الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: صَيَّرَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِوَامًا لِلنَّاسِ الَّذِينَ لَا قِوَامَ لَهُمْ، مِنْ رَئِيسٍ يَحْجُزُ قَوِيَّهُمْ عَنْ ضَعِيفِهِمْ، وَمُسِيئَهُمْ عَنْ مُحْسِنِهِمْ، وَظَالِمَهُمْ عَنْ مَظْلُومِهِمْ، وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ، فَحَجَزَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِيَامٌ غَيْرُهُ، وَجَعَلَهَا مَعَالِمَ لِدِينِهِمْ وَمَصَالِحَ أُمُورِهِمْ وَالْكَعْبَةُ سُمِّيَتْ فِيمَا قِيلَ كَعْبَةً لِتَرْبِيعِهَا
٩ / ٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْكَعْبَةَ لِأَنَّهَا مُرَبَّعَةٌ»
٩ / ٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْكَعْبَةَ لِتَرْبِيعِهَا» . وَقِيلَ ﴿قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] بِالْيَاءِ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، لِكَسْرَةِ الْقَافِ وَهِيَ فَاءُ الْفِعْلِ، فَجُعِلَتِ الْعَيْنُ مِنْهُ بِالْكِسْرَةِ يَاءً، كَمَا قِيلَ فِي مَصْدَرِ: (قُمْتُ) قِيَامًا، وَ(صُمْتُ) صِيَامًا، فَحُوِّلَتِ الْعَيْنُ مِنَ الْفِعْلِ وَهِيَ وَاوٌ يَاءً لِكَسْرَةِ فَائِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ: قُمْتُ قِوَامًا، وَصُمْتُ صِوَامًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] فَحُوِّلَتْ وَاوُهَا يَاءً، إِذْ هِيَ (قِوَامٌ) وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ مَقُولًا عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ، قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] قِوَامُ دُنْيَا وَقِوَامُ دِينِ
فَجَاءَ بِهِ بِالْوَاوِ عَلَى أَصْلِهِ. وَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْكَعْبَةَ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ قِوَامًا لِمَنْ كَانَ يَحْتَرِمُ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ وَيُعَظِّمُهُ، بِمَنْزِلَةِ الرَّئِيسِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ أَمُرُ تَبَاعِهِ. وَأَمَّا الْكَعْبَةُ فَالْحَرَمُ كُلُّهُ، وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى حَرَامًا لِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا أَنْ
[البحر الرجز] قِوَامُ دُنْيَا وَقِوَامُ دِينِ
فَجَاءَ بِهِ بِالْوَاوِ عَلَى أَصْلِهِ. وَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْكَعْبَةَ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ قِوَامًا لِمَنْ كَانَ يَحْتَرِمُ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ وَيُعَظِّمُهُ، بِمَنْزِلَةِ الرَّئِيسِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ أَمُرُ تَبَاعِهِ. وَأَمَّا الْكَعْبَةُ فَالْحَرَمُ كُلُّهُ، وَسَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى حَرَامًا لِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا أَنْ
٩ / ٦
يُصَادَ صَيْدُهَا، أَوْ يُخْتَلَى خَلَاهَا، أَوْ يُعْضَدَ شَجَرُهَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ
٩ / ٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٩٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ أَيْضًا قِيَامًا لِلنَّاسِ، كَمَا جَعَلَ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لَهُمْ قِيَامًا. وَالنَّاسُ الَّذِينَ جُعِلَ ذَلِكَ لَهُمْ قِيَامًا مُخْتَلَفٌ فِيهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِيَامًا لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ عَنَى بِهِ الْعَرَبَ خَاصَّةً. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الْقِوَامِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: عَنَى اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] الْقِوَامَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا
٩ / ٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْ، سَمِعَ خُصَيْفًا، يُحَدِّثُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] قَالَ: «قِوَامًا لِلنَّاسِ»
٩ / ٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ ⦗٨⦘ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] قَالَ: «صَلَاحًا لِدِينِهِمْ»
٩ / ٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] قَالَ: «حِينَ لَا يَرْجُونَ جَنَّةً وَلَا يَخَافُونَ نَارًا، فَشَدَّدَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ»
٩ / ٨
حَدَّثَنِي هَنَّادٌ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] قَالَ: «شِدَّةً لِدِينِهِمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] قَالَ: «قِيَامُهَا أَنْ يَأْمَنَ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا»
٩ / ٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٩٧] «يَعْنِي قِيَامًا لِدِينِهِمْ، وَمَعَالِمَ لِحَجِّهِمْ»
٩ / ٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٩٧] «جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ قِيَامًا لِلنَّاسِ، هُوَ قِوَامُ أَمْرِهِمْ» . وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِنْ قَائِلِهَا أَلْفَاظُهَا، فَإِنْ مَعَانِيَهَا آيِلَةٌ إِلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْقِوَامَ لِلشَّيْءِ هُوَ الَّذِي بِهِ صَلَاحُهُ، كَالْمَلِكِ الْأَعْظَمِ قِوَامُ رَعِيَّتِهِ وَمَنْ فِي سُلْطَانِهِ، لِأَنَّهُ مُدَبِّرٌ أَمْرَهُمْ، وَحَاجِزٌ ظَالِمَهُمْ عَنْ مَظْلُومِهِمْ، وَالدَّافِعُ عَنْهُمْ مَكْرُوهَ مَنْ بَغَاهُمْ وَعَادَاهُمْ. وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْكَعْبَةُ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ وَالْهَدْي وَالْقَلَائِدُ قِوَامَ أَمْرِ الْعَرَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ صَلَاحُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهِيَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَهْلِهِ مَعَالِمَ حَجِّهِمْ وَمَنَاسِكِهِمْ وَمُتَوَجَّهِهِمْ لِصَلَاتِهِمْ وَقِبْلَتِهِمُ الَّتِي بِاسْتِقْبَالِهَا يَتِمُّ فَرْضُهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَتْ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٩ / ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا جَامِعُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٩٧] «حَوَاجِزَ أَبْقَاهَا اللَّهُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَانَ الرَّجُلُ لَوْ جَرَّ كُلَّ جَرِيرَةٍ ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ لَمْ يُتَنَاوَلْ وَلَمْ يُقْرَبْ وَكَانَ الرَّجُلُ لَوْ لَقِيَ قَاتِلَ أَبِيهِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ وَلَمْ يَقْرَبْهُ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ الْبَيْتَ تَقَلَّدَ قِلَادَةً مِنْ ⦗١٠⦘ شَعْرِ فَأَحْمَتْهُ وَمَنَعَتْهُ مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ إِذَا نَفَرَ تَقَلَّدَ قِلَادَةً مِنَ الْإِذْخِرِ أَوْ مِنْ لِحَاءِ السَّمَرِ، فَمَنَعَتْهُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلَهُ، حَوَاجِزُ أَبْقَاهَا اللَّهُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»
٩ / ٩
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٩٧] قَالَ: «كَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهِمْ مُلُوكٌ تَدْفَعُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ مُلُوكٌ تَدْفَعُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا يَدْفَعُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِهِ، وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ كَذَلِكَ، يَدْفَعُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَالْقَلَائِدَ. قَالَ: وَيَلْقَى الرَّجُلُ قَاتِلَ أَخِيهِ أَوِ ابْنَ عَمِّهِ فَلَا يَعْرِضُ لَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ نُسِخَ»
٩ / ١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٩٧]: «كَانَ نَاسٌ يَتَقَلَّدُونَ لِحَاءَ الشَّجَرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادُوا الْحَجَّ، فَيُعْرَفُونَ بِذَلِكَ» . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْ ذِكْرِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٩ / ١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ تَصْيِيرَهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: صَيَّرْتُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ذَلِكَ قِيَامًا كَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ لَكُمْ لِمَصَالِحِ دُنْيَاكُمْ مَا أَحْدَثَ مِمَّا بِهِ قِوَامُكُمْ، عِلْمًا مِنْهُ بِمَنَافِعِكُمْ وَمَضَارِكُمْ، أَنَّهُ كَذَلِكَ يَعْلَمُ جَمِيعَ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِمَّا فِيهِ صَلَاحُ عَاجِلِكُمْ وَآجِلِكُمْ، وَلِتَعْلَمُوا أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازَى الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءُ مِنْكُمْ بِإِسَاءَتِهِ.
٩ / ١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ رَبَّكُمُ الَّذِي يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَلَا يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ سَرَائِرِ أَعْمَالِكُمْ وَعَلَانِيَتِهَا، وَهُوَ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ لِيُجَازِيَكُمْ بِهَا، شَدِيدٌ عِقَابُهُ مَنْ عَصَاهُ وَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ، وَهُوَ غَفُورٌ الذُّنُوبَ مَنْ أَطَاعَهُ وَأَنَابَ إِلَيْهِ فَسَاتِرٌ عَلَيْهِ وَتَارِكٌ فَضِيحَتَهُ بِهَا، رَحِيمٌ بِهِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ بَعْدَ إِنَابَتِهِ وَتَوْبَتِهِ مِنْهَا.
٩ / ١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَهْدِيدٌ لِعِبَادِهِ وَوَعِيدٌ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ عَلَى
٩ / ١١
رَسُولِنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِإِنْذَارِكُمْ عِقَابَنَا بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ وَإِعْذَارِنا إِلَيْكُمْ بِمَا فِيهِ قَطْعُ حُجَجَكُمْ، إِلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْكُمْ رِسَالَتَنَا، ثُمَّ إِلَيْنَا الثَّوَابُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَلَيْنَا الْعِقَابُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ يَقُولُ: وَغَيْرُ خَفِيٍّ عَلَيْنَا الْمُطِيعُ مِنْكُمُ الْقَابِلُ رِسَالَتَنَا الْعَامِلُ بِمَا أَمَرْتُهُ بِالْعَمَلِ بِهِ، مِنَ الْعَاصِي التَّارِكِ الْعَمَلَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِالْعَمَلِ بِهِ، لَأَنَّا نَعْلَمُ مَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فَأَظْهَرَهُ بِجَوَارِحِهِ وَنَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ وَمَا تَكْتُمُونَ يَعْنِي: مَا تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ أَوْ يَقِينٍ وَشَكٍّ وَنِفَاقٍ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ضَمَائِرِ الصُّدُورِ وَظَوَاهِرِ أَعْمَالِ النُّفُوسِ، مِمَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَبِيَدِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَحَقِيقٌ أَنْ يُتَّقَى وَأَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى.
٩ / ١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطِّيبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: لَا يَعْتَدِلُ الرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ، وَالصَّالِحُ وَالطَّالِحُ، وَالْمُطِيعُ وَالْعَاصِي وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ يَقُولُ: لَا يَعْتَدِلُ الْعَاصِي وَالْمُطِيعُ لِلَّهِ عِنْدَ اللَّهِ وَلَوْ كَثُرَ أَهْلُ الْمَعَاصِي فَعَجِبْتَ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، لِأَنَّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِثَوَابِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ قَلُّوا دُونَ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، وَإِنَّ أَهْلَ مَعَاصِيهِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ الْخَائِبُونَ وَإِنْ كَثُرُوا. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: فَلَا تَعْجَبَنَّ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يَعْصِي اللَّهَ فَيُمْهِلُهُ وَلَا يُعَاجِلُهُ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ الْعُقْبَى الصَّالِحَةَ لِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ عِنْدَهُ دُونَهُمْ
٩ / ١٢
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة: ١٠٠] قَالَ: «⦗١٣⦘ الْخَبِيثُ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالطَّيِّبُ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ». وَهَذَا الْكَلَامُ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ الْخِطَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَالْمُرَادُ بِهِ بَعْضَ أَتْبَاعِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ١٠٠]
٩ / ١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، وَاحْذَرُوا أَنْ يَسْتَحْوِذَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ بِإِعْجَابِكُمْ كَثْرَةَ الْخَبِيثِ، فَتَصِيرُوا مِنْهُمْ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَهْلَ الْعُقُولِ وَالْحِجَا، الَّذِينَ عَقَلُوا عَنِ اللَّهِ آيَاتِهِ، وَعَرَفُوا مَوَاقِعَ حُجَجِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَقُولُ: اتَّقُوا اللَّهَ لِتُفْلِحُوا: أَيْ كَيْ تَنْجَحُوا فِي طَلَبَتِكُمْ مَا عِنْدَهُ.
٩ / ١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ذِكْرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِسَبَبِ مَسَائِلَ كَانَ يَسْأَلُهَا إِيَّاهُ أَقْوَامٌ، امْتِحَانًا لَهُ أَحْيَانًا، وَاسْتِهْزَاءً أَحْيَانًا، فَيَقُولُ لَهُ بَعْضُهُمْ: مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ لَهُ بَعْضُهُمْ إِذَا ضَلَّتْ نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ، كَمَسْأَلَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ إِيَّاهُ مَنْ أَبُوهُ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ يَقُولُ: «إِنْ أَبْدَيْنَا لَكُمْ حَقِيقَةَ مَا تَسْأَلُونَ عَنْهُ سَاءَكُمْ إِبْدَاؤُهَا وَإِظْهَارُهَا» . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
٩ / ١٣
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا بَعْضُ بَنِي نُفَيْلٍ، قَالَ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: «هَلْ تَدْرِي فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، فَقَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أَبِي؟ وَالرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ فَيَقُولُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ»
٩ / ١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، قَالَا: ثنا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ» قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَأَرَى كُلَّ إِنْسَانٍ لَافًّا ثَوْبَهُ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ ذَا لَاحَى يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» . قَالَ: فَأَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ رَسُولًا، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ وَالْخَيْرِ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ» وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]
٩ / ١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْبَحْرَانِيُّ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ» قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]
٩ / ١٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، قَالَ: فَحَدَّثَنَا أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَأَلُوهُ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ»، فَأَشْفَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمْرٌ قَدْ حَضَرَ، فَجَعَلْتُ لَا أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا وَجَدْتُ كُلًّا لَافًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي. فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ يُلَاحَى فَيُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» . قَالَ: ثُمَّ قَامَ عُمَرُ أَوْ قَالَ: فَأَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ رَسُولًا، عَائِذًا بِاللَّهِ أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ أَرَ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ»
٩ / ١٥
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا مُعَاذٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ⦗١٦⦘ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، قَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ قَامَ فِيهِمُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ»، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ مَقَامَهُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
٩ / ١٥
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَزَلَتْ: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] فِي رَجُلٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ»
٩ / ١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ حَتَّى أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، فَقَامَ مُغْضَبًا خَطِيبًا فَقَالَ: «سَلُونِي، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ»، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ وَقَالَ: «سَلُونِي»، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ، فَجَثَا عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا». قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ أَنَسٌ مِثْلَ ذَلِكَ: فَجَثَا عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ رَسُولًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا رَأَيْتُ وَلَدًا أَعَقَّ مِنْكَ قَطُّ، ⦗١٧⦘ أَتَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَارَفَتْ مَا قَارَفَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَفْضَحَهَا عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ
٩ / ١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، قَالَ: غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: “سَلُونِي فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ، وَكَانَ يُطْعَنُ فِيهِ، قَالَ: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ»، فَدَعَاهُ لِأَبِيهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَقَبَّلَ رِجْلَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِكَ نَبِيًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، فَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»
٩ / ١٧
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ غَضْبَانُ مِحْمَارٌّ وَجْهُهُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ» . فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، إِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْكٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَنْ آبَاؤُنَا. قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] . ⦗١٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَةِ سَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فِي أَمْرِ الْحَجِّ
٩ / ١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: «لَا، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]
٩ / ١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الْهَجَرِيِّ، عَنِ ابْنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى عَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «مَنِ السَّائِلُ؟» فَقَالَ: فُلَانٌ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ مَا أَطَقْتُمُوهُ، وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتُمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ
٩ / ١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ» . فَقَامَ مِحْصَنٌ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ ثُمَّ تَرَكْتُمْ لَضَلَلْتُمْ. اسْكُتُوا عَنِّي مَا سَكَتُّ عَنْكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ
٩ / ١٩
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْغَمْرِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُطِيعٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ثني سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ ⦗٢٠⦘ عَامٍ؟ قَالَ: فَعَلَا كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَسْكَتَ وَأُغْضِبَ وَاسْتَغْضَبَ. فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: مَنِ السَّائِلُ؟ ” فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنَا ذَا، فَقَالَ: «وَيْحَكَ مَاذَا يُؤْمِنُكَ أَنْ أَقُولَ نَعَمْ، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ؟ أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَئِمَّةُ الْحَرَجِ، وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْهَا مَوْضِعَ خُفٍّ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ» . قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ﴾ [المائدة: ١٠١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ
٩ / ١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «يَا قَوْمُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَأُغْضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَضَبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَنْ لَكَفَرْتُمْ، فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوا، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْلِ الَّذِي ⦗٢١⦘ سَأَلَتِ النَّصَارَى مِنَ الْمَائِدَةِ، فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ، فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ انْتَظَرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانَهُ “
٩ / ٢٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَةُ الْحَجِّ، نَادَى النَّبِيُّ ﷺ فِي النَّاسِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَامًا وَاحِدًا أَمْ كُلَّ عَامٍ؟ فَقَالَ: «لَا بَلْ عَامًا وَاحِدًا، وَلَوْ قُلْتُ كُلَّ عَامٍ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ»، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، قَالَ: سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ عَنْ أَشْيَاءَ فَوَعَظَهُمْ، فَانْتَهَوْا
٩ / ٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١]، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَجَّ، فَقِيلَ: أَوَاجِبٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلَّ عَامٍ؟ قَالَ: «لَا، لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا أَطَقْتُمْ، وَلَوْ لَمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «سَلُونِي فَلَا يَسْأَلُنِي رَجُلٌ فِي مَجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُهُ، وَإِنْ
٩ / ٢١
سَأَلَنِي عَنْ أَبِيهِ»، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ بْنُ قَيْسٍ»، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ ﷺ نَبِيًّا، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضِبِ رَسُولِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ
٩ / ٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: ثنا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تَسْأَلُوا عنْ أَشْيَاءَ﴾ [المائدة: ١٠١]، قَالَ: هِيَ الْبُحَيْرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ كَذَا وَلَا كَذَا؟ “
٩ / ٢٢
قَالَ: وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَإِنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْآيَاتِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: ﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ﴾ [المائدة: ١٠٢]، قَالَ: فَقُلْتُ: قَدْ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ بِخِلَافِ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَمَا لَكَ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: هَيْهَ»
٩ / ٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: “هُوَ الَّذِي سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَبِي؟
٩ / ٢٢
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «هُمُ الَّذِينَ
٩ / ٢٢
سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَجْلِ إِكْثَارِ السَّائِلِينَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْمَسَائِلَ، كَمَسْأَلَةِ ابْنِ حُذَافَةَ إِيَّاهُ مَنْ أَبُوهُ، وَمَسْأَلَةِ سَائِلِهِ إِذْ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ»: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَوْلٌ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ، وَلَكِنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَظَاهِرَةَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِخِلَافِهِ، وَكَرِهْنَا الْقَوْلَ بِهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ كَانَتْ فِيمَا سَأَلُوا النَّبِيَّ ﷺ عَنْهُ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي كَرِهَ اللَّهُ لَهُمُ السُّؤَالَ عَنْهَا، كَمَا كَرِهَ اللَّهُ لَهُمُ الْمَسْأَلَةَ عَنِ الْحَجِّ، أَكُلَّ عَامٍ هُوَ أَمْ عَامًا وَاحِدًا؟ وَكَمَا كَرِهَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ مَسْأَلَتَهُ عَنْ أَبِيهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، فَأَخْبَرَ كُلُّ مُخْبِرٍ مِنْهُمْ بِبَعْضِ مَا نَزَلَتِ الْآيَةُ مِنْ أَجْلِهِ وَأَجَّلَ غَيْرَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّ مَخَارِجَ الْأَخْبَارِ بِجَمِيعِ الْمَعَانِي الَّتِي ذُكِرَتْ إِصْحَاحٌ، فَتَوْجِيهُهَا إِلَى الصَّوَابِ مِنْ وجُوهِهَا أَوْلَى
٩ / ٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِينَ نَهَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهُ مِنْ فَرَائِضَ لَمْ يَفْرِضْهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ،
٩ / ٢٣
وَتَحْلِيلِ أُمُورٍ لَمْ يُحْلِلْهَا لَهُمْ، وَتَحْرِيمِ أَشْيَاءَ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ السَّائِلُونَ عَمَّا سَأَلُوا عَنْهُ رَسُولِي مِمَّا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ كِتَابًا وَلَا وَحْيًا، لَا تَسْأَلُوا عَنْهُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لَكُمْ تِبْيَانٌ بِوَحْي وَتَنْزِيلٍ سَاءَكُمْ، لِأَنَّ التَّنْزِيلَ بِذَلِكَ إِذَا جَاءَكُمْ إِنَّمَا يَجِيئُكُمْ بِمَا فِيهِ امْتِحَانُكُمْ وَاخْتِبَارِكُمْ، إِمَّا بِإِيجَابِ عَمَلٍ عَلَيْكُمْ، وَلُزُومِ فَرْضٍ لَكُمْ، وَفِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ مَشَقَّةٌ وَلُزُومُ مُؤْنَةٍ وَكُلْفَةٌ، وَإِمَّا بِتَحْرِيمِ مَا لَوْ لَمْ يَأْتِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ وَحْي كُنْتُمْ مِنَ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ فِي فُسْحَةٍ وَسَعَةٍ، وَإِمَّا بِتَحْلِيلِ مَا تَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ، وَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مُسَاءَةٌ لِنَقْلِكُمْ عَمَّا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ حَقًّا إِلَى مَا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ بَاطِلًا، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ سَأَلْتُمْ عَنْهَا بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِهَا وَبَعْدَ ابْتِدَائِكُمْ شَأْنَ أَمْرِهَا فِي كِتَابِي إِلَى رَسُولِي إِلَيْكُمْ، بَيَّنَ لَكُمْ مَا أَنْزَلْتُهُ إِلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِ كِتَابِي وَتَأْوِيلِ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي، وَذَلِكَ نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي
٩ / ٢٤
حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَّدَ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُّوهَا، وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا»
٩ / ٢٤
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: ⦗٢٥⦘ كَانَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ يَقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ وَحَرَّمَ، فَمَا أَحَلَّ فَاسْتَحِلُّوهُ، وَمَا حَرَّمَ فَاجْتَنِبُوهُ، وَتَرَكَ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءَ لَمْ يُحِلَّهَا وَلَمْ يُحَرِّمْهَا، فَذَلِكَ عَفْوٌ مِنَ اللَّهِ عَفَاهُ، ثُمَّ يَتْلُو: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الضَّحَّاكُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ وَأَحَلَّ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٩ / ٢٤
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْهَا﴾ [المائدة: ١٠١] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: عَفَا اللَّهُ لَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتِكُمْ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَأَلْتُمْ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الَّذِي كَرِهَ اللَّهُ لَكُمْ مَسْأَلَتَكُمْ إِيَّاهُ عَنْهَا، أَنْ يُؤَاخِذَكُمْ بِهَا، أَوْ يُعَاقِبَكُمْ عَلَيْهَا، إِنْ عَرَفَ مِنْهَا تَوْبَتَكُمْ وِإِنَابَتَكُمْ. ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ [البقرة: ٢١٨]، يَقُولُ: وَاللَّهُ سَاتِرٌ ذُنُوبَ مَنْ تَابَ مِنْهَا، فَتَارِكٌ أَنْ يَفْضَحَهُ فِي الْآخِرَةِ ﴿حَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٥] أَنْ يُعَاقِبَهُ بِهَا لِتَغَمُّدِهِ التَّائِبَ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَعَفْوِهِ، عَنْ عُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا
٩ / ٢٥
وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ﴾ [المائدة: ١٠١] «إِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ انْتَظَرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانَهُ»
٩ / ٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ سَأَلَ الْآيَاتَ قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ: فَلَمَّا آتَاهُمُوهَا اللَّهُ أَصْبَحُوا بِهَا جَاحِدِينَ مُنْكِرِينَ أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً عَلَى حَقِيقَةِ مَا احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَبُرْهَانًا عَلَى
٩ / ٢٥
صِحَّةِ مَا جُعِلَتْ بُرْهَانًا عَلَى تَصْحِيحِهِ، كَقَوْمِ صَالِحٍ الَّذِينَ سَأَلُوا الْآيَةَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمُ النَّاقَةُ آيَةً عَقَرُوهَا، وَكَالَّذِينَ سَأَلُوا عِيسَى مَائِدَةً تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، فَلَمَّا أُعْطُوهَا كَفَرُوا بِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَحَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِنَبِيِّهِ ﷺ أَنْ يَسْلِكُوا سَبِيلَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي هَلَكَتْ بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَتْهُمْ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمُوهَا، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَسْأَلُوا الْآيَاتِ، وَلَا تَبْحَثُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، فَقَدْ سَأَلَ الْآيَاتِ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمٌ فَلَمَّا أُوتُوهَا أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ
٩ / ٢٦
كَالَّذِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠١] «نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْلِ الَّذِي سَأَلَتِ النَّصَارَى مِنَ الْمَائِدَةِ، فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ»
٩ / ٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٢] «قَدْ سَأَلَ الْآيَاتِ قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَذَلِكَ حِينَ قِيلَ لَهُ: غَيِّرْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا»
٩ / ٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا بَحَرَ اللَّهُ بَحِيرَةً، وَلَا سَيَّبَ سَائِبَةً، وَلَا وَصَلَ وَصِيلَةً، وَلَا حَمَى حَامِيًا، وَلَكِنَّكُمُ الَّذِينَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَيُّهَا الْكَفَرَةُ، فَحَرَّمْتُمُوهُ افْتِرَاءً عَلَى رَبِّكُمْ
٩ / ٢٦
كَالَّذِي حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنِي أَبِي وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ⦗٢٧⦘ قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني ابْنُ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّائِبَةَ»
٩ / ٢٦
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ: «يَا أَكْثَمُ، رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلَا بِهِ مِنْكَ»، فَقَالَ أَكْثَمُ: أَخْشَى أَنْ يَضُرَّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا، إِنَّكَ مُؤْمِنٌ، وَهُوَ كَافِرٌ، إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَحَمَى الْحَامِيَ»
٩ / ٢٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، قَالَ: ثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ أَوَّلَ مَنْ بَحَرَ الْبَحَائِرَ، رَجُلٌ مِنْ مُدْلِجٍ، كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ، فَجَدَعَ آذَانَهُمَا وَحَرَّمَ أَلْبَانَهُمَا وَظُهُورَهُمَا وَقَالَ: هَاتَانِ لِلَّهِ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَيْهِمَا فَشَرِبَ أَلْبَانَهُمَا وَرَكِبَ ظُهُورَهُمَا»، قَالَ: «فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ يُؤْذِي أَهْلَ ⦗٢٨⦘ النَّارِ رِيحُ قُصْبَهِ»
٩ / ٢٧
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبِيدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ خِنْدِفٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَأَشْبَهُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ أَكْثَمُ بْنُ الْجَوْنِ» . فَقَالَ أَكْثَمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ: «لَا، لِأَنَّكَ مُسْلِمٌ، وَإِنَّهُ كَافِرٌ»
٩ / ٢٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ»
٩ / ٢٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ، وَأَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ عَهْدَ إِبْرَاهِيمَ»، قَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ أَخُو بَنِي كَعْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، يُؤْذِي رِيحُهُ أَهْلَ النَّارِ. وَإِنِّي لَأَعْرِفُ أَوَّلَ مَنْ بَحَرَ الْبَحَائِرَ» . قَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ، فَجَدَعَ آذَانَهُمَا وَحَرَّمَ أَلْبَانَهُمَا، ثُمَّ شَرِبَ أَلْبَانَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ هُوَ وَهُمَا يَعَضَّانِهِ بِأَفْوَاهِهِمَا، وَيَخْبِطَانِهِ بِأَخْفَافِهِمَا» ⦗٢٩⦘ وَالْبَحِيرَةُ: الْفَعِيلَةُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: بَحَرْتُ أُذُنَ هَذِهِ النَّاقَةِ: إِذَا شَقَّهَا، أَبْحَرَهَا بَحْرًا، وَالنَّاقَةُ مَبْحُورَةٌ، ثُمَّ تُصْرَفُ الْمَفْعُولَةُ إِلَى فَعِيلَةٍ، فَيُقَالُ: هِيَ بَحِيرَةٌ. وَأَمَّا الْبَحِرُ مِنَ الْإِبِلِ: فَهُوَ الَّذِي قَدْ أَصَابَهُ دَاءٌ مِنْ كَثْرَةِ شُرْبِ الْمَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: بَحِرَ الْبَعِيرُ يَبْحَرُ بَحَرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط]
[البحر البسيط]
لَأَعْلِطَنَّكَ وَسْمًا لَا تُفَارِقُهُ … كَمَا يُحَزُّ بِحُمَّى الْمِيسَمِ الْبَحِرُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْبَحِيرَةِ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٩ / ٢٨
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَرَأَيْتَ إِبِلَكَ أَلَسْتَ تُنْتِجُهَا مُسَلَّمَةً آذَانُهَا، فَتَأْخُذُ الْمُوسَى فَتَجْدَعُهَا تَقُولُ: هَذِهِ بَحِيرَةٌ، وَتَشُقُّ آذَانَهَا تَقُولُ هَذِهِ حُرُمٌ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ سَاعِدَ اللَّهِ أَشَدُّ، وَمُوسَى اللَّهِ أَحَدُّ، كُلُّ مَالِكَ لَكَ حَلَالٌ لَا يُحَرَّمُ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ»
٩ / ٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ⦗٣٠⦘ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «هَلْ تُنْتَجُ إِبِلُ قَوْمِكَ صِحَاحًا آذَانُهَا فَتَعْمَدَ إِلَى الْمُوسَى فَتَقْطَعُ آذَانَهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ بُحُرٌ، وَتَشُقُّهَا أَوْ تَشُقُّ جُلُودَهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ حُرُمٌ، فَتُحَرِّمُهَا عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللَّهُ لَكَ حِلٌّ، وَسَاعِدُ اللَّهِ أَشَدُّ، وَمُوسَى اللَّهِ أَحَدُّ» وَرُبَّمَا قَالَ: «سَاعِدُ اللَّهِ أَشَدُّ مِنْ سَاعِدِكَ، وَمُوسَى اللَّهِ أَحَدُّ مِنْ مُوسَاكَ» وَأَمَّا السَّائِبَةُ: فَإِنَّهَا الْمُسَيَّبَةُ الْمُخَلَّاةُ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُهُمْ بِبَعْضِ مَوَاشِيهِ، فَيُحَرِّمُ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ سَائِبَةً فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا بِوَلَائِهِ. وَأُخْرِجَتِ الْمُسَيَّبَةُ بِلَفْظِ السَّائِبَةِ، كَمَا قِيلَ: عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ، بِمَعْنَى: مُرْضِيَةٍ. وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ، فَإِنَّ الْأُنْثَى مِنْ نَعَمِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ إِذَا أَتْأَمَتْ بَطْنًا بِذَكَرٍ وَأُنْثَى، قِيلَ: قَدْ وَصَلَتِ الْأُنْثَى أَخَاهَا، بِدَفْعِهَا عَنْهُ الذَّبْحَ، فَسَمَّوْهَا وَصِيلَةً. وَأَمَّا الْحَامِي: فَإِنَّهُ الْفَحْلُ مِنَ النَّعَمِ يُحْمَى ظَهْرُهُ مِنَ الرُّكُوبِ وَالِانْتِفَاعِ بِسَبَبِ تَتَابُعِ أَوْلَادِ تَحْدُثُ مِنْ فِحْلَتِهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَاتِ الْمُسَمَّيَاتِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَمَا السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانَتْ تَفْعَلُ ذَلِكَ
٩ / ٢٩
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، أَنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ: «يَا أَكْثَمُ، رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ، وَلَا بِهِ مِنْكَ»، فَقَالَ أَكْثَمُ: أَيَضُرُّنِي شَبَهُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، لِأَنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ، وَنَصَبَ الْأَوْثَانَ، وَسَيَّبَ السَّوَائِبَ فِيهِمْ» وَذَلِكَ أَنَّ النَّاقَةَ إِذَا تَابَعَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ إِنَاثًا لَيْسَ فِيهَا ذَكَرٌ سُيِّبَتْ، فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ. فَمَا نُتِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقَّ أُذُنُهَا ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهَا مَعَ أُمِّهَا فِي الْإِبِلِ، فَلَمْ يُرْكَبْ ظَهْرُهَا، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهَا، وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ، كَمَا فُعِلَ بِأُمِّهَا، فَهِيَ الْبَحِيرَةُ ابْنَةُ السَّائِبَةِ. وَالْوَصِيلَةُ: أَنَّ الشَّاةَ إِذَا نُتِجَتْ عَشْرَ إِنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِي خَمْسَةِ أَبْطُنٍ لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَرٌ جُعِلَتْ وَصِيلَةً، قَالُوا: وَصَلَتْ، فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِذُكُورِهِمْ دُونَ إِنَاثِهِمْ، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ مِنْهَا شَيْءٌ فَيَشْتَرِكُونَ فِي أَكْلِهِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ. وَالْحَامِي: أَنَّ الْفَحْلَ إِذَا نُتِجَ لَهُ عَشْرُ إِنَاثٍ مُتَتَابِعَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُنَّ ذَكَرٌ حُمِيَ ظَهْرُهُ، وَلَمْ يُرْكَبْ، وَلَمْ يُجَزَّ وَبَرُهُ، وَيُخَلَّى فِي إِبِلِهِ يَضْرِبُ فِيهَا، لَا ⦗٣٢⦘ يُنْتَفَعُ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٠]
٩ / ٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]– قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَقَطَ عَلَيَّ فِيمَا أَظُنُّ كَلَامٌ مِنْهُ – قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلْقَمَةَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: «مَا تُرِيدُ إِلَى شَيْءٍ كَانَتْ تَصْنَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ»؟
٩ / ٣٢
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلْقَمَةَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، تَعَالَى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ «، قَالَ: فَأَتَيْتُ مَسْرُوقًا فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:»الْبَحيرَةُ: كَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا وَلَدَتْ بَطْنًا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، شَقُّوا أُذُنَهَا وَقَالُوا: هَذِهِ بِحِيرَةٌ. قَالَ: ﴿وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ بَعْضَ مَالِهِ فَيَقُولُ: هَذِهِ سَائِبَةٌ. قَالَ: ﴿وَلَا وَصِيلَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: كَانُوا إِذَا وَلَدَتِ النَّاقَةُ الذَّكَرَ أَكَلَهُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ، وَإِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فِي بَطْنٍ قَالُوا: وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَلَا يَأْكُلُونَهُمَا، قَالَ: فَإِذَا مَاتَ الذَّكَرُ، أَكَلَهُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ. قَالَ: ﴿وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: كَانَ الْبَعِيرُ إِذَا وَلَدَ وَوَلَدَ وَلَدُهُ، قَالُوا: قَدْ قَضَى هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِظَهْرِهِ، قَالُوا: هَذَا حَامٌ “
٩ / ٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ ⦗٣٣⦘ صُبَيْحٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَلْقَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ «هَذَا شَيْءٌ كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ»
٩ / ٣٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: الْبَحِيرَةُ: الَّتِي قَدْ وَلَّتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ ثُمَّ تَرَكَتْ “
٩ / ٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: الْبَحِيرَةُ: الْمُخَضْرَمَةُ. ﴿وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، وَالسَّائِبَةُ: مَا سُيِّبَ لِلْهَدْيِ وَالْوَصِيلَةُ: إِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْطُنٍ فِيمَا يَرَى جَرِيرٌ ثُمَّ وَلَدَتِ الْخَامِسَ ذَكَرًا وَأُنْثَى وَصَلَتْ أَخَاهَا. وَالْحَامُ: الَّذِي قَدْ ضَرَبَ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ فِي الْإِبِلِ
٩ / ٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْوَصِيلَةُ: «الَّتِي وَلَدَتْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْطُنٍ ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا» وَسَائِرُ الْحَدِيثِ مِثْلُ حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ
٩ / ٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْبَحِيرَةِ فَقَالَ: «هِيَ الَّتِي تُجْدَعُ آذَانُهَا. وَسُئِلَ عَنِ السَّائِبَةِ، فَقَالَ: كَانُوا يُهْدُونَ لِآلِهَتِهِمُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَيَتْرُكُونَهَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ لِتُذْبَحَ، فَتُخْلَطُ بِغَنَمِ النَّاسِ، فَلَا يَشْرَبُ أَلْبَانَهَا إِلَّا الرِّجَالُ، فَإِذَا مَاتَ مِنْهَا شَيْءٌ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا»
٩ / ٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٣٤⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] وَمَا مَعَهَا: «الْبَحِيرَةُ مِنَ الْإِبِلِ يُحَرِّمُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَبَرَهَا وَظَهْرَهَا وَلَحْمَهَا وَلَبَنَهَا إِلَّا عَلَى الرِّجَالِ، فَمَا وَلَدَتْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فَهُوَ عَلَى هَيْئَتِهَا، وَإِنْ مَاتَتِ اشْتَرَكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي أَكْلِ لَحْمِهَا، فَإِذَا ضَرَبَ الْجَمَلُ مِنْ وَلَدِ الْبَحِيرَةِ فَهُوَ الْحَامِي، وَالسَّائِبَةُ مِنَ الْغَنَمِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سِتَّةِ أَوْلَادٍ كَانَ عَلَى هَيْئَتِهَا، فَإِذَا وَلَدَتْ فِي السَّابِعِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرَيْنِ، ذَبَحُوهُ، فَأَكَلَهُ رِجَالُهُمْ دُونَ نِسَائِهِمْ، وَإِنْ تَوْأَمَتْ أُنْثَى وَذَكَرًا فَهِيَ وَصِيلَةٌ، تُرِكَ ذَبْحُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى، وَإِنْ كَانَتَا أُنْثَيَيْنِ تُرِكَتَا»
٩ / ٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، «فَالْبَحِيرَةُ: النَّاقَةُ، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ، فَيَعْمِدُ إِلَى الْخَامِسَةِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ سَقْبًا فَيَبْتُكُ آذَانَهَا، وَلَا يَجِزُّ لَهَا وَبَرًا، وَلَا يَذُوقَ لَهَا لَبَنًا، فَتِلْكَ الْبَحِيرَةُ ﴿وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، كَانَ الرَّجُلُ يُسَيِّبُ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ. ﴿وَلَا وَصِيلَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] فَهِيَ الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ سَبْعًا عَمَدَ إِلَى السَّابِعِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا ذُبِحَ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا اثْنَانِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَوَلَدَتْهُمَا قَالُوا: وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَيُتْرَكَانِ جَمِيعًا لَا يُذْبَحَانِ، فَتِلْكَ الْوَصِيلَةُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْفَحْلُ فَإِذَا لَقَحَ عَشْرًا قِيلَ: حَامٌ، فَاتْرُكُوهُ»
٩ / ٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] لَيُسَيِّبُوهَا لِأَصْنَامِهِمْ ﴿وَلَا وَصِيلَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] يَقُولُ: الشَّاةُ ﴿وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] يَقُولُ: الْفَحْلُ مِنَ الْإِبِلِ “
٩ / ٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] ” تَشْدِيدٌ شَدَّدَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَتَغْلِيظٌ عَلَيْهِمْ، فَكَانَتِ الْبَحِيرَةُ مِثْلَ الْإِبِلِ إِذَا نَتَجَ الرَّجُلُ خَمْسًا مِنْ إِبِلِهِ نَظَرَ الْبَطْنَ الْخَامِسَ، فَإِنْ كَانَتْ سَقْبًا ذُبِحَ فَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةٍ اشْتَرَكَ فِيهِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا وَهِيَ الْأُنْثَى تُرِكَتْ فَبُتِكَتْ أُذُنُهَا، فَلَمْ يُجَزَّ لَهَا وَبَرٌ، وَلَمْ يُشْرَبْ لَهَا لَبَنٌ، وَلَمْ يُرْكَبْ لَهَا ظَهْرٌ، وَلَمْ يُذْكَرْ لِلَّهِ عَلَيْهَا اسْمٌ. وَكَانَتِ السَّائِبَةُ: يُسَيِّبُونَ مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ حَوْضٍ أَنْ تَشْرَعَ فِيهِ، وَلَا مِنْ حِمًى أَنْ تَرْتَعَ فِيهِ. وَكَانَتِ الْوَصِيلَةُ مِنَ الشَّاءِ: مِنَ الْبَطْنِ السَّابِعِ، إِذَا كَانَ جَدْيًا ذُبِحَ فَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً اشْتَرَكَ فِيهِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَإِنْ جَاءَتْ بِذَكَرٍ وَأُنْثَى قِيلَ وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَمَنَعَتْهُ الذَّبْحَ. وَالْحَامُ: كَانَ الْفَحْلُ إِذَا رَكِبَ مِنْ بَنِي بَنِيهِ عَشَرَةٌ أَوْ وَلَدَ وَلَدُهُ، قِيلَ حَامٌ، حُمِيَ ظَهْرُهُ، فَلَمْ يُزَمَّ وَلَمْ يُخْطَمْ وَلَمْ يُرْكَبْ
٩ / ٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ ⦗٣٦⦘ السُّدِّيِّ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] فَالْبَحِيرَةُ مِنَ الْإِبِلِ: كَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا نُتِجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ، إِنْ كَانَ الْخَامِسُ سَقْبٍا ذَبَحُوهُ فَأَهْدَوْهُ إِلَى آلِهَتِهِمْ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ عَرَضِ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَتْ رُبَعَةً اسْتَحْيَوْهَا، وَشَقُّوا أُذُنَ أُمِّهَا، وَجَزُّوا وَبَرَهَا، وَخَلَّوْهَا فِي الْبَطْحَاءِ، فَلَمْ تَجُزْ لَهُمْ فِي دِيَةٍ، وَلَمْ يَحْلِبُوا لَهَا لَبَنًا، وَلَمْ يَجِزُّوا لَهَا وَبَرًا، وَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَى ظَهْرِهَا، وَهِيَ مِنَ الْأَنْعَامِ الَّتِي حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَمَّا السَّائِبَةُ: فَهُوَ الرَّجُلُ يُسَيِّبُ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ إِنْ كَثُرَ مَالُهُ، أَوْ بَرَأَ مِنْ وَجَعٍ، أَوْ رَكِبَ نَاقَةً فَأَنْجَحَ، فَإِنَّهُ يُسَمِّي السَّائِبَةَ يُرْسِلُهَا فَلَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا أَصَابَتْهُ عُقُوبَةٌ فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ فَمِنَ الْغَنَمِ، هِيَ الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ أَوْ خَمْسَةً، فَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ جَدْيًا ذَبَحُوهُ وَأَهْدَوْهُ لَبَيْتِ الْآلِهَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَنَاقًا اسْتَحْيَوْهَا، وَإِنْ كَانَتْ جَدْيًا وَعَنَاقًا اسْتَحْيَوُا الْجَدْيَ مِنْ أَجْلِ الْعَنَاقِ، فَإِنَّهَا وَصِيلَةٌ وَصَلَتْ أَخَاهَا. وَأَمَّا الْحَامُ: فَالْفَحْلُ يَضْرِبُ فِي الْإِبِلِ عَشْرَ سِنِينَ، وَيُقَالُ: إِذَا ضَرَبَ وَلَدُ وَلَدِهِ قِيلَ: قَدْ حُمِيَ ظَهْرُهُ، فَيَتْرُكُونَهُ لَا يُمَسُّ، وَلَا يُنْحَرُ أَبَدًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ كَلَإٍ يُرِيدُهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَنْعَامِ الَّتِي حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا “
٩ / ٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: “الْبَحِيرَةُ مِنَ الْإِبِلِ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ وَالسَّائِبَةُ مِنَ الْإِبِلِ: كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ. وَالْوَصِيلَةُ مِنَ الْإِبِلِ كَانَتِ النَّاقَةُ تُبَكِّرُ ⦗٣٧⦘ بِأُنْثَى، ثُمَّ تُثَنِّي بِأُنْثَى، فَيُسَمُّونَهَا الْوَصِيلَةَ، يَقُولُونَ: وَصَلَتِ اثْنَتَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ، فَكَانُوا يَجْدَعُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ، أَوْ يَذْبَحُونَهَا، الشَّكُّ مَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. وَالْحَامُ: الْفَحْلُ مِنَ الْإِبِلِ كَانَ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ قَالُوا: هَذَا حَامٌ قَدْ حُمِيَ ظَهْرُهُ، فَتُرِكَ، فَسَمَّوْهُ الْحَامَ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: «إِذَا ضَرَبَ عَشَرَةً»
٩ / ٣٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «الْبَحِيرَةُ مِنَ الْإِبِلِ: كَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا نُتِجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ، فَإِنْ كَانَ الْخَامِسُ ذَكَرًا كَانَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى بَتَكُوا آذَانَهَا، ثُمَّ أَرْسَلُوهَا، فَلَمْ يَنْحَرُوا لَهَا وَلَدًا، وَلَمْ يَشْرَبُوا لَهَا لَبَنًا، وَلَمْ يَرْكَبُوا لَهَا ظَهْرًا وَأَمَّا السَّائِبَةُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَيِّبُونَ بَعْضَ إِبِلِهِمْ، فَلَا تُمْنَعُ حَوْضًا أَنْ تَشْرَعَ فِيهِ، وَلَا مَرْعَى أَنْ تَرْتَعَ فِيهِ وَالْوَصِيلَةُ: الشَّاةُ كَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ، فَإِنْ كَانَ السَّابِعُ ذَكَرًا ذُبِحَ وَأَكَلَهُ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ»
٩ / ٣٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] ” أَمَّا الْبَحِيرَةُ: فَكَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا نَتَجُوهَا خَمْسَةَ أَبْطُنٍ نَحَرُوا الْخَامِسَ إِنْ كَانَ سَقْبًا، وَإِنْ كَانَ رُبَعَةً شَقُّوا أُذُنَهَا وَاسْتَحْيَوْهَا، وَهِيَ بَحِيرَةٌ وَأَمَّا السَّقْبُ فَلَا يَأْكُلُ نِسَاؤُهُمْ مِنْهُ، وَهُوَ خَالِصٌ لِرِجَالِهِمْ، فَإِنْ مَاتَتِ النَّاقَةُ أَوْ نَتَجُوهَا مَيِّتًا فَرِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَأَمَّا السَّائِبَةُ: فَكَانَ يُسَيِّبُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ مِنَ
٩ / ٣٧
الْأَنْعَامِ، فَيُهْمَلُ فِي الْحُمَّى فَلَا يُنْتَفَعُ بِظَهْرِهِ وَلَا بِوَلَدِهِ، وَلَا بِلَبَنِهِ، وَلَا بِشَعْرِهِ، وَلَا بِصُوفِهِ وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ، فَكَانَتِ الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ ذَبَحُوا السَّابِعَ إِذَا كَانَ جَدْيًا، وَإِنْ كَانَ عَنَاقًا اسْتَحْيَوْهُ، وَإِنْ كَانَ جَدْيًا وَعَنَاقًا اسْتَحْيَوْهُمَا كِلَيْهِمَا، وَقَالُوا: إِنَّ الْجَدْيَ وَصَلَتْهُ أُخْتُهُ، فَحَرَّمَتْهُ عَلَيْنَا. وَأَمَّا الْحَامِي: فَالْفَحْلُ إِذَا رَكِبُوا أَوْلَادَ وَلَدِهِ، قَالُوا: قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْرَهُ، وَأَحْرَزَ أَوْلَادُ وَلَدِهِ، فَلَا يَرْكَبُونَهُ، وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ حِمَى شَجَرٍ، وَلَا حَوْضٍ مَا شَرَعَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَوْضُ لِصَاحِبِهِ، وَكَانَتْ مِنْ إِبِلِهِمْ طَائِفَةٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِمْ، لَا إِنْ رَكِبُوا، وَلَا إِنْ حَمَلُوا، وَلَا إِنْ حَلَبُوا، وَلَا إِنْ نَتَجُوا، وَلَا إِنْ بَاعُوا، فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٣] “
٩ / ٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، قَالَ: «هَذَا شَيْءٌ كَانَتْ تَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ ذَهَبَ قَالَ: الْبَحِيرَةُ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْدَعُ أُذُنَيْ نَاقَتِهِ ثُمَّ يُعْتِقُهَا، كَمَا يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ وَغُلَامَهُ، لَا تُحْلَبُ، وَلَا تُرْكَبُ وَالسَّائِبَةُ: يُسَيِّبُهَا بِغَيْرِ تَجْدِيعٍ وَالْحَامُ: إِذَا نُتِجَ لَهُ سَبْعُ إِنَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ، قَدْ حُمِيَ ظَهْرُهُ، وَلَا يُرْكَبُ، وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَالْوَصِيلَةُ مِنَ الْغَنَمِ: إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَ إِنَاثٍ مُتَوَالِيَاتٍ حَمَتْ لَحْمَهَا أَنْ يُؤْكَلَ»
٩ / ٣٨
حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني ابْنُ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «السَّائِبَةُ: الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّبُ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْبَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ أَوَّلَ نِتَاجِ الْإِبِلِ بِأُنْثَى، ⦗٣٩⦘ ثُمَّ تُثَنِّي بَعْدُ بِأُنْثَى، وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لِلطَّوَاغِيتِ، يَدْعُونَهَا الْوَصِيلَةَ، إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَالْحَامِي: فَحْلُ الْإِبِلِ يَضْرِبُ الْعَشَرَ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِذَا نَقَصَ ضِرَابُهُ يَدَعُونَهُ لِلطَّوَاغِيتِ، وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ، فَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ شَيْئًا، وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ» وَهَذِهِ أُمُورٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ، فَلَا نَعْرِفُ قَوْمًا يَعْمَلُونَ بِهَا الْيَوْمَ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْمَلُ بِهِ لَا يُوصَلُ إِلَى عِلْمِهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْيَوْمَ أَثَرٌ، وَلَا فِي الشِّرْكِ نَعْرِفُهُ إِلَّا بِخَبَرٍ، وَكَانَتِ الْأَخْبَارُ عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةً الِاخْتِلَافَ الَّذِي ذَكَرْنَا، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، فَمَا بَيَّنَّا فِي ابْتِدَاءِ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ عَمَلِ الْقَوْمِ فِي ذَلِكَ، فَمَا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ. وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِوَصْفِ عَمَلِهِمْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدْ حَكَيْنَا، وَغَيْرُ ضَائِرٍ الْجَهْلُ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ عِلْمِهِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ، مُوَصِّلًا إِلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُحَرِّمِينَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ اتِّبَاعًا مِنْهُمْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، فَوَبَّخَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَلَالٌ، فَالْحَرَامُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عِنْدَنَا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ ﷺ، بِنَصٍّ أَوْ دَلِيلٍ وَالْحَلَالُ مِنْهُ: مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَذَلِكَ
٩ / ٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالَّذِينَ كَفَرُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَعْنِيُّ بِالَّذِينَ كَفَرُوا: الْيَهُودَ، وَبِالَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ: أَهْلَ الْأَوْثَانِ.
٩ / ٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُوسَى: ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [المائدة: ١٠٣] قَالَ: أَهْلُ الْكِتَابِ ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٣] قَالَ: أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنَّ (الْمُفْتَرِينَ): الْمَتْبُوعُونَ، وَ(الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ): الْأَتْبَاعُ
٩ / ٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا خَارِجَةُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٣] «هُمُ الْأَتْبَاعُ وَأَمَّا (الَّذِينَ افْتَرَوْا)، يَعْقِلُونَ أَنَّهُمُ افْتَرَوْا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [المائدة: ١٠٣] الَّذِينَ بَحَرُوا الْبَحَائِرَ، وَسَيَّبُوا السَّوَائِبَ،
٩ / ٤٠
وَوَصَلُوا الْوَصَائِلَ، وَحَمَوُا الْحَوَامِيَ، مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَأَشْكَالِهِ، مِمَّنْ سَنُّوا لِأَهْلِ الشِّرْكِ السُّنَنَ الرَّدِيئَةَ وَغَيَّرُوا دِينَ اللَّهِ دِينَ الْحَقِّ، وَأَضَافُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ مَا حَرَّمُوا وَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا، افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَاخْتِلَاقًا عَلَيْهِ الْإِفْكَ وَهُمْ يَعْمَهُونَ فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ، وَإِضَافَتِهِمْ إِلَيْهِ مَا أَضَافُوا مِنْ تَحْلِيلِ مَا أَحَلُّوا وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا جَعَلْتُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ، وَلَكِنَّ الْكُفَّارَ هُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٣] هُمْ أَتْبَاعُ مَنْ سَنَّ لَهُمْ هَذِهِ السُّنَنَ مِنْ جَهَلَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَهُمْ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ لَهُمْ سَنُّوا ذَلِكَ فَوَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْقِلُونَ أَنَّ الَّذِينَ سَنُّوا لَهُمْ تِلْكَ السُّنَنَ، وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كُذُبَةٌ فِي أَخْبَارِهِمْ أُفُكَةٌ، بَلْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ مُحِقُّونَ فِي أَخْبَارِهِمْ صَادِقُونَ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ الَّذِي حَرَّمَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَأَضَافُوهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذِبٌ وَبَاطِلٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِالَّذِينَ كَفَرُوا: أَهْلُ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّكِيرَ فِي ابْتِدَاءِ الْآيَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَالْخَتْمُ بِهِمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عَرَضَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْرِفُ مِنْ أَجْلِهِ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ يَقُولُ قَتَادَةُ
٩ / ٤١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ⦗٤٢⦘: ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٣] يَقُولُ: «لَا يَعْقِلُونَ تَحْرِيمَ الشَّيْطَانِ الَّذِي يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ، إِنَّمَا كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَا يَعْقِلُونَ»
٩ / ٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْحَرُونَ الْبَحَائِرَ وَيُسَيِّبُونَ السَّوَائِبَ، الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّهُمْ بِإِضَافَتِهِمْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ: تَعَالَوْا إِلَى تَنْزِيلِ اللَّهِ وَآيِ كِتَابِهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، لِيَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَذِبُ قِيلِكُمْ فِيمَ تُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِكُمْ مَا تُحَرِّمُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَجَابُوا مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَقُولُوا: حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلِنَا آبَاءَنَا يَعْمَلُونَ بِهِ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ لَهُمْ تَبَعٌ، وَهُمْ لَنَا أَئِمَّةٌ وَقَادَةٌ، وَقَدِ اكْتَفَيْنَا بِمَا أَخَذْنَا عَنْهُمْ، وَرَضِينَا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَوْ كَانَ آبَاءُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، يَقُولُ: لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا يُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ كَذِبٌ وَفِرْيَةٌ عَلَى اللَّهِ، لَا حَقِيقَةَ لِذَلِكَ وَلَا صِحَّةَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَتْبَاعَ الْمُفْتَرِينَ الَّذِينَ ابْتَدَءُوا تَحْرِيمَ ذَلِكَ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ بِقِيلِهِمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَ مِنْ إِضَافَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا يُضِيفُونَ مَا كَانُوا فِيمَا هُمْ بِهِ عَامِلُونَ مِنْ ذَلِكَ
٩ / ٤٢
عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَصَوَابٍ، بَلْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ وَخَطَأٍ.
٩ / ٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ فَأَصْلِحُوهَا، وَاعْمَلُوا فِي خَلَاصِهَا مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَانْظُرُوا لَهَا فِيمَا يُقَرِّبُهَا مِنْ رَبِّهَا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ يَقُولُ: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ كَفَرَ وَسَلَكَ غَيْرَ سَبِيلِ الْحَقِّ إِذَا أَنْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ وَآمَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ وَأَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، فَحَرَّمْتُمْ حَرَامَهُ وَحَلَلْتُمْ حَلَالَهُ. وَنَصَبَ قَوْلَهُ: أَنْفُسَكُمْ بِالْإِغْرَاءِ، وَالْعَرَبُ تُغْرِي مِنَ الصِّفَاتِ بِـ (عَلَيْكَ)، وَ(عِنْدَكَ) و(دُونَكَ) وَ(إِلَيْكَ) . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْكُمْ ذَلِكَ
٩ / ٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قُرِئَتْ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا، قُولُوهَا مَا قُبِلَتْ مِنْكُمْ، فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة: ١٠٥]، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٩ / ٤٣
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]؟ قَالَ: «لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا، قُولُوهَا مَا قُبِلَتْ مِنْكُمْ فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ»
٩ / ٤٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عِقَالٍ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: لَوْ جَلَسْتَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَمْ تَأْمُرْ وَلَمْ تَنْهَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي وَلَا لِأَصْحَابِي، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»، فَكُنَّا نَحْنُ الشُّهُودَ وَأَنْتُمُ الْغُيَّبَ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لِأَقْوَامٍ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدَنَا إِنْ قَالُوا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ “
٩ / ٤٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي مَازِنٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِذَا قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جُلُوسٌ، فَقَرَأَ أَحَدُهُمْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ الْيَوْمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَازِنٍ، بِنَحْوِهِ
٩ / ٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَأَبُوعَاصِمٍ، قَالَا: ثنا
٩ / ٤٤
عَوْفٌ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ جَلِيدٌ فِي الْعَيْنِ، شَدِيدُ اللِّسَانِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَحْنُ سِتَّةٌ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأُوا الْقُرْآنَ فَأَسْرَعَ فِيهِ، وَكُلُّهُمْ مُجْتَهِدٌ لَا يَأْلُو، وَكُلُّهُمْ بَغِيضٌ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ دَنَاءَةً، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالشِّرْكِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَأَيَّ دَنَاءَةٍ تُرِيدُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُشْهِرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالشِّرْكِ؟ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي لَسْتُ إِيَّاكَ أَسْأَلَ، أَنَا أَسْأَلُ الشَّيْخَ. فَأَعَادَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «لَعَلَّكَ تَرَى لَا أَبَا لَكَ أَنِّي سَآمُرُكَ أَنْ تَذْهَبَ فَتَقْتُلَهُمْ؟ عِظْهُمْ وَانْهَهُمْ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٥]»
٩ / ٤٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِزَمَانَهَا، إِنَّهَا الْيَوْمَ مَقْبُولَةٌ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَوْشَكَ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَيُصْنَعُ بِكُمْ كَذَا وَكَذَا أَوْ قَالَ: فَلَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ فَحِينَئِذٍ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ»
٩ / ٤٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ⦗٤٦⦘ قَتَادَةَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْتُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي حَلْقَةٍ فِيهِمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِذَا فِيهِمْ شَيْخٌ يَسْنِدُونَ إِلَيْهِ، فَقَرَأَ رَجُلٌ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَقَالَ الشَّيْخُ: «إِنَّمَا تَأْوِيلُهَا آخِرُ الزَّمَانِ»
٩ / ٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ثنا أَبُو مَازِنٍ، رَجُلٌ مِنْ صَالِحِي الْأَزْدِ مِنْ بَنِي الْجَدَّانِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَعَدْتُ إِلَى حَلْقَةٍ فِيهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَرَأَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَسَنِّ الْقَوْمِ: «دَعْ هَذِهِ الْآيَةَ، فَإِنَّمَا تَأْوِيلُهَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ»
٩ / ٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا ابْنُ فَضَالَةِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَإِنِّي لَأَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَتَذَاكَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقُلْتُ أَنَا: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَأَقْبَلُوا عَلَيَّ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: تَنْزِعُ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَا تَعْرِفُهَا وَلَا تَدْرِي مَا تَأْوِيلُهَا، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَكَلَّمْتُ ثُمَّ أَقْبَلُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَلَمَّا حَضَرَ قِيَامُهُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ غُلَامٌ حَدَثَ السِّنِّ، وَإِنَّكَ نَزَعْتَ بِآيَةٍ لَا تَدْرِي مَا هِيَ، وَعَسَى أَنْ تُدْرِكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْي بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ لَا يَضُرُّكُ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَ “
٩ / ٤٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا لَيْثُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي ⦗٤٧⦘ جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ١٠٥]، قَالَ: كَانُوا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ جُلُوسًا، فَكَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عَبْدِ اللَّهِ: أَلَا أَقُومُ فَآمُرَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَقَالَ آخَرُ إِلَى جَنْبِهِ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، قَالَ: فَسَمِعَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: «مَهْ، لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ بَعْدُ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ حَيْثُ أُنْزِلَ وَمِنْهُ آيٌ قَدْ مَضَى تَأْوِيلُهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَنَّ، وَمِنْهُ مَا وَقَعَ تَأْوِيلُهُنَّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمِنْهُ آيٌ قَدْ وَقَعَ تَأْوِيلُهُنَّ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ بِيَسِيرٍ، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ عِنْدَ السَّاعَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ يَوْمَ الْحِسَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ الْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَمَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ وَاحِدَةً، وَأَهْوَاؤُكُمْ وَاحِدَةً، وَلَمْ تَلْبَسُوا شِيَعًا، وَلَمْ يَذُقْ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَأْمُرُوا وَانْهَوْا، فَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَالْأَهْوَاءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَامْرُؤٌ وَنَفْسُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٩ / ٤٦
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: ثنا حَرَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «تَأَوَّلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: دَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فَلَيْسَتْ لَكُمْ»
٩ / ٤٨
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْرَائِيلَ اللَّآلُ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، قَالَ: ثنا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جَارِيَةَ اللَّخْمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «أَبَا ثَعْلَبَةَ، ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِذَا رَأَيْتَ دُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَشُحَّا مُطَاعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْي بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ، أَرَى مِنْ بَعْدِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، لِلْمُتَمَسِّكِ يَوْمَئِذٍ بِمِثْلِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا مِنْهُمْ؟ قَالَ: «لَا، كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا مِنْكُمْ»
٩ / ٤٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جَارِيَةَ اللَّخْمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]؟ فَقَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ: سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا ⦗٤٩⦘ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْي بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ بِخُوَيْصَةِ نَفْسِكَ، وَذَرْ عَوَامَّهُمْ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامًا أَجْرُ الْعَامِلِ فِيهَا كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَنْ ضَلَّ بَعْدَهُ وَهَلَكَ
٩ / ٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ﴾ [المائدة: ١٠٥]، يَقُولُ: «إِذَا مَا الْعَبْدُ أَطَاعَنِي فِيمَا أَمَرْتُهُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ ضَلَّ بَعْدُ إِذَا عَمِلَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ»
٩ / ٤٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] يَقُولُ: «أَطِيعُوا أَمْرِي، وَاحْفَظُوا وَصِيَّتِي»
٩ / ٤٩
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا لَيْثُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ الْجَوْنِ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَاصَّةِ اللَّهِ ⦗٥٠⦘ الَّتِي خَصَّ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ﴾ [المائدة: ١٠٥] الْآيَةَ
٩ / ٤٩
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُطَرِّفِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: ثنا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] «مَا لَمْ يَكُنْ سَيْفٌ أَوْ سَوْطٌ»
٩ / ٥٠
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَقَالَ الْحَسَنُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ بِهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَيْهَا، مَا كَانَ مُؤْمِنٌ فِيمَا مَضَى وَلَا مُؤْمِنٌ فِيمَا بَقِيَ إِلَّا وَإِلَى جَانِبِهِ مُنَافِقٌ يَكْرَهُ عَمَلَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] فَاعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] فَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
٩ / ٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سَعْدٍ الْبَقَّالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، قَالَ: «إِذَا أَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَا يَضُرُّكُ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَ»
٩ / ٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، عَنْ ⦗٥١⦘ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] قَالَ: «إِذَا أَمَرْتُمْ وَنَهَيْتُمْ»
٩ / ٥٠
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] وَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ» قَالَ ابْنُ وَكِيعٍ: فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ
٩ / ٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: «إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] وَإِنَّ الْقَوْمَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، يَعُمُّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
٩ / ٥١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] يَقُولُ: «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ» قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ: ⦗٥٢⦘ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَغْتَرُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، فَيَقُولُ أَحَدُكُمْ: عَلَيَّ نَفْسِي وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَتُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَلَيَسُومَنَّكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، ثُمَّ لَيَدْعُونَ اللَّهَ خِيَارُكُمْ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ “
٩ / ٥١
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: ثنا بَيَانٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، «وَإِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ»
٩ / ٥٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ الْمُسَيِّبِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رضي الله عنه يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا رَأَى النَّاسُ الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، وَالظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ»
٩ / ٥٢
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ: ثنا مَنْصُورُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: صَعِدَ أَبُو بَكْرٍ الْمِنْبَرَ، مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَتَتْلُونَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَتَعُدُّونَهَا رُخْصَةً، وَاللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَشَدَّ مِنْهَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، وَاللَّهِ ⦗٥٣⦘ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيَعُمَّنَّكُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ»
٩ / ٥٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَيَّارٍ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: ثنا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَا تَدْرُونَ مَا هِيَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ حَادَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ وَكَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
٩ / ٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] قَالَ: يَعْنِي: مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
٩ / ٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] قَالَ: «أُنْزِلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ كُلَّ مَنْ ضَلَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ الْحَقِّ
٩ / ٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي
٩ / ٥٣
قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ، قَالُوا لَهُ: سَفَّهْتَ آبَاءَكَ وَضَلَّلْتَهُمْ، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، وَجَعَلْتَ آبَاءَكَ كَذَا وَكَذَا، كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْصُرَهُمْ وَتَفْعَلَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَأَصَحُّ التَّأْوِيلَاتِ عِنْدَنَا بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِيهَا، وَهُوَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] الْزَمُوا الْعَمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَبِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥]، يَقُولُ: فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ ضَلَالُ مَنْ ضَلَّ إِذَا أَنْتُمْ رُمْتُمُ الْعَمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَأَدَّيْتُمْ فِيمَنْ ضَلَّ مِنَ النَّاسِ مَا أَلْزَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ فِيهِ مِنْ فَرْضِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي يَرْكَبُهُ أَوْ يُحَاوِلُ رُكُوبَهُ، وَالْأَخْذِ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا رَامَ ظُلْمًا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ، وَمَنْعِهِ مِنْهُ فَأَبَى النُّزُوعَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا ضَيْرَ عَلَيْكُمْ فِي تَمَادِيهِ فِي غَيِّهِ وَضَلَالِهِ إِذَا أَنْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ وَأَدَّيْتُمْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُومُوا بِالْقِسْطِ وَيَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ: الْأَخْذُ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَمِنَ التَّعَاونِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ. وَهَذَا مَعَ مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَمْرِهِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ تَرْكُ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِهِ مَعْنًى إِلَّا فِي الْحَالِ الَّتِي رَخَّصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَرْكَ ذَلِكَ، وَهِيَ حَالُ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ بِهِ بِالْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ فَيَكُونُ
٩ / ٥٤
مُرَخَّصًا لَهُ تَرْكُهُ إِذَا قَامَ حِينَئِذٍ بِأَدَاءِ فَرْضِ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِقَلْبِهِ. وَإِذَا كَانَ مَا وَصَفْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ بِالْآيَةِ أَوْلَى، فَبَيِّنٌ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] مَا قَالَهُ حُذَيْفَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، مِنْ أَنَّ ذَلِكَ: “إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٩ / ٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ: اعْمَلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَمُرُوا أَهْلَ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ وَمَا حَادَ عَنْ سَبِيلِي بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ وَلَكُمْ، وَإِنْ تَمَادُوا فِي غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ فَإِنَّ إِلَيَّ مَرْجِعَ جَمِيعِكُمْ وَمَصِيرَكُمْ فِي الْآخِرَةِ وَمَصِيرَهُمْ، وَأَنَا الْعَالِمُ بِمَا يَعْمَلُ جَمِيعُكُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَأُخْبِرُ هُنَاكَ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ بِمَا كَانَ يَعْمَلُهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أُجَازِيهِ عَلَى عَمَلِهِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلَيَّ جَزَاءَهُ حَسَبَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ عَمَلُ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى.
٩ / ٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ يَقُولُ: لِيَشْهَدَ بَيْنَكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ يَقُولُ: وَقْتَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، يَقُولُ: ذَوَا رَشَدٍ وَعَقْلٍ وَحِجًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا:
٩ / ٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ، قَالَا: ثنا مُؤَمَّلُ ⦗٥٦⦘ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوِي عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] قَالَ: ذَوَا عَقْلٍ
٩ / ٥٥
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ: مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ
٩ / ٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
٩ / ٥٦
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] مِنَ الْمُسْلِمِينَ
٩ / ٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ»
٩ / ٥٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مِنَ الْمِلَّةِ» . حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ ⦗٥٧⦘ عَبِيدَةَ، بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ»
٩ / ٥٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ. وَقَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٥٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥] قَالَ: «ذَوَا عَدْلٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ»
٩ / ٥٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥]، قَالَ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ
٩ / ٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: «أَيْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ: ذَوَا عَدْلٍ مِنْ حَيِّ الْمُوصِي، وَذَلِكَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ ⦗٥٨⦘ عِكْرِمَةَ وَعُبَيْدَةَ وَعِدَّةٍ غَيْرِهِمَا. وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا هِيَ، وَمَا هُمَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمَا شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُوصِي. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمَا وَصِيَّانِ وَتَأْوِيلُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ، قَوْلُهُ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] لِيَشْهَدَ شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ عَلَى وَصِيَّتِكُمْ. وَتَأْوِيلُ الَّذِينَ قَالُوا: هُمَا وَصِيَّانِ لَا شَاهِدَانِ قَوْلُهُ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] بِمَعْنَى الْحُضُورِ وَالشُّهُودِ لِمَا يُوصِيهِمَا بِهِ الْمَرِيضُ، مِنْ قَوْلِكَ: شَهِدْتُ وَصِيَّةَ فُلَانٍ، بِمَعْنَى حَضَرْتُهُ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى: أَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ دُونَ مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُمَا مِنْ حَيِّ الْمُوصِي وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِطَابِهِمْ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُصْرَفَ مَا عَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَائِدُ مِنْ ذِكْرِهِمْ عَلَى الْعُمُومِ، كَمَا كَانَ ذِكْرُهُمُ ابْتِدَاءً عَلَى الْعُمُومِ وَأَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] الْيَمِينُ، لَا الشَّهَادَةُ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةً لِغَيْرِهِ لِمَنْ هِيَ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، لَأَنَّا لَا نَعْلَمُ لِلَّهِ ⦗٥٩⦘ تَعَالَى حُكْمًا يَجِبُ فِيهِ عَلَى الشَّاهِدِ الْيَمِينُ، فَيَكُونُ جَائِزًا صَرْفُ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الشَّهَادَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَالْأَئِمَّةِ. وَفِي حُكْمِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ عَلَى ذَوِي الْعَدْلِ، وَعَلَى مَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ فِي الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ الْأَيْمَانُ دُونَ الشَّهَادَةِ الَّتِي يُقْضَى بِهَا لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَفَسَادِ مَا خَالَفَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ وَجَدْتَ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى يَمِينًا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي فَتُوَجِّهُ قَوْلَكَ فِي الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الصِّحَّةِ؟ فَإِنْ قُلْتَ: لَا، تَبَيَّنَ فَسَادُ تَأْوِيلِكَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلْتُ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمَانِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]: هُمَا الْمُدَّعِيَّيْنِ. وَإِنْ قُلْتَ: بَلَى، قِيلَ لَكَ: وَفِي أَيِّ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَدْتَ ذَلِكَ؟ قِيلَ: وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ رَجُلٍ مَالًا، فَيُقِرُّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَهُ ذَلِكَ وَيَدَّعِي قَضَاءَهُ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الدَّيْنِ، وَالرَّجُلُ يَعْتَرِفُ فِي يَدِ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ، فَيَزْعُمُ الْمُعْتَرَفَةُ فِي يَدِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْمُدَّعِي أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ وَهَبَهَا لَهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ ⦗٦٠⦘ إِحْصَاؤُهُ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ عَثَرَا عَلَى الْجَانِيَيْنِ فِيمَا جَنَيَا فِيهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ قَوْلَهُ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وَقَوْلَهُ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: شَهَادَةُ اثْنَيْنِ ذَوِي عَدْلٍ، ثُمَّ أُلْقِيَتِ الشَّهَادَةُ وَأُقِيمَ الِاثْنَانِ مَقَامَهَا، فَارْتَفَعَا بِمَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِهِ مُرْتَفِعَةً لَوْ جُعِلَتْ فِي الْكَلَامِ. قَالَ: وَذَلِكَ، فِي حَذْفِ مَا حُذِفَ مِنْهُ وَإِقَامَةِ مَا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَحْذُوفِ، نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]، وَإِنَّمَا يُرِيدُ: وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، وَانْتَصَبَتِ الْقَرْيَةُ بِانْتِصَابِ الْأَهْلِ وَقَامَتْ مَقَامَهُ، ثُمَّ عَطَفَ قَوْلَهُ: ﴿أَوْ آخَرَانِ﴾ [المائدة: ١٠٦] عَلَى (الِاثْنَيْنِ) . وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: رَفَعَ الِاثْنَيْنِ بِالشَّهَادَةِ: أَيْ لِيَشْهَدَكُمُ اثْنَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: رُفِعَتِ الشَّهَادَةُ بِـ ﴿إِذَا حَضَرَ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وَقَالَ: إِنَّمَا رُفِعَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿إِذَا حَضَرَ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَجَعَلَهَا شَهَادَةً مَحْذُوفَةً مُسْتَأْنَفَةً، لَيْسَتْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ رُفِعَتْ لِكُلِّ الْخَلْقِ، لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ لَا تَقَعُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَالِ، وَلَيْسَتْ مِمَّا ثَبَتَ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: الشَّهَادَةُ مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا حَضَرَ﴾ [المائدة: ١٠٦]، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِذَا حَضَرَ﴾ [المائدة: ١٠٦] بِمَعْنَى: عِنْدَ حُضُورِ أَحَدِكُمُ الْمَوْتُ، وَالِاثْنَانِ مَرْفُوعٌ بِالْمَعْنَى الْمُتَوَهَّمِ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ، فَاكْتُفِيَ مِنْ قِيلِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرِ الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]⦗٦١⦘ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَصْدَرٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالِاثْنَانِ اسْمٌ، وَالِاسْمُ لَا يَكُونُ مَصْدَرًا، غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَضَعُ الْأَسْمَاءَ مَوَاضِعَ الْأَفْعَالِ. فَالْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَصَرْفُ كُلِّ ذَلِكَ إِلَى أَصَحِّ وُجُوهِهِ مَا وَجَدْنَا إِلَيْهِ سَبِيلًا أَوْلَى بِنَا مِنْ صَرْفِهِ إِلَى أَضْعَفِهَا
٩ / ٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: لِيَشْهَدَ بَيْنَكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ عَدْلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ.
٩ / ٦١
نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَا: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ “
٩ / ٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: «مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ⦗٦٢⦘ حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الْجُبَيْرِيُّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٦١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَا: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، قَالَ: ثني مَنْ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ، مِثْلَ ذَلِكَ
٩ / ٦٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ
٩ / ٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «إِنْ كَانَ قُرْبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَشْهَدَهُمْ، وَإِلَّا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
٩ / ٦٢
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَا: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ»
٩ / ٦٣
حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، مِثْلَهُ
٩ / ٦٣
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] «مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَمِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ»
٩ / ٦٣
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ ⦗٦٤⦘ مَجُوسِيًّا، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ. فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا، أُجِيزَتْ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَأُبْطِلَتْ شَهَادَةُ الْآخَرِينَ»
٩ / ٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ، «أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى عَلَى مُسْلِمٍ إِلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُجِيزُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى الْوَصِيَّةِ إِلَّا إِذَا كَانُوا فِي سَفَرٍ»
٩ / ٦٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، قَالَا: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى إِلَّا فِي سَفَرٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي سَفَرٍ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ، نَحْوَهُ
٩ / ٦٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَتَبَ هِشَامُ بْنُ هُبَيْرَةَ لِمَسْلَمَةَ عَنْ شَهَادَةِ الْمُشْرِكِينَ، عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا»
٩ / ٦٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَشْهَبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، تَعَالَى: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: مِنْ ⦗٦٥⦘ غَيْرِ الْمِلَّةِ ” حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، بِمِثْلِهِ
٩ / ٦٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبِيدَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ»
٩ / ٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّلَاةِ»
٩ / ٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ»
٩ / ٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ»
٩ / ٦٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا أَبُو حُرَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ»
٩ / ٦٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، ⦗٦٦⦘ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٩ / ٦٥
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ»
٩ / ٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ»
٩ / ٦٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى»
٩ / ٦٦
قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إِلَّا فِي وَصِيَّةٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلَّا فِي سَفَرٍ»
٩ / ٦٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَا، وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: «هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَأَحْلَفَهُمَا، وَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا»
٩ / ٦٦
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ الْأَزْرَقِ، ⦗٦٧⦘ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ أَبَا مُوسَى، قَضَى بِهَا بِدَقُوقَا “
٩ / ٦٦
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: «شَاهِدَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ»
٩ / ٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ»
٩ / ٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ»
٩ / ٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: «كَانَ ذَلِكَ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالْأَرْضُ حَرْبٌ وَالنَّاسُ كُفَّارٌ، إِلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ وَفُرِضَتِ الْفَرَائِضُ، وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ حَيِّكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ
٩ / ٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ الْجَهْمِ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، ⦗٦٨⦘ عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «شَاهِدَانِ مِنْ قَوْمِكُمْ وَمِنْ غَيْرِ قَوْمِكُمْ»
٩ / ٦٧
حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا، تَجُوزَ شَهَادَةُ كَافِرٍ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ، إِنَّمَا هِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ»
٩ / ٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: أَيْ مِنْ عَشِيرَتِهِ. ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] قَالَ: مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِهِ
٩ / ٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ حَيِّكُمْ»
٩ / ٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: مِنْ غَيْرِ حَيِّكُمْ
٩ / ٦٨
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: ثنا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مِنْ غَيْرِ أَهْلِ حَيِّهِ، يَعْنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
٩ / ٦٨
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكَ، وَمِنْ غَيْرِ قَوْمِكَ كُلِّهِمْ، مِنَ ⦗٦٩⦘ الْمُسْلِمِينَ»
٩ / ٦٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مُسْلِمَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَيِّكُمْ»
٩ / ٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني عَقِيلٌ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ١٠٨]، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَرْءِ الْمُوصِي أَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ هُمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ وَأَرَأَيْتَ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا، أَتَرَاهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَرْءِ الْمُوصِي، أَمْ هُمَا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَمْ نَسْمَعْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ الْعَامَّةِ سُنَّةً أَذْكُرُهَا، وَقَدْ كُنَّا نَتَذَاكَرُهَا أُنَاسًا مِنْ عُلَمَائِنَا أَحْيَانًا، فَلَا يَذْكُرُونَ فِيهَا سُنَّةً مَعْلُومَةً وَلَا قَضَاءً مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ، وَلَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهَا رَأْيُهُمْ وَكَانَ أَعْجَبُهُمْ فِيهَا رَأَيًا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: هِيَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَشْهَدُ بَعْضُهُمُ الْمَيِّتَ الَّذِي يَرِثُونَهُ وَيَغِيبُ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، وَيَشْهَدُ مَنْ شَهِدَهُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ لِذَوِي الْقُرْبَى، فَيُخْبِرُونَ مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْهُمْ بِمَا حَضَرُوا مِنْ وَصِيَّةٍ، فَإِنْ سَلَّمُوا جَازَتْ وَصِيَّتُهُ، وَإِنِ ارْتَابُوا أَنْ يَكُونُوا بَدَّلُوا قَوْلَ الْمَيِّتِ وَآثَرُوا بِالْوَصِيَّةِ مَنْ أَرَادُوا مِمَّنْ لَمْ يُوصِ لَهُمُ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ حَلَفَ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهِيَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ، ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ: إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، إِنَّا إِذًا لِمَنَ الْآثِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَإِذَا أَقْسَمَا عَلَى ذَلِكَ ⦗٧٠⦘ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأَيْمَانُهُمَا مَا لَمْ يُعْثَرْ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ عُثِرَ قَامَ آخَرَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنَ الْخَصِمِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ الْأَوَّلَانِ الْمُسْتَحْلَفَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ: لَشَهَادَتُنَا عَلَى تَكْذِيبِكُمَا أَوْ إِبْطَالِ مَا شَهَدْتُمَا بِهِ، وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذَنْ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا، أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمُ، الْآيَةَ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَ عَبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ مِنْ عُدُولِ الْمُؤْمِنِينَ أَوِ اثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ فِي الْكَلَامِ صِفَةُ شَهَادَةِ مُؤْمِنَيْنِ مِنْكُمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: صِفَةُ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، أَوْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ صَرْفُ مُغْلَقِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا قَبْلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥] إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ بِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ ⦗٧١⦘ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِنَّمَا هُوَ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ كَانَ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِنَا يَهُودِيَّيْنِ كَانَا أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ عَابِدَيْ وَثَنٍ، أَوْ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخَصِّصْ آخَرَيْنِ مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ مِلَّةٍ بَعْدَ أَلَّا يَكُونَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ
٩ / ٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: صِفَةُ شَهَادَةِ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَوْ رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ، إِنْ أَنْتُمْ سَافَرْتُمْ ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَبَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قِيلَ لِلْمُسَافِرِ الضَّارِبُ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ يَقُولُ: فَنَزَلَ بِكُمُ الْمَوْتُ. وَوَجَّهَ أَكْثَرُ التَّأْوِيلِ هَذَا الْمَوْضِعَ إِلَى مَعْنَى التَّعْقِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ وَقَالُوا: مَعْنَاهُ: شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ إِنْ وُجِدَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا فَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ، لِأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ: شَهَادَةُ
٩ / ٧١
بَيْنِكُمْ إِلَى مَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي تُوجِبُ لِلْقَوْمِ قِيَامَ صَاحِبِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يُبْطِلُهَا
٩ / ٧٢
ذِكْرُ بَعْضِ مِنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥]: «مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَمِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ»
٩ / ٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ، أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا كَانَ بِبِلَادٍ لَا يَجِدُ غَيْرَهُمْ»
٩ / ٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ»
٩ / ٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ ⦗٧٣⦘ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «هَذَا فِي الْحَضَرِ، ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: فِي السَّفَرِ، ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]: هَذَا فِي الرَّجُلِ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ فِي سَفَرِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَيُوصِي إِلَيْهِمَا»
٩ / ٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] الْآيَةَ، قَالَ: «إِذَا حَضَرَ الرَّجُلَ الْوَفَاةُ فِي سَفَرٍ، فَيُشْهِدُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ»
٩ / ٧٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥]، «فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ قَالَ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]: فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ» ⦗٧٤⦘ وَوَجَّهَ ذَلِكَ آخَرُونَ إِلَى مَعْنَى التَّخْيِيرِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا عُنِيَ بِالشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْأَيْمَانُ عَلَى الْوَصِيَّةِ الَّتِي أَوْصَى إِلَيْهِمَا، وَائْتِمَانُ الْمَيِّتِ إِيَّاهُمَا عَلَى مَا ائْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ لِيُؤَدِّيَاهُ إِلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ إِنِ ارْتِيبَ بِهِمَا. قَالُوا: وَقَدْ يَأْمَنُ الرَّجُلُ عَلَى مَالِهِ مَنْ رَآهُ مَوْضِعًا لِلْأَمَانَةِ، مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا مَضَى، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّتَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ
٩ / ٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، إِنْ شَهِدَ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، أَوْ كَانَ أَوْصَى إِلَيْهِمَا، أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتْكُمُ الْمَنِيَّةُ فَأَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَالٍ وَتَرِكَةٌ لِوَرَثَتِكُمْ، فَإِذَا أَنْتُمْ أَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَالٍ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ، فَأَدَّيَا إِلَى وَرَثَتِكُمْ مَا ائْتَمَنْتُمُوهُمَا، وَادَّعَوْا عَلَيْهِمَا خِيَانَةً خَانَاهَا مِمَّا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا حِينَئِذٍ أَنْ تَحْبِسُوهُمَا، يَقُولُ: تَسْتَوْقِفُونَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى مَا حُذِفَ، وَهُوَ: فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ وَقَدْ أَسْنَدْتُمْ وَصِيَّتِكُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَالٍ، فَإِنَّكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ
٩ / ٧٤
فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ يَقُولُ: يَحْلِفَانِ بِاللَّهِ إِنِ اتَّهَمْتُمُوهُمَا بِخِيَانَةٍ فِيمَا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ مِنْ تَغْيِيرِ وَصِيَّةٍ أُوصَى إِلَيْهِمَا بِهَا، أَوْ تَبْدِيلِهَا وَالِارْتِيَابُ: هُوَ الِاتِّهَامُ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا يَقُولُ: يَحْلِفَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا بِاللَّهِ ثَمَنًا، يَقُولُ: لَا نَحْلِفُ كَاذِبَيْنِ عَلَى عِوَضٍ نَأْخُذُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَالٍ نَذْهَبُ بِهِ، أَوْ لِحَقٍّ نَجْحَدُهُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَوْصَى إِلَيْنَا وَإِلَيْهِمْ وَصِيَّتِهِمْ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ بِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ الْحَلِفُ وَالْقَسَمُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ ذِكْرُ الْقَسَمِ بِهِ، فَيُعْرَفُ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَاكْتُفِيَ بِهِ مِنْ إِعَادَةِ ذِكْرِ الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى يَقُولُ: يُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَا نَطْلُبُ بِإِقْسَامِنَا بِاللَّهِ عِوَضًا فَنَكْذِبُ فِيهَا لِأَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي نُقْسِمُ بِهِ لَهُ ذَا قَرَابَةٍ مِنَّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
٩ / ٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]: «فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا اسْتُحْلِفَا ⦗٧٦⦘ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِاللَّهِ: لَمْ نَشْتَرِ بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا» وَقَوْلُهُ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ١٠٦] مِنْ صَلَاةِ الْآخَرِينَ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ إِنِ ارْتَبْتُمْ بِهِمَا، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى. وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ
٩ / ٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَا، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: «هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ بِاللَّهِ: مَا خَانَا وَلَا كَذِبَا، وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ. قَالَ: فَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا»
٩ / ٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ الشِّرْكِ فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ» ⦗٧٧⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، بِمِثْلِهِ
٩ / ٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، «فَهَذَا رَجُلٌ مَاتَ بِغُرْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَتَرَكَ تَرِكَتَهُ وَأَوْصَى بِوَصِيَّتِهِ، وَشَهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَجُلَانِ، فَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا اسْتُحْلِفَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَكَانَ يُقَالُ: عِنْدَهَا تَصِيرُ الْأَيْمَانُ»
٩ / ٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَا: «إِذَا حَضَرَ الرَّجُلَ الْوَفَاةُ فِي سَفَرٍ، فَلْيُشْهِدْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَرَثَةُ قَبِلَ قَوْلَهُمَا، وَإِنِ اتَّهَمُوهُمَا أُحْلِفَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ: بِاللَّهِ مَا كَذِبْنَا، وَلَا كَتَمْنَا، وَلَا خُنَّا، وَلَا غَيَّرْنَا»
٩ / ٧٧
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ الْقَطَّانِ قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا قَالَ: ثنا عَامِرٌ، أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ بِدَقُوقَا، فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ إِلَّا رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِهَا، فَأَحْلَفَهُمَا أَبُو مُوسَى دُبُرَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ بِاللَّهِ: مَا كَتَمَا، وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ. فَأَجَازَهَا ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُسْتَحْلَفَانِ بَعْدَ صَلَاةِ أَهْلِ دِينِهِمَا وَمِلَّتِهِمَا
٩ / ٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥] قَالَ: “هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ يُوصِي وَيُشْهِدُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَالِهِ وَعَلَيْهِ، قَالَ: هَذَا فِي الْحَضَرِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: فِي السَّفَرِ، ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]: هَذَا الرَّجُلُ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ فِي سَفَرِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَيُوصِي إِلَيْهِمَا وَيَدْفَعُ إِلَيْهِمَا مِيرَاثَهُ، فَيُقْبِلَانِ بِهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ الْوَصِيَّةَ وَعَرَفُوا مَالَ صَاحِبِهِمْ تَرَكُوا الرَّجُلَيْنِ، وَإِنِ ارْتَابُوا رَفَعُوهُمَا إِلَى السُّلْطَانِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾
٩ / ٧٨
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْعِلْجَيْنِ حِينَ انْتُهِيَ بِهِمَا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي دَارِهِ، فَفَتَحَ الصَّحِيفَةَ فَأَنْكَرَ أَهْلُ الْمَيِّتِ وَخَوَّنُوهُمَا، فَأَرَادَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَلَكِنِ اسْتَحْلِفْهُمَا بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، فَيُوقَفُ الرَّجُلَانِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، وَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، إِنَّا إِذَنْ لَمِنَ الْآثِمِينَ، إِنَّ صَاحِبَهُمْ لِبِهَذَا أَوْصَى، وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَتُهُ. فَيَقُولُ لَهُمَا الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا: إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمِكُمَا، وَلَمْ تُجَزْ لَكُمَا شَهَادَةٌ وَعَاقَبْتُكُمَا، فَإِذَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا» ⦗٧٩⦘ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِإِدْخَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهَا، وَلَا تُدْخِلُهُمَا الْعَرَبُ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ، إِمَّا فِي جِنْسٍ، أَوْ فِي وَاحِدٍ مَعْهُودٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْمُتَخَاطِبِينَ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهَا جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ، لَمْ يُجَزْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا صَلَاةُ الْمُسْتَحْلَفِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّ لَهُمْ صَلَوَاتٌ لَيْسَتْ وَاحِدَةً، فَيَكُونُ مَعْلُومًا أَنَّهَا الْمَعْنِيَّةُ بِذَلِكَ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ بِعَيْنِهَا مِنْ صَلَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ صَحِيحًا عَنْهُ أَنَّهُ إِذْ لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيَّيْنِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّتِي عُنِيَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ١٠٦] هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَخَيَّرُهَا لِاسْتِحْلَافِ مَنْ أَرَادَ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ عَلَيْهِ. هَذَا مَعَ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْ تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ [المائدة: ١٠٦]
٩ / ٧٨
مَا حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: نَأْخُذُ بِهِ رِشْوَةً
٩ / ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ ⦗٨٠⦘ الْآثِمِينَ اخْتَلَفَتِ الْقِرَاءَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ بِإِضَافَةِ الشَّهَادَةِ إِلَى اللَّهِ، وَخَفْضِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي: لَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ عِنْدَنَا وَذُكِرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ
٩ / ٧٩
كَالَّذِي حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: ﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً اللَّهِ، إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٦] بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَخَفْضِ اسْمِ اللَّهِ هَكَذَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ. وَكَأَنَّ الشَّعْبِيَّ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُمَا يُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً عِنْدَنَا، ثُمَّ ابْتَدَأَ يَمِينًا بِاسْتِفْهَامٍ بِاللَّهِ أَنَّهُمَا إِنِ اشْتَرِيَا بِأَيْمَانِهِمَا ثَمَنًا أَوْ كَتَمَا شَهَادَتَهُ عِنْدَهُمَا لَمِنَ الْآثِمِينَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ رِوَايَةٌ تُخَالِفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
٩ / ٨٠
وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الثَّعْلَبِيُّ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَرَأَ: (وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ) قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «تُنَوَّنُ ﴿شَهَادَةً﴾ [البقرة: ١٤٠]، وَيُخْفَضُ ﴿اللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦] عَلَى الِاتِّصَالِ. قَالَ: وَقَدْ رَوَاهَا بَعْضُهُمْ بِقَطْعِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ». وَحِفْظِي أَنَا لِقِرَاءَةِ الشَّعْبِيِّ بِتَرْكِ الِاسْتِفْهَامِ،
٩ / ٨٠
وَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ: (وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةً اللَّهَ) بِتَنْوِينِ الشَّهَادَةِ وَنَصْبِ اسْمِ ﴿اللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، بِمَعْنَى: وَلَا نَكْتُمُ اللَّهَ شَهَادَةً عِنْدَنَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦] بِإِضَافَةِ الشَّهَادَةِ إِلَى اسْمِ ﴿اللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦] وَخَفْضِ اسْمِ ﴿اللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ الَّتِي لَا يَتَنَاكَرُ صِحَّتَهَا الْأُمَّةُ
٩ / ٨١
وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ: «وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا بَعِيدًا» حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ زَيْدٍ، عَنْهُ
٩ / ٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لِمِنَ الظَّالِمِينَ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ عُثِرَ فَإِنِ اطَّلَعَ مِنْهُمَا، أَوْ ظَهَرَ. وَأَصْلُ الْعَثْرِ: الْوقُوعُ عَلَى الشَّيْءِ وَالسُّقُوطُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: عَثَرَتْ إِصْبَعُ فُلَانٍ بِكَذَا: إِذَا صَدَمَتْهُ وَأَصَابَتْهُ وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى مَيْمُونِ بْنِ قَيْسٍ: ⦗٨٢⦘ بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إِذَا عَثَرَتْ فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: (عَثَرَتْ): أَصَابَ مِيسَمَ خُفِّهَا حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَاقِعٍ عَلَى شَيْءٍ كَانَ عَنْهُ خَفِيًّا، كَقَوْلِهِمْ: (عَثَرَتْ عَلَى الْغَزْلِ بِأَخَرَةَ، فَلَمْ تَدَعْ بِنَجْدٍ قَرَدَةَ)، بِمَعْنَى: وَقَعَتْ
٩ / ٨١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧] فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنِ اطَّلَعَ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ أَمْرَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ حَلِفِهِمَا بِاللَّهِ: لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، ﴿عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧]، يَقُولُ: عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَوْجَبَا بِأَيْمَانِهِمَا الَّتِي حَلَفَا بِهَا إِثْمًا، وَذَلِكَ أَنْ يَطَلِّعَ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ فِي أَيْمَانِهِمَا بِاللَّهِ مَا خُنَّا، وَلَا بَدَّلْنَا، وَلَا غَيَّرْنَا، فَإِنْ وُجِدَا قَدْ خَانَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ شَيْئًا، أَوْ غَيَّرَا وَصِيَّتُهُ، أَوْ بَدَّلَا، فَأَثِمَا بِذَلِكَ مِنْ حَلِفِهِمَا بِرَبِّهِمَا ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]، يَقُولُ: يَقُومُ حِينَئِذٍ مَقَامَهُمَا مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوْلَيَانِ الْمُوصَى إِلَيْهِمَا. ⦗٨٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٩ / ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ الشِّرْكِ فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ حَلِفِهِمَا أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا، حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ: إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ اسْتَحَقُّوا» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، بِمِثْلِهِ
٩ / ٨٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: «مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ، فَإِنِ ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا، اسْتُحْلِفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ بِاللَّهِ: مَا اشْتَرَيْنَا بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا فَإِنِ اطَّلَعَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذِبَا فِي شَهَادَتِهِمَا، قَامَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَحَلَفَا بِاللَّهِ: إِنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَةٌ، وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧]، يَقُولُ: إِنِ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذِبَا، ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ [المائدة: ١٠٧] يَقُولُ: مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ: إِنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَةٌ، وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدِ فَتُرَدُّ شَهَادَةُ ⦗٨٤⦘ الْكَافِرَيْنِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ»
٩ / ٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧]: «أَيِ اطَّلَعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَةٍ أَنَّهُمَا كَذِبَا أَوْ كَتَمَا» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْأَيْمَانِ فَنَقَلَهَا إِلَى الْآخَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ عُثِرَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَلْزَمَهُمَا الْيَمِينَ إِذَا ارْتِيبَ فِي شَهَادَتِهِمَا عَلَى الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّهُ أَوْصَى لِغَيْرِ الَّذِي يَجُوزُ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنْ يُشْهَدَ أَنَّهُ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ، أَوْ أَوْصَى أَنْ يُفَضِّلَ بَعْضَ وَلَدِهِ بِبَعْضِ مَالِهِ
٩ / ٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥]: مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، يَقُولُ: فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ حَلَفَا عَلَى شَيْءٍ يُخَالِفُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْفَرِيضَةِ يَعْنِي اللَّذَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ: مَا كَانَ صَاحِبُنَا لَيُوصِيَ بِهَذَا، أَوْ: إِنَّهُمَا لَكَاذِبَانِ، ⦗٨٥⦘ وَلَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا “
٩ / ٨٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “يُوقَفُ الرَّجُلَانِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، يَحْلِفَانِ بِاللَّهِ: لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، إِنَّا إِذَنْ لِمَنَ الْآثِمِينَ، إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى، وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَتُهُ، فَإِذَا شَهِدَا، وَأَجَازَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُمَا عَلَى مَا شَهِدَا، قَالَ لِأَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ: اذْهَبُوا فَاضْرِبُوا فِي الْأَرْضِ وَاسْأَلُوا عَنْهُمَا، فَإِنْ أَنْتُمْ وَجَدْتُمْ عَلَيْهِمَا خِيَانَةً أَوْ أَحَدًا يَطْعَنُ عَلَيْهِمَا رَدَدْنَا شَهَادَتَهُمَا، فَيَنْطَلِقُ الْأَوْلِيَاءُ فَيَسْأَلُونَ، فَإِنْ وَجَدُوا أَحَدًا يَطْعَنُ عَلَيْهِمَا أَوْ هُمَا غَيْرَ مَرْضِيَّيْنِ عِنْدَهُمْ، أَوِ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ وَجَدُوهُ عِنْدَهُمَا، فَأَقْبَلَ الْأَوْلِيَاءُ فَشَهِدُوا عِنْدَ الْإِمَامِ وَحَلَفُوا بِاللَّهِ: لَشَهَادَتُنَا أَنَّهُمَا لَخَائِنَانِ مُتَّهَمَانِ فِي دِينِهِمَا مَطْعُونٌ عَلَيْهِمَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا بِمَا شَهِدَا، وَمَا اعْتَدَيْنَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِنَّمَا أُلْزِمَ الشَّاهِدَانِ الْيَمِينَ، لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِبَعْضِ الْمَالِ. وَإِنَّمَا يُنْقَلُ إِلَى الْآخَرَيْنِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إِذَا ارْتَابُوا بِدَعْوَاهُمَا
٩ / ٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ
٩ / ٨٥
فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: زَعَمَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِكَذَا وَكَذَا. ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧]: أَيْ بِدَعْوَاهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]: أَنَّ صَاحِبَنَا لَمْ يُوصِ إِلَيْكُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا تَقُولَانِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أُلْزِمَا الْيَمِينَ فِي ذَلِكَ بِاتِّهَامِ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ إِيَّاهُمَا فِيمَا دَفَعَ إِلَيْهِمَا الْمَيِّتُ مِنْ مَالِهِ، وَدَعْوَاهُمْ قِبَلَهَا خِيَانَةُ مَالٍ مَعْلُومِ الْمَبْلَغِ، وَنُقِلَتْ بَعْدُ إِلَى الْوَرَثَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الرِّيبَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْوَرَثَةِ فِيهِمَا، وَصِحَّةِ التُّهْمَةِ عَلَيْهِمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَحْلِفُ الْوَارِثُ حِينَئِذٍ مَعَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا إِنَّمَا صَحَّحَ دَعْوَاهُ إِذَا حَقَّقَ حَقَّهُ، أَوِ الْإِقْرَارُ يَكُونُ مِنَ الشُّهُودِ بِبَعْضِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَارِثُ أَوْ بِجَمِيعِهِ، ثُمَّ دَعْوَاهُمَا فِي الَّذِي أَقَرَّا بِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ دَعْوَاهُمَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُمَا عَلَى دَعْوَاهُمَا تِلْكَ بَيِّنَةٌ، فَيُنْقَلُ حِينَئِذٍ الْيَمِينُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، لَأَنَّا لَا نَعْلَمُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا يَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الشُّهُودِ ارْتِيبَ بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ لَمْ يُرْتَبْ بِهَا، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ نَظِيرًا لِذَلِكَ. وَلَمْ نَجِدْ ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ بِخَبَرٍ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ وَلَا بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ اسْتِحْلَافَ الشُّهُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ أَصْلًا مُسَلَّمًا. وَالْمَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا أَوْ نَظِيرًا لِأَصْلٍ فِيمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ، كَانَ وَاضِحًا فَسَادُهُ. وَإِذَا فَسَدَ هَذَا الْقَوْلُ بِمَا ذَكَرْنَا، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اسْتُحْلِفَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا
٩ / ٨٦
ادَّعَيَا عَلَى الْمَيِّتِ وَصِيَّةً لَهُمَا بِمَالٍ مِنْ مَالِهِ أَفْسَدُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مُدَّعِيًا لَوِ ادَّعَى فِي مَالِ مَيِّتٍ وَصِيَّةً أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمُدَّعِي فِي مَالِهِ الْوَصِيَّةَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، دُونَ قَوْلِ مُدَّعِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْيَمِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الشُّهُودِ إِذَا ارْتِيبَ بِهِمَا، وَإِنَّمَا نَقَلَ الْأَيْمَانَ عَنْهُمْ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، إِذَا عُثِرَ عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ اسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانِهِمْ، فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: أُلْزِمَ الْيَمِينَ الشُّهُودُ لِدَعْوَاهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَصِيَّةً أَوْصَى بِهَا لَهُمُ الْمَيِّتُ فِي مَالِهِ، عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِهِ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ
٩ / ٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ. فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ قَالَ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ ⦗٨٨⦘ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]
٩ / ٨٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بَاذَانَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: بَرِئَ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرِي وَغَيْرُ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَأَتَيَا الشَّامَ لِتِجَارَتِهِمَا، وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلًى لِبَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهُ: بُدَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، بِتِجَارَةٍ، وَمَعَهُ جَامُ فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَلِكَ، وَهُوَ عَظَمُ تِجَارَتِهِ، فَمَرِضَ، فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا مَاتَ، أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَامَ فَبِعْنَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيُّ بْنُ بَدَّاءٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا إِلَى أَهْلِهِ دَفَعْنَا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ مَعَنَا، وَفَقَدُوا الْجَامَ فَسَأَلُونَا عَنْهُ، فَقُلْنَا: مَا تَرَكَ غَيْرَ هَذَا، وَمَا دَفَعَ إِلَيْنَا غَيْرَهُ قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَأَخْبَرْتُهُمُ الْخَبَرَ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ عِنْدَ ⦗٨٩⦘ صَاحِبِي مِثْلَهَا، فَأَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَهُمُ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَجِدُوا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يَعْظُمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، فَحَلَفَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ [المائدة: ١٠٨] فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْهُمْ، فَحَلَفَا، فَنُزِعَتِ الْخَمَسَمِائَةِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ “
٩ / ٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ قَالَ: وَثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ عَدِيُّ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَهُمَا مِنْ لَخْمٍ نَصْرَانِيَّانِ يَتَّجِرَانِ إِلَى مَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَوَّلَا مُتَّجَرَهُمَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَدِمَ ابْنُ أَبِي مَارِيَةَ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَدِينَةَ، وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ تَاجِرًا فَخَرَجُوا جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَرِضَ ابْنُ أَبِي مَارِيَةَ، فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دَسَّهَا فِي مَتَاعِهِ، ثُمَّ أَوْصَى إِلَيْهِمَا فَلَمَّا مَاتَ فَتَحَا مَتَاعَهُ، فَأَخَذَا مَا أَرَادَا، ثُمَّ قَدِمَا عَلَى أَهْلِهِ فَدَفَعَا مَا أَرَادَا، فَفَتَحَ أَهْلُهُ مَتَاعَهُ، فَوَجَدُوا كِتَابَهُ وَعَهْدَهُ وَمَا خَرَجَ بِهِ، وَفَقَدُوا شَيْئًا فَسَأَلُوهُمَا عَنْهُ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي قَبَضْنَا لَهُ ⦗٩٠⦘ وَدَفَعَ إِلَيْنَا، قَالَ لَهُمَا أَهْلُهُ: فَبَاعَ شَيْئًا أَوِ ابْتَاعَهُ؟ قَالَا: لَا. قَالُوا: فَهَلِ اسْتَهْلَكَ مِنْ مَتَاعِهِ شَيْئًا؟ قَالَا: لَا. قَالُوا: فَهَلْ تَجَرَ تِجَارَةً؟ قَالَا: لَا. قَالُوا: فَإِنَّا قَدْ فَقَدْنَا بَعْضَهُ، فَاتُّهِمَا، فَرَفَعُوهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُمَا فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ: بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا قَبَضْنَا لَهُ غَيْرَ هَذَا، وَلَا كَتَمْنَا، قَالَ: فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَمْكُثَ، ثُمَّ ظُهِرَ مَعَهُمَا عَلَى إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ مَنْقُوشٍ مُمَوَّهٍ بِذَهَبٍ، فَقَالَ أَهْلُهُ: هَذَا مِنْ مَتَاعِهِ، قَالَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ وَنَسِينَا أَنْ نَذْكُرَهُ حِينَ حَلَفْنَا، فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّبَ أَنْفُسَنَا، فَتَرَافَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُخْرَى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يَحْلِفَا عَلَى مَا كَتَمَا وَغَيَّبَا وَيَسْتَحِقَّانِهِ ثُمَّ إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَسْلَمَ وَبَايَعَ النَّبِيَّ ﷺ، وَكَانَ يَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَنَا أَخَذْتُ الْإِنَاءَ “
٩ / ٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] الْآيَةَ كُلَّهَا، قَالَ: «هَذَا شَيْءٌ حِينَ لَمْ يَكُنِ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا كُفْرًا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: مِنَ ⦗٩١⦘ الْمُسْلِمِينَ، ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُسَافِرًا وَالْعَرَبُ أَهْلُ كُفْرٍ، فَعَسَى أَنْ يَمُوتَ فِي سَفَرِهِ فَيُسْنِدُ وَصِيَّتَهُ إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ فِي أَمْرِهِمَا، إِذَا قَالَ الْوَرَثَةُ: كَانَ مَعَ صَاحِبِنَا كَذَا وَكَذَا، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ: مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا هَذَا الَّذِي قُلْنَا. ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧]، إِنَّمَا حَلَفَا عَلَى بَاطِلٍ وَكَذِبٍ. ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] بِالْمَيِّتِ ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٧]، ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مَعَ صَاحِبِنَا كَذَا وَكَذَا، قَالَ هَؤُلَاءِ: لَمْ يَكُنْ مَعَهُ. قَالَ: ثُمَّ عُثِرَ عَلَى بَعْضِ الْمَتَاعِ عِنْدَهُمَا، فَلَمَّا عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ رُدَّتِ الْقَسَامَةُ عَلَى وَارِثِهِ، فَأَقْسَمَا، ثُمَّ ضَمِنَ هَذَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ﴾ [المائدة: ١٠٨] فَتَبْطُلَ أَيْمَانُهُمْ، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ١٠٨] الْكَاذِبِينَ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قَدِمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَصَاحِبٌ لَهُ، وَكَانَا يَوْمَئِذٍ مُشْرِكَيْنِ وَلَمْ يَكُونَا أَسْلَمَا، فَأَخْبَرَا أَنَّهُمَا أَوْصَى إِلَيْهِمَا رَجُلٌ، وَجَاءَا بِتَرِكَتِهِ، فَقَالَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ: كَانَ مَعَ صَاحِبِنَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مَعَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَقَالَ الْآخَرَانِ: لَمْ ⦗٩٢⦘ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا الَّذِي جِئْنَا بِهِ. فَحَلَفَا خَلْفَ الصَّلَاةِ. ثُمَّ عُثِرَ عَلَيْهِمَا بَعْدُ وَالْإِبْرِيقُ مَعَهُمَا، فَلَمَّا عُثِرَ عَلَيْهِمَا رُدَّتِ الْقَسَامَةُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ بِالَّذِي قَالُوا مَعَ صَاحِبِهِمْ، ثُمَّ ضَمِنَهَا الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوْلَيَانِ»
٩ / ٩٠
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثنا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُوسَى الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ بَكْرٌ: قَالَ مُقَاتِلٌ: أَخَذْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارِينَ، أَحَدُهُمَا تَمِيمِيُّ وَالْآخَرُ يَمَانِيُّ، صَاحَبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ فِي تِجَارَةٍ، فَرَكِبُوا الْبَحْرَ وَمَعَ الْقُرَشِيِّ مَالٌ مَعْلُومٌ قَدْ عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ بَيْنَ آنِيَةٍ وَبَزٍّ وَرِقَةٍ فَمَرِضَ الْقُرَشِيُّ، فَجَعَلَ وَصِيَّتَهُ إِلَى الدَّارِيَّيْنِ، فَمَاتَ وَقَبَضَ الدَّارِيَّانِ الْمَالَ وَالْوَصِيَّةَ، فَدَفَعَاهُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، وَجَاءَا بِبَعْضِ مَالِهِ. وَأَنْكَرَ الْقَوْمُ قِلَّةَ الْمَالِ، فَقَالُوا لِلدَّارِيَّيْنِ: إِنَّ صَاحِبَنَا قَدْ خَرَجَ مَعَهُ بِمَالٍ أَكْثَرَ مِمَّا أَتَيْتُمُونَا بِهِ، فَهَلْ بَاعَ شَيْئًا أَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَضَعَ فِيهِ؟ أَوْ هَلْ طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَا: لَا. قَالُوا: فَإِنَّكُمَا خُنْتَمَانَا فَقَبَضُوا الْمَالَ وَرَفَعُوا أَمْرَهُمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
٩ / ٩٢
شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَلَمَّا نَزَلَ: أَنْ يُحْبَسَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ، أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَامَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَحَلَفَا بِاللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ مَا تَرَكَ مَوْلَاكُمْ مِنَ الْمَالِ إِلَّا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ، وَإِنَّا لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، إِنَّا إِذَنْ لَمِنَ الْآثِمِينَ، فَلَمَّا حَلَفَا خُلِّيَ سَبِيلُهُمَا. ثُمَّ إِنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِنَاءً مِنْ آنِيَةِ الْمَيِّتِ، فَأُخِذَ الدَّارِيَّانِ فَقَالَا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَكَذِبَا، فَكُلِّفَا الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهَا. فَرَفَعُوا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ﴾ [المائدة: ١٠٧]، يَقُولُ: فَإِنِ اطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا، يَعْنِي الدَّارِيَّيْنِ، إِنْ كَتَمَا حَقًّا، فَآخَرَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنَّ مَالَ صَاحِبِنَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّ الَّذِي يَطْلُبُ قِبَلَ الدَّارِيَّيْنِ لَحَقٌّ، وَمَا اعْتَدَيْنَا، إِنَّا إِذَنْ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. هَذَا قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا، يَعْنِي: الدَّارِيَّيْنِ وَالنَّاسَ أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:»فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِّينَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى وَرَثَتِهِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِمَا الْوَصِيَّةُ خِيَانَةً فِيمَا دَفَعَ الْمَيِّتُ مِنْ مَالِهِ إِلَيْهِمَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَبْرَأُ فِيهَا الْمُدَّعِي ذَلِكَ قِبَلُهُ إِلَّا بِيَمِينٍ، وَإِنَّ نَقْلَ الْيَمِينِ إِلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ عُثِرَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي
٩ / ٩٣
أَيْمَانِهِمَا، ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى كَذِبِهِمَا فِيهَا، إِنَّ الْقَوْمَ ادَّعَوْا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَعْوَى مِنِ انْتِقَالِ مِلْكٍ عَنْهُ إِلَيْهِمَا بِبَعْضِ مَا تَزُولُ بِهِ الْأَمْلَاكُ، مِمَّا يَكُونُ الْيَمِينُ فِيهَا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ دُونَ الْمُدَّعَى، وَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِيهَا عَلَى الْمُدَّعِي، وَفَسَادُ مَا خَالَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ. وَفِيهَا أَيْضًا الْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِنَّمَا هِيَ الْيَمِينُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٦]، فَالشَّهَادَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَاهَا الْقَسَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِنَّمَا هُوَ قَسَمُ بَيْنِكُمْ، ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ [المائدة: ١٠٦] أَنْ يُقْسِمَ ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِنْ كَانَا ائْتُمِنَا عَلَى مَا قَالَ، فَارْتِيبَ بِهِمَا، أَوِ ائْتُمِنَ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَاتَهُمَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ نَقْلَ الْيَمِينِ مِنَ اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا إِلَى الْآخَرَيْنِ قَالَ: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ الْمُدَّعِينَ قِبَلَ اللَّذَيْنِ ظُهَرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا، غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَا شُهَدَاءَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ بِهَا فِي الْحُكْمِ حَقَّ مُدَّعَى عَلَيْهِ لِمُدَّعٍ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ قَضَى فِيهِ لِأَحَدٍ بِدَعْوَاهُ، وَيَمِينُهُ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُرْهَانٍ.
٩ / ٩٤
فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ [المائدة: ١٠٧] إِنَّمَا مَعْنَاهُ: قَسَمُنَا أَحَقُّ مِنْ قَسَمِهِمَا، وَكَانَ قَسَمُ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا أَثِمَا هُوَ الشَّهَادَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]، صَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَأَنَّهَا بِمَعْنَى الْقَسَمِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]، فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) بِضَمِّ التَّاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ﴾ [المائدة: ١٠٧] بِفَتْحِ التَّاءِ وَاخْتَلَفَتْ أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: «الْأَوَّلَيْنِ» . وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلَانِ) وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ) قِرَاءَةُ مَنْ
٩ / ٩٥
قَرَأَ بِضَمِّ التَّاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، مَعَ مُسَاعَدَةِ عَامَّةِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِ، وَذَلِكَ إِجْمَاعُ عَامَّتِهِمْ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَهُ: فَآخَرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ الْمُؤْتَمِنَانِ عَلَى مَالِ الْمَيِّتِ الْإِثْمَ فِيهِمْ، يَقُومَانِ مَقَامَ الْمُسْتَحِقِّ الْإِثْمَ فِيهِمَا بِخِيَانَتِهِمَا مَا خَانَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ قَائِلِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، وَنَحْنُ ذَاكِرُوا بَاقِيهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ
٩ / ٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]: «أَنْ يَمُوتَ الْمُؤْمِنُ فَيَحْضُرَ مَوْتَهُ مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ لَا يَحْضُرُهُ غَيْرُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَتُهُ مَا عَاجَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَرِكَتِهِ فَذَاكَ، وَحَلَفَ الشَّاهِدَانِ إِنِ اتُّهِمَا إِنَّهُمَا لَصَادِقَانِ، فَإِنْ عُثِرَ، وُجِدَ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا حَلَفَ الِاثْنَانِ الْأَوْلَيَانِ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَاسْتَحَقَّا، وَأَبْطَلَا أَيْمَانَ الشَّاهِدَيْنِ» وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِفَتْحِ التَّاءِ، أَرَادُوا أَنْ يُوَجِّهُوا تَأْوِيلَهُ إِلَى: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مَقَامَ الْمُؤْتَمَنَيْنِ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا فِي الْقَسَمِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ⦗٩٧⦘ بِهِ عَلَيْهِمَا دَعْوَاهُمَا قِبَلَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَى الْمُؤْتَمَنَيْنِ عَلَى الْمَالِ عَلَى خِيَانَتِهِمَا الْقِيَامَ مَقَامَهُمَا فِي الْقَسَمِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فِي الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ. وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءَةُ مَنْ رُوِّيتُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ عَنْهُ، فَقَرَأَ ذَلِكَ: ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ﴾ [المائدة: ١٠٧] بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى مَعْنَى: الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ وَمَالِهِ. وَذَلِكَ مَذْهَبٌ صَحِيحٌ وَقِرَاءَةٌ غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهَا، غَيْرَ أَنَّا نَخْتَارُ الْأُخْرَى لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا مَعَ مُوَافَقَتِهَا التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
٩ / ٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكُرَيْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ)
٩ / ٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ” أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) وَأَمَّا أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] عِنْدِي، فَقِرَاءَةُ مَنْ ⦗٩٨⦘ قَرَأَ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] بِصِحَّةِ مَعْنَاهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ فِيهِمُ الْإِثْمُ، ثُمَّ حُذِفَ (الْإِثْمُ) وَأُقِيمَ مَقَامَهُ (الْأَوْلَيَانِ)، لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَا وَأَثِمَا فِيهِمَا بِمَا كَانَ مِنْ خِيَانَةِ اللَّذَيْنِ اسْتَحَقَّا الْإِثْمَ وَعُثِرَ عَلَيْهِمَا بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ ائْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ فِعْلِ الْعَرَبِ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حَذْفِهِمُ الْفِعْلَ اجْتِزَاءً بِالِاسْمِ، وَحَذْفِهِمُ الِاسْمَ اجْتِزَاءً بِالْفِعْلِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ، وَكَمَا قَالَ: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَقَالَ: ﴿بِهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَعَادَ بِالْهَاءِ عَلَى اسْمِ (اللَّهِ)، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: لَا نَشْتَرِي بِقَسَمِنَا بِاللَّهِ، فَاجْتُزِئَ بِالْعَوْدِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ بِالذِّكْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: لَا نَشْتَرِي بِالْقَسَمِ بِاللَّهِ اسْتِغْنَاءً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِمَعْنَاهُ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ الْقَسَمِ. وَكَذَلِكَ اجُتْزِئَ بِذِكْرِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذِكْرِ الْإِثْمِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْخَائِنَانِ لِخِيَانَتِهِمَا إِيَّاهَا، إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْرُ ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى السَّامِعَ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ عَنْ إِعَادَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ: (الْأَوَّلَيْنِ)، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا فِي مَعْنَاهُ إِلَى التَّرْجَمَةِ بِهِ عَنِ (الَّذِينَ)، فَأَخْرَجُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ، إِذْ كَانَ (الَّذِينَ) جَمْعًا وَخَفْضًا، إِذْ كَانَ (الَّذِينَ) ⦗٩٩⦘ مَخْفُوضًا. وَذَلِكَ وَجْهٌ مِنَ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ أَوَّلٌ، إِذَا كَانَ لَهُ آخِرُ هُوَ لَهُ أَوَّلٌ، وَلَيْسَ لِلَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ آخِرُهُمْ لَهُ أَوَّلٌ، بَلْ كَانَتْ أَيْمَانُ الَّذِينَ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا قَبْلَ إِيمَانِهِمْ، فَهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِذْ كَانَتْ أَيْمَانُهُمْ آخِرًا أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا آخَرِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلِينَ وَأَيْمَانُهُمْ آخِرَةٌ لِأُولَى قَبْلَهَا. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي حُكِيَتْ عَنِ الْحَسَنِ، فَقِرَاءَةٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ شَاذَّةٌ، وَكَفَى بِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَتِهِمْ دَلِيلًا عَلَى بُعْدِهَا مِنَ الصَّوَابِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ لِقَوْلِهِ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: يَزْعُمُ أَنَّهُ رَفَعَ ذَلِكَ بَدَلًا مِنْ (آخَرَانِ) فِي قَوْلِهِ: ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَقَالَ: إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبْدَلَ الْأَوْلَيَانِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ مِنْ آخَرَانِ وَهُوَ نَكِرَةٌ، لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ: ﴿يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ١٠٧] كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ حَدَّهُمَا حَتَّى صَارَا كَالْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْنَى، فَقَالَ: (الْأَوْلَيَانِ)، فَأَجْرَى الْمَعْرِفَةَ عَلَيْهِمَا بَدَلًا. قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى الْمَعْنَى كَثِيرٌ وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الْأُمُورَا … صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا
⦗١٠٠⦘ قَالَ: فَجَعَلَهُ (عَلَيَّ وَاجِبٌ)، لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى قَدْ أَوْجَبَ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (الْأَوْلَيَانِ) بَدَلًا مِنْ (آخَرَانِ) مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ نَسَقَ (فَيُقْسِمَانِ) عَلَى (يَقُومَانِ) فِي قَوْلِهِ: ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]، فَلَمْ يَتِمَّ الْخَبَرُ عِنْدَ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ قَبْلَ إِتْمَامِ الْخَبَرِ، كَمَا قَالَ: غَيْرُ جَائِزٍ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ)، وَزَيْدٌ بَدَلٌ مِنْ رَجُلٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: (الْأَوْلَيَانِ) مَرْفُوعَانِ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ)، وَإِنَّهُمَا مَوْضِعُ الْخَبَرِ عَنْهُمَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَامِلًا فِي الْخَبَرِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ بِالْخِيَانَةِ، فَوَضَعَ (الْأَوْلَيَانِ) مَوْضِعَ (الْإِثْمِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٩]، وَمَعْنَاهُ: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ وَكَمَا قَالَ: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: ٩٣]، وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْهُذَلِيِّينَ:
[البحر الوافر] يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ … مِنَ الْخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ
وَهُو يَعْنِي صَاحِبَ حَانُوتِ خَمْرٍ، فَأَقَامَ الْحَانُوتَ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ ⦗١٠١⦘ الْحَانُوتَ لَا يَمْشِي، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى سَامِعِهِ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَاهُ حَذَفَ الصَّاحِبَ وَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْحَانُوتِ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ)، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ فِيهِمْ خِيَانَتُهُمَا، فَحُذِفَتِ (الْخِيَانَةُ) وَأُقِيمَ (الْمُخْتَانَانِ) مُقَامَهَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْمَحْذُوفِ وَلَوْ ظَهَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ١٠٧] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا: فِيهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، يَعْنِي: فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَكَمَا قَالَ: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] فَـ (فِي) تُوضَعُ مَوْضِعَ (عَلَى)، وَ(عَلَى) فِي مَوْضِعِ (فِي)، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُعَاقِبُ صَاحِبَتَهَا فِي الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] مَتَى مَا تُنْكِرُوهَا تَعْرِفُوهَا … عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ
وَقَدْ تَأَوَّلَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: (﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]) أَنَّهُمَا رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ رَجُلَانِ أَعْدَلُ مِنَ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ
[البحر الرجز] عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الْأُمُورَا … صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا
⦗١٠٠⦘ قَالَ: فَجَعَلَهُ (عَلَيَّ وَاجِبٌ)، لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى قَدْ أَوْجَبَ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (الْأَوْلَيَانِ) بَدَلًا مِنْ (آخَرَانِ) مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ نَسَقَ (فَيُقْسِمَانِ) عَلَى (يَقُومَانِ) فِي قَوْلِهِ: ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]، فَلَمْ يَتِمَّ الْخَبَرُ عِنْدَ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ قَبْلَ إِتْمَامِ الْخَبَرِ، كَمَا قَالَ: غَيْرُ جَائِزٍ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ)، وَزَيْدٌ بَدَلٌ مِنْ رَجُلٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: (الْأَوْلَيَانِ) مَرْفُوعَانِ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ)، وَإِنَّهُمَا مَوْضِعُ الْخَبَرِ عَنْهُمَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَامِلًا فِي الْخَبَرِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ بِالْخِيَانَةِ، فَوَضَعَ (الْأَوْلَيَانِ) مَوْضِعَ (الْإِثْمِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٩]، وَمَعْنَاهُ: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ وَكَمَا قَالَ: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: ٩٣]، وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْهُذَلِيِّينَ:
[البحر الوافر] يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ … مِنَ الْخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ
وَهُو يَعْنِي صَاحِبَ حَانُوتِ خَمْرٍ، فَأَقَامَ الْحَانُوتَ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ ⦗١٠١⦘ الْحَانُوتَ لَا يَمْشِي، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى سَامِعِهِ مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَاهُ حَذَفَ الصَّاحِبَ وَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْحَانُوتِ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ)، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ فِيهِمْ خِيَانَتُهُمَا، فَحُذِفَتِ (الْخِيَانَةُ) وَأُقِيمَ (الْمُخْتَانَانِ) مُقَامَهَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الْمَحْذُوفِ وَلَوْ ظَهَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ١٠٧] فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ مَعْنَاهَا: فِيهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢]، يَعْنِي: فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَكَمَا قَالَ: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] فَـ (فِي) تُوضَعُ مَوْضِعَ (عَلَى)، وَ(عَلَى) فِي مَوْضِعِ (فِي)، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُعَاقِبُ صَاحِبَتَهَا فِي الْكَلَامِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الوافر] مَتَى مَا تُنْكِرُوهَا تَعْرِفُوهَا … عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ
وَقَدْ تَأَوَّلَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: (﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]) أَنَّهُمَا رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ رَجُلَانِ أَعْدَلُ مِنَ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ
٩ / ٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ⦗١٠٢⦘ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ. فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمْ، أُجِيزَتْ شَهَادَةُ الْمُسْلِمَيْنِ وَأُبْطِلَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ»