الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٥] أَيُّهَا الْقَوْمُ إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ، مَنِ الْهَلَاكِ؛ ﴿مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ [هود: ٣٩] يَقُولُ: الَّذِي يَأْتِيهِ عَذَابُ اللَّهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ يَهِينُهُ وَيُذِلُّهُ، ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٩] يَقُولُ: وَيَنْزِلُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ ذَلِكَ عَذَابٌ دَائِمٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ، مُقِيمٌ عَلَيْهِ أَبَدًا. وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: وَيَصْنَعُ نُوحٌ الْفُلْكَ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا الَّذِي وَعَدْنَاهُ أَنْ يَجِيءَ قَوْمَهُ مِنَ الطُّوفَانِ الَّذِي يُغْرِقُهُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: انْبَجَسَ الْمَاءُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَفَارَ التَّنُّورُ، وَهُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٠١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: التَّنُّورُ: وَجْهُ الْأَرْضِ. قَالَ: قِيلَ لَهُ: إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَارْكَبْ أَنْتَ وَمَنْ ⦗٤٠٢⦘ مَعَكَ» قَالَ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي وَجْهَ الْأَرْضِ: تَنُّورَ الْأَرْضِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، بِنَحْوِهِ
١٢ / ٤٠١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: وَجْهُ الْأَرْضِ»
١٢ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: وَجْهُ الْأَرْضِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ تَنْوِيرُ الصُّبْحِ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَوَّرَ الصُّبْحُ تَنْوِيرًا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبَّاسٍ، مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ ⦗٤٠٣⦘ عَنْهُ، قَوْلُهُ: «﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: هُوَ تَنْوِيرُ الصُّبْحِ»
١٢ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِسْرَائِيلَ قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ زِيَادِ مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: تَنْوِيرُ الصُّبْحِ»
١٢ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَةَ، أُرَاهُ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: تَنْوِيرُ الصُّبْحِ»
١٢ / ٤٠٣
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: طَلَعَ الْفَجْرُ»
١٢ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَفَارَ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَشْرَفَ مَكَانٌ فِيهَا بِالْمَاءِ. وَقَالَ: التَّنُّورُ أَشْرَفُ الْأَرْضِ. ⦗٤٠٤⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ أَعْلَى الْأَرْضِ وَأَشْرَفُهَا، وَكَانَ عِلْمًا بَيْنَ نُوحٍ وَبَيْنَ رَبِّهِ»
١٢ / ٤٠٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: أَشْرَفُ الْأَرْضِ وَأَرْفَعُهَا فَارَ الْمَاءُ مِنْهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ التَّنُّورُ الَّذِي يُخْتَبَزُ فِيهِ، ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ تَنُّورَ أَهْلِكَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ فَإِنَّهُ هَلَاكُ قَوْمِكَ»
١٢ / ٤٠٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانَ تَنُّورًا مِنْ حِجَارَةٍ كَانَ لِحَوَّاءَ حَتَّى صَارَ إِلَى نُوحٍ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ يَفُورُ مِنَ التَّنُّورِ فَارْكَبْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ»
١٢ / ٤٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: حِينَ انْبَجَسَ الْمَاءُ وَأُمِرَ نُوحٌ أَنْ يَرْكَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ»
١٢ / ٤٠٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: انْبَجَسَ الْمَاءُ مِنْهُ آيَةً أَنْ يَرْكَبَ بِأَهْلِهِ، وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: آيَةً أَنْ يُرَكِّبَ أَهْلَهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: آيَةً بِأَنْ يَرْكَبَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ
١٢ / ٤٠٥
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «نَبَعَ الْمَاءُ فِي التَّنُّورِ، فَعَلِمَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْهُ. قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ»
١٢ / ٤٠٥
قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ ⦗٤٠٦⦘ الشَّعْبِيِّ: «أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا فَارَ التَّنُّورُ إِلَّا مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ»
١٢ / ٤٠٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ الْخَزَّازُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: فَارَ التَّنُّورُ بِالْهِنْدِ»
١٢ / ٤٠٦
حُدِّثْتُ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] كَانَ آيَةً لِنُوحٍ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَاءُ فَقَدْ أَتَى النَّاسَ الْهَلَاكُ وَالْغَرَقُ» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى فَارَ: نَبَعَ
١٢ / ٤٠٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: نَبَعَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفَوَرَانِ الْمَاءِ سَوْرَةُ دَفْعَتِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: فَارَ الْمَاءُ يَفُورُ فَوَرَانًا وَفَوْرًا، وَذَاكَ إِذَا سَارَتْ دَفْعَتُهُ. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ التَّنُّورُ ⦗٤٠٧⦘ الَّذِي يُخْبَزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَلَامُ اللَّهِ لَا يُوَجَّهُ إِلَّا إِلَى الْأَغْلَبِ الْأَشْهَرِ مِنْ مَعَانِيهِ عِنْدَ الْعَرَبِ إِلَّا أَنْ تَقُومَ حُجَّةٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُسَلَّمُ لَهَا. وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ لِإِفْهَامِهِمْ مَعْنَى مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ. ﴿قُلْنَا﴾ [هود: ٤٠] لِنُوحٍ حِينَ جَاءَ عَذَابُنَا قَوْمَهُ الَّذِي، وَعَدْنَا نُوحًا أَنْ نُعَذِّبَهُمْ بِهِ، وَفَارَ التَّنُّورُ الَّذِي جَعَلْنَا فَوَرَانَهُ بِالْمَاءِ آيَةَ مَجِيءِ عَذَابِنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لَهَلَاكِ قَوْمِهِ: ﴿احْمِلْ فِيهَا﴾ [هود: ٤٠] يَعْنِي فِي الْفُلْكِ ﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: مِنْ كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. كَمَا
١٢ / ٤٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صَنْفٍ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٤٠٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] فَالْوَاحِدُ زَوْجٌ، وَالزَّوْجَيْنِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ»
١٢ / ٤٠٧
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ» قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٤٠٨⦘ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٤٠٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: مِنْ كُلِّ صِنْفٍ اثْنَيْنِ»
١٢ / ٤٠٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] يَعْنِي بِالزَّوْجَيْنِ اثْنَيْنِ: ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى» وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: الزَّوْجَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الِاثْنَانِ، قَالَ: وَيُقَالُ عَلَيْهِ زَوْجَا نِعَالٍ: إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَعْلَانِ، وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ زَوْجُ نِعَالٍ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ زَوْجَا حَمَامٍ، وَعَلَيْهِ زَوْجَا قُيُودٍ. وَقَالَ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [النجم: ٤٥] فَإِنَّمَا هُمَا اثْنَانِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: فَجَعَلَ الزَّوْجَيْنِ: الضَّرْبَيْنِ، الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، قَالَ: وَزَعَمَ يُونُسُ أَنَّ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَعْدُو عَلَى كُلِّ غِرَّةٍ … فَتُخْطِئُ فِيهَا مَرَّةً وَتُصِيبُ
يَعْنِي بِهِ الذِّئْبَ. قَالَ: فَهَذَا أَشَذُّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخِرُ مِنْهُمُ: الزَّوْجُ: اللَّوْنُ، قَالَ: وَكُلُّ ضَرْبٍ يُدْعَى لَوْنًا، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ
[البحر الطويل] وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَعْدُو عَلَى كُلِّ غِرَّةٍ … فَتُخْطِئُ فِيهَا مَرَّةً وَتُصِيبُ
يَعْنِي بِهِ الذِّئْبَ. قَالَ: فَهَذَا أَشَذُّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ آخِرُ مِنْهُمُ: الزَّوْجُ: اللَّوْنُ، قَالَ: وَكُلُّ ضَرْبٍ يُدْعَى لَوْنًا، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ
١٢ / ٤٠٨
الْأَعْشَى فِي ذَلِكَ:
[البحر البسيط] وَكُلُّ زَوْجٍ مِنَ الدِّيبَاجِ يَلْبَسُهُ … أَبُو قُدَامَةَ مَحْبُوًّا بِذَاكَ مَعَا
وَبِقَولِ لَبِيدٍ:
[البحر الطويل] بِذِي بَهْجَةٍ كَنَّ الْمَقَانِبُ صَوْبَهُ … وَزَيَّنَهُ أَزْوَاجُ نُورٍ مُشَرَّبِ
وَذُكِرَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات: ٤٩] السَّمَاءُ زَوْجٌ، وَالْأَرْضُ زَوْجٌ، وَالشِّتَاءُ زَوْجٌ، وَالصَّيْفُ زَوْجٌ، وَاللَّيْلُ زَوْجٌ، وَالنَّهَارُ زَوْجٌ، حَتَّى يَصِيرَ الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ الْفَرْدِ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: وَاحْمِلْ أَهْلَكَ أَيْضًا فِي الْفُلْكِ، يَعْنِي بِالْأَهْلِ: وَلَدَهُ وَنِسَاءَهُ وَأَزْوَاجَهُ ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: إِلَّا مَنْ قُلْتُ فِيهِمْ إِنِّي مَهْلِكُهُ مَعَ مَنْ أَهْلِكُ مِنْ قَوْمِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي اسْتَثَنَاهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بَعْضُ نِسَاءِ نُوحٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
[البحر البسيط] وَكُلُّ زَوْجٍ مِنَ الدِّيبَاجِ يَلْبَسُهُ … أَبُو قُدَامَةَ مَحْبُوًّا بِذَاكَ مَعَا
وَبِقَولِ لَبِيدٍ:
[البحر الطويل] بِذِي بَهْجَةٍ كَنَّ الْمَقَانِبُ صَوْبَهُ … وَزَيَّنَهُ أَزْوَاجُ نُورٍ مُشَرَّبِ
وَذُكِرَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات: ٤٩] السَّمَاءُ زَوْجٌ، وَالْأَرْضُ زَوْجٌ، وَالشِّتَاءُ زَوْجٌ، وَالصَّيْفُ زَوْجٌ، وَاللَّيْلُ زَوْجٌ، وَالنَّهَارُ زَوْجٌ، حَتَّى يَصِيرَ الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ الْفَرْدِ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: وَاحْمِلْ أَهْلَكَ أَيْضًا فِي الْفُلْكِ، يَعْنِي بِالْأَهْلِ: وَلَدَهُ وَنِسَاءَهُ وَأَزْوَاجَهُ ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: إِلَّا مَنْ قُلْتُ فِيهِمْ إِنِّي مَهْلِكُهُ مَعَ مَنْ أَهْلِكُ مِنْ قَوْمِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي اسْتَثَنَاهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بَعْضُ نِسَاءِ نُوحٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ⦗٤١٠⦘: «﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: الْعَذَابُ، هِيَ امْرَأَتُهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ فِي الْعَذَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ ابْنُهُ الَّذِي غَرِقَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٠٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: ابْنُهُ غَرِقَ فِيمَنْ غَرِقَ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: وَاحْمِلْ مَعَهُمْ مَنْ صَدَّقَكَ وَاتَّبَعَكَ مِنْ قَوْمِكَ. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] يَقُولُ: وَمَا أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ مَعَ نُوحٍ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا قَلِيلٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا مَعَهُ فَحَمَلَهُمْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ: كَانُوا ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤١٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ فِي السَّفِينَةِ إِلَّا نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ وَثَلَاثَةُ بَنِيهِ، وَنِسَاؤُهُمْ، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ»
١٢ / ٤١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ: «﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: نُوحٌ، وَثَلَاثَةٌ بَنِيهِ، وَأَرْبَعٌ كَنَائِنِهِ»
١٢ / ٤١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «حُدِّثْتُ أَنَّ نُوحًا حَمَلَ مَعَهُ بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ، وَثَلَاثَ نِسْوَةٍ لِبَنِيهِ، وَامْرَأَةَ نُوحٍ، فَهُمْ ثَمَانِيَةٌ بِأَزْوَاجِهِمْ. وَأَسْمَاءُ بَنِيهِ: يَافِثُ، وَسَامُ، وَحَامُ، وَأَصَابَ حَامُ زَوْجَتَهُ فِي السَّفِينَةِ، فَدَعَا نُوحٌ أَنْ يُغَيِّرَ نُطْفَتَهُ فَجَاءَ بِالسُّودَانِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا سَبْعَةَ أَنْفُسٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤١١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ: «﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] قَالَ: كَانُوا سَبْعَةً: نُوحٌ، وَثَلَاثُ كَنَائِنَ لَهُ، وَثَلَاثَةُ بَنِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا عَشَرَةً سِوَى نِسَائِهِمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤١١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا فَارَ التَّنُّورُ، حَمَلَ ⦗٤١٢⦘ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَكَانُوا قَلِيلًا كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَحَمَلَ بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ: سَامَ، وَحَامَ، وَيَافِثَ، وَنِسَاءَهُمْ، وَسِتَّةَ أَنَاسِيٍّ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ، فَكَانُوا عَشَرَةَ نَفَرٍ بِنُوحٍ، وَبَنِيهِ وَأَزْوَاجِهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «حَمَلَ نُوحٌ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانِينَ إِنْسَانًا»
١٢ / ٤١٢
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: «كَانُوا ثَمَانِينَ، يَعْنِي الْقَلِيلَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠]»
١٢ / ٤١٢
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: ثَنِي حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: ثَنِي أَبُو نَهِيكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ ثَمَانُونَ رَجُلًا، أَحَدُهُمْ جُرْهُمُ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا ⦗٤١٣⦘ قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] يَصِفُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلًا، وَلَمْ يُحَدِّدْ عَدَدَهُمْ بِمِقْدَارٍ وَلَا خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَحِيحٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ فِي ذَلِكَ حَدَّ اللَّهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِمَبْلَغِ عَدَدِ ذَلِكَ حَدٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ أَثَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٢ / ٤١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هود: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ نُوحٌ: ارْكَبُوا فِي الْفُلْكِ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِاهَا وَمُرْسَاهَا. وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدِ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْخَبَرِ عَلَيْهِ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] فَحَمَلَهُمْ نُوحٌ فِيهَا وَقَالَ لَهُمُ: ارْكَبُوا فِيهَا. فَاسْتَغْنى بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا﴾ [هود: ٤١] عَنْ حَمْلِهِ إِيَّاهُمْ فِيهَا، فَتَرَكَ ذِكْرَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: ٤١] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ: «بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا. وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ مِنْ أَجْرَى وَأَرْسَى، وَكَانَ فِيهِ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ: أَحَدُهُمَا الرَّفْعُ بِمَعْنَى: بِسْمِ اللَّهِ إِجْرَاؤُهَا وَإِرْسَاؤُهَا، فَيَكُونُ الْمُجْرَى وَالْمُرْسَى مَرْفُوعَيْنِ حِينَئِذٍ بِالْبَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ﴾ [الفاتحة: ١] وَالْآخَرُ بِالنَّصْبِ، بِمَعْنَى: بِسْمِ اللَّهِ عِنْدَ إِجْرَائِهَا وَإِرْسَائِهَا، أَوْ وَقْتَ إِجْرَائِهَا وِإِرْسَائِهَا،
١٢ / ٤١٣
فَيَكُونُ قَوْلُهُ: «بِسْمِ اللَّهِ» كَلَامًا مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ، ثُمَّ يَكُونُ الْمُجْرَى وَالْمُرْسَى مَنْصُوبَيْنِ عَلَى مَا نَصَبَتِ الْعَرَبُ قَوْلَهُمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ سِرَارَكَ وَإِهْلَالَكَ، يَعْنُونَ الْهِلَالَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلَ الْهِلَالِ وَآخِرَهُ، وَمَسْمُوعٌ مِنْهُمْ أَيْضًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا إِهْلَالَكَ إِلَى سِرَارَكَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْراهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: ٤١] بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ «مَجْراهَا»، وَضَمِّهَا مِنْ «مُرْسَاهَا»، فَجَعَلُوا «مَجْرِاهَا» مَصْدَرًا مِنْ جَرَى يَجْرِي مَجْرًى، وَمُرْسَاهَا مِنْ أَرْسَى يُرْسِي إِرْسَاءً. وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ فِي إِعْرَابِهِمَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ نَحْوُ الَّذِي فِيهِمَا إِذَا قُرِئَا: «مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا عَلَى مَا بَيَّنْتُ. وَرُوِي عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «بِسْمِ اللَّهِ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا» بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا، وَيُصَيِّرُهُمَا نَعْتًا لِلَّهِ. وَإِذَا قُرِئَا كَذَلِكَ، كَانَ فِيهِمَا أَيْضًا وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ، غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا الْخَفْضُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَجْهَيِ الْإِعْرَابِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: بِسْمِ اللَّهِ مُجْرِي الْفُلْكَ وَمُرْسِيهَا، فَالْمُجْرِي نَعْتٌ لِاسْمِ اللَّهِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ يَحْسُنُ دُخُولُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْمُجْرِي وَالْمُرْسِي، كَقَوْلِكَ بِسْمِ اللَّهِ الْمُجْرِيهَا وَالْمُرْسِيهَا، وَإِذَا حُذِفَتَا نُصِبَتَا عَلَى الْحَالِ، إِذْ كَانَ فِيهِمَا مَعْنَى النَّكِرَةِ، وَإِنْ كَانَا مُضَافَيْنِ إِلَى الْمَعْرِفَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا “، بِفَتْحِ الْمِيمِ
١٢ / ٤١٤
فِيهِمَا جَمِيعًا، مِنْ جَرَى وَرَسَا؛ كَأَنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ فِي حَالِ جَرْيِهَا وَحَالِ رُسُوِّهَا، وَجَعَلَ كِلْتَا الصِّفَتَيْنِ لِلْفُلْكِ كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ:
[البحر الكامل] فَصَبَرْتُ نَفْسًا عِنْدَ ذَلِكَ حُرَّةً … تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ
وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُهَا فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْراهَا﴾ [هود: ٤١] بِفَتْحِ الْمِيمِ ﴿وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: ٤١] بِضَمِّ الْمِيمِ، بِمَعْنَى: بِسْمِ اللَّهِ حِينَ تَجْرِي وَحِينَ تَرْسِي. وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ الْفَتْحَ فِي مِيمِ «مَجْراهَا» لِقُرْبِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ [هود: ٤٢] وَلَمْ يَقُلْ: تُجْرِي بِهِمْ. وَمَنْ قَرَأَ: «بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا» كَانَ الصَّوَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ أَنْ يَقْرَأَ: وَهِيَ تُجْرِي بِهِمْ. وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ «تَجْرِي» بِفَتْحِ التَّاءِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ فِي «مَجْراهَا» فَتْحُ الْمِيمِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الضَّمَّ فِي «مُرْسَاهَا» لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى ضَمِّهَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﴿مَجْراهَا﴾ [هود: ٤١] مَسِيرَهَا ﴿وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: ٤١] وَقْفَهَا، مِنْ وَقَفَهَا اللَّهُ وَأَرْسَاهَا. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا
[البحر الكامل] فَصَبَرْتُ نَفْسًا عِنْدَ ذَلِكَ حُرَّةً … تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ
وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُهَا فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْراهَا﴾ [هود: ٤١] بِفَتْحِ الْمِيمِ ﴿وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: ٤١] بِضَمِّ الْمِيمِ، بِمَعْنَى: بِسْمِ اللَّهِ حِينَ تَجْرِي وَحِينَ تَرْسِي. وَإِنَّمَا اخْتَرْتُ الْفَتْحَ فِي مِيمِ «مَجْراهَا» لِقُرْبِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ [هود: ٤٢] وَلَمْ يَقُلْ: تُجْرِي بِهِمْ. وَمَنْ قَرَأَ: «بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا» كَانَ الصَّوَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ أَنْ يَقْرَأَ: وَهِيَ تُجْرِي بِهِمْ. وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ «تَجْرِي» بِفَتْحِ التَّاءِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ فِي «مَجْراهَا» فَتْحُ الْمِيمِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الضَّمَّ فِي «مُرْسَاهَا» لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى ضَمِّهَا. وَمَعْنَى قَوْلِهِ ﴿مَجْراهَا﴾ [هود: ٤١] مَسِيرَهَا ﴿وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: ٤١] وَقْفَهَا، مِنْ وَقَفَهَا اللَّهُ وَأَرْسَاهَا. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقْرَأُ ذَلِكَ بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا
١٢ / ٤١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» قَالَ: حِينَ يَرْكَبُونَ وَيَجْرُونَ وَيُرْسُونَ
١٢ / ٤١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ حِينَ يَجُرُونَ وَحِينَ يُرْسُونَ
١٢ / ٤١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مُجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» قَالَ: إِذَا أَرَادَ أَنْ تَرْسِيَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَأَرْسَتْ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ تَجْرِيَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَجَرَتْ وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هود: ٤١] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي لَسَاتِرٌ ذُنُوبَ مَنْ تَابَ، وَأَنَابَ إِلَيْهِ، رَحِيمٌ بِهِمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ بَعْدَ التَّوْبَةِ
١٢ / ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود: ٤٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ﴾ [هود: ٤٢] وَالْفُلْكُ تَجْرِي بِنُوحٍ وَمَنْ مَعَهُ فِيهَا ﴿فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] يَامَ ﴿وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ [هود: ٤٢] عَنْهُ لَمْ يَرْكَبْ مَعَهُ الْفُلْكَ: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا﴾ [هود: ٤٢] الْفُلْكَ ﴿وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود: ٤٢]
١٢ / ٤١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ
١٢ / ٤١٦
مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ ابْنُ نُوحٍ لَمَّا دَعَاهُ نُوحٌ إِلَى أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ السَّفِينَةَ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنَ الْغَرَقِ: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ [هود: ٤٣] يَقُولُ: سَأَصِيرُ إِلَى جَبَلٍ أَتَحَصَّنُ بِهِ مِنَ الْمَاءِ. فَيَمْنَعُنِي مِنْهُ أَنْ يُغْرِقَنِيَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَعْصِمُنِي﴾ [هود: ٤٣] يَمْنَعُنِي، مِثْلُ عِصَامِ الْقِرْبَةِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُهَا، فَيَمْنَعُ الْمَاءُ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣] يَقُولُ: لَا مَانِعَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِالْخَلْقِ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْهَلَاكِ إِلَّا مَنْ رَحِمَنَا، فَأَنْقَذَنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ الَّذِي يَمْنَعُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَيَعْصِمُ. فَـ «مَنْ» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا عَاصِمَ يَعْصِمُ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ «مَنْ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّ الْمَعْصُومَ بِخِلَافِ الْعَاصِمِ، وَالْمَرْحُومُ مَعْصُومُ؛ قَالَ: كَأَنَّ نَصْبَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] قَالَ: وَمَنْ اسْتَجَازَ «اتِّبَاعُ الظَّنِّ» وَالرَّفْعَ فِي قَوْلِهِ:
[البحر الرجز] وَبَلَدُةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ … إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
لَمْ يَجُزْ لَهُ الرَّفْعُ فِي «مَنْ»، لِأَنَّ الَّذِي قَالَ: إِلَّا الْيَعَافِيرُ، جَعَلَ أَنِيسَ الْبَرِّ الْيَعَافِيرَ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] يَقُولُ عِلْمُهُمْ ظَنٌّ. قَالَ:
[البحر الرجز] وَبَلَدُةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ … إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
لَمْ يَجُزْ لَهُ الرَّفْعُ فِي «مَنْ»، لِأَنَّ الَّذِي قَالَ: إِلَّا الْيَعَافِيرُ، جَعَلَ أَنِيسَ الْبَرِّ الْيَعَافِيرَ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] يَقُولُ عِلْمُهُمْ ظَنٌّ. قَالَ:
١٢ / ٤١٧
وَأَنْتَ لَا يَجُوزُ لَكَ فِي وَجْهٍ أَنْ تَقُولَ: الْمَعْصُومُ هُوَ عَاصِمٌ فِي حَالٍ، وَلَكِنْ لَوْ جَعَلْتَ الْعَاصِمَ فِي تَأْوِيلِ مَعْصُومٍ، لَا مَعْصَومَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، لَجَازَ رَفْعُ «مَنْ» . قَالَ: وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَخْرُجَ الْمَفْعُولُ عَلَى فَاعِلٍ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ: ﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق: ٦] مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَدْفُوقٍ؟ وَقَوْلُهُ: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] مَعْنَاهَا: مَرْضِيَّةٍ؟ قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا … وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي
وَمَعْنَاهُ: الْمَكْسُوُّ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣] عَلَى: لَكِنْ مَنْ رَحِمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى: لَا ذَا عِصْمَةِ: أَيْ مَعْصُومٍ، وَيَكُونُ «إِلَّا مَنْ رَحِمَ» رَفْعًا بَدَلًا مِنَ الْعَاصِمَ. وَلَا وَجْهَ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَجَّهُ إِلَى الْأَفْصَحِ الْأَشْهَرِ مِنْ كَلَامِ مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلَمْ يَضْطَرُّنَا شَيْءٌ إِلَى أَنْ نَجْعَلَ «عَاصِمًا» فِي مَعْنَى «مَعْصُومٍ»، وَلَا أَنْ نَجْعَلَ «إِلَّا» بِمَعْنَى «لَكِنْ»، إِذْ كُنَّا نَجِدُ لِذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مَخْرَجًا صَحِيحًا، وَهُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: قَالَ نُوحٌ: لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَنَا فَأَنْجَانَا مِنْ عَذَابِهِ، كَمَا يُقَالُ: لَا مُنَجِيَ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا مُطْعِمَ الْيَوْمَ مِنْ طَعَامِ زَيْدٍ إِلَّا زَيْدٌ. فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْنَى الْمَفْهُومِ.
[البحر البسيط] دَعِ الْمَكَارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِهَا … وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي
وَمَعْنَاهُ: الْمَكْسُوُّ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣] عَلَى: لَكِنْ مَنْ رَحِمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى: لَا ذَا عِصْمَةِ: أَيْ مَعْصُومٍ، وَيَكُونُ «إِلَّا مَنْ رَحِمَ» رَفْعًا بَدَلًا مِنَ الْعَاصِمَ. وَلَا وَجْهَ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَنْ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَجَّهُ إِلَى الْأَفْصَحِ الْأَشْهَرِ مِنْ كَلَامِ مَنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلَمْ يَضْطَرُّنَا شَيْءٌ إِلَى أَنْ نَجْعَلَ «عَاصِمًا» فِي مَعْنَى «مَعْصُومٍ»، وَلَا أَنْ نَجْعَلَ «إِلَّا» بِمَعْنَى «لَكِنْ»، إِذْ كُنَّا نَجِدُ لِذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مَخْرَجًا صَحِيحًا، وَهُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: قَالَ نُوحٌ: لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَنَا فَأَنْجَانَا مِنْ عَذَابِهِ، كَمَا يُقَالُ: لَا مُنَجِيَ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا مُطْعِمَ الْيَوْمَ مِنْ طَعَامِ زَيْدٍ إِلَّا زَيْدٌ. فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْنَى الْمَفْهُومِ.
١٢ / ٤١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: ٤٣] يَقُولُ: وَحَالَ بَيْنَ نُوحٍ وَابْنِهِ مَوْجُ الْمَاءِ، فَغَرَقَ، فَكَانَ مِمَّنْ أَهْلَكَهُ اللَّهُ بِالْغَرَقِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ ﷺ
١٢ / ٤١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٤٤] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ اللَّهُ لِلْأَرْضِ بَعْدَ مَا تَنَاهَى أَمْرُهُ فِي هَلَاكِ قَوْمِ نُوحٍ بِمَا أَهْلَكَهُمْ بِهِ مِنَ الْغَرَقِ: ﴿يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ﴾ [هود: ٤٤] أَيْ تَشَرَّبِي، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: بَلَعَ فُلَانٌ كَذَا يَبْلَعُهُ، أَوْ بَلَعَهُ يَبْلَعُهُ إِذَا إِزْدَرَدَهُ. ﴿وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ [هود: ٤٤] يَقُولُ: أَقْلِعِي عَنِ الْمَطَرِ: أَمْسِكِي. ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ [هود: ٤٤] ذَهَبَتْ بِهِ الْأَرْضُ وَنَشَّفَتْهُ. ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [البقرة: ٢١٠] يَقُولُ: قُضِيَ أَمْرُ اللَّهِ، فَمَضَى بِهَلَاكِ قَوْمِ نُوحٍ. ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] يَعْنِي الْفُلْكَ. اسْتَوَتْ: أُرْسَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، وَهُوَ جَبَلٌ فِيمَا ذُكِرَ بِنَاحِيَةِ الْمَوْصِلِ أَوْ الْجَزِيرَةِ. ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٤٤] يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ: أَبْعَدَ اللَّهُ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ
١٢ / ٤١٩
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْغَفُورِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ، فَصَامَ هُوَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَهُ، وَجَرَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى الْمُحَرَّمِ، فَأَرْسَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَ ⦗٤٢٠⦘ نُوحٌ وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْوَحْشِ وَالدَّوَابِّ فَصَامُوا شُكْرًا لِلَّهِ»
١٢ / ٤١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «كَانَتِ السَّفِينَةُ أَعْلَاهَا لِلطَّيْرِ، وَوَسَطَهَا لِلنَّاسِ، وَفِي أَسْفَلِهَا السِّبَاعُ، وَكَانَ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، دُفِعَتْ مِنْ عَيْنِ وَرَدَةٍ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِعَشْرٍ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَأُرْسَتْ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا، وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْيَمَنُ، ثُمَّ رَجَعَتْ»
١٢ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَبَطَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ يَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ
١٢ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: «كَانَ فِي زَمَنِ نُوحٍ شِبْرٌ مِنَ الْأَرْضِ لَا إِنْسَانَ يَدَّعِيهِ»
١٢ / ٤٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا يَعْنِي الْفُلْكَ اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رجَبٍ، وَكَانَتْ فِي الْمَاءِ خَمْسِينَ وَمِئَةَ يَوْمٍ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْجُودِيِّ شَهْرًا، وَأُهْبِطَ بِهِمْ فِي عَشْرٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَغِيَضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ [هود: ٤٤] قَالَ: نَقَصَ. ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [البقرة: ٢١٠] قَالَ: هَلَاكُ قَوْمِ نُوحٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ [هود: ٤٤] نَشَّفَتْهُ الْأَرْضُ
١٢ / ٤٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ [هود: ٤٤] يَقُولُ: أَمْسِكِي ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ [هود: ٤٤] يَقُولُ: ذَهَبَ ⦗٤٢٢⦘ الْمَاءُ»
١٢ / ٤٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ [هود: ٤٤] الْغُيُوضُ: ذِهَابُ الْمَاءِ»
١٢ / ٤٢٢
﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤]
١٢ / ٤٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] قَالَ: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ مِنَ الْغَرَقِ، وَتَوَاضَعَ هُوَ لِلَّهِ فَلَمْ يَغْرَقْ، فَأُرْسِيَتْ عَلَيْهِ»
١٢ / ٤٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] قَالَ: الْجُودِيُّ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، تَشَامَخَتِ الْجِبَالُ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْغَرَقِ وَتَطَاوَلَتْ، وَتَوَاضَعَ هُوَ لِلَّهِ فَلَمْ يَغْرَقْ، وَأُرْسِيَتْ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٤٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] يَقُولُ: عَلَى الْجَبَلِ، وَاسْمُهُ ⦗٤٢٣⦘ الْجُودِيُّ»
١٢ / ٤٢٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ: «﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] قَالَ: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ شَمَخَتِ الْجِبَالُ وَتَوَاضَعَ حِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَرْفَأَ عَلَيْهِ سَفِينَةُ نُوحٍ»
١٢ / ٤٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] أَبْقَاهَا اللَّهُ لَنَا بِوَادِي أَرْضِ الْجَزِيرَةِ عِبْرَةً وَآيَةً»
١٢ / ٤٢٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤] هُوَ جَبَلٌ بِالْمَوْصِلِ»
١٢ / ٤٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نُوحًا بَعَثَ الْغُرَابَ لَيَنْظُرَ إِلَى الْمَاءِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ الْحَمَامَةَ، فَأَتَتْهُ بِوَرَقِ الزَّيْتُونِ، فَأُعْطِيَتِ الطَّوْقَ الَّذِي فِي عُنُقِهَا، وَخِضَابَ رِجْلَيْهَا»
١٢ / ٤٢٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ ذَلِكَ يَعْنِي الطُّوفَانَ أَرْسَلَ رِيحًا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَسَكَنَ الْمَاءُ، وَاسْتَدَّتْ يَنَابِيعُ الْأَرْضِ الْغِمْرَ الْأَكْبَرِ، وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ؛ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ⦗٤٢٤⦘ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾ [هود: ٤٤] إِلَى: ﴿بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٤٤] فَجَعَلَ يَنْقُصُ وَيَغِيضُ وَيُدْبِرُ. وَكَانَ اسْتِوَاءُ الْفُلْكِ عَلَى الْجُودِيِّ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْهُ، فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ، رُئِيَ رُءُوسُ الْجِبَالِ. فَلَمَّا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، فَتَحَ نُوحٌ كَوَّةَ الْفُلْكِ الَّتِي صَنَعَ فِيهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ الْغُرَابَ لَيَنْظُرَ لَهُ مَا فَعَلَ الْمَاءُ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ، فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَجِدْ لِرِجْلَيْهَا مَوْضِعًا، فَبَسَطَ يَدَهُ لِلْحَمَامَةِ فَأَخَذَهَا، ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا لِتَنْظُرَ لَهُ، فَرَجَعَتْ حِينَ أَمْسَتْ، وَفِي فِيهَا وَرَقُ زَيْتُونَةٍ، فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ قَلَّ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ. ثُمَّ مَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا فَلَمْ تَرْجِعْ، فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ بَرَزَتْ، فَلَمَّا كَمُلَتِ السُّنَّةُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ إِلَى أَنْ أَرْسَلَ نُوحُ الْحَمَامَةَ وَدَخَلَ يَوْمٌ وَاحِدٌ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَرَزَ وَجْهُ الْأَرْضِ، فَظَهَرَ الْيَبَسُ، وَكَشَفَ نُوحٌ غِطَاءَ الْفُلْكِ، وَرَأَى وَجْهَ الْأَرْضِ. وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ فِي سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْهُ قِيلَ لِنُوحٍ: ﴿اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود: ٤٨]»
١٢ / ٤٢٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «تَزْعُمُ أُنَاسٌ أَنَّ مَنْ غَرِقَ مِنَ الْوِلْدَانِ مَعَ آبَائِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا الْوِلْدَانُ بِمَنْزِلَةِ الطَّيْرِ وَسَائِرِ مَنْ أَغْرَقَ اللَّهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وَلَكِنْ ⦗٤٢٥⦘ حَضَرَتْ آجَالُهُمْ فَمَاتُوا لِآجَالِهِمْ، وَالْمُدْرِكُونَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَانَ الْغَرَقُ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ مَصِيرُهُمْ إِلَى النَّارِ»
١٢ / ٤٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ، فَقَالَ: رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ تُنْجِيَنِي مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَلَاكِ وَأَهْلِي، وَقَدْ هَلَكَ ابْنِي، وَابْنِي مِنْ أَهْلِي. ﴿وَإِنَّ وَعَدَكَ الْحَقُّ﴾ [هود: ٤٥] الَّذِي لَا خَلْفَ لَهُ. ﴿وَأَنْتَ أَحْكُمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود: ٤٥] بِالْحَقِّ، فَاحْكُمْ لِي بِأَنْ تَفِي بِمَا وَعَدْتَنِي مِنْ أَنْ تُنْجِيَ لِي أَهْلِي، وَتُرْجِعَ إِلَيَّ ابْنِي. كَمَا:
١٢ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَنْتَ أَحْكُمُ الْحَاكِمِينَ﴾ [هود: ٤٥] قَالَ: أَحْكُمُ الْحَاكِمِينَ بِالْحَقِّ»
١٢ / ٤٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٦] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ يَا نُوحُ إِنَّ الَّذِي غَرَّقْتُهُ فَأَهْلَكْتُهُ الَّذِي تَذْكُرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَيْسَ مِنْ وَلَدِكَ هُوَ مِنْ غَيْرِكَ. وَقَالُوا: كَانَ ذَلِكَ مِنْ حِنْثٍ. ⦗٤٢٦⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٢٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُهُ»
١٢ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: «﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] قَالَ: ابْنَ امْرَأَتِهِ»
١٢ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، فِيهِمُ الْحَسَنُ، قَالَ: “لَا وَاللَّهُ مَا هُوَ بِابْنِهِ
١٢ / ٤٢٦
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: «﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] قَالَ: هَذِهِ بِلُغَةِ طَيِّئٍ لَمْ يَكُنِ ابْنَهُ، كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ»
١٢ / ٤٢٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، وَمَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: “﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: لَمْ يَكُنْ ابْنُهُ. وَكَانَ يَقْرَؤُهَا: «(إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ)»
١٢ / ٤٢٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ، فَقَالَ: ﴿نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢]، لَعَمْرُ اللَّهِ مَا هُوَ ابْنَهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] وَتَقُولُ: لَيْسَ بِابْنِهِ؟ قَالَ: أَفَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ مَعَكَ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ ابْنُهُ. قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَكْذِبُونَ “
١٢ / ٤٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿«إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»﴾ [هود: ٤٦]، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهِ مَا كَانَ ابْنُهُ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم: ١٠] قَالَ سَعِيدٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، قَالَ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِفَ
١٢ / ٤٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: تَبَيَّنَ لِنُوحٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ»
١٢ / ٤٢٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: بَيَّنَ اللَّهُ لِنُوحٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ ⦗٤٢٨⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] قَالَ: نَادَاهُ وَهُوَ يَحْسِبُهُ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَكَانَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ
١٢ / ٤٢٧
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: «﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ لَنَجَا»
١٢ / ٤٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، وَسَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: نَرَى أَنَّ مَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»، مِنْ أَجْلِ ابْنِ نُوحٍ
١٢ / ٤٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِابْنِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٢٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] قَالَ: ⦗٤٢٩⦘ هُوَ ابْنُهُ»
١٢ / ٤٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هُوَ ابْنُهُ، مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ»
١٢ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ مَعَكَ»
١٢ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هُوَ ابْنُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي الْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ»، قَالَ عِكْرِمَةُ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: إِنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ صَالِحٍ، وَالْخِيَانَةُ تَكُونُ عَلَى غَيْرِ بَابٍ
١٢ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: «كَانَ ابْنُهُ، وَلَكِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَهُ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦]»
١٢ / ٤٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَسْأَلُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِ الْكَعْبَةِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، تَعَالَى: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ [التحريم: ١٠] قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالزِّنَا، وَلَكِنْ كَانَتْ هَذِهِ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَكَانَتْ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى الْأَضْيَافِ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦]»
١٢ / ٤٣٠
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَأَخْبَرَنِي عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ أَنَّهُ: سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «كَانَ ابْنَ نُوحٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَكْذِبُ. قَالَ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَا فَجَرَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ»
١٢ / ٤٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ وَهُوَ الصَّادِقُ، وَهُوَ ابْنُهُ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢]»
١٢ / ٤٣٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ»
١٢ / ٤٣٠
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا بِشْرٍ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: «لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ، وَلَيْسَ مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنَجِيَهُمْ» قَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ هُشَيْمٌ: كَانَ عَامَّةُ مَا كَانَ يُحَدِّثُنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ ⦗٤٣١⦘ جُبَيْرٍ
١٢ / ٤٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: أَتَى سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ابْنُ نُوحٍ ابْنُهُ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ فَعَصَى، فَقَالَ: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ [هود: ٤٣] ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] لِمَعْصِيَةِ نَبِيِّ اللَّهِ “
١٢ / ٤٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَرَأَيْتَكَ ابْنَ نُوحٍ: ابْنُهُ؟ فَسَبَّحَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُحَدِّثُ اللَّهُ مُحَمَّدًا: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] وَتَقُولُ لَيْسَ مِنْهُ وَلَكِنْ خَالَفَهُ فِي الْعَمَلِ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ»
١٢ / ٤٣١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ ابْنُهُ، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢]»
١٢ / ٤٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، قَالَا: «هُوَ ابْنُهُ»
١٢ / ٤٣١
حَدَّثَنِي فَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْكُوفِيُّ، قَالَ: قَالَ بَزِيعٍ: سَأَلَ رَجُلٌ الضَّحَّاكَ عَنِ ابْنِ نُوحٍ، فَقَالَ: «أَلَا تَعْجَبُونَ إِلَى هَذَا الْأَحْمَقِ يَسْأَلُنِي عَنِ ابْنِ نُوحٍ؟ وَهُوَ ابْنُ نُوحٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: قَالَ نُوحٌ لِابْنِهِ»
١٢ / ٤٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، أَنَّهُ قَرَأَ: «﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] وَقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِكَ. قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِكَ، وَلَا مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَ مِنْ أَهْلِكَ. ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: يَقُولُ: كَانَ عَمَلُهُ فِي شِرْكٍ»
١٢ / ٤٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «هُوَ وَاللَّهِ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ»
١٢ / ٤٣٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ، وَلَا مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُ، وَكَانَ ابْنُهُ لِصُلْبِهِ»
١٢ / ٤٣٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] يَقُولُ: لَيْسَ مِمَّنْ وَعَدْنَاهُ النَّجَاةَ»
١٢ / ٤٣٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] يَقُولُ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِكَ، وَلَا مِمَّنْ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَ مِنْ أَهْلِكَ. ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ ⦗٤٣٣⦘ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] يَقُولُ: كَانَ عَمَلُهُ فِي شِرْكٍ»
١٢ / ٤٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونٍ، وَثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَالَا: «هُوَ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْجِيَهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ لِدِينِكَ مُخَالِفًا وَبِي كَافِرًا. وَكَانَ ابْنَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَقَالَ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢] وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَيَكُونَ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ، إِذْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: ٤٦] مُحْتَمِلًا مِنَ الْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا، وَمُحْتَمِلًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكَ، ثُمَّ يَحْذِفُ «الدِّينَ» فَيُقَالُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] بِتَنْوِينِ عَمَلٍ وَرَفْعِ غَيْرٍ، وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّ مَسْأَلَتَكَ إِيَّايَ هَذِهِ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: إِنَّ مَسْأَلَتَكَ إِيَّايَ هَذِهِ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»
١٢ / ٤٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] أَيْ سُوءٍ ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦]»
١٢ / ٤٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] يَقُولُ: سُؤَالُكَ عَمَّا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»
١٢ / ٤٣٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: سُؤَالُكَ إِيَّايَ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ؛ ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: إِنَّ الَّذِي ذَكَرْتَ أَنَّهُ ابْنُكَ، فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَنْجِيَهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ أَيْ أَنَّهُ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ. وَقَالُوا: الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّهُ» عَائِدَةٌ عَلَى الِابْنِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَرَأَ: «﴿عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: مَا هُوَ وَاللَّهِ بِابْنِهِ» وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ: (إِنَّهُ عَمِلَ غيرَ صَالِحٍ) عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَ«غَيْرَ» مَنْصُوبَةً. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ ⦗٤٣٥⦘ كَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ
١٢ / ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: ﴿«عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ»﴾ [هود: ٤٦] وَوَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى مَا
١٢ / ٤٣٥
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا غُنْدَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود: ٤٦] قَالَ: كَانَ مُخَالِفًا فِي النِّيَّةِ وَالْعَمَلِ «وَلَا نَعْلَمُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ قَرَأَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ غَيْرِ صَحِيحِ السَّنَدِ، وَذَلِكَ حَدِيثٌ رُوِيَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ فَمَرَّةً يَقُولُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَمَرَّةً يَقُولُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، وَلَا نَعْلَمُ لِبِنْتِ يَزِيدَ، وَلَا نَعْلَمُ لِشَهْرٍ سَمَاعًا يَصِحُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ⦗٤٣٦⦘ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ رَفْعُ» عَمَلٌ «بِالتَّنْوِينِ، وَرَفْعُ» غَيْرُ»، يَعْنِي: إِنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ مَا تَسْأَلْنِيهِ فِي ابْنِكَ الْمُخَالِفِ دِينَكَ الْمَوَالِي أَهْلَ الشِّرْكِ بِي مِنَ النَّجَاةِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَقَدْ مَضَتْ إِجَابَتِي إِيَّاكَ فِي دُعَائِكَ: ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] مَا قَدْ مَضَى مِنْ غَيْرِ اسْتِثَنَاءِ أَحَدٍ مِنْهُمْ؛ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ لِأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مِنْكَ إِلَيَّ أَنْ لَا أَفْعَلَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي الْقَوْلُ بِأَنِّي أَفْعَلُهُ فِي إِجَابَتِي مَسْأَلَتَكَ إِيَّايَ فِعْلَهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْعَمَلُ غَيْرُ الصَّالِحِ وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦] نَهْي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ نُوحًا أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ أَسْبَابِ أَفْعَالِهِ الَّتِي قَدْ طَوَى عِلْمَهَا عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ. يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنِّي يَا نُوحُ قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ سُؤَالِكَ سَبَبَ إِهْلَاكِي ابْنَكَ الَّذِي أَهْلَكْتُهُ، فَلَا تَسْأَلْنِ بَعْدَهَا عَمَّا قَدْ طَوَيْتُ عِلْمَهُ عَنْكَ مِنْ أَسْبَابِ أَفْعَالِي، وَلَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ فِي مَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٦]
١٢ / ٤٣٥
مَا: حَدَّثَنِي بِهِ، يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٦] أَنْ تَبْلُغَ الْجَهَالَةُ بِكَ أَنْ لَا أَفِي لَكَ بِوَعْدٍ وَعَدْتُكَ حَتَّى تَسْأَلَنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؛ ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: ٤٧]» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٦] بِكَسْرِ النُّونِ ⦗٤٣٧⦘ وَتَخْفِيفِهَا، وَنَحَوْا بِكَسْرِهَا إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى الْيَاءِ الَّتِي هِيَ كِنَايَةُ اسْمِ اللَّهِ ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ﴾ [هود: ٤٦] وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ، وَبَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ: (فَلَا تَسْأَلَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفَتْحِهَا، بِمَعْنَى: فَلَا تَسْأَلَنَّ يَا نُوحُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا تَخْفِيفُ النُّونِ وَكَسْرِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُسْتَعْمَلُ بَيْنَهُمْ
١٢ / ٤٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَنْ إِنَابَةِ نُوحٍ عليه السلام بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ مِنْ زَلَّتِهِ فِي مَسْأَلَتِهِ الَّتِي سَأَلَهَا رَبَّهُ فِي ابْنِهِ ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ﴾ [هود: ٤٧] أَيْ أَسْتَجِيرُ بِكَ أَنْ أَتَكَلَّفَ مَسْأَلَتَكَ، ﴿مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ [هود: ٤٧] مِمَّا قَدِ اسْتَأْثَرْتَ بِعِلْمِهِ، وَطَوَيْتَ عَلِمَهُ عَنْ خَلْقِكَ، فَاغْفِرْ لِي زَلَّتِي فِي مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ مَا سَأَلْتُكَ فِي ابْنِي، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَغْفِرْهَا لِي وَتَرْحَمْنِي فَتَنْقِذْنِي مِنْ غَضَبِكَ ﴿أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: ٤٧] يَقُولُ: مِنَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا وَهَلَكُوا
١٢ / ٤٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ﴾ [هود: ٤٨] مِنَ الْفُلْكِ إِلَى الْأَرْضِ ﴿بِسَلَامٍ
١٢ / ٤٣٧
مِنَّا﴾ [هود: ٤٨] يَقُولُ: بِأَمْنٍ مِنَّا أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ مِنْ إِهْلَاكِنَا، ﴿وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ﴾ [هود: ٤٨] يَقُولُ: وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ، ﴿وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨] يَقُولُ: وَعَلَى قُرُونٍ تَجِيءُ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ مَعَكَ مِنْ وَلَدِكَ، فَهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ وَبَارَكْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَأَصْلَابِ آبَائِهِمْ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نُوحًا عَمَّا هُوَ فَاعِلٌ بِأَهْلِ الشَّقَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، فَقَالَ لَهُ: ﴿وَأُمَمٌ﴾ [هود: ٤٨] يَقُولُ: وَقُرُونٌ وَجَمَاعَةٌ، ﴿سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ [هود: ٤٨] فِي الْحَيَاةِ فِي الدُّنْيَا؛ يَقُولُ: نَرْزُقُهُمْ فِيهَا مَا يَتَمَتَّعُونَ بِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغُوا آجَالَهُمْ. ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود: ٤٨] يَقُولُ: ثُمَّ نُذِيقُهُمْ إِذَا وَرَدُوا عَلَيْنَا عَذَابًا مُؤْلِمًا مُوجِعًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: «﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: دَخَلَ فِي ذَلِكَ السَّلَامِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ وَالْمَتَاعِ كُلُّ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
١٢ / ٤٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ: «﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨] قَالَ: دَخَلَ فِي السَّلَامِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَفِي ⦗٤٣٩⦘ الشِّرْكِ كُلُّ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ»
١٢ / ٤٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قِرَاءَةً عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨] يَعْنِي مِمَّنْ لَمْ يُولَدْ، قَدْ قَضَى الْبَرَكَاتِ لِمَنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ السَّعَادَةُ. ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ [هود: ٤٨] مِمَّنْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ الشَّقَاوَةُ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ [هود: ٤٨] مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، مِمَّنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ الشَّقَاوَةُ. قَالَ: وَلَمْ يُهْلِكْ الْوِلْدَانَ يَوْمَ غَرِقَ قَوْمُ نُوحٍ بِذَنْبِ آبَائِهِمْ كَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ، وَلَكِنْ جَاءَ أَجَلُهُمْ مَعَ الْغَرَقِ
١٢ / ٤٣٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ [هود: ٤٨] قَالَ: هَبَطُوا وَاللَّهُ عَنْهُمْ رَاضٍ، هَبَطُوا بِسَلَامٍ مِنَ اللَّهِ، كَانُوا أَهْلَ رَحْمَةٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الدَّهْرِ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهُمْ نَسْلًا بَعْدَ ذَلِكَ أُمَمًا، مِنْهُمْ مَنْ رَحِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَذَّبَ. وَقَرَأَ: ﴿وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ [هود: ٤٨] وَذَلِكَ إِنَّمَا افْتَرَقَتِ الْأُمَمُ مِنْ تِلْكَ ⦗٤٤٠⦘ الْعِصَابَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَسَلِمَتْ»
١٢ / ٤٣٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨] الْآيَةَ، يَقُولُ: بَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ لَمْ يُولَدُوا، أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ الْبَرَكَاتِ لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ السَّعَادَةِ. ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ [هود: ٤٨] يَعْنِي: مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود: ٤٨] لِمَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنَ الشَّقَاوَةِ»
١٢ / ٤٤٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ سُورَةَ هُودٍ، فَأَتَى عَلَى: ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ﴾ [هود: ٤٨] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ، قَالَ الْحَسَنُ: فَأَنْجَى اللَّهُ نُوحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَهَلَكَ الْمُتَمَتِّعُونَ حَتَّى ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: أَنْجَاهُ اللَّهُ وَهَلَكَ الْمُتَمَتِّعُونَ “
١٢ / ٤٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود: ٤٨] قَالَ: بَعْدَ الرَّحْمَةِ»
١٢ / ٤٤٠
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ، ⦗٤٤١⦘ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ، يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [هود: ٤٨] قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ حِينَ بَعَثَ اللَّهُ عَادًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ هُودًا، فَصَدَّقَهُ مُصَدِّقُونَ وَكَذَّبَهُ مُكَذِّبُونَ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ؛ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ نَجَّى اللَّهُ هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَمَتِّعِينَ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ ثَمُودَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ صَالِحًا، فَصَدَّقَهُ مُصَدِّقُونَ وَكَذَّبَهُ مُكَذِّبُونَ، حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ؛ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ نَجَّى اللَّهُ صَالِحًا، وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُتَمَتِّعِينَ، ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا عَلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا»
١٢ / ٤٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: هَذِهِ الْقِصَّةُ الَّتِي أَنْبَأْتُكَ بِهَا مِنْ قِصَّةِ نُوحٍ وَخَبَرِهِ وَخَبَرِ قَوْمِهِ ﴿مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ٤٤] يَقُولُ: هِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ الَّتِي لَمْ تَشْهَدْهَا فَتَعْلَمُهَا، ﴿نُوحِيهَا إِلَيْكَ﴾ [هود: ٤٩] يَقُولُ: نُوحِيهَا إِلَيْكَ نَحْنُ فَنُعَرِّفُكَهَا ﴿مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾ [هود: ٤٩] الْوَحْيِ الَّذِي نُوحِيهِ إِلَيْكَ، فَاصْبِرْ عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ، وَمَا تَلْقَى مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، كَمَا صَبَرَ نُوحٌ. ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: ٤٩] يَقُولُ: إِنَّ الْخَيْرَ مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فَأَدَّى فَرَائِضَهُ، وَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ فَهُمُ الْفَائِزُونَ بِمَا يُؤَمَّلُونَ مِنَ النَّعِيمِ فِي الْآخِرَةِ وَالظَّفْرِ فِي الدُّنْيَا بِالطِّلْبَةِ، كَمَا كَانَتْ عَاقِبَةُ نُوحٍ إِذْ صَبَرَ لِأَمْرِ اللَّهِ أَنْ نَجَّاهُ مِنَ
١٢ / ٤٤١
الْهَلَكَةِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَعْطَاهُ فِي الْآخِرَةِ مَا أَعْطَاهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَغَرَّقَ الْمُكَذِّبِينَ بِهِ فَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعَهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾ [هود: ٤٩] الْقُرْآنِ، وَمَا كَانَ عِلْمُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَقَوْمُهُ مَا صَنَعَ نُوحٌ وَقَوْمُهُ، لَوْلَا مَا بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ»
١٢ / ٤٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ [هود: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى قَوْمِ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ دُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ. ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: ٥٩] يَقُولُ: لَيْسَ لَكُمْ مَعْبُودٌ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ عَلَيْكُمْ غَيْرُهُ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَأَفْرِدُوهُ بِالْأُلُوهَةِ ﴿إِنَّ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ [هود: ٥٠]⦗٤٤٣⦘ يَقُولُ: مَا أَنْتُمْ فِي إِشْرَاكِكُمْ مَعَهُ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ إِلَّا أَهْلُ فِرْيَةٍ مُكَذِّبُونَ، تَخْتَلِقُونَ الْبَاطِلَ، لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ سِوَاهُ
١٢ / ٤٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَخَلْعِ الْأَوْثَانِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْهَا جَزَاءً وَثَوَابًا ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [هود: ٥١] يَقُولُ: إِنْ ثَوَابِيَ وَجَزَائِيَ عَلَى نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَدُعَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ، إِلَّا عَلَى الَّذِي خَلَقَنِي ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٤٤] يَقُولُ: أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنِّي لَوْ كُنْتُ أَبْتَغِي بِدِعَايَتِكُمْ إِلَى اللَّهِ غَيْرَ النَّصِيحَةِ لَكُمْ وَطَلَبَ الْحَظِّ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَلْتَمَسْتُ مِنْكُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضَ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا، وَطَلَبْتُ مِنْكُمُ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ؟
١٢ / ٤٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [هود: ٥١] أَيْ خَلَقَنِي»
١٢ / ٤٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [هود: ٥٢] يَقُولُ: آمِنُوا بِهِ حَتَّى يَغْفِرَ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.
١٢ / ٤٤٣
وَالِاسْتِغْفَارُ: هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ هُودًا ﷺ، إِنَّمَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ، كَمَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى﴾ [نوح: ٤] وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٣] يَقُولُ: ثُمَّ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ سَالِفِ ذُنُوبِكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ غَيْرَهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود: ٥٢] يَقُولُ: فَإِنَّكُمْ إِنْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ، وَتُبْتُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ بِهِ، أَرْسَلَ قَطْرَ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ يُدِرُّ لَكُمُ الْغَيْثَ فِي وَقْتِ حَاجَتِكُمْ إِلَيْهِ، وَتَحْيَا بِلَادُكُمْ مِنَ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٤٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿مِدْرَارًا﴾ [الأنعام: ٦] يَقُولُ: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا»
١٢ / ٤٤٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود: ٥٢] قَالَ: يَدِرُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَطْرًا وَمَطَرًا» ⦗٤٤٥⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: ٥٢] فَإِنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
١٢ / ٤٤٤
مَا حَدَّثَنِي بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: ٥٢] قَالَ: شِدَّةً إِلَى شِدَّتِكُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ: قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ
١٢ / ٤٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: ٥٢] قَالَ: جَعَلَ لَهُمْ قُوَّةً، فَلَوْ أَنَّهُمْ أَطَاعُوهُ، زَادَهُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِهِمْ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ [هود: ٥٢] قَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ انْقَطَعَ النَّسْلُ عَنْهُمْ سِنِينَ، فَقَالَ هُودٌ لَهُمْ: إِنْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ أَحْيَا اللَّهُ بِلَادَكُمْ وَرَزَقَكُمُ الْمَالَ وَالْوَلَدَ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْقُوَّةِ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: ٥٢] يَقُولُ: وَلَا تُدْبِرُوا عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ مُجْرِمِينَ، يَعْنِي كَافِرِينَ بِاللَّهِ
١٢ / ٤٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٥٣]⦗٤٤٦⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ هُودٍ لِهُودٍ: يَا هُودُ مَا أَتَيْتَنَا بِبَيَانٍ، وَلَا بُرْهَانٍ عَلَى مَا تَقُولُ، فَنُسَلِّمُ لَكَ، وَنَقِرُّ بِأَنَّكَ صَادِقٌ فِيمَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِكَ. ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا﴾ [هود: ٥٣] يَقُولُ: وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا يَعْنِي لِقَوْلِكَ: أَوْ مِنْ أَجْلِ قَوْلِكَ ﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: ٥٣] يَقُولُ: قَالُوا: وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمَا تَدَّعِي مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ مِنَ اللَّهِ إِلَيْنَا بِمُصَدِّقِينَ
١٢ / ٤٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود: ٥٥] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، عَنْ قَوْلِ قَوْمِ هُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ، إِذْ نَصَحَ لَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِهِ، وَخَلْعِ الْأَوْثَانِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْهَا: لَا نَتْرُكُ عِبَادَةَ آلِهَتِنَا، وَمَا نَقُولُ إِلَّا أَنَّ الَّذِيَ حَمَلَكَ عَلَى ذَمِّهَا وَالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهَا أَنَّهُ أَصَابَكَ مِنْهَا خَبْلٌ مِنْ جُنُونٍ فَقَالَ هُودٌ لَهُمْ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى نَفْسِي وَأُشْهِدُكُمْ أَيْضًا أَيُّهَا الْقَوْمُ أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَوْثَانِكُمْ مِنْ دُونِهِ، ﴿فَكِيدُونِي جَمِيعًا﴾ [هود: ٥٥] يَقُولُ: فَاحْتَالُوا أَنْتُمْ جَمِيعًا وَآلِهَتِكُمْ فِي ضَرِّي وَمَكْرُوهِي، ﴿ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود: ٥٥] يَقُولُ: ثُمَّ لَا تُؤَخِّرُونَ ذَلِكَ، فَانْظُرُوا هَلْ تَنَالُونَنِي أَنْتُمْ وَهُمْ بِمَا زَعَمْتُمْ أَنَّ آلِهَتَكُمْ نَالَتْنِي بِهِ مِنَ السُّوءِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٢ / ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] قَالَ: أَصَابَتْكَ الْأَوْثَانُ بِجُنُونٍ»
١٢ / ٤٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] قَالَ: أَصَابَكَ الْأَوْثَانُ بِجُنُونٍ»
١٢ / ٤٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عِيسَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] قَالَ: سَبَبْتَ آلِهَتِنَا وَعِبْتَهَا فَأَجَنَّتْكَ»
١٢ / ٤٤٧
قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] أَصَابَكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ؛ يَعْنُونَ الْأَوْثَانَ»
١٢ / ٤٤٧
قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] قَالَ: أَصَابَكَ الْأَوْثَانُ بِجُنُونً»
١٢ / ٤٤٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] قَالَ: تُصِيبُكَ آلِهَتُنَا بِالْجُنُونِ»
١٢ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿⦗٤٤٨⦘ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] قَالَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى ذَمِّ آلِهَتِنَا، إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَكَ مِنْهَا سُوءٌ»
١٢ / ٤٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] قَالَ: إِنَّمَا تَصْنَعُ هَذَا بِآلِهَتِنَا أَنَّهَا أَصَابَتْكَ بِسُوءٍ»
١٢ / ٤٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: أَصَابَتْكَ آلِهَتُنَا بِشَرٍّ»
١٢ / ٤٤٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] يَقُولُونَ: نَخْشَى أَنْ يُصِيبَكَ مِنْ آلِهَتِنَا سُوءٌ، وَلَا نُحِبُّ أَنْ تَعْتَرِيَكَ، يَقُولُونَ: يُصِيبُكَ مِنْهَا سُوءٌ»
١٢ / ٤٤٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود: ٥٤] يَقُولُونَ: اخْتَلَطَ عَقْلُكَ فَأَصَابَكَ هَذَا مِمَّا صَنَعَتْ بِكَ آلِهَتُنَا» ⦗٤٤٩⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿اعْتَرَاكَ﴾ [هود: ٥٤] افْتَعَلَ، مِنْ عَرَانِيَ الشَّيْءُ يَعْرُونِي: إِذَا أَصَابَكَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] مِنَ الْقَوْمِ يَعْرُوهُ اجْتِرَاءٌ وَمَأْثَمُ
[البحر الطويل] مِنَ الْقَوْمِ يَعْرُوهُ اجْتِرَاءٌ وَمَأْثَمُ
١٢ / ٤٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] يَقُولُ: إِنِّي عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ مَالِكِي وَمَالِكُكُمْ وَالْقَيِّمُ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ﴿تَوَكَلْتُ﴾ [التوبة: ١٢٩] مِنْ أَنْ تُصِيبُونِي أَنْتُمْ وَغَيرُكُمْ مِنَ الْخَلْقِ بِسُوءٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَدُبُّ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا وَاللَّهُ مَالِكُهُ وَهُوَ فِي قَبْضَتِهِ وَسُلْطَانِهِ ذَلِيلٌ لَهُ خَاضِعٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، فَخَصَّ بِالْأَخْذِ النَّاصِيَةَ دُونَ سَائِرِ أَمَاكِنِ الْجَسَدِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ فِي وَصْفِهَا مَنْ وَصَفَتْهُ بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوعِ، فَتَقُولُ: مَا نَاصِيَةُ فُلَانٌ إِلَّا بِيَدِ فُلَانٍ، أَيْ أَنَّهُ لَهُ مُطِيعٌ يُصَرِّفُهُ كَيْفَ شَاءَ؛ وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا الْأَسِيرَ فَأَرَادُوا إِطْلَاقَهُ وَالْمَنِّ عَلَيْهِ جَزُّوا نَاصِيَتَهُ لِيَعْتَدُّوا بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَخْرًا عِنْدَ الْمُفَاخَرَةِ. فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِمَا يَعْرِفُونَ فِي كَلَامِهِمْ،
١٢ / ٤٤٩
وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْتُ وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَلَى طَرِيقٍ الْحَقِّ، يُجَازِي الْمُحْسِنَ مِنْ خَلْقِهِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، لَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ شَيْئًا، وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ بِهِ
١٢ / ٤٥٠
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦] الْحَقُّ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٤٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ هُودٍ لِقَوْمِهِ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [آل عمران: ٣٢] يَقُولُ: فَإِنْ أَدْبَرُوا مُعْرِضِينَ عَمَّا أَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ﴿فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ﴾ [هود: ٥٧] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ﴾ [هود: ٥٧] وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا
١٢ / ٤٥٠
الْبَلَاغُ ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ [هود: ٥٧] يُهْلِكُكُمْ رَبِّي، ثُمَّ يَسْتَبْدِلُ رَبِّي مِنْكُمْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ يُوَحِّدُونَهُ وَيُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ ﴿وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا﴾ [هود: ٥٧] يَقُولُ: وَلَا تَقْدُرُونَ لَهُ عَلَى ضَرٍّ إِذَا أَرَادَ إِهْلَاكَكُمْ أَوْ أَهْلَكَكُمْ. وَقَدْ قِيلَ: لَا يَضُرُّهُ هَلَاكُكُمْ إِذَا أَهْلَكَكُمْ لَا تَنْقُصُونَهُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ كُنْتُمْ أَوْ لَمْ تَكُونُوا ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود: ٥٧] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ذُو حِفْظٍ وَعِلْمٍ، يَقُولُ: هُوَ الَّذِي يَحْفَظْنِي مِنْ أَنْ تَنَالُونِي بِسُوءٍ
١٢ / ٤٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَ قَوْمَ هُودٍ عَذَابُنَا ﴿نَجَّيْنَا﴾ [هود: ٥٨] مِنْهُ ﴿هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [هود: ٥٨] بِاللَّهِ ﴿مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾ [الأعراف: ٧٢] يَعْنِي بِفَضْلٍ مِنْهُ عَلَيْهِمْ وَنِعْمَةٍ، ﴿وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود: ٥٨] يَقُولُ: نَجَّيْنَاهُمْ أَيْضًا مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا نَجَّيْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ السَّخْطَةِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا بِعَادٍ
١٢ / ٤٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْلَلْنَا بِهِمْ نِقْمَتَنَا وَعَذَابَنَا عَادٌ جَحَدُوا بِأَدِلَّةِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ، وَعَصَوْا رُسُلَهُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ لِلدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ، ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: ٥٩] يَعْنِي كُلَّ مُسْتَكْبِرٍ ⦗٤٥٢⦘ عَلَى اللَّهِ، حَائِدٍ عَنِ الْحَقِّ لَا يُذْعِنُ لَهُ، وَلَا يَقْبَلُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: عَنِدَ عَنِ الْحَقِّ فَهُوَ يَعْنَدُ عُنُودًا، وَالرَّجُلُ عَانِدٌ وَعَنُودٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْعَرَقِ الَّذِي يَنْفَجِرُ فَلَا يَرْقَأْ: عِرْقٌ عَانِدٌ: أَيْ ضَارٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ الْعُنَّدَا
[البحر الرجز] إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ الْعُنَّدَا
١٢ / ٤٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ [هود: ٥٩] الْمُشْرِكِ»
١٢ / ٤٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ [هود: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأُتْبِعَ عَادٌ قَوْمُ هُودٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَضَبًا مِنَ اللَّهِ وَسَخَطَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِثْلَهَا لَعْنَةٌ إِلَى اللَّعْنَةِ الَّتِي سَلَفَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا ﴿أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ [هود: ٦٠] يَقُولُ: أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، يُقَالُ: كَفَرَ فُلَانٌ رَبَّهُ وَكَفَرَ بِرَبِّهِ، وَشَكَرْتُ لَكَ وَشَكَرْتُكَ. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى كَفَرُوا رَبَّهُمْ: كَفَرُوا نِعْمَةَ رَبِّهِمْ
١٢ / ٤٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ [هود: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا، فَقَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
١٢ / ٤٥٢
اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ، فَمَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ يَسْتَوْجِبُ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ، وَلَا تَجُوزُ الْأَلُوهَةُ إِلَّا لَهُ ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [هود: ٦١] يَقُولُ: هُوَ ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ مِنَ الْأَرْضِ، فَخَرَجَ الْخِطَابُ لَهُمْ إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلَهُ بِمَنْ هُمْ مِنْهُ ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: ٦١] يَقُولُ: وَجَعَلَكُمْ عُمَّارًا فِيهَا، فَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ: أَسْكَنَكُمْ فِيهَا أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَعْمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا دَارَهُ، وَهِيَ لَهُ عُمْرَى وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ / ٤٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَاسْتَعْمَرَكِمْ فِيهَا﴾ [هود: ٦١] قَالَ: أَعْمَرَكُمْ فِيهَا»
١٢ / ٤٥٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَاسَتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: ٦١] يَقُولُ: أَعْمَرَكُمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ [هود: ٦١] يَقُولُ: اعْمَلُوا عَمَلًا يَكُونُ سَبَبًا لِسِتْرِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ⦗٤٥٤⦘ ذُنُوبَكُمْ، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِهِ، وَإِخْلَاصُ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ وَاتِّبَاعُ رَسُولِهِ صَالِحٍ ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٦١] يَقُولُ: ثُمَّ اتْرُكُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَكْرَهُهُ رَبُّكُمْ إِلَى مَا يَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود: ٦١] يَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مِمَّنْ أَخْلَصَ لَهُ الْعِبَادَةَ وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي التَّوْبَةِ، مُجِيبٌ لَهُ إِذَا دَعَاهُ
١٢ / ٤٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ [هود: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ ثَمُودُ لِصَالِحٍ نَبِيِّهِمْ: ﴿يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا﴾ [هود: ٦٢] أَيْ كُنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ فِينَا سَيِّدًا ﴿قَبْلَ هَذَا﴾ [هود: ٤٩] الْقَوْلِ الَّذِي قُلْتَهُ لَنَا مِنْ أَنَّهُ مَالَنَا مِنْ إِلَهٍ غَيْرَ اللَّهِ ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ [هود: ٦٢] يَقُولُ: أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ الْآلِهَةَ الَّتِي كَانَتْ آبَاؤُنَا تَعْبُدُ ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ [هود: ٦٢] يَعْنُونَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ صِحَّةَ مَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَأَنَّ الْأُلُوهَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لَهُ خَالِصًا. وَقَوْلُهُ ﴿مُرِيبٍ﴾ [هود: ٦٢] أَيْ يُوجِبُ التُّهْمَةَ مِنْ أَرَبْتُهِ فَأَنَا أَرِيبُهُ إِرَابَةً، إِذَا فَعَلْتُ بِهِ فِعْلًا يُوجِبُ لَهُ الرِّيبَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
[البحر الرجز] كُنْتُ إِذَا أَتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ … يَشَمُّ عِطْفِي وَيَبُزُّ ثَوْبِي
[البحر الرجز] كُنْتُ إِذَا أَتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ … يَشَمُّ عِطْفِي وَيَبُزُّ ثَوْبِي
١٢ / ٤٥٤
كَأَنَّمَا أَرَبْتُهُ بِرَيْبِ
١٢ / ٤٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ [هود: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ صَالِحٌ لِقَوْمِهِ مِنْ ثَمُودَ: ﴿يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى﴾ [هود: ٢٨] بُرْهَانٍ وَبَيَانٍ مِنَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتُهُ وَأَيْقَنْتُهُ ﴿وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً﴾ [هود: ٦٣] يَقُولُ: وَآتَانِي مِنْهُ النُّبُوَّةَ وَالْحِكْمَةَ وَالْإِسْلَامَ، ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ [هود: ٦٣] يَقُولُ: فَمَنِ الَّذِي يَدْفَعُ عَنِّي عِقَابَهُ إِذَا عَاقَبَنِي إِنْ أَنَا عَصَيْتُهُ، فَيُخَلِّصُنِي مِنْهُ، فَمَا تَزِيدُونَنِي بِعُذْرِكُمُ الَّذِي تَعْتَذِرُونَ بِهِ مِنْ أَنَّكُمْ تَعْبُدُونَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ غَيْرَ تَخْسِيرٍ لَكُمْ يُخْسِرُكُمْ حُظُوظَكُمْ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ:
١٢ / ٤٥٥
كَمَا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ [هود: ٦٣] يَقُولُ: مَا تَزْدَادُونَ أَنْتُمْ إِلَّا خَسَارًا»
١٢ / ٤٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ [هود: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ صَالِحٍ لِقَوْمِهِ مِنْ ثَمُودَ إِذْ قَالُوا لَهُ ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ [هود: ٦٢] وَسَأَلُوهُ الْآيَةً عَلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ: ﴿يَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ ⦗٤٥٦⦘ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ [هود: ٦٤] يَقُولُ: حُجَّةً وَعَلَامَةً، وَدَلَالَةً عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ ﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٧٣] فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ رِزْقُهَا وَلَا مُؤْنَتُهَا. ﴿وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ [الأعراف: ٧٣] يَقُولُ: لَا تَقْتُلُوهَا وَلَا تَنَالُوهَا بِعَقْرٍ، ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ [هود: ٦٤] يَقُولُ: فَإِنَّكُمْ إِنْ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ يَأْخُذْكُمْ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ غَيْرُ بَعِيدٍ فَيُهْلِكَكُمْ
١٢ / ٤٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَقَرَتْ ثَمُودُ نَاقَةَ اللَّهِ. وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، وَهُوَ: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا. فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥] يَقُولُ: اسْتَمْتِعُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا بِحَيَاتِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ﴿ذَلِكَ وَعَدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] يَقُولُ: هَذَا الْأَجَلُ الَّذِي أَجَّلْتُكُمْ وَعَدٌ مِنَ اللَّهِ، وَعَدَكُمْ بِانْقِضَائِهِ الْهَلَاكَ، وَنُزُولَ الْعَذَابِ بِكُمْ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، يَقُولُ: لَمْ يَكْذُبْكُمْ فِيهِ مِنْ أَعْلَمَكُمْ ذَلِكَ
١٢ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ صَالِحًا حِينَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ أَتَاهُمْ لَبِسُوا الْأَنْطَاعَ وَالْأَكْسِيَةَ، وَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّ آيَةَ ذَلِكَ أَنْ تَصْفَرَّ أَلْوَانُكُمْ أَوَّلَ يَوْمٍ، ثُمَّ تَحْمَرَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، ثُمَّ تَسْوَدَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ نَدِمُوا وَقَالُوا: عَلَيْكُمُ الْفَصِيلَ فَصَعِدَ الْفَصِيلُ الْقَارَةَ ⦗٤٥٧⦘ وَالْقَارَةُ الْجَبَلُ حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي يَا رَبِّ أُمِّي ثَلَاثًا. قَالَ: فَأُرْسِلَتِ الصَّيْحَةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ: لَوْ صَعَدْتُمُ الْقَارَةَ لَرَأَيْتُمْ عِظَامَ الْفَصِيلِ. وَكَانَتْ مَنَازِلُ ثَمُودَ بِحَجْرٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْمَدِينَةِ»
١٢ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥] قَالَ: بَقِيَّةَ آجَالِهِمْ»
١٢ / ٤٥٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَوْ صَعِدْتُمْ عَلَى الْقَارَةِ لَرَأَيْتُمْ عِظَامَ الْفَصِيلِ»
١٢ / ٤٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [هود: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا جَاءَ ثَمُودَ عَذَابُنَا، ﴿نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [هود: ٦٦] بِهِ ﴿مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾ [الأعراف: ٧٢] يَقُولُ: بِنِعْمَةٍ وَفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ، ﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمَئِذٍ﴾ [هود: ٦٦] يَقُولُ: وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ هَوَانِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَذُلِّهِ بِذَلِكَ الْعَذَابِ. ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ﴾ [هود: ٦٦] فِي بَطْشِهِ إِذَا بَطَشَ بِشَيْءٍ أَهْلَكَهُ، كَمَا أَهْلَكَ ثَمُودَ حِينَ بَطَشَ بِهَا الْعَزِيزُ، فَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، وَلَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، بَلْ يَغْلِبُ كُلَّ شَيْءٍ وَيَقْهَرُهُ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ⦗٤٥٨⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ﴾ [هود: ٦٦] يَوْمَئِذٍ قَالَ: نَجَّاهُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وَنَجَّاهُ مِنْ خِزْي يَوْمَئِذٍ»
١٢ / ٤٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: قُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا حَدِيثَ ثَمُودَ قَالَ: أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ ثَمُودَ: «كَانَتْ ثَمُودُ قَوْمُ صَالِحٍ أَعْمَرَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا فَأَطَالَ أَعْمَارَهُمْ حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَبْنِي الْمَسْكَنَ مِنَ الْمَدَرِ، فَيَنْهَدِمُ وَالرَّجُلُ مِنْهُمْ حَيٌّ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اتَّخَذُوا مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ، فَنَحَتُوهَا وَجَوَّفُوهَا، وَكَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ مَعَايِشِهِمْ، فَقَالُوا: يَا صَالِحُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا آيَةً نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَعَا صَالِحٌ رَبَّهُ، فَأَخْرَجَ لَهُمُ النَّاقَةَ، فَكَانَ شِرْبُهَا يَوْمًا وَشِرْبُهُمْ يَوْمًا مَعْلُومًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا خَلَّوْا عَنْهَا وَعَنِ الْمَاءِ، وَحْلِبُوهَا لَبَنًا، مَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ وَوِعَاءٍ وَسِقَاءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ صَرَفُوهَا عَنِ الْمَاءِ، فَلَمْ تَشْرَبْ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ وَوِعَاءٍ وَسِقَاءٍ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَالِحٍ: إِنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ نَاقَتَكَ فَقَالَ لَهُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ فَقَالَ: إِلَّا تَعْقِرُوهَا أَنْتُمْ يُوشِكُ ⦗٤٥٩⦘ أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ. قَالُوا: مَا عَلَامَةُ ذَلِكَ الْمَوْلُودِ؟ فَوَاللَّهِ لَا نَجِدُهُ إِلَّا قَتَلْنَاهُ قَالَ: فَإِنَّهُ غُلَامٌ أَشْقَرُ أَزْرَقُ أَصْهَبُ أَحْمَرُ. قَالَ: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ شَيْخَانِ عَزِيزَانِ مَنِيعَانِ، لِأَحَدِهِمَا ابْنٌ يُرَغِّبُ بِهِ عَنِ الْمَنَاكِحِ، وَلِلْآخَرِ ابْنَةٌ لَا يَجِدُ لَهَا كُفُؤًا، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا مَجْلِسٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَكَ؟ قَالَ: لَا أَجِدُ لَهُ كُفُؤًا، قَالَ: فَإِنَّ ابْنَتِي كُفُؤٌ لَهُ، وَأَنَا أُزَوِّجُكَ فَزَوَّجَهُ، فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا ذَلِكَ الْمَوْلُودُ. وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ رَهْطٍ يِفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُصْلِحُونَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: إِنَّمَا يَعْقِرُهَا مَوْلُودٌ فِيكُمْ، اخْتَارُوا ثَمَانِي نِسْوَةٍ قَوَابِلَ مِنَ الْقَرْيَةِ، وَجَعَلُوا مَعَهُنَّ شُرْطًا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِذَا وَجَدُوا الْمَرْأَةَ تَمْخُضُ، نَظَرُوا مَا وَلَدُهَا إِنْ كَانَ غُلَامًا قَلَّبْنَهُ، فَنَظَرْنَ مَا هُوَ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةٌ أَعْرَضْنَ عَنْهَا، فَلَمَّا وَجَدُوا ذَلِكَ الْمَوْلُودَ صَرَخَ النِّسْوَةُ وَقُلْنَ: هَذَا الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَالِحٌ فَأَرَادَ الشُّرْطُ أَنْ يَأْخُذُوهُ، فَحَالَ جِدَّاهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَقَالَا: لَوْ أَنَّ صَالِحًا أَرَادَ هَذَا قَتَلْنَاهُ فَكَانَ شَرُّ مَوْلُودٍ، وَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ، وَيَشِبُّ فِي الْجُمُعَةِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الشَّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ. فَاجْتَمَعَ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، وَفِيهِمُ الشَّيْخَانِ، فَقَالُوا نَسْتَعْمِلُ عَلَيْنَا هَذَا الْغُلَامُ لِمَنْزِلَتَهُ وَشَرَفَ جَدَّيْهِ، فَكَانُوا تِسْعَةٌ. وَكَانَ صَالِحٌ لَا يَنَامُ مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ، كَانَ فِي مَسْجِدٍ يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ صَالِحٍ، فِيهِ يَبِيتُ ⦗٤٦٠⦘ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَاهُمْ فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ، وَإِذَا أَمْسَى خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَبَاتَ فِيهِ». قَالَ حَجَّاجٌ: وقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «لَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: إِنَّهُ سَيُولَدُ غُلَامٌ يَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ، قَالُوا فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: آمُرُكُمْ بِقَتْلِهِمْ فَقَتَلُوهُمْ إِلَّا وَاحِدًا. قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْلُودُ قَالُوا: لَوْ كُنَّا لَمْ نَقْتُلْ أَوْلَادَنَا، لَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا مِثْلُ هَذَا، هَذَا عَمَلُ صَالِحٍ. فَأْتَمِرُوا بَيْنَهُمْ بِقَتْلِهِ، وَقَالُوا: نَخْرُجُ مُسَافِرِينَ، وَالنَّاسُ يَرَوْنَنَا عَلَانِيَةً، ثُمَّ نَرْجِعُ مِنْ لَيْلَةِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا، فَنَرْصُدُهُ عِنْدَ مُصَلَّاهُ فَنَقْتُلُهُ، فَلَا يَحْسِبُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّا مُسَافِرُونَ كَمَا نَحْنُ فَأَقْبَلُوا حَتَّى دَخَلُوا تَحْتَ صَخْرَةٍ يَرْصُدُونَهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةَ فَرَضَخَتْهُمْ، فَأَصْبَحُوا رُضْخًا. فَانْطَلَقَ رِجَالٌ مِمَّنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَإِذَا هُمْ رُضَخٌ، فَرَجَعُوا يَصِيحُونَ فِي الْقَرْيَةِ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، أَمَا رَضِيَ صَالِحٌ أَنْ أَمَرَهُمُ أَنْ يُقَتِّلُوا أَوْلَادَهُمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ؟ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَلَى قَتْلِ النَّاقَةِ أَجْمَعُونَ، وَأَحْجَمُوا عَنْهَا إِلَّا ذَلِكَ الِابْنُ الْعَاشِرُ.» ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «وَأَرَادُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِصَالِحٍ، فَمَشَوْا حَتَّى أَتَوْا عَلَى سِرْبٍ عَلَى طَرِيقِ صَالِحٍ، فَاخْتَبَأَ فِيهِ ثَمَانِيَةٌ، وَقَالُوا: إِذَا خَرَجَ عَلَيْنَا قَتَلْنَاهُ، وَأَتَيْنَا أَهْلَهُ فَبَيَّتْنَاهُمْ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِمْ». قَالَ: «فَاجْتَمَعُوا وَمَشَوْا إِلَى النَّاقَةِ وَهِيَ عَلَى حَوْضِهَا قَائِمَةٌ، فَقَالَ ⦗٤٦١⦘ الشَّقِيُّ لِأَحَدِهِمُ: ائْتِهَا فَاعْقِرْهَا فَأَتَاهَا فَتَعَاظَمَهُ ذَلِكَ، فَأَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعَثَ آخَرَ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ لَا يَبْعَثُ رَجُلًا إِلَّا تَعَاظَمَهُ أَمْرُهَا؛ حَتَّى مَشَوْا إِلَيْهَا، وَتَطَاوَلَ فَضَرَبَ عُرْقُوبَيْهَا، فَوَقَعَتْ تَرْكُضُ، وَأَتَى رَجُلٌ مِنْهُمْ صَالِحًا، فَقَالَ: أَدْرِكِ النَّاقَةَ فَقَدْ عَقِرَتْ فَأَقْبَلَ، وَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّمَا عَقَرَهَا فُلَانٌ، إِنَّهُ لَا ذَنْبَ لَنَا. قَالَ: فَانْظُرُوا هَلْ تُدْرِكُونَ فَصِيلَهَا؟ فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، وَلَمَّا رَأَى الْفَصِيلُ أُمَّهُ تَضْطَرِبُ أَتَى جَبَلًا يُقَالُ لَهُ الْقَارَةُ قَصِيرًا، فَصَعِدَ وَذَهَبُوا لِيَأْخُذُوهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْجَبَلِ، فَطَالَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَنَالُهُ الطَّيْرُ». قَالَ: «وَدَخَلَ صَالِحٌ الْقَرْيَةَ، فَلَمَّا رَآهُ الْفَصِيلُ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ صَالِحًا فَرَغَا رَغْوَةً، ثُمَّ رَغَا أُخْرَى، ثُمَّ رغَا أُخْرَى، فَقَالَ صَالِحٌ لِقَوْمِهِ: لِكُلِّ رَغْوَةٍ أَجْلُ يَوْمٍ ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] أَلَا إِنَّ أَيَّةَ الْعَذَابِ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ تُصْبِحُ وجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّانِي مُحْمَرَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ مُسْوَدَّةً فَلَمَّا أَصْبَحُوا فَإِذَا وجُوهُهُمْ كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالْخَلُوقِ، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ. فَلَمَّا أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمٌ مِنَ الْأَجَلِ وَحَضَرَكُمُ الْعَذَابُ فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الثَّانِي إِذَا وجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةٌ كَأَنَّهَا خُضِبَتْ بِالدِّمَاءِ، فَصَاحُوا وَضَجُّوا وَبَكُوا وَعَرَفُوا آيَةَ الْعَذَابِ، فَلَمَّا ⦗٤٦٢⦘ أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَلَا قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مِنَ الْأَجَلِ، وَحَضَرَكُمُ الْعَذَابُ فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الثَّالِثَ، فَإِذَا وجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالْقَارِ، فَصَاحُوا جَمِيعًا: أَلَا قَدْ حَضَرَكُمُ الْعَذَابُ فَتَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا، وَكَانَ حَنُوطُهُمُ الصَّبْرُ وَالْمَقْرُ، وَكَانَتْ أَكْفَانُهُمُ الْأَنْطَاعُ. ثُمَّ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ بِالْأَرْضِ، فَجَعَلُوا يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ مَرَّةً وَإِلَى الْأَرْضِ مَرَّةً، فَلَا يَدْرُونَ مِنْ حَيْثُ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ خَسَفًا وَغَرَقًا. فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الرَّابِعَ أَتَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ، وَصَوْتُ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ فِي الْأَرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ»
١٢ / ٤٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ أَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ بَيْنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، مَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. قِيلَ: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَبُو رِغَالٍ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَتَى عَلَى قَرْيَةِ ثَمُودَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْقَرْيَةَ، وَلَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِمْ» ⦗٤٦٣⦘ وَأَرَاهُمْ مُرْتَقَى الْفَصِيلِ حِينَ ارْتَقَى فِي الْقَارَةِ “
١٢ / ٤٦٢
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ أَتَى عَلَى قَرْيَةِ ثَمُودَ قَالَ: «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ»
١٢ / ٤٦٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا أَتَى عَلَى الْحَجَرِ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَا بَعْدُ، فَلَا تَسْأَلُوا رَسُولَكُمُ الْآيَاتِ، هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا رَسُولَهُمُ الْآيَةَ، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ ورُودِهَا»
١٢ / ٤٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ لَمَّا مَرَّ بِوَادِي ثَمُودَ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى تَبُوكَ قَالَ: فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسْرِعُوا السَّيْرَ، وَأَنْ لَا يَنْزِلُوا بِهِ، وَلَا يَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ وَادٍ مَلْعُونٌ. قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ كَانَ يُعْطِي الْمُعْسِرَ مِنْهُمْ مَا يَتَكَفِّنُونَ بِهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَلْحَدُ لِنَفْسِهِ، وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ، لِمِيعَادِ نَبِيِّ اللَّهِ صَالِحٍ الَّذِي وَعَدَهُمْ وَحَدَّثَ مَنْ رَآهُمْ بِالطُّرُقِ وَالْأَفْنِيَةِ وَالْبُيُوتِ، فِيهِمْ شُبَّانُ وَشُيُوخٌ أَبْقَاهُمُ اللَّهُ عِبْرَةً وَآيَةً»
١٢ / ٤٦٣
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْأَشْجَعِيُّ، مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ، قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَزْوَةَ تَبُوكَ، نَزَلَ الْحَجْرَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا
١٢ / ٤٦٣
النَّاسُ» لَا تَسْأَلُوا نَبِيَّكُمُ الْآيَاتِ هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ آيَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ آيَةً، فَكَانَتْ تَلِجُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ وُرُودِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَتَرَوُّونَ مِنْهُ، ثُمَّ يَحْلُبُونَهَا مِثْلَ مَا كَانُوا يَتَرَوُّونَ مِنْ مَائِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَبَنًا، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَعَقَرُوهَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ الْعَذَابَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ وَعْدًا مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَكْذُوبٍ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ” قَالُوا: وَمَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَبُو رِغَالٍ»
١٢ / ٤٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ﴾ [هود: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَصَابَ الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَعَلُهُ مِنْ عَقْرِ نَاقَةِ اللَّهِ وَكُفْرِهِمْ بِهِ الصَّيْحَةُ، ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود: ٦٧] قَدْ جَثَمَتْهُمُ الْمَنَايَا، وَتَرَكَتْهُمْ خُمُودٍا بِأَفْنِيَتِهِمْ. كَمَا:
١٢ / ٤٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿⦗٤٦٥⦘ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود: ٦٧] يَقُولُ: أَصْبَحُوا قَدْ هَلَكُوا» ﴿كَأَنَّ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا، وَلَمْ يَعْمُرُوا بِهَا كَمَا
١٢ / ٤٦٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [الأعراف: ٩٢] كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ [هود: ٦٨] يَقُولُ: أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَجَحَدُوهَا، ﴿أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ﴾ [هود: ٦٨] يَقُولُ: أَلَا أَبْعَدَ اللَّهُ ثَمُودَ لِنُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ
١٢ / ٤٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا﴾ [هود: ٦٩] مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ كَانُوا جِبْرَئِيلَ وَمَلَكَيْنِ آخَرَيْنِ. وَقِيلَ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ الْآخَرَيْنِ كَانَا مِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ مَعَهُ. ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ [البقرة: ١٢٤] يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ ﴿بِالْبُشْرَى﴾ [هود: ٦٩] يَعْنِي: بِالْبِشَارَةِ.
١٢ / ٤٦٥
وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْبِشَارَةِ الَّتِي أَتَوْهُ بِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْبِشَارَةُ بِإِسْحَاقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْبِشَارَةُ بِهَلَاكِ قَوْمِ لُوطٍ. ﴿قَالُوا سَلَامًا﴾ [هود: ٦٩] يَقُولُ: فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ سَلَامًا، وَنَصَبَ «سَلَامًا» بِإِعْمَالِ «قَالُوا» فِيهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: قَالُوا قَوْلًا وَسَلَّمُوا تَسْلِيمًا. ﴿قَالَ سَلَامٌ﴾ [هود: ٦٩] يَقُولُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَهُمْ: سَلَامٌ. فَرَفَعَ «سَلَامٌ»، بِمَعْنَى عَلَيْكُمُ السَّلَامُ، أَوْ بِمَعْنَى سَلَامٌ مِنْكُمْ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ سِلْمٌ بِمَعْنَى السَّلَامِ؛ كَمَا قَالُوا: حِلٌّ وَحَلَالٌ، وَحَرْمٌ وَحَرَامٌ. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل] مَرَرْنَا فَقُلْنَا إِيهِ سِلْمٌ فَسَلَّمَتْ … كَمَا اكْتَلَّ بِالْبَرْقِ الْغَمَامُ اللَّوَائِحُ
. بِمَعْنَى «سَلَامٌ» . وَقَدْ رُوِيَ «كَمَا انْكَلَّ» . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: نَحْنُ سِلْمٌ لَكُمْ، مِنَ الْمُسَالَمَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْمُحَارَبَةِ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ.
[البحر الطويل] مَرَرْنَا فَقُلْنَا إِيهِ سِلْمٌ فَسَلَّمَتْ … كَمَا اكْتَلَّ بِالْبَرْقِ الْغَمَامُ اللَّوَائِحُ
. بِمَعْنَى «سَلَامٌ» . وَقَدْ رُوِيَ «كَمَا انْكَلَّ» . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: نَحْنُ سِلْمٌ لَكُمْ، مِنَ الْمُسَالَمَةِ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْمُحَارَبَةِ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ.
١٢ / ٤٦٦
وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ [هود: ٦٩] عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ﷺ لَهُمْ، بِنَحْوِ تَسْلِيمِهِمْ، عَلَيْكُمُ السَّلَامُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ السِّلْمَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى السَّلَامِ عَلَى مَا وَصَفْتُ، وَالسَّلَامَ بِمَعْنَى السِّلْمِ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَكَادُ يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ أَهْلِ السِّلْمِ دُونَ الْأَعْدَاءِ، فَإِذَا ذُكِرَ تَسْلِيمٌ مِنْ قَوْمٍ عَلَى قَوْمٍ وَرَدَّ الْآخَرِينَ عَلَيْهِمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُسَالَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ قُدْوَةٍ فِي الْقِرَاءَةِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] وَأَصْلُهُ مَحْنُوذٍ، صُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمْ: مَعْنَى الْمَحْنُوذِ: الْمَشْوِي، قَالَ: وَيُقَالُ مِنْهُ: حَنَذْتُ فَرَسِي، بِمَعْنَى سَخَّنْتُهُ وَعَرَّقْتُهُ. وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] وَرَهِبَا مِنْ حَنْذِهِ أَنْ يَهْرَجَا
[البحر الرجز] وَرَهِبَا مِنْ حَنْذِهِ أَنْ يَهْرَجَا
١٢ / ٤٦٧
وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: حَنَذَ فَرَسَهُ: أَيْ أَضْمَرَهُ، وَقَالَ: قَالُوا حَنَذَهُ يَحْنِذْهُ حَنْذًا: أَيْ عَرَّقَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: كُلُّ مَا انْشَوَى فِي الْأَرْضِ إِذَا خَدَدْتَ لَهُ فِيهِ فَدَفَنْتُهُ، وَغَمَمْتُهُ، فَهُوَ الْحَنِيذُ وَالْمَحْنُوذُ. قَالَ: وَالْخَيْلُ تُحْنَذُ إِذَا أُلْقِيَتْ عَلَيْهَا الْجِلَالُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِتَعْرَقَ. قَالَ: وَيُقَالُ: إِذَا سَقَيْتَ فَأَحْنِذْ، يَعْنِي أَخْفِسْ، يُرِيدُ: أَقِلِّ الْمَاءَ وَأَكْثِرِ النَّبِيذَ. وَأَمَّا التَّأْوِيلُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي مَعْنَاهُ مَا أَنَا ذَاكِرُهُ، وَذَلِكَ مَا:
١٢ / ٤٦٨
حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] يَقُولُ: نَضِيجٍ»
١٢ / ٤٦٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] قَالَ: «بِعِجْلٍ» حَسِيلِ الْبَقَرِ، وَالْحَنِيذُ: الْمَشْوِيُّ النَّضِيجُ»
١٢ / ٤٦٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ [هود: ٦٩] إِلَى ﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] قَالَ: نَضِيجٍ سُخْنٍ أُنْضِجَ بِالْحِجَارَةِ»
١٢ / ٤٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] وَالْحَنِيذُ: النَّضِيجُ»
١٢ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] قَالَ: نَضِيجٍ» قَالَ: وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَالْحَنِيذُ: الَّذِي يُحْنَذُ فِي الْأَرْضِ
١٢ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] قَالَ: الْحَنِيذُ: الَّذِي يَقْطُرُ مَاءً وَقَدْ شُوِيَ. وَقَالَ حَفْصٌ: الْحَنِيذُ: مِثْلُ حَنَاذُ الْخَيْلِ
١٢ / ٤٦٩
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «ذَبَحَهُ ثُمَّ شَوَاهُ فِي الرَّضْفِ فَهُوَ الْحَنِيذُ حِينَ شَوَاهُ»
١٢ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو يَزِيدَ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، «﴿جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] قَالَ: الْمَشْوِيُّ الَّذِي يَقْطُرُ»
١٢ / ٤٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: «الْحَنِيذُ الَّذِي يَقْطُرُ مَاؤُهُ وَقَدْ شُوِيَ»
١٢ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] قَالَ: نَضِيجٍ»
١٢ / ٤٦٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] الَّذِي أُنْضِجَ بِالْحِجَارَةِ»
١٢ / ٤٧٠
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، «﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] قَالَ: مَشْوِيُّ»
١٢ / ٤٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: «حَنِيذٍ، يَعْنِي شُوِيَ»
١٢ / ٤٧٠
ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «الْحَنَاذُ: الْإِنْضَاجُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ، مُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمَوْضِعُ «أَنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] نُصِبَ بِقَوْلِهِ: «فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ»
١٢ / ٤٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمَ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَى الْعِجْلِ الَّذِي أَتَاهُمْ ⦗٤٧١⦘ بِهِ وَالطَّعَامِ الَّذِي قَدَّمَ إِلَيْهِمْ نَكِرَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَدَّمَ طَعَامَهُ ﷺ إِلَيْهِمْ فِيمَا ذُكِرَ كَفُّوا عَنْ أَكْلِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَأْكُلُهُ، وَكَانَ إِمْسَاكُهُمْ عَنْ أَكْلِهِ عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ، وَهُمْ ضِيفَانُهُ مُسْتَنْكَرًا، وَلَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ مَعْرِفَةٌ، وَرَاعَهُ أَمْرُهُمْ، وَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُمْ خِيفَةً، وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: كَانَ إِنْكَارُهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ. كَمَا
١٢ / ٤٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود: ٧٠] وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ، فَلَمْ يَطْعَمْ مِنْ طَعَامِهِمْ، ظَنُّوا أَنَّهُ لَمْ يَجِيءْ بِخَيْرٍ، وَأَنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَرٍّ»
١٢ / ٤٧١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ﴾ [هود: ٧٠] قَالَ: كَانُوا إِذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِمْ، ظَنُّوا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِخَيْرٍ، وَأَنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَرٍّ، ثُمَّ حَدَّثُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا جَاءُوا» وَقَالَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مَا:
١٢ / ٤٧١
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: «لَمَّا دَخَلَ ضَيْفُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام قَرَّبَ إِلَيْهِمُ الْعِجْلَ، فَجَعَلُوا يَنْكُتُونَ بِقِدَاحٍ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ نَبْلٍ، وَلَا
١٢ / ٤٧١
تَصِلُ أَيْدِيهِمْ إِلَيْهِ، نَكِرَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ» يُقَالُ مِنْهُ: نَكِرْتُ الشَّيْءَ أَنْكَرُهُ، وَأَنْكَرْتُهُ أُنْكِرُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنْ نَكِرْتُ وَأَنْكَرْتُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط] وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ … مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا
فَجَمَعَ اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا فِي الْبَيْتِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
[البحر الكامل] فَنَكِرْنَهُ فَنَفَرْنَ وَامْتَرَسَتْ بِهِ … هَوْجَاءُ هَادِيَةٌ وَهَادٍ جُرْشُعُ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ: أَحَسَّ فِي نَفْسِهِ مِنْهُمْ خِيفَةً وَأَضْمَرَهَا، ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَمَّا رَأَتْ مَا بِإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْهُمْ: لَا تَخَفْ مِنَّا وَكُنْ آمِنًا، فَإِنَّا مَلَائِكَةُ رَبِّكَ أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
[البحر البسيط] وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ … مِنَ الْحَوَادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ وَالصَّلَعَا
فَجَمَعَ اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا فِي الْبَيْتِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
[البحر الكامل] فَنَكِرْنَهُ فَنَفَرْنَ وَامْتَرَسَتْ بِهِ … هَوْجَاءُ هَادِيَةٌ وَهَادٍ جُرْشُعُ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ: أَحَسَّ فِي نَفْسِهِ مِنْهُمْ خِيفَةً وَأَضْمَرَهَا، ﴿قَالُوا لَا تَخَفْ﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَمَّا رَأَتْ مَا بِإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْهُمْ: لَا تَخَفْ مِنَّا وَكُنْ آمِنًا، فَإِنَّا مَلَائِكَةُ رَبِّكَ أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
١٢ / ٤٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ [هود: ٧١] سَارَةُ بِنْتُ هَارَانَ بْنِ نَاحُورَ بْنِ سَارُوجَ بْنِ ⦗٤٧٣⦘ رَاعُو بْنِ فَالِغَ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّ إِبْرَاهِيمَ. ﴿قَائِمَةٌ﴾ [آل عمران: ١١٣] قِيلَ: كَانَتْ قَائِمَةٌ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ تَسْتَمِعُ كَلَامَ الرُّسُلِ، وَكَلَامَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام. وَقِيلَ: كَانَتْ قَائِمَةٌ تَخْدُمُ الرُّسُلُ، وَإِبْرَاهِيمُ جَالِسٌ مَعَ الرُّسُلِ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] وَفِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ ضَحِكَتْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ضَحِكَتِ الضَّحِكَ الْمَعْرُوفِ تَعَجُّبًا مِنْ أَنَّهَا وَزَوْجَهَا إِبْرَاهِيمَ يَخْدُمَانِ ضِيفَانَهُمْ بِأَنْفُسِهِمَا تَكْرُمَةً لَهُمْ، وَهُمْ عَنْ طَعَامِهِمْ مُمْسِكُونَ لَا يَأْكُلُونَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٧٢
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «بَعَثَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ لِتُهْلِكَ قَوْمَ لُوطٍ، أَقْبَلَتْ تَمْشِي فِي صُورَةِ رِجَالٍ شَبَابٍ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَتَضَيَّفُوهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ إِبْرَاهِيمَ أَجَلَّهُمْ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ، فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فَذَبَحَهُ، ثُمَّ شَوَاهُ فِي الرَّضْفِ، فَهُوَ الْحَنِيذُ حِينَ شَوَاهُ. وَأَتَاهُمْ فَقَعَدَ مَعَهُمْ، وَقَامَتْ سَارَةُ تَخْدُمُهُمْ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ﴾ [هود: ٧١] وَهُوَ جَالِسٌ. فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ» فَلَمَّا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ: أَلَا تَأْكُلُونَ «قَالُوا: يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا لَا نَأْكُلُ طَعَامًا إِلَّا بِثَمَنٍ قَالَ: فَإِنَّ لِهَذَا ثَمَنًا. قَالُوا: وَمَا ثَمَنُهُ؟ قَالَ: ⦗٤٧٤⦘ تَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَتَحْمَدُونَهُ عَلَى آخِرِهِ. فَنَظَرَ جَبْرَئِيلُ إِلَى مِيكَائِيلَ فَقَالَ: حَقٌّ لِهَذَا أَنْ يَتَّخِذَهُ رَبُّهُ خَلِيلًا. ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٠] يَقُولُ: لَا يَأْكُلُونَ، فَزِعَ مِنْهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً؛ فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ سَارَةُ أَنَّهُ قَدْ أَكْرَمَهُمْ وَقَامَتْ هِيَ تَخْدُمُهُمْ، ضَحِكَتْ وَقَالَتْ: عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا هَؤُلَاءِ، إِنَّا نَخْدُمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا تَكْرُمَةً لَهُمْ، وَهُمْ لَا يَأْكُلُونَ طَعَامَنَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ مِنْ أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ فِي غَفْلَةٍ، وَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ اللَّهِ لِهَلَاكِهِمْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمَّا أَوْجَسَ إِبْرَاهِيمُ خِيفَةً فِي نَفْسِهِ حَدَّثُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا جَاءُوا فِيهِ، فَضَحِكَتِ امْرَأَتُهُ وَعَجِبَتْ مِنْ أَنَّ قَوْمًا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ، فَضَحِكَتْ مِنْ ذَلِكَ وَعَجِبَتْ، فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ»
١٢ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «ضَحِكَتْ تَعَجُّبًا مِمَّا فِيهِ قَوْمُ لُوطٍ مِنَ الْغَفْلَةِ وَمِمَّا أَتَاهُمْ مِنَ الْعَذَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ ظَنًّا مِنْهَا بِهِمْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ⦗٤٧٥⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] قَالَ: لَمَّا جَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ ظَنَّتْ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا كَمَا يَعْمَلُ قَوْمُ لُوطٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ لَمَّا رَأَتْ بِزَوْجِهَا إِبْرَاهِيمَ مِنَ الرَّوْعِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٧٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، «﴿فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] قَالَ: ضَحِكَتْ حِينَ رَاعُوا إِبْرَاهِيمَ مِمَّا رَأَتْ مِنَ الرَّوْعِ بِإِبْرَاهِيمَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ حِينَ بُشِّرَتْ بِإِسْحَاقَ، تَعَجُّبًا مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ عَلَى كِبَرِ سِنِّهَا وَسِنِّ زَوْجِهَا ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: «لَمَّا أَتَى الْمَلَائِكَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَرَآهُمْ، رَاعَهُ هَيْئَتُهُمْ وَجَمَالُهُمْ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، وَجَلَسُوا إِلَيْهِ، فَقَامَ فَأَمَرَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ، فُحُنِذَ لَهُ، ⦗٤٧٦⦘ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمُ الطَّعَامَ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ، وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، وَسَارَةُ وَرَاءَ الْبَيْتِ تَسْمَعُ؛ قَالُوا: لَا تَخَفْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ مُبَارَكٍ وَبَشَّرَ بِهِ امْرَأَتَهُ سَارَةَ، فَضَحِكَتْ، وَعَجِبَتْ كَيْفَ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَأَنَا عَجُوزٌ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالُوا: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ؟ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ، فَقَدْ وَهَبَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَأَبْشِرُوا بِهِ» وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَتَأَوَّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ، فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: ﴿يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَضَحِكَتْ» فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: فَحَاضَتْ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٧٥
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] قَالَ: حَاضَتْ، وَكَانَتِ ابْنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، قَالَ: وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِائَةِ سَنَةٍ»
١٢ / ٤٧٦
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضَحِكَتْ سُرُورًا بِالْأَمْنِ مِنْهُمْ لَمَّا قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ: لَا تَخَفْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ خَافَهُمْ وَخَافَتْهُمْ أَيْضًا كَمَا خَافَهُمْ إِبْرَاهِيمُ؛ فَلَمَّا أَمِنَتْ ضَحِكَتْ، فَأَتْبَعُوهَا الْبِشَارَةَ بِإِسْحَاقَ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْكُوفِيِّينَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ضَحِكَتْ بِمَعْنَى حَاضَتْ مِنْ ثِقَةٍ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْحِجَازِ أَخْبَرَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ ضَحِكَتِ الْمَرْأَةُ: حَاضَتْ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ: الضَّحْكُ: الْحَيْضُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ: الضَّحْكُ: الْعَجَبُ، وَذَكَرَ بَيْتَ أَبِي ذُؤَيبٍ:
[البحر الطويل] فَجَاءَ بِمَزْجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ … هُوَ الضَّحْكُ إِلَّا أَنَّهُ عَمَلُ النَّحْلِ
وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْشَدَهُ فِي الضَّحْكِ بِمَعْنَى الْحَيْضِ:
[البحر المتقارب] وَضَحْكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصَّفَا … كَمِثْلِ دَمِ الْجَوْفِ يَوْمَ اللِّقَا
قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ سَمِعَ لِلْكُمَيْتِ:
[البحر الوافر]
[البحر الطويل] فَجَاءَ بِمَزْجٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ … هُوَ الضَّحْكُ إِلَّا أَنَّهُ عَمَلُ النَّحْلِ
وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَنْشَدَهُ فِي الضَّحْكِ بِمَعْنَى الْحَيْضِ:
[البحر المتقارب] وَضَحْكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصَّفَا … كَمِثْلِ دَمِ الْجَوْفِ يَوْمَ اللِّقَا
قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ سَمِعَ لِلْكُمَيْتِ:
[البحر الوافر]
١٢ / ٤٧٧
فَأَضْحَكَتِ الضِّبَاعَ سُيُوفُ سَعْدٍ … بِقَتْلَى مَا دُفِنَّ وَلَا وُدِينَا
وَقَالَ: يُرِيدُ الْحَيْضَ. قَالَ: وَبَلْحَرِثِ بْنِ كَعْبٍ يَقُولُونَ: ضَحِكَتِ النَّخْلَةُ: إِذَا أَخْرَجَتِ الطَّلْعَ أَوْ الْبُسْرَ. وَقَالُوا: الضَّحْكَ: الطَّلْعَ. قَالَ: وَسَمِعْنَا مَنْ يَحْكِي: أَضْحَكْتُ حَوْضًا: أَيْ مَلَأْتُهُ حَتَّى فَاضَ. قَالَ: وَكَأَنَّ الْمَعْنَى قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كُلَّهُ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَمْتَلِئُ فَيَفِيضُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَضَحِكَتْ»: فَعَجِبَتْ مِنْ غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ عَمَّا قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَغَفْلَتِهِمْ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ عَقِيبُ قَوْلِهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ: لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ لَا وَجْهَ لِلْضَحِكِ، وَالتَّعَجُّبِ مِنْ قَوْلِهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ: لَا تَخَفْ، كَانَ الضَّحِكُ وَالتَّعَجُّبِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِ لُوطٍ
وَقَالَ: يُرِيدُ الْحَيْضَ. قَالَ: وَبَلْحَرِثِ بْنِ كَعْبٍ يَقُولُونَ: ضَحِكَتِ النَّخْلَةُ: إِذَا أَخْرَجَتِ الطَّلْعَ أَوْ الْبُسْرَ. وَقَالُوا: الضَّحْكَ: الطَّلْعَ. قَالَ: وَسَمِعْنَا مَنْ يَحْكِي: أَضْحَكْتُ حَوْضًا: أَيْ مَلَأْتُهُ حَتَّى فَاضَ. قَالَ: وَكَأَنَّ الْمَعْنَى قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كُلَّهُ، لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ شَيْءٌ يَمْتَلِئُ فَيَفِيضُ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَضَحِكَتْ»: فَعَجِبَتْ مِنْ غَفْلَةِ قَوْمِ لُوطٍ عَمَّا قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَغَفْلَتِهِمْ عَنْهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ عَقِيبُ قَوْلِهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ: لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ لَا وَجْهَ لِلْضَحِكِ، وَالتَّعَجُّبِ مِنْ قَوْلِهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ: لَا تَخَفْ، كَانَ الضَّحِكُ وَالتَّعَجُّبِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِ لُوطٍ
١٢ / ٤٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبَشَّرْنَا سَارَةَ امْرَأَةَ إِبْرَاهِيمَ ثَوَابًا مِنَّا لَهَا عَلَى نَكِيرِهَا وَعَجَبِهَا مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ بِإِسْحَاقَ وَلَدًا لَهَا. ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ يَقُولُ: وَمِنْ ⦗٤٧٩⦘ خَلْفِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ مِنَ ابْنِهَا إِسْحَاقَ. وَالْوَرَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: وَلَدُ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٧٨
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: الْوَرَاءُ: وَلَدُ الْوَلَدِ»
١٢ / ٤٧٩
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَدَّثَنِي أَبُو الْيَسَعِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ مَوْلَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ جَدِّي أَبِي الْمُغِيرَةِ بْنِ مِهْرَانَ فِي مَسْجِدِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ بِنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُغِيرَةِ مَنْ هَذَا الْفَتَى؟ قَالَ: ابْنِي مِنْ وَرَائِي، فَقَالَ الْحَسَنُ: «﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾»
١٢ / ٤٧٩
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: وَلَدُ الْوَلَدِ هُوَ الْوَرَاءُ»
١٢ / ٤٧٩
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ: ثَنَا خَالِدٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿⦗٤٨٠⦘ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ قَالَ: الْوَرَاءُ: وَلَدُ الْوَلَدِ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، مِثْلَهُ
١٢ / ٤٧٩
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: «وَلَدُ الْوَلَدِ: هُمُ الْوَلَدُ مِنَ الْوَرَاءِ»
١٢ / ٤٨٠
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعَهُ ابْنُ ابْنِهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ ابْنِي، قَالَ: هَذَا وَلَدُكَ مِنَ الْوَرَاءِ. قَالَ: فَكَأَنَّهُ شَقَّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ فَوَلَدُ الْوَلَدِ: هُمُ الْوَرَاءُ»
١٢ / ٤٨٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «لَمَّا ضَحِكَتْ سَارَةُ وَقَالَتْ: عَجَبًا لِأَضْيَافِنَا هَؤُلَاءِ، إِنَّا نَخْدُمُهُمْ بِأَنْفُسِنَا تَكْرُمَةً لَهُمْ وَهُمْ لَا يَأْكُلُونَ طَعَامَنَا قَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ اسْمُهُ إِسْحَاقُ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَضَرَبَتْ وَجْهَهَا عَجَبًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ [الذاريات: ٢٩] وَقَالَتْ: ﴿أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ⦗٤٨١⦘ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ قَالَتْ سَارَةُ: مَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا يَابِسًا فَلَوَاهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَاهْتَزَّ أَخْضَرَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هُوَ لِلَّهِ إِذًا ذَبِيحًا»
١٢ / ٤٨٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «﴿فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١] يَعْنِي سَارَةَ لَمَّا عَرَفَتْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَلَمَّا تَعْلَمُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ فَبَشَّرُوهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ بِابْنٍ وَبِابْنِ ابْنٍ، فَقَالَتْ وَصَكَّتْ وَجْهَهَا يُقَالُ: ضَرَبَتْ عَلَى جَبِينِهَا: ﴿يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٣]» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ: «وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ» بِرَفْعِ «يَعْقُوبُ»، وَيُعِيدُ ابْتِدَاءَ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ﴾ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ خَبَرَ مُبْتَدَأِ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَعْنَى التَّبْشِيرِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ: ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ نَصْبًا؛ فَأَمَّا الشَّامِيُّ مِنْهُمَا فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْحُو بِيَعْقُوبَ نَحْوَ النَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ آخَرَ مُشَاكِلٍ لِلْبِشَارَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، فَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ «وَهَبْنَا» عَمِلَ فِيهِ التَّبْشِيرُ وَعَطَفَ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ «إِسْحَاقَ»، إِذْ ⦗٤٨٢⦘ كَانَ إِسْحَاقُ، وَإِنْ كَانَ مَخْفُوضًا فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمَنْصُوبِ بِعَمَلِ «بَشَّرْنَا» فِيهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهِمُ … أَوْ مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْظُورِ بْنِ سَيَّارِ
أَوْ عَامِرَ بْنَ طُفَيْلٍ فِي مُرَكَّبِهِ … أَوْ حَارِثًا يَوْمَ نَادَى الْقَوْمُ يَا حَارِ
وَأَمَّا الْكُوفِيُّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِتَأْوِيلِ الْخَفْضِ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ نَصَبَهُ لِأَنَّهُ لَا يُجْرَى. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الصِّفَةِ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالِاسْمِ، وَقَالُوا: خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ: مَرَرْتُ بِعَمْرٍو فِي الدَّارِ وَفِي الدَّارِ زَيْدٌ، وَأَنْتَ عَاطِفٌ بِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو، إِلَّا بِتَكْرِيرِ الْبَاءِ وَإِعَادَتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَعُدْ كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ عِنْدَهُمُ الرَّفْعَ وَجَازَ النَّصْبُ، فَإِنْ قُدِّمَ الِاسْمُ عَلَى الصِّفَةِ جَازَ حِينَئِذٍ الْخَفْضُ، وَذَلِكَ إِذَا قُلْتَ: مَرَرْتُ بِعَمْرٍو فِي الدَّارِ، وَزَيْدٍ فِي الْبَيْتِ. وَقَدْ أَجَازَ الْخَفْضَ، وَالصِّفَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالِاسْمِ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، ⦗٤٨٣⦘ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ رَفْعًا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي لَا يَتَنَاكَرُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ. فَأَمَّا النَّصْبُ فِيهِ فَإِنَّ لَهُ وَجْهًا، غَيْرَ أَنِّي لَا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ بِهِ، لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ نَزَلَ بِأَفْصَحِ أَلْسُنِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْعِلْمِ بِالَّذِي نَزَلَ بِهِ مِنَ الْفَصَاحَةِ
[البحر البسيط] جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَوْمِهِمُ … أَوْ مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْظُورِ بْنِ سَيَّارِ
أَوْ عَامِرَ بْنَ طُفَيْلٍ فِي مُرَكَّبِهِ … أَوْ حَارِثًا يَوْمَ نَادَى الْقَوْمُ يَا حَارِ
وَأَمَّا الْكُوفِيُّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِتَأْوِيلِ الْخَفْضِ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ نَصَبَهُ لِأَنَّهُ لَا يُجْرَى. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الصِّفَةِ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالِاسْمِ، وَقَالُوا: خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ: مَرَرْتُ بِعَمْرٍو فِي الدَّارِ وَفِي الدَّارِ زَيْدٌ، وَأَنْتَ عَاطِفٌ بِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو، إِلَّا بِتَكْرِيرِ الْبَاءِ وَإِعَادَتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَعُدْ كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ عِنْدَهُمُ الرَّفْعَ وَجَازَ النَّصْبُ، فَإِنْ قُدِّمَ الِاسْمُ عَلَى الصِّفَةِ جَازَ حِينَئِذٍ الْخَفْضُ، وَذَلِكَ إِذَا قُلْتَ: مَرَرْتُ بِعَمْرٍو فِي الدَّارِ، وَزَيْدٍ فِي الْبَيْتِ. وَقَدْ أَجَازَ الْخَفْضَ، وَالصِّفَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَالِاسْمِ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ، ⦗٤٨٣⦘ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ رَفْعًا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي لَا يَتَنَاكَرُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ. فَأَمَّا النَّصْبُ فِيهِ فَإِنَّ لَهُ وَجْهًا، غَيْرَ أَنِّي لَا أُحِبُّ الْقِرَاءَةَ بِهِ، لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ نَزَلَ بِأَفْصَحِ أَلْسُنِ الْعَرَبِ، وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْعِلْمِ بِالَّذِي نَزَلَ بِهِ مِنَ الْفَصَاحَةِ
١٢ / ٤٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ سَارَةُ لَمَّا بُشِّرَتْ بِإِسْحَاقَ أَنَّهَا تَلِدُ تَعَجُّبًا مِمَّا قِيلَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، إِذْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتِ السِّنَّ الَّتِي لَا يَلِدُ مَنْ كَانَ قَدْ بَلَغَهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ ابْنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ فِيمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَبْلُ وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا:
١٢ / ٤٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «كَانَتْ سَارَةُ يَوْمَ بُشِّرَتْ بِإِسْحَاقَ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ
١٢ / ٤٨٣
أَهْلِ الْعِلْمِ ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِئَةِ سَنَةٍ» ﴿يَا وَيْلَتَى﴾ [هود: ٧٢] وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ، وَالِاسْتِنْكَارِ لِلشَّيْءٍ، فَيَقُولُونَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ: وَيْلُ أُمِّهِ رَجُلًا مَا أَرْجَلَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَلِفِ الَّتِي فِي: ﴿يَا وَيْلَتَى﴾ [هود: ٧٢] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: هَذِهِ أَلِفُ حَقِيقَةً، إِذَا وَقَفْتَ قُلْتَ: يَا وَيْلَتَاهُ، وَهِيَ مِثْلُ أَلِفِ النُّدْبَةِ، فَلَطُفَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي السَّكْتِ، وَجُعِلَتْ بَعْدَهَا الْهَاءُ لِتَكُونَ أَبْيَنَ لَهَا، وَأَبْعَدَ فِي الصَّوْتِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَلِفَ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ حَرْفَيْنِ كَانَ لَهَا صَدًى كَنَحْوِ الصَّوْتِ يَكُونُ فِي جَوْفِ الشَّيْءِ، فَيَتَرَدَّدُ فِيهِ، فَتَكُونُ أَكْثَرَ وَأَبَيْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذِهِ أَلِفُ النُّدْبَةِ، فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَيْهَا فَجَائِزٌ، وَإِنْ وَقَفْتَ عَلَى الْهَاءِ فَجَائِزٌ؛ وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ وَقَفُوا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ﴾ [الإسراء: ١١] فَحَذَفُوا الْوَاوَ وَأَثْبَتُوهَا، وَكَذَلِكَ: ﴿مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ [الكهف: ٦٤] بِالْيَاءِ، وَغَيْرِ الْيَاءِ؟ قَالَ: وَهَذَا أَقْوَى مِنْ أَلِفِ النُّدْبَةِ وَهَائِهَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأَلِفَ أَلِفُ النُّدْبَةِ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ وَغَيْرِ الْهَاءِ جَائِزٌ فِي الْكَلَامِ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ.
١٢ / ٤٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢] تَقُولُ: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَأَنَا عَجُوزٌ. ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢] وَالْبَعْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الزَّوْجُ؛ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَيِّمُ أَمْرِهَا، كَمَا سَمَّوْا مَالِكَ الشَّيْءِ: بَعْلَهُ، وَكَمَا قَالُوا لِلْنِخْلِ الَّتِي تَسْتَغْنِي بِمَاءِ السَّمَاءِ عَنْ سَقْيِ مَاءِ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الْبَعْلَ، لِأَنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ الْقَيِّمُ بِهِ، وَالنَّخْلَ الْبَعْلَ بِمَاءِ السَّمَاءِ حَيَاتُهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود: ٧٢] يَقُولُ: إِنَّ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْ مِثْلِي وَمِثْلِ بَعْلِي عَلَى السِّنِّ الَّتِي بِهَا نَحْنُ لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [هود: ٧٣] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الرُّسُلُ لَهَا: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يَكُونَ، وَقَضَاءٍ قَضَاهُ اللَّهُ فِيكِ وَفِي بَعْلِكِ؟ وَقَوْلُهُ: ﴿رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ يَقُولُ: رَحْمَةُ اللَّهِ وَسَعَادَتُهُ لَكُمْ أَهْلَ بَيْتِ إِبْرَاهِيمَ. وَجُعِلَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ خَلْفًا مِنَ الْإِضَافَةِ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٣] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ مَحْمُودٌ فِي تَفَضُّلِهِ عَلَيْكُمْ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْكُمْ، وَعَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ مَجِيدٌ؛ يَقُولُ: ذُو مَجْدٍ وَمَدْحٍ وَثَنَاءٍ كَرِيمٍ، يُقَالُ فِي فَعُلَ مِنْهُ: مَجُدَ الرَّجُلُ يَمْجُدُ مَجَادَّةً إِذَا صَارَ كَذَلِكَ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّكَ مَدَحْتُهُ قُلْتَ: مَجَّدْتُهُ تَمْجِيدًا.
١٢ / ٤٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى ⦗٤٨٦⦘ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَوْفُ الَّذِي أَوْجَسَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ رُسُلِنَا حِينَ رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَى طَعَامِهِ، وَأَمِنَ أَنْ يَكُونَ قُصِدَ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بِسُوءٍ، وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى بِإِسْحَاقَ، ظَلَّ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ،﴾ [هود: ٧٤] يَقُولُ: ذَهَبَ عَنْهُ الْخَوْفُ، ﴿وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى﴾ [هود: ٧٤] بِإِسْحَاقُ»
١٢ / ٤٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، «﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى،﴾ [هود: ٧٤] بِإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ وَلَدًا مِنْ صُلْبِ إِسْحَاقَ، وَأَمِنَ مِمَّا كَانَ يَخَافُ؛ قَالَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهْبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّيَ لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾» وَقَدْ قِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ: وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا إِيَّاهُ يُرِيدُونَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى﴾ [هود: ٧٤] قَالَ: حِينَ أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا إِيَّاهُ ⦗٤٨٧⦘ يُرِيدُونَ»
١٢ / ٤٨٦
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثَنَا مَعْمَرٌ وَقَالَ آخَرُونَ: «بُشِّرَ بِإِسْحَاقَ» وَأَمَّا الرَّوْعُ: فَهُوَ الْخَوْفُ، يُقَالُ مِنْهُ: رَاعَنِي كَذَا يَرُوعُنِي رَوْعًا: إِذَا خَافَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ «كَيْفَ لَكَ بِرَوْعَةِ الْمُؤْمِنِ» وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] مَا رَاعَنِي إِلَّا حَمُولَةُ أَهْلِهَا … وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الْخِمْخِمِ
بِمَعْنَى: مَا أَفْزَعَنِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
[البحر الكامل] مَا رَاعَنِي إِلَّا حَمُولَةُ أَهْلِهَا … وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الْخِمْخِمِ
بِمَعْنَى: مَا أَفْزَعَنِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٨٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الرَّوْعُ: الْفَرَقُ»
١٢ / ٤٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٤٨٨⦘ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ [هود: ٧٤] قَالَ: الْفَرَقُ»
١٢ / ٤٨٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿» فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ،﴾ [هود: ٧٤] قَالَ: الْفَرَقُ “
١٢ / ٤٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ [هود: ٧٤] قَالَ: ذَهَبَ عَنْهُ الْخَوْفُ» وَقَوْلُهُ: ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] يَقُولُ: يُخَاصِمُنَا. كَمَا:
١٢ / ٤٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿يُجَادِلُنَا﴾ [هود: ٧٤] يُخَاصِمُنَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ / ٤٨٨
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يُجَادِلُنَا﴾ [هود: ٧٤] يُكَلِّمُنَا، وَقَالَ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَا يُجَادِلُ اللَّهَ إِنَّمَا يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ. وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ جَهْلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُجَادِلُ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِبْرَاهِيمُ لَا يُجَادِلُ، مُوهُمًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يُجَادِلُنَا﴾ [هود: ٧٤] يُخَاصِمُنَا، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يُخَاصِمُ رَبَّهُ جَهْلٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ جِدَالُهُ الرُّسُلَ عَلَى وَجْهِ الْمُحَاجَّةِ لَهُمْ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُ رُسُلُنَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا عُرِفَ الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ حَذَفَ الرُّسُلَ. وَكَانَ جِدَالُهُ إِيَّاهُمْ كَمَا:
١٢ / ٤٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ، «﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] قَالَ: لَمَّا جَاءَ جَبْرَئِيلُ، وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: ٣١] قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: أَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُ مِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا ثَلَاثُ مِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا مِئَتَا مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُونَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَعَدُّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بِامْرَأَةِ لُوطٍ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ»
١٢ / ٤٨٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ⦗٤٩٠⦘ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَالَ الْمَلَكُ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةٌ يُصَلُّونَ رُفِعَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ»
١٢ / ٤٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُجَادَلَتُهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمُعَذِّبُوهَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا حَتَّى صَارَ ذَلِكَ إِلَى عَشَرَةٍ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا عَشَرَةٌ أَمُعَذِّبُوهُمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. وَهِيَ ثَلَاثُ قُرًى فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْكَثْرَةِ وَالْعَدَدِ»
١٢ / ٤٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ لَمْ نُعَذِّبْهُمْ، قَالَ: أَرْبَعُونَ؟ قَالُوا: وَأَرْبَعُونَ. قَالَ: ثَلَاثُونَ؟ قَالُوا: ثَلَاثُونَ. حَتَّى بَلَغَ عَشَرَةً، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ، قَالَ: مَا قَوْمٌ لَا يَكُونُ فِيهِمْ عَشَرَةٌ فِيهِمْ خَيْرٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ: قَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي قَرْيَةِ ⦗٤٩١⦘ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ»
١٢ / ٤٩٠
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، «﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ، وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى﴾ [هود: ٧٤] ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ [الحجر: ٥٧] قَالُوا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ فَجَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا مِائَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا: لَا، فَلَمْ يَزَلْ يَحُطُّ حَتَّى بَلَغَ عَشَرَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: لَا نُعَذِّبُهُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ قَالُوا: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [هود: ٧٦] إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ لُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٦]»
١٢ / ٤٩١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: “﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى،﴾ [هود: ٧٤] يَعْنِي: إِبْرَاهِيمَ جَادَلَ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ لِيَرُدَّ عَنْهُمُ الْعَذَابَ قَالَ: فَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ مُجَادَلَةَ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُمْ حِينَ جَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ لِيَرُدَّ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، إِنَّمَا قَالَ لِلرُّسُلِ فِيمَا يُكَلِّمُهُمْ بِهِ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مِائَةُ مُؤْمِنٍ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا:، لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا تِسْعِينَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا ثَمَانِينَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا سَبْعِينَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا سِتِّينَ؟ قَالُوا لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا خَمْسِينَ؟ قَالُوا لَا، قَالَ:
١٢ / ٤٩١
أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا مُسْلِمًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرُوا لِإِبْرَاهِيمَ أَنَّ فِيهَا مُؤْمِنًا وَاحِدًا ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾ [العنكبوت: ٣٢] يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، ﴿قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٢] قَالُوا: يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ “
١٢ / ٤٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَتُهْلِكُونَهُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا مِائَةُ مُؤْمِنٍ ثُمَّ تِسْعِينَ؟ حَتَّى هَبَطَ إِلَى خَمْسَةٍ، قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ»
١٢ / ٤٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثَنَا صَفْوَانُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى، وَمُسْلِمٌ أَبُو الْحَبِيلِ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَا: «﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ [هود: ٧٤] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَتُعَذِّبُ عَالَمًا مِنْ عَالَمِكَ كَثِيرًا فِيهِمْ مِائَةُ رَجُلٍ؟ قَالَ: لَا، وَعِزَّتِي وَلَا خَمْسِينَ قَالَ: فَأَرْبَعِينَ؟ فَثَلَاثِينَ؟ حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسَةٍ، قَالَ: لَا وَعِزَّتِي لَا أُعَذِّبُهُمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسَةٌ يَعْبُدُونَنِي قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الذاريات: ٣٦] أَيْ لُوطًا وَابْنَتَيْهِ، قَالَ: فَحَلَّ ⦗٤٩٣⦘ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [الذاريات: ٣٧] وَقَالَ: ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾ [هود: ٧٤] «وَالْعَرَبُ لَا تَكَادُ تَتَلَقَّى» لَمَّا» إِذَا وَلِيَهَا فِعْلٌ مَاضٍ إِلَّا بِمَاضٍ، يَقُولُونَ: لَمَّا قَامَ قُمْتُ، وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ: لَمَّا قَامَ أَقُومُ. وَقَدْ يَجُوزُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ لَهُ تَطَاوُلٌ مِثْلُ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَةِ وَالْقِتَالِ، فَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: لَمَّا لَقِيتُهُ أُقَاتِلُهُ، بِمَعْنَى: جَعَلْتُ أُقَاتِلُهُ، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَبَطِيءُ الْغَضَبِ مُتَذَلِّلٌ لِرَبِّهِ خَاشِعٌ لَهُ، مُنْقَادٌ لَأَمْرِهِ، مُنِيبٌ رَجَّاعٌ إِلَى طَاعَتِهِ. كَمَا:
١٢ / ٤٩٢
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ [هود: ٧٥] قَالَ: الْقَانِتُ: الرَّجَّاعُ» وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَوَّاهُ فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَالشَّوَاهِدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
١٢ / ٤٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٦]⦗٤٩٤⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْلِ رَسُلِهِ لِإِبْرَاهِيمَ: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [هود: ٧٦] وَذَلِكَ قِيلُهُمْ لَهُ حِينَ جَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَالُوا: دَعْ عَنْكَ الْجِدَالَ فِي أَمْرِهِمْ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ [هود: ٧٦]: بِعَذَابِهِمْ، وَحَقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَمَضَى فِيهِمْ بِهَلَاكِهِمُ الْقَضَاءُ، ﴿وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ [هود: ٧٦]، يَقُولُ: وَإِنَّ قَوْمَ لُوطٍ نَازِلٌ بِهِمْ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ غَيْرُ مَدْفُوعٍ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِمَا ذَكَرْنَا فِيهِ عَمَّنْ ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْهُ
١٢ / ٤٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَتْ مَلَائِكَتُنَا لُوطًا، سَاءَهُ مَجِيئُهُمْ. وَهُوَ «فَعْلٌ» مِنَ السُّوءِ، وَضَاقَ بِهِمْ بِمَجِيئِهِمْ ذَرْعًا يَقُولُ: وَضَاقَتْ نَفْسُهُ غَمًّا بِمَجِيئِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ فِي حَالِ مَا سَاءَهُ مَجِيئِهِمْ، وَعَلِمَ مِنْ قَوْمِهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِهِمُ الْفَاحِشَةَ، وَخَافَ عَلَيْهِمْ، فَضَاقَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِمَجِيئِهِمْ ذَرْعًا، وَعَلِمَ أَنَّهُ سَيَحْتَاجُ إِلَى الْمُدَافَعَةِ عَنْ أَضْيَافِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧]، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ⦗٤٩٥⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [هود: ٧٧] يَقُولُ: سَاءَ ظَنًّا بِقَوْمِهِ وَضَاقَ ذَرْعًا بِأَضْيَافِهِ»
١٢ / ٤٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا أَتَوْهُ وَهُوَ فِي أَرْضٍ لَهُ يَعْمَلُ فِيهَا، وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لَا تُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ لُوطٌ قَالَ: فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: إِنَّا مُتَضَيِّفُوكَ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَضَى سَاعَةً الْتَفَتَ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أُنَاسًا أَخْبَثَ مِنْهُمْ قَالَ: فَمَضَى مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ مَا قَالَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ عَجُوزُ السُّوءِ امْرَأَتُهُ، انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١٢ / ٤٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «أَتَتِ الْمَلَائِكَةُ لُوطًا وَهُوَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهُ، وَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنْ شَهِدَ لُوطٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي هَلَكَتِهِمْ، فَقَالُوا: يَا لُوطُ إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُضَيِّفَكَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: وَمَا بَلَغَكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ؟ قَالُوا: وَمَا أَمْرُهُمْ؟ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهَا لَشَرُّ قَرْيَةٍ فِي الْأَرْضِ عَمَلًا يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. فَشَهِدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَنْزِلَهُ»
١٢ / ٤٩٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ قَرْيَةِ لُوطٍ، فَأْتَوهَا نِصْفَ النَّهَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا نَهْرَ سَدُومٍ لَقُوا ابْنَةَ لُوطٍ تَسْتَقِي مِنَ الْمَاءِ لِأَهْلِهَا، وَكَانَتْ لَهُ ابْنَتَانِ، اسْمُ الْكُبْرَى رِيثَا، وَالصُّغْرَى زَغْرَتَا، فَقَالُوا لَهَا: يَا جَارِيَةُ، هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَكَانَكُمْ لَا تَدْخُلُوا حَتَّى آتِيكُمْ فَرَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَرَادَكَ فِتْيَانُ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، مَا رَأَيْتُ وَجْهَ قَوْمٍ أَحْسَنَ مِنْهُمْ، لَا يَأْخُذُهُمْ قَوْمُكَ ⦗٤٩٧⦘ فَيَفْضَحُوهُمْ وَقَدْ كَانَ قَوْمُهُ نَهَوْهُ أَنْ يُضَيِّفَ رَجُلًا، فَقَالُوا: خَلِّ عَنَّا فَلْنُضِفِ الرِّجَالَ فَجَاءَ بِهِمْ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِ لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا، قَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وجُوهِهِمْ قَطُّ فَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ»
١٢ / ٤٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «خَرَجَتِ الرُّسُلُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى لُوطٍ بِالْمُؤْتَفِكَةِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا ﴿سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ [هود: ٧٧] وَذَلِكَ مِنْ تَخَوُّفِ قَوْمِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْضَحُوهُ فِي ضَيْفِهِ، فَقَالَ: ﴿هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧]» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَقَالَ لُوطٌ: هَذَا الْيَوْمُ يَوْمٌ شَدِيدٌ شَرُّهُ، عَظِيمٌ بَلَاؤُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: عَصَبَ يَوْمُنَا هَذَا يَعْصِبُ عَصْبًا، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
[البحر الوافر] وَكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرِّدْ … وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
[البحر الوافر] وَكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرِّدْ … وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
١٢ / ٤٩٧
يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الْأَبْطَالَا … عَصْبَ الْقَوِيِّ السَّلَمَ الطِّوَالَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] وَإِنَّكَ إِلَّا تُرْضِ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ … يَكُنْ لَكَ يَوْمٌ بِالْعِرَاقِ عَصِيبُ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ جُعَيلٍ:
[البحر الخفيف] وَيُلَبُّونَ بِالْحَضِيصِ فِئَامٌ … عَارِفَاتٌ مِنْهُ بِيَوْمٍ عَصِيبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] وَإِنَّكَ إِلَّا تُرْضِ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ … يَكُنْ لَكَ يَوْمٌ بِالْعِرَاقِ عَصِيبُ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ جُعَيلٍ:
[البحر الخفيف] وَيُلَبُّونَ بِالْحَضِيصِ فِئَامٌ … عَارِفَاتٌ مِنْهُ بِيَوْمٍ عَصِيبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٩٨
حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «عَصِيبٌ: شَدِيدٌ»
١٢ / ٤٩٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «﴿هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] يَقُولُ شَدِيدٌ»
١٢ / ٤٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «﴿هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] أَيْ يَوْمِ بَلَاءٍ وَشِدَّةٍ»
١٢ / ٤٩٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: “﴿يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] شَدِيدٌ
١٢ / ٤٩٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: ٧٧] أَيْ يَوْمٍ شَدِيدٍ»
١٢ / ٤٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَاءَ لُوطًا قَوْمُهُ يَسْتَحِثُّونَ إِلَيْهِ يَرْعَدُونَ مَعَ سُرْعَةِ الْمَشْيِ مِمَّا بِهِمْ مِنْ طَلَبِ الْفَاحِشَةِ، يُقَالُ: أُهْرِعَ الرَّجُلُ مِنْ بَرْدٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ حُمَّى: إِذَا أُرْعِدَ، وَهُوَ مُهْرِعٌ إِذَا كَانَ مُعْجَلًا حَرِيصًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] بِمُعْجِلَاتٍ نَحْوَهُ مَهَارِعِ
وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهَلٍ:
[البحر الوافر] ⦗٥٠٠⦘ فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى … تَقُودُهُمُ عَلَى رَغْمَ الْأُنُوفِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
[البحر الرجز] بِمُعْجِلَاتٍ نَحْوَهُ مَهَارِعِ
وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهَلٍ:
[البحر الوافر] ⦗٥٠٠⦘ فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى … تَقُودُهُمُ عَلَى رَغْمَ الْأُنُوفِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ / ٤٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ [هود: ٧٨] قَالَ: يُهْرَعُونَ، وَهُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْي» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٢ / ٥٠٠