سُورَةُ يُونُسَ 1

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَمِائَةٌ الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا يُونُسُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٢ ‏/ ١٠٣
﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس: ١] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ أَنَا اللَّهُ أَرَى. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ بْنِ مَيْمُونٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿الر﴾ [يونس: ١] أَنَا اللَّهُ، أَرَى»
١٢ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿الر﴾ [يونس: ١] قَالَ: أَنَا اللَّهُ، أَرَى» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ حُرُوفٌ مِنِ اسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَنُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، ⦗١٠٤⦘ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ” ﴿الر﴾ [يونس: ١]، وَ﴿حم﴾ [غافر: ١]، وَنُونُ «حُرُوفُ الرَّحْمَنِ مُقَطَّعَةٌ»
١٢ ‏/ ١٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: ذَكَرَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿الر﴾ [يونس: ١]، وَ﴿حم﴾ [غافر: ١] وَنُونْ» فَقَالَ: اسْمُ الرَّحْمَنِ مُقَطَّعٌ. ثُمَّ قَالَ: الرَّحْمَنُ “
١٢ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا أَبِي حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا مِنْدَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «﴿الر﴾ [يونس: ١]، وَ﴿حم﴾ [غافر: ١]، وَنُونْ هُوَ اسْمُ الرَّحْمَنِ»
١٢ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ: «﴿الر﴾ [يونس: ١]، وَ﴿حم﴾ [غافر: ١]، و﴿صَ﴾ [ص: ١]» قَالَ: هِيَ أَسْمَاءُ اللَّهِ مُقَطَّعَةٌ بِالْهِجَاءِ، فَإِذَا وَصَلْتُهَا كَانَتِ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ” وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٠٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿الر﴾ [يونس: ١] اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ» ⦗١٠٥⦘ وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ النَّاسِ وَمَا إِلَيْهِ ذَهَبَ كُلُّ قَائِلٍ فِي الَّذِي قَالَ فِيهِ، وَمَا الصَّوَابُ لَدَيْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي نَظِيرِهِ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا لِمُخَالَفَةِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي هَذَا قَوْلِ فِي ﴿الم﴾ [البقرة: ١] فَأَمَّا الَّذِينَ وَفَّقُوا بَيْنَ مَعَانِي جَمِيعِ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ هُنَاكَ مُكْتَفِيًا عَنِ الْإِعَادَةِ هَهُنَا
١٢ ‏/ ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس: ١] وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تِلْكَ آيَاتُ التَّوْرَاةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٠٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ [يونس: ١] قَالَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ»
١٢ ‏/ ١٠٥
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ [يونس: ١] قَالَ: الْكُتُبُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ، وَوَجْهُ ⦗١٠٦⦘ مَعْنَى «تِلْكَ» إِلَى مَعْنَى «هَذِهِ»، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ تَوْجِيهِ تِلْكَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَالْآيَاتُ الْأَعْلَامُ، وَالْكِتَابُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا كُلَّ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيلَ أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ لِلتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَبْلُ ذِكْرٌ وَلَا تِلَاوَةٌ بَعْدَهُ فَيُوَجَّهُ إِلَيْهِ الْخَبَرَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالرَّحْمَنُ هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. وَمَعْنَى «﴿الْحَكِيمِ﴾ [يونس: ١]» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: «الْمُحْكَمُ» صَرَفَ مُفْعِلٍ إِلَى فَعِيلٍ، كَمَا قِيلَ عَذَابٌ أَلِيمٌ، بِمَعْنَى مُؤْلِمٌ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ فَمَعْنَاهُ إِذًا: تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُحْكَمِ الَّذِي أَحْكَمَهُ اللَّهُ وَبَيَّنَهُ لِعِبَادِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِلَتْ مِنْ لَدُنٌ حَكِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [هود: ١]
١٢ ‏/ ١٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَكَانَ عَجَبًا لِلنَّاسِ إِيحَاؤُنَا الْقُرْآنَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ بِإِنْذَارِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْحَى مِنْ قَبْلِهِ إِلَى ⦗١٠٧⦘ مِثْلِهِ مِنَ الْبَشَرِ، فَتَعْجَبُوا مِنْ وَحِينَا إِلَيْهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٠٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ، أَوْ مَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا مِثْلَ مُحَمَّدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ﴾ [يونس: ٢] . . وَقَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ [يوسف: ١٠٩]»
١٢ ‏/ ١٠٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «عَجِبَتْ قُرَيْشٌ أَنْ بُعِثَ، رَجُلٌ مِنْهُمْ» قَالَ: وَمَثَلُ ذَلِكَ: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا﴾ [الأعراف: ٦٥]، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣] قَالَ اللَّهُ: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ [الأعراف: ٦٣]
١٢ ‏/ ١٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبِشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢]⦗١٠٨⦘ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَكَانَ عَجَبًا لِلنَّاسِ أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ، وَأَنْ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ؛ عَطَفَ عَلَى «أَنْذِرَ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُمُ أَجْرًا حَسَنًا بِمَا قَدَّمُوا مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢] قَالَ: ثَوَابُ صِدْقٍ»
١٢ ‏/ ١٠٨
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢] قَالَ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ»
١٢ ‏/ ١٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَبِشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢] يَقُولُ: أَجْرًا حَسَنًا بِمَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ»
١٢ ‏/ ١٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَنَّ لَهُمْ، قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢]⦗١٠٩⦘ قَالَ: صَلَاتُهُمْ، وَصَوْمُهُمْ، وَصَدَقَتُهُمْ، وَتَسْبِيحُهُمْ»
١٢ ‏/ ١٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٢] قَالَ: خَيْرٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٢] مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١٠٩
قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: «﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٢] ثَوَابَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَبَشِّرِ ⦗١١٠⦘ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ﴾ [يونس: ٢] قَالَ: الْقَدَمُ الصِّدْقُ: الثَّوَابُ الصِّدْقُ بِمَا قَدَّمُوا مِنَ الْأَعْمَالِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُمْ سَابِقُ صِدْقٍ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنَ السَّعَادَةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢] يَقُولُ: سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وآله وسلم شَفِيعٌ لَهُمْ، قَدَمَ صِدْقٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَوْنِ، عَنْ قَتَادَةَ، أَوْ الْحَسَنِ: «﴿أَنَّ لَهُمْ، قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢] قَالَ: مُحَمَّدٌ شَفِيعٌ لَهُمْ»
١٢ ‏/ ١١٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمُ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢] أَيْ سَلَفَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ»
١٢ ‏/ ١١١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَنَّ لَهُمْ، قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢] قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُمْ أَعْمَالًا صَالِحَةً عِنْدَ اللَّهِ يَسْتَوْجِبُونَ بِهَا مِنْهُ الثَّوَابَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَحْكِيُّ عَنِ الْعَرَبِ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ؛ أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدَّمُوا فِيهِ خَيْرًا، فَكَانَ لَهُمْ فِيهِ تَقْدِيمٌ، وَيُقَالُ: لَهُ عِنْدِي قَدَمُ صِدْقٍ وَقَدَمُ سُوءٍ، وَذَلِكَ مَا قَدَّمَ إِلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه:
[البحر الطويل] لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إِلَيْكَ وَخَلْفُنَا … لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَابِعُ
وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل]
١٢ ‏/ ١١١
لَكُمْ قَدَمٌ لَا يُنْكِرُ النَّاسُ أَنَّهَا … مَعَ الْحَسَبِ الْعَادِيِّ طَمَّتْ عَلَى الْبَحْرِ
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ تَقْدُمَةَ خَيْرٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ
١٢ ‏/ ١١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٧٦] بِمَعْنَى: إِنَّ هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ، يَعْنُونَ الْقُرْآنَ «لَسِحْرٌ مُبِينٌ» وَقَرَأَ ذَلِكَ مَسْرُوقٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ» وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ نَزَلَ الْمَوْصُوفُ عَلَى صِفَتِهِ، وَصِفَتُهُ عَلَيْهِ، فَالْقَارِئُ مُخَيَّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ نَظِيرُ هَذَا الْحَرْفُ: ﴿قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٢] وَ«لَسِحْرٌ
١٢ ‏/ ١١٢
مُبِينٌ» وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ سَاحِرٌ، وَوَصْفُهُمْ مَا جَاءَهُمْ بِهِ أَنَّهُ سِحْرٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ وَصَفُوهُ بِالسِّحْرِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَسَوَاءٌ بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ لِاتِفَاقِ مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرَ عَمَّا تَرَكَ ذِكْرَهُ وَهُوَ: فَلَمَّا بَشَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْوَحْيَ، قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ لَسِحْرٌ مُبِينٌ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [يونس: ٢]، فَلَمَّا آتَاهُمْ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ الْمُنْكِرُونَ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَرِسَالَةَ رَسُولِهِ: إِنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ لَسِحْرٌ مُبِينٌ؛ أَيْ يُبَيِّنُ لَكَمْ عَنْهُ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ
١٢ ‏/ ١١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمُ الَّذِي لَهُ عِبَادَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَانْفَرَدَ بِخَلْقِهَا بِغَيْرِ شَرِيكٍ وَلَا ظَهِيرٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ مُدْبِرًا لِلْأُمُورِ وَقَاضِيًا فِي خَلْقِهِ مَا
١٢ ‏/ ١١٣
أَحَبَّ، لَا يَضَادُهُ فِي قَضَائِهِ أَحَدٌ وَلَا يَتَعَقَّبُ تَدْبِيرَهُ مُتَعَقِّبٌ وَلَا يَدْخُلُ أُمُورَهُ خَلَلٌ. ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ [يونس: ٣] يَقُولُ: لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ شَافِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي أَحَدٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ فِي الشَّفَاعَةِ. ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٢] يَقُولُ ﷻ: هَذَا الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ سَيِّدُكُمْ وَمَوْلَاكُمْ لَا مَنْ لَا يَسْمَعُ، وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يُدَبِّرُ، وَلَا يَقْضِي مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ. ﴿فَاعْبُدُوهُ﴾ [آل عمران: ٥١] يَقُولُ: فَاعَبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَأَفْرِدُوا لَهُ الْأُلُوهَةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ بِالذِّلَّةِ مِنْكُمْ لَهُ دُونَ أَوْثَانِكُمْ وَسَائِرِ مَا تُشْرِكُونَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ. ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٣] يَقُولُ: أَفَلَا تَتَّعِظُونَ وَتَعْتَبِرُونَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَالْحِجَجِ، فَتُنِيبُونَ إِلَى الْإِذْعَانِ بِتَوْحِيدِ رَبِّكُمْ وَإِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ، وَتَجْمَعُونَ الْأَنْدَادَ وَتَبرَءُونَ مِنْهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: ٣] قَالَ: يَقْضِيهِ وَحْدَهُ “
١٢ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، ⦗١١٥⦘ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ [يونس: ٣] قَالَ: يَقْضِيهِ وَحْدَهُ»
١٢ ‏/ ١١٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: ٣] قَالَ: يَقْضِيهِ وَحْدَهُ» قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِلَى رَبِّكُمُ الَّذِي صِفَتُهُ مَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ، مَعَادُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمِيعًا. ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾ [النساء: ١٢٢] فَأَخْرَجَ وَعْدَ اللَّهِ مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٠] لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْوَعْدَ، وَمَعْنَاهُ: يَعِدُكُمُ اللَّهُ أَنْ يُحْيِيكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ وَعْدًا حَقًّا، فَلِذَلِكَ نَصَبَ ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾ [النساء: ١٢٢] ﴿إِنَّهُ يَبْدَؤ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمْ يَبْدَأُ إِنْشَاءَ الْخَلْقِ وَإِحْدَاثَهُ وَإِيجَادَهُ ثُمَّ يُعِيدُهُ، فَيُوجِدُهُ حَيًّا كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ ابْتَدَأَهُ بَعْدَ فَنَائِهِ وَبَلَائِهِ. ⦗١١٦⦘ كَمَا
١٢ ‏/ ١١٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٤] قَالَ: يُحْيِيهِ ثُمَّ يُمِيتُهُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَحْسَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: «ثُمَّ يُحْيِيهِ»
١٢ ‏/ ١١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٤] قَالَ: يُحْيِيهِ ثُمَّ يُمِيتُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ “
١٢ ‏/ ١١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٤] يُحْيِيهِ ثُمَّ يُمِيتُهُ، ثُمَّ يَبْدَؤُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ» قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ ذَلِكَ: ﴿إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [يونس: ٤] بِكَسْرِ الْأَلِفِ مِنْ إِنَّهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ قَرَأَهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ «أَنَّهُ» كَأَنَّهُ أَرَادَ: حَقًّا أَنْ يَبْدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، فَـ «أَنَّ» حِينَئِذٍ تَكُونُ رَفْعًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] أَحَقًّا عِبَادَ اللَّهِ أَنْ لَسْتُ زَائِرًا … أَبَا حَبَّةٍ إِلَّا عَلَيَّ رَقِيبُ
⦗١١٧⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٤] يَقُولُ: ثُمَّ يُعِيدُهُ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ مَمَاتِهِ عِنْدَ بَعْثِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يونس: ٤] يَقُولُ: لِيُثِيبَ مَنْ صَدَقَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَمِلُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَاجْتَنَبُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الْحَسَنَةِ ﴿بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٤] يَقُولُ: لِيَجْزِيَهُمْ عَلَى الْحَسَنِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا الْحَسَنَ مِنَ الثَّوَابِ وَالصَّالِحَ مِنَ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْقِسْطُ. وَالْقِسْطُ الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ؛ كَمَا
١٢ ‏/ ١١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٤] بِالْعَدْلِ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ [يونس: ٤] فَإِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْعَذَابِ. وَفِيهِ مَعْنَى الْعَطْفُ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّ بِالْخَبَرِ عَنْ مَعَادِ جَمِيعِهِمْ كُفَّارِهِمْ وَمُؤْمِنِيهِمْ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ إِعَادَتَهُمْ لِيَجْزِيَ كُلَّ فَرِيقٍ بِمَا عَمِلَ، الْمُحْسِنُ مِنْهُمْ بِالْإِحْسَانِ وَالْمُسِيءُ بِالْإِسَاءَةِ. وَلَكَنْ لَمَّا كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْخَبَرُ الْمُسْتَأْنَفُ عَمَّا أَعَدَّ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ الْعَذَابِ مَا يَدُلُّ سَامِعَ ذَلِكَ عَلَى الْمُرَادِ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ وَالْمَعْنَى الْعَطْفُ، فَقَالَ: وَالَّذِينَ جَحَدُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، لَهُمْ شَرَابٌ فِي جَهَنَّمَ مِنْ حَمِيمٍ، وَذَلِكَ شَرَابٌ قَدْ أُغْلِيَ وَاشْتَدَّ حَرُّهُ حَتَّى أَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَيَتَسَاقَطُ مِنْ أَحَدِهِمْ حِينَ يُدْنِيهِ مِنْهُ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، وَكَمَا وَصَفَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف: ٢٩]
١٢ ‏/ ١١٧
وَأَصْلُهُ مَفْعُولٌ صُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ «مَحْمُومٌ»: أَيْ مُسَخَّنٌ، وَكُلُّ مُسَخَّنٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ حَمِيمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُرَقِّشِ:
[البحر البسيط] فِي كُلِّ يَوْمٍ لَهَا مِقْطَرَةٌ … فِيهَا كِبَاءٌ مُعَدٌّ وَحَمِيمْ
يَعْنِي بِالْحَمِيمِ: الْمَاءَ الْمُسَخَّنَ وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يونس: ٤] يَقُولُ: وَلَهُمْ مَعَ ذَلِكَ عَذَابٌ مُوجِعٌ سِوَى الشَّرَابِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴿بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٤] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
١٢ ‏/ ١١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً﴾ [يونس: ٥] بِالنَّهَارِ ﴿وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ [يونس: ٥] بِاللَّيْلِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ: هُوَ الَّذِي أَضَاءَ الشَّمْسَ وَأَنَارَ الْقَمَرَ، ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ﴾ [يونس: ٥] يَقُولُ: قَضَاهُ فَسَوَّاهُ مَنَازِلَ لَا يُجَاوِزُهَا، وَلَا يَقْصُرُ دُونَهَا عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ أَبَدًا. وَقَالَ: ﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ﴾ [يونس: ٥] فَوَحَّدَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقَدَّرَهُ﴾ [يونس: ٥] لِلْقَمَرِ خَاصَّةً،
١٢ ‏/ ١١٨
لِأَنَّ بِالْأَهِلَّةِ يُعْرَفُ انْقِضَاءُ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ لَا بِالشَّمْسِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢] وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي … بَرِيًّا وَمَنْ جُولِ الطَّوَيِّ رَمَانِي
، وَقَوْلُهُ: ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [يونس: ٥] يَقُولُ: وَقَدَّرَ ذَلِكَ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَدَدَ السِّنِينَ: دُخُولَ مَا يَدْخُلُ مِنْهَا، وَانْقِضَاءَ مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْهَا وَحِسَابَهَا، يَقُولُ: وَحِسَابَ أَوْقَاتِ السِّنِينَ وَعَدَدَ أَيَّامِهَا وَحِسَابَ سَاعَاتِ أَيَّامِهَا، ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [يونس: ٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَمَنَازِلَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ، يَقُولُ الْحَقُّ تَعَالَى ذِكْرُهُ: خَلَقْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِحَقٍّ وَحْدِي بِغَيْرِ عَوْنٍ وَلَا شَرِيكٍ. ﴿يُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ [يونس: ٥] يَقُولُ: يُبَيِّنُ الْحُجَجَ وَالْأَدِلَّةَ ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٠] إِذَا تَدَبَّرُوهَا، حَقِيقَةَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَصِحَّةَ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ ﷺ مِنْ خَلْعِ الْأَنْدَادَ وَالْبَرَاءَةَ مِنَ الْأَوْثَانِ
١٢ ‏/ ١١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ
١٢ ‏/ ١١٩
وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُنَبِّهًا عِبَادَهُ عَلَى مَوْضِعِ الدَّلَالَةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلَّ مَا دُونَهُ. إِنَّ فِي اعْتِقَابِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَاعْتِقَابِ النَّهَارِ اللَّيْلَ. إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ هَذَا، وَفِيمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَفِي الْأَرْضِ مِنْ عَجَائِبِ الْخَلْقِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. ﴿لَآيَاتٍ﴾ [البقرة: ١٦٤] يَقُولُ لَأَدِلَّةٍ وَحُجَجًا وَأَعْلَامًا وَاضِحَةً لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ اللَّهَ، فَيَخَافُونَ وَعِيدَهُ وَيَخْشَونَ عِقَابَهُ عَلَى إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِرَبِّهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَلَا دَلَالَةٌ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى صَانِعِهِ إِلَّا لِمَنِ اتَّقَى اللَّهُ؟ قِيلَ: فِي ذَلِكَ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صَانِعِهِ لِكُلِّ مَنْ صَحَّتْ فِطْرَتُهُ، وَبَرِئَ مِنَ الْعَاهَاتِ قَلْبُهُ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ أَنَّ فِيهِ الدَّلَالَةَ لِمَنْ كَانَ قَدْ أَشْعَرَ نَفْسَهُ تَقْوَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِمَنْ اتَّقَى عِقَابَ اللَّهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ هَوَاهُ عَلَى خِلَافِ مَا وَضَحَ لَهُ مِنَ الْحَقِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ كُلَّ ذِي فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ مُدْبِرًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْإِذْعَانُ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ
١٢ ‏/ ١٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٨]
١٢ ‏/ ١٢٠
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ لِقَاءَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهُمْ لِذَلِكَ مُكَذِّبُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، مُتَنَافِسُونَ فِي زِيَنِ الدُّنْيَا وَزَخَارِفِهَا، رَاضُونَ بِهَا عِوَضًا مِنَ الْآخِرَةِ، مُطْمَئِنَّيْنَ إِلَيْهَا سَاكِنِينَ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٦] عَنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَهِيَ أَدِلَّتُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَحُجَجُهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ ﴿غَافُلُونَ﴾ [الأنعام: ١٣١] مُعْرِضُونَ عَنْهَا لَاهُوَنَ، لَا يَتَأَمَّلُونَهَا تَأَمُّلَ نَاصِحٍ لِنَفْسِهِ، فَيَعْلَمُوا بِهَا حَقِيقَةَ مَا دَلَّتْهُمْ عَلَيْهِ، وَيَعْرِفُوا بِهَا بُطُولَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ. ﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [يونس: ٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ مَأْوَاهُمْ مَصِيرُهَا إِلَى النَّارِ نَارِ جَهَنَّمَ فِي الْآخِرَةِ. ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٩] فِي الدُّنْيَا مِنَ الْآثَامِ وَالْأَجْرَامِ وَيَجْتَرِحُونَ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: «فُلَانٌ لَا يَرْجُو فُلَانًا»: إِذَا كَانَ لَا يَخَافُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مَا لَكَمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] . وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
[البحر الطويل] إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا … وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٢ ‏/ ١٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾ [يونس: ٧] قَالَ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ﴾ [هود: ١٥] إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا»
١٢ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾ [يونس: ٧] قَالَ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ﴾ [هود: ١٥] إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾ [يونس: ٧] قَالَ: إِذَا شِئْتَ رَأَيْتَ صَاحِبَ دُنْيَا لَهَا يَفْرَحُ، وَلَهَا يَحْزَنُ، وَلَهَا يَسْخَطُ، وَلَهَا يَرْضَى»
١٢ ‏/ ١٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ ⦗١٢٣⦘ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾ [يونس: ٧] . . الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكُفْرِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٨]»
١٢ ‏/ ١٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٧] إِنَّ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَذَلِكَ الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ. ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ [يونس: ٩] يَقُولُ: يَرْشُدُهُمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩] بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ:»إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوِّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا أَنْتَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكَ امْرَأَ صِدْقٍ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ، فَيَكُونُ لَهُ نُورًا وَقَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوِّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ سَيِّئَةٍ وَبِشَارَةٍ سَيِّئَةٍ، فَيَقُولُ: ⦗١٢٤⦘ مَا أَنْتَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكَ أَمْرَأَ سُوءٍ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ. فَيَنْطَلِقُ بِهِ حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ “
١٢ ‏/ ١٢٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿يَهْدِيِهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ [يونس: ٩] قَالَ: يَكُونُ لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ. عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿يَهْدِيِهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ [يونس: ٩] قَالَ: يُمَثِّلُ لَهُ عَمَلَهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَرِيحٍ طَيِّبَةٍ، يُعَارِضُ صَاحِبَهُ وَيُبَشِّرُهُ بِكُلِّ خَيْرٍ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ؛ فَيَجْعَلُ لَهُ نُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ⦗١٢٥⦘: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ [يونس: ٩] وَالْكَافِرُ يُمَثِّلُ لَهُ عَمَلَهُ فِي صُورَةٍ سَيِّئَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ، فَيُلَازِمُ صَاحِبَهُ وَيُلَازُّهُ حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي النَّارِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: بِإِيمَانِهِمْ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ لِدِينِهِ، يَقُولُ: بِتَصْدِيقِهِمْ هَدَاهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:. . . وَقَوْلُهُ: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ﴾ [الأعراف: ٤٣] يَقُولُ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس: ٩] يَقُولُ: فِي بَسَاتِينِ النَّعِيمِ الَّذِي نَعَّمَ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانَ بِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ، وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهَا تَجْرِي تَحْتَ الْجَنَّاتِ؟ وَكَيْفَ يُمَكِّنُ الْأَنْهَارَ أَنْ تَجْرِيَ مِنْ تَحْتِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا فَوْقَ أَرْضِهَا وَالْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَرْضِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّ صِفَتَهَا أَنَّهَا تَجْرِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِي غَيْرِ أَخَادِيدٍ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِلَيْهِ ذَهَبْتَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: تَجْرِي مِنْ دُونِهِمُ الْأَنْهَارُ إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فِي بَسَاتِينِ النَّعِيمِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿قَدْ ⦗١٢٦⦘ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ السَّرِيَّ تَحْتَهَا وَهِيَ عَلَيْهِ قَاعِدَةٌ، إِذْ كَانَ السَّرِيُّ هُوَ الْجَدْوَلُ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ جَعَلَ دُونَهَا: بَيْنَ يَدَيْهَا، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ فِرْعَوْنَ: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: ٥١] بِمَعْنَى: مِنْ دُونِي بَيْنَ يَدِي، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: دُعَاؤُهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ. كَمَا:
١٢ ‏/ ١٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ قَوْلَهُ: «﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] قَالَ: إِذَا مَرَّ بِهِمُ الطَّيْرُ فَيَشْتَهُونَهُ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَذَلِكَ دَعْوَاهُمْ، فَيَأْتِيهِمُ الْمَلَكَ بِمَا اشْتَهُوا، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [يونس: ١٠] قَالَ: فَإِذَا أَكَلُوا حَمِدُوا اللَّهَ رَبَّهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠]»
١٢ ‏/ ١٢٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] يَقُولُ: ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِيهَا؛ ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [يونس: ١٠]»
١٢ ‏/ ١٢٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ ⦗١٢٧⦘: «﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [يونس: ١٠] قَالَ: إِذَا أَرَادُوا الشَّيْءَ قَالُوا: اللَّهُمَّ فَيَأْتِيهِمْ مَا دَعُوا بِهِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ﴾ [يونس: ١٠] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: تَنْزِيهًا لَكَ يَا رَبِّ مِمَّا أَضَافَ إِلَيْكَ أَهْلُ الشِّرْكِ بِكَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْكَ وَالْفُرْيَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٢٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ غَيْرٍ وَاحِدٍ، عَطِيَّةُ فِيهِمْ: «سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ»
١٢ ‏/ ١٢٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ: «إِبْرَاءُ اللَّهِ عَنِ السُّوءِ»
١٢ ‏/ ١٢٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، وَخَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالُوا: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثَنَا قَابُوسُ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ عَلِيًّا رضي الله عنه عَنْ «سُبْحَانَ اللَّهِ» ⦗١٢٨⦘ قَالَ: «كَلِمَةٌ رَضِيَهَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ»
١٢ ‏/ ١٢٧
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبِ الطَّلْحِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، عَنْ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ: «تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَنِ السُّوءِ»
١٢ ‏/ ١٢٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْبَزَّارُ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنِي حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ تَفْسِيرِ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ: «هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ»
١٢ ‏/ ١٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَامٍ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلَ سُبْحَانَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنِ السُّوءِ» ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ﴾ [يونس: ١٠] يَقُولُ: وَتَحِيَّةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ﴿فِيهَا سَلَامٌ﴾ [يونس: ١٠] أَيْ سَلِمْتَ وَأَمِنْتَ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ النَّارِ. ⦗١٢٩⦘ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمُلْكَ التَّحِيَّةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ:
[البحر الوافر] أَزُورُ بِهَا أَبَا قَابُوسَ حَتَّى … أَنِيخَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بِجُنْدِي
وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ:
[البحر الكامل] مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الْفَتَى … قَدْ نِلْتُهُ إِلَّا التَّحِيَّةْ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ﴾ [يونس: ١٠] يَقُولُ: وَآخِرُ دُعَائِهِمْ ﴿أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] يَقُولُ: وَآخِرُ دُعَائِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ وَلِذَلِكَ خُفِّفَتْ «أَنَّ» وَلَمْ تُشَدَّدْ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْحِكَايَةُ
١٢ ‏/ ١٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [يونس: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ﴾ [يونس: ١١] إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ فِي ﴿الشَّرِّ﴾ [يونس: ١١] وَذَلِكَ فِيمَا عَلَيْهِمْ مَضَرَّةٌ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ؛ ﴿اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس: ١١] يَقُولُ: كَاسْتِعْجَالِهِ لَهُمْ فِي الْخَيْرِ بِالْإِجَابَةِ إِذَا دَعُوهُ بِهِ ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١] يَقُولُ: لَهَلَكُوا وَعَجَّلَ لَهُمُ الْمَوْتَ، وَهُوَ الْأَجَلُ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لَقُضِيَ﴾ [الأنعام: ٨] لَفَرَغَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَجَلِهِمْ وَتَبَدَّى لَهُمْ، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
[البحر الكامل]
١٢ ‏/ ١٢٩
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا … دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ
﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: ١١] يَقُولُ: فَنَدَعُ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ عِقَابَنَا وَلَا يُوقِنُونَ بِالْبَعْثِ وَلَا بِالنِّشُورِ، ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥] يَقُولُ: فِي تَمَرُّدِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ، ﴿يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥] يَعْنِي يَتَرَدَّدُونَ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ بِالْبَعْثِ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ مِنْ طُغْيَانِهِمْ وَتَرَدُّدِهِمْ فِيهِ عِنْدَ تَعْجِيلِهِ إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ فِي الشَّرِّ لَوِ اسْتَجَابَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّقَرُّبِ إِلَى الْوَثَنِ الَّذِي يُشْرِكُ بِهِ أَحَدُهُمْ، أَوْ يُضِيفُ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ فَعَلِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: قَوْلُ الْإِنْسَانِ إِذَا غَضِبَ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ: لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ وَلَعَنَهُ»
١٢ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: قَوْلُ ⦗١٣١⦘ الْإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ فَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ الِاسْتِجَابَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَا يُسْتَجَابُ فِي الْخَيْرِ لَأَهْلَكَهُمْ»
١٢ ‏/ ١٣٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: قَوْلُ الْإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ: ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: لَأَهْلَكَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِ وَلَأَمَاتَهُ»
١٢ ‏/ ١٣١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: قَوْلُ الرَّجُلِ لِوَلَدِهِ إِذَا غَضِبَ عَلَيْهِ أَوْ مَالِهِ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ قَالَ اللَّهُ: ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: لَأَهْلَكَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِ وَلَأَمَاتَهُ. قَالَ: ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: ١١] قَالَ: يَقُولُ: لَا نُهْلِكُ أَهْلَ الشِّرْكِ، وَلَكَنْ نَذَرْهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ»
١٢ ‏/ ١٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ»
١٢ ‏/ ١٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿لَقُضِيَ
١٢ ‏/ ١٣١
إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١] قَالَ: لَأَهْلَكَنَاهُمْ، وَقَرَأَ: ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [فاطر: ٤٥] قَالَ: يُهْلِكُهُمْ كُلَّهُمْ» وَنَصَبَ قَوْلَهُ ﴿اسْتِعْجَالَهُمْ﴾ [يونس: ١١] بِوُقُوعِ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قُمْتُ الْيَوْمَ قِيَامَكَ، بِمَعْنَى قُمْتُ كَقِيَامِكَ، وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ مِنْ يُعَجِّلُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَصْدَرًا لَمْ يَحْسُنْ دُخُولَ الْكَافِ، أَعْنِي كَافَّ التَّشْبِيهِ فِيهِ، وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: «﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١] «عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ بِضَمِّ الْقَافَ مِنْ» قُضِيَ «وَرَفْعِ» الْأَجَلُ». وَقَرَأَ عَامَّةُ أَهْلِ الشَّأْمِ: «لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ» بِمَعْنَى: لَقَضَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ. وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنِّي أَقْرَؤُهُ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ
١٢ ‏/ ١٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانُ الضُّرَّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضَرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانُ الشِّدَّةَ وَالْجَهْدَ ﴿دَعَانَا لِجَنْبِهِ﴾ [يونس: ١٢] يَقُولُ: اسْتَغَاثَ بِنَا فِي كَشَفِ ذَلِكَ عَنْهُ، لِجَنْبِهِ: يَعْنِي مُضْطَجِعًا لِجَنْبِهِ. ﴿أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾ [يونس: ١٢] الْحَالَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا عِنْدَ نُزُولِ ذَلِكَ الضُّرُّ بِهِ. ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ﴾ [يونس: ١٢] يَقُولُ: فَلَمَّا فَرَّجْنَا عَنْهُ الْجَهْدَ الَّذِي أَصَابَهُ، ﴿مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٢] يَقُولُ: اسْتَمَرَّ عَلَى طَرِيقَتِهِ الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ الضُّرُّ، وَنَسِيَ مَا كَانَ
١٢ ‏/ ١٣٢
فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ وَالْبَلَاءِ، أَوْ تَنَاسَاهُ، وَتَرَكَ الشُّكْرَ لِرَبِهِ الَّذِي فَرَّجَ عَنْهُ مَا كَانَ قَدْ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ حِينَ اسْتَعَاذَ بِهِ، وَعَادَ لِلشِّرْكِ وَدَعْوَى الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ أَرْبَابًا مَعَهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٢] يَقُولُ: كَمَا زُيِّنَ لِهَذَا الْإِنْسَانِ الَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى كُفْرِهِ بَعْدَ كَشْفِ اللَّهِ عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الضُّرِّ، كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلَّذِينَ أَسْرَفُوا فِي الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى أَنْبِيَائِهِ، فَتَجَاوَزُوا فِي الْقَوْلِ فِيهِمْ إِلَى غَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ بِهِ، مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَالشِّرْكِ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ١٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿دَعَانَا لِجَنْبِهِ﴾ [يونس: ١٢] قَالَ: مُضْطَجِعًا»
١٢ ‏/ ١٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكَنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يونس: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَهْلَكَنَا الْأُمَمَ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَ اللَّهِ مِنْ قَبْلِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ ﴿لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [يونس: ١٣] يَقُولُ: لَمَّا أَشْرَكُوا وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ. ﴿وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ﴾ [يونس: ١٣] مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [البقرة: ٩٢] وَهِيَ الْآيَاتُ وَالْحُجَجُ الَّتِي تُبَيِّنُ عَنْ صِدْقِ مَنْ جَاءَ بِهَا.
١٢ ‏/ ١٣٣
وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّهَا حَقٌّ. ﴿وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ [يونس: ١٣] يَقُولُ: فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمَمُ الَّتِي أَهْلَكَنَاهَا لِيُؤْمِنُوا بِرُسُلِهِمْ وَيُصَدِّقُوهُمْ إِلَى مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ [يونس: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا أَهْلَكَنَا هَذِهِ الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ وَرَدِّهِمْ نَصِيحَتَهُمْ، كَذَلِكَ أَفْعَلُ بِكُمْ فَأُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتُهُمْ بِتَكْذِيبِكُمْ رَسُولَكَمْ مُحَمَّدًا ﷺ، وَظُلْمِكُمْ أَنْفُسَكُمْ بِشِرْكِكُمْ بِرَبِّكُمْ، إِنْ أَنْتُمْ لَمْ تُنِيبُوا وَتَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ شِرْكِكُمْ، فَإِنَّ مِنْ ثَوَابِ الْكَافِرِ بِي عَلَى كُفْرِهِ عِنْدِي أَنْ أَهْلِكَهُ بِسَخَطِي فِي الدُّنْيَا وَأُورِدُهُ النَّارَ فِي الْآخِرَةِ
١٢ ‏/ ١٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ﴾ [يونس: ١٤] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿خَلَائِفَ﴾ [الأنعام: ١٦٥] مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ الْقُرُونِ الَّذِينَ أَهْلَكَنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا تَخْلُفُونَهُمْ ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١] وَتَكُونُونَ فِيهَا بَعْدَهُمْ ﴿لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٤] يَقُولُ: لِيَنْظُرَ رَبُّكُمْ أَيْنَ عَمَلُكُمْ مِنْ عَمَلِ مَنْ هَلَكَ مِنْ قَبْلِكِ مِنَ الْأُمَمِ بِذُنُوبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، تَحْذُونَ مِثَالَهُمْ فِيهِ، فَتَسْتَحِقُّونَ مِنَ الْعِقَابِ مَا اسْتَحَقُّوا، أَمْ تُخَالِفُونَ سَبِيلَهُمْ، فَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، فَتَسْتَحِقُّونَ مِنْ رَبِّكُمُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿⦗١٣٥⦘ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: صَدَقَ رَبُّنَا مَا جَعَلَنَا خُلَفَاءَ إِلَّا لِيَنْظُرَ كَيْفَ أَعْمَالُنَا، فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ خَيْرًا، بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسِّرِ وَالْعَلَانِيَةِ»
١٢ ‏/ ١٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ عَوْفِ أَبُو رَبِيعَةَ فَهِدَ قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: “أَنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، رضي الله عنه قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ سَبَبًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَانْتَشَطَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ دُلِّيَ فَانْتَشَطَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ ذَرَعَ النَّاسُ حَوْلَ الْمِنْبَرِ، فَفَضُلَ عُمَرُ رضي الله عنه بِثَلَاثِ أَذْرُعٍ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنَا مِنْ رُؤْيَاكَ لَا أَرَبَ لَنَا فِيهَا فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ قَالَ: يَا عَوْفُ رُؤْيَاكَ؟ قَالَ: وَهَلْ لَكَ فِي رُؤْيَايَ مِنْ حَاجَةٍ، أَوْ لَمْ تَنْتَهِرُنِي؟ قَالَ: وَيْحَكَ إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ تَنْعِيَ لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَفْسَهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، حَتَّى إِذَا بَلْغَ ذَرَعَ النَّاسُ إِلَى الْمِنْبَرِ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ الْأَذْرُعِ، قَالَ: أَمَّا إِحْدَاهُنَّ فَإِنَّهُ كَائِنٌ خَلِيفَةً، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ. قَالَ: فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ١٤] فَقَدِ اسْتُخْلِفْتَ يَا ابْنَ أُمِّ عُمَرَ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَعْمَلُ؛ وَأَمَّا قَوْلُهُ: «فَإِنِّي لَا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» فَمَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: «فَإِنِّي ⦗١٣٦⦘ شَهِيدٌ» فَأَنَّى لِعُمَرَ الشَّهَادَةُ وَالْمُسْلِمُونَ مُطِيفُونَ بِهِ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ اللَّهَ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدْيرٌ»
١٢ ‏/ ١٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [يونس: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قُرِئَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ آيَاتُ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ بَيِّنَاتٍ وَاضِحَاتٍ عَلَى الْحَقِّ دَالَّاتٍ. ﴿قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: ١٥] يَقُولُ: قَالَ الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ عِقَابَنَا وَلَا يُوقِنُونَ بِالْمِعَادِ إِلَيْنَا وَلَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ لَكَ: ﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ [يونس: ١٥] بِقَوْلٍ: أَوْ غَيْرِهِ. ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ [يونس: ١٥] أَيْ مِنْ عِنْدِي. وَالتَّبْدِيلُ الَّذِي سَأَلُوهُ فِيمَا ذُكِرَ، أَنْ يُحَوِّلَ آيَةَ الْوَعِيدِ آيَةَ وَعْدٍ وَآيَةَ الْوَعْدِ وَعِيدًا وَالْحَرَامَ حَلَالًا وَالْحَلَالَ حَرَامًا، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَا يُرَدُّ حُكْمُهُ وَلَا يُتَعَقَّبُ قَضَاؤُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ مُبَلِّغٍ وَمَأْمُورٌ مُتَّبِعٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٥٠] يَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: مَا أَتَّبِعُ فِي كُلِّ مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ وَأَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِلَّا مَا يُنْزِلُهُ إِلَيَّ رَبِّي وَيَأْمُرُنِي بِهِ. ﴿إِنِّي أَخَافُ
١٢ ‏/ ١٣٦
إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأنعام: ١٥] يَقُولُ إِنِّي أَخْشَى مِنَ اللَّهِ إِنْ خَالَفْتُ أَمْرَهُ وَغَيَّرْتُ أَحْكَامَ كِتَابِهِ وَبَدَّلْتُ وَحْيَهُ فَعَصَيْتُهُ بِذَلِكَ، ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأنعام: ١٥] هَوْلَهُ، وَذَلِكَ ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمَلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾ [الحج: ٢]
١٢ ‏/ ١٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُعَرِّفَهُ الْحُجَّةَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ﴾ [يونس: ١٦] أَيْ مَا تَلَوْتُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِأَنْ كَانَ لَا يَنْزِلُ عَلَيَّ فَيَأْمُرَنِي بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْكُمْ، ﴿وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] يَقُولُ: وَلَا أَعْلَمَكُمْ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٣٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗١٣٨⦘ قَوْلُهُ: «﴿وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] وَلَا أَعْلَمَكُمْ»
١٢ ‏/ ١٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] يَقُولُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يُعَلِّمْكُمُوهُ»
١٢ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] يَقُولُ: مَا حَذَّرْتُكُمْ بِهِ»
١٢ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ﴾ [يونس: ١٥] وَهُوَ قَوْلُ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ١٦] لَبِثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً»
١٢ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] وَلَا أَعْلَمَكُمْ بِهِ»
١٢ ‏/ ١٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ⦗١٣٩⦘ الْحَسَنِ: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «وَلَا أَدْرَأْتُكُمْ بِهِ» يَقُولُ: مَا أَعْلَمْتُكُمْ بِهِ»
١٢ ‏/ ١٣٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] يَقُولُ: وَلَا أَشْعَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ» وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي حَكَيْتُ عَنِ الْحَسَنِ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ غَلَطٌ، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ قَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: «وَلَا أَدْرَأْتُكُمْ بِهِ»، قَالَ: فَإِنْ يَكُنْ فِيهَا لُغَةٌ سِوَى «دَرَيْتُ» وَ«أَدْرَيْتُ»، فَلَعَلَّ الْحَسَنَ ذَهَبَ إِلَيْهَا، وَأَمَّا أَنْ يَصْلُحَ مِنْ «دَرَيْتُ» أَوْ «أَدْرَيْتُ» فَلَا، لِأَنَّ الْيَاءَ وَالْوَا إِذَا انْفَتَحَ مَا قَبْلَهُمَا وَسَكَنَتَا صَحَّتَا وَلَمْ تَنْقَلِبَا إِلَى أَلِفٍ مِثْلَ قَضَيْتُ وَدَعَوْتُ، وَلَعَلَّ الْحَسَنَ ذَهَبَ إِلَى طَبِيعَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ فَهَمَزَهَا، لِأَنَّهَا تُضَارِعُ «دَرَأْتُ الْحَدَّ» وَشِبْهَهُ. وَرُبَّمَا غَلَطَتِ الْعَرَبُ فِي الْحَرْفِ إِذَا ضَارَعَهُ آخَرُ مِنَ الْهَمْزِ، فَيَهْمِزُونَ غَيْرَ الْمَهْمُوزِ. وَسَمِعْتُ امْرَأَةً مِنْ طَيِّئٍ تَقُولُ: رَثَأْتُ زَوْجِي بِأَبْيَاتٍ، وَيَقُولُونَ: لَبَأْتُ بِالْحَجِّ وَحَلَأْتُ السَّوِيقَ؛ يَتَغَلَّطُونَ، لِأَنَّ «حَلَأْتُ» قَدْ يُقَالُ فِي دَفْعِ الْعِطَاشِ، مِنَ الْإِبِلِ، وَ«لَبَأْتُ»: ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى اللَّبَأِ، لَبَأَ الشَّاةَ، وَ«رَثَأْتُ زَوْجِي»: ذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَثَأَتِ اللَّبَنَ إِذَا أَنْتَ حَلَبْتَ الْحَلِيبَ عَلَى الرَّائِبِ، فَتِلْكَ الرَّثِيثَةُ.
١٢ ‏/ ١٣٩
وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: لَا وَجْهَ لِقِرَاءَةِ الْحَسَنِ هَذِهِ لِأَنَّهَا مِنْ «أُدْرَيْتُ» مِثْلُ «أَعْطَيْتُ»، إِلَّا أَنَّ لُغَةَ بَنِي عَقِيلٍ «أَعْطَأْتُ» يُرِيدُونَ «أَعْطَيْتُ»، تُحَوِّلُ الْيَاءَ أَلِفًا، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] لَقَدْ آذَنَتْ أَهْلَ الْيَمَامَةِ طَيِّئٌ … بِحَرْبٍ كَنَاصَاةِ الْأَغَرِّ الْمُشَهَّرِ
يُرِيدُ كَنَاصِيَةٍ؛ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْمُفَضَّلِ. وَقَالَ زَيْدٌ الْخَيْلُ:
[البحر الطويل] لَعَمْرُكَ مَا أَخْشَى التَّصَعْلُكَ مَا بَقَا
عَلَى الْأَرْضِ قَيْسِيٌّ يَسُوقُ الْأَبَاعِرَا فَقَالَ «بَقَا» . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] لَزَجَرْتُ قَلْبًا لَا يَرِيعُ لزَاجِرٍ … إِنَّ الْغَوِيَّ إِذَا نُهَا لَمْ يُعْتِبْ
يُرِيدُ «نُهِيَ» قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْحَسَنِ، وَهِيَ مَرْغُوبٌ عَنْهَا، قَالَ: وَطَيِّئٌ تُصَيِّرُ كُلَّ يَاءٍ انْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا أَلِفًا، يَقُولُونَ: هَذِهِ جَارَاةٌ، وَفِي التَّرْقُوَةِ: تَرْقَاةُ، وَالْعَرْقُوَةِ: عَرْقَاةُ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ طَيِّئٍ: قَدْ لَقَتْ فَزَارَةُ، حَذَفَ الْيَاءَ مِنْ
١٢ ‏/ ١٤٠
لَقِيَتْ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا أَلِفًا لِسُكُونِ التَّاءِ فَيَلْتَقِي سَاكِنَانِ. وَقَالَ: زَعَمَ يُونُسُ أَنَّ نَسَا وَرَضَا لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَأَبْنَيْتُ بِالْأَعْرَاضِ ذَا الْبَطْنِ خَالِدًا … نَسَا أَوْ تَنَاسَى أَنْ يَعُدَّ الْمَوَالِيَا
وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ أَيْضًا رِوَايَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مَا
١٢ ‏/ ١٤١
حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ» وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ تَعُدُّوهَا هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦] بِمَعْنَى: وَلَا أَعْلَمَكُمْ بِهِ، وَلَا أَشْعَرَكُمْ بِهِ
١٢ ‏/ ١٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ نَسَبُوكَ فِيمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ إِلَى الْكَذِبِ: أَيُّ خَلْقٍ أَشَرٌّ بَعْدَنَا وَأَوْضَعُ لِقِيلِهِ فِي غَيْرِ ⦗١٤٢⦘ مَوْضِعِهِ، مِمَّنْ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَافْتَرَى عَلَيْهِ بَاطِلًا ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ [الأنعام: ٢١] يَعْنِي بِحُجَجِهِ وَرُسُلِهِ وَآيَاتِ كِتَابِهِ. يَقُولُ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قُلْ لَهُمْ لَيْسَ الَّذِي أَضَفْتُمُونِي إِلَيْهِ بِأَعْجَبَ مِنْ كَذِبِكُمْ عَلَى رَبِّكُمْ وَافْتُرَائِكُمْ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبِكُمْ بِآيَاتِهِ ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ١٧] يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ الَّذِينَ اجْتَرَمُوا الْكُفْرَ فِي الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا لَقُوا رَبَهُمْ، وَلَا يَنَالُونَ الْفَلَاحَ
١٢ ‏/ ١٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَعْبُدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ صِفَتَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّهُمْ شَيْئًا وَلَا يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْآلِهَةُ وَالْأَصْنَامُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا. ﴿وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا رَجَاءَ شَفَاعَتِهَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: أَتُخْبِرُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَكُونُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْآلِهَةَ لَا تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ. فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ: أَتُخْبِرُونَ اللَّهَ أَنَّ مَا لَا يَشْفَعُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ يَشْفَعُ لَكَمْ فِيهِمَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لَا
١٢ ‏/ ١٤٢
تَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ وَصِحَّتَهُ، بَلْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافَ مَا تَقُولُونَ وَأَنَّهَا لَا تَشْفَعُ لِأَحَدٍ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ. ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: ١٨] يَقُولُ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَعُلُوًّا عَمَّا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ إِشْرَاكِهِمْ فِي عِبَادَةِ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَافْتِرَائِهِمْ عَلَيْهِ الْكَذِبَ
١٢ ‏/ ١٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أَهْلُ دَيْنٍ وَاحِدٍ وَمِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِمْ، فَافْتَرَقَتْ بِهِمُ السُّبُلُ فِي ذَلِكَ. ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَّبِّكَ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ: وَلَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ قَوْمًا إِلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [يونس: ١٩] يَقُولُ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بَأَنْ يَهْلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ مِنْهُمْ وَيُنْجِي أَهْلَ الْحَقِّ. وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: ٢١٣] وَبَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ بِشَوَاهِدِهِ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٢ ‏/ ١٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾ [يونس: ١٩] حِينَ قَتَلَ أَحَدُ ابْنَيَّ آدَمَ أَخَاهُ» ⦗١٤٤⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٢ ‏/ ١٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ: هَلَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ آيَةٌ مِنْ رَبِهِ يَقُولُ: عِلْمٌ وَدَلِيلٌ نَعْلَمُ بِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا مُحِقٌ فِيمَا يَقُولُ. قَالَ اللَّهُ لَهُ: فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ، أَيْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ بِفِعْلِ ذَلِكَ إِلَّا هُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَهُوَ السِّرُّ وَالْخَفِيُّ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا اللَّهُ، فَانْتَظِرُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ قَضَاءَ اللَّهِ بَيْنَنَا بِتَعْجِيلِ عُقُوبَتِهِ لِلْمُبْطِلِ مِنَّا وَإِظْهَارِهِ الْمُحِقَّ عَلَيْهِ، إِنِّي مَعَكُمْ مِمَّنْ يَنْتَظِرُ ذَلِكَ. فَفَعَلَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَضَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ بِأَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ
١٢ ‏/ ١٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ [يونس: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا رَزَقْنَا الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ فَرَجًا بَعْدَ كَرْبٍ وَرَخَاءً بَعْدَ ⦗١٤٥⦘ شِدَّةٍ أَصَابَتْهُمْ. وَقِيلَ: عَنَى بِهِ الْمَطَرَ بَعْدَ الْقَحْطِ، وَالضَّرَّاءِ: وَهِيَ الشِّدَّةُ، وَالرَّحْمَةُ: هِيَ الْفَرَجُ يَقُولُ: ﴿إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾ [يونس: ٢١] اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٤٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿إِذَا لَهُمْ مَكَرٌ فِي آيَاتِنَا﴾ [يونس: ٢١] قَالَ: اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ» قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَوْلُهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا﴾ [يونس: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُسْتَهْزِئِينَ مِنْ حُجَجِنَا وَأَدِلَّتِنَا يَا مُحَمَّدُ: اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا، أَيْ أَسْرَعُ مِحَالًا بِكُمْ وَاسْتِدْرَاجًا لَكَمْ وَعُقُوبَةً مِنْكُمْ مِنَ الْمَكْرِ فِي آيَاتِ اللَّهِ. وَالْعَرَبُ تَكْتَفِي بِ «إِذَا» مِنْ «فَعَلَتْ» وَ«فَعَلُوا»، فَلِذَلِكَ حَذَفَ الْفِعْلَ مَعَهَا وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ مَكَرُوا فِي آيَاتِنَا، فَاكْتَفَى مِنْ «مَكَرُوا»، بِـ «إِذَا لَهُمْ مَكَرٌ» ﴿إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ [يونس: ٢١] يَقُولُ: إِنَّ حَفَظَتْنَا الَّذِينَ نُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ يَكْتُبُونَ عَلَيْكُمْ مَا تَمْكُرُونَ فِي آيَاتِنَا
١٢ ‏/ ١٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبِرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ
١٢ ‏/ ١٤٥
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [يونس: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي الْبِرِّ عَلَى الظَّهْرِ وَفِي الْبَحْرِ فِي الْفُلْكِ ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ [يونس: ٢٢] وَهِيَ السُّفُنُ، ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢] يَعْنِي: وَجَرَتِ الْفُلْكُ بِالنَّاسِ، ﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] فِي الْبَحْرِ، ﴿وَفَرِحُوا بِهَا﴾ [يونس: ٢٢] يَعْنِي: وَفَرِحَ رُكْبَانُ الْفُلْكِ بِالرِّيحِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي يَسِيرُونَ بِهَا. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: «بِهَا» عَائِدَةٌ عَلَى الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ ﴿جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ [يونس: ٢٢] يَقُولُ: جَاءَتِ الْفُلْكَ رِيحٌ عَاصِفٌ، وَهِيَ الشَّدِيدَةُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رِيحٌ عَاصِفٌ وَعَاصِفَةٌ، وَقَدْ أَعْصَفَتِ الرِّيحُ وَعَصَفَتْ وَأَعْصَفَتْ فِي بَنِي أَسَدٍ فِيمَا ذُكِرَ، قَالَ بَعْضُ بَنِي دُبَيْرٍ:
[البحر البسيط] حَتَّى إِذَا أَعْصَفَتْ رِيحٌ مُزَعْزِعَةٌ … فِيهَا قِطَارٌ وَرَعْدٌ صَوْتُهُ زَجِلُ
﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [يونس: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَاءَ رُكْبَانَ السَّفِينَةِ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢] يَقُولُ: وَظَنُّوا أَنَّ الْهَلَاكَ قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ وَأَحْدَقَ ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢] يَقُولُ: أَخْلَصُوا الدُّعَاءَ لِلَّهِ هُنَالِكَ دُونَ أَوْثَانِهِمْ وَآلِهَتِهِمْ، وَكَانَ مَفْزَعُهُمْ حِينَئِذٍ إِلَى اللَّهِ دُونَهَا. كَمَا
١٢ ‏/ ١٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿دَعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢] قَالَ: إِذَا مَسَّهُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ⦗١٤٧⦘ أَخْلَصُوا لَهُ الدُّعَاءَ»
١٢ ‏/ ١٤٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢] هَيَا شَرَا هَيَا، تَفْسِيرُهُ: يَا حَيُّ يَا قَوْمُ»
١٢ ‏/ ١٤٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ﴾ [يونس: ٢١] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ مَا يَدْعُونَ، فَإِذَا كَانَ الضُّرُّ لَمْ يَدْعُو إِلَّا اللَّهَ، فَإِذَا نَجَّاهُمْ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى نِعَمِكَ وَتَخْلِيصِكَ إِيَّانَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِإِخْلَاصِنَا الْعِبَادَةَ لَكَ وَإِفْرَادِ الطَّاعَةَ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ [يونس: ٢٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: «﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ [يونس: ٢٢]» مِنَ السَّيْرِ بَالسِّينِ وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِيُّ: «هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ» مِنَ النَّشْرِ، وَذَلِكَ الْبَسْطُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَشَرْتُ الثَّوْبَ، وَذَلِكَ بَسَطَهُ وَنَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ، فَوَجَّهَ أَبُو جَعْفَرٍ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ عِبَادَهُ، فَيَبْسُطُهُمْ بَرًّا وَبَحْرًا، وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ التَّسْيِيرِ.
١٢ ‏/ ١٤٧
وَقَالَ: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [الشعراء: ١١٩] . فَوَحَّدَ، وَالْفُلْكُ: اسْمٌ لِلْوَاحِدَةِ وَالْجِمَاعِ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. قَالَ: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢] وَقَدْ قَالَ: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ﴾ [يونس: ٢٢] فَخَاطَبَ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ؛ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَجَوَابُ قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ﴾ [يونس: ٢٢] ﴿جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ﴾ [يونس: ٢٢] وَأَمَّا جَوَابُ قَوْلِهِ: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢] فَ ﴿دَعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [يونس: ٢٢]
١٢ ‏/ ١٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا أَنْجَى اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَنُّوا فِي الْبَحْرِ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ مِنَ الْجَهْدِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ، وَبَغُوا فِي الْأَرْضِ، فَتَجَاوَزُوا فِيهَا إِلَى غَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمَعَاصِيهِ عَلَى ظَهْرِهَا. يَقُولُ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا اعْتِدَاؤُكُمُ الَّذِي تَعْتَدُونَهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَإِيَّاهَا تَظْلِمُونَ، وَهَذَا الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ ﴿مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [آل عمران: ١٤] يَقُولُ: ذَلِكَ بَلَاغٌ تُبَلَّغُونَ بِهِ فِي عَاجِلِ دُنْيَاكُمْ. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، الْبَغْيٌ يَكُونُ مَرْفُوعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء: ١٣٥] وَيَكُونُ قَوْلُهُ: «مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» مَرْفُوعًا عَلَى مَعْنَى: ذَلِكَ مَتَاعُ
١٢ ‏/ ١٤٨
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ: ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ﴾ [الأحقاف: ٣٥] بِمَعْنَى: هَذَا بَلَاغٌ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، لِأَنَّكُمْ بِكُفْرِكُمْ تُكْسِبُونَهَا غَضِبَ اللَّهِ، مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ «الْبَغْيُ» مَرْفُوعًا بِالْمَتَاعِ، وَ«عَلَى أَنْفُسِكُمْ» مِنْ صِلَةِ «الْبَغْيِ» . وَبِرَفْعِ «الْمَتَاعِ» قَرَأَتِ الْقُرَّاءُ سِوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ نَصَبَهُ بِمَعْنَى: إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَجَعَلَ، «الْبَغَيَ» مَرْفُوعًا بِقَوْلِهِ: ﴿عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء: ١٣٥] وَالْمَتَاعَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ﴾ [يونس: ٢٣] يَقُولُ: ثُمَّ إِلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعَادُكُمْ وَمَصِيرُكُمْ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَمَاتِ. ﴿فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٢٣] يَقُولُ: فَنُخْبِرُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَنُجَازِيكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا
١٢ ‏/ ١٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٢٤]⦗١٥٠⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا مَثَلُ مَا تَبَاهِونَ فِي الدُّنْيَا وَتَفَاخَرُونَ بِهِ مِنْ زِينَتِهَا وَأَمْوَالِهَا مَعَ مَا قَدْ وُكِّلَ بِذَلِكَ مِنَ التَّكْدِيرِ وَالتَّنْغِيصِ وَزَوَالِهِ بِالْفَنَاءِ وَالْمَوْتِ، كَمَثَلِ ﴿مَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ يَقُولُ: كَمَطَرٍ أَرْسَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: فَنَبَتَ بِذَلِكَ الْمَطَرُ أَنْوَاعَ مِنَ النَّبَاتِ مُخْتَلِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٢٤] قَالَ: اخْتَلَطَ فَنَبَتَ بِالْمَاءِ كُلِّ لَوْنٍ ﴿مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ﴾ [يونس: ٢٤] كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ حُبُوبِ الْأَرْضِ وَالْبُقُولِ وَالثِّمَارِ، وَمَا يَأْكُلُهُ الْأَنْعَامُ وَالْبَهَائِمُ مِنَ الْحَشِيشِ وَالْمَرَاعِي» وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ [يونس: ٢٤] يَعْنِي: ظَهَرَ حُسْنُهَا وَبَهَاؤُهَا. ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: وَتَزَيَّنَتْ. ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا﴾ [يونس: ٢٤] يَعْنِي أَهْلَ الْأَرْضِ، ﴿أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ [يونس: ٢٤] . يَعْنِي: عَلَى مَا أَنْبَتَتْ. وَخَرَجَ الْخَبَرُ عَنِ الْأَرْضِ، وَالْمَعْنَى لِلْنَبَاتِ، إِذَا كَانَ مَفْهُومًا بِالْخِطَابِ مَا عَنَى بِهِ. . وَقَوْلُهُ: ﴿أَتَاهَا أَمَرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: جَاءَ الْأَرْضَ أَمَرُنَا يَعْنِي قَضَاؤُنَا بِهَلَاكِ مَا عَلَيْهَا مِنَ النَّبَاتِ إِمَّا لَيْلًا وَإِمَّا نَهَارًا. ﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: فَجَعَلْنَا مَا عَلَيْهَا، ﴿حَصِيدًا﴾ [يونس: ٢٤] يَعْنِي مَقْطُوعَةً مَقْلُوعَةً مِنْ أُصُولِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَحْصُودَةً صُرِفَتْ إِلَى حَصِيدٍ، ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الزُّرُوعُ وَالنَّبَاتُ عَلَى ظَهْرِ
١٢ ‏/ ١٥٠
نَابِتِهِ قَائِمَةً عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْأَمْسِ، وَأَصْلُهُ: مِنْ غَنِيَّ فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا، يَغْنَى بِهِ: إِذَا أَقَامَ بِهِ، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِي:
[البحر الكامل] غَنِيَتْ بِذَلِكَ إِذْ هُمُ لِي جِيرَةٌ … مِنْهَا بِعَطْفِ رِسَالَةٍ وَتَوَدُّدِ
يَقُولُ: فَكَذَلِكَ يَأْتِي الْفَنَاءُ عَلَى مَا تَتَبَاهُونَ بِهِ مِنْ دُنْيَاكُمْ وَزَخَارِفِهَا، فَيَفْنِيهَا وَيُهْلِكُهَا كَمَا أَهْلَكَ أَمَرُنَا وَقَضَاؤُنَا نَبَاتِ هَذِهِ الْأَرْضِ بَعْدَ حُسْنِهَا وَبَهْجَتِهَا حَتَّى صَارَتْ ﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس: ٢٤] كَأَنْ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ ذَلِكَ نَبَاتًا عَلَى ظَهْرِهَا. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: كَمَا بَيَّنَّا لَكَمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَرَّفْنَاكُمْ حُكْمَهَا وَأَمْرَهَا، كَذَلِكَ نُبَيِّنُ حُجَجَنَا وَأَدِلَّتَنَا لِمَنْ تَفَكَّرَ وَاعْتَبَرَ وَنَظَرَ. وَخَصَّ بِهِ أَهْلَ الْفِكْرِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأُمُورِ وَالْفَحْصِ عَنْ حَقَائِقِ مَا يَعْرِضُ مِنَ الشُّبَهِ فِي الصُّدُورِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا﴾ [يونس: ٢٤] . . الْآيَةَ: أَيْ وَاللَّهِ لَئِنْ تَشَبَّثَ بِالدُّنْيَا وَحَدَبَ عَلَيْهَا لَتُوشِكَنَّ ⦗١٥٢⦘ الدُّنْيَا أَنْ تَلْفِظَهَ وَتَقْضِيَ مِنْهُ»
١٢ ‏/ ١٥١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤] قَالَ: أَنْبَتَتْ وَحَسُنَتْ»
١٢ ‏/ ١٥٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَرْوَانَ، يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ [يونس: ٢٤] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَهْلِكَهَا إِلَّا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا. قَالَ: قَدْ قَرَأْتُهَا، وَلَيْسَتْ فِي الْمُصْحَفِ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ: هَكَذَا يَقْرَؤُهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: هَكَذَا أَقْرَأَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ»
١٢ ‏/ ١٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿كَأَنْ لَمْ تُغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ تَعِشْ، كَأَنْ لَمْ تَنَعَمْ»
١٢ ‏/ ١٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ: «﴿كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس: ٢٤] وَمَا أَهْلَكْنَاهَا إِلَّا بِذُنُوبِ أَهْلِهَا ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٢٤]» ⦗١٥٣⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤] بِمَعْنَى: وَتَزَيَّنَتْ، وَلَكَنَّهُمْ أَدْغَمُوا التَّاءَ فِي الزَّايِ لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا، وَأَدْخَلُوا أَلِفًا لِيُوصَلَ إِلَى قِرَاءَتِهِ، إِذَا كَانَتِ التَّاءُ قَدْ سَكَنَتْ، وَالسَّاكِنُ لَا يُبْتَدَأُ بِهِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي رَجَاءٍ وَالْأَعْرَجِ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ غَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ: «وَأَزْيَنَتْ» عَلَى مِثَالِ أَفْعَلَتْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤] لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
١٢ ‏/ ١٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِعِبَادِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَطْلُبُوا الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، فَإِنَّ مَصِيرَهَا إِلَى فَنَاءٍ وَزَوَالٍ كَمَا مَصِيرِ النَّبَاتِ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهَا مَثَلًا إِلَى هَلَاكٍ وَبَوَارٍ، وَلَكَنِ اطْلُبُوا الْآخِرَةَ الْبَاقِيَةَ، وَلَهَا فَاعْمَلُوا، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ فَالْتَمَسُوا بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَدْعُوكُمْ إِلَى دَارِهِ، وَهِيَ جَنَّاتُهُ الَّتِي أَعَدَّهَا لِأَوْلِيَائِهِ، تَسْلَمُوا مِنَ الْهُمُومِ وَالْأَحْزَانِ فِيهَا وَتَأْمَنُوا مِنْ فَنَاءِ مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِمَنْ دَخَلَهَا، وَهُوَ يَهْدِي مِنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فَيُوَفِّقُهُ لِإِصَابَةِ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي جَعَلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَبَبًا لِلْوُصُولِ إِلَى رِضَاهُ وَطَرِيقًا لِمَنْ رَكْبِهِ وَسَلَكَ فِيهِ إِلَى جَنَّاتِهِ وَكَرَامَتِهِ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ⦗١٥٤⦘ قَتَادَةَ، قَالَ: «اللَّهُ السَّلَامُ، وَدَارُهُ الْجَنَّةُ»
١٢ ‏/ ١٥٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يونس: ٢٥] قَالَ: اللَّهُ هُوَ السَّلَامُ، وَدَارُهُ الْجَنَّةُ»
١٢ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «قِيلَ لِي: لِتَنَمْ عَيْنُكَ، وَلْيَعْقِلْ قَلْبُكَ، وَلْتَسْمَعْ أُذُنُكَ فَنَامَتْ عَيْنِي، وَعَقَلَ قَلْبِي، وَسَمِعَتْ أُذُنِي. ثُمَّ قِيلَ: سَيِّدٌ بَنَى دَارًا، ثُمَّ صَنَعَ مَأْدُبَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِي دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَرَضِيَ عَنْهُ السَّيِّدُ، وَمَنْ لَمْ يَجِبِ الدَّاعِي لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَلَمْ يَرْضَ عَنْهُ السَّيِّدُ، فَاللَّهُ السَّيِّدُ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ وَالْمَأْدُبَةُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ ﷺ»
١٢ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مِنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: ٢٥] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ فِيَ التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ انْتَهِ»
١٢ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ⦗١٥٥⦘ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثَنِي خُلَيْدُ الْعَصَرِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إِلَّا وَبِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ، إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى». قَالَ: وَأَنْزَلَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: ٢٥]
١٢ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ فِيَ الْمَنَامِ كَأَنَّ جَبْرَائِيلَ عِنْدَ رَأْسِي وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اضْرِبْ لَهُ مَثَلًا فَقَالَ: اسْمَعْ سَمِعَتْ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ اتَّخَذَ دَارًا ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ الرَّسُولَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَهُ فَاللَّهُ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الْإِسْلَامُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ الرَّسُولُ؛ مَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِنْهَا»
١٢ ‏/ ١٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٦]⦗١٥٦⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا عِبَادَةَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَلْقِهِ فَأَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى ﴿الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥] ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحُسْنَى وَالزِّيَادَةِ اللَّتَيْنِ وَعَدَهُمَا الْمُحْسِنِينَ مِنْ خَلْقِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحُسْنَى: هِيَ الْجَنَّةُ، جَعَلَهَا اللَّهُ لِلْمُحْسِنِينَ مِنْ خَلْقِهِ جَزَاءً، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ»
١٢ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَبَسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ نِمْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى»
١٢ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ»
١٢ ‏/ ١٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: الزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ»
١٢ ‏/ ١٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ نَذِيرٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ»
١٢ ‏/ ١٥٧
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ»
١٢ ‏/ ١٥٧
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مُنَادِيًا يُنَادِي: هَلْ أَنْجَزَكُمُ اللَّهُ مَا وَعَدَكُمْ؟ فَيَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ»
١٢ ‏/ ١٥٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَلَكَا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلْ أَنْجَزَكُمُ اللَّهُ مَا وَعَدَكُمْ؟ فَيَنْظُرُونَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَيُرَوْنَ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ وَالثِّمَارَ وَالْأَنْهَارَ وَالْأَزْوَاجَ الْمَطْهَرَةَ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، قَدْ أَنْجَزَنَا اللَّهُ مَا وَعَدَنَا. ثُمَّ يَقُولُ الْمَلَكُ: هَلْ أَنْجَزَكُمُ اللَّهُ مَا وَعَدَكُمْ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَا يَفْقِدُونَ شَيْئًا مِمَّا وُعِدُوا، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ بَقِيَ لَكَمْ شَيْءٌ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] أَلَا إِنَّ الْحُسْنَى الْجَنَّةَ، وَالزِّيَادَةَ: النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ١٥٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَبِيبٌ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنَادِيًا يُنَادِي أَهْلَ الْجَنَّةِ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمُ الْحُسْنَى وَزِيَادَةً، فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ»
١٢ ‏/ ١٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ. وَقَرَأَ: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: بَعْدَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ»
١٢ ‏/ ١٥٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَوْلُهُ: «﴿وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ فَأُعْطُوا فِيهَا مَا أُعْطُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ قَالَ: نُودُوا يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَكُمُ الزِّيَادَةَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: فَمَا ظَنُّكَ بِهِمْ حِينَ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُمْ، وَحِينَ صَارَتِ الصُّحُفُ فِي أَيْمَانِهِمْ، وَحِينَ جَاوَزُوا جِسْرَ جَهَنَّمَ وَدَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَأُعْطُوا فِيهَا مَا أُعْطُوا مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ؟ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا فِيمَا رَأَوْا»
١٢ ‏/ ١٥٩
قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ»
١٢ ‏/ ١٥٩
قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ، وَمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَا: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْءٌ لَمْ تُعْطُوهُ. قَالَ: فَيَتَجَلَّى لَهُمْ تبارك وتعالى. قَالَ: فَيَصْغَرُ عِنْدَكُمْ كُلَّ شَيْءٍ أُعْطُوهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: الْحُسْنَى: الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمْ، وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ»
١٢ ‏/ ١٥٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ١٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] النَّظَرَ إِلَى الرَّبِّ»
١٢ ‏/ ١٦٠
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نُودُوا: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكَمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا قَالُوا: مَا هُوَ؟ أَلَمْ تُبَيِّضْ وجُوهَنَا، وَتُثَقِّلُ مَوَازِينَنَا، وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ» وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لِعَمْرٍو حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: “إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكَمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ ⦗١٦١⦘ فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ يُثَقِّلِ اللَّهُ مَوَازِينَنَا، وَيُبَيِّضْ وجُوهَنَا؟ ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ وَابْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
١٢ ‏/ ١٦٠
قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ نِمْرَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تبارك وتعالى» قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] بَلَغَنَا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا دَخَلُوا الْجَنَّةَ نَادَاهُمْ مُنَادٍ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمُ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ: فَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: الزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ تبارك وتعالى»
١٢ ‏/ ١٦١
قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: «الْحُسْنَى: النَّضْرَةُ، وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى»
١٢ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زُهَيْرًا، عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةِ، قَالَ: ثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: الْحُسْنَى: الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ فِي الزِّيَادَةُ بِمَا
١٢ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنَا بِهِ، يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: الزِّيَادَةُ: غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، مِثْلَ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ فُضَيْلِ سَوَاءً وَقَالَ آخَرُونَ: الْحُسْنَى وَاحِدَةٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ بِوَاحِدَةٍ. وَالزِّيَادَةُ: التَّضْعِيفُ إِلَى تَمَامِ الْعَشْرِ ⦗١٦٣⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق: ٣٥] يَقُولُ: يَجْزِيهِمْ بِعَمَلِهِمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَقَالَ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٦٠]»
١٢ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: قُلْتُ: هَذِهِ الْحُسْنَى، فَمَا الزِّيَادَةُ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]»
١٢ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: الزِّيَادَةُ: بِالْحَسَنَةِ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْحُسْنَى: حَسَنَةٌ مِثْلُ حَسَنَةٍ. وَالزِّيَادَةُ: زِيَادَةٌ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗١٦٤⦘ مُجَاهِدٍ، «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ [يونس: ٢٦] مِثْلَهَا حُسْنَى وَزِيَادَةٌ مَغْفِرَةٌ وَرِضْوَانٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: الزِّيَادَةُ مَا أُعْطُوا فِي الدُّنْيَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: الْحُسْنَى: الْجَنَّةُ، وَزِيَادَةٌ: مَا أَعْطَاهُمْ فِي الدُّنْيَا لَا يُحَاسِبُهُمْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَرَأَ ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ [العنكبوت: ٢٧] قَالَ: مَا آتَاهُ مِمَّا يُحِبُّ فِي الدُّنْيَا عَجَّلَ لَهُ أَجْرَهُ فِيهَا» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ [يونس: ٢٦] بِمَا
١٢ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾ [يونس: ٢٦] يَقُولُ: لِلَّذِينَ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَعَدَ الْمُحْسِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَى إِحْسَانِهِمُ الْحُسْنَى أَنْ يَجْزِيَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ الْجَنَّةَ، وَأَنْ ⦗١٦٥⦘ تَبْيَضَّ وُجُوهُهُمْ، وَوَعَدَهُمْ مَعَ الْحُسْنَى الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا، وَمِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى إِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةِ أَنْ يُكْرِمَهُمْ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُعْطَيهُمْ غُرَفًا مِنْ لَآلِئٍ، وَأَنْ يَزِيدَهُمْ غُفْرَانًا وَرِضْوَانًا؛ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَاتِ عَطَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى الْحُسْنَى الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ جَنَّاتِهِ. وَعَمَّ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] الزِّيَادَاتِ عَلَى الْحُسْنَى، فَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ لَهُمْ، بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ مَجْمُوعٌ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يَعُمَّ كَمَا عَمَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ
١٢ ‏/ ١٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٦] ” يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦] لَا يَغْشَى وُجُوهَهُمْ كَآبَةٌ وَلَا كُسُوفٌ حَتَّى تَصِيرَ مِنَ الْحُزْنِ كَأَنَّمَا عَلَاهَا قَتَرٌ. وَالْقَتَرُ: الْغُبَارُ وَهُوَ جَمْعُ قَتَرَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] مُتَوَّجٌ بِرِدَاءِ الْمُلْكِ يَتْبَعُهُ … مَوْجٌ تَرَى فَوْقَهُ الرَّايَاتِ وَالْقَتَرَا
يَعْنِي بِالْقَتَرِ: الْغُبَارَ. ﴿وَلَا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦] وَلَا هَوَانٌ. ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [البقرة: ٨٢] يَقُولُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَسُكَّانُهَا ومن ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ هُمْ فِيهَا مَاكِثُونَ أَبَدًا لَا تَبِيدُ فَيَخَافُوا زَوَالَ نَعِيمِهِمْ، وَلَا هُمْ بِمُخْرَجِينَ فَتَتَنَغَّصُ عَلَيْهِمْ لَذَّتُهُمْ.
١٢ ‏/ ١٦٥
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ [يونس: ٢٦] مَا
١٢ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: «﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ بَعْضٌ: نَظَرُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ وَمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَا: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، بِنَحْوِهِ
١٢ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنَا قَالُ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ [يونس: ٢٦] قَالَ: سَوَادُ الْوُجُوهِ»
١٢ ‏/ ١٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا، فَعَصُوا اللَّهَ فِيهَا، وَكَفَرُوا بِهِ وَبِرَسُولِهِ، جَزَاءُ سَيِّئَةٍ مِنْ عَمَلِهِ السَّيِّئِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الدُّنْيَا بِمِثْلِهَا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ. ﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٧] يَقُولُ: ⦗١٦٧⦘ وَتَغْشَاهُمْ ذِلَّةٌ وَهَوَانٌ بِعِقَابِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ. ﴿مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ [يونس: ٢٧] يَقُولُ: مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ مَانِعٍ يَمْنَعُهُمْ إِذَا عَاقَبَهُمْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٦٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [يونس: ٢٧] قَالَ: تَغْشَاهُمْ ذِلَّةٌ وَشِدَّةٌ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ لِلْجَزَاءِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: رُفِعَ بِإِضْمَارِ «لَهُمْ»، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَهُمْ جَزَاءُ السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا، كَمَا قَالَ: ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦] وَالْمَعْنَى: فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ الْجَزَاءَ بِالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ [يونس: ٢٧] وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: الْجَزَاءُ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ: وَخَبَرُهُ بِمِثْلِهَا. قَالَ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: جَزَاءُ سَيِّئَةٍ مِثْلُهَا، وَزِيدَتِ الْبَاءُ كَمَا زِيدَتْ فِي قَوْلِهِ: بِحَسْبِكَ قَوْلَ السُّوءِ. وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ فِي «حَسْبِ» زَائِدَةً، لِأَنَّ التَّأْوِيلَ: إِنْ قُلْتَ السُّوءَ فَهُوَ حَسْبُكَ، فَلَمَّا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْجَزَاءِ أُدْخِلَتْ فِي حَسْبِ بِحَسْبِكَ أَنْ تَقُومَ إِنْ قُمْتَ فَهُوَ حَسْبُكَ، فَإِنْ مَدَحَ مَا بَعْدَ حَسْبِ أُدْخِلَتِ الْبَاءُ فِيمَا بَعْدَهَا كَقَوْلِكَ: حَسْبُكَ بِزَيْدٍ، وَلَا
١٢ ‏/ ١٦٧
يَجُوزُ: بِحَسْبِكَ زَيْدٌ، لِأَنَّ زَيْدًا الْمَمْدُوحُ، فَلَيْسَ بِتَأْوِيلِ جَزَاءٍ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مَرْفُوعًا بِإِضْمَارٍ بِمَعْنَى: فَلَهُمْ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] فَوَصَفَ مَا أَعَدَّ لِأَوْلِيَائِهِ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَعْدَائِهِ، فَأَشْبَهَ بِالْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَلِلَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ. وَإِذَا وُجِّهَ ذَلِكَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَانَتِ الْبَاءُ لِلْجَزَاءِ
١٢ ‏/ ١٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَأَنَّمَا أُلْبِسَتْ وُجُوهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ، وَهِيَ جَمْعُ قِطْعَةٍ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا
١٢ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾ [يونس: ٢٧] قَالَ: ظُلْمَةٌ مِنَ اللَّيْلِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قِطَعًا﴾ [يونس: ٢٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿قِطَعًا﴾ [يونس: ٢٧] بِفَتْحِ الطَّاءِ عَلَى مَعْنَى جَمْعِ قِطْعَةٍ، وَعَلَى مَعْنَى أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وَجْهُ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ قِطْعَةً مِنْ سَوَّادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَمَعَ ذَلِكَ فَقِيلَ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهَهُمْ قِطَعًا مِنْ سَوَّادٍ، إِذْ جَمَعَ «الْوَجْهَ» . ⦗١٦٩⦘ وَقَرَأَهُ بَعْضُ مُتَأَخِرِي الْقُرَّاءِ: «قِطْعًا» بِسُكُونِ الطَّاءِ، بِمَعْنَى: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ، وَبَقِيَّةً مِنَ اللَّيْلِ، سَاعَةً مِنْهُ، كَمَا قَالَ: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: ٨١] أَيْ بِبَقِيَّةٍ قَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ، وَيَعْتَلُّ لِتَصْحِيحِ قِرَاءَتَهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّهُ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ: «وَيَغْشَى وُجُوهَهُمْ قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمٌ» . وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا عِنْدِي قِرَاءَةُ ذَلِكَ بِفَتْحِ الطَّاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَصْوِيبِهَا، وَشُذُوذِ مَا عَدَاهَا. وَحَسْبُ الْأُخْرَى دَلَالَةٌ عَلَى فَسَادِهَا، خُرُوجُ قَارِئِهَا عَمَّا عَلَيْهِ قُرَّاءُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْإِسْلَامِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الصَّوَابُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ مَا قُلْتَ، فَمَا وَجْهُ تَذْكِيرِ الْمُظْلِمِ وَتَوْحِيدِهِ، وَهُوَ مِنْ نَعْتِ الْقِطَعِ، وَالْقِطَعُ جَمْعٌ لِمُؤَنَّثٍ؟ قِيلَ فِي تَذْكِيرِهِ ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ نَعْتِ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ نَكِرَةً، وَاللَّيْلُ مَعْرِفَةً نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ. فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنَ «الْمُظْلِمِ»، فَلَمَّا صَارَ نَكِرَةً، وَهُوَ مِنْ نَعْتِ اللَّيْلِ نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ؛ وَتُسَمِّي أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَا كَانَ كَذَلِكَ حَالًا، وَالْكُوفِيُّونَ قَطْعًا. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] ⦗١٧٠⦘ لَوْ أَنَّ مِدْحَةَ حَيٍّ مُنْشِرٌ أَحَدًا
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَجْهَيهِ وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [يونس: ٢٧] يَقُولُ: هُمْ فِيهَا مَاكِثُونَ
١٢ ‏/ ١٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ [يونس: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ نَجْمَعُ الْخَلْقَ لِمَوْقِفِ الْحِسَابِ جَمِيعًا، ثُمَّ نَقُولُ حِينَئِذٍ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ: مَكَانَكُمْ؛ أَيْ امْكُثُوا مَكَانَكُمْ، وَقِفُوا فِي مَوْضِعِكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، وَشُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ﴿فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٢٨] يَقُولُ: فَفَرَّقْنَا بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَمَا أَشْرَكُوهُ بِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَأَبَنْتُهُ مِنْهُ. وَقَالَ: «فَزَيَّلْنَا» إِرَادَةُ تَكْثِيرِ الْفِعْلِ وَتَكْرِيرِهِ. وَلَمْ يَقُلْ: «فَزِلْنَا بَيْنَهُمْ» . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ: «فَزَايَلْنَا بَيْنَهُمْ»، كَمَا قِيلَ: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ﴾ [لقمان: ١٨] وَلَا تُصَاعِرْ خَدَّكَ “، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي فَعَلْتُ، يُلْحِقُونَ فِيهَا أَحْيَانًا أَلِفًا مَكَانَ التَّشْدِيدِ، فَيَقُولُونَ: فَاعَلْتُ إِذَا
١٢ ‏/ ١٧٠
كَانَ الْفِعْلُ لِوَاحِدٍ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ فَلَا تَكَادُ تَقُولُ إِلَّا فَاعَلْتُ. ﴿وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ [يونس: ٢٨] وَذَلِكَ حِينَ ﴿تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾ [البقرة: ١٦٦] لَمَّا قِيلَ لِلْمُشْرِكِينَ اتَّبِعُوا مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَنُصِبَتْ لَهُمْ آلِهَتُهُمْ، قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ هَؤُلَاءِ، فَقَالَتِ الْآلِهَةُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٧١
حُدِّثْتُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «يَكُونُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَاعَةً فِيهَا شِدَّةٌ تُنْصَبُ لَهُمُ الْآلِهَةُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَتَقُولُ الْآلِهَةُ: وَاللَّهِ مَا كُنَّا نَسْمَعُ وَلَا نُبْصِرُ وَلَا نَعْقِلُ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تعْبُدُونَنَا فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَإِيَّاكُمْ كُنَّا نَعْبُدُ فَتَقُولُ لَهُمُ الْآلِهَةُ: ﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: ٢٩]»
١٢ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٢٨] قَالَ: فَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ. ﴿وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ [يونس: ٢٨] قَالُوا: بَلَى قَدْ كُنَّا نَعْبُدُكُمْ، فَقَالُوا ﴿كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ مَا كُنَّا نَسْمَعُ وَلَا نُبْصِرُ وَلَا نَتَكَلَّمُ. فَقَالَ اللَّهُ: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ﴾ [يونس: ٣٠] . . الْآيَةَ» ⦗١٧٢⦘ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ الْحَشْرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَوْتَ
١٢ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ [الأنعام: ٢٢] قَالَ: الْحَشْرُ: الْمَوْتُ» وَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ فِي الْقَبْرِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَمَّا يُقَالُ لَهُمْ وَيَقُولُونَ فِي الْمَوْقِفِ بَعْدَ الْبَعْثِ
١٢ ‏/ ١٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ شُرَكَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ لَهَا: إِيَّاكُمْ كُنَّا نَعْبُدُ، كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ؛ أَيْ إِنَّهَا تَقُولُ: حَسْبُنَا اللَّهُ شَاهِدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّا مَا عَلِمْنَا مَا تَقُولُونَ. ﴿إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: ٢٩] يَقُولُ: مَا كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ إِيَّانَا دُونَ اللَّهِ إِلَّا غَافِلِينَ، لَا نَشْعُرُ بِهِ، وَلَا نَعْلَمُ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: ٢٩] قَالَ ذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ ⦗١٧٣⦘ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾ [يونس: ٢٩] قَالَ: يَقُولُ ذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ١٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٣٠] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ﴾ [يونس: ٣٠] بِالْبَاءِ، بِمَعْنَى: عِنْدَ ذَلِكَ تُخْتَبَرُ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ وَيَتَأَوَّلُهُ كَذَلِكَ مُجَاهِدٌ
١٢ ‏/ ١٧٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ﴾ [يونس: ٣٠] قَالَ: تُخْتَبَرُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ: «تَتْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا ⦗١٧٤⦘ أَسْلَفَتْ» بِالتَّاءِ وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ وَتَأْوِيلُهُ: هُنَالِكَ تَتْبَعُ كُلُّ نَفْسٍ مَا قَدَّمَتْ فِي الدُّنْيَا لِذَلِكَ الْيَوْمِ. وَرُوِي بِنَحْوِ ذَلِكَ خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ وَجْهٍ وَسَنَدٍ غَيْرِ مُرْتَضَى أَنَّهُ قَالَ: «يُمَثِّلُ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَتْبَعُونَهُمْ حَتَّى يُورِدُوهُمُ النَّارَ» قَالَ: ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ﴾ [يونس: ٣٠]» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَعْنَاهُ: تَتْلُو كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، يَعْنِي تَقْرَأُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ [الإسراء: ١٣] وَقَالَ آخَرُونَ: تَبْلُو: تُعَايِنْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ﴾ [يونس: ٣٠] قَالَ: مَا عَمِلَتْ. تَبْلُو: تُعَايِنُهُ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَبِعَ فِي الْآخِرَةِ مَا
١٢ ‏/ ١٧٤
أَسْلَفَ مِنَ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا، هَجَمَ بِهِ عَلَى مَوْرِدِهِ، فَيُخْبَرُ هُنَالِكَ مَا أَسْلَفَ مِنْ صَالِحٍ أَوْ سَيِّئٍ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ مَنْ خُبِّرَ مَا أَسْلَفَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَعْمَالِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّمَا يُخَبَّرُ بَعْدَ مَصِيرِهِ إِلَى حَيْثُ أَحَلَّهُ مَا قَدَّمَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَمَلِهِ، فَهُوَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ مُتَّبِعٌ مَا أَسْلَفَ مِنْ عَمَلِهِ مُخْتَبَرٌ لَهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ كَمَا وَصَفْنَا فَمُصِيبُ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٠] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَرَجَعَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ إِلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ رَبُّهُمْ وَمَالِكُهُمُ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ دُونَ مَا كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَهُمْ أَرْبَابٌ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ. ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٣٠] يَقُولُ: وَبَطُلَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَتَخَرَّصُونَ مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ بِدَعْوَاهِمْ أَوْثَانَهُمْ أَنَّهَا لِلَّهِ شُرَكَاءُ، وَأَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ مِنْهُ زُلْفَى، كَمَا
١٢ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٣٠] قَالَ: مَا كَانُوا يَدْعُونَ مَعَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ الْآلِهَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوهَا أَنْدَادًا وَآلِهَةً مَعَ اللَّهِ افْتِرَاءً وَكَذِبًا»
١٢ ‏/ ١٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١]
١٢ ‏/ ١٧٥
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ ﴿مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [يونس: ٣١] الْغَيْثَ وَالْقَطْرَ وَيُطْلِعُ لَكَمْ شَمْسَهَا وَيُغْطِشُ لَيْلَهَا وَيُخْرِجُ ضُحَاهَا. وَمِنَ ﴿الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١] أَقْوَاتِكُمْ وَغِذَاءِكُمُ الَّذِي يُنْبِتُهُ لَكَمْ وَثِمَارَ أَشْجَارِهَا. ﴿أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ﴾ [يونس: ٣١] يَقُولُ: أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي يَمْلِكُ أَسْمَاعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمُ الَّتِي تَسْمَعُونَ بِهَا أَنْ يَزِيدَ فِي قُوَاهَا أَوْ يُسْلِبُكُمُوهَا فَيَجْعَلَكُمْ صُمًّا، وَأَبْصَارُكُمُ الَّتِي تُبْصِرُونَ بِهَا أَنْ يُضِيئَهَا لَكَمْ وَيُنِيرَهَا، أَوْ يَذْهَبَ بِنُورِهَا فَيَجْعَلَكُمْ عُمْيًا لَا تُبْصِرُونَ. ﴿وَمَن يُّخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ [يونس: ٣١] يَقُولُ: وَمَنْ يُخْرِجُ الشَّيْءَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ. ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [يونس: ٣١] يَقُولُ: وَيُخْرِجُ الشَّيْءَ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّتِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: ٣١] وَقُلْ لَهُمْ: مِنْ يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَأَمْرَكُمْ وَأَمْرَ الْخَلْقِ. ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ [يونس: ٣١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَسَوْفَ يُجِيبُونَكَ بِأَنْ يَقُولُوا الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ اللَّهُ. ﴿فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١] يَقُولُ: أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَابَ اللَّهِ عَلَى شِرْكِكُمْ وَادِّعَائِكُمْ رَبًّا غَيْرَ مَنْ هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَتُهُ، وَعِبَادَتِكُمْ مَعَهُ مَنْ لَا يَرْزُقُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَمْلِكُ لَكَمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا
١٢ ‏/ ١٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، فَيَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَيَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، وَيُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴿اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ﴾ [يونس: ٣٢] لَا شَكَّ فِيهِ. ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾ [يونس: ٣٢] يَقُولُ: فَأَيُّ شَيْءٍ سِوَى الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ وَهُوَ الْجَوْرُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ. يَقُولُ: فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ هُوَ ذَا، فَادِّعَاؤُكُمْ غَيْرَهُ إِلَهًا وَرَبًّا هُوَ الضَّلَالُ وَالذَّهَابُ عَنِ الْحَقِّ لَا شَكَّ فِيهِ. ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: ٣٢] يَقُولُ: فَأَيُّ وَجْهٍ عَنِ الْهُدَى وَالْحَقِّ تُصْرَفُونَ وَسِوَاهُمَا تَسْلِكُونَ وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الَّذِي تُصْرَفُونَ عَنْهُ هُوَ الْحَقُّ
١٢ ‏/ ١٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا قَدْ صَرَفَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الضَّلَالِ، ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ يَقُولُ: وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ وَحُكْمُهُ فِي السَّابِقِ مِنْ عِلْمِهِ، ﴿عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ [يونس: ٣٣] فَخَرَجُوا مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَكَفَرُوا بِهِ؛ ﴿أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ٣٣] يَقُولُ: لَا يُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَلَا بِنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ
١٢ ‏/ ١٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [يونس: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ [يونس: ٣٤] يَعْنِي مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ﴿مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٣٤] يَقُولُ: مَنْ يُنْشِئُ خَلْقَ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، فَيُحْدِثُ خَلْقَهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ يُعِيدُهُ، يَقُولُ: ثُمَّ يَفْنِيهِ بَعْدَ
١٢ ‏/ ١٧٧
إِنْشَائِهِ، ثُمَّ يُعِيدُهُ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْنِيهِ؟ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَعْوَى ذَلِكَ لَهَا. وَفِي ذَلِكَ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ وَالدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا أَرْبَابٌ، وَهِيَ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ شُرَكَاءُ كَاذِبُونَ مُفْتَرُونَ. فَ ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] لَهُمْ حِينَئِذٍ يَا مُحَمَّدُ: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [يونس: ٣٤] فَيُنْشِئْهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَيُحْدِثُهُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ ثُمَّ يَفْنِيهِ إِذَا شَاءَ، ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٤] إِذَا أَرَادَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ الْفَنَاءِ. ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] يَقُولُ: فَأَيُّ وَجْهٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ وَطَرِيقِ الرُّشْدِ تُصْرَفُونَ وَتُقْلَبُونَ. كَمَا
١٢ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [يونس: ٣٤] قَالَ: أَنَّى تُصْرَفُونَ» وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [الأنعام: ٩٥] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ
١٢ ‏/ ١٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ [يونس: ٣٤] الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَذَلِكَ آلِهَتُهُمْ وَأَوْثَانُهُمْ، ﴿مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥] يَقُولُ: مَنْ يُرْشِدُ ضَالًّا مِنْ ضَلَالَتِهِ إِلَى قَصْدِ السَّبِيلِ، وَيُسَدِّدُ جَائِرًا عَنِ الْهُدَى إِلَى وَاضِحِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ
١٢ ‏/ ١٧٨
آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمْ تَرْشُدُ ضَالًّا أَوْ تَهْدِي حَائِرًا. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنِ ادَّعُوا ذَلِكَ لَهَا أَكْذَبَتْهُمُ الْمُشَاهَدَةُ وَأَبَانَ عَجْزَهَا عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِبَارِ بِالْمُعَايَنَةِ، فَإِذَا قَالُوا لَا وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ، فَقُلْ لَهُمْ. فَاللَّهُ يَهْدِي الضَّالَّ عَنِ الْهُدَى إِلَى الْحَقِّ. ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي﴾ [يونس: ٣٥] أَيُّهَا الْقَوْمُ ضَالًّا ﴿إِلَى الْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥] وَجَائِرًا عَنِ الرُّشْدِ إِلَى الرُّشْدِ، ﴿أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ﴾ [يونس: ٣٥] إِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ ﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: ٣٥] وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: «أَمْ مَنْ لَا يَهْدِّي» بِتَسْكِينِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ سَاكِنَيْنِ. وَكَأَنَّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَّهُوَا أَصْلَ الْكَلِمَةِ إِلَى أَنَّهُ: أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي، وَوَجَدُوهُ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِ مَا قَرَّرُوا وَأَنَّ التَّاءَ حُذِفَتْ لَمَّا أُدْغِمَتْ فِي الدَّالِ، فَأَقَرُّوا الْهَاءَ سَاكِنَةً عَلَى أَصْلِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ، وَشَدَّدُوا الدَّالَ طَلَبًا لِإِدْغَامِ التَّاءِ فِيهَا، فَاجْتَمَعَ بِذَلِكَ سُكُونُ الْهَاءِ وَالدَّالِ. وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ [النساء: ١٥٤] وَفِي قَوْلِهِ: ﴿يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩] وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ: «يَهَدِّي» بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ. وَأَمُّوا مَا أَمَّهُ الْمَدَنِيُّونَ مِنَ الْكَلِمَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَرَكَةَ التَّاءِ مِنْ «يَهْتَدِي» إِلَى الْهَاءِ السَّاكِنَةِ، فَحَرَّكُوا بِحَرَكَتِهَا وَأَدْغَمُوا التَّاءَ فِي الدَّالِ فَشَدَّدُوهَا.
١٢ ‏/ ١٧٩
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: «يَهِدِّي» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، بِنَحْوِ مَا قَصَدَهُ قُرَّاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ غَيْرَ أَنَّهُ كُسِرَ الْهَاءُ لِكَسْرَةِ الدَّالِ مِنْ «يَهْتَدِي» اسْتِثْقَالًا لِلْفَتْحَةِ بَعْدَهَا كَسْرَةِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «أَمْ مَنْ لَا يَهْدِي» بِتَسْكِينِ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: هُدِيتَ بِمَعْنَى اهْتَدَيْتَ، قَالُوا: فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي﴾ [يونس: ٣٥] أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي ﴿إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: ٣٥] وَأَوْلَى الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: «أَمْ مَنْ لَا يَهَدِّي» بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلَّةِ لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ صِحَّتَهُ ذُو عِلْمٍ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَفِيهِمُ الْمُنْكَرُ غَيْرُهُ، وَأَحَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقْرَأَ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا كَلَامُ اللَّهِ تبارك وتعالى. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يُهْدَى. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَمْ مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ مَكَانِهِ إِلَّا أَنْ يُنْقَلَ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا
١٢ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: ٣٥] قَالَ: الْأَوْثَانُ، اللَّهُ يَهْدِي مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا مَنْ شَاءَ لِمَنْ ⦗١٨١⦘ شَاءَ»
١٢ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس: ٣٥] قَالَ: قَالَ: الْوَثَنُ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا لَكَمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥] أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنَ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنَ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَيْهِ هَادٍ غَيْرُهُ، فَتَتْرُكُوا اتِّبَاعَ مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْءٍ وَعِبَادَتَهُ وَتَتَّبِعُوا مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ فَتُفْرِدُوهُ بِهَا وَحْدَهُ دُونَ مَا تُشْرِكُونَهُ فِيهَا مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَوْثَانِكُمْ؟
١٢ ‏/ ١٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [يونس: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا ظَنًّا، يَقُولُ: إِلَّا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِحَقِيقَتِهِ وَصِحَّتِهِ، بَلْ هُمْ مِنْهُ فِي شَكٍّ وَرِيبَةٍ. ﴿إَنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [يونس: ٣٦] يَقُولُ: إِنَّ الشَّكَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْيَقِينِ شَيْئًا، وَلَا يَقُومُ فِي شَيْءٍ مَقَامَهُ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى الْيَقِينِ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [يونس: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا يَفْعَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ اتِّبَاعِهِمُ الظَّنَّ وَتَكْذِيبِهِمُ الْحَقَّ الْيَقِينَ، وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، حَيْثُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ ظَنُّهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا
١٢ ‏/ ١٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْقُرْآنِ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَقُولُ:
١٢ ‏/ ١٨١
مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَخَرَّصَهُ أَحَدٌ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ﴾ [آل عمران: ١٦١] بِمَعْنَى: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابُهُ. وَإِنَّمَا هَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِهِ أَنْزَلَهُ إِلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ، وَتَكْذِيبًا مِنْهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: هُوَ شِعْرٌ وَكَهَانَةٌ. وَالَّذِينَ قَالُوا: إِنَّمَا يَتَعَلَّمُهُ مُحَمَّدٌ مِنْ يَعِيشَ الرُّومِيِّ. يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ لِيَخْتَلِقَهُ أَحَدٌ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ. ﴿وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [يونس: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَنْزَلَهُ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ أَيْ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ ﴿وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ﴾ [يونس: ٣٧] يَقُولُ: وَتِبْيَانَ الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَفَرَائِضَهُ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِي السَّابِقِ مِنْ عِلْمِهِ. ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢] يَقُولُ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ تَصْدِيقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَتَفْصِيلُ الْكِتَابِ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا افْتِرَاءٌ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ وَلَا اخْتِلَاقٌ
١٢ ‏/ ١٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ: افْتَرَى مُحَمَّدٌ هَذَا الْقُرْآنَ مِنْ نَفْسِهِ، فَاخْتَلَقَهُ وَافْتَعَلَهُ. قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ: إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ أَنِّي اخْتَلَقْتُهُ وَافْتَرَيْتُهُ، فَإِنَّكُمْ مِثْلِي مِنَ الْعَرَبِ، وَلِسَانِي وَكَلَامِي مِثْلُ لِسَانِكُمْ، فَجِيئُوا بِسُورَةٍ
١٢ ‏/ ١٨٢
مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ﴿مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِ سُورَتِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ «سُورَةٌ» وَأُضِيفَ الْمِثْلُ إِلَى مَا كَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ السُّورَةُ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] يُرَادُ بِهِ: وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَاهُ: فَأْتُوا بِقُرْآنٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ السُّورَةَ إِنَّمَا هِيَ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهِيَ قُرْآنٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ، فَقِيلَ لَهُمْ: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: ٢٣] وَلَمْ يَقُلْ: «مِثْلِهَا»، لِأَنَّ الْكِنَايَةَ أُخْرِجَتْ عَلَى الْمَعْنَى، أَعْنِي مَعْنَى السُّورَةِ، لَا عَلَى لَفْظِهَا، لِأَنَّهَا لَوْ أُخْرِجَتْ عَلَى لَفْظِهَا لَقِيلَ: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا. ﴿وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ﴾ [يونس: ٣٨] يَقُولُ: وَادْعُوا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا مَنْ قَدَرْتُمْ أَنْ تَدْعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَائِكُمْ وَشُرَكَائِكُمْ ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣] يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ، فَأَجْمِعُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَهِدُوا، فَإِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ أَبَدًا. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ، فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يُعِينُكُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّكُمْ كَذْبَةٌ فِي زَعْمِكُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَنْ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَشَرًا
١٢ ‏/ ١٨٣
مِثْلَكَمْ، فَإِذَا عَجَزَ الْجَمِيعُ مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، فَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِهِ أَعْجَزُ
١٢ ‏/ ١٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ تَكْذِيبُكَ، وَلَكَنْ بِهِمُ التَّكْذِيبُ ﴿بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: ٣٩] مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ وَعِيدِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، ﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ [يونس: ٣٩] يَقُولُ: وَلَمَّا يَأْتِهِمْ بَعْدُ بَيَانُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْوَعِيدُ الَّذِي تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ فِي هَذَا الْقُرْآنِ. ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ بِوَعِيدِ اللَّهِ، كَذَلِكَ كَذَّبَ الْأُمَمُ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُمْ بِوَعِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ. ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ عُقْبَى كُفْرِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، أَلَمْ نُهْلِكْ بَعْضَهُمْ بِالرَّجْفَةِ وَبَعْضَهُمْ بِالْخَسْفِ وَبَعْضَهُمْ بِالْغَرَقِ؟ يَقُولُ: فَإِنَّ عَاقِبَةَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَكَ، وَيَجْحَدُونَ بِآيَاتِي مِنْ كُفَّارِ قَوْمِكَ، كَالَّتِي كَانَتْ عَاقِبَةَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ كَفَرَةِ الْأُمَمِ، إِنْ لَمْ يُنِيبُوا مِنْ كُفْرِهِمْ وَيُسَارِعُوا إِلَى التَّوْبَةِ
١٢ ‏/ ١٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ سَوْفَ يُؤْمِنُ بِهِ، يَقُولُ: مَنْ سَوْفَ يُصَدِّقُ بِالْقُرْآنِ، وَيَقِرُّ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ لَا ⦗١٨٥⦘ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ [يونس: ٤٠] أبدًا، يَقُولُ: وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصَدِّقُ بِهِ، وَلَا يَقِرُّ أَبَدًا. ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٤٠] يَقُولُ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْهُمْ، الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِهِ أَبَدًا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ عِقَابِهِ. فَأَمَّا مَنْ كَتَبْتُ لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ مِنْهُمْ فَإِنِّي سَأَتُوبُ عَلَيْهِ
١٢ ‏/ ١٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم: وَإِنْ كَذَّبَكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَرَدُّوا عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ، فَقُلْ لَهُمْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ لِي دِينِي وَعَمَلِي، وَلَكَمْ دِينُكُمْ وَعَمَلُكَمْ، لَا يَضُرُّنِي عَمَلُكُمْ وَلَا يَضُرُّكُمْ عَمَلِي، وَإِنَّمَا يُجَازَى كُلُّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ. ﴿أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ﴾ [يونس: ٤١] لَا تُؤَاخَذُونَ بِجَرِيرَتِهِ، ﴿وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١] لَا أُؤَاخَذُ بِجَرِيرَةِ عَمَلِكُمْ. وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ [الكافرون: ٢] . وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةُ، نَسَخَهَا الْجِهَادُ وَالْأَمْرُ بِالْقِتَالِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكَمْ عَمَلُكُمْ﴾ [يونس: ٤١] . الْآيَةَ، قَالَ: أَمَرَهُ بِهَذَا ثُمَّ نَسْخَهُ، وَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ»
١٢ ‏/ ١٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى قَوْلِكَ. ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ٤٢] يَقُولُ: أَفَأَنْتَ تَخْلُقُ لَهُمُ السَّمْعَ وَلَوْ كَانُوا لَا سَمْعَ لَهُمْ يَعْقِلُونَ بِهِ، أَمْ أَنَا؟ وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ عِبَادَهُ أَنَّ التَّوْفِيقَ لِلْإِيمَانِ بِهِ بِيَدِهِ لَا إِلَى أَحَدٍ سِوَاهُ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: كَمَا أَنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ سَلَبْتُهُ السَّمْعَ، فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ أَمْرِي وَنَهْيِي قَلْبًا سَلَبْتُهُ فَهْمَ ذَلِكَ، لِأَنِّي خَتَمْتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ
١٢ ‏/ ١٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يونس: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، مُشْرِكِي قَوْمِكَ، مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَيَرَى أَعْلَامَكَ وَحُجَجَكَ عَلَى نُبُوَّتِكَ، وَلَكَنَّ اللَّهَ قَدْ سَلَبَهُ التَّوْفِيقَ فَلَا يَهْتَدِي، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَهْدِيَهُ، كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُحْدِثَ لِلْأَعْمَى بَصَرًا يَهْتَدِي بِهِ. ﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾ [يونس: ٤٣] يَقُولُ: أَفَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ تُحْدِثُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَإِلَى أَدِلَّتِكَ وَحُجَجِكَ فَلَا يُوَفَّقُونَ لِلْتَصْدِيقِ بِكَ أَبْصَارًا لَوْ كَانُوا عُمْيًا يَهْتَدُونَ بِهَا وَيُبْصِرُونَ؟ فَكَمَا أَنَّكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا غَيْرُكَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَايَ، فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُبَصِّرَهُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ غَيْرِي، لِأَنَّ ذَلِكَ بِيَدِي وَإِلَيَّ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَسْلِيَةً لِنَبِيِّهِ ﷺ عَنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ وَأَدْبَرَ عَنْهُ فَكَذَّبَ، وَتَعْزِيَةً لَهُ عَنْهُمْ، وَأَمْرًا بِرَفْعِ طَمَعَهُ مِنْ إِنَابَتِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ
١٢ ‏/ ١٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكَنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ بِخَلْقِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْهُ، لَا يُعَاقِبُهُمْ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَلَا يُعَذِّبُهُمْ إِلَّا بِكُفْرِهِمْ بِهِ؛ ﴿وَلَكَنَّ النَّاسَ﴾ [يونس: ٤٤] يَقُولُ: وَلَكَنَّ النَّاسَ هُمُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِاجْتِرَامِهِمْ مَا يُورِثُهَا غَضَبُ اللَّهِ وَسَخَطُهُ. وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، أَنَّهُ لَمْ يُسْلِبْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الْإِيمَانَ ابْتِدَاءً مِنْهُ بِغَيْرِ جُرْمٍ سَلَفَ مِنْهُمْ، وَإِخْبَارٌ أَنَّهُ إِنَّمَا سَلَبَهُمْ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقٍ مِنْهُمْ، سَلَبَهُ لِذُنُوبٍ اكْتَسَبُوهَا، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ قَوْلُ رَبِّهِمْ، ﴿وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٨٧]
١٢ ‏/ ١٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [يونس: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ نَحْشُرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَنَجْمَعُهُمْ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ، كَأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ يَتَعَارَفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ انْقَطَعَتِ الْمَعْرِفَةُ وَانْقَضَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [يونس: ٤٥] قَدْ غَبَنَ الَّذِينَ جَحَدُوا ثَوَابَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ وَحُظُوظَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَهَلَكُوا. ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٦] يَقُولُ: وَمَا كَانُوا مُوَفَّقِينَ لِإِصَابَةِ الرُّشْدَ مِمَّا فَعَلُوا مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ لِأَنَّهُ أَكْسَبَهُمْ ذَلِكَ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ
١٢ ‏/ ١٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾ [يونس: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ فِي حَيَاتِكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الْعَذَابِ، أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قَبْلَ أَنْ نُرِيَكَ ذَلِكَ فِيهِمْ. ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ [يونس: ٤٦] يَقُولُ: فَمَصِيرُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إِلَيْنَا وَمُنْقَلِبُهُمْ. ﴿ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾ [يونس: ٤٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ أَنَا شَاهِدٌ عَلَى أَفْعَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا عَالِمٌ بِهَا لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهَا، وَأَنَا مُجَازِيهِمْ بِهَا عِنْدَ مَصِيرِهِمْ إِلَيَّ وَمَرْجِعِهِمْ جَزَاءَهُمُ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ كَمَا
١٢ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ [يونس: ٤٦] مِنَ الْعَذَابِ فِي حَيَاتِكَ، ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ [يونس: ٤٦] قَبْلُ، ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ [يونس: ٤٦]» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ.
١٢ ‏/ ١٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ خَلَتْ قَبْلَكَمْ أَيُّهَا النَّاسُ رَسُولٌ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْهِمْ، ⦗١٨٩⦘ كَمَا أَرْسَلْتُ مُحَمَّدًا إِلَيْكُمْ يَدْعُونَ مَنْ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَيْهِمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. ﴿فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ﴾ [يونس: ٤٧] يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ؛ كَمَا
١٢ ‏/ ١٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ﴾ [يونس: ٤٧] قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ: ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٤٧] يَقُولُ قُضِيَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٤٧] مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا، وَلَكَنْ يُجَازَى الْمُحْسِنُ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِمَّا أَنْ يُعَاقِبَهُ اللَّهُ، وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَالْكَافِرُ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ؛ فَذَلِكَ قَضَاءُ اللَّهِ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ لَا شَكَّ عَدْلٌ لَا ظُلْمٌ
١٢ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٤٧] قَالَ: بِالْعَدْلِ»
١٢ ‏/ ١٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ [يونس: ٤٨] الَّذِي تَعِدُنَا أَنَّهُ يَأْتِينَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ وَذَلِكَ قِيَامُ السَّاعَةِ؛ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] أَنْتَ وَمَنْ تَبِعَكَ فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [يونس: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُسْتَعْجِلِيكَ وَعِيدَ اللَّهِ، الْقَائِلِينَ لَكَ: مَتَى
١٢ ‏/ ١٨٩
يَأْتِينَا الْوَعْدُ الَّذِي تَعِدُنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ: ﴿لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي﴾ [الأعراف: ١٨٨] أَيُّهَا الْقَوْمُ؛ أَيْ لَا أَقْدِرُ لَهَا عَلَى ضَرٍّ وَلَا نَفْعٍ فِي دُنْيَا وَلَا دِينٍ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْلِكَهُ فَأَجْلِبَهُ إِلَيْهَا بِإِذْنِهِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ لَهُمْ: فَإِذَا كُنْتُ لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَنَا عَنِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الْغَيْبِ وَمَعْرِفَةِ قِيَامِ السَّاعَةِ أَعْجَزُ وَأَعْجَزُ، إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَإِذْنِهِ لِي فِي ذَلِكَ. ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾ [يونس: ٤٩] يَقُولُ: لِكُلِّ قَوْمٍ مِيقَاتٌ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمْ وَأَجَلِهِمْ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ انْقِضَاءِ أَجَلِهِمْ وَفَنَاءِ أَعْمَارِهِمْ، لَا يَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً فَيُمْهَلُونَ وَيُؤَخَّرُونَ، وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحِينِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ
١٢ ‏/ ١٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَيَاتًا، يَقُولُ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَجَاءَتِ السَّاعَةُ، وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ أَتَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ؟ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ الْمُجْرِمُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ؟ وَهُمُ الصَّالُونَ بِحَرِّهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ
١٢ ‏/ ١٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [يونس: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَهُنَالِكَ إِذَا وَقَعَ عَذَابُ اللَّهِ بِكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ آمَنْتُمْ بِهِ، يَقُولُ: صَدَّقْتُمْ بِهِ فِي حَالِ لَا يَنْفَعُكُمْ فِيهَا التَّصْدِيقُ، وَقِيلَ لَكَمْ حِينَئِذٍ: آلْآنَ تُصَدِّقُونَ بِهِ، وَقَدْ كُنْتُمْ قَبْلَ الْآنَ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ، وَأَنْتُمْ بِنُزُولِهِ مُكَذِّبُونَ فَذُوقُوا الْآنَ مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. ⦗١٩١⦘ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَثُمَّ﴾ [يونس: ٥١] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَهُنَالِكَ وَلَيْسَتْ «ثُمَّ» هَذِهِ هَاهُنَا الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْعَطْفِ
١٢ ‏/ ١٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [يونس: ٥٢] أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ [يونس: ٥٢] تَجَرَّعُوا عَذَابَ اللَّهِ الدَّائِمَ لَكَمْ أَبَدًا، الَّذِي لَا فَنَاءَ لَهُ وَلَا زَوَالَ. ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٥٢] يَقُولُ: يُقَالُ لَهُمْ: فَانْظُرُوا ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ﴾ [يونس: ٥٢] أَيْ هَلْ تُثَابُونَ ﴿إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٥٢] يَقُولُ: إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي حَيَاتِكُمْ قَبْلَ مَمَاتِكُمْ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ
١٢ ‏/ ١٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [يونس: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَسْتَخْبِرُكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ فَيَقُولُونَ لَكَ. أَحَقٌّ مَا تَقُولُ وَمَا تَعِدُنَا بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ جَزَاءً عَلَى مَا كُنَّا نَكْسِبُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ فِي الدُّنْيَا؟ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِي اللَّهَ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ بِكُمْ بِهَرَبٍ أَوْ امْتِنَاعٍ، بَلْ أَنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ، إِذْا أَرَادَ فَعَلَ ذَلِكَ بِكُمْ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ
١٢ ‏/ ١٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٥٤]
١٢ ‏/ ١٩١
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ كَفَرَتْ بِاللَّهِ. وَظُلْمُهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: عِبَادَتُهَا غَيْرَ مَنْ يَسْتَحِقُّ عِبَادَةً وَتَرْكُهَا طَاعَةَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ. ﴿مَا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٩] مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، ﴿لَافْتَدَتْ بِهِ﴾ [يونس: ٥٤] يَقُولُ: لَافْتَدَتْ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِذَا عَايَنَتْهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [يونس: ٥٤] يَقُولُ: وَأَخْفَتْ رُؤَسَاءُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وُضَعَائِهِمْ وَسَفَلَتِهِمُ النَّدَامَةَ حِينَ أَبْصَرُوا عَذَابَ اللَّهِ قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ. ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٥٤] يَقُولُ: وَقَضَى اللَّهُ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ الْأَتْبَاعِ وَالرُّؤَسَاءِ مِنْهُمْ بِالْعَدْلِ. ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨١] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا بِجَرِيرَتِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ بِذَنْبِ أَحَدٍ، وَلَا يُعَذِّبُ إِلَّا مَنْ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنْذَرْ وَتَابَعَ عَلَيْهِ الْحُجَجَ
١٢ ‏/ ١٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَلَا إِنَّ كُلَّ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَكُلَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ لِلَّهِ مِلْكٌ، لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ. يَقُولُ: فَلَيْسَ لِهَذَا الْكَافِرِ بِاللَّهِ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يَمْلِكُهُ فَيَفْتَدِي بِهِ مِنْ عَذَابِ رَبِهِ، وَإِنَّمَا الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا لِلَّذِي إِلَيْهِ عِقَابُهُ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ افْتَدَى بِمَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ بَدَلًا مِنْ عَذَابِهِ فَيُصْرَفُ بِهَا عَنْهُ الْعَذَابُ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا شَيْءَ لَهُ يَفْتَدِي بِهِ مِنْهُ، وَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِ عَذَابُ اللَّهِ. يَقُولُ اللَّهُ
١٢ ‏/ ١٩٢
جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [يونس: ٥٥] يَعْنِي أَنَّ عَذَابَهُ الَّذِي أَوْعَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ حَقٌّ، فَلَا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَسْتَعْجِلُوا بِهِ فَإِنَّهُ بِهِمْ وَاقِعٌ لَا شَكَّ. ﴿وَلَكَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٣٧] يَقُولُ: وَلَكَنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ وُقُوعِ ذَلِكَ بِهِمْ، فَهُمْ مِنْ أَجْلِ جَهْلِهِمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ
١٢ ‏/ ١٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يونس: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلَ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ مِنْ إِحْيَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَرَادَ إِحْيَاءَهُمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، وَلَا إِمَاتَتُهُمْ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ، وَهُمْ إِلَيْهِ يَصِيرُونَ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ فَيُعَايِنُونَ مَا كَانُوا بِهِ مُكَذِّبِينَ مِنْ وَعِيدِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ
١٢ ‏/ ١٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِخَلْقِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [يونس: ٥٧] يَعْنِي ذِكْرَى تُذَكِّرُكُمْ عِقَابَ اللَّهِ وَتُخَوِّفُكُمْ وَعِيدَهُ مِنْ رَبِّكُمْ. يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ لَمْ يَخْتَلِقْهَا مُحَمَّدٌ ﷺ وَلَمْ يَفْتَعِلْهَا أَحَدٌ، فَتَقُولُوا: لَا نَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ لَا صِحَّةَ لَهَا. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ الْمَوْعِظَةُ مِنَ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ [يونس: ٥٧] يَقُولُ: وَدَوَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الْجَهْلِ، يَشْفِي بِهِ اللَّهُ جَهْلَ الْجُهَّالِ، فَيُبْرِئُ بِهِ دَاءَهُمْ وَيَهْدِي بِهِ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ أَرَادَ هِدَايَتَهُ بِهِ. ﴿وَهُدًى﴾ [البقرة: ٩٧] يَقُولُ: وَهُوَ بَيَانٌ لِحَلَالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ، وَدَلِيلٌ عَلَى طَاعَتِهِ
١٢ ‏/ ١٩٣
وَمَعْصِيَتِهِ. ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: ١٥٧] يَرْحَمُ بِهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، فَيَنْقِذُهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى، وَيُنْجِيهِ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَالرَّدَى. وَجَعَلَهُ تبارك وتعالى رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ دُونَ الْكَافِرِينَ بِهِ، لِأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ عَمًّى، وَفِي الْآخِرَةِ جَزَاؤُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ الْخُلُودُ فِي لَظًى
١٢ ‏/ ١٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِكَ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ: ﴿بِفَضْلِ اللَّهِ﴾ [يونس: ٥٨] أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَبَيَّنَهُ لَكَمْ وَدَعَاكُمْ إِلَيْهِ، ﴿وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] الَّتِي رَحِمَكُمْ بِهَا، فَأَنْزَلَهَا إِلَيْكُمْ، فَعَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِهِ، وَبَصَّرَكُمْ بِهَا مَعَالِمَ دِينِكُمْ؛ وَذَلِكَ الْقُرْآنُ. ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] يَقُولُ: فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَالْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ، خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا، وَأَمْوَالِهَا وَكُنُوزِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ ⦗١٩٥⦘ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: بِفَضْلِ اللَّهِ الْقُرْآنِ وَبِرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِهِ»
١٢ ‏/ ١٩٤
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هَدَاكُمْ، وَبِالْقُرَآنِ الَّذِي عَلَّمَكُمْ»
١٢ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: بِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ: ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ»
١٢ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: فَضْلُ اللَّهِ: الْإِسْلَامُ، وَرَحْمَتُهُ: الْقُرْآنُ»
١٢ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ» ⦗١٩٦⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَقَبِيصَةَ، قَالَا: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] أَمَّا فَضْلُهُ: فَالْإِسْلَامُ، وَأَمَّا رَحْمَتُهُ: فَالْقُرْآنُ»
١٢ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: فَضْلُهُ: الْإِسْلَامُ، وَرَحْمَتُهُ: الْقُرْآنُ»
١٢ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: الْقُرْآنِ»
١٢ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: الْقُرْآنِ»
١٢ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: الْأَمْوَالَ وَغَيْرَهَا»
١٢ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنِي أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗١٩٧⦘ عَبَّاسٍ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] يَقُولُ: فَضْلُهُ: الْإِسْلَامُ، وَرَحْمَتُهُ: الْقُرْآنُ»
١٢ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالٍ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْإِسْلَامِ. ﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْفَضْلُ: الْقُرْآنُ، وَالرَّحْمَةُ: الْإِسْلَامُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: بِفَضْلِ اللَّهِ: الْقُرْآنِ، وَبِرَحْمَتِهِ: حِينَ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ»
١٢ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: «فَضْلُ اللَّهِ: الْقُرْآنُ، وَرَحْمَتُهُ: الْإِسْلَامُ»
١٢ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: بِفَضْلِ ⦗١٩٨⦘ اللَّهِ: الْقُرْآنِ، وَبِرَحْمَتِهِ، الْإِسْلَامِ»
١٢ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: فَضْلُهُ: الْقُرْآنُ، وَرَحْمَتُهُ: الْإِسْلَامُ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلَهُ: ﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس: ٥٨] بِالْيَاءِ، ﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] بِالْيَاءِ أَيْضًا عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ. يَقُولُ: فَبِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ فَلْيَفْرَحُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، لَا بِالْمَالِ الَّذِي يَجْمَعُونَ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَجْمَعُونَ. وَكَذَلِكَ
١٢ ‏/ ١٩٨
حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، «﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] يَعْنِي الْكُفَّارَ» وَرُوِي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ مَا
١٢ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَسْلَمَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» بِالتَّاءِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنْ ⦗١٩٩⦘ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: غَيْرَ أَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأُ قَوْلَهُ: ﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] بِالْيَاءِ؛ الْأَوَّلُ عَلَى وَجْهِ الْخَطَّابِ، وَالثَّانِي عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْ غَائِبٍ. وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْقَارِئُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأُ ذَلِكَ نَحْوَ قِرَاءَةِ أُبَيِّ بِالتَّاءِ جَمِيعًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ قِرَاءَةِ الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا بِالْيَاءِ: ﴿فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: ٥٨] لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَأْمُرُ الْمُخَاطَبَ بِاللَّامِ وَالتَّاءِ، وَإِنَّمَا تَأْمُرُهُ فَتَقُولُ افْعَلْ، وَلَا تَفْعَلْ. وَبَعْدُ: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَرْدِئُ أَمْرَ الْمُخَاطَبِ بِاللَّامِ، وَيَرَى أَنَّهَا لُغَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا غَيْرُ الْفَرَّاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّامَ فِي ذِي التَّاءِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ وَاجَهَتْ بِهِ أَمْ لَمْ تُوَاجِهْ، إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ حَذَفَتِ اللَّامَ ⦗٢٠٠⦘ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ الْمُوَاجِهْ لِكَثْرَةِ الْأَمْرِ خَاصَّةً فِي كَلَامِهِمْ، كَمَا حَذَفُوا التَّاءَ مِنَ الْفِعْلِ. قَالَ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْجَازِمَ وَالنَّاصِبَ لَا يَقَعَانِ إِلَّا عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي أَوَّلُهُ الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ وَالْأَلِفُ، فَلَمَّا حُذِفَتِ التَّاءُ ذَهَبَتِ اللَّامُ وَأُحْدِثَتِ الْأَلِفُ فِي قَوْلِكَ: اضْرِبْ وَافْرَحْ، لِأَنَّ الْفَاءَ سَاكِنَةٌ، فَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يُسْتَأْنَفَ بِحَرْفٍ سَاكِنٍ، فَأَدْخَلُوا أَلِفًا خَفِيفَةً يَقَعُ بِهَا الِابْتِدَاءُ، كَمَا قَالَ: ﴿ادَّارَكُوا﴾ [الأعراف: ٣٨] وَ﴿اثَّاقَلْتُمْ﴾ [التوبة: ٣٨] وَهَذَا الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ الْفَرَّاءُ عَلَيْهِ لَا لَهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِنْ كَانَتْ قَدْ حَذَفَتِ اللَّامَ فِي الْمُوَاجِهْ وَتَرَكْتَهَا، فَلَيْسَ لِغَيْرِهَا إِذَا نَطَقَ بِكَلَامِهَا أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهُ مَا دَامَ مُتَكَلِّمًا بَلَغْتِهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ خَارِجًا عَنْ لُغَتِهَا، وَكَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ بِلِسَانِهَا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْلُوهُ إِلَّا بِالْأَفْصَحِ مِنْ كَلَامِهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بَعْضُ ذَلِكَ مِنْ لُغَةِ بَعْضِهَا، فَكَيْفَ بِمَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ مِنْ لُغَةِ حَيٍّ وَلَا قَبِيلَةٍ مِنْهَا؟ وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى لَا ثَبْتَ بِهَا وَلَا حُجَّةً
١٢ ‏/ ١٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩]
١٢ ‏/ ٢٠٠
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ [الأنعام: ٤٦] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ﴾ [يونس: ٥٩] يَقُولُ: مَا خَلَقَ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الرِّزْقِ فَخَوَّلَكُمُوهُ، وَذَلِكَ مَا تَتَغَذُّونَ بِهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ؛ ﴿فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: ٥٩] يَقُولُ: فَحَلَّلْتُمْ بَعْضَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَحَرَّمْتُمْ بَعْضَهُ عَلَيْهَا؛ وَذَلِكَ كَتَحْرِيمِهِمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ مِنْ حُرُوثِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْعَلُونَهَا لِأَوْثَانِهِمْ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ [الأنعام: ١٣٦] وَمِنَ الْأَنْعَامِ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ بِالتَّبْحِيرِ وَالتَّسْيِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ [يونس: ٥٩] بِأَنْ تُحَرِّمُوا مَا حَرَّمْتُمْ مِنْهُ ﴿أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: ٥٩] أَيْ تَقُولُونَ الْبَاطِلَ وَتَكْذِبُونَ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُحَرِّمُونَ أَشْيَاءً أَحَلَّهَا اللَّهُ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا﴾ [يونس: ٥٩] وَهُوَ هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ. . .﴾ [الأعراف: ٣٢]» الْآيَةَ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …