨٩] قَالَ: كَانَ مُوسَى يَدْعُو وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩]» وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْعَرَبَ تُخَاطِبُ الْوَاحِدَ خِطَابَ الِاثْنَيْنِ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
[البحر الوافر] فَقُلْتُ لِصَاحِبِي لَا تُعْجِلَانَا … بِنَزْعِ أُصُولِهِ وَاجْتَزَّ شِيحَا
[البحر الوافر] فَقُلْتُ لِصَاحِبِي لَا تُعْجِلَانَا … بِنَزْعِ أُصُولِهِ وَاجْتَزَّ شِيحَا
١٢ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩] قَالَ: دَعَا مُوسَى، وَأَمَّنَ هَارُونُ»
١٢ / ٢٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، وَزَيْدُ بْنُ حُبَابِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «دَعَا مُوسَى، وَأَمَّنَ هَارُونُ»
١٢ / ٢٧١
قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «دَعَا مُوسَى، وَأَمَّنَ هَارُونُ»
١٢ / ٢٧١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي ⦗٢٧٢⦘ الْعَالِيَةِ، قَالَ: «﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩] قَالَ: دَعَا مُوسَى، وَأَمَّنَ هَارُونُ»
١٢ / ٢٧١
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُونُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩]»
١٢ / ٢٧٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: «﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩] قَالَ: كَانَ مُوسَى يَدْعُو وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩]»
١٢ / ٢٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩] لِمُوسَى وَهَارُونَ». قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عِكْرِمَةُ: أَمَّنَ هَارُونُ عَلَى دُعَاءِ مُوسَى، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٩]
١٢ / ٢٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «كَانَ هَارُونُ يَقُولُ: آمِينَ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يونس: ٨٩] فَصَارَ التَّأْمِينُ دَعْوَةً صَارَ شَرِيكَهُ فِيهَا» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٩] فَإِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ ⦗٢٧٣⦘ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ. عَلَى أَمْرِهَا مِنْ دُعَاءِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِلَى الْإِجَابَةِ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ عِقَابُ اللَّهِ الَّذِي أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ أَجَابَهُمَا فِيهِ. كَمَا
١٢ / ٢٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿فَاسْتَقِيمَا﴾ [يونس: ٨٩] فَامْضِيَا لِأَمْرِي، وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُونَ: إِنَّ فِرْعَوْنَ مَكَثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٨٩] يَقُولُ: وَلَا تَسْلُكَانِ طَرِيقَ الَّذِينَ يَجْهَلُونَ حَقِيقَةَ وَعَدِي، فَتَسْتَعْجِلَانِ قَضَائِي، فَإِنَّ وَعَدِيَ لَا خَالِفَ لَهُ، وَإِنَّ وَعِيدِيَ نَازِلٌ بِفِرْعَونَ وَعَذَابِي وَاقِعٌ بِهِ وَبِقَوْمِهِ
١٢ / ٢٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَطَعْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ حَتَّى جَاوَزُوهُ. ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ﴾ [يونس: ٩٠] يَقُولُ: فَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْنُ ﴿وَجُنُودُهُ﴾ [البقرة: ٢٤٩] يُقَالُ مِنْهُ: اتَّبَعْتُهُ وَتَبِعْتُهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. وَقَدْ كَانَ الْكَسَائِيُّ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ يَقُولُ: إِذَا أُرِيدَ أَنَّهُ أَتْبَعَهُمْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا فَالْكَلَامُ «أَتْبَعَهُمْ» بِهَمْزِ الْأَلِفِ، وَإِذَا أُرِيدَ اتَّبَعَ أَثَرَهُمْ أَوْ اقْتَدَى بِهِمْ
١٢ / ٢٧٣
فَإِنَّهُ مِنْ «اتَّبَعْتُ» مُشَدَّدَةُ التَّايِ غَيْرُ مَهْمُوزَةِ الْأَلِفِ. ﴿بَغْيًا﴾ [البقرة: ٩٠] عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَمَنَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿وَعَدْوًا﴾ [يونس: ٩٠] . يَقُولُ: وَاعْتَدَاءً عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَدَا فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ فِي الظُّلْمِ يَعْدُو عَلَيْهِ عَدْوًا، مِثْلُ غَزَا يَغْزُو غَزْوًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «بَغْيًا وَعَدْوًا» وَهُوَ أَيْضًا مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَدَا يَعْدُو عَدْوًا، مِثْلُ عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا. ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ﴾ [يونس: ٩٠] يَقُولُ: حَتَّى إِذَا أَحَاطَ بِهِ الْغَرَقُ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ قَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا فِيهِ، فَغَرَّقْنَاهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ فِرْعَوْنَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْغَرَقِ وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ: ﴿آمَنْتُ﴾ [الأنعام: ١٥٨] يَقُولُ: أَقْرَرْتُ، ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس: ٩٠] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: «أَنَّهُ» بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ «أَنَّهُ» عَلَى إِعْمَالِ «آمَنْتُ» فِيهَا وَنَصْبَهَا بِهِ.
١٢ / ٢٧٤
وَقَرَأَ آخَرُونَ: «آمَنْتُ إِنَّهُ» بِكَسْرِ الْأَلِفِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى ابْتِدَاءِ الْخَبَرِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ الْكُوفِيِّينَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، وَبِأَيِّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: «اجْتَمَعَ يَعْقُوبُ وَبَنُوهُ إِلَى يُوسُفَ، وَهُمُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ حِينَ خَرَجُوا وَهُمْ سِتُمِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُمْ فِرْعَوْنُ فَرَأَوْهُ، قَالُوا: يَا مُوسَى أَيْنَ الْمَخْرَجُ؟ فَقَدْ أُدْرِكْنَا قَدْ كُنَّا نَلْقَى مِنْ فِرْعَوْنَ الْبَلَاءَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣] وَيَبُسَ لَهُمُ الْبَحْرُ، وَكَشَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَخَرَجَ فِرْعَوْنُ عَلَى فَرَسٍ حِصَانٍ أَدْهَمَ عَلَى لَوْنِهِ مِنَ الدُّهْمِ ثَمَانُ مِائَةِ أَلْفٍ سِوَى أَلْوَانِهَا مِنَ الدَّوَابِّ، وَكَانَتْ تَحْتَ جِبْرِيلَ عليه السلام فَرَسٌ وَدِيقٌ لَيْسَ فِيهَا أُنْثَى غَيْرَهَا. وَمِيكَائِيلُ يَسُوقُهُمْ، لَا يَشِذُ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَّا ضَمَّهُ إِلَى النَّاسِ. فَلَمَّا خَرَجَ آخِرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ دَنَا مِنْهُ جِبْرِيلُ وَلَصَقَ بِهِ، فَوَجَدَ الْحِصَانُ رِيحَ الْأُنْثَى، فَلَمْ يَمْلِكْ فِرْعَوْنُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا، وَقَالَ: أَقْدِمُوا فَلَيْسَ الْقَوْمُ أَحَقُّ بِالْبَحْرِ مِنْكُمْ ثُمَّ ⦗٢٧٦⦘ أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ حَتَّى إِذَا هَمَّ أَوَّلُهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ارْتَطَمَ وَنَادَى فِيهَا: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠] وَنُودِيَ: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٩١]»
١٢ / ٢٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وعَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يَرْفَعُهُ أَحَدُهُمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: «إِنَّ جَبْرَائِيلَ كَانَ يَدُسُّ فِي فَمِ فِرْعَوْنَ الطِّينَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
١٢ / ٢٧٦
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «جَعَلَ جَبْرَائِيلُ عليه السلام يَدُسُّ أَوْ يَحْشُو فِي فَمِ فِرْعَوْنَ الطِّينَ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ»
١٢ / ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قَالَ لِي جَبْرَائِيلُ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَغُطُّهُ وَأَدُسُّ مِنْ حَمْئِهِ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ ⦗٢٧٧⦘ فَيَغْفِرَ لَهُ» يَعْنِي فِرْعَوْنَ
١٢ / ٢٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ قَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ جِبْرَائِيلُ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخِذٌ مِنْ حَمْأَةِ الْبَحْرِ وَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ»
١٢ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي عَمْرٌو، عَنْ حَكَّامٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، جَعَلَ جَبْرَائِيلُ يَحْشُو فِي فِيهِ الطِّينَ وَالتُّرَابَ»
١٢ / ٢٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس: ٩٠] قَالَ: أَخَذَ جِبْرَائِيلُ مِنْ حَمْأَةِ الْبَحْرِ فَضَرَبَ بِهَا فَاهُ أَوْ قَالَ: مَلَأَ بِهَا فَاهُ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ»
١٢ / ٢٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: خَطَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ عَبْدًا طَاغِيًا نَاسِيًا لِذِكْرِ اللَّهِ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا ⦗٢٧٨⦘ إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠] قَالَ اللَّهُ: ﴿الْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾»
١٢ / ٢٧٧
قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ فِرْعَوْنَ، لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ جَعَلَ جَبْرَائِيلُ يَحْثُو فِي فِيهِ التُّرَابَ خَشْيَةَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ»
١٢ / ٢٧٨
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ جَبْرَائِيلَ، عليه السلام قَالَ: مَا خَشِيتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ الرَّحْمَةَ إِلَّا فِرْعَوْنَ، فَإِنَّهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ خَشِيتُ أَنْ تَصِلَ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، فَأَخَذْتُ مِنْ حَمَأَةِ الْبَحْرِ وَزَبَدِهِ فَضَرَبْتُ بِهِ عَيْنَيْهِ وَوَجْهَهُ “
١٢ / ٢٧٨
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَالَ جَبْرَائِيلُ عليه السلام: لَقَدْ حَشَوْتُ فَاهُ الْحَمَأَةَ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ»
١٢ / ٢٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَرِّفًا فِرْعَوْنَ قُبْحَ صَنِيعِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَإِسَاءَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ أَيَّامَ صِحَّتِهِ، بِتَمَادِيهِ فِي طُغْيَانِهِ وَمَعْصِيَتِهِ رَبَّهُ حِينَ فَزِعَ إِلَيْهِ فِي حَالِ حُلُولِ سَخَطِهِ بِهِ وَنُزُولِ
١٢ / ٢٧٨
عِقَابِهِ، مُسْتَجِيرًا بِهِ مِنْ عَذَابِهِ الْوَاقِعِ بِهِ لَمَّا نَادَاهُ وَقَدْ عَلَتْهُ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ وَغَشِيَتْهُ كَرَبُ الْمَوْتِ: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٩٠] لَهُ، الْمُنْقَادِينَ بِالذِّلَّةِ لَهُ، الْمُعْتَرِفِينَ بِالْعُبُودِيَّةِ: الْآنَ تُقِرُّ لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَتَسْتَسْلِمُ لَهُ بِالذِّلَّةِ، وَتَخْلُصُ لَهُ الْأُلُوهَةَ، وَقَدْ عَصَيْتَهُ قَبْلَ نُزُولِ نِقْمَتِهِ بِكَ فَأَسْخَطْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيلِهِ؟ فَهَلَّا وَأَنْتَ فِي مَهْلٍ، وَبَابُ التَّوْبَةِ لَكَ مُنْفَتِحٌ أَقْرَرْتَ بِمَا أَنْتَ بِهِ الْآنَ مُقِرٌّ
١٢ / ٢٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِفِرْعَونَ: فَالْيَوْمَ نَجْعَلُكَ عَلَى نَجْوَةِ الْأَرْضِ بِبَدَنِكَ، يَنْظُرُ إِلَيْكَ هَالِكًا مَنْ كَذَّبَ بِهَلَاكِكَ. ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس: ٩٢] يَقُولُ: لِمَنْ بَعْدَكَ مِنَ النَّاسِ عِبْرَةً يَعْتَبِرُونَ بِكَ، فَيَنْزَجِرُونَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْكُفْرِ بِهِ وَالسَّعْي فِي أَرْضِهِ بِالْفَسَادِ. وَالنَّجْوَةُ: الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ عَلَى مَا حَوْلَهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ:
[البحر البسيط] فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِ … وَالْمُسْتَكِنُّ كَمَنْ يَمْشِي بِقُرْوَاحِ
⦗٢٨٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
[البحر البسيط] فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِ … وَالْمُسْتَكِنُّ كَمَنْ يَمْشِي بِقُرْوَاحِ
⦗٢٨٠⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَغَيْرِهِ، قَالَ: «قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِرْعَوْنُ. قَالَ: فَأَخْرَجَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ مِثْلَ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ»
١٢ / ٢٨٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ، أَوْ أَحْدَثِ النَّاسِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ فحَدَّثَنَا: أَنَّ أَوَّلَ جُنُودِ فِرْعَوْنَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ هَابَتِ الْخَيْلُ اللَّهَبَ، قَالَ: وَمُثِلَ لِحِصَانٍ مِنْهَا فَرَسٌ وَدِيقٌ، فَوَحَّدَ رِيحَهَا أَحْسِبُهُ أَنَا قَالَ: فَانْسَلَّ فَاتَّبَعَتْهُ قَالَ: فَلَمَّا تَتَامَّ آخِرُ جُنُودِ فِرْعَوْنَ فِي الْبَحْرِ وَخَرَجَ آخِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَرَ الْبَحْرَ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، ⦗٢٨١⦘ فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: مَا مَاتَ فِرْعَوْنُ، وَمَا كَانَ لَيَمُوتَ أَبَدًا فَسَمِعَ اللَّهُ تَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُ. قَالَ: فَرَمَى بِهِ عَلَى السَّاحِلِ كَأَنَّهُ ثَوْرٌ أَحْمَرُ يَتَرَاءَاهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ “
١٢ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، «﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ [يونس: ٩٢] قَالَ: بَدَنَهُ: جَسَدَهُ رَمَى بِهِ الْبَحْرُ»
١٢ / ٢٨١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ [يونس: ٩٢] قَالَ: بِجَسَدِكَ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٢٨١
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا جَاوَزَ مُوسَى الْبَحْرَ بِجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ، الْتَقَى الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَأَغْرَقَهُمْ، فَقَالَ أَصْحَابُ مُوسَى: إِنَّا نَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ فِرْعَوْنُ غَرِقَ، وَلَا نُؤْمِنُ بِهَلَاكِهِ فَدَعَا رَبَّهُ فَأَخْرَجَهُ، فَنَبَذَهُ الْبَحْرُ حَتَّى اسْتَيْقَنُوا بِهَلَاكِهِ»
١٢ / ٢٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس: ٩٢] يَقُولُ: أَنْكَرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَذَفَهُ اللَّهُ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ»
١٢ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس: ٩٢] قَالَ: لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ لَمْ تُصَدِّقْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ بِذَلِكَ، فَأَخْرَجَهُ اللَّهُ آيَةٍ وَعِظَةً ” حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادِ أَوْ غَيْرِهِ، بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ
١٢ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ [يونس: ٩٢] قَالَ: بِجَسَدِكَ»
١٢ / ٢٨٢
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ [يونس: ٩٢] قَالَ: بِجَسَدِكَ»
١٢ / ٢٨٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «كَذَّبَ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَوْتِ فِرْعَوْنَ، فَرَمَى بِهِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لِيَرَاهُ بَنُو ⦗٢٨٣⦘ إِسْرَائِيلَ، قَالَ: كَأَنَّهُ ثَوْرٌ أَحْمَرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: تَنْجُو بِجَسَدِكَ مِنَ الْبَحْرِ فَتَخْرُجُ مِنْهُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس: ٩٢] يَقُولُ: أَنْجَى اللَّهُ فِرْعَوْنَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْبَحْرِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ بَعْدَ مَا غَرِقَ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: بِبَدَنِكَ؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنَجِّيَهُ بِغَيْرِ بَدَنِهِ، فَيَحْتَاجُ الْكَلَامُ إِلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِبَدَنِكَ؟ قِيلَ: كَانَ جَائِزًا أَنْ يُنَجِّيَهُ بِالْبَدَنِ بِغَيْرِ رَوْحٍ، وَلَكِنْ مَيِّتًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا﴾ [يونس: ٩٢] يَعْنِي: عَنْ حُجَجِنَا وَأَدِلَتِنَا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ وَالْأُلُوهَةَ لَنَا خَالِصَةً، ﴿لَغَافِلُونَ﴾ [يونس: ٩٢] يَقُولُ: لَسَاهُونَ، لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا
١٢ / ٢٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [يونس: ٩٣]⦗٢٨٤⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنَازِلَ صِدْقٍ. قِيلَ: عَنَى بِذَلِكَ الشَّأْمَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ. وَقِيلَ: عَنَى بِهِ الشَّامَ وَمِصْرَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، وَأَبُو خَالِدٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٩٣] قَالَ: مَنَازِلَ صِدْقٍ: مِصْرُ وَالشَّامُ»
١٢ / ٢٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٩٣] قَالَ: بَوَّأَهُمُ اللَّهُ الشَّامَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ»
١٢ / ٢٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٩٣] الشَّامَ. وَقَرَأَ: ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٧١]» وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [يونس: ٩٣] يَقُولُ: وَرَزَقْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ حَلَالِ الرِّزْقِ وَهُوَ الطَّيِّبُ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ [يونس: ٩٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَمَا اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَعَلْنَا بِهِمْ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى جَاءَهُمْ مَا كَانُوا بِهِ ⦗٢٨٥⦘ عَالِمِينَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ ﷺ مُجْمِعِينَ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَالْإِقْرَارِ بِهِ وَبِمَبْعَثِهِ غَيْرَ مُخْتَلِفَيْنِ فِيهِ بِالنَّعْتِ الَّذِي كَانُوا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمُ وَآمَنَ بِهِ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْهُمْ كَانُوا عَدَدًا قَلِيلًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْمَعْلُومُ الَّذِي كَانُوا يَعْلَمُونَهُ نَبِيًّا لِلَّهِ، فَوَضَعَ الْعِلْمَ مَكَانَ الْمَعْلُومِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ الْعِلْمَ هَهُنَا كِتَابَ اللَّهِ وَوَحْيِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ [يونس: ٩٣] قَالَ: الْعِلْمُ: كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَأَمْرُهُ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، وَهَلْ اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ، هَلِ اقْتَتَلُوا إِلَّا عَلَى الْبَغْيِ؟ قَالَ: وَالْبَغْيُ وَجْهَانِ: وَجْهُ النَّفَاسَةِ فِي الدُّنْيَا وَمَنِ اقْتَتَلَ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَبَغْيٌ فِي الْعِلْمِ يَرَى هَذَا جَاهِلًا مُخْطِئًا وَيَرَى نَفْسَهُ مُصِيبًا عَالِمًا، فَيَبْغِي بِإِصَابَتِهِ وَعِلْمِهِ عَلَى هَذَا الْمُخْطِئُ» وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [يونس: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ يَقْضِي بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِي فِي الدُّنْيَا يَخْتَلِفُونَ، بِأَنْ
١٢ / ٢٨٥
يُدْخِلَ الْمُكَذِّبِينَ بِكَ مِنْهُمُ النَّارَ، وَالْمُؤْمِنِينَ بِكَ مِنْهُمُ الْجَنَّةَ. فَذَلِكَ قَضَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ﷺ
١٢ / ٢٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَإِنْ كُنْتَ يَا مُحَمَّدُ فِي شَكٍّ مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَخْبَرْنَاكَ وَأُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي نُبُوَّتِكَ قَبْلَ أَنْ تُبْعَثَ رَسُولًا إِلَى خَلْقِهِ، لِأَنَّهُمْ يَجِدُونَكَ عِنْدَهُمْ مَكْتُوبًا وَيَعْرِفُونَكَ بِالصِّفَةِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مَوْصُوفٌ فِي كِتَابِهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؛ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْإِيمَانِ بِكَ مِنْهُمْ دُونَ أَهْلِ الْكَذِبِ وَالْكُفْرِ بِكَ مِنْهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قَالَ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَآمَنُوا بِهِ، يَقُولُ: فَاسْأَلْهُمْ إِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ بِأَنَّكَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ»
١٢ / ٢٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿فَإِنْ ⦗٢٨٧⦘ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قَالَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
١٢ / ٢٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ»
١٢ / ٢٨٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ يَعْنِي أَهْلَ التَّقْوَى وَأَهْلَ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِمَّنْ أَدْرَكَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي شَكٍّ مِنْ خَبَرِ اللَّهِ أَنَّهُ حَقٌّ يَقِينٌ حَتَّى قِيلَ لَهُ: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قِيلَ: لَا وَكَذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
١٢ / ٢٨٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤] فَقَالَ: لَمْ يَشُكِّ النَّبِيُّ ﷺ وَلَمْ يَسْأَلْ»
١٢ / ٢٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قَالَ: مَا شَكَّ وَمَا سَأَلَ»
١٢ / ٢٨٧
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: «لَمْ يَشُكِّ ﷺ وَلَمْ يَسْأَلْ»
١٢ / ٢٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: “﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا أَشُكُّ وَلَا أَسْأَلُ»
١٢ / ٢٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: “﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا أَشُكُّ وَلَا أَسْأَلُ» فِإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْهُ مَخْرَجِ هَذَا الْكَلَامِ إِذَنْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ؟ قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا اسْتِجَازَةَ الْعَرَبِ قَوْلَ الْقَائِلِ مِنْهُمْ لِمَمْلُوكِهِ: إِنْ كُنْتَ مَمْلُوكِي فَانْتَهِ إِلَى أَمْرِي؛ وَالْعَبْدُ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ لَا يَشُكُّ سَيِّدُهُ الْقَائِلُ لَهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَبْدُهُ. كَذَلِكَ قَوْلُ الرَّجُلِ مِنْهُمْ لِابْنِهِ: إِنْ كُنْتَ ابْنِي فَبِرَّنِي؛ وَهُوَ لَا يَشُكُّ فِي ابْنِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ صَحِيحٌ مُسْتَفِيضٌ فِيهِمْ، وَذَكَرْنَا ذَلِكَ بِشَوَاهِدٍ، وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦] وَقَدْ عَلِمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ ﷺ شَاكًّا فِي حَقِيقَةِ خَبَرِ اللَّهِ وَصِحَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ كَانَ عَالِمًا، وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَاطَبَهُ خِطَابَ قَوْمِهِ ⦗٢٨٩⦘ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، إِذْ كَانَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِمْ نَزَلَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [يونس: ٩٤] . . الْآيَةَ، فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مُبْتَدَأٌ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أُقْسِمُ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ الْيَقِينُ مِنَ الْخَبَرِ بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ صِحَّةَ ذَلِكَ، وَيَجِدُونَ نَعْتَكَ عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ. ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧] يَقُولُ: فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِينَ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَحَقِيقَتِهِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خُوطِبَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، وَالْمُرَادُ بِهَا بَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ صَحَّتْ بَصِيرَتُهُ بِنُبُوَّتِهِ ﷺ مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ، تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى مَوْضِعِ تَعَرُّفِ حَقِيقَةِ أَمْرِهِ الَّذِي يُزِيلُ اللَّبْسَ عَنْ قَلْبِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب: ١]؛ كَانَ قَوْلًا غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهُ
١٢ / ٢٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [يونس: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَا تَكُونَنَّ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ، فَتَكُونَ مِمَّنْ غَبُنَ حَظُّهُ وَبَاعَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَرِضَاهُ بِسَخَطِهِ وَعِقَابِهِ
١٢ / ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾
١٢ / ٢٨٩
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّدُ كَلِمَةُ رَبِّكَ، وَهِيَ لَعْنَتُهُ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] فَثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ، يُقَالُ مِنْهُ: حَقٌّ عَلَى فُلَانٍ كَذَا يَحِقُّ. عَلَيْهِ: إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَوَجَبَ. وَقَوْلُهُ ﴿لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ﴾ [يونس: ٩٧] لَا يُصَدِّقُونَ بِحُجَجِ اللَّهِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ رَبِّهِمْ وَلَا بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ، وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ وَمَوْعِظَةٍ وَعِبْرَةٍ فَعَايَنُوهَا حَتَّى يُعَايِنُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، كَمَا لَمْ يُؤْمِنْ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ، إِذَا حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ حَتَّى عَايَنُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، فَحِينَئِذٍ قَالَ: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾ [يونس: ٩٠] حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ قِيلِهِ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ مِنْ قَوْمِكَ، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهِمْ، لَا يُؤْمِنُونَ بِكَ فَيَتَّبِعُونَكَ إِلَّا فِي الْحِينِ الَّذِي لَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٩٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ قَالَ: حَقَّ عَلَيْهِمْ سَخَطُ اللَّهِ بِمَا عَصَوْهُ»
١٢ / ٢٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ حَقَّ عَلَيْهِمْ سَخَطُ اللَّهِ بِمَا ⦗٢٩١⦘ عَصَوْهُ»
١٢ / ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَهَلَّا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ وَهِيَ كَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ عِنْدَ مُعَايَنَتِهَا الْعَذَابَ وَنُزُولَ سَخَطِ اللَّهِ بِهَا بِعِصْيَانِهَا رَبَّهَا وَاسْتِحْقَاقِهَا عِقَابَهُ، فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَمْ يَنْفَعْ فِرْعَوْنَ إِيمَانُهُ حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ بَعْدَ تَمَادِيهِ فِي غَيِّهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ سَخَطَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ. ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ [يونس: ٩٨] فَإِنَّهُمْ نَفَعَهُمْ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْعُقُوبَةِ وَحُلُولِ السَّخَطِ بِهِمْ. فَاسْتَثْنَى اللَّهُ قَوْمَ يُونُسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِسَاحَتِهِمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهُ، وَأَخْبَرَ خَلْقَهُ أَنَّهُ نَفَعَهُمْ إِيْمَانُهُمْ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا﴾ [يونس: ٩٨] بِمَعْنَى فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِمَعْنَى الْجُحُودِ، فَكَيْفَ نَصَبَ «قَوْمَ» وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا كَانَ جَحْدًا كَانَ مَا بَعْدَهُ مَرْفُوعًا، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: مَا قَامَ أَحَدٌ إِلَّا أَخُوكَ، وَمَا خَرَجَ أَحَدٌ إِلَّا أَبُوكَ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ؛
١٢ / ٢٩١
وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ مِنْ جِنْسِ أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ. وَلَكِنْ لَوِ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ حَتَّى يَكُونَ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ كَانَ الْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِهِمُ النَّصَبَ، وَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ: مَا بَقِيَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا الْوَتَدَ، وَمَا عِنْدَنَا أَحَدٌ إِلَّا كَلْبًا أَوْ حِمَارًا، لِأَنَّ الْكَلْبَ وَالْوَتَدَ وَالْحِمَارَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ أَحَدٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:
[البحر البسيط] أَعْيَتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ ثُمَّ قَالَ:
إِلَّا أَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا … وَالنُّؤْيَ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
فَنَصَبَ «الْأُوَارِيَّ» إِذْ كَانَ مُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَكَذَلِكَ نَصَبَ قَوْمَ يُونُسَ لِأَنَّهُمْ أُمَّةٌ غَيْرُ الْأُمَمِ الَّذِينَ اسْتَثْنُوا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمْ وَشَكْلِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ. وَلَوْ كَانَ قَوْمُ يُونُسَ بَعْضَ الْأُمَّةِ الَّذِينَ اسْتُثْنُوا مِنْهُمْ كَانَ الْكَلَامُ رَفْعًا، وَلَكِنَّهُمْ كَمَا وَصَفْتُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
[البحر البسيط] أَعْيَتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ ثُمَّ قَالَ:
إِلَّا أَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا … وَالنُّؤْيَ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
فَنَصَبَ «الْأُوَارِيَّ» إِذْ كَانَ مُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَكَذَلِكَ نَصَبَ قَوْمَ يُونُسَ لِأَنَّهُمْ أُمَّةٌ غَيْرُ الْأُمَمِ الَّذِينَ اسْتَثْنُوا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمْ وَشَكْلِهِمْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ. وَلَوْ كَانَ قَوْمُ يُونُسَ بَعْضَ الْأُمَّةِ الَّذِينَ اسْتُثْنُوا مِنْهُمْ كَانَ الْكَلَامُ رَفْعًا، وَلَكِنَّهُمْ كَمَا وَصَفْتُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا﴾ [يونس: ٩٨]⦗٢٩٣⦘ يَقُولُ: لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا الْإِيمَانُ إِذَا نَزَلَ بِهَا بَأْسُ اللَّهِ، إِلَّا قَرْيَةَ يُونُسَ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدُ: فَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا كَمَا نَفَعَ قَوْمَ يُونُسَ إِيمَانُهُمْ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ
١٢ / ٢٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨] يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ لَمْ يَنْفَعْ قَرْيَةٌ كَفَرَتْ ثُمَّ آمَنَتْ حِينَ حَضَرَهَا الْعَذَابُ فَتُرِكَتْ، إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا فَقَدُوا نَبِيِّهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ الْعَذَابَ قَدْ دَنَا مِنْهُمْ، قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ التَّوْبَةَ وَلَبِسُوا الْمُسُوحَ وَأَلْهَوْا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا، ثُم عَجُّوا إِلَى اللَّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. فَلَمَّا عَرَفَ اللَّهُ الصِّدْقَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَالتَّوْبَةَ، وَالنَّدَامَةَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُمْ، كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بَعْدَ أَنْ تَدَلَّى عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ قَوْمَ يُونُسَ كَانُوا بِنِينَوَى أَرْضِ الْمَوْصِلِ»
١٢ / ٢٩٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ [يونس: ٩٨] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَنَزَلُوا عَلَى تَلٍّ وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا يَدْعُونَ اللَّهَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حَتَّى تَابَ عَلَيْهِمْ»
١٢ / ٢٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، ⦗٢٩٤⦘ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «غَشِيَ قَوْمَ يُونُسَ الْعَذَابُ كَمَا يَغْشَى الثَّوْبُ الْقَبْرَ»
١٢ / ٢٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِنَّ الْعَذَابَ كَانَ هَبَطَ عَلَى قَوْمِ يُونُسَ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إِلَّا قَدْرُ ثُلُثَيْ مِيلٍ، فَلَمَّا دَعُوا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ»
١٢ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا﴾ [يونس: ٩٨] قَالَ: كَمَا نَفَعَ قَوْمُ يُونُسَ. زَادَ أَبُو حُذَيْفَةَ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ حِينَ رَأَتِ الْعَذَابَ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا، إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ مَتَّعْنَاهُمْ»
١٢ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: ثَنَا رَجُلٌ، قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَدْرِهِ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَحَدَّثَ عَنْ قَوْمِ يُونُسَ حِينَ أَنْذَرَ قَوْمَهُ فَكَذَّبُوهُ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ يُصِيبُهُمْ فَفَارَقَهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ وَغَشِيَهُمُ الْعَذَابُ لَكِنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَصَعِدُوا فِي مَكَانٍ رَفِيعٍ، وَإِنَّهُمْ جَأَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ وَدَعَوْهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَأَنْ يُرْجِعَ إِلَيْهِمْ رَسُولَهُمْ. قَالَ: فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا
١٢ / ٢٩٤
كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨] فَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ غَشِيَهَا الْعَذَابُ ثُمَّ أُمْسِكَ عَنْهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ خَاصَّةً؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يُونُسُ، لَكِنَّهُ ذَهَبَ عَاتِبًا عَلَى رَبِّهِ وَانْطَلَقَ مُغَاضِبًا وَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ فَأَصَابَ أَهْلَهَا عَاصِفُ الرِّيحِ. فَذَكَرَ قِصَّةَ يُونُسَ وَخَبَرَهُ “
١٢ / ٢٩٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: «لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَنْزِلُ فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ أُنْثَى وَوَلَدِهَا مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ، ثُمَّ قَامُوا جَمِيعًا فَدَعَوُا اللَّهَ وَأَخْلَصُوا إِيمَانَهُمْ، فَرَأَوُا الْعَذَابَ يُكْشَفُ عَنْهُمْ. قَالَ يُونُسُ حِينَ كُشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ: أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَقَدْ كَذَبْتُهُمْ؟ وَكَانَ يُونُسُ قَدْ وَعَدَهُمُ الْعَذَابَ بِصُبْحِ ثَالِثَةٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ مُغْضَبًا وَسَاءَ ظَنُّهُ»
١٢ / ٢٩٥
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «لَمَّا أُرْسِلَ يُونُسُ إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَتَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ فَأَبَوْا، فَقِيلَ لَهُ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ مُصَبِّحُهُمْ فَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِبًا فَانْظُرُوا، فَإِنْ بَاتَ فِيكُمْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَذَابَ مُصَبِّحُكُمْ. فَلَمَّا كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَخَذَ مِخْلَاتَهُ فَتَزَوَّدَ فِيهَا شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَغَشَّاهُمُ الْعَذَابُ كَمَا يَتَغَشَّى الْإِنْسَانَ الثَّوْبُ فِي الْقَبْرِ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا، ثُمَّ عَجُّوا إِلَى اللَّهِ، فَقَالُوا: آمَنَّا بِمَا جَاءَ بِهِ يُونُسُ وَصَدَّقْنَا فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، فَخَرَجَ يُونُسُ ⦗٢٩٦⦘ يَنْظُرُ الْعَذَابَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، قَالَ: جَرَّبُوا عَلَيَّ كَذِبًا. فَذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ حَتَّى أَتَى الْبَحْرَ»
١٢ / ٢٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ، فِي بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ: «إِنَّ يُونُسَ عليه السلام كَانَ قَدْ وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذَابَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، ثُمَّ خَرَجُوا فَجَأَرُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفَرُوهُ فَكَفَّ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَغَدَا يُونُسُ يَنْظُرُ الْعَذَابَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَكَانَ مَنْ كَذِبَ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ قُتِلَ. فَانْطَلَقَ مُغَاضِبًا»
١٢ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَلْدِ جِيلَانَ، قَالَ: «لَمَّا غَشِيَ قَوْمَ يُونُسَ الْعَذَابُ مَشَوْا إِلَى شَيْخٍ مِنْ بَقِيَّةِ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِنَا الْعَذَابُ فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ: قُولُوا يَا حَيُّ حِينَ لَا حَيَّ، وَيَا حَيُّ مُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَا حَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ فَكَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ»
١٢ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: “بَلَغَنِي فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَلَوْلَا يَقُولُ فَهَلَّا» وَقَوْلُهُ: ﴿لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْي فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٩٨] يَقُولُ: ⦗٢٩٧⦘ لَمَّا صَدَّقُوا رَسُولَهُمْ وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ بَعْدَ مَا أَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ وَغَشِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَنَزَلَ بِهِمُ الْبَلَاءُ، كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْهَوَانِ وَالذُّلِ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا. ﴿وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨] يَقُولُ: وَأَخَّرْنَا فِي آجَالِهِمْ وَلَمْ نُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَتَرَكْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا يَسْتَمْتِعُونَ فِيهَا بِآجَالِهِمْ إِلَى حِينِ مَمَاتِهِمْ وَوَقْتِ فَنَاءِ أَعْمَارِهِمُ الَّتِي قَضَيْتُ فَنَاءَهَا
١٢ / ٢٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ [البقرة: ٢٠] يَا مُحَمَّدُ ﴿رَبَّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩] بِكَ، فَصَدَّقوكَ أَنَّكَ لِي رَسُولٌ وَأَنَّ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ وَمَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعُبُودَةِ لَهُ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَا يَشَاءُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَكَ رَسُولًا أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِكَ وَلَا يَتَّبِعُكَ فَيُصَدِّقُوكَ بِمَا بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَجِبُوا مِنْ صِدْقِ إِيحَائِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ لِتُنْذِرَ بِهِ مَنْ أَمَرْتُكَ بِإِنْذَارِهِ مِمَّنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ عِنْدِي أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِكَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٢ / ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٢٩٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩] ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٠٠] وَنَحْوُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَحْرِصُ أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ، وَيُتَابِعُوهُ عَلَى الْهُدَى، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاءُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ: ﴿لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩] فَالْكُلُّ يَدُلُّ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْجَمِيعُ عَلَى الْكَلِّ، فَمَا وَجْهُ تَكْرَارِ ذَلِكَ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُغْنِي عَنِ الْأُخْرَى؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي أَهْلِ الْبَصْرَةِ: جَاءَ بِقَوْلِهِ «جَمِيعًا» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَوْكِيدًا كَمَا قَالَ: ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل: ٥١] فَفِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَهَيْنِ﴾ [المائدة: ١١٦] دَلِيلٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: جَاءَ بِقَوْلِهِ ﴿جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] بَعْدَ ﴿كُلُّهُمْ﴾ [يونس: ٩٩]، لِأَنَّ «جَمِيعًا» لَا تَقَعُ إِلَّا تَوْكِيدًا، و«كُلُّهُمْ» يَقَعُ تَوْكِيدًا وَاسْمًا؛ فَلِذَلِكَ جَاءَ بِـ ﴿جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] بَعْدَ «كُلُّهُمْ» . قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُعْلَمَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ لَجَازَ ⦗٢٩٩⦘ هَهُنَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ: ﴿إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل: ٥١] الْعَدَدُ كُلُّهُ يُفَسَرُ بِهِ، فَيُقَالُ: رَأَيْتُ قَوْمًا أَرْبَعَةً، فَمَا جَاءَ بِاثْنَيْنِ وَقَدِ اكْتَفَى بِالْعَدَدِ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ، فَيَكْفِي مِنْ قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَدِرْهَمَانِ اثْنَانِ، فَإِذَا قَالُوا دَرَاهِمَ، قَالُوا ثَلَاثَةً، لِأَنَّ الْجَمْعَ يَلْتَبِسُ وَالْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ لَا يَلْتَبِسَانِ، لَمْ يُثَنِ الْوَاحِدَ وَالتَّثْنِيَةُ عَلَى تَنَافِي الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ، لِأَنَّ دِرْهَمًا يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ، وَوَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ الْأَجْنَاسِ، وَكَذَلِكَ اثْنَانِ يَدُلَّانِ عَلَى كُلِّ الْأَجْنَاسِ، وَدِرْهَمَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِالْأَعْدَادِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: إِنَّهُ لَنْ يُصَدِّقَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَنْ يَتَّبِعَكَ وَيَقِرَّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا مَنْ شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يُصَدِّقَكَ، لَا بِإِكْرَاهِكَ إِيَّاهُ وَلَا بِحِرْصِكَ عَلَى ذَلِكَ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ لَكَ مُصَدِّقِينَ عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ؟ يَقُولُ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: ٩٤] وَ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
١٢ / ٢٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ١٠٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ خَلَقْتُهَا مِنْ سَبِيلٍ إِلَى تَصْدِيقِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَّا بِإِذْنِ آذِنٌ لَهَا فِي ذَلِكَ، فَلَا تُجْهِدَنَّ نَفْسَكَ فِي طَلَبِ هُدَاهَا، وَبَلِّغْهَا ⦗٣٠٠⦘ وَعِيدَ اللَّهِ وَعَرِّفْهَا مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ بِتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ خَلِّهَا، فَإِنَّ هُدَاهَا بِيَدِ خَالِقِهَا وَكَانَ الثَّوْرِي يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] مَا
١٢ / ٢٩٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُفْيَانَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٠٠] قَالَ: بِقَضَاءِ اللَّهِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ١٠٠] فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ لِلْإِيمَانِ بِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَيَأْذَنُ لَهُ فِي تَصْدِيقِكَ فَيُصَدِّقُكَ وَيَتَّبِعُكَ، وَيَقِرُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ، وَهُوَ الْعَذَابُ، وَغَضَبُ اللَّهِ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ؛ يَعْنِي الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَجَهُ، وَمَوَاعِظَهُ، وَآيَاتِهِ الَّتِي دَلَّ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَحَقِيقَةِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ
١٢ / ٣٠٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ﴾ [يونس: ١٠٠] قَالَ: السَّخَطَ»
١٢ / ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمِ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، السَّائِلِيكَ الْآيَاتِ عَلَى صِحَّةِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادَ وَالْأَوْثَانَ: ﴿انْظُرُوا﴾ [الأنعام: ١١] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ﴾ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ مِنْ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا، وَاخْتِلَافِ لَيْلِهَا وَنَهَارِهَا، وَنُزُولِ
١٢ / ٣٠٠
الْغَيْثِ بِأَرْزَاقِ الْعِبَادِ مِنْ سَحَابِهَا، وَفِي ﴿الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١] مِنْ جِبَالِهَا، وَتَصَدُّعِهَا بِنَبَاتِهَا، وَأَقْوَاتِ أَهْلِهَا، وَسَائِرِ صُنُوفِ عَجَائِبِهَا؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ لَكُمْ إِنْ عَقَلْتُمْ وَتَدَبَّرْتُمْ مَوْعِظَةً وَمُعْتَبَرًا، وَدَلَالَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي مُلْكِهِ شَرِيكٌ وَلَا لَهُ تَدْبِيرُهُ وَحَفِظُهُ يُغْنِيكُمْ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْآيَاتِ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنَّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَا تُغْنِي الْحُجَجُ، وَالْعِبَرُ، وَالرُّسُلُ الْمُنْذِرَةُ عِبَادَ اللَّهِ عِقَابَهُ عَنْ قَوْمٍ قَدْ سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاءُ وَقَضَى لَهُمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِهِ. ﴿وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [يونس: ٩٧]
١٢ / ٣٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُحَذِّرًا مُشْرِكِي قَوْمِهِ مِنْ حُلُولِ عَاجِلِ نِقْمِهِ بِسَاحَتِهِمْ نَحْوِ الَّذِي حَلَّ بِنُظَرَائِهِمْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مِنْ قَبْلِهِمُ السَّالِكَةِ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ، وَجُحُودِ تَوْحِيدِ رَبِّهِمْ سَبِيلَهُمْ: فَهَلْ يَنْتَظِرُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ الْمُكَذِّبُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِلَّا يَوْمًا يُعَايِنُونَ فِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِثْلَ أَيَّامِ أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُمْ فَخَلَوْا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ، قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: إِنْ كَانُوا كَذَلِكَ يَنْتَظِرُونَ، فَانْتَظِرُوا عِقَابَ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، وَنُزُولَ سَخَطِهِ بِكُمْ، إِنِّي مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ هَلَاكُكُمْ، وَبَوَارُكُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي تَحِلُّ بِكُمْ مِنَ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٢ / ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٣٠٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [يونس: ١٠٢] يَقُولُ: وَقَائِعَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ»
١٢ / ٣٠٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: ١٠٢] قَالَ: خَوَّفَهُمْ عَذَابَهُ، وَنِقْمَتَهُ وَعُقُوبَتَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ أَنْجَى اللَّهُ رُسُلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ١٠٣]»
١٢ / ٣٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ١٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ انْتَظَرُوا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّذِينَ هَلَكُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا جَاءَ لَمْ يَهْلِكْ بِهِ سِوَاهُمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَكْذِيبِكَ، ثُمَّ نُنَجِّي هُنَالِكَ رَسُولَنَا مُحَمَّدًا ﷺ، وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى دِينِهِ، كَمَا فَعَلْنَا قَبْلَ ذَلِكَ
١٢ / ٣٠٢
بِرُسُلِنَا الَّذِينَ أَهْلَكْنَا أُمَمَهُمْ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ آمَنَ بِهِ مَعَهُمْ مِنْ عَذَابِنَا حِينَ حَقَّ عَلَى أُمَمِهِمْ. ﴿كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ١٠٣] يَقُولُ: كَمَا فَعَلْنَا بِالْمَاضِينَ مِنْ رُسُلِنَا فَأَنْجَيْنَاهَا وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهَا، وَأَهْلَكْنَا أُمَمَهَا، كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِكَ يَا مُحَمَّدُ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَنُنْجِيكَ وَنُنَجِي الْمُؤْمِنِينَ بِكَ حَقًّا عَلَيْنَا غَيْرَ شَكٍّ.
١٢ / ٣٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ١٠٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ الَّذِينَ عَجِبُوا أَنْ أَوْحَيْتُ إِلَيْكَ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ دِينِي الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، فَلَمْ تَعَلَمُوا أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: فَإِنِّي لَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تُغْنِي عَنْ شَيْءٍ، فَتَشُكُّوا فِي صِحَّتِهِ. وَهَذَا تَعْرِيضٌ وَلَحْنٌ مِنَ الْكَلَامِ لَطِيفٌ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي، لَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَشُكُّوا فِيهِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَشُكُّوا فِي الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَعْقِلُ شَيْئًا، وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، فَأَمَّا دِينِي فَلَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَشُكُّوا فِيهِ، لِأَنِّي أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَقْبِضُ الْخَلْقَ فَيُمِيتُهُمْ إِذْ شَاءَ، وَيَنْفَعُهُمْ وَيُضَرُّ مَنْ يَشَاءُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ عِبَادَةَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَسْتَنْكِرُهَا ذُو فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ، وَأَمَّا عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ فَيُنْكِرُهَا
١٢ / ٣٠٣
كُلُّ ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ صَحِيحٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾ [يونس: ١٠٤] يَقُولُ: وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ، فَيُمِيتُكُمْ عِنْدَ آجَالِكُمْ. ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ١٠٤] يَقُولُ: وَهُوَ الَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِمَا جَاءَنِي مِنْ عِنْدِهِ.
١٢ / ٣٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يونس: ١٠٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ أَقِمْ. و«أَنْ» الثَّانِيَةُ عَطْفٌ عَلَى «أَنْ» الْأُولَى. ويعني بِقَوْلِهِ: ﴿أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ [يونس: ١٠٥] أَقِمْ نَفْسَكَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ حَنِيفًا مُسْتَقِيمًا عَلَيْهِ غَيْرَ مِعْوَجٍ عَنْهُ إِلَى يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ وَلَا عِبَادَةِ وَثَنٍ. ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٤] يَقُولُ: وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ يُشْرِكُ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ.
١٢ / ٣٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ١٠٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَدْعُ يَا مُحَمَّدُ مِنْ دُونِ مَعْبُودِكَ، وَخَالِقِكَ شَيْئًا لَا يَنْفَعُكَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يَضُرُّكَ فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا، يَعْنِي بِذَلِكَ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ، يَقُولُ: لَا تَعْبُدْهَا رَاجِيًا نَفْعَهَا أَوْ خَائِفًا ضُرَّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَدَعَوْتَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ١٠٦] يَقُولُ: مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، الظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ.
١٢ / ٣٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ
١٢ / ٣٠٤
وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: ١٠٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَإِنْ يُصِبْكَ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ بِشِدَّةٍ أَوْ بَلَاءٍ، فَلَا كَاشِفَ لِذَلِكَ إِلَّا رَبُّكَ الَّذِي أَصَابَكَ بِهِ دُونَ مَا يَعْبُدُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ. ﴿وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ [يونس: ١٠٧] يَقُولُ: وَإِنْ يُرِدْكَ رَبُّكَ بِرَخَاءٍ، أَوْ نِعْمَةٍ، وَعَافِيَةٍ، وَسُرُورٍ، ﴿فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾ [يونس: ١٠٧] يَقُولُ: فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَلَا يَرُدَّكَ عَنْهُ، وَلَا يُحْرِمُكَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ وَدُونَ مَا سِوَاهُ. ﴿يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [يونس: ١٠٧] يَقُولُ: يُصِيبُ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ بِالرَّخَاءِ وَالْبَلَاءِ، وَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ مَنْ يَشَاءُ، وَيُرِيدُ مِنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْغَفُورُ لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ وَأَنَابَ مِنْ عِبَادِهِ، مِنْ كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ، الرَّحِيمُ بِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ وَأَطَاعَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ
١٢ / ٣٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ [يونس: ١٠٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [يونس: ١٠٨] يَعْنِي: كِتَابَ اللَّهِ، فِيهِ بَيَانُ كُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ. ﴿فَمَنِ اهْتَدَى﴾ [يونس: ١٠٨] يَقُولُ: فَمَنِ اسْتَقَامَ فَسَلَكَ سَبِيلَ الْحَقِّ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْبَيَانِ. ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ [يونس: ١٠٨] يَقُولُ:
١٢ / ٣٠٥
فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْهُدَى، وَيَسْلُكُ قَصْدَ السَّبِيلِ لِنَفْسِهِ، فَإِيَّاهَا يَبْغِي الْخَيْرَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ لَا غَيْرَهَا. ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ [يونس: ١٠٨] يَقُولُ: وَمَنْ اعْوَجَّ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، خَالَفَ دِينَهُ، وَمَا بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا، وَالْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ. ﴿فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [يونس: ١٠٨] يَقُولُ: فَإِنَّ ضَلَالَةَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَجْنِي بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ غَيْرُهَا، وَلَا يُورِدُ بِضَلَالِهِ ذَلِكَ الْمَهَالِكَ سِوَى نَفْسِهِ. ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤] ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ [يونس: ١٠٨] . يَقُولُ: وَمَا أَنَا عَلَيْكُمُ بِمُسَلَّطٍ عَلَى تَقْوِيمِكُمْ، إِنَّمَا أَمَرُكُمْ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَوِّمُ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ مُبَلِّغٌ أُبْلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ
١٢ / ٣٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يونس: ١٠٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّبِعْ يَا مُحَمَّدُ وَحْيَ اللَّهِ الَّذِي يُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَتَنْزِيلَهُ الَّذِي يُنْزِلُهُ عَلَيْكَ، فَاعْمَلْ بِهِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ فِي اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنَ الْأَذَى، وَالْمَكَارِهِ، وَعَلَى مَا نَالَكَ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ، وَفِيكَ أَمْرَهُ بِفِعْلٍ فَاصِلٍ. ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٧] يَقُولُ: وَهُوَ خَيْرُ الْقَاصِّينَ، وَأَعْدَلُ الْفَاصِلِينَ. فَحَكَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ، فِيمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَنْ يَسْلُكَ بِهِمْ سَبِيلَ مَنْ أُهْلِكَ مِنْهُمْ أَوْ يَتُوبُوا وَيَنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ. كَمَا
١٢ / ٣٠٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام: ١٠٧] ﴿وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يونس: ١٠٩] قَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ، حَكَمَ اللَّهُ بِجِهَادِهِمْ، وَأَمَرَهُ ⦗٣٠٧⦘ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ» وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحِبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
١٢ / ٣٠٦