سُورَةُ هُودٍ 1

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ
١٢ ‏/ ٣٠٨
الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا هُودٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿الر﴾ [يونس: ١] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عَنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١] يَعْنِي: هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُوَ الْقُرْآنُ. وَرَفَعَ قَوْلَهُ: «كِتَابٌ» بِنِيَّةِ: هَذَا كِتَابٌ. فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿الر﴾ [يونس: ١] مُرَادٌ بِهِ سَائِرُ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَجُعِلَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ دَلَالَةً عَلَى جَمِيعِهَا، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: هَذِهِ الْحُرُوفُ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، فَإِنَّ الْكِتَابَ عَلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِقَوْلُهُ: ﴿الر﴾ [يونس: ١] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي، ثُمَّ فُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
١٢ ‏/ ٣٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] قَالَ: أُحْكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَفُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ»
١٢ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١] قَالَ: أُحْكِمَتْ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْي وَفُصِّلَتْ بِالْوَعِيدِ»
١٢ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١] قَالَ: بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] قَالَ: بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ» وَرُوِي عَنِ الْحَسَنِ قَوْلٌ خِلَافَ هَذَا وَذَلِكَ مَا:
١٢ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: وحَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿أُحْكِمَتْ﴾ [هود: ١] بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ مِنَ الْبَاطِلِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ، فَبُيِّنَ مِنْهَا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ⦗٣١٠⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٠٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١] أَحْكَمَهَا اللَّهُ مِنَ الْبَاطِلِ، ثُمَّ فَصَّلَهَا بِعِلْمِهِ، فَبَيَّنَ حَلَالَهُ، وَحَرَامَهُ وَطَاعَتَهُ، وَمَعْصِيَتَهُ»
١٢ ‏/ ٣١٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] قَالَ: أَحْكَمَهَا اللَّهُ مِنَ الْبَاطِلِ، ثُمَّ فَصَّلَهَا: بَيَّنَهَا» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتَهُ مِنَ الدَّخْلِ، وَالْخَلَلِ وَالْبَاطِلِ، ثُمَّ فَصَّلَهَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي. وَذَلِكَ أَنَّ إِحْكَامَ الشَّيْءِ إِصْلَاحُهُ وَإِتْقَانُهُ، وَإِحْكَامَ آيَاتِ الْقُرْآنِ إِحْكَامُهَا مِنْ خَلَلٍ يَكُونُ فِيهَا أَوْ بَاطِلٍ يَقْدِرُ ذُو زَيْغٍ أَنْ يَطْعَنَ فِيهَا مَنْ قَبْلَهُ. وَأَمَّا تَفْصِيلُ آيَاتِهِ فَإِنَّهُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ بِالْبَيَانِ عَمَّا فِيهَا مِنْ حَلَالٍ، وَحَرَامٍ، وَأَمَرٍ، وَنَهْي. وَكَانَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ: ﴿فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] بِمَعْنَى: فُسِّرَتْ، وَذَلِكَ نَحْوُ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] قَالَ: فُسِّرَتْ»
١٢ ‏/ ٣١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] قَالَ: فُسِّرَتْ»
١٢ ‏/ ٣١١
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] قَالَ: فُسِّرَتْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ: بُيِّنَتْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ قَبْلُ، وَهُوَ شَبِيهُ الْمَعْنَى بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: حَكِيمٌ بِتَدْبِيرِ الْأَشْيَاءِ وَتَقْدِيرِهَا، خَبِيرٌ بِمَا يَؤُولُ إِلَيْهِ عَوَاقِبُهَا
١٢ ‏/ ٣١١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١] يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»
١٢ ‏/ ٣١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [هود: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ فُصِّلَتْ بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَخْلَعُوا الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نَذِيرٌ يُنْذِرُكُمْ عِقَابَهُ عَلَى مَعَاصِيهِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَبَشِيرٌ يُبَشِّرُكُمْ بِالْجَزِيلِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ وَالْأُلُوهَةِ لَهُ
١٢ ‏/ ٣١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَبِأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ. وَيَعْنِي بِقَوْلُهُ: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [هود: ٣] وَأَنِ اعْمَلُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُرْضِي رَبُّكُمْ عَنْكُمْ، فَيَسْتُرُ عَلَيْكُمْ عَظِيمَ ذُنُوبِكُمُ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا بِعِبَادَتِكُمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، وَإِشْرَاكِكُمُ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ فِي عِبَادَتِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٣] يَقُولُ: ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى رَبِّكُمْ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةَ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ سَائِرِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ بَعْدَ خَلْعِكُمُ الْأَنْدَادَ، وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْ عِبَادِتِهَا. وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾ [هود: ٣] وَلَمْ يَقُلْ: وَتُوبُوا إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مَعْنَاهَا الرُّجُوعُ إِلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ: اسْتِغْفَارٌ مِنَ
١٢ ‏/ ٣١٢
الشِّرْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ، وَالْعَمَلُ لِلَّهِ لَا يَكُونُ عَمَلًا لَهُ إِلَّا بَعْدَ تَرْكِ الشِّرْكَ بِهِ، فَأَمَّا الشِّرْكُ فَإِنَّ عَمَلَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلشَّيْطَانِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُطِيعُونَ اللَّهَ بِكَثِيرٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ مُقِيمُونَ. وَقَوْلُهُ: ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى﴾ [هود: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ، ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَسَطَ عَلَيْكُمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَرَزَقَكُمْ مِنْ زِينَتِهَا، وَأَنْسَأَ لَكُمْ فِي آجَالِكُمْ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي قَضَى فِيهِ عَلَيْكُمُ الْمَوْتَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجْلٍ مُسَمًّى﴾ [هود: ٣] فَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْمَتَاعِ فَخُذُوهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَمَعْرِفَةِ حَقِّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْعِمٌ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ، وَأَهْلُ الشُّكْرِ فِي مَزِيدٍ مِنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ قَضَاؤُهُ الَّذِي قَضَى. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَعْنِي الْمَوْتَ»
١٢ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٣١٤⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: الْمَوْتِ»
١٢ ‏/ ٣١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَهُوَ الْمَوْتُ»
١٢ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَالَ: الْمَوْتِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: ٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: يُثِيبُ كُلَّ مَنْ تَفَضَّلَ بِفَضْلِ مَالِهِ أَوْ قُوتِهِ أَوْ مَعْرُوفِهِ عَلَى غَيْرِهِ مُحْتَسِبًا مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، أَجْزَلَ ثَوَابَهُ وَفَضْلَهُ فِي الْآخِرَةِ. كَمَا
١٢ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: ٣] قَالَ: مَا احْتَسَبَ بِهِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ عَمِلَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ كَلِمِهِ، أَوْ مَا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَوْ عَمِلَ بِيَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَكَلَامِهِ، وَمَا تَطَوَّلَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ⦗٣١٥⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ
١٢ ‏/ ٣١٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: ٣] أَيْ فِي الْآخِرَةِ» وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا
١٢ ‏/ ٣١٥
حُدِّثْتُ بِهِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: ٣] قَالَ: مِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، وَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَتْ لَهُ عَشَرُ حَسَنَاتٍ. فَإِنْ عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا بَقِيَتْ لَهُ عَشَرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَاقَبْ بِهَا فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْعَشْرِ وَاحِدَةٌ وَبَقِيَتْ لَهُ تِسْعُ حَسَنَاتٍ. ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَ آحَادُهُ أَعْشَارَهُ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ أَعْرَضُوا عَمَّا دَعْوَتَهُمْ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ، وَامْتَنَعُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِلَّهِ، وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ فَأَدْبَرُوا مُوَلِّينَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنِّي أَيُّهَا الْقَوْمُ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ، شَأْنُهُ عَظِيمٌ هَوْلُهُ، وَذَلِكَ ﴿وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الجاثية: ٢٢] وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود: ٣] وَلَكِنَّهُ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ، وَالْعَرَبُ إِذَا قَدَّمَتْ قَبْلَ الْكَلَامِ قَوْلًا خَاطَبَتْ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، ثُمَّ رَجَعَتْ بَعْدَ إِلَى الْخَطَّابِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٢ ‏/ ٣١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [هود: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِلَى اللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَآبُكُمْ وَمَصِيرُكُمْ، فَاحْذَرُوا عِقَابَهُ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِكُمُ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ، فَإِنَّهُ مُخَلِّدُكُمْ نَارَ جَهَنَّمَ إِنْ هَلَكْتُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ. ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٢٠] يَقُولُ: وَهُوَ عَلَى إِحْيَائِكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، وَعِقَابِكُمْ عَلَى إِشْرَاكِكُمْ بِهِ الْأَوْثَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا أَرَادَ بِكُمْ وَبِغَيْرِكُمْ قَادِرٌ
١٢ ‏/ ٣١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [هود: ٥] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْأَمْصَارِ: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] عَلَى تَقْدِيرِ يَفْعَلُونَ مِنْ «ثَنَيْتُ»، وَالصُّدُورُ مَنْصُوبَةٌ. وَاخْتَلَفَتْ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ كَانَ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ كَانَ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ غَطَّى وَجْهَهُ وَثَنَى ظَهْرَهُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ بِثَوْبِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَثَنَى ظَهْرَهُ»
١٢ ‏/ ٣١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ. قَوْلُهُ: «﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٥] قَالَ: مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا مَرُّوا بِهِ ثَنَى أَحَدُهُمْ صَدْرَهُ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] الْآيَةَ»
١٢ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَرَّ بِالنَّبِيِّ ﷺ ثَنَى صَدْرَهُ، وَتَغَشَّى بِثَوْبِهِ كَيْ لَا يَرَاهُ النَّبِيُّ ﷺ» وَقَالَهُ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَظَنًّا أَنَّ اللَّهَ يَخْفَى عَلَيْهِ، مَا تُضْمِرْهُ صُدُورُهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: شَكًّا وَامْتِرَاءً فِي الْحَقِّ، لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا»
١٢ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] شَكًّا وَامْتِرَاءً فِي الْحَقِّ. ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٥] قَالَ: مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا»
١٢ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٣١٨⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: تَضِيقُ شَكًّا»
١٢ ‏/ ٣١٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: تَضِيقُ شَكًّا وَامْتِرَاءً فِي الْحَقِّ، قَالَ: ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٥] قَالَ: مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٢ ‏/ ٣١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: مِنْ جَهَالَتِهِمْ بِهِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فِي أَجْوَفِ بُيُوتِهِمْ، ﴿يَعْلَمُ﴾ [هود: ٥] تِلْكَ السَّاعَةَ ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [هود: ٥]»
١٢ ‏/ ٣١٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ: «﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمْ يَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَسْتَغْشِي بِثَوْبِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَسْمَعُوا كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى. ⦗٣١٩⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] الْآيَةَ، قَالَ: كَانُوا يَحْنُونَ صُدُورَهُمْ لِكَيْلَا يَسْمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [هود: ٥] وَذَلِكَ أَخْفَى مَا يَكُونُ ابْنُ آدَمَ إِذَا حَنَى صَدْرَهُ وَاسْتَغْشَى بِثَوْبِهِ، وَأَضْمَرَ هَمَّهُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ»
١٢ ‏/ ٣١٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] قَالَ: أَخْفَى مَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ إِذَا أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، وَتَغَطَّى بِثَوْبِهِ، فَذَلِكَ أَخْفَى مَا يَكُونُ، وَاللَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ ﷺ عَنِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُضْمِرُونَ لَهُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، وَيُبْدُونَ لَهُ الْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ، وَأَنَّهُمْ مَعَهُ وَعَلَى دِينِهِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَلَا إِنَّهُمْ يَطْوُونَ صُدُورَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَرَائِرَهُمْ وَعَلَانِيَتَهُمْ وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا نَاجَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ⦗٣٢٠⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣١٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٥] قَالَ: هَذَا حِينَ يُنَاجِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَرَأَ: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] الْآيَةَ وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «وَأَلَّا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» عَلَى مِثَالِ: تَحْلَولِي التَّمْرَةُ: تَفْعَوعَلِ
١٢ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: «أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» قَالَ: كَانُوا لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ وَلَا الْغَائِطَ إِلَّا وَقَدْ تَغَشَّوْا بِثِيَابِهِمْ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْضُوا بِفُرُوجِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ “
١٢ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَؤُهَا: «أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: كَانَ نَاسٌ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُصِيبُوا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ ” ⦗٣٢١⦘ وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا
١٢ ‏/ ٣٢٠
حَدَّثَنَا بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَرَأَ «أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمُ: الشَّكُّ فِي اللَّهِ وَعَمَلُ السَّيِّئَاتِ. ﴿يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] يَسْتَكْبِرُ، أَوْ يَسْتَكِنُّ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ يَرَاهُ، ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [هود: ٥]
١٢ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: «أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» قَالَ عِكْرِمَةُ: تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ، قَالَ: الشَّكُّ فِي اللَّهِ وَعَمَلُ السَّيِّئَاتِ، فَيَسْتَغْشِي ثِيَابَهُ وَيَسْتَكِنُّ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ” وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] عَلَى مِثَالِ «يَفْعَلُونَ»، وَالصُّدُورُ نُصِبَ بِمَعْنَى: يَحْنُونَ صُدُورَهُمْ وَيَكْنُونَهَا. كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] يَقُولُ: يَكْنُونَ»
١٢ ‏/ ٣٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ ⦗٣٢٢⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] يَقُولُ: يَكْتُمُونَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ. ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ﴾ [هود: ٥] مَا عَمِلُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»
١٢ ‏/ ٣٢١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] يَقُولُ: تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الضَّحَّاكُ عَلَى مَذْهَبِ قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَّا أَنَّ الَّذِيَ حَدَّثَنَا هَكَذَا ذَكَرَ الْقِرَاءَةَ فِي الرِّوَايَةِ. فَإِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. فَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِاللَّهِ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تُضْمِرْهُ نُفُوسُهُمْ أَوْ تَنَاجُوهُ بَيْنَهُمْ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٥] بِمَعْنَى: لِيَسْتَخْفُوا مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْهُ﴾ [هود: ٥] عَائِدَةٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ ذِكْرٌ قَبْلُ. فَيُجْعَلْ مِنْ ذِكْرِهِ ﷺ، وَهِيَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْلَى. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُمْ لَمْ يُحْدِّثُوا أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بِجَهْلِهِمْ بِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سِرُّ أُمُورِهِمْ وَعَلَانِيَتِهَا عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا
١٢ ‏/ ٣٢٢
تَغَشُّوا بِالثِّيَابِ أَوْ أَظْهَرُوا بِالْبَزَارِ، فَقَالَ: ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] يَعْنِي: يَتَغَشُّونَ ثِيَابَهُمْ يَتَغَطَّونَهَا وَيَلْبِسُونَ، يُقَالُ مِنْهُ: اسْتَغْشَى ثَوْبَهُ وَتَغْشَّاهُ، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ [نوح: ٧] وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
[البحر البسيط] أَرْعَى النُّجُومَ وَمَا كُلِّفْتُ رِعْيَتَهَا … وَتَارَةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطْمَارِي
﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ [هود: ٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَعْلَمُ مَا يُسِرُّ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ بِرَبِّهِمْ، الظَّانُّونَ أَنَّ اللَّهَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا أَضْمَرَتْهُ صُدُورُهُمْ إِذَا حَنَوْهَا عَلَى مَا فِيهَا وَثَنَوْهُ، وَمَا تَنَاجَوْهُ بَيْنَهُمْ فَأَخْفُوهُ ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [هود: ٥] سَوَاءٌ عِنْدَهُ سَرَائِرُ عِبَادِهِ وَعَلَانِيَتُهُمْ ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [هود: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِكُلِّ مَا أَخْفَتْهُ صُدُورِ خَلْقِهِ مِنْ إِيمَانٍ، وَكُفْرٍ وَحَقٍّ وَبَاطِلٍ وَخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَمَا تَسْتَجِنُّهُ مِمَّا لَمْ يُجِنَّهُ بَعْدُ. كَمَا
١٢ ‏/ ٣٢٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ [هود: ٥] يَقُولُ: يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَاحْذَرُوا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ، وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ فِي صُدُورِكُمُ ⦗٣٢٤⦘ الشَّكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ تَوْحِيدِهِ أَوْ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ، أَوْ فِيمَا أَلْزَمَكُمُ الْإِيمَانَ بِهِ وَالتَّصْدِيقَ، فَتَهْلِكُوا بِاعْتِقَادِكُمْ ذَلِكَ.
١٢ ‏/ ٣٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [هود: ٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦] وَمَا تَدِبُّ دَابَّةٌ فِي الْأَرْضِ. وَالدَّابَّةُ: الْفَاعِلَةُ مِنْ دَبَّ فَهُوَ يَدِبُّ، وَهُوَ دَابٌّ، وَهِيَ دَابَّةٌ. ﴿إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦] يَقُولُ: إِلَّا وَمِنَ اللَّهِ رِزْقُهَا الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهَا هُوَ بِهِ مُتَكَفِّلٌ، وَذَلِكَ قُوتُهَا وَغِذَاؤُهَا وَمَا بِهِ عَيْشُهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦] قَالَ: مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقْهَا حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا، وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ٣٢٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦] قَالَ: كُلُّ ⦗٣٢٥⦘ دَابَّةٍ»
١٢ ‏/ ٣٢٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦] يَعْنِي: كُلَّ دَابَّةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُمْ» وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ مَاشٍ فَهُوَ دَابَّةٌ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا دَابَّةٌ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّ «مِنْ» زَائِدَةٌ وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] حَيْثُ تَسْتَقِرُّ فِيهِ، وَذَلِكَ مَأْوَاهَا الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] الْمَوْضِعُ الَّذِي يُودِعُهَا، إِمَّا بِمَوْتِهَا فِيهِ أَوْ دَفْنِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «﴿مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] حَيْثُ تَأْوِي، ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] حَيْثُ تَمُوتُ»
١٢ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ⦗٣٢٦⦘ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] يَقُولُ، حَيْثُ تَأْوِي، ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] يَقُولُ، إِذَا مَاتَتْ»
١٢ ‏/ ٣٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] قَالَ، الْمُسْتَقَرُّ: حَيْثُ تَأْوِي، وَالْمُسْتَوْدَعُ، حَيْثُ تَمُوتُ» وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] فِي الرَّحِمِ، ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] فِي الصُّلْبِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] فِي الرَّحِمِ، ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] فِي الصُّلْبِ، مِثْلُ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ»
١٢ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] فَالْمُسْتَقَرُّ: مَا كَانَ فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوَدَعُ: مَا كَانَ فِي الصُّلْبِ»
١٢ ‏/ ٣٢٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] يَقُولُ: فِي الرَّحِمِ، ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] فِي الصُّلْبِ» ⦗٣٢٧⦘ وَقَالَ: آخَرُونَ: الْمُسْتَقَرُّ: فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ: حَيْثُ تَمُوتُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، وَيَعْلَى بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] وَمُسْتَودَعَهَا قَالَ: مُسْتَقَرَّهَا: الْأَرْحَامُ، وَمُسْتَوْدَعَهَا: الْأَرْضُ الَّتِي تَمُوتُ فِيهَا»
١٢ ‏/ ٣٢٧
قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] وَمُسْتَوْدَعَهَا الْمُسْتَقَرُّ: الرَّحِمُ، وَالْمُسْتَوْدَعُ. الْمَكَانُ الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ» وَقَالَ آخَرُونَ ﴿مُسْتَقَرَّهَا﴾ [هود: ٦] أَيَّامَ حَيَاتِهَا ﴿وَمُسْتَودَعَهَا﴾ [هود: ٦] حَيْثُ تَمُوتُ فِيهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٢٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ [هود: ٦] قَالَ: مُسْتَقَرَّهَا: أَيَّامَ حَيَاتِهَا، وَمُسْتَوْدَعَهَا: حَيْثُ تَمُوتُ وَمِنْ حَيْثُ تُبْعَثُ» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِيهِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَا رُزِقَتِ الدَّوَابُّ مِنْ رِزْقٍ فَمِنْهُ، فَأَوْلَى أَنْ يَتْبَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ مَثْوَاهَا وَمُسْتَقَرَّهَا دُونَ الْخَبَرِ عَنْ عِلْمِهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَصْلَابُ وَالْأَرْحَامُ. ⦗٣٢٨⦘ ويعني بِقَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦] عَدَدُ كُلِّ دَابَّةٍ، وَمَبْلَغُ أَرْزَاقِهَا، وَقَدْرُ قَرَارِهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا، وَمُدَّةُ لَبْثِهَا فِي مُسْتَوْدَعَهَا، كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ عِنْدَ اللَّهِ مُثْبَتٌ مَكْتُوبٌ مُبِينٌ، يُبَيِّنُ لِمَنْ قَرَأَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُثْبَتٌ مَكْتُوبٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا، وَيُوجِدَهَا. وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ كَانُوا يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا، وَأَثْبَتَهَا فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَيُوجِدَهَا؛ يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوجِدَهُمْ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسُهُمْ إِذَا ثَنَوْا بِهِ صُدُورَهُمْ وَاسْتَغْشَوْا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمْ؟
١٢ ‏/ ٣٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ جَمِيعًا ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ يَقُولُ: أَفَيَعْجَزُ مَنْ خَلَقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَنْ يُعِيدَكُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ أَنْ يُمِيتُكُمْ؟ وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ فِي الْأَيَّامِ السِّتَّةِ، فَاجْتَزَّى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِذِكْرِ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ ذِكْرِ خَلْقِ مَا فِيهِنَّ
١٢ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ. أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي، فَقَالَ «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ ⦗٣٢٩⦘ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ»
١٢ ‏/ ٣٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٧] قَالَ: بَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمَيْنِ»
١٢ ‏/ ٣٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ كَعْبٍ، ⦗٣٣٠⦘ قَالَ: «بَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ، وَفَرَغَ مِنْهَا يَومَ الْجُمُعَةِ، فَخَلَقَ آدَمَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَومِ الْجُمُعَةِ، قَالَ: فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ أَلْفَ سَنَةٍ»
١٢ ‏/ ٣٢٩
وَحُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ قَالَ: مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ، كُلَّ يَوْمٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ؛ ابْتَدَأَ فِي الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَتَمَ الْخَلْقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَسُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ، وَسَبَتَ يَوْمَ السَّبْتِ فَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا» وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] يَقُولُ: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ كَمَا
١٢ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. ⦗٣٣١⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] يُنْبِئُكُمْ رَبُّكُمْ تبارك وتعالى كَيْفَ كَانَ بَدْءُ خَلْقِهِ قَبَلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ»
١٢ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ «﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] قَالَ: هَذَا بَدْءُ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ»
١٢ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: “أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ قَالَ: «فِي عَمَاءٍ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ»
١٢ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْقَطَّانُ الرَّازِقِيُّ قَالَا: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: «كَانَ فِي عَمَاءٍ ⦗٣٣٢⦘ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ»
١٢ ‏/ ٣٣١
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ. أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ حُصَيْنٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَتَى قَوْمٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ، وَيَقُولُونَ: أَعْطِنَا حَتَّى سَاءَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، وَجَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: جِئْنَا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَنَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ، وَنَسْأَلُهُ عَنْ بَدْءِ هَذَا الْأَمْرِ، قَالَ: «فَاقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ خَرَجُوا» قَالُوا: قَبْلِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ» . ثُمَّ أَتَانِي آتٍ، فَقَالَ: تِلْكَ نَاقَتُكَ قَدْ ذَهَبَتْ، فَخَرَجْتُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا السَّرَابُ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهَا
١٢ ‏/ ٣٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] قَالَ: كَانَ عَرْشُ اللَّهِ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً، ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَطْبَقَهُمَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٦٢] قَالَ: وَهِيَ الَّتِي ﴿لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ﴾ أَوْ قَالَ: وَهُمَا الَّتِي لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ ﴿مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] . قَالَ: وَهِيَ الَّتِي لَا تَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهَا أَوْ مَا فِيهِمَا يَأْتِيِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا تُحْفَةٌ»
١٢ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] قَالَ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ»
١٢ ‏/ ٣٣٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ⦗٣٣٤⦘ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧] عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟ قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٣٣
قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ، عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَخَلَقَ الْقَلَمَ، فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ سَبَّحَ لِلَّهِ وَمَجَّدَهُ أَلْفَ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا مِنَ الْخَلْقِ»
١٢ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: «إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ صَفَاءِ الْمَاءِ، ثُمَّ فَتْحَ الْقَبْضَةَ فَارْتَفَعَ دُخَانٌ، ثُمَّ قَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ طِينَةً مِنَ الْمَاءِ فَوَضَعَهَا مَكَانَ الْبَيْتِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ مِنْهَا، ثُمَّ خَلَقَ الْأَقْوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ، وَالسَّمَوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ فَرَغَ مِنْ آخِرِ الْخَلْقِ يَوْمَ السَّابِعِ» ⦗٣٣٥⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَخَلَقَكُمْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ [هود: ٧] يَقُولُ: لِيَخْتَبِرَكُمْ، ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: ٧] يَقُولُ: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ لَهُ طَاعَةً كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٣٤
حَدَّثَنَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: ٧] قَالَ: «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَأَسْرَعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ٣٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود: ٧] يَعْنِي الثَّقَلَيْنِ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [هود: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَئِنْ قُلْتَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ أَحْيَاءً مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ فَتَلَوْتَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي، لَيَقُولَنَّ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ؛ أَيْ مَا هَذَا
١٢ ‏/ ٣٣٥
الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا مِمَّا تَقُولُ إِلَّا سِحْرٌ لِسَامِعِهِ، مُبِينٌ حَقِيقَتُهُ أَنَّهُ سِحْرٌ. وَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١١٠]؛ وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ: «إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِرٌ مُبِينٌ» فَإِنَّهُ يُوَجِّهُ الْخَبَرَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ وَصَفُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِأَنَّهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ سَاحِرٌ مُبِينٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا
١٢ ‏/ ٣٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ الْعَذَابَ، فَلَمْ نُعَجِّلْهُ لَهُمْ، وَأَنْسَأْنَا فِي آجَالِهِمْ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ، وَوَقْتٍ مَحْدُودٍ وَسِنِينَ مَعْلُومَةٍ. وَأَصْلُ الْأُمَّةِ مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّهَا الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ تَجْتَمِعُ عَلَى مَذْهَبٍ وَدِينٍ، ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ فِي مُعَانٍ كَثِيرَةٍ تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْتُ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْسِنِينَ الْمَعْدُودَةِ وَالْحِينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَنَحْوِهِ أُمَّةٌ، لِأَنَّ فِيهَا تَكُونُ الْأُمَّةُ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى مَجِيءِ أُمَّةٍ
١٢ ‏/ ٣٣٦
وَانْقِرَاضِ أُخْرَى قَبْلَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْأَجَلِ وَالْحِينِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨] قَالَ: إِلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ
١٢ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨] قَالَ: أَجَلٍ مَعْدُودٍ»
١٢ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ»
١٢ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٣٣٨⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨] قَالَ: إِلَى حِينٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨] يَقُولُ: أَمْسَكْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَى حِينٍ
١٢ ‏/ ٣٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨] يَقُولُ: إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَقُولَنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ [هود: ٨] يَقُولُ: لَيَقُولَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا يَحْبِسُهُ؟ أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ مِنْ تَعْجِيلِ الْعَذَابِ الَّذِي يَتَوَعَّدُنَا بِهِ؟ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهِ، وَظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا أُخِّرَ عَنْهُمْ لِكَذِبِ الْمُتَوَعِدِ كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿لَيَقُولَنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ [هود: ٨] قَالَ: لِلْتَكْذِيبِ بِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ» ⦗٣٣٩⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ﴾ [هود: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَحْقِيقًا لِوَعِيدِهِ وَتَصْحِيحًا لِخَبَرِهِ: أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ الَّذِي يُكَذِّبُونَ بِهِ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ، يَقُولُ: لَيْسَ يَصْرِفُهُ عَنْهُمْ صَارِفٌ، وَلَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ دَافِعٌ، وَلَكِنَّهُ يَحِلُّ بِهِمْ فَيُهْلِكُهُمْ. ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزمر: ٤٨] يَقُولُ: وَنَزَلَ بِهِمْ وَأَصَابَهُمُ الَّذِي كَانُوا بِهِ يَسْخَرُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَكَانَ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ قِيلُهُمْ قَبْلَ نُزُولِهِ مَا يَحْبِسُهُ نَقْلًا بِأَنْبُيَائِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزمر: ٤٨] قَالَ: مَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنَ الْحَقِّ»
١٢ ‏/ ٣٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ [هود: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَخَاءً وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ وَالْعَيْشِ، فَبَسَطْنَا عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَهِيَ الرَّحْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ﴾ [هود: ٩] يَقُولُ: ثُمَّ سَلَبْنَاهُ ذَلِكَ، فَأَصَابَتْهُ مَصَائِبٌ أَجَاحَتْهُ فَذَهَبَتْ بِهِ؛ ﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ [هود: ٩] يَقُولُ: يَظَلُّ قَنِطًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ آيِسًا مِنَ الْخَيْرِ. وَقَوْلُهُ: «يَئُوسٌ»: فَعُولٌ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: يَئِسَ فُلَانٌ مِنْ كَذَا فَهُوَ ⦗٣٤٠⦘ يَئُوسٌ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ صِفَةً لَهُ. وَقَوْلُهُ: «كَفُورٌ»، يَقُولُ: هُوَ كَفُورٌ لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، قَلِيلُ الشُّكْرِ لِرَبِّهِ الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِ بِمَا كَانَ وَهَبَ لَهُ مِنْ نِعْمَتِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٣٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ [هود: ٩] قَالَ: يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا كَانَتْ بِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ مِنَ السَّعَةِ وَالْأَمْنِ وَالْعَافِيَةِ فَكَفُورٌ لِمَا بِكَ مِنْهَا، وَإِذَا نُزِعَتْ مِنْكَ يَبْتَغِ لَكَ فَرَاغَكَ فَيَئُوسٌ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، قَنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ، كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ»
١٢ ‏/ ٣٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ نَحْنُ بَسَطْنَا لِلْإِنْسَانِ فِي دُنْيَاهُ، وَرَزَقْنَاهُ رَخَاءً فِي عَيْشِهِ، وَوَسَّعْنا عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ؛ وَذَلِكَ هِيَ النِّعَمُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ﴾ [هود: ١٠] وَقَوْلُهُ: ﴿بَعْدَ ضَرَّاءَ﴾ [يونس: ٢١] يَقُولُ: بَعْدَ ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ كَانَ فِيهِ، وَعُسْرَةٍ كَانَ يُعَالِجُهَا. ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾ [هود: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيَقُولَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ: ذَهَبَ الضِّيقُ وَالْعُسْرَةُ عَنِّي، وَزَالَتِ الشَّدَائِدُ وَالْمَكَارِهُ. ﴿إِنَّهُ
١٢ ‏/ ٣٤٠
لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ [هود: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفَرِحٌ بِالنِّعَمِ الَّتِي يُعْطَاهَا مَسْرُورٌ بِهَا فَخُورٌ، يَقُولُ: ذُو فَخْرٍ بِمَا نَالَ مِنَ السَّعَةِ فِي الدُّنْيَا، وَمَا بُسِطَ لَهُ فِيهَا مِنَ الْعَيْشِ، وَيَنْسَى صُرُوفَهَا وَنَكِدَ الْعَوَائِصِ فِيهَا، وَيَدَعُ طَلَبَ النَّعِيمِ الَّذِي يَبْقَى وَالسُّرُورَ الَّذِي يَدُومُ فَلَا يَزُولُ
١٢ ‏/ ٣٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾ [هود: ١٠] غُرَّةٌ بِاللَّهِ وَجُرْاءَةٌ عَلَيْهِ. ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ﴾ [هود: ١٠] وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، ﴿فَخُورٌ﴾ [هود: ١٠] بَعْدَ مَا أَعْطَى اللَّهُ، وَهُوَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ» ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي وَصَفَهُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بِمَعْنَى الْجِنْسِ، وَمَعْنَى الْجَمْعِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العصر: ٢] فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [هود: ١١]، فَإِنَّهُمْ إِنْ تَأْتِيَهُمْ شِدَّةٌ مِنَ الدُّنْيَا وَعُسْرَةٌ فِيهَا لَمْ يُثْنِهِمْ ذَلِكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُمْ صَبَرُوا لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ، فَإِنْ نَالُوا فِيهَا رَخَاءً وَسَعَةً شَكَرُوهُ وَأَدُّوا حُقُوقَهُ بِمَا آتَاهُمْ مِنْهَا. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [هود: ١١] يَغْفِرُهَا لَهُمْ، وَلَا يَفْضَحُهُمْ بِهَا فِي مِعَادِهِمْ. ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١١] يَقُولُ: وَلَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَعَ مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ ثَوَابٌ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا جَزِيلٌ، وَجَزَاءٌ عَظِيمٌ
١٢ ‏/ ٣٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [هود: ١١] عِنْدَ الْبَلَاءِ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [هود: ١١] عِنْدَ النِّعْمَةِ، ﴿لَهُمْ ⦗٣٤٢⦘ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] لِذُنُوبِهِمْ، ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١١] . قَالَ: الْجَنَّةُ»
١٢ ‏/ ٣٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [هود: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَلَعَلَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحِي إِلَيْكَ رَبُّكَ أَنْ تُبَلِّغَهُ مِنْ أَمْرِكَ بِتَبْلِيغِهِ ذَلِكَ، وَضَائِقٌ بِمَا يُوحَى إِلَيْكَ صَدْرُكَ، فَلَا تُبَلِّغُهُ إِيَّاهُمْ مَخَافَةَ ﴿أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود: ١٢] لَهُ مُصَدِّقٌ بِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبَلِّغْهُمْ مَا أَوْحَيْتُهُ إِلَيْكَ، فَإِنَّكَ ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ﴾ [هود: ١٢] تُنْذِرُهُمْ عِقَابِي وَتُحَذِّرُهُمْ بَأْسِي عَلَى كُفْرِهِمْ بِي، وَإِنَّمَا الْآيَاتُ الَّتِي يَسْأَلُونَكَهَا عِنْدِي، وَفِي سُلْطَانِي أُنْزِلُهَا إِذَا شِئْتُ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَالْإِنْذَارُ. ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [هود: ١٢] يَقُولُ: وَاللَّهُ الْقَيِّمُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَبِيَدِهِ تَدْبِيرِهِ، فَانْفُذْ لِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَلَا يَمْنَعُكَ مَسْأَلَتُهُمْ إِيَّاكَ الْآيَاتِ، مِنْ تَبْلِيغِهِمْ وَحْيِي، وَالنُّفُوذِ لِأَمْرِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ [هود: ١٢] أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا أُمِرْتَ وَتَدْعُو إِلَيْهِ كَمَا أُرْسِلْتَ، قَالُوا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ﴾ [هود: ١٢] لَا نَرَى ⦗٣٤٣⦘ مَعَهُ مَالًا، أَيْنَ الْمَالُ؟ ﴿أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود: ١٢] يُنْذِرُ مَعَهُ، ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ﴾ [هود: ١٢] فَبَلِّغْ مَا أُمِرْتَ»
١٢ ‏/ ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ كَفَاكَ حُجَّةً عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ وَدَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِكَ، هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ غَيْرِهِ، إِذْ كَانَتِ الْآيَاتُ إِنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ أُعْطِيَهَا دَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ، لِعَجْزِ جَمِيعِ الْخَلْقِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهَا، وَهَذَا الْقُرْآنُ جَمِيعُ الْخَلْقِ عَجَزَةٌ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ. فَإِنْ هُمْ قَالُوا: افْتَرَيْتَهُ: أَيِ اخْتَلَقْتَهُ وَتَكَذَّبْتَهُ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: ٣٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: ٣٨] أَيْ أَيَقُولُونَ افْتُرَاهُ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى سَبَبِ إِدْخَالِ الْعَرَبِ «أَمْ» فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَقُلْ لَهُمْ: يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ مُفْتَرَيَاتٍ، يَعْنِي مُفْتَعَلَاتٍ مُخْتَلَقَاتٍ، إِنْ كَانَ مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ مُفْتَرًى، وَلَيْسَ بِآيَةٍ مُعْجِزَةٍ كَسَائِرِ
١٢ ‏/ ٣٤٣
مَا سُئِلْتُهُ مِنَ الْآيَاتِ، كَالْكَنْزِ الَّذِي قُلْتُمْ: هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ أَوْ الْمَلَكِ الَّذِي قُلْتُمْ: هَلَّا جَاءَ مَعَهُ نَذِيرٌ لَهُ مُصَدِّقًا فَإِنَّكُمْ قَوْمِي، وَأَنْتُمْ مِنْ أَهْلِ لِسَانِي، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، وَمُحَالٌ أَنْ أَقْدِرَ أَخْلُقُ وَحْدِي مِئَةَ سُورَةٍ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةٍ، وَلَا تَقْدِرُوا بِأَجْمَعِكُمْ أَنْ تَفْتَرُوا وَتَخْتَلِقُوا عَشْرَ سُوَرٍ مِثْلِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا اسْتَعَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْ شِئْتُمْ مِنَ الْخَلْقِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قُلْ لَهُمْ: وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْعُوهُمُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَعْنِي سِوَى اللَّهِ، لَافْتِرَاءِ ذَلِكَ، وَاخْتِلَاقِهِ مِنَ الْآلِهَةِ، فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى أَنْ تَفْتَرُوا عَشْرَ سُوَرٍ مِثْلَهُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّكُمْ كَذِبَةٌ فِي قَوْلِكُمُ افْتَرَاهُ، وَصَحَّتْ عِنْدَكُمْ حَقِيقَةُ مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تَتَخَيَّرُوا الْآيَاتِ عَلَى رَبِّكُمْ، وَقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا تُكَذِّبُونَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِثْلِ الَّذِي تَسْأَلُونَ مِنَ الْحُجَّةِ وَتَرْغَبُونَ أَنَّكُمْ تُصَدِّقُونَ بِمَجِيئِهَا. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] لِقَوْلِهِ: ﴿فَأَتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: ١٣] وَإِنَّمَا هُوَ: قُلْ فَأَتَوْا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ افْتُرَاهُ مُحَمَّدٌ، وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ
١٢ ‏/ ٣٤٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿أَمْ يَقُولُونَ، افْتَرَاهُ﴾ [يونس: ٣٨] قَدْ قَالُوهُ؛ ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ [هود: ١٣] قَالَ: يَشْهَدُونَ أَنَّهَا مِثْلَهُ ” هَكَذَا قَالَ الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ
١٢ ‏/ ٣٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [هود: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكُمْ مَنْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ مُفْتَرَيَاتٍ، وَلَمْ تُطِيقُوا أَنْتُمْ وَهُمْ أَنْ تَأْتُوا بِذَلِكَ، فَاعْلَمُوا وَأَيْقِنُوا أَنَّهُ إِنَّمَا أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ بِعِلْمِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَفْتَرِهْ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَرِيَهُ، ﴿وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [هود: ١٤] يَقُولُ: وَأَيْقِنُوا أَيْضًا أَنْ لَا مَعْبُودَ يَسْتَحِقُّ الْأَلُوهَةَ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، فَاخْلَعُوا الْأَنْدَادَ وَالْآلِهَةَ، وَأَفْرِدُوا لَهُ الْعِبَادَةَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ [هود: ١٤] خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ يَا مُحَمَّدُ، فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ. وَذَلِكَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [هود: ١٤] يَقُولُ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُذْعِنُونَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، وَمُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ؟ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: عُنِيَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ
١٢ ‏/ ٣٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [هود: ١٤] قَالَ: لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١٢ ‏/ ٣٤٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، ⦗٣٤٦⦘ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [هود: ١٤] قَالَ: لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقِيلَ: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ [هود: ١٤] وَالْخِطَابُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ قَدْ جَرَى لِوَاحِدٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ فَأَتُوا﴾ [آل عمران: ٩٣] وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي خِطَابِ رَئِيسِ الْقَوْمِ وَصَاحِبِ أَمْرِهِمْ، أَنَّ الْعَرَبَ تُخْرِجُ خِطَابَهُ أَحْيَانًا مَخْرَجَ خِطَابِ الْجَمْعِ إِذَا كَانَ خِطَابُهُ خِطَابُ الْأَتْبَاعِ وَجُنْدِهِ، وَأَحْيَانًا مَخْرَجُ خِطَابِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ وَاحِدًا
١٢ ‏/ ٣٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ﴾ [النساء: ١٣٤] بِعَمَلِهِ ﴿الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٨٥] وَأَثَاثَهَا ﴿وَزِينَتَهَا﴾ [هود: ١٥] يَطْلُبُ بِهِ ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ﴾ [هود: ١٥] أُجُورَ ﴿أَعْمَالِهِمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥] وَثَوَابَهَا ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: وَهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] يَقُولُ: لَا يُنْقَصُونَ أَجْرَهَا، وَلَكِنَّهُمْ يُوَفَّونَهُ فِيهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ⦗٣٤٧⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٤٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [هود: ١٥] الْآيَةَ، وَهِيَ مَا يُعْطِيهِمُ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا بِحَسَنَاتِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، يَقُولُ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا الْتِمَاسَ الدُّنْيَا صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ تَهَجُّدًا بِاللَّيْلِ لَا يَعْمَلُهُ إِلَّا لِالْتِمَاسِ الدُّنْيَا؛ يَقُولُ اللَّهُ: أُوَفِّيهِ الَّذِي الْتَمَسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَثَابَةِ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ الْتِمَاسَ الدُّنْيَا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»
١٢ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥] قَالَ: ثَوَابَ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ أُعْطُوهُ فِي الدُّنْيَا، وَ﴿لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ [هود: ١٦]»
١٢ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥] قَالَ: وَرُبَّمَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ أُعْطُوهُ فِي الدُّنْيَا، وَ﴿لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ [هود: ١٦] قَالَ: هِيَ مِثْلُ الْآيَةِ الَّتِي فِي الرُّومِ: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩]»
١٢ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿⦗٣٤٨⦘ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [هود: ١٥] قَالَ: مَنْ عَمِلَ لِلدُّنْيَا وُفِّيهِ فِي الدُّنْيَا»
١٢ ‏/ ٣٤٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [هود: ١٥] قَالَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ لَا يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا ثَوَابَ ذَلِكَ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا، ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] أَجْرَ مَا عَمِلُوا فِيهَا، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ [هود: ١٦]» الْآيَةَ
١٢ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عِيسَى يَعْنِي ابْنَ مَيْمُونٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [هود: ١٥] قَالَ: مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ جُوزِيَ بِهِ، يُعْطَى ثَوَابَهُ»
١٢ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عِيسَى الْجُرَشِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ﴾ [هود: ١٥] إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا قَالَ: مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ يُعَجِّلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا»
١٢ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] أَيْ لَا يُظْلَمُونَ. يَقُولُ: مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمُّهُ وَسَدَمُهُ وَطِلْبَتُهُ وَنِيَّتُهُ، جَازَاهُ اللَّهُ ⦗٣٤٩⦘ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يُفْضِي إِلَى الْآخِرَةِ وَلَيْسَ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا جَزَاءً. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ. ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] أَيْ فِي الْآخِرَةِ لَا يُظْلَمُونَ»
١٢ ‏/ ٣٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥] الْآيَةَ، قَالَ: مَنْ كَانَ إِنَّمَا هِمَّتُهُ الدُّنْيَا إِيَّاهَا يَطْلُبُ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا، وَأَعْطَاهُ فِيهَا مَا يَعِيشُ، وَكَانَ ذَلِكَ قِصَاصًا لَهُ بِعَمَلِهِ. ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] قَالَ: لَا يُظْلَمُونَ»
١٢ ‏/ ٣٤٩
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلَمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ مِنْ مُحْسِنٍ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الْآخِرَةِ»
١٢ ‏/ ٣٤٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥] الْآيَةَ، يَقُولُ: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي غَيْرِ تَقْوَى يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أُعْطِي عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فِي الدُّنْيَا ⦗٣٥٠⦘ يَصِلْ رَحِمًا، يُعْطِي سَائِلًا، يَرْحَمْ مُضَّطَرًّا فِي نَحْوِ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ؛ يُعَجِّلُ اللَّهُ لَهُ ثَوَابَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ وَالرِّزْقِ، وَيَقِرُّ عَيْنَهُ فِيمَا خَوَّلَهُ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَا فِي نَحْوِ هَذَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»
١٢ ‏/ ٣٤٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، قَالَ: ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] قَالَ: هِيَ فِي الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى»
١٢ ‏/ ٣٥٠
قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْأَزْدِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ: «نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا قَالَ: طَيِّبَاتِهِمْ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ وَهْبٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مُجَاهِدًا، كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ»
١٢ ‏/ ٣٥٠
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: ثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُوعُثْمَانَ، أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ شُفَيَّ بْنَ مَاتِعٍ الْأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ، دَخَلَ ⦗٣٥١⦘ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا أَبُو هُرَيْرَةَ. فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ: أَنْشُدُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَّا حَدَّثَتْنِي حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَقَلْتَهُ وَعَلَّمْتَهُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا فِيهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَاشْتَدَّ بِهِ طَوِيلًا، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ إِلَى أَهْلِ الْقِيَامَةِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ، فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ. وَيُؤْتَى ⦗٣٥٢⦘ بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ». ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رُكْبَتَيَّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ: فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ أَنَّ شُفَيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: وحَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَلَكَ، وَقُلْنَا: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ. ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ [هود: ١٥] وَقَرَأَ إِلَى: ﴿وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٩]
١٢ ‏/ ٣٥٠
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [هود: ١٥] الْآيَةَ، قَالَ: مِمَّنْ لَا يَتَقَبَّلُ ⦗٣٥٣⦘ مِنْهُ، يَصُومُ وَيُصَلِّي يُرِيدُ بِهِ الدُّنْيَا، وَيَدْفَعُ عَنْهُ وَهْمَ الْآخِرَةِ. ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ [هود: ١٥] لَا يُنْقَصُونَ»
١٢ ‏/ ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ أَنَّا نُوَفِّيَهُمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ﴿لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ﴾ [هود: ١٦] يَصْلَونَهَا، ﴿وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾ [هود: ١٦] يَقُولُ: وَذَهَبَ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا، ﴿وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٩] لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَأَبْطَلَهُ اللَّهُ وَأَحْبَطَ عَامِلُهُ أَجْرَهُ
١٢ ‏/ ٣٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [هود: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] قَدْ بَيَّنَ لَهُ دِينَهُ فَتَبَيَّنَهُ، ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] مُحَمَّدًا ﷺ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ ⦗٣٥٤⦘ قَتَادَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ أَنْتَ التَّالِي فِي ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: «لَا وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَنَا هُوَ، وَلَكِنَّهُ لِسَانُهُ»
١٢ ‏/ ٣٥٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: لِسَانُهُ»
١٢ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: لِسَانُهُ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو النُّعْمَانِ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] وَهُوَ مُحَمَّدٌ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ»
١٢ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: لِسَانُهُ»
١٢ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿⦗٣٥٥⦘ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: لِسَانُهُ هُوَ الشَّاهِدُ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] مُحَمَّدًا ﷺ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْعَلَّافِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [سورة: هود، آية رقم: ١٧] قَالَ: الشَّاهِدُ مُحَمَّدٌ ﷺ»
١٢ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنِي سُلَيْمَانُ الْعَلَّافُ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ»
١٢ ‏/ ٣٥٥
قَالَ: ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْعَلَّافِ، سَمِعَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] يَقُولُ: مُحَمَّدٌ هُوَ الشَّاهِدُ مِنَ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [سورة: هود، آية رقم: ١٧] قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ⦗٣٥٦⦘ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَالْقُرْآنُ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ أَيْضًا مِنَ اللَّهِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
١٢ ‏/ ٣٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: النَّبِيُّ ﷺ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ نَضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، سَمِعْتُ سُفْيَانَ، يَقُولُ: «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا رُزَيْقُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثَنَا صَبَاحُ الْفَرَّاءُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ رضي الله عنه: «مَا مِنْ ⦗٣٥٧⦘ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَقَدْ نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: فَأَنْتَ فَأَيُّ شَيْءٍ نَزَلَ فِيكَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا تَقْرَأُ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي هُودٍ ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧]» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ جَبْرَئِيلُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: جَبْرَئِيلُ»
١٢ ‏/ ٣٥٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: “﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: جَبْرَئِيلُ وحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ مَرَّةً أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: قَالَ يَقُولُونَ عَلِيٌّ؛ إِنَّمَا هُوَ جَبْرَئِيلُ
١٢ ‏/ ٣٥٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُوَ جَبْرَئِيلُ، تَلَا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، وَهُوَ الشَّاهِدُ مِنَ اللَّهِ»
١٢ ‏/ ٣٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَاشِرٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ. وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: جَبْرَئِيلُ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٥٨
قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «جَبْرَئِيلُ»
١٢ ‏/ ٣٥٨
قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: جَبْرَئِيلُ»
١٢ ‏/ ٣٥٨
قَالَ: ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: جَبْرَئِيلُ»
١٢ ‏/ ٣٥٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ ⦗٣٥٩⦘ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] يَعْنِي مُحَمَّدًا هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ، ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] جَبْرَئِيلُ شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو عَلَى مُحَمَّدٍ مَا بُعِثَ بِهِ»
١٢ ‏/ ٣٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: «هُوَ جَبْرَئِيلُ»
١٢ ‏/ ٣٥٩
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ نَضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «هُوَ جَبْرَئِيلُ»
١٢ ‏/ ٣٥٩
قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «جَبْرَئِيلُ»
١٢ ‏/ ٣٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] يَعْنِي مُحَمَّدًا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] فَهُوَ جَبْرَئِيلُ شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ بِالَّذِي يَتْلُو مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَيُقَالُ: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] يَقُولُ: يَحْفَظُهُ الْمَلَكُ الَّذِي مَعَهُ»
١٢ ‏/ ٣٥٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: يَعْنِي مُحَمَّدًا، ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: جَبْرَئِيلُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَلَكٌ يَحْفَظُهُ. ⦗٣٦٠⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: مَعَهُ حَافَظٌ مِنَ اللَّهِ مَلَكٌ»
١٢ ‏/ ٣٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَسُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: مَلَكٌ يَحْفَظُهُ»
١٢ ‏/ ٣٦٠
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَمَّنْ سَمِعَ مُجَاهِدًا: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: الْمَلَكُ»
١٢ ‏/ ٣٦٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] يَتْبَعُهُ حَافَظٌ مِنَ اللَّهِ مَلَكٌ»
١٢ ‏/ ٣٦٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: الْمَلَكُ يَحْفَظُهُ: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ [البقرة: ١٢١] قَالَ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ»
١٢ ‏/ ٣٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: حَافَظٌ مِنَ اللَّهِ مَلَكٌ» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ جَبْرَئِيلُ، لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾ [هود: ١٧] عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عُلَيَّةَ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْلُ قَبْلَ الْقُرْآنِ كِتَابَ ⦗٣٦١⦘ مُوسَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ لِسَانُ مُحَمَّدٍ ﷺ، أَوْ مُحَمَّدٌ نَفْسُهُ، أَوْ عَلِيُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ عَلِيُّ. وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا كَانَ تَلَا ذَلِكَ قَبْلَ الْقُرْآنِ أَوْ جَاءَ بِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] غَيْرُ جَبْرَئِيلَ عليه السلام. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلُكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِ جَبْرَئِيلَ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ [هود: ١٧] بِالنَّصْبِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ: وَيَتْلُو الْقُرْآنَ شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ كِتَابَ مُوسَى؟ قِيلَ: إِنَّ الْقُرَّاءَ فِي الْأَمْصَارِ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ خِلَافُهَا، وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ بِالنَّصْبِ كَانَتْ قِرَاءَةً صَحِيحَةً وَمَعْنًا صَحِيحًا. فَإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْهُ رَفْعِهِمْ إِذًا الْكِتَابَ عَلَى مَا ادَّعَيْتَ مِنَ التَّأْوِيلِ؟ قِيلَ: وَجْهُ رَفْعِهِمْ هَذَا أَنَّهُمُ ابْتَدَءُوا الْخَبَرَ عَنْ مَجِيءِ كِتَابِ مُوسَى قَبْلَ كِتَابِنَا الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَرَفَعُوهُ بِ «مِنْ» قَبْلِهِ، وَالْقِرَاءَةُ كَذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ مَعْنَى تِلَاوَةِ جَبْرَئِيلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسْتَأْنَفًا عَلَى مَا وَصَفْتُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِمَامًا﴾ [البقرة: ١٢٤] فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ كِتَابِ مُوسَى، وَقَوْلُهُ ﴿وَرَحْمَةً﴾ [هود: ١٧] عَطْفٌ عَلَى «الْإِمَامِ»، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَأْتَمُّونَ بِهِ، وَرَحْمَةً مِنَ اللَّهِ تَلَاهُ عَلَى مُوسَى. ⦗٣٦٢⦘ كَمَا
١٢ ‏/ ٣٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: “﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ [هود: ١٧] قَالَ: «مِنْ قَبْلِهِ جَاءَ بِالْكِتَابِ إِلَى مُوسَى» وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾ [هود: ١٧] كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ مُتَرَدِّدٌ، لَا يَهْتَدِي لِرُشْدٍ، وَلَا يَعْرِفُ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا يَطْلُبُ بِعَمَلِهِ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا؟ وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩] وَالدَّلِيلُ عَلَى حَقِيقَةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ عَقِيبُ قَوْلِهِ: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [هود: ١٥] الْآيَةَ، ثُمَّ قِيلَ: أَهَذَا خَيْرٌ أَمَّنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ؟ وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا إِذَا كَانَ فِيمَا ذَكَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى مُرَادِهَا عَلَى مَا حَذَفَتْ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ … سِوَاكِ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكِ مَدْفَعَا
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة: ١٢١] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ بِهِ إِنْ كَفَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ
١٢ ‏/ ٣٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا
١٢ ‏/ ٣٦٢
تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [هود: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَيَجْحَدَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْأَحْزَابِ، وَهُمُ الْمُتَحَزِّبَةُ عَلَى مِلَلِهِمْ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ، إِنَّهُ يَصِيرُ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ بِتَكْذِيبِهِ يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ. ﴿فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧] يَقُولُ: فَلَا تَكُ فِي شَكٍّ مِنْهُ، مِنْ أَنَّ مَوْعِدَ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنَ الْأَحْزَابِ النَّارُ، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. ثُمَّ ابْتَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ، حَتَّى قِيلَ لَهُ: فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ؟ قِيلَ: هَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤] وَقَدْ بَيْنَا ذَلِكَ هُنَالِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: «مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى قَالَ» لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا ⦗٣٦٤⦘ يَهُودِيُّ وَلَا نَصْرَانِيُّ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّارَ «قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ أَيْنَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا»
١٢ ‏/ ٣٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرِّمِيُّ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: مِنَ الْمِلَلِ كُلِّهَا»
١٢ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كُنْتُ لَا أَسْمَعُ بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى وَجْهِهِ، إِلَّا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ أَوْ قَالَ: تَصْدِيقَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيُّ وَلَا نَصْرَانِيُّ، ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّارَ» فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَيْنَ مِصْدَاقُهَا؟ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذَا: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [هود: ١٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: فَالْأَحْزَابُ: الْمِلَلُ كُلُّهَا»
١٢ ‏/ ٣٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثَنِي أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيُّ وَلَا نَصْرَانِيُّ فَلَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا دَخَلَ النَّارَ» فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَيْنَ مِصْدَاقُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَقَلَّمَا سَمِعْتُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا ⦗٣٦٥⦘ وَجَدْتُ لَهُ تَصْدِيقًا فِي الْقُرْآنِ، حَتَّى وَجَدْتُ هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧] الْمِلَلِ كُلِّهَا “
١٢ ‏/ ٣٦٤
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧] قَالَ: الْكُفَّارُ أَحْزَابٌ كُلُّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ»
١٢ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: ٣٦] أَيْ يَكْفُرْ بِبَعْضِهِ، وَهُمُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى. قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، كَانَ يَقُولُ: «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا يَهُودِيُّ وَلَا نَصْرَانِيُّ، ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ بِي، إِلَّا دَخَلَ النَّارَ»
١٢ ‏/ ٣٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ النَّضْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَنْ سَمِعَ بِيَ مِنْ أُمَّتِي أَوْ يَهُودِيُّ أَوْ نَصْرَانِيُّ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِي لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»
١٢ ‏/ ٣٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ تَعْذِيبًا مِمَّنِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَكَذَبَ عَلَيْهِ أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ، وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَكْذِبُونَ عَلَى رَبِّهِمْ يُعْرَضُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَبِّهِمْ، فَيَسْأَلُهُمْ عَمَّا كَانُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ. كَمَا
١٢ ‏/ ٣٦٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: ٢١] قَالَ: الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ ﴿أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ١٨] فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ شَهِدُوهُمْ وَحَفِظُوا عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَهُمْ جَمْعُ شَاهِدٍ، مِثْلُ الْأَصْحَابِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ صَاحِبٍ؛ ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ١٨] يَقُولُ: شَهِدَ هَؤُلَاءِ الْأَشْهَادُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا ⦗٣٦٧⦘ فِي الدُّنْيَا عَلَى رَبِّهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] يَقُولُ: أَلَا غَضَبُ اللَّهِ عَلَى الْمُعْتَدِينَ. الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا نُمَيْرُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ»
١٢ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ»
١٢ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] وَالْأَشْهَادُ: الْمَلَائِكَةُ، يَشْهَدُونَ عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَعْمَالِهِمْ»
١٢ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] قَالَ: الْخَلَائِقُ، أَوْ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ
١٢ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] الَّذِينَ كَانَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا ﴿هَؤُلَاءِ ⦗٣٦٨⦘ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ١٨] حَفِظُوهُ وَشَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَشْهَادُ: الْمَلَائِكَةُ
١٢ ‏/ ٣٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: «سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] قَالَ: الْمَلَائِكَةُ»
١٢ ‏/ ٣٦٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ﴾ [هود: ١٨] يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ﴾ [النحل: ٨٩] قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ١٨] يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ فَكَذَّبُوا، فَنَحْنُ نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْكَ يَا رَبَّنَا»
١٢ ‏/ ٣٦٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَهِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ بِالْبَيْتِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ يَطُوفُ، إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ كَذَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّ أَعْرِفُ. مَرَّتَيْنِ. حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا ⦗٣٦٩⦘ أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمُ» قَالَ: «فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ أَوْ كِتَابِهِ بِيَمِينِهِ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ: أَلَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ
١٢ ‏/ ٣٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ لَا يُخْزَى يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ فَيَخْفَى خِزْيُهُ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ خَلَقَ اللَّهُ أَوِ الْخَلَائِقِ»
١٢ ‏/ ٣٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ، عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْإِقْرَارِ لَهُ بِالْعُبُودَةِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُفْتِنُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ مَنْ دَخَلَ فِيهِ. ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [الأعراف: ٤٥] يَقُولُ: وَيَلْتَمِسُونَ سَبِيلَ اللَّهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ، يَقُولُ: زَيْغًا وَمَيْلًا عَنِ الِاسْتِقَامَةِ. ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [هود: ١٩] يَقُولُ: وَهُمْ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ مَعَ صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَبَغْيِهِمْ إِيَّاهَا عِوَجًا كَافِرُونَ، يَقُولُ: هُمْ جَاحِدُونَ ذَلِكَ مُنْكِرُونَ
١٢ ‏/ ٣٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ
١٢ ‏/ ٣٦٩
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠] يَعْنِي جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [هود: ٢٠] هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بِالَّذِينَ يُعْجِزُونَ رَبَّهُمْ بِهَرَبِهِمْ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ إِذَا أَرَادَ عِقَابَهُمْ وَالِانْتِقَامَ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَمُلْكِهِ، لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُمْ، وَلَا يَفُوتُونَهُ هَرَبًا إِذَا طَلَبَهُمْ. ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [هود: ٢٠] يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَرَادَ عِقَابَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَيَحُولُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إِذَا هُوَ عَذَّبَهُمْ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَنَعَةٌ يَمْتَنِعُونَ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ مِنَ النَّاسِ بِسُوءٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ [هود: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُزَادُ فِي عَذَابِهِمْ، فَيُجْعَلُ لَهُمْ مَكَانَ الْوَاحِدِ اثَنَانِ. وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠] فَإِنَّهُ اخْتَلَفَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَدْ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ، وَلَا يُبْصِرُونَ حُجَجَ اللَّهِ سَمَاعَ مُنْتَفِعٍ، وَلَا إِبْصَارَ مُهْتَدٍ.
١٢ ‏/ ٣٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْسَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠] صُمٌّ عَنِ الْحَقِّ فَمَا يَسْمَعُونَهُ، بُكْمٌ فَمَا يَنْطِقُونَ بِهِ، عُمْيٌ فَلَا يُبْصِرُونَهُ، وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ»
١٢ ‏/ ٣٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠] قَالَ: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا خَبَرًا فَيَنْتَفِعُوا بِهِ، وَلَا يُبْصِرُوا خَيْرًا فَيَأْخُذُوا بِهِ»
١٢ ‏/ ٣٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَخْبَرَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَبَيْنَ طَاعَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ [هود: ٢٠] وَهِيَ طَاعَتُهُ، ﴿وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠] وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً﴾ [القلم: ٤٣]» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ [هود: ٢٠] آلِهَةٍ، الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: أُولَئِكَ وَآلِهَتُهُمْ لَمْ يَكُونُوا ⦗٣٧٢⦘ مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ، ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠] يَعْنِي الْآلِهَةَ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ. هَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ كَرِهْتُ ذِكْرَهُ لِضَعْفِ سَنَدِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ، وَلَا يَسْمَعُونَهُ، وَبِمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ، وَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَجَ اللَّهِ بِأَعْيُنِهِمْ، فَيَعْتَبِرُوا بِهَا. قَالُوا: وَالْبَاءُ كَانَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَدْخُلَ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة: ١٠] بِكَذِبِهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ التَّنْزِيلِ أُدْخِلَتْ فِيهِ الْبَاءُ، وَسُقُوطُهَا جَائِزٌ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِكَ فِي الْكَلَامِ: لَأَجْزِيَنَّكَ مَا عَمِلْتَ وَبِمَا عَمِلْتَ، وَهَذَا قَوْلٌ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ، مِنْ أَنَّ اللَّهَ وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ، بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا الْحَقَّ سَمَاعَ مُنْتَفِعٍ، وَلَا يُبْصِرُونَهُ إِبْصَارَ مُهْتَدٍ، لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ، عَنِ اسْتِعْمَالِ جَوَارِحِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارٌ
١٢ ‏/ ٣٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [هود: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ، هُمُ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ ⦗٣٧٣⦘ حُظُوظَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٤] وَبَطَلَ كَذِبُهُمْ وَإِفْكُهُمْ وَفِرْيَتُهُمْ عَلَى اللَّهِ، بِادِّعَائِهِمْ لَهُ شُرَكَاءَ، فَسَلَكَ مَا كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ غَيْرَ مَسْلَكِهِمْ، وَأَخَذَ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِمْ، فَضَلَّ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ سَلَكَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، وَصَارَتْ آلِهَتُهُمْ عَدَمًا لَا شَيْءَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا حِجَارَةً أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا، أَوْ كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا، فَسَلَكَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَيْضًا غَيْرُ مَسْلَكِهِمْ، وَذَلِكَ أَيْضًا ضَلَالٌ عَنْهُمْ
١٢ ‏/ ٣٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ [هود: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حَقًّا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ، الَّذِينَ قَدْ بَاعُوا مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجِنَانِ بِمَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ النَّارِ؛ وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ، جَرَمْتُ: كَسَبْتُ الذَّنْبَ، وَأَجْرَمْتُهُ، أَنَّ الْعَرَبَ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا إِيَّاهُ فِي مَوَاضِعِ الْأَيْمَانِ، وَفِي مَوَاضِعَ «لَا بُدَّ» كَقَوْلِهِمْ: لَا جَرَمَ أَنَّكَ ذَاهِبٌ، بِمَعْنَى: لَا بُدَّ، حَتَّى اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِ التَّحْقِيقِ فَقَالُوا: لَا جَرَمَ لَيَقُومَنَّ، بِمَعْنَى: حَقًّا لَيَقُومَنَّ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: لَا مَنَعَ عَنْ أَنَّهُمْ، وَلَا صَدَّ عَنْ أَنَّهُمْ
١٢ ‏/ ٣٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [هود: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَعَمِلُوا فِي الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ. ⦗٣٧٤⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْإِخْبَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنَابُوا إِلَى رَبِّهِمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٣] قَالَ: الْإِخْبَاتُ: الْإِنَابَةُ»
١٢ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٣] يَقُولُ: وَأَنَابُوا إِلَى رَبِّهِمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَخَافُوا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٣] يَقُولُ: خَافُوا» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: اطْمَأَنُّوا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وحَدَّثَنِي ⦗٣٧٥⦘ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٣] قَالَ: اطْمَأَنُّوا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: خَشَعُوا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٧٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٣] الْإِخْبَاتُ: التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا؛ لِأَنَّ الْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، وَمِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَيْهِ مِنَ الْخُشُوعِ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ نَفْسَ الْإِخْبَاتِ عِنْدَ الْعَرَبِ الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ. وَقَالَ: ﴿إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٣] وَمَعْنَاهُ: أَخْبَتُوا لِرَبِّهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَضَعُ اللَّامَ مَوْضِعَ «إِلَى» و«إِلَى» مَوْضِعَ اللَّامِ كَثِيرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥] بِمَعْنَى: أَوْحَى إِلَيْهَا. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ وُصِفُوا بِأَنَّهُمْ ⦗٣٧٦⦘ عَمَدُوا بِإِخْبَاتِهِمْ إِلَى اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٨٢] يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ، هُمْ سُكَّانُ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهَا، وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا لَابِثُونَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ
١٢ ‏/ ٣٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَثَلُ فَرِيقَيِ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، كَمَثَلِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا، وَالْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا؛ فَكَذَلِكَ فَرِيقُ الْكُفْرِ لَا يُبْصِرُ الْحَقَّ، فَيَتْبَعَهُ وَيَعْمَلَ بِهِ؛ لِشُغْلِهِ بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ، وَغَلَبَةِ خُذْلَانِ اللَّهِ عَلَيْهِ، لَا يَسْمَعُ دَاعِيَ اللَّهِ إِلَى الرَّشَادِ، فَيُجِيبَهُ إِلَى الْهُدَى فَيَهْتَدِيَ بِهِ، فَهُوَ مُقِيمٌ فِي ضَلَالَتِهِ، يَتَرَدَّدُ فِي حِيرَتِهِ. وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، فَكَذَلِكَ فَرِيقُ الْإِيمَانِ أَبْصَرَ حُجَجَ اللَّهِ، وَأَقَرَّ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ وَنُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام وَسَمِعَ دَاعِيَ اللَّهِ فَأَجَابَهُ، وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٧٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ﴾ [هود: ٢٤] قَالَ: الْأَعْمَى وَالْأَصَمُّ: الْكَافِرُ، وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ: الْمُؤْمِنُ»
١٢ ‏/ ٣٧٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ﴾ [هود: ٢٤] الْفَرِيقَانِ الْكَافِرَانِ، وَالْمُؤْمِنَانِ، فَأَمَّا الْأَعْمَى وَالْأَصَمُّ فَالْكَافِرَانِ، وَأَمَّا الْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ فَهُمَا الْمُؤْمِنَانِ»
١٢ ‏/ ٣٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ﴾ [هود: ٢٤] الْآيَةَ، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَصُمَّ عَنِ الْحَقِّ، فَلَا يَسْمَعُهُ، وَعَمِيَ عَنْهُ فَلَا يُبْصِرُهُ. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَسَمِعَ الْحَقَّ، فَانْتَفَعَ بِهِ وَأَبْصَرَهُ فَوَعَاهُ وَحَفِظَهُ وَعَمِلَ بِهِ» يَقُولُ تَعَالَى: ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ [هود: ٢٤] يَقُولُ: هَلْ يَسْتَوِي هَذَانِ الْفَرِيقَانِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَتَيْهِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ؟ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَكُمْ، فَكَذَلِكَ حَالُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ. ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود: ٢٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَتَتَفَكَّرُونَ، فَتَعْلَمُوا حَقِيقَةَ اخْتِلَافِ أَمْرَيْهِمَا، فَتَنْزَجِرُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ؟ فَالْأَعْمَى وَالْأَصَمُّ وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ فِي اللَّفْظِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْمَعْنَى اثَنَانِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ [هود: ٢٤] وَقِيلَ: كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ، وَالْمَعْنَى: كَالْأَعْمَى الْأَصَمِّ، وَكَذَلِكَ قِيلَ، وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ، وَالْمَعْنَى: الْبَصِيرُ السَّمِيعُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: قَامَ الظَّرِيفُ وَالْعَاقِلُ، وَهُوَ يَنْعَتُ بِذَلِكَ شَخْصًا وَاحِدًا
١٢ ‏/ ٣٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ [هود: ٢٦]
١٢ ‏/ ٣٧٧
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ﴾ [هود: ٢٥] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿نَذِيرٌ﴾ [المائدة: ١٩] مِنَ اللَّهِ أُنْذِرُكُمْ بَأْسَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، فَآمِنُوا بِهِ وَأَطِيعُوا أَمَرَهُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨] يُبَيِّنُ لَكُمْ عَمَّا أَرْسَلَ بِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي﴾ [البقرة: ٣٠] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ بِكَسْرِ «إِنَّ» عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ، إِذْ كَانَ فِي الْإِرْسَالِ مَعْنَى الْقَوْلِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِفَتْحِ «أَنَّ» عَلَى إِعْمَالِ الْإِرْسَالِ فِيهَا، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ بِأَنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ كَانَ مُصِيبًا لِلصَّوَابِ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [هود: ٢٦] فَمَنْ كَسَرَ الْأَلْفَ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي﴾ [البقرة: ٣٠] جَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿أَرْسَلْنَا﴾ [البقرة: ١٥١] عَامِلًا فِي «أَنْ» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ [هود: ٢٦] وَيَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ، أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، وَقُلْ لَهُمْ ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [هود: ٢٥] وَمَنْ فَتَحَهَا، رَدَّ «أَنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا﴾ [هود: ٢٦] عَلَيْهَا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ بِأَنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، عِبَادَةَ الْآلِهَةِ،
١٢ ‏/ ٣٧٨
وَالْأَوْثَانَ، وَإِشْرَاكَهَا فِي عِبَادَتِهِ، وَأَفْرِدُوا اللَّهَ بِالتَّوْحِيدِ وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، فَإِنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ [هود: ٢٦] يَقُولُ: إِنَّي أَيُّهَا الْقَوْمُ إِنْ لَمْ تَخُصُّوا اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ، وَتُفْرِدُوهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَتَخْلَعُوا مَا دُونَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ، أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ عَذَابَ يَوْمٍ مُؤْلِمٍ عِقَابُهُ وَعَذَابُهُ لِمَنْ عُذِّبَ فِيهِ. وَجَعَلَ الْأَلِيمَ مِنْ صِفَةِ الْيَوْمِ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْعَذَابِ، إِذْ كَانَ الْعَذَابُ فِيهِ كَمَا قِيلَ: ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام: ٩٦] وَإِنَّمَا السَّكَنُ مِنْ صِفَةِ مَا سَكَنَ فِيهِ دُونَ اللَّيْلِ
١٢ ‏/ ٣٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقَالَ الْكُبَرَاءُ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَأَشْرَافِهِمْ، وَهُمُ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، وَجَحَدُوا نُبُوَّةَ نَبِيِّهِمْ نُوحٍ عليه السلام. ﴿مَا نَرَاكَ﴾ [هود: ٢٧] يَا نُوحُ. ﴿إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا﴾ [هود: ٢٧] يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ آدَمِيُّ مَثَلُهُمْ فِي الْخَلْقِ وَالصُّورَةِ وَالْجِنْسِ، كَأَنَّهُمْ كَانُوا مُنْكِرِينَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُرْسِلُ مِنَ الْبَشَرِ رَسُولًا إِلَى خَلْقِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي﴾ [هود: ٢٧] يَقُولُ: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ سَفَلَتُنَا مِنَ النَّاسِ دُونَ الْكُبَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ فِيمَا يَرَى وَيَظْهَرُ لَنَا.
١٢ ‏/ ٣٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿بَادِيَ الرَّأْي﴾ [هود: ٢٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ: ﴿بَادِيَ الرَّأْي﴾ [هود: ٢٧] بِغَيْرِ هَمْزِ «الْبَادِي» وَبِهَمْزِ «الرَّأْي»، بِمَعْنَى: ظَاهِرَ الرَّأْي، مِنْ قَوْلِهِمْ: بَدَا الشَّيْءُ يَبْدُو: إِذَا ظَهَرَ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] أَضْحَى لِخَالِي شَبَهِي بَادِي بَدِي … وَصَارَ لِلْفَحْلِ لِسَانِي وَيَدِي
. «بَادِيَ بَدِي» بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَقَالَ آخَرُ:
وَقَدْ عَلَتْنِي ذُرْأَةٌ بَادِيَ بَدِي. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: «بَادِئَ الرَّأْي» مَهْمُوزٌ أَيْضًا، بِمَعْنَى: مُبْتَدَأُ الرَّأْي، مِنْ قَوْلِهِمْ: بَدَأْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ: إِذَا ابْتَدَأَتُ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿بَادِيَ﴾ [هود: ٢٧] بِغَيْرِ هَمْزِ «الْبَادِي»، وَبِهَمْزِ «الرَّأْي»، لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلَامِ: إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا فِي ظَاهِرِ الرَّأْي، وَفِيمَا يَظْهَرُ لَنَا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ [هود: ٢٧] يَقُولُ: وَمَا نَتَبَيَّنُ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ نِلْتُمُوهُ بِمُخَالَفَتِكُمْ إِيَّانَا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعُبُودَةِ لَهُ،
١٢ ‏/ ٣٨٠
فَنَتَّبِعُكُمْ طَلَبَ ذَلِكَ الْفَضْلِ، وَابْتِغَاءَ مَا أَصَبْتُمُوهُ بِخِلَافِكُمْ إِيَّانَا. ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: ٢٧] وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُمْ لِنُوحٍ عليه السلام، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَذَّبُوا نُوحًا دُونَ أَتْبَاعِهِ، لِأَنَّ أَتْبَاعَهُ لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا. وَأَخْرَجَ الْخِطَابَ وَهُوَ وَاحِدٌ مَخْرَجَ خِطَابِ الْجَمِيعِ، كَمَا قِيلَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: بَلْ نَظُنَّكَ يَا نُوحُ فِي دَعْوَاكَ أَنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا كَاذِبًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿بَادِيَ الرَّأْي﴾ [هود: ٢٧] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي﴾ [هود: ٢٧] قَالَ: فِيمَا ظَهَرَ لَنَا»
١٢ ‏/ ٣٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ [هود: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ إِذْ كَذَّبُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ النَّصِيحَةِ: ﴿يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ [هود: ٢٨] عَلَى عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ وَبَيَانٍ مِنَ اللَّهِ لِي مَا يُلْزِمُنِي لَهُ، وَيَجِبُ عَلَيَّ مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَتَرْكِ إِشْرَاكِ الْأَوْثَانِ مَعَهُ فِيهَا ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾ [هود: ٢٨] يَقُولُ: وَرَزَقَنِي مِنْهُ التَّوْفِيقَ وَالنُّبُوَّةَ وَالْحِكْمَةَ، فَآمَنْتُ بِهِ وَأَطَعْتُهُ فِيمَا أَمَرَنِي وَنَهَانِي. ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٢٨] .
١٢ ‏/ ٣٨١
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: «فَعَمِيَتْ» بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى: فَعَمِيَتِ الرَّحْمَةُ عَلَيْكُمْ، فَلَمْ تَهْتَدُوا لَهَا، فَتُقِرُّوا بِهَا وَتُصَدِّقُوا رَسُولَكُمْ عَلَيْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٢٨] بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، اعْتِبَارًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «فَعَمَاهَا عَلَيْكُمْ» . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ [هود: ٢٨] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلَّذِي ذَكَرُوا مِنَ الْعِلَّةِ لِمَنْ قَرَأَ بِهِ، وَلِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾ [هود: ٢٨] فَأَضَافَ الرَّحْمَةَ إِلَى اللَّهِ، فَكَذَلِكَ تَعْمِيَتُهُ عَلَى الْآخَرِينَ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ أَوْلَى. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مِمَّا حَوَّلَتِ الْعَرَبُ الْفِعْلَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ الَّذِي يَعْمَى عَنْ إِبْصَارِ الْحَقِّ، إِذْ يَعْمَى عَنْ إِبْصَارِهِ، وَالْحَقُّ لَا يُوصَفُ بِالْعَمَى إِلَّا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الَّذِي قَدْ جَرَى بِهِ الْكَلَامُ، وَهُوَ فِي جَوَازِهِ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ، نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: دَخَلَ الْخَاتَمُ فِي يَدِي، وَالْخُفُّ فِي رِجْلِي، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّجْلَ هِيَ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْخُفِّ، وَالْأُصْبُعَ فِي الْخَاتَمِ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا الْمُرَادُ فِيهِ.
١٢ ‏/ ٣٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ [هود: ٢٨] يَقُولُ: أَنَأْخُذُكُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَقَدْ عَمَّاهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، ﴿لَهَا كَارِهُونَ﴾ [هود: ٢٨] يَقُولُ: وَأَنْتُمْ لِإِلْزَامِنَاكُمُوهَا كَارِهُونَ، يَقُولُ: لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ نَكِلُ أَمْرَكُمْ إِلَى اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي فِي أَمْرِكُمْ مَا يَرَى وَيَشَاءُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٨٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ نُوحٌ: «﴿يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ [هود: ٢٨] قَالَ: قَدْ عَرَفْتُهَا وَعَرَفْتُ بِهَا أَمْرَهُ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ﴿وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ﴾ [هود: ٢٨] الْإِسْلَامَ، وَالْهُدَى، وَالْإِيمَانَ، وَالْحُكْمَ، وَالنُّبُوَّةَ»
١٢ ‏/ ٣٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي﴾ [هود: ٢٨] الْآيَةَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ لَأَلْزَمَهَا قَوْمَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْلِكْهُ»
١٢ ‏/ ٣٨٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي قَالَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، ⦗٣٨٤⦘ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ: «أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ»
١٢ ‏/ ٣٨٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا: مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِنَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٨٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ قُلُوبِنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ»
١٢ ‏/ ٣٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [هود: ٢٩] وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ﴾ [هود: ٥١] عَلَى نَصِيحَتِي لَكُمْ وَدِعَايَتِكُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ مَالًا: أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ، فَتَتَّهِمُونِي فِي نَصِيحَتِي، وَتَظُنُّونَ أَنَّ فِعْلِيَّ ذَلِكَ طَلَبُ عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا. ﴿إنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [يونس: ٧٢] يَقُولُ: مَا ثَوَابُ نَصِيحَتِي لَكُمْ وَدِعَايِتِكُمْ إِلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، إِلَّا عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُجَازِينِي، وَيُثِيبُنِي
١٢ ‏/ ٣٨٤
عَلَيْهِ ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [هود: ٢٩] وَمَا أَنَا بِمُقْصٍ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَأَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَخَلْعِ الْأَوْثَانِ وَتَبَرَّأَ مِنْهَا بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ عِلْيَتِكُمْ وَأَشْرَافِكُمْ. ﴿إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٩] يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَسْأَلُونِي طَرْدَهُمْ، صَائِرُونَ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ سَائِلُهُمْ عَمَّا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ، لَا عَنْ شَرَفِهِمْ وَحَسَبِهِمْ. وَكَانَ قِيلُ نُوحٍ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ، لِأَنَّ قَوْمَهُ قَالُوا لَهُ، كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٩] قَالَ: قَالُوا لَهُ: يَا نُوحُ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَتَّبُعَكَ فَاطْرُدْهُمْ، وَإِلَّا فَلَنْ نَرْضَى أَنْ نَكُونَ نَحْنُ وَهُمْ فِي الْأَمْرِ سَوَاءً فَقَالَ: ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ [هود: ٢٩] فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمْ»
١٢ ‏/ ٣٨٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، جَمِيعًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: “﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [يونس: ٧٢] قَالَ: جَزَائِيَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. ⦗٣٨٦⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [هود: ٢٩] يَقُولُ: وَلَكِنِّي أَيُّهَا الْقَوْمُ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ الْوَاجِبَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَاللَّازِمَ لَكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ؛ وَلِذَلِكَ مِنْ جَهْلِكُمْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَطْرُدَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
١٢ ‏/ ٣٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرْنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود: ٣٠] يَقُولُ: ﴿وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرْنِي﴾ [هود: ٣٠] فَيَمْنَعْنِي ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٦١] إِنْ هُوَ عَاقَبَنِي عَلَى طَرْدِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ اللَّهَ إِنْ طَرَدْتُهُمْ. ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [يونس: ٣] يَقُولُ: أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تَقُولُونَ، فَتَعْلَمُونَ خَطَأَهُ فَتَنْتَهُوا عَنْهُ
١٢ ‏/ ٣٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٣١] وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [هود: ٣١] عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا﴾ [هود: ٢٩] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا، وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ الَّتِي لَا يَفْنِيهَا شَيْءٌ، فَأَدْعُوكُمْ إِلَى اتِّبَاعِي عَلَيْهَا. ﴿وَلَا أَعْلَمُ﴾ [المائدة: ١١٦] أَيْضًا ﴿الْغَيْبَ﴾ [آل عمران: ٤٤] يَعْنِي مَا خَفِيَ مِنْ سَرَائِرِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَأَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَتِي. ﴿وَلَا أَقُولُ﴾ [الأنعام: ٥٠] أَيْضًا ﴿إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام: ٥٠] مِنَ الْمَلَائِكَةِ أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ، فَأَكُونُ كَاذِبًا فِي دَعْوَايَ ذَلِكَ، بَلْ أَنَا بَشَرٌ. مِثْلُكُمْ كَمَا تَقُولُونَ، أُمِرْتُ بِدُعَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ. ﴿وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا﴾ [هود: ٣١] يَقُولُ: وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ
١٢ ‏/ ٣٨٦
اتَّبَعُونِي وَآمَنُوا بِاللَّهِ وَوَحَّدُوهُ الَّذِينَ تَسْتَحْقِرُهُمْ أَعْيُنُكُمْ، وَقُلْتُمْ إِنَّهُمْ أَرَاذِلُكُمْ: لَنْ يُؤْتِيَكُمُ اللَّهُ خَيْرًا، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ. ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [هود: ٣١] يَقُولُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِضَمَائِرِ صُدُورِهِمْ، وَاعْتِقَادِ قُلُوبِهِمْ، وَهُوَ وَلِيُّ أَمْرِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لِي مِنْهُمْ مَا ظَهَرَ وَبَدَا، وَقَدْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَاتَّبَعُونِي، فَلَا أَطْرُدُهُمْ وَلَا أَسْتَحِلُّ ذَلِكَ. ﴿إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٣١] يَقُولُ: إِنِّي إِنْ قُلْتُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقِي: لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا، وَقَضَيْتُ عَلَى سَرَائِرِهِمْ، بِخِلَافِ مَا أَبْدَتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ لِي عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنِّي بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ، وَطَرَدْتُهُمْ بِفِعْلِي ذَلِكَ، لَمِنَ الْفَاعِلِينَ مَا لَيْسَ لَهُمْ فِعْلُهُ الْمُعْتَدِينَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الظُّلْمُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٨٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ﴾ [هود: ٣١] الَّتِي لَا يَفْنِيهَا شَيْءٌ، فَأَكُونُ إِنَّمَا أَدْعُوكُمْ لِتَتَّبِعُونِي عَلَيْهَا لِأُعْطِيَكُمْ مِنْهَا. ﴿وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [هود: ٣١] نَزَلَتُ مِنَ السَّمَاءِ بِرِسَالَةٍ، مَا أَنَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. ﴿وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [الأنعام: ٥٠] وَلَا أَقُولُ اتَّبِعُونِي عَلَى عِلْمِ الْغَيْبِ»
١٢ ‏/ ٣٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا ⦗٣٨٨⦘ بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [هود: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ نُوحٍ لِنُوحٍ عليه السلام: قَدْ خَاصَمْتَنَا فَأَكْثَرْتَ خُصُومَتَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا مِنَ الْعَذَابِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِي عِدَاتِكَ، وَدَعْوَاكَ أَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ. يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَنْ يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ
١٢ ‏/ ٣٨٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿جَادَلْتَنَا﴾ [هود: ٣٢] قَالَ: مَارَيْتَنَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا﴾ [هود: ٣٢] قَالَ: مَارَيْتَنَا، ﴿فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [هود: ٣٢] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: تَكْذِيبًا بِالْعَذَابِ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ»
١٢ ‏/ ٣٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [هود: ٣٤]
١٢ ‏/ ٣٨٨
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ حِينَ اسْتَعْجَلُوهُ الْعَذَابَ: يَا قَوْمِ لَيْسَ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ مِنَ الْعَذَابِ إِلَيَّ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ، هُوَ الَّذِي يَأْتِيكُمْ بِهِ إِنْ شَاءَ. ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الأنعام: ١٣٤] يَقُولُ: وَلَسْتُمْ إِذَا أَرَادَ تَعْذِيبَكُمْ بِمُعْجِزِيهِ: أَيْ بِفَائِتِيهِ هَرَبًا مِنْهُ؛ لِأَنَّكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ، حُكْمُهُ عَلَيْكُمْ جَارٍ. ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي﴾ [هود: ٣٤] يَقُولُ: وَلَا يَنْفَعُكُمْ تَحْذِيرِي عُقُوبَتَهُ وَنُزُولَ سَطْوَتِهِ بِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ. ﴿إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ﴾ [هود: ٣٤] فِي تَحْذِيرِي إِيَّاكُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نُصْحِيَ لَا يَنْفَعُكُمْ لِأَنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَهُ. ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤] يَقُولُ: إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُهْلِكَكُمْ بِعَذَابِهِ. ﴿هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [هود: ٣٤] يَقُولُ: وَإِلَيْهِ تُرَدُّونَ بَعْدَ الْهَلَاكِ. حُكِيَ عَنْ طَيِّئِ أَنَّهَا تَقُولُ: أَصْبَحَ فُلَانٌ غَاوِيًا: أَيْ مَرِيضًا. وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ سَمَاعًا مِنْهُمْ: أَغْوَيْتُ فُلَانًا، بِمَعْنَى أَهْلَكْتُهُ، وَغَوِيَ الْفَصِيلُ: إِذَا فَقَدَ اللَّبَنَ فَمَاتَ. وَذُكِرَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] أَيْ هَلَاكًا
١٢ ‏/ ٣٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾ [هود: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ: افْتَرَى مُحَمَّدٌ هَذَا الْقُرْآنَ؟ وَهَذَا الْخَبَرُ عَنْ نُوحٍ. قُلْ لَهُمْ: إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَتَخَرَّصْتُهُ وَاخْتَلَقْتُهُ ﴿فَعَلَيَّ إِجْرَامِي﴾ [هود: ٣٥] يَقُولُ: فَعَلَيَّ إِثْمِي فِي افْتِرَائِي مَا افْتَرَيْتُ عَلَى رَبِّي دُونَكُمْ، لَا تُؤَاخَذُونَ بِذَنْبِي وَلَا إِثْمِي، وَلَا أُؤَاخَذُ بِذَنْبِكُمْ. ﴿وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾ [هود: ٣٥] يَقُولُ: وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُذْنِبُونَ، وَتَأْثَمُونَ بِرَبِّكُمْ مِنَ افْتِرَائِكُمْ عَلَيْهِ، ⦗٣٩٠⦘ وَيُقَالُ مِنْهُ: أَجْرَمْتُ إِجْرَامًا، وَجَرَمْتُ أَجْرِمُ جَرْمًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] طَرِيدُ عَشِيرَةٍ وَرَهِينُ ذَنْبٍ … بِمَا جَرَمَتْ يَدِي وَجَنَى لِسَانِي
١٢ ‏/ ٣٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [هود: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَوْحَى اللَّهُ ﴿إِلَى نُوحٍ﴾ [النساء: ١٦٣] لَمَّا حَقَّ عَلَى قَوْمِهِ الْقَوْلُ وَأَظَلَّهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ﴾ [هود: ٣٦] يَا نُوحُ بِاللَّهِ، فَيُوَحِّدُهُ وَيَتَّبِعُكَ عَلَى مَا تَدَعُوهُ إِلَيْهِ ﴿مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] فَصَدَّقَ بِذَلِكَ وَاتَّبَعَكَ. ﴿فَلَا تَبْتَئِسْ﴾ [هود: ٣٦] يَقُولُ: فَلَا تَسْتَكِنْ، وَلَا تَحْزَنْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، فَإِنِّي مُهْلِكُهُمْ، وَمُنْقِذُكَ مِنْهُمْ، وَمَنْ اتَّبَعَكَ. وَأَوْحَى اللَّهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ بَعْدَ مَا دَعَا عَلَيْهِمْ نُوحٌ بَالْهَلَاكِ، فَقَالَ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] وَهُوَ تَفْتَعِلْ مِنَ الْبُؤْسِ، يُقَالُ: ابْتَأَسَ فُلَانٌ بِالْأَمْرِ يَبْتَئِسُ ابْتِئَاسًا، كَمَا قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ:
[البحر الكامل] فِي مَأْتَمٍ كَنِعَاجِ صَا … رَةَ يَبْتَئِسْنَ بِمَا لَقِينَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٢ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٣٩١⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَلَا تَبْتَئِسْ﴾ [هود: ٣٦] قَالَ: لَا تَحْزَنْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٢ ‏/ ٣٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [هود: ٣٦] يَقُولُ: فَلَا تَحْزَنْ»
١٢ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [هود: ٣٦] قَالَ: لَا تَأْسَ وَلَا تَحْزَنْ»
١٢ ‏/ ٣٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] وَذَلِكَ حِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ قَالَ ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] قَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَبْتَئِسْ﴾ [هود: ٣٦] يَقُولُ: فَلَا تَأْسَ وَلَا تَحْزَنْ»
١٢ ‏/ ٣٩١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] فَحِينَئِذٍ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ»
١٢ ‏/ ٣٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، وَأَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ، وَهُوَ السَّفِينَةُ؛ كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿الْفُلْكَ﴾ [هود: ٣٧]: السَّفِينَةَ» وَقَوْلُهُ ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ [هود: ٣٧] يَقُولُ: بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ كَمَا يَأْمُرُكَ. كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ صَنْعَةُ الْفُلْكِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَصْنَعَهَا عَلَى مِثْلِ جُؤْجُؤِ الطَّائِرِ»
١٢ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] قَالَ: كَمَا نَأْمُرُكَ»
١٢ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] كَمَا نَأْمُرُكَ»
١٢ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] قَالَ: بِعَيْنِ اللَّهِ»، ⦗٣٩٣⦘ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] قَالَ: كَمَا نَأْمُرُكَ
١٢ ‏/ ٣٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [هود: ٣٧] قَالَ: بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَسْأَلْنِي فِي الْعَفْوِ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ قَوْمِكَ، فَأُكْسِبُوهَا تَعَدِّيًا مِنْهُمْ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ الْهَلَاكَ بِالْغَرَقِ، إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ بِالطُّوفَانِ. كَمَا
١٢ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي﴾ [هود: ٣٧] قَالَ: يَقُولُ: وَلَا تُرَاجِعْنِي. قَالَ: تَقَدَّمَ أَنْ لَا يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَهُ»
١٢ ‏/ ٣٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَصْنَعُ نُوحُ السَّفِينَةَ، وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ، يَقُولُ: هَزَئُوا مِنْ نُوحٍ، وَيَقُولُونَ لَهُ: أَتَحَوَّلْتَ نَجَّارًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَتَعْمَلُ السَّفِينَةَ فِي الْبِرِّ فَيَقُولُ لَهُمْ نُوحٌ: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا﴾ [هود: ٣٨] إِنْ تَهْزَءُوا مِنَّا الْيَوْمَ، فَإِنَّا نَهْزَأُ مِنْكُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَهْزَءُونَ مِنَّا فِي الدُّنْيَا. ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٥] إِذَا عَايَنْتُمْ عَذَابَ اللَّهِ، مَنِ الَّذِي كَانَ إِلَى نَفْسِهِ مُسِيئًا مِنَّا، وَكَانَتْ صَنْعَةُ نُوحٍ السَّفِينَةَ كَمَا:
١٢ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، وَصَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَا: ⦗٣٩٤⦘ ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: ثَنِي فَائِدٌ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «لَوْ رَحِمَ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ» . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَانَ نُوحٌ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ زَمَانِهِ غَرَسَ شَجَرَةً، فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ، ثُمَّ قَطَعَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَعْمَلُ سَفِينَةً، وَيَمُرُّونَ فَيَسْأَلُونَهُ، فَيَقُولُ: أَعْمَلُهَا سَفِينَةً، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي الْبِرِّ فَكَيْفَ تَجْرِي؟ فَيَقُولُ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا وَفَارَ التَّنُّورُ وَكَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أُمُّ صَبِيٍّ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ؛ فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيْ الْجَبَلِ؛ فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ؛ فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا حَتَّى ذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ»
١٢ ‏/ ٣٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ طُولَ السَّفِينَةِ ثَلَاثُ مِائَةِ ذِرَاعٍ، وَعَرْضَهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَطُولَهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَبَابَهَا فِي عَرْضِهَا»
١٢ ‏/ ٣٩٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانَ طُولُ سَفِينَةِ نُوحٍ أَلْفَ ذِرَاعٍ، وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا سِتَّ مِائَةِ ذِرَاعٍ»
١٢ ‏/ ٣٩٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَى بِهِمْ إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هَذَا كَعْبُ حَامِ بْنِ نُوحٍ. قَالَ: فَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ، قَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ قَدْ شَابَ. قَالَ لَهُ عِيسَى: هَكَذَا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ. قَالَ: حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ قَالَ: كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا سِتَّ مِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ، فَطَبَقَةٌ فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوَحْشُ، وَطَبَقَةُ فِيهَا الْإِنْسُ، وَطَبَقَةُ فِيهَا الطَّيْرُ. فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اغْمِزْ ذَنَبِ الْفِيلِ فَغَمَزَهُ فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْثِ. فَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ بِحَبْلِ السَّفِينَةِ يَقْرِضُهُ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
١٢ ‏/ ٣٩٥
نُوحٍ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الْأَسَدِ فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سُنُّورٌ وَسُنُّورَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الْفَأْرِ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ؟ قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونِ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ، قَالَ: فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا، وَدَعَا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أُنْسٍ وَأَمَانٍ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ. قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَنْطَلِقُ بِهِ إِلَى أَهْلِينَا، فَيَجْلِسُ مَعَنَا، وَيُحَدِّثُنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتَّبِعُكُمْ مَنْ لَا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ: فَعَادَ تُرَابًا “
١٢ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: «أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْطِشُونَ بِهِ يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ فَيَخْنِقُونَهُ حَتَّى يَغْشَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حَتَّى إِذَا تَمَادَوْا فِي الْمَعْصِيَةِ، وَعَظُمَتْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمُ الْخَطِيئَةُ، وَتَطَاوَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الشَّأْنُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ مِنْهُمُ الْبَلَاءُ، وَانْتَظَرَ النَّجْلَ بَعْدَ النَّجْلِ، فَلَا يَأْتِي قَرْنٌ إِلَّا كَانَ أَخْبَثَ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ، حَتَّى إِنْ كَانَ الْآخِرُ مِنْهُمْ لَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَذَا مَعَ آبَائِنَا، وَمَعَ أَجْدَادِنَا هَكَذَا مَجْنُونًا لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا. حَتَّى شَكَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ [نوح: ٦] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، حَتَّى قَالَ ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا ⦗٣٩٧⦘ فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. فَلَمَّا شَكَا ذَلِكَ مِنْهُمْ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَنْصَرَهُ عَلَيْهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ٣٧] أَيْ بَعْدَ الْيَوْمِ، ﴿إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] فَأَقْبَلَ نُوحٌ عَلَى عَمَلِ الْفُلْكِ، وَلَهَى عَنْ قَوْمِهِ، وَجَعَلَ يَقْطَعُ الْخَشَبَ، وَيَضْرِبُ الْحَدِيدَ، وَيُهَيِّئُ عِدَّةَ الْفُلْكِ مِنَ الْقَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا هُوَ. وَجَعَلَ قَوْمُهُ يَمُرُّونَ بِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، فَيَقُولُ: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود: ٣٨] قَالَ: وَيَقُولُونَ لَهُ فِيمَا بَلَغَنِي: يَا نُوحُ قَدْ صِرْتَ نَجَّارًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَالَ: وَأَعْقَمَ اللَّهُ أَرْحَامَ النِّسَاءِ، فَلَا يُولَدُ لَهُمْ وَلَدٌ. قَالَ: وَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ، وَأَنْ يَصْنَعَهُ أَزْوَرَ، وَأَنْ يَطْلِيَهُ بِالْقَارِ مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ طُولَهُ ثَمَانِينَ ذِرَاعًا، وَأَنْ يَجْعَلَهُ ثَلَاثَةَ أَطْبَاقٍ: سَفَلًا وَوَسَطًا وَعُلُوًّا، وَأَنْ يَجْعَلَ فِيهِ كُوًى. فَفَعَلَ نُوحٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَقَدْ عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ، فَاحْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ، وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ، وَقَدْ جَعَلَ التَّنُّورَ آيَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَالَ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [هود: ٤٠] وَارْكَبْ. فَلَمَّا فَارَ التَّنُّورُ حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَكَانُوا قَلِيلًا كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَحَمَلَ فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِمَّا فِيهِ الرُّوحُ وَالشَّجَرُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، ⦗٣٩٨⦘ فَحَمَلَ فِيهِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ: سَامَ وَحَامَ وَيَافِتَ وَنِسَاءَهُمْ، وَسِتَّةَ أُنَاسٍ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ، فَكَانُوا عَشَرَةَ نَفَرٍ: نُوحٌ وَبَنُوهُ وَأَزْوَاجُهُمْ، ثُمَّ أَدْخَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الدَّوَابِّ وَتَخَلَّفَ عَنْهُ ابْنُهُ يَامُ، وَكَانَ كَافِرًا»
١٢ ‏/ ٣٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «كَانَ أَوَّلُ مَا حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مِنَ الدَّوَابِّ الدِّرَّةِ، وَآخِرُ مَا حَمَلَ الْحِمَارَ؛ فَلَمَّا دَخَلَ الْحِمَارُ، وَأَدْخَلَ صَدْرَهُ مَسَكَ إِبْلِيسُ بِذَنَبِهِ، فَلَمْ تَسْتَقِلْ رِجْلَاهُ، فَجَعَلَ نُوحٌ يَقُولُ: وَيْحَكَ ادْخُلْ فَيَنْهَضُ فَلَا يَسْتَطِيعُ. حَتَّى قَالَ نُوحٌ: وَيْحَكَ ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ قَالَ: كَلِمَةً زَلَّتْ عَنْ لِسَانِهِ. فَلَمَّا قَالَهَا نُوحٌ خَلَّى الشَّيْطَانُ سَبِيلَهُ، فَدَخَلَ وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نُوحٌ: مَا أَدْخَلَكَ عَلَيَّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَقُلِ: ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ؟ قَالَ: اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَقَالَ: مَا لَكَ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَحْمِلَنِي. فَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي ظَهْرِ الْفُلْكِ. فَلَمَّا اطْمَأَنَّ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ، وَأَدْخَلَ فِيهِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ ⦗٣٩٩⦘ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا نُوحٌ بَعْدَ سِتِّ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنَ الشَّهْرِ؛ فَلَمَّا دَخَلَ وَحَمَلَ مَعَهُ مَنْ حَمَلَ، تَحَرَّكَ يَنَابِيعُ الْغَوْطِ الْأَكْبَرِ، وَفُتِّحَ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرْ﴾ [القمر: ١٢] فَدَخَلَ نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ الْفُلْكَ وَغَطَّاهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ بِطَبَقَةٍ، فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَاءَ وَبَيْنَ أَنِ احْتَمَلَ الْمَاءُ الْفُلْكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً. ثُمَّ احْتَمَلَ الْمَاءُ كَمَا تَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَكَثُرَ الْمَاءُ وَاشْتَدَّ وَارْتَفَعَ؛ يَقُولُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣] وَالدُّسُرُ: الْمَسَامِيرُ، مَسَامِيرُ الْحَدِيدِ. فَجَعَلَتِ الْفُلْكُ تَجْرِي بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ الَّذِي هَلَكَ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ حِينَ رَأَى نُوحٌ مِنْ صِدْقِ مَوْعِدِ رَبِّهِ مَا رَأَى فَقَالَ: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ [هود: ٤٢] وَكَانَ شَقِيًّا قَدْ أَضْمَرَ كُفْرًا، ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ [هود: ٤٣] وَكَانَ عَهْدُ الْجِبَالِ وَهِيَ حِرْزٌ مِنَ الْأَمْطَارِ إِذَا كَانَتْ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَعْهَدُ. قَالَ نُوحٌ: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: ٤٣] وَكَثُرَ الْمَاءُ حَتَّى طَغَى وَارْتَفَعَ فَوْقَ الْجِبَالِ كَمَا تَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَبَادَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ شَجَرٌ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلَائِقِ إِلَّا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَإِلَّا عِوَجُ بْنُ عُنُقٍ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ. فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ، وَبَيْنَ أَنْ غَاضَ الْمَاءُ سِتَّةُ ⦗٤٠٠⦘ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ»
١٢ ‏/ ٣٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ سَلَمَةُ؛ وحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَمَّا آذَى نُوحًا فِي الْفُلْكِ عُذْرَةُ النَّاسِ، أُمِرَ أَنْ يَمْسَحَ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَمَسَحَهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ خَنْزِيرَانِ، وَكَفِّيَ ذَلِكَ عَنْهُ. وَإِنَّ الْفَأْرَ تَوَالَدَتْ فِي الْفُلْكِ، فَلَمَّا آذَتْهُ، أُمِرَ أَنْ يَأْمُرَ الْأَسَدَ يَعْطِسَ، فَعَطَسَ فَخَرَجَ مِنْ مَنْخِرَيْهِ هِرَّانِ يَأْكُلَانِ عَنْهُ الْفَأْرَ»
١٢ ‏/ ٤٠٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ، قَرَضَ الْفَأْرُ حِبَالَ السَّفِينَةِ، فَشَكَا نُوحٌ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَمَسَحَ ذَنَبَ الْأَسَدَ فَخَرَجَ سُنُّورَانِ. وَكَانَ فِي السَّفِينَةِ عُذْرَةٌ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَبِّهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، فَمَسَحَ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَخَرَجَ خِنْزِيرًا» حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ
١٢ ‏/ ٤٠٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ الْقرَاسِيُّ: «عَمِلَ نُوحٌ السَّفِينَةَ فِي أَرْبَعِ مِئَةِ سَنَةٍ، وَأَنْبَتَ السَّاجُ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى ⦗٤٠١⦘ كَانَ طُولُهُ أَرْبَعَ مِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ إِلَى الْمِنْكَبِ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …