سُورَةُ الْمَائِدَةِ 5

فَقَالَ: انْظُرُوا هَلْ أَصَابَ شَيْئًا قَبْلَ خُرُوجِهِ؟ ” وَقَالَ آخَرُونَ تَضَعُ تَوْبَتُهُ عَنْهُ حَدَّ اللَّهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِمُحَارَبَتِهِ، وَلَا يُسْقِطُ عَنْهُ حُقُوقَ بَنِي آدَمَ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيعُ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَوْبَةُ الْمُحَارِبِ الْمُمْتَنِعِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَمَاعَةٍ مَعَهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، تَضَعُ عَنْهُ تَبِعَاتِ الدُّنْيَا الَّتِي كَانَتْ لَزِمَتْهُ فِي أَيَّامِ حَرْبِهِ وَحَرَابَتِهِ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، وَغُرْمٌ لَازِمٌ وقَوَدٌ وَقَصَاصٌ، إِلَّا مَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهِدِينَ بِعَيْنِهِ، فَيُرَدُّ عَلَى أَهْلِهِ؛ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ الْمُحَارِبَةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ السَّاعِيَةِ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا عَلَى وَجْهِ الرِّدَّةِ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مُمْتَنِعٍ سَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، جَمَاعَةً كَانُوا أَوْ وَاحِدًا، فَأَمَّا الْمُسْتَخْفِي بِسَرِقَتِهِ وَالْمُتَلَصِّصُ عَلَى وَجْهِ إِغْفَالِ مَنْ سَرَقَهُ، وَالشَّاهِرُ السِّلَاحَ فِي خَلَاءٍ عَلَى بَعْضِ السَّابِلَةِ، وَهُوَ عِنْدَ الطَّلَبِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الامْتِنَاعِ، فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ مَاضٍ، وَبِحُقُوقِ مَنْ أَخَذَ مَالَهُ أَوْ أَصَابَ وَلِيَّهُ بِدَمٍ أَوْ خَتْلٍ مَأْخُوذٌ، وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ سِلْمٌ ثُمَّ صَارَ لَهُمْ حَرْبًا، أَنَّ حَرْبَهُ إِيَّاهُمْ لَنْ يَضَعَ عَنْهُ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَلَا لِآدَمَيٍّ، فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ إِذَا أَصَابَ ذَلِكَ فِي خَلَاءٍ أَوْ بِاسْتِخْفَاءٍ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنَ السُّلْطَانِ بِنَفْسِهِ إِنْ أَرَادَهُ، وَلَا لَهُ فِئَةٌ يَلْجَأُ إِلَيْهَا مَانِعَةٌ مِنْهُ.
٨ ‏/ ٤٠١
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٣٤] دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ، أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْمُحَارِبِينَ يَجْرِي فِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُعَاهِدِينَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ نَصَبُوا لِلْمُسْلِمِينَ حَرْبًا. وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ حُكْمًا فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَدُونَ ذِمَّتِهِمْ لَوَجَبَ أَوْ لَا يَسْقُطُ إِسْلَامُهُمْ عَنْهُمْ إِذَا أَسْلَمُوا أَوْ تَابُوا بَعْدَ قُدْرَتِنَا عَلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ مِنَ الْقَتْلِ وَمَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَفِي إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ إِسْلَامَ الْمُشْرِكِ الْحَرْبِيِّ يَضَعُ عَنْهُ بَعْدَ قُدْرَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ مَا كَانَ وَاضِعَهُ عَنْهُ إِسْلَامُهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَنْ قَالَ: عَنَى بِآيَةِ الْمُحَارِبِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: حُرَّابَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَوِ الذِّمَّةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْحَرْبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُؤَاخِذٍ مَنْ تَابَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ السَّاعِينَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَغَيْرِهِمْ بِذُنُوبِهِ، وَلَكِنَّهُ يَعْفُو عَنْهُ فَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ وَلَا يَفْضَحُهُ بِهَا بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَحِيمٌ بِهِ فِي عَفْوِهِ عَنْهُ وَتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُ عَلَيْهَا
٨ ‏/ ٤٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ وَوَعَدَهُمْ
٨ ‏/ ٤٠٢
مِنَ الثَّوَابِ، وَأَوْعَدَ مِنَ الْعِقَابِ اتَّقُوا اللَّهَ يَقُولُ: أَجِيبُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَحَقِّقُوا إِيمَانَكُمْ وَتَصْدِيقَكُمْ رَبَّكُمْ وَنَبِيَّكُمْ بِالصَّالِحِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ يَقُولُ: وَاطْلُبُوا الْقُرْبَةَ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ. وَالْوَسِيلَةُ: هِيَ الْفَعِيلَةُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: تَوَسَّلْتُ إِلَى فُلَانٍ بِكَذَا، بِمَعْنَى: تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ: إِنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ أَنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبِي يَعْنِي بِالْوَسِيلَةِ: الْقُرْبَةُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرُ: إِذَا غَفَلَ الْوَاشُونَ عُدْنَا لِوَصْلِنَا وَعَادَ التَّصَافِي بَيْنَنَا وَالْوَسَائِلُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] قَالَ: «الْقُرْبَةُ فِي الْأَعْمَالِ»
٨ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، ح حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ، ⦗٤٠٤⦘ عَنْ عَطَاءٍ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] قَالَ: «الْقُرْبَةُ»
٨ ‏/ ٤٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] قَالَ: «هِيَ الْمَسْأَلَةُ وَالْقُرْبَةُ»
٨ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] أَيْ «تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ»
٨ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ “
٨ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] قَالَ: «الْقُرْبَةُ»
٨ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] قَالَ: «الْقُرْبَةُ»
٨ ‏/ ٤٠٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: ٣٥] قَالَ: “الْمَحَبَّةَ، تَحَبَّبُوا إِلَى اللَّهِ. وَقَرَأَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهُمُ الْوَسِيلَةَ﴾ [الإسراء: ٥٧]
٨ ‏/ ٤٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ⦗٤٠٥⦘ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: وَجَاهِدُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَعْدَائِي وَأَعْدَاءَكُمْ فِي سَبِيلِي، يَعْنِي: فِي دِينِهِ وَشَرِيعَتِهِ الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ، وَهِيَ الْإِسْلَامُ، يَقُولُ: أَتْعِبُوا أَنْفُسَكُمْ فِي قِتَالِهِمْ وَحَمْلِهِمْ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَقُولُ: “كَيْمَا تَنْجَحُوا فَتُدْرِكُوا الْبَقَاءَ الدَّائِمَ، وَالْخُلُودَ فِي جَنَّاتِهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْفَلَاحِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٨ ‏/ ٤٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رُبُوبِيَّةَ رَبِّهِمْ وَعَبَدُوا غَيْرَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ وَمِنْ غَيْرِهِمُ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، وَهَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّوْبَةِ. لوْ أَنَّ لَهُمْ مُلْكَ مَا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَضِعْفَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ أَمْرِهِ وَعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَافْتَدُوا بِذَلِكَ كُلِّهِ مَا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُمْ ذَلِكَ فِدَاءً وَعِوَضًا مِنْ عَذَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ، بَلْ هُوَ مُعَذِّبُهُمْ فِي حَمِيمِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَذَابًا مُوجِعًا لَهُمْ. وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ سَوَاءٌ عِنْدَهُ فِيمَا لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالْعِقَابِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا
٨ ‏/ ٤٠٥
أَيَّامًا مَعْدُودَةً وَاغْتِرَارًا بِاللَّهِ وَكَذِبًا عَلَيْهِ. فكَذَّبَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِالَّتِي بَعْدَهَا، وَحَسَمَ طَمَعَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ وَلِجَمِيعِ الْكَفَرَةِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهَ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بَخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَلَا تَطْمَعُوا أَيُّهَا الْكَفَرَةُ فِي قَبُولِ الْفِدْيَةِ مِنْكُمْ وَلَا فِي خُرُوجِكُمْ مِنَ النَّارِ بِوَسَائِلِ آبَائِكُمْ عِنْدِي بَعْدَ دُخُولِكُمُوهَا إِنْ أَنْتُمْ مُتُّمْ عَلَى كُفْرِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا
٨ ‏/ ٤٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ يُرِيدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهَا وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ يَقُولُ: » لَهُمْ عَذَابٌ دَائِمٌ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ عَنْهُمْ وَلَا يَنْتَقِلُ أَبَدًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَإِنَّ لَكُمْ بِيَوْمِ الشِّعْبِ مِنِّي عَذَابًا دَائِمًا لَكُمُ مُقِيمَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ ⦗٤٠٧⦘ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَعْمَى الْبَصَرِ، أَعْمَى الْقَلْبِ، تَزْعُمُ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ [المائدة: ٣٧] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْحَكَ، اقْرَأْ مَا فَوْقَهَا، هَذِهِ لِلْكُفَّارِ “
٨ ‏/ ٤٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حِكِيمٌ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، فَاقْطَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ يَدَهُ. ولِذَلِكَ رَفَعَ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ، لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُعَيَّنَيْنِ، وَلَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ سَارِقٌ وَسَارِقَةٌ بِأَعْيَانِهِمَا لَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ النَّصَبَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ»
٨ ‏/ ٤٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فِي قِرَاءَتِنَا قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا»
٨ ‏/ ٤٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: فِي قِرَاءَتِنَا: «وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارَقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا» وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَاهُ، وَصِحَّةِ الرَّفْعِ فِيهِ، وَأَنَّ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ مَرْفُوعَانِ بِفِعْلِهِمَا عَلَى مَا وَصَفْتُ لِلْعِلَلِ الَّتِي وَصَفْتُ. وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] وَالْمَعْنَى أَيْدِيَهُمَا الْيُمْنَى؛ كَمَا:
٨ ‏/ ٤٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] الْيُمْنَى “
٨ ‏/ ٤٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا» ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّارِقِ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ سَارِقَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا؛ وَذَلِكَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: سَارِقَ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ قِيمَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» ⦗٤٠٩⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ سَارِقَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ سَارِقُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَةَ عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا بِحَجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَقَالُوا: لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَبَرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي خَاصٍّ مِنَ السُّرَّاقِ. قَالُوا: وَالْأَخْبَارُ فِيمَا قَطَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُضْطَرِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقِ دِرْهَمٍ فَخَلَّى عَنْهُ، وَإِنَّمَا رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. قَالُوا: وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ لَوْ أَتَى بِسَارِقٍ مَا قِيمَتُهُ دَانِقٌ أَنْ يَقْطَعَ. قَالُوا: وَقَدْ قَطَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي دِرْهَمٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «الْآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ»
٨ ‏/ ٤٠٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، عَنْ نَجْدَةَ الْحَنَفِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨] أَخَاصٌّ أَمْ عَامٌّ؟ . فَقَالَ: بَلْ عَامٌّ ” وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْآيَةُ مَعْنِيٌّ بِهَا خَاصٌّ مِنَ السُّرَّاقِ، وَهُمْ سُرَّاقُ رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا أَوْ قِيمَتِهِ، لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ
٨ ‏/ ٤٠٩
قَالَ: «الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ ذِكْرَ أَقْوَالِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلَلِهِمُ الَّتِي اعْتَلُّوا بِهَا لِأَقْوَالِهِمْ، وَالتَّلْمِيحَ عَنْ أُولَاهَا بِالصَّوَابِ بِشَوَاهِدِهِ فِي كِتَابِنَا: كِتَابُ السَّرِقَةِ، فَكَرِهْنَا إِطَالَةَ الْكِتَابِ بِإِعَادَةِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: ﴿جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٣٨] يَقُولُ: «مُكَافَأَةً لَهُمَا عَلَى سَرِقَتِهِمَا وَعَمَلِهِمَا فِي التَّلَصُّصِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ﴿نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٣٨] يَقُولُ:»عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ عَلَى لُصُوصِيَّتِهِمَا
٨ ‏/ ٤١٠
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٨] لَا تَرْثُوا لَهُمْ أَنْ تُقِيمُوا فِيهِمُ الْحُدُودَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ صَلَاحٌ، وَلَا نَهَى عَنْ أَمْرٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ فَسَادٌ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: اشْتَدُّوا عَلَى السُّرَّاقِ فَاقْطَعُوهُمْ يَدًا يَدًا وَرِجْلًا رِجْلًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ هَذَا السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ مَعَاصِيهِ، حَكِيمٌ فِي حُكْمِهِ فِيهِمْ وَقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ. يَقُولُ: فَلَا تُفَرِّطُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي إِقَامَةِ حُكْمِي عَلَى السَّارِقِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَرَائِمِ الَّذِينَ أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمْ حُدُودًا فِي الدُّنْيَا عُقُوبَةً لَهُمْ، فَإِنِّي بِحُكْمِي قَضَيْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَعِلْمِي بِصَلَاحِ ذَلِكَ لَهُمْ وَلَكُمْ
٨ ‏/ ٤١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ⦗٤١١⦘ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَمَنْ تَابَ مِنْ هَؤُلَاءِ السُّرَّاقِ، يَقُولُ: مَنْ رَجَعَ مِنْهُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى مَا يَرْضَاهُ مِنْ طَاعَتِهِ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ؛ وَظُلْمُهُ: هُوَ اعْتِدَاؤُهُ وَعَمَلُهُ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ سَرِقَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ. يَقُولُ: وَأَصْلَحَ نَفْسَهُ بِحَمْلِهَا عَلَى مَكْرُوهِهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا يَقُولُ: تَوْبَتُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْحَدُّ الَّذِي يُقَامُ عَلَيْهِ
٨ ‏/ ٤١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: ٣٩] يَقُولُ: «فَتَابَ عَلَيْهِ بِالْحَدِّ»
٨ ‏/ ٤١١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَرَقَتِ امْرَأَةٌ حُلِيًّا، فَجَاءَ الَّذِينَ سَرَقَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَرَقَتْنَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اقْطَعُوا يَدَهَا الْيُمْنَى» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمِ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ» . قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٣٩] وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٣٩] يَقُولُ: «فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ يُرْجِعُهُ إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى عَمَّا يَكْرَهُهُ وَيَسْخَطُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. ⦗٤١٢⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] يَقُولُ:»إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ سَاتِرٌ عَلَى مَنْ تَابَ وَأَنَابَ عَنْ مَعَاصِيهِ إِلَى طَاعَتِهِ ذُنُوبَهُ بِالْعَفْوِ عَنْ عُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَرْكِهِ فَضِيحَتَهُ بِهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، رَحِيمٌ بِهِ وَبِعِبَادِهِ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ
٨ ‏/ ٤١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً الزَّاعِمُونَ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، أَنَّ اللَّهَ مُدَبِّرٌ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَمُصَرِّفُهُ وَخَالِقُهُ، لَا يَمْتَنِعُ شَيْءٌ مِمَّا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِمَّا أَرَادَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُلْكُهُ وَإِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهَا وَلَا مِمَّا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَيُحَابِيهِ بِسَبَبِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ فَيُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِهِ وَهُوَ بِهِ كَافِرٌ وَلِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مُخَالِفٌ، أَوْ يُدْخِلُهُ النَّارَ وَهُوَ لَهُ مُطِيعٌ لِبُعْدِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ؛ وَلَكِنَّهُ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَعْصِيَتِهِ بِالْقَتْلِ وَالْخَسْفِ وَالْمَسْخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ عَذَابِهِ، وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِ وَمَعْصِيَتِهِ، فَيُنْقِذُهُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَيُنْجِيهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَقُولُ: وَاللَّهُ عَلَى تَعْذِيبِ مَنْ أَرَادَ تَعْذِيبَهُ مَنْ خَلَقَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَغُفْرَانِ مَنْ أَرَادَ غُفْرَانَهُ مِنْهُمْ بِاسْتِنْقَاذِهِ مِنَ الْهَلَكَةِ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ كُلِّهَا قَادِرٌ، لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلَقَهُ وَالْمُلْكَ مَلَكَهُ وَالْعِبَادَ عِبَادُهُ. وَخَرَجَ قَوْلُهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ خِطَابًا لَهُ ﷺ، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ مَنْ ذَكَرْتُ مِنْ فِرَقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَدِينَةِ
٨ ‏/ ٤١٢
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَا حَوَالَيْهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا اسْتِعْمَالَ الْعَرَبِ نَظِيرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهَا بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٨ ‏/ ٤١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بِقَوْلِهِ لِبَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ حَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّمَا هُوَ الذَّبْحُ، فَلَا تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ
٨ ‏/ ٤١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: “نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ زَعَمُوا أَنَّهُ أَبُو لُبَابَةَ أَشَارَتْ إِلَيْهِ بَنُو قُرَيْظَةَ يَوْمَ الْحِصَارِ مَا الْأَمْرُ؟ وَعَلَامَ نَنْزِلُ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: إِنَّهُ الذَّبْحُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ سَأَلَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ حُكْمَهُ فِي قَتِيلٍ قَتَلَهُ.
٨ ‏/ ٤١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ: ﴿لَا ⦗٤١٤⦘ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: “كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، فَقَالَ الْقَاتِلُ لِحُلَفَائِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: سَلُوا لِي مُحَمَّدًا ﷺ، فَإِنْ كَانَ يَقْضِي بِالدِّيَةِ اخْتَصَمْنَا إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْقَتْلِ لَمْ نَأْتِهِ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُورِيَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ
٨ ‏/ ٤١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني الزُّهْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، مِنْ مُزَيْنَةَ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُمْ، أَنَّ أَحْبَارَ يَهُودَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ إِحْصَانِهِ بِامْرَأَةٍ مِنْ يَهُودَ قَدْ أُحْصِنَتْ. فَقَالُوا: انْطَلِقُوا بِهَذَا الرَّجُلِ وَبِهَذِهِ الْمَرْأَةِ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، فَاسْأَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فَوَلُّوهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ عَمِلَ فِيهِمَا بِعَمَلِكُمْ مِنَ التَّحْمِيمِ، وَهُوَ الْجَلْدُ بِحَبْلٍ مِنْ لِيفٍ مَطْلِيٍّ بِقَارٍ، ثُمَّ يُسَوَّدُ وُجُوهُهُمَا، ثُمَّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُحَوَّلَ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ دُبُرِ الْحِمَارِ، فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ مَلِكٌ. وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرَّجْمِ فَإِنَّهُ نَبِيُّ فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبُكُمُوهُ. فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ ⦗٤١٥⦘ بِامْرَأَةٍ قَدْ أُحْصِنَتْ، فَاحْكُمْ فِيهِمَا، فَقَدْ وَلَّيْنَاكَ الْحُكْمَ فِيهِمَا، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَخْرِجُوا إِلَيَّ أَعْلَمَكُمْ» فَأَخْرَجُوا إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صُورِيَا الْأَعْوَرَ. وَقَدْ رَوَى بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيَا أَبَا يَاسِرِ بْنَ أَخْطَبَ وَوَهْبَ بْنَ يَهُودَا، فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا. فسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى حَصَّلَ أَمْرَهُمْ، إِلَى أَنْ قَالُوا لِابْنِ صُورِيَا: هَذَا أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتَّوْرَاةِ. فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ غُلَامًا شَابًّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَأَلَظَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَسْأَلَةَ، يَقُولُ: «يَا ابْنَ صُورِيَا، أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَأُذَكِّرُكَ أَيَادِيَهُ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ بِالرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ؟» فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّكَ نَبِيُّ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكَ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي عُثْمَانَ بْنِ غَالِبِ بْنِ النَّجَّارِ. ثُمَّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١]
٨ ‏/ ٤١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي ح، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ⦗٤١٦⦘ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ مَجْلُودٍ فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِيكُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَنْشُدُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِيكُمْ؟» قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُحَدِّثْكَ، وَلَكِنِ الرَّجْمُ، وَلَكِنْ كَثُرَ الزِّنَا فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا تَعَالَوْا نَجْتَمِعُ فَنَضَعُ شَيْئًا مَكَانَ الرَّجْمِ فَيَكُونُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَوَضَعْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ النَّبِيِّ ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنَا أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ» فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١] الْآيَةَ “
٨ ‏/ ٤١٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعِنْدَ سَعِيدٍ رَجُلٌ يُوَقِّرُهُ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ كَانَ أَبُوهُ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ح، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: ⦗٤١٧⦘ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ مِمَّنْ يَتْبَعُ الْعِلْمَ وَيَعِيهِ، حَدَّثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَكَانُوا قَدْ أَشَارُوا فِي صَاحِبٍ لَهُمْ زَنَى بَعْدَ مَا أُحْصِنَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا النَّبِيَّ قَدْ بُعِثَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الرَّجْمُ فِي التَّوْرَاةِ فَكَتَمْتُمُوهُ وَاصْطَلَحْتُمْ بَيْنَكُمْ عَلَى عُقُوبَةٍ دُونَهُ، فَانْطَلِقُوا فَنَسْأَلَ هَذَا النَّبِيَّ، فَإِنْ أَفْتَانَا بِمَا فُرِضَ عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الرَّجْمِ تَرَكْنَا ذَلِكَ، فَقَدْ تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ فَهِيَ أَحَقُّ أَنْ تُطَاعَ وَتُصَدَّقَ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُ زَنَى صَاحِبٌ لَنَا قَدْ أُحْصِنَ، فَمَا تَرَى عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى قَامَ وَقُمْنَا مَعَهَ، فَانْطَلَقَ يَؤُمُّ مِدْرَاسَ الْيَهُودِ حَتَّى أَتَاهُمْ، فَوَجَدَهُمْ يَتَدَارَسُونَ التَّوْرَاةَ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ، فَقَالَ لَهُمْ: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَاذَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ؟» قَالُوا: إِنَّا نَجِدُهُ يُحَمَّمُ وَيُجْلَدُ. وَسَكَتَ حَبْرُهُمْ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَمْتَهُ أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ، فَقَالَ حَبْرُهُمُ: اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدَنَا فَإِنَّا نَجِدُ عَلَيْهِمُ الرَّجْمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَمَاذَا كَانَ أَوَّلَ مَا تَرَخَّصْتُمْ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ؟» قَالَ: زَنَى ابْنُ عَمِّ مَلِكٍ فَلَمْ يَرْجُمْهُ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ آخَرُ فِي أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ رَجْمَهُ، فَقَامَ دُونَهُ قَوْمُهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا تَرْجُمُهُ حَتَّى تَرْجُمَ فُلَانًا ابْنَ عَمِّ الْمَلِكِ. فَاصْطَلَحُوا بَيْنَهُمْ عُقُوبَةً دُونَ الرَّجْمِ، وَتَرَكُوا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَإِنِّي أَقْضِي بِمَا فِي التَّوْرَاةِ» . فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا ⦗٤١٨⦘ الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ
٨ ‏/ ٤١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: «هُمُ الْمُنَافِقُونَ»
٨ ‏/ ٤١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: «يَقُولُ هُمُ الْمُنَافِقُونَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: ﴿لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ
٨ ‏/ ٤١٨
قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة: ٤١] قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ابْنُ صُورِيَا، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَبُو لُبَابَةَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمَا. غَيْرَ أَنَّ أَثْبَتَ شَيْءٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الرِّوَايَةِ قَبْلُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: عُنِيَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا. وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي جُحُودِ نُبُوَّتِكَ وَالتَّكْذِيبِ بِأَنَّكَ لِي نَبِيُّ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا: صَدَّقْنَا بِكَ يَا مُحَمَّدُ أَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ مَبْعُوثٌ، وَعَلِمْنَا بِذَلِكَ يَقِينًا بِوُجُودِنَا صِفَتَكَ فِي كِتَابِنَا وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ، أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ ابْنَ صُورِيَا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ أَنَّكَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْسُدُونَكَ» فَذَلِكَ كَانَ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ مِنَ ابْنِ صُورِيَا إِيمَانًا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِفِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا لِذَلِكَ بِقَلْبِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُطْلِعُهُ عَلَى ضَمِيرِ ابْنِ صُورِيَّا وَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ، يَقُولُ: وَلَمْ يُصَدِّقْ قَلْبُهُ بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ مُرْسَلٌ
٨ ‏/ ٤١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، لَا يَحْزُنْكَ تَسَرُّعُ مَنْ تَسَرَّعَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَصْدِيقَكَ، وَهُمْ مُعْتَقِدُونَ تَكْذِيبَكَ إِلَى الْكُفْرِ بِكَ ، وَلَا تَسَرُّعُ الْيَهُودِ إِلَى جُحُودِ نُبُوَّتِكَ. ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ذِكْرُهُ صِفَتَهُمْ وَنِعَتَهُمْ لَهُ بِنُعُوتِهِمُ الذَّمِيمَةِ وَأَفْعَالِهِمُ الرَّدِيئَةِ، وَأَخْبَرَهُ مُعَزِّيًا لَهُ عَلَى مَا يَنَالُهُ مِنَ الْحُزْنِ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ أَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِحْلَالِ الْحَرَامِ وَالْمَآكِلِ
٨ ‏/ ٤١٩
الرَّدِيئَةِ وَالْمَطَاعِمِ الدَّنِيئَةِ مِنَ الرُّشَا وَالسُّحْتِ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ إِفْكٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ وَتَحْرِيفِ كِتَابِهِ. ثُمَّ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ مُحِلٍّ بِهِمْ خِزْيَهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَعِقَابَهُ فِي آجِلِ الْآخِرَةِ، فَقَالَ: هُمْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْيَهُودِ، يَقُولُ: هُمْ يَسْمَعُونَ الْكَذِبَ، وَسَمْعُهُمُ الْكَذِبَ: سَمْعُهُمْ قَوْلَ أَحْبَارِهِمْ أَنَّ حُكْمَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فِي التَّوْرَاةِ: التَّحْمِيمُ وَالْجَلْدُ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يَقُولُ: “يَسْمَعُونَ لِأَهْلِ الزَّانِي الَّذِينَ أَرَادُوا الِاحْتِكَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُمُ الْقَوْمُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَكَانُوا مُصِرِّينَ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ
٨ ‏/ ٤٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ [المائدة: ٤١] مَعَ مَنْ أَتَوْكَ ” وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ السَّمَّاعِينَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَمَّاعُونَ لِقَوْلِ آخَرِينَ يَهُودَ فَدَكٍ، وَالْقَوْمُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَهُودُ الْمَدِينَةِ
٨ ‏/ ٤٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا، وَمُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: «يَهُودُ الْمَدِينَةِ ﴿لَمْ ⦗٤٢١⦘ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ:»يَهُودُ فَدَكٍ يَقُولُونَ لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَعْنِيُّ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ كَانَ أَهْلُ الْمَرْأَةِ الَّتِي بَغَتْ بَعَثُوا بِهِمْ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْحُكْمِ فِيهَا، وَالْبَاعِثُونَ بِهِمْ هُمُ الْقَوْمُ الْآخَرُونَ، وَهُمْ أَهْلُ الْمَرْأَةِ الْفَاجِرَةِ، لَمْ يَكُونُوا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
٨ ‏/ ٤٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ﴾ [المائدة: ٤١] كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: إِذَا زَنَى مِنْكُمْ أَحَدٌ فَارْجُمُوهُ. فَلَمْ يَزَالُوا بِذَلِكَ حَتَّى زَنَى رَجُلٌ مِنْ خِيَارِهِمْ؛ فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَرْجُمُونَهُ، قَامَ الْخِيَارُ وَالْأَشْرَافُ فَمَنَعُوهُ. ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ، فَاجْتَمَعُوا لِيَرْجُمُوهُ، فَاجْتَمَعَتِ الضُّعَفَاءُ فَقَالُوا: لَا تَرْجُمُوهُ حَتَّى تَأْتُوا بِصَاحِبِكُمْ فَتَرْجُمُونَهُمَا جَمِيعًا. فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْنَا، فَتَعَالَوْا فَلْنُصْلِحْهُ. فَتَرَكُوا الرَّجْمَ، وَجَعَلُوا مَكَانَهُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً بِحَبْلٍ مُقَيَّرٍ وَيُحَمِّمُونَهُ وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ إِلَى ذَنَبِهِ، وَيُسَوِّدُونَ وَجْهَهُ، وَيَطُوفُونَ بِهِ. فَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَزَنَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَهُودِ، يُقَالَ لَهَا بُسْرَةُ، فَبَعَثَ أَبُوهَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: سَلُوهُ عَنِ ⦗٤٢٢⦘ الزِّنَا وَمَا نُزِّلَ إِلَيْهِ فِيهِ؛ فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَفْضَحَنَا وَيُخْبِرَنَا بِمَا صَنَعْنَا، فَإِنْ أَعْطَاكُمُ الْجَلْدَ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوهُ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: «الرَّجْمُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] حِينَ حَرَّفُوا الرَّجْمَ فَجَعَلُوهُ جَلْدًا ” وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ السَّمَّاعِينَ لِلْكَذِبِ، هُمُ السَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ كَانُوا مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْمُوعُ لَهُمْ مِنْ يَهُودِ فَدَكٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مِنْ غَيْرِهِمْ. غَيْرَ أَنَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَهُوَ مِنْ صِفَةِ قَوْمٍ مِنْ يَهُودَ سَمِعُوا الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ بَغَتْ فِيهِمْ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ، وَأَنَّ حُكْمَهَا فِي التَّوْرَاةِ التَّحْمِيمُ وَالْجَلْدُ، وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْحُكْمِ اللَّازِمِ لَهَا، وَسَمِعُوا مَا يَقُولُ فِيهَا قَوْمُ الْمَرْأَةِ الْفَاجِرَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُحْتَكِمِينَ إِلَيْهِ فِيهَا. وَإِنَّمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ لَهُمْ لِيُعَلِّمُوا أَهْلَ الْمَرْأَةِ الْفَاجِرَةِ مَا يَكُونُ مِنْ جَوَابِهِ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حُكْمِهِ الرَّجْمُ رَضُوا بِهِ حَكَمًا فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حُكْمِهِ الرَّجْمُ حَذَرُوهُ وَتَرَكُوا الرِّضَا بِهِ وَبِحُكْمِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا كَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ
٨ ‏/ ٤٢١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: «لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، هَؤُلَاءِ سَمَّاعُونَ لِأُولَئِكَ الْقَوْمِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوهُ، يَقُولُونَ لَهُمُ ⦗٤٢٣⦘ الْكَذِبَ: مُحَمَّدٌ كَاذِبٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِي التَّوْرَاةَ، فَلَا تُؤْمِنُوا بِهِ»
٨ ‏/ ٤٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُحَرِّفُ هَؤُلَاءِ السَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، السَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمْ يَأْتُوكَ بَعْدُ مِنَ الْيَهُودِ الْكَلِمَ. وَكَانَ تَحْرِيفُهُمْ ذَلِكَ: تَغْيِيرُهُمْ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي التَّوْرَاةِ فِي الْمُحْصَنَاتِ وَالْمُحْصَنِينَ مِنَ الزُّنَاةَ بِالرَّجْمِ إِلَى الْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ يَعْنِي: «هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ، وَالْمَعْنَى: حُكْمَ الْكَلِمِ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْخَبَرِ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ ذِكْرِ الْحُكْمِ لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ لِمَعْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ وَالْمَعْنَى: مِنْ بَعْدِ وَضْعِ اللَّهِ ذَلِكَ مَوَاضِعَهُ، فَاكْتَفَى بِالْخَبَرِ مِنْ ذِكْرِ مَوَاضِعِهِ عَنْ ذِكْرِ وَضْعِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَعْنَى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، فَتَكُونَ بَعْدِ وُضِعَتْ مَوْضِعَ عَنْ، كَمَا يُقَالَ: جِئْتُكَ عَنْ فَرَاغِي مِنَ الشُّغْلِ، يُرِيدُ: بَعْدَ فَرَاغِي مِنَ الشُّغْلِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا يَقُولُ:»
٨ ‏/ ٤٢٣
هَؤُلَاءِ الْبَاغُونَ السَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، إِنْ أَفْتَاكُمْ مُحَمَّدٌ بِالْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ فِي صَاحِبِنَا فَخُذُوهُ، يَقُولُ: فَاقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُفْتِكُمْ بِذَلِكَ وَأَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ، فَاحْذَرُوا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني الزُّهْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، مِنْ مُزَيْنَةَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، حَدَّثَهُمْ فِي، قِصَّةٍ ذَكَرَهَا: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: «بَعَثُوا وَتَخَلَّفُوا، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، فَقَالَ: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ، يَقُولُونَ: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ لِلتَّحْمِيمِ، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا: أَيِّ الرَّجْمُ»
٨ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَشَفَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ
٨ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ﴾ [المائدة: ٤١] إِنْ وَافَقَكُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْكُمْ فَاحْذَرُوهُ، يَهُودُ تَقُولُهُ لِلْمُنَافِقِينَ “
٨ ‏/ ٤٢٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] حِينَ حَرَّفُوا الرَّجْمَ فَجَعَلُوهُ جَلْدًا، يَقُولُونَ: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ [المائدة: ٤١]
٨ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا زَكَرِيَّا، وَمُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ﴾ [المائدة: ٤١] يَهُودُ فَدَكٍ يَقُولُونَ لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا الْجَلْدَ فَخُذُوهُ، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا الرَّجْمَ “
٨ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ [المائدة: ٤١] هُمُ الْيَهُودُ، زَنَتْ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ حَكَمَ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزِّنَا بِالرَّجْمِ، فَنَفِسُوا أَنْ يَرْجُمُوهَا، وَقَالُوا: انْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّدٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ رُخْصَةٌ فَاقْبَلُوهَا. فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ امْرَأَةً مِنَّا زَنَتْ، فَمَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ: «كَيْفَ حُكْمُ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزَّانِي؟» فَقَالُوا: دَعْنَا مِنَ التَّوْرَاةِ، وَلَكِنْ مَا عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «ائْتُونِي بِأَعْلَمِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى» فَقَالَ لَهُمْ: «بِالَّذِي نَجَّاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَبِالَّذِي فَلَقَ لَكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَاكُمْ وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ إِلَّا أَخْبَرْتُمُونِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ⦗٤٢٦⦘ التَّوْرَاةِ فِي الزَّانِي؟» قَالُوا: حُكْمُهُ الرَّجْمُ. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَرُجِمَتْ “
٨ ‏/ ٤٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ [المائدة: ٤١] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قَتِيلٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَتَلَتْهُ النَّضِيرُ، فَكَانَتِ النَّضِيرُ إِذَا قَتَلَتْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمْ يُقِيدُوهُمْ، إِنَّمَا يُعْطُونَهُمُ الدِّيَةَ لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ إِذَا قَتَلَتْ مِنَ النَّضِيرِ قَتِيلًا لَمْ يَرْضَوْا إِلَّا بِالْقَوَدِ لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ تَعَزُّزًا. فقَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ عَلَى هَيْئَةِ فِعْلِهِمْ هَذَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَرْفَعُوا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: إِنَّ قَتِيلَكُمْ هَذَا قَتِيلُ عَمْدٍ، مَتَى مَا تَرْفَعُوهُ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْقَوَدَ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْكُمُ الدِّيَةَ فَخُذُوهُ، وَإِلَّا فَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ “
٨ ‏/ ٤٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] يَقُولُ يُحَرِّفُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوكَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعَهُ، لَا يضعونهُ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ. قَالَ: وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَهُودُ، بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ
٨ ‏/ ٤٢٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا﴾ [المائدة: ٤١] يَقُولُونَ: ائْتُوا مُحَمَّدًا، فَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ، وَإِنَّ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا
٨ ‏/ ٤٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَهَذَا تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ حُزْنِهِ عَلَى مُسَارَعَةِ الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، يَقُولُ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَحْزُنْكَ تَسَرُّعَهُمْ إِلَى جُحُودِ نُبُوَّتِكَ ، فَإِنِّي قَدْ حَتَّمْتُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، وَلَا يَرْجِعُونَ عَنْ كُفْرِهِمْ لِلسَّابِقِ مِنْ غَضَبِي عَلَيْهِمْ، وَغَيْرُ نَافِعِهِمْ حُزْنُكَ عَلَى مَا تَرَى مِنْ تَسَرُّعِهِمْ إِلَى مَا جَعَلْتُهُ سَبِيلًا لِهَلَاكِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ وَعِيدِي. وَمَعْنَى الْفِتْنَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الضَّلَالَةُ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ يَا مُحَمَّدُ مَرْجِعَهُ بِضَلَالَتِهِ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى، فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ اسْتِنْقَاذًا مِمَّا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْحِيرَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تُشْعِرْ نَفْسَكَ بِالْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنِ اهْتِدَائِهِ لِلْحَقِّ. كَمَا:
٨ ‏/ ٤٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤١]
٨ ‏/ ٤٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ، وَإِنَّ مُسَارَعَتَهُمْ إِلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ، وَإِنَّ مُسَارَعَتَهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَادَ فِتْنَتَهُمْ وَطَبَعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَا يَهْتَدُونَ أَبَدًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ مِنْ دَنَسِ الْكُفْرِ وَوَسَخِ الشِّرْكِ قُلُوبَهُمْ بِطَهَارَةِ الْإِسْلَامِ وَنَظَافَةِ الْإِيمَانِ فَيَتُوبُوا، بَلْ أَرَادَ بِهِمُ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ الذُّلَ وَالْهَوَانَ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابُ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْخِزْيِ رُوِيَ الْقَوْلُ عَنْ عِكْرِمَةَ
٨ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ وَغَيْرِهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي﴾ [المائدة: ٤١] قَالَ: «مَدِينَةٌ فِي الرُّومِ تُفْتَحُ فَيُسْبَوْنَ»
٨ ‏/ ٤٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ صِفَتَهُمْ، سَمَّاعُونَ لَقِيلِ الْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ ، وَمِنْ قِيلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: مُحَمَّدٌ كَاذِبٌ، لَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَقِيلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّ حُكْمَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فِي التَّوْرَاةِ الْجَلْدُ وَالتَّحْمِيمُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَبَاطِيلِ وَالْإِفْكِ، وَيَقْبَلُونَ الرُّشَا، فَيَأْكُلُونَهَا عَلَى كَذِبِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ. كَمَا:
٨ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَقِيلٍ، قَالَ: ⦗٤٢٩⦘ سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «تِلْكَ الْحُكَّامُ سَمِعُوا كِذْبَةً، وَأَكَلُوا رِشْوَةً»
٨ ‏/ ٤٢٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «كَانَ هَذَا فِي حُكَّامِ الْيَهُودِ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَذِبَ وَيَقْبَلُونَ الرُّشَا»
٨ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ وَهُمْ يَهُودُ»
٨ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي وَإِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «السُّحْتُ: الرِّشْوَةُ»
٨ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَا: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ: مَا السُّحْتُ؟ قَالَ: «الرِّشْوَةُ» . قَالُوا: فِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: «ذَاكَ الْكُفْرُ»
٨ ‏/ ٤٢٩
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَائِلَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَجَلِيُّ، ثنا نُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ، عَنِ الْأَجْلَحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ حِينَ سَارُوا إِلَى الْبَصْرَةِ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَدِ اجْتَمَعُوا لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ شَقَّ عَلَيْهِمْ وَوَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَيُظْهَرَنَّ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَلَيُقْتَلَنَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَلْيَخْرُجَنَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْكُوفَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، أَوْ خَمْسَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، شَكَّ الْأَجْلَحُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَلَمَّا أَتَى أَهْلُ الْكُوفَةِ خَرَجْتُ فَقُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ، فَإِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ فَهُوَ أَمْرٌ سَمِعَهُ، وَإِلَّا فَهِيَ خَدِيعَةُ الْحَرْبِ، فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْجَيْشِ فَسَأَلْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَتَّمَ أَنْ قَالَ مَا قَالَ عَلِيٌّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ مِمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُخْبِرُهُ
٨ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ حُرَيْثٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ: مَا كُنَّا نَرَى السُّحْتَ إِلَّا الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «ذَاكَ الْكُفْرُ»
٨ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «السُّحْتُ: الرُّشَا؟ قَالَ: نَعَمْ»
٨ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ السُّحْتِ، فَقَالَ: «الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْحَاجَةَ فَيَقْضِيهَا، فَيُهْدَى إِلَيْهِ فَيَقْبَلُهَا»
٨ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا سَوَّارٌ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَسُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «السُّحْتُ: الرُّشَا»
٨ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ ⦗٤٣١⦘ عَبْدِ اللَّهِ: «السُّحْتُ، قَالَ: الرِّشْوَةُ فِي الدِّينِ»
٨ ‏/ ٤٣٠
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «مَا كَانَ مِنَ السُّحْتِ: الرُّشَا، وَمَهْرُ الزَّانِيَةِ»
٨ ‏/ ٤٣١
حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «الرِّشْوَةُ»
٨ ‏/ ٤٣١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «الرُّشَا»
٨ ‏/ ٤٣١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَهْرُ الْبَغِيِّ سُحْتٌ، وَعَسْبُ الْفَحْلِ سُحْتٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ سُحْتٌ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ»
٨ ‏/ ٤٣١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: «السُّحْتُ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ»
٨ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ السُّحْتِ، قَالَ: “الرُّشَا، فَقُلْتُ: فِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: «ذَاكَ الْكُفْرُ»
٨ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] يَقُولُ: «لِلرُّشَا»
٨ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُمَا سَأَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ الرِّشْوَةِ، فَقَالَ: هِيَ السُّحْتُ، قَالَا فِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: ذَاكَ الْكُفْرُ، تَمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]
٨ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، قَالَ: شَفَعَ مَسْرُوقٌ لِرَجُلٍ فِي حَاجَةٍ، ⦗٤٣٣⦘ فَأَهْدَى لَهُ جَارِيَةً، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَفْعَلُ هَذَا مَا كَلَّمْتُ فِي حَاجَتِكَ وَلَا أُكَلِّمُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَاجَتِكَ، سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: “مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَرْفَعَ بِهَا ظُلْمًا، فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ، فَهُوَ سُحْتٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَخْذَ عَلَى الْحُكْمِ. قَالَ: «الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ كُفْرٌ»
٨ ‏/ ٤٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ وَقَضَوْا بِالْكَذِبِ “
٨ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبِيدَةُ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ السُّحْتِ، أَهُوَ الرُّشَا فِي الْحُكْمِ؟ فَقَالَ: «لَا، مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ ظَالِمٌ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَلَكِنَّ السُّحْتَ يَسْتَعِينُكَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَظْلَمَةِ فَتُعِينُهُ عَلَيْهَا، فَيُهْدِي لَكَ الْهَدِيَّةَ فَتَقْبَلُهَا»
٨ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ السَّبَئِيِّ، قَالَ: مِنَ السُّحْتِ ثَلَاثَةٌ: مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَالرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَمَا كَانَ يُعْطَى الْكُهَّانُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ “
٨ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ مُطِيعٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَثَمَنِ ⦗٤٣٤⦘ الْكَلْبِ، وَالِاسْتِجْعَالِ فِي الْقَضِيَّةِ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَعَسْبِ الْفَحْلِ، وَالرَّشْوَةِ فِي الْحُكْمِ، وَثَمَنِ الْخَمْرِ، وَثَمَنِ الْمَيْتَةِ: مِنَ السُّحْتِ “
٨ ‏/ ٤٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ»
٨ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «كُلُّ لَحْمٍ أَنْبَتَهُ السُّحْتُ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا السُّحْتُ؟ قَالَ: «الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ»
٨ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، إِذَا انْقَلَبْتَ إِلَى أَبِيكَ فَقُلْ لَهُ: إِيَّاكَ وَالرَّشْوَةَ فَإِنَّهَا سُحْتٌ. وَكَانَ أَبُوهُ عَلَى شُرَطِ الْمَدِينَةِ “
٨ ‏/ ٤٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الرِّشْوَةُ سُحْتٌ. قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْنَا لِعَبْدِ اللَّهِ: أَفِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: ⦗٤٣٥⦘ لَا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] «وَأَصْلُ السُّحْتِ: كَلَبُ الْجُوعِ، يُقَالَ مِنْهُ: فُلَانٌ مَسْحُوتُ الْمَعِدَةِ: إِذَا كَانَ أَكُولًا لَا يُلَفَّى أَبَدًا إِلَّا جَائِعًا. وَإِنَّمَا قِيلَ لِلرِّشْوَةِ السُّحْتُ، تَشْبِيهًا بِذَلِكَ؛ كَأَنَّ بِالْمُسْتَرْشِي مِنَ الشَّرَهِ إِلَى أَخْذِ مَا يُعْطَاهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي بِالْمَسْحُوتِ الْمَعِدَةِ مِنَ الشَّرَهِ إِلَى الطَّعَامِ، يُقَالَ مِنْهُ: سَحَتَهُ وَأَسْحَتَهُ، لُغَتَانِ مَحْكِيَّتَانِ عَنِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ بْنِ غَالِبٍ:
[البحر الطويل]

وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ … مِنَ الْمَالِ إِلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ
يَعْنِي بِالْمُسْحَتِ: الَّذِي قَدِ اسْتَأْصَلَهُ هَلَاكًا بِأَكْلِهِ إِيَّاهُ وَإِفْسَادِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلْحَالِقِ: اسْحَتِ الشَّعْرَ: أَيِ اسْتَأْصِلْهُ»

٨ ‏/ ٤٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئَا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ إِنْ جَاءَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوكَ بَعْدُ، وَهُمْ قَوْمُ الْمَرْأَةِ الْبَغِيَّةِ، مُحْتَكِمِينَ ⦗٤٣٦⦘ إِلَيْكَ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ إِنْ شِئْتَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ حَكَمًا لَهُ، فِيمَنْ فَعَلَ فِعْلَ الْمَرْأَةِ الْبَغِيَّةِ مِنْهُمْ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، فَدَعِ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إِنْ شِئْتَ وَالْخِيَارُ إِلَيْكَ فِي ذَلِكَ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢] يَهُودُ، زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لَهُ نَسَبٌ حَقِيرٌ فَرَجَمُوهُ، ثُمَّ زَنَى مِنْهُمْ شَرِيفٌ فَحَمَّمُوهُ، ثُمَّ طَافُوا بِهِ، ثُمَّ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِيُوَافِقَهُمْ. قَالَ: فَأَفْتَاهُمْ فِيهِ بِالرَّجْمِ، فَأَنْكَرُوهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ، فَنَاشَدَهُمْ بِاللَّهِ أَيَجِدُونَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَكَتَمُوهُ إِلَّا رَجُلًا مِنْ أَصْغَرِهِمْ أَعْوَرَ، فَقَالَ: كَذَبُوكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَفِي التَّوْرَاةِ “
٨ ‏/ ٤٣٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي، فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ﴾ كَانَتْ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ “
٨ ‏/ ٤٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّهُمْ أَتَوْهُ، يَعْنِي الْيَهُودَ، فِي امْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَتْ يَسْأَلُونَهُ عَنْ عُقُوبَتِهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ؟» فَقَالُوا نُؤْمَرُ بِرَجْمِ الزَّانِيَةِ. فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرُجِمَتْ، وَقَدْ ⦗٤٣٧⦘ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢]
٨ ‏/ ٤٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ قَالَ: «كَانُوا يُحِدُّونَ فِي الزِّنَا، إِلَى أَنْ زَنَى شَابٌّ مِنْهُمْ ذُو شَرَفٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا يَدَعُكُمُ قَوْمُهُ تَرْجُمُونَهُ، وَلَكِنِ اجْلِدُوهُ وَمَثِّلُوا بِهِ. فجَلَدُوهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى إِكَافِ حِمَارٍ، وَجَعَلُوا وَجْهَهُ مُسْتَقْبِلَ ذَنَبِ الْحِمَارِ، إِلَى أَنْ زَنَى آخَرُ وَضِيعٌ لَيْسَ لَهُ شَرَفٌ فَقَالُوا: ارْجُمُوهُ. ثُمَّ قَالُوا: فَكَيْفَ لَمْ تَرْجُمُوا الَّذِي قَبْلَهُ؟ وَلَكِنْ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ بِهِ فَاصْنَعُوا بِهَذَا. فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ، قَالُوا: سَلُوهُ، لَعَلَّكُمْ تَجِدُونَ عِنْدَهُ رُخْصَةً. فَنَزَلَتْ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَتِيلٍ قُتِلَ فِي يَهُودَ مِنْهُمْ قَتَلَهُ بَعْضُهُمْ
٨ ‏/ ٤٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْآيَاتِ، فِي الْمَائِدَةِ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢] إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الدِّيَةِ فِي بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَى بَنِي النَّضِيرِ كَانَ لَهُمْ شَرَفٌ تُؤَدِّي الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَإِنَّ قُرَيْظَةَ كَانُوا يُؤَدُّونَ نِصْفَ الدِّيَةِ. فتَحَاكَمُوا فِي ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ، فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْحَقِّ ⦗٤٣٨⦘ فِي ذَلِكَ، فَجَعَلَ الدِّيَةَ فِي ذَاكَ سَوَاءً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ “
٨ ‏/ ٤٣٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ، وَكَانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ، فَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ أَدَّى مِئَةَ وَسَقٍ تَمْرٍ. فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ، فَقَالُوا: ادْفَعُوهُ إِلَيْنَا. فَقَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢]
٨ ‏/ ٤٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ فِي حُكْمِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ لِلنَّضْرِيِّ دِيَتَانِ، وَالْقُرَظِيِّ دِيَةٌ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ النَّضِيرِ؛ قَالَ: وَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ بِمَا فِي التَّوْرَاةَ، قَالَ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قُرَيْظَةُ، لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ ابْنِ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: نَتَحَاكَمُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ فَخَيَّرَهُ ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٣] الْآيَةُ كُلُّهَا.
٨ ‏/ ٤٣٨
وَكَانَ الشَّرِيفُ إِذَا زَنَى بِالدَّنِيئَةِ رَجَمُوهَا هِيَ وَحَمَّمُوا وَجْهَ الشَّرِيفِ، وَحَمَلُوهُ عَلَى الْبَعِيرِ، أَوْ جَعَلُوا وَجْهَهُ مِنْ قِبَلِ ذَنَبِ الْبَعِيرِ. وَإِذَا زَنَى الدَّنِيءُ بِالشَّرِيفَةِ رَجَمُوهُ، وَفَعَلُوا بِهَا ذَلِكَ. فتَحَاكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَرَجَمَهَا. قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَعْلَمُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ؟» قَالُوا: فُلَانٌ الْأَعْوَرُ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: «أَنْتَ أَعْلَمُهُمْ بِالتَّوْرَاةِ؟» قَالَ: كَذَاكَ تَزْعُمُ يَهُودُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ مَا تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ فِي الزَّانِيَيْنِ؟» فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، يَرْجُمُونَ الدَّنِيئَةَ، وَيَحْمِلُونَ الشَّرِيفَ عَلَى بَعِيرٍ، وَيُحَمِّمُونَ وَجْهَهُ، وَيَجْعَلُونَ وَجْهَهُ مِنْ قِبَلِ ذَنَبِ الْبَعِيرِ، وَيَرْجُمُونَ الدَّنِيءَ إِذَا زَنَى بِالشَّرِيفَةِ، وَيَفْعَلُونَ بِهَا هِيَ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ مَا تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ؟» فَجَعَلَ يَرُوغُ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَنْشُدُهُ بِاللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ، حَتَّى قَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَهُوَ ذَاكَ، اذْهَبُوا بِهِمَا فَارْجُمُوهُمَا» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُمَا، فَمَا زَالَ يُجْنِئُ عَلَيْهَا وَيَقِيهَا الْحِجَارَةَ بِنَفْسِهِ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ الْيَوْمَ وَهَلْ لِلْحُكَّامِ مِنَ الْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ وَالنَّظَرِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ إِذَا احْتَكَمُوا إِلَيْهِمْ، مِثْلُ الَّذِي جَعَلَ لِنَبِيِّهِ ﷺ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَمْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ ثَابِتٌ الْيَوْمَ لَمْ يَنْسَخْهُ شَيْءٌ، وَلِلْحُكَّامِ مِنَ الْخِيَارِ فِي كُلِّ دَهْرٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِثْلُ مَا جَعَلَهُ
٨ ‏/ ٤٣٩
لِرَسُولِهِ ﷺ
٨ ‏/ ٤٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ: إِنْ رُفِعَ إِلَيْكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي قَضَاءٍ، فَإِنْ شِئْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْرِضْ عَنْهُمْ “
٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ، قَالَا: إِذَا أَتَاكَ الْمُشْرِكُونَ فَحَكَّمُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ “
٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ قَالَ: «إِنْ شَاءَ حَكَمَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُمْ»
٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُمْ»
٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:. إِذَا أَتَاكَ أَهْلُ الْكِتَابِ بَيْنَهُمْ أَمْرٌ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ خَلِّ عَنْهُمْ وَأَهْلَ دِينِهِمْ يَحْكُمُونَ فِيهِمْ إِلَّا فِي سَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ “
٨ ‏/ ٤٤٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: نَحْنُ مُخَيَّرُونَ، إِنْ شِئْنَا حَكَمْنَا بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ شِئْنَا أَعْرَضْنَا فَلَمْ نَحْكُمْ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ حَكَمْنَا بَيْنَنَا أَوْ نَتْرُكُهُمْ وَحُكْمَهُمْ بَيْنَهُمْ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢]
٨ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ قَالَا: إِذَا جَاءُوا إِلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ شَاءَ حِكَمَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، وَإِنْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ “
٨ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ﴾ يَقُولُ: «إِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ. فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ رُخْصَةً، إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ»
٨ ‏/ ٤٤١
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ، قَالَا: «إِذَا أَتَاكَ الْمُشْرِكُونَ فَحَكَّمُوكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعْدُهُ إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَخَلِّهِمْ وَأَهْلَ دِينِهِمْ» ⦗٤٤٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ التَّخْيِيرُ مَنْسُوخٌ، وَعَلَى الْحَاكِمِ إِذَا احْتَكَمَ إِلَيْهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ النَّظَرِ بَيْنَهُمْ
٨ ‏/ ٤٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩]
٨ ‏/ ٤٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: “نَسَخَتْهَا ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩]
٨ ‏/ ٤٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: نَسَخَتْهَا: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩]
٨ ‏/ ٤٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ الْكِنْدِيُّ، ثنا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ الْعَامِرِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَا: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أَصْوَاتٌ كَدَوِيِّ النَّحْلِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ يَشِيعُ، ثُمَّ تَكُونُ لَهُ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غُلُوٍّ وَبِدْعَةٍ فَأُولَئِكَ أَهْلُ النَّارِ»
٨ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «نَسَخَتْهَا: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩]»
٨ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُودَ. فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، وَرَخَّصَ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ [المائدة: ٤٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٩] فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ مَا رَخَّصَ لَهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ “
٨ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، كَتَبَ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: «إِذَا جَاءَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ»
٨ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: «﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩]»
٨ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ قَالَ: «مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَدُّوا ⦗٤٤٤⦘ فِي حُقُوقِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ إِلَى أَهْلِ دِينِهِمْ، إِلَّا أَنْ يَأْتُوا رَاغِبِينَ فِي حَدٍّ يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ بِكِتَابِ اللَّهِ»
٨ ‏/ ٤٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: «﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢] كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ. ثُمَّ نَسَخَهَا فَقَالَ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٨] وَكَانَ مَجْبُورًا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ»
٨ ‏/ ٤٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «آيَتَانِ نُسِخَتَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، يَعْنِي الْمَائِدَةَ، آيَةُ الْقَلَائِدِ، وَقَوْلُهُ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢] فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ مُخَيَّرًا، إِنْ شَاءَ حَكَمَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، فَرَدَّهُمْ إِلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ ثَابِتٌ لَمْ يُنْسَخْ، وَإِنَّ لِلْحُكَّامِ مِنَ الْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ إِذَا ارْتَفِعُوا إِلَيْهِمْ فَاحْتَكَمُوا وَتَرْكِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَالنَّظَرِ مِثْلَ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ ﷺ مِنْ ذَلِكَ
٨ ‏/ ٤٤٤
فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ الْقَائِلِينَ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ مَنْسُوخٌ زَعَمُوا أَنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩] وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي كِتَابِنَا: كِتَابُ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ، أَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ نَسْخًا إِلَّا مَا كَانَ نَفْيًا لِحُكْمِ غَيْرِهِ بِكُلِّ مَعَانِيهِ، حَتَّى لَا يَجُوزَ اجْتِمَاعُ الْحُكْمُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا عَلَى صِحَّتِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَمَعْنَاهُ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِذْ حَكَمْتَ بَيْنَهُمْ بِاخْتِيَارِكَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إِذَا اخْتَرْتَ ذَلِكَ وَلَمْ تَخْتَرِ الإِعْرَاضَ عَنْهُمْ، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إِعْلَامُ الْمَقُولِ لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي الْحُكْمِ وَتَرْكَ الْحُكْمِ؛ كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ لَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩] أَنَّهُ نَاسِخٌ قَوْلَهُ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ احْتِمَالِ ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مِثْلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَى، وَلَا نَفْيِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ حُكْمَ الْآخَرِ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَبَرٌ يَصِحُّ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ صَاحِبَهُ، وَلَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعٌ؛ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ يُؤَيِّدُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَيُوَافِقُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ وَلَا نَسْخَ فِي أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤٢] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَإِنْ تُعْرَضْ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْمُحْتَكِمِينَ إِلَيْكَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَدَعَ النَّظَرَ بَيْنَهُمْ فِيمَا
٨ ‏/ ٤٤٥
احْتَكَمُوا فِيهِ إِلَيْكَ، فَلَا تَحْكُمْ فِيهِ بَيْنَهُمْ، فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا، يَقُولُ: فَلَنْ يَقْدِرُوا لَكَ عَلَى ضُرٍّ فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا، فَدَعِ النَّظَرَ بَيْنَهُمْ إِذَا اخْتَرْتَ تَرْكَ النَّظَرِ بَيْنَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَإِنِ اخْتَرْتَ الْحُكْمَ وَالنَّظَرَ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ إِذَا أَتَوْكَ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، وَهُوَ الْعَدْلُ، وَذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ حُكْمًا فِي مِثْلِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ مِنْ أُمَّةِ نَبِيِّنَا ﷺ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَا: «إِنْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ»
٨ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «أَمَرَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِالرَّجْمِ»
٨ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «بِالرَّجْمِ»
٨ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٤٤٧⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] بِالْعَدْلِ “
٨ ‏/ ٤٤٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٤٢] قَالَ: «أَمَرَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالرَّجْمِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢] فَمَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَامِلِينَ فِي حُكْمِهِ بَيْنَ النَّاسِ، الْقَاضِينَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَأَمَرَ أَنْبِيَاءَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، يُقَالَ مِنْهُ: أَقْسَطَ الْحَاكِمُ فِي حُكْمِهِ إِذَا عَدَلَ وَقَضَى بِالْحَقِّ يُقْسِطَ إِقْسَاطًا بِهِ. وَأَمَّا قَسَطَ فَمَعْنَاهُ: الْجَوْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: الْجَائِرِينَ عَلَى الْحَقِّ
٨ ‏/ ٤٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٤٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَيْفَ يُحَكِّمُكَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَهُمْ، فَيَرْضَوْنَ بِكَ حَكَمًا بَيْنَهُمْ، وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا عَلَى مُوسَى، الَّتِي يُقِرُّونَ بِهَا أَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّهَا كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْتُهُ عَلَى نَبِيِّي، وَأَنَّ مَا فِيهِ مِنْ حُكْمٍ فَمِنْ حُكْمِي، يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لَا يَتَنَاكَرُونَهُ، وَلَا يَتَدَافَعُونَهُ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ حُكْمِي فِيهَا عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ، وَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ ﴿يَتَوَلَّوْنَ﴾ [المائدة: ٤٣] يَقُولُ: “يَتْرُكُونَ الْحُكْمَ بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِحُكْمِي فِيهِ جَرَاءَةٌ عَلَيَّ وَعِصْيَانًا لِي.
٨ ‏/ ٤٤٧
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ خِطَابًا لِنَبِيِّهِ ﷺ، فَإِنَّهُ تَقْرِيعٌ مِنْهُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ، يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى: كَيْفَ تُقِرُّونَ أَيُّهَا الْيَهُودُ بِحُكْمِ نَبِيِّي مُحَمَّدٍ ﷺ مَعَ جُحُودِ نُبُوَّتِهِ وَتَكْذِيبِكُمْ إِيَّاهُ، وَأَنْتُمْ تَتْرُكُونَ حُكْمِي الَّذِي تُقِرُّونَ بِهِ أَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْكُمْ وَاجِبٌ جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ يَقُولُ: فَإِذَا كُنْتُمْ تَتْرُكُونَ حُكْمِي الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى، الَّذِي تُقِرُّونَ بِنُبُوَّتِهِ فِي كِتَابِي، فَأَنْتُمْ بِتَرْكِ حُكْمِي الَّذِي يُخْبِرُكُمْ بِهِ نَبِيِّي مُحَمَّدٌ أَنَّهُ حُكْمِي أَحْرَى، مَعَ جُحُودِكُمْ نُبُوَّتَهُ ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٤٣] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ حَالِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَهُ، وَحَالِ نُظَرَائِهِمْ مِنَ الْجَائِرِينَ عَنْ حُكْمِهِ الزَّائِلِينَ عَنْ مَحَجَّةِ الْحَقِّ: ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٤٣] يَقُولُ: “لَيْسَ مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ: أَيْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي خَلْقِهِ بِالَّذِي صَدَّقَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَقَرَّ بِتَوْحِيدِهِ وَنُبُوَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَأَصْلُ التَّوَلِّي عَنِ الشَّيْءِ: الِانْصِرَافُ عَنْهُ؛ كَمَا:
٨ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [المائدة: ٤٣] قَالَ: «تَوَلِّيهِمْ مَا تَرَكُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ»
٨ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٣] يَعْنِي: «حُدُودَ اللَّهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِحُكْمِهِ فِي التَّوْرَاةِ»
٨ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَعِنْدَهُمُ ⦗٤٤٩⦘ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٣] أَيْ «بَيَانُ اللَّهِ مَا تَشَاجَرُوا فِيهِ مِنْ شَأْنِ قَتِيلِهِمْ ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [المائدة: ٤٣] الْآيَةُ»
٨ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: قَالَ، يَعْنِي الرَّبَّ تَعَالَى ذِكْرُهُ، يُعَيِّرُهُمْ: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٣] يَقُولُ: «الرَّجْمُ»
٨ ‏/ ٤٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا بَيَانُ مَا سَأَلَكَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ عَنْهُ مِنْ حُكْمِ الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ ﴿وَنُورٌ﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ: وَفِيهَا جَلَاءُ مَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ وَضِيَاءُ مَا الْتَبَسَ مِنَ الْحُكْمِ ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ: “يَحْكُمُ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ فِي ذَلِكَ: أَيْ فِيمَا احْتَكَمُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الزَّانِيَيْنِ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، وَهُمُ الَّذِينَ أَذْعَنُوا لِحُكْمِ اللَّهِ وَأَقَرُّوا بِهِ. وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ فِي حُكْمِهِ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ بِالرَّجْمِ، وَفِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ دَمِ قَتْلَى النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ، وَمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَحْكُمُ بِمَا فِيهَا مِنْ حُكْمِ اللَّهِ. كَمَا:
٨ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤] يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ “
٨ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: «نَحْنُ نَحْكُمُ عَلَى الْيَهُودِ وَعَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ»
٨ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ثنا رَجُلٌ، مِنْ مُزَيْنَةَ وَنَحْنُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ بِامْرَأَةٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَإِنَّهُ نَبِيُّ بُعِثَ بِتَخْفِيفٍ، فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ وَقُلْنَا: فُتْيَا نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ. قَالَ: فَأَتَوُا النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ زَنَيَا؟ فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ؟» قَالُوا: يُحَمَّمُ وَيُجَبَّهُ وَيُجْلَدُ، وَالتَّجْبِيهُ: أَنْ يُحْمَلَ الزَّانِيَانِ عَلَى حِمَارٍ تُقَابَلُ أَقْفِيَتُهُمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا، وَسَكَتَ شَابٌّ، فَلَمَّا رَآهُ سَكَتَ أَلَظَّ بِهِ النِّشْدَةَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدْتَنَا، فَإِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَمَا أَوَّلُ مَا ارْتُخِصَ أَمْرُ اللَّهِ؟» قَالَ: زَنَى رَجُلٌ ذُو قَرَابَةٍ مِنْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِنَا فَأُخِّرَ عَنْهُ الرَّجْمُ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ فِي ⦗٤٥١⦘ أُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ رَجْمَهُ، فَحَالَ قَوْمُهُ دُونَهُ، وَقَالُوا: لَا تَرْجُمْ صَاحِبَنَا حَتَّى تَجِيءَ بِصَاحِبِكَ فَتَرْجُمَهُ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى هَذِهِ الْعُقُوبَةِ بَيْنَهُمْ. قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ» فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤] فَكَانَ النَّبِيُّ مِنْهُمْ “
٨ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤] النَّبِيُّ ﷺ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَحْكُمُونَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ “
٨ ‏/ ٤٥١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ [المائدة: ٤٤] يَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ ﴿لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤] يَعْنِي الْيَهُودَ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ وَلَا تَخْشَهُمْ “
٨ ‏/ ٤٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَحْكُمُ بِالتَّوْرَاةِ وَأَحْكَامِهَا الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى مَا أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِهِ فِيهَا مَعَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ. وَالرَّبَّانِيُّونَ: جَمْعُ رَبَّانِيٍّ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْحُكَمَاءُ، الْبُصَرَاءُ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ وَتَدْبِيرِ
٨ ‏/ ٤٥١
أُمُورِهِمْ وَالْقِيَامِ بَمَصَالِحِهِمْ. وَالْأَحْبَارُ: هُمُ الْعُلَمَاءُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّبَّانِيِّينَ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَأَقْوَالَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ. وَأَمَّا الْأَحْبَارُ: فَإِنَّهُمْ جَمْعُ حَبْرٍ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُحْكِمُ لِلشَّيْءِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِكَعْبٍ: كَعْبُ الْأَحْبَارِ. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: أَكْثَرُ مَا سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ فِي وَاحِدِ الْأَحْبَارِ: حَبْرٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ: عُنِيَ بِالرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: ابْنَا صُورِيَا اللَّذَانِ أَقَرَّا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ
٨ ‏/ ٤٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ مِنَ الْيَهُودِ أَخَوَانِ يُقَالَ لَهُمَا ابْنَا صُورِيَا، وَقَدِ اتَّبَعَا النَّبِيَّ ﷺ وَلَمْ يُسْلِمَا، وَأَعْطَيَاهُ عَهْدًا أَنْ لَا يَسْأَلَهُمَا عَنْ شَيْءٍ فِي التَّوْرَاةِ إِلَّا أَخْبَرَاهُ بِهِ. وَكَانَ أَحَدُهُمَا رِبِّيًّا، وَالْآخَرُ حَبْرًا، وَإِنَّمَا اتَّبَعَا النَّبِيَّ ﷺ يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ. فدَعَاهُمَا فَسَأَلَهُمَا، فَأَخْبَرَاهُ الْأَمْرَ كَيْفَ كَانَ حِينَ زَنَى الشَّرِيفُ وَزَنَى الْمِسْكِينُ، وَكَيْفَ غَيَّرُوهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤] يَعْنِي: “النَّبِيَّ ﷺ؛ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ: هُمَا ابْنَا صُورِيَا. ﴿لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤] ثُمَّ ذَكَرَ ابْنَيْ صُورِيَا، فَقَالَ: ﴿وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا ⦗٤٥٣⦘ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤] وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ التَّوْرَاةَ يَحْكُمُ بِهَا مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاءِ لِلْيَهُودِ وَالرَّبَّانِيُّونَ مِنْ خَلْقِهِ وَالْأَحْبَارُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِذَلِكَ ابْنَا صُورِيَا وَغَيْرُهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ مُسْلِمُو الْأَنْبِيَاءِ وَكُلُّ رَبَّانِيٍّ وَحَبْرٍ، وَلَا دَلَالَةَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ عَلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ خَاصٌّ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارِ، وَلَا قَامَتْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، فَكُلُّ رَبَّانِيٍّ وَحَبْرٍ دَاخِلٌ فِي الْآيَةِ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الْأَحْبَارِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ: «الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ: قُرَّاؤُهُمْ وَفُقَهَاؤُهُمْ»
٨ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: «الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ: الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ»
٨ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الرَّبَّانِيُّونَ الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ، وَهُمْ فَوْقَ الْأَحْبَارِ»
٨ ‏/ ٤٥٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «الرَّبَّانِيُّونَ: فُقَهَاءُ الْيَهُودِ، وَالْأَحْبَارُ: عُلَمَاؤُهُمْ»
٨ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿» وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾ [المائدة: ٤٤] كُلُّهُمْ يَحْكُمُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ “
٨ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «الرَّبَّانِيُّونَ: الْوُلَاةُ، وَالْأَحْبَارُ: الْعُلَمَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يَحْكُمُ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ، يَعْنِي الْعُلَمَاءَ، بِمَا اسْتُودِعُوا عِلْمَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ التَّوْرَاةُ. وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا﴾ [المائدة: ٤٤] مِنْ صِلَةِ الْأَحْبَارِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارَ بِمَا اسْتُودِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يَحْكُمُونَ بِالتَّوْرَاةِ مَعَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا، وَكَانُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا شُهَدَاءَ أَنَّهُمْ قَضَوْا عَلَيْهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُوسَى وَقَضَائِهِ عَلَيْهِمْ. كَمَا:
٨ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤] يَعْنِي الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارَ هُمُ الشُّهَدَاءُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ بِمَا قَالَ أَنَّهُ حَقٌّ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ، أَتَتْهُ الْيَهُودُ فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ “
٨ ‏/ ٤٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِعُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَأَحْبَارِهِمْ: لَا تَخْشَوُا النَّاسَ فِي تَنْفِيذِ حُكْمِي الَّذِي حَكَمْتُ بِهِ عَلَى عِبَادِي وَإِمْضَائِهِ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا أَمَرْتُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ لَكُمْ عَلَى ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ إِلَّا بِإِذْنِي، وَلَا تَكْتُمُوا الرَّجْمَ الَّذِي جَعَلْتُهُ حَكَمًا فِي التَّوْرَاةِ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ، وَلَكِنِ اخْشَوْنِي دُونَ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي، فَإِنَّ النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِيَدِي، وَخَافُوا عِقَابِي فِي كِتْمَانِكُمْ مَا اسْتُحْفِظْتُمْ مِنْ كِتَابِي. كَمَا:
٨ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ: «لَا تَخْشَوُا النَّاسَ فَتَكْتُمُوا مَا أَنْزَلْتُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٤١] يَقُولُ: “وَلَا تَأْخُذُوا بِتَرْكِ الْحُكْمِ بِآيَاتِ كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْتُهُ عَلَى مُوسَى أَيُّهَا الْأَحْبَارُ عِوَضًا خَسِيسًا، وَذَلِكَ هُوَ الثَّمَنُ الْقَلِيلُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهْيَهُمْ عَنْ أَكْلِ السُّحْتِ عَلَى تَحْرِيفِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ وَتَغْيِيرِهِمْ حُكْمَهُ عَمَّا حَكَمَ بِهِ فِي الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَدَّلُوهَا، طَلَبًا مِنْهُمْ لِلرُّشَا؛ كَمَا:
٨ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٤١] قَالَ: «لَا تَأْكُلُوا السُّحْتَ عَلَى كِتَابِي» ⦗٤٥٦⦘ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا﴾ [البقرة: ٤١] قَالَ: «لَا تَأْخُذُوا بِهِ رِشْوَةً»
٨ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٤١] وَلَا تَأْخُذُوا طُعْمًا قَلِيلًا عَلَى أَنْ تَكْتُمُوا مَا أَنْزَلْتُ “
٨ ‏/ ٤٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ كَتَمَ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ، وَجَعَلَهُ حَكَمًا بَيْنَ عِبَادِهِ فَأَخْفَاهُ، وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ، كَحُكْمِ الْيَهُودِ فِي الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ بِالتَّجْبِيهِ وَالتَّحْمِيمِ، وَكِتْمَانِهِمُ الرَّجْمَ، وَكَقَضَائِهِمْ فِي بَعْضِ قَتْلَاهُمْ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ وَفِي بَعْضٍ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَفِي الْأَشْرَافِ بِالْقِصَاصِ وَفِي الْأَدْنِيَاءِ بِالدِّيَةِ، وَقَدْ سَوَّى اللَّهُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ: «هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَكِنْ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا حُكْمَهُ وَكَتَمُوا الْحَقَّ الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ ﴿هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [النساء: ١٥١] يَقُولُ:»هُمُ الَّذِينَ سَتَرُوا الْحَقَّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ كَشْفُهُ وَتَبْيِينُهُ وَغَطُّوهُ عَنِ النَّاسِ وَأَظْهَرُوا لَهُمْ غَيْرَهُ وَقَضَوْا بِهِ لِسُحْتٍ أَخَذُوهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ الْكُفْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْيَهُودَ الَّذِينَ حَرَّفُوا كِتَابَ اللَّهِ وَبَدَّلُوا حُكْمَهُ
٨ ‏/ ٤٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] فِي الْكَافِرِينَ كُلُّهَا “
٨ ‏/ ٤٥٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثنا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: الثَّلَاثُ الْآيَاتُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢] لَيْسَ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْهَا شَيْءٌ، هِيَ فِي الْكُفَّارِ “
٨ ‏/ ٤٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] وَ﴿الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] وَ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قَالَ: «نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ»
٨ ‏/ ٤٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُدَيْرٍ، قَالَ: أَتَى أَبَا مِجْلَزِ نَاسٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ سَدُوسٍ، فَقَالُوا: يَا أَبَا مِجْلَزٍ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] أَحَقٌّ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
٨ ‏/ ٤٥٧
الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] أَحَقٌّ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] أَحَقٌّ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالُوا: يَا أَبَا مِجْلَزٍ، فَيَحْكُمُ هَؤُلَاءِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ؟ قَالَ: هُوَ دِينُهُمُ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ، وَبِهِ يَقُولُونَ، وَإِلَيْهِ يَدْعُونَ، فَإِنْ هُمْ تَرَكُوا شَيْئًا مِنْهُ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا ذَنْبًا. فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّكَ تَفْرَقُ. قَالَ: أَنْتُمْ أَوْلَى بِهَذَا مِنِّي لَا أَرَى وَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ هَذَا وَلَا تَحَرَّجُونَ، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَهْلِ الشِّرْكِ، أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا “
٨ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَعَدَ إِلَى أَبِي مِجْلَزٍ نَفَرٌ مِنَ الْإِبَاضِيَّةِ، قَالَ: فَقَالُوا لَهُ: يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢] قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: إِنَّهُمْ يَعْمَلُونَ مَا يَعْمَلُونَ، يَعْنِي الْأَمَرَاءَ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ذَنْبٌ. قَالَ: وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. قَالُوا: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مِثْلَ مَا نَعْلَمُ، وَلَكِنَّكَ تَخْشَاهُمْ. قَالَ: أَنْتُمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنَّا، أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْرِفُ مَا تَعْرِفُونَ وَلَكِنَّكُمْ تَعْرِفُونَهُ، وَلَكِنْ يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُمْضُوا أَمْرَكُمْ مِنْ خَشْيَتِهِمْ “
٨ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُعَتِّبٍ، أَنَّ أَبَا حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فِي مَمْلُوكٍ كَانَتْ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ، فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمَا أُعْتِقَا بَعْدَ ذَلِكَ، هَلْ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِذَلِكَ
٨ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] وَ﴿الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] وَ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قَالَ: «نَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ»
٨ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِحُذَيْفَةَ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ “
٨ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ، عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢] قَالَ: «فَقِيلَ: ذَلِكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نِعْمَ الْإِخْوَةُ لَكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، إِنْ كَانَتْ لَهُمْ كُلُّ مُرَّةٍ، وَلَكُمْ كُلُّ حُلْوَةٍ، كَلَّا وَاللَّهِ لَتَسْلُكُنَّ طَرِيقَهُمْ قَدْرَ الشِّرَاكِ»
٨ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ»
٨ ‏/ ٤٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أُنْزِلَتْ فِي قَتِيلِ الْيَهُودِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ “
٨ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] وَ﴿الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] وَ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧]، لِأَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ “
٨ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمٍ مَجْلُودٍ، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: «هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ مَنْ زَنَى؟» قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: «أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟» قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ أَنْشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُ حَدَّهُ فِي كِتَابِنَا الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الْوَضِيعَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ جَمِيعًا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ» فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] يَعْنِي الْيَهُودَ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢٩] يَعْنِي الْيَهُودَ، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢] لِلْكُفَّارِ كُلِّهَا “
٨ ‏/ ٤٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «مَنْ حَكَمَ بِكِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ بِيَدِهِ وَتَرَكَ كِتَابَ اللَّهِ وَزَعَمَ أَنَّ كِتَابَهُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقَدْ كَفَرَ» حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَ حَدِيثِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْحَسَنِ. غَيْرَ أَنَّ هَنَّادًا قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَقُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ فِي شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالضَّعِيفِ، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى التَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ مَكَانَ الرَّجْمِ. وَسَائِرُ الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ الْقَاسِمِ
٨ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنَا الرَّبِيعٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:. كُنَّا عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَتَأَوَّلُونَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ عَلَى مَا لَمْ يَنْزِلْنَ عَلَيْهِ، وَمَا أُنْزِلْنَ إِلَّا فِي حَيَّيْنِ مِنْ يَهُودَ. ثُمَّ قَالَ: هِيَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَانَتْ قَدْ غَزَتِ الْأُخْرَى وَقَهَرَتْهَا قَبْلَ قَدُومِ النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ، حَتَّى ارْتَضَوْا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ الْعَزِيزَةُ مِنَ الذَّلِيلَةِ فَدِيَتُهُ خَمْسُونَ وَسَقًا، وَكُلُّ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ الذَّلِيلَةُ مِنَ الْعَزِيزَةِ فَدِيَتُهُ مِئَةُ وَسَقٍ. فَأَعْطَوْهُمْ فَرَقًا وَضَيْمًا. فقَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَذَلَّتِ الطَّائِفَتَانِ بِمَقْدِمِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمَا. فَبَيْنَمَا هُمَا عَلَى ذَلِكَ أَصَابَتِ الذَّلِيلَةُ مِنَ الْعَزِيزَةِ قَتِيلًا، فَقَالَتِ الْعَزِيزَةُ: أَعْطُونَا مِائَةَ وَسَقٍ. فَقَالَتِ الذَّلِيلَةُ: وَهَلْ كَانَ هَذَا قَطُّ
٨ ‏/ ٤٦١
فِي حَيَّيْنِ دِينُهُمَا وَاحِدٌ وَبَلَدُهُمَا وَاحِدٌ دِيَةُ بَعْضِهِمْ ضِعْفُ دِيَةِ بَعْضٍ؟ إِنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا فَرَقًا مِنْكُمْ وَضَيْمًا، فَاجْعَلُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مُحَمَّدًا ﷺ. فتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا النَّبِيَّ ﷺ بَيْنَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ الْعَزِيزَةَ تَذَاكَرَتْ بَيْنَهَا، فَخَشِيَتْ أَنْ لَا يُعْطِيَهَا النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَصْحَابِهَا ضِعْفَ مَا تُعْطَى أَصْحَابُهَا مِنْهَا، فَدَسُّوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا لَهُمْ: أَخْبِرُوا لَنَا رَأْيَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَإِنْ أَعْطَانَا مَا نُرِيدُ حَكَّمْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِنَا حَذَرْنَاهُ وَلَمْ نُحَكِّمْهُ. فَذَهَبَ الْمُنَافِقُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ النَّبِيَّ ﷺ مَا أَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ كُلِّهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهِمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١] هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ كُلِّهِنَّ، حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ [المائدة: ٤٧] إِلَى ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قَرَأَ عُبَيْدُ اللَّهِ ذَلِكَ آيَةً آيَةً وَفَسَّرَهَا عَلَى مَا أَنْزَلَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْآيَاتِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ يَهُودَ، وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ ” وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالْكَافِرِينَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَبِالظَّالِمِينَ: الْيَهُودَ، وَبِالْفَاسِقِينَ: النَّصَارَى
٨ ‏/ ٤٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: «نَزَلَتِ ⦗٤٦٣⦘ الْكَافِرُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالظَّالِمُونَ فِي الْيَهُودِ، وَالْفَاسِقُونَ فِي النَّصَارَى»
٨ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: الْكَافِرُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالظَّالِمُونَ فِي الْيَهُودِ، وَالْفَاسِقُونَ فِي النَّصَارَى “
٨ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَأَبُو السَّائِبِ، وَوَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالُوا: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: آيَةٌ فِينَا، وَآيَتَانِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] فِينَا، وَفِيهِمْ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] وَالْفَاسِقُونَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ ” حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، مِثْلَ حَدِيثِ زَكَرِيَّا عَنهُ
٨ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: “هَذَا فِي الْمُسْلِمِينَ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قَالَ: «النَّصَارَى»
٨ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ فِي هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: “فِينَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا ⦗٤٦٤⦘ أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ فِي الْيَهُودِ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قَالَ: «فِي النَّصَارَى»
٨ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «نَزَلَتِ الْأُولَى فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّانِيَةُ فِي الْيَهُودِ، وَالثَّالِثَةُ فِي النَّصَارَى» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا يَعْلَى، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، بِنَحْوِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ
٨ ‏/ ٤٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قَالَ: «كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٌ» ⦗٤٦٥⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، بِنَحْوِهِ
٨ ‏/ ٤٦٤
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ طَاوُسٍ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ»
٨ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «هِيَ بِهِ كُفْرٌ، وَلَيْسَ كُفْرًا بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»
٨ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٤] فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِهِ كُفْرٌ، وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِكَذَا وَكَذَا “
٨ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «هِيَ بِهِ كُفْرٌ. قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»
٨ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ طَاوُسٍ: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ. قَالَ: وَقَالَ عَطَاءٌ: كُفْرٌ دُونَ كُفْرٌ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَى مُرَادٌ بِهَا جَمِيعُ النَّاسِ مُسْلِمُوهُمْ وَكُفَّارُهُمْ
٨ ‏/ ٤٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَا “
٨ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: “نَزَلَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرَضِيَ لَكُمْ بِهَا
٨ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ رَضِيَ بِهَا لِهَؤُلَاءِ»
٨ ‏/ ٤٦٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، وَهِيَ عَلَيْنَا وَاجِبَةٌ»
٨ ‏/ ٤٦٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَمَسْرُوقٍ: أَنَّهُمَا سَأَلَا ابْنَ مَسْعُودٍ عَنِ الرِّشْوَةِ، فَقَالَ: مِنَ السُّحْتِ. قَالَ: فَقَالَا: أَفِي الْحُكْمِ؟ قَالَ: ذَاكَ الْكُفْرُ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤]
٨ ‏/ ٤٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلْتُ فَتَرَكَهُ عَمْدًا وَجَارَ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ مِنَ الْكَافِرِينَ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِدًا بِهِ، فَأَمَّا الظُّلْمُ وَالْفِسْقُ فَهُوَ لِلْمُقِرِّ بِهِ
٨ ‏/ ٤٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ⦗٤٦٨⦘ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] قَالَ: “مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ فَفِيهِمْ نَزَلَتْ وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا، وَهَذِهِ الْآيَاتُ سِيَاقُ الْخَبَرِ عَنْهُمْ، فَكَوْنُهَا خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَمَّ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَكَيْفَ جَعَلْتَهُ خَاصًّا؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّمَ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ قَوْمٍ كَانُوا بِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ جَاحِدِينَ فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِتَرْكِهِمُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ مَا تَرَكُوهُ كَافِرُونَ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِدًا بِهِ، هُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ بِجُحُودِهِ حَكَمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ نَظِيرَ جُحُودِهِ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ نَبِيُّ
٨ ‏/ ٤٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَتَبْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ يُحَكِّمُونَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿كَتَبْنَا﴾ [النساء: ٦٦] فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنْ يَحْكُمُوا فِي النَّفْسِ إِذَا
٨ ‏/ ٤٦٨
قَتَلَتْ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِالنَّفْسِ، يَعْنِي: أَنْ تُقْتَلَ النَّفْسُ الْقَاتِلَةُ بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ [المائدة: ٤٥] يَقُولُ: “وَفَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنْ يَفْقَئُوا الْعَيْنَ الَّتِي فَقَأَ صَاحِبُهَا مِثْلَهَا مِنْ نَفْسٍ أُخْرَى بِالْعَيْنِ الْمَفْقُوءَةِ، وَيَجْدَعَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَيَقْطَعَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَيَقْلَعَ السِّنَّ بِالسِّنِّ، وَيَقْتَصَّ مِنَ الْجَارِحِ غَيْرَهُ ظُلْمًا لِلْمَجْرُوحِ. وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ عَنِ الْيَهُودِ، وَتَعْزِيَةٌ مِنْهُ لَهُ عَنْ كُفْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِنُبُوَّتِهِ وَإِدْبَارِهِ عَنْهُ بَعْدَ إِقْبَالِهِ، وَتَعْرِيفٌ مِنْهُ لَهُ جَرَاءَتَهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى رَبِّهِمْ وَعَلَى رُسُلِ رَبِّهِمْ وَتَقَدُّمِهِمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ؛ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُ: وَكَيْفَ يَرْضَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ يَا مُحَمَّدُ بِحُكْمِكَ إِذَا جَاءُوا يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ الَّتِي يُقِرُّونَ بِهَا أَنَّهَا كِتَابِي وَوَحْيِي إِلَى رَسُولِي مُوسَى ﷺ فِيهَا حُكْمِي بِالرَّجْمِ عَلَى الزُّنَاةِ الْمُحْصَنِينَ، وَقَضَائِي بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا ظُلْمًا فَهُوَ بِهَا قَوَدٌ، وَمَنْ فَقَأَ عَيْنًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَعَيْنُهُ بِهَا مَفْقُوءَةٌ قِصَاصًا، وَمَنْ جَدَعَ أَنْفًا فَأَنْفُهُ بِهِ مَجْدُوعٌ، وَمَنْ قَلَعَ سِنًّا فَسِنُّهُ بِهَا مَقْلُوعَةٌ، وَمَنْ جَرَحَ غَيْرَهُ جُرْحًا فَهُوَ مُقْتَصٌّ مِنْهُ مِثْلَ الْجُرْحِ الَّذِي جَرَحَهُ، ثُمَّ هُمْ مَعَ الْحُكْمِ الَّذِي عِنْدَهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ أَحْكَامِي يَتَوَلَّوْنَ عَنْهُ وَيَتْرُكُونَ الْعَمَلَ بِهِ؛ يَقُولُ: فَهُمْ بِتَرْكِ حُكْمِكَ وَبِسَخَطِ قَضَائِكَ بَيْنَهُمْ أَحْرَى وَأَوْلَى. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: لَمَّا رَأَتْ قُرَيْظَةُ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ حَكَمَ بِالرَّجْمِ وَكَانُوا يُخْفُونَهُ فِي كِتَابِهِمْ، نَهَضَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا بَنِي النَّضِيرِ. وَكَانَ بَيْنَهُمْ دَمٌ قَبْلَ قَدُومِ ⦗٤٧٠⦘ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَتِ النَّضِيرُ يَتَعَزَّزُونَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَدِيَاتِهِمْ عَلَى أَنْصَافِ دِيَاتِ النَّضِيرِ، وَكَانَتِ الدِّيَةُ مِنْ وَسُوقِ التَّمْرِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةَ وَسَقٍ لِبَنِي النَّضِيرِ وَسَبْعِينَ وَسَقًا لِبَنِي قُرَيْظَةَ. فَقَالَ: «دَمُ الْقُرَظِيِّ وَفَاءٌ مِنْ دَمِ النَّضِيرِيِّ» فَغَضِبَ بَنُو النَّضِيرِ، وَقَالُوا: لَا نُطِيعُكَ فِي الرَّجْمِ، وَلَكِنْ نَأْخُذُ بِحُدُودِنَا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا. فَنَزَلَتْ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] وَنَزَلَ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] الْآيَةُ “
٨ ‏/ ٤٦٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: “فَمَا بَالُهُمْ يُخَالِفُونَ، يَقْتُلُونَ النَّفْسَيْنِ بِالنَّفْسِ، وَيَفْقَئُونَ الْعَيْنَيْنِ بِالْعَيْنِ؟
٨ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا خَلَّادٌ الْكُوفِيُّ، قَالَ: ثنا الثَّوْرِيُّ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ قِتَالٌ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى، وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ طَوْلٌ. فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ، فَجَعَلَ يَجْعَلُ الْحُرَّ بِالْحُرِّ، وَالْعَبْدَ بِالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةَ بِالْمَرْأَةِ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ [البقرة: ١٧٨] قَالَ سُفْيَانُ: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: نَسَخَتْهَا: ﴿النَّفْسُ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥]
٨ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] فِيهَا: فِي التَّوْرَاةِ ⦗٤٧١⦘ ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ [المائدة: ٤٥] حَتَّى: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ مُجَاهِدٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى، لَيْسَ بَيْنَهُمْ دِيَةٌ فِي نَفْسٍ وَلَا جُرْحٍ. قَالَ: وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ [المائدة: ٤٥] فِي التَّوْرَاةِ، فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الدِّيَةَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ، وَذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ “
٨ ‏/ ٤٧٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ دِيَةٌ فِيمَا كَتَبَ اللَّهُ لِمُوسَى فِي التَّوْرَاةِ مِنْ نَفْسٍ قُتِلَتْ، أَوْ جُرْحٍ، أَوْ سِنٍّ، أَوْ عَيْنٍ، أَوْ أَنْفٍ، إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ أَوِ الْعَفْوُ»
٨ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ [المائدة: ٤٥] أَيْ «فِي التَّوْرَاةِ ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥]»
٨ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا﴾ [المائدة: ٤٥] أَيْ «فِي التَّوْرَاةِ ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥]»
٨ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة: ٤٥] بَعْضُهَا بِبَعْضٍ “
٨ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «يَقُولُ: تُقْتَلُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَتُفْقَأُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، وَيُقْطَعُ الْأَنْفُ بِالْأَنْفِ، وَتُنْزَعُ السِّنُّ بِالسِّنِّ، وَتُقْتَصُّ الْجِرَاحُ بِالْجِرَاحِ فَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ أَحْرَارُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ إِذَا كَانَ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ؛ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَبِيدُ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِذَا كَانَ عَمْدًا فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ»
٨ ‏/ ٤٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِهِ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْمَجْرُوحُ وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ
٨ ‏/ ٤٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «يُهْدَمُ عَنْهُ، يَعْنِي الْمَجْرُوحَ، مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهِ» حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِنَحْوِهِ
٨ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَبِي الْعُرْيَانَ، قَالَ: رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ قَاعِدًا عَلَى السَّرِيرِ وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ آخَرُ كَأَنَّهُ مَوْلًى، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «يُهْدَمُ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ مِثْلُ مَا تَصَدَّقَ بِهِ»
٨ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ﴾ [المائدة: ٤٥] لَهُ قَالَ: «لِلْمَجْرُوحِ»
٨ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي عُقْبَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «لِلْمَجْرُوحِ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ رَجُلٍ، – قَالَ حَرَمِيُّ: نَسِيتُ اسْمَهُ – عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، بِمِثْلِهِ
٨ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ﴾ [المائدة: ٤٥] لَهُ قَالَ: «لِلْمَجْرُوحِ»
٨ ‏/ ٤٧٣
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي السَّفَرِ، قَالَ: دَفَعَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْدَقَّتْ ثَنِيَّتُهُ، فَرَفَعَهُ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَلَمَّا أَلَحَّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: شَأْنُكَ وَصَاحِبُكَ. قَالَ: وَأَبُو الدَّرْدَاءِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَيَهَبُهُ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً» . فَقَالَ لَهُ الْأَنْصَارِيُّ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَخَلَّى سَبِيلَ الْقُرَشِيِّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مُرُوا لَهُ بِمَالٍ “
٨ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ جُرِحَ فِي جَسَدِهِ جِرَاحَةً فَتَصَدَّقَ بِهَا، كُفِّرَ عَنْهُ ذُنُوبُهُ بِمِثْلِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ»
٨ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «كَفَّارَةٌ لِلْمَجْرُوحِ»
٨ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ زَكَرِيَّا، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا، يَقُولُ: «كَفَّارَةٌ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ»
٨ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] يَقُولُ: «لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الَّذِي عَفَا»
٨ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ أَبِي الْعُرْيَانِ، قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ، وَإِذَا بِرَجُلٍ مَعَ مُعَاوِيَةَ قَاعِدٌ عَلَى السَّرِيرِ كَأَنَّهُ مَوْلًى، قَالَ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ هَدَمَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلَهُ مِنْ ذُنُوبِهِ. فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ الْجَارِحَ، وَقَالُوا مَعْنَى الْآيَةِ: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ قَوَدٍ أَوْ قِصَاصٍ عَلَى مَنْ وَجَبَ ذَلِكَ لَهُ عَلَيْهِ، فَعَفَا عَنْهُ، فَعَفْوُهُ ذَلِكَ عَنِ الْجَانِي كَفَّارَةٌ لِذَنْبِ الْجَانِي الْمُجْرِمِ، كَمَا الْقِصَاصُ مِنْهُ كَفَّارَةٌ لَهُ؛ قَالُوا: فَأَمَّا أَجْرُ الْعَافِي الْمُتَصَدِّقُ فَعَلَى اللَّهِ
٨ ‏/ ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «كَفَّارَةٌ لِلْجَارِحِ، وَأَجْرُ الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّهِ»
٨ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنْ أَبِي ⦗٤٧٦⦘ إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، يَقُولُ لِأَبِي إِسْحَاقَ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لِلْمُتَصَدِّقِ؟ فَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِلْمُذْنِبِ الْجَارِحِ “
٨ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: قَالَ مُغِيرَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: «لِلْجَارِحِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَا: «الَّذِي تَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَأَجْرُ الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّهِ. قَالَ هَنَّادٌ فِي حَدِيثِهِ، قَالَا: كَفَّارَةٌ لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ» حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ
٨ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: كَفَّارَةٌ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ “
٨ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ، قَالَا: «كَفَّارَةٌ لِلْجَارِحِ، وَأَجْرُ الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّهِ»
٨ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، يَقُولُ: «إِنْ عَفَا عَنْهُ أَوِ اقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ قَبِلَ مِنْهُ الدِّيَةَ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ»
٨ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَفَّارَةٌ لِلْجَارِحِ وَأَجْرٌ لِلْعَافِي، لِقَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ٤٠]
٨ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «كَفَّارَةٌ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ»
٨ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا خَالِدٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «هِيَ كَفَّارَةٌ لِلْجَارِحِ»
٨ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] قَالَ: «فَالْكَفَّارَةُ لِلْجَارِحِ، وَأَجْرُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى اللَّهِ»
٨ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] يَقُولُ: «لِلْقَاتِلِ، وَأَجْرٌ لِلْعَافِي»
٨ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ ظَبْيَانَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: هُتِمَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ مُعَاوِيَةَ، فَأُعْطِيَ دِيَةً فَلَمْ يَقْبَلْ، ثُمَّ أُعْطِيَ دِيَتَيْنِ فَلَمْ يَقْبَلْ، ثُمَّ أُعْطِيَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَقْبَلْ. فحَدَّثَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ فَمَا دُونَهُ، كَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ يَوْمِ تَصَدَّقَ إِلَى يَوْمِ وُلِدَ» قَالَ: فَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ “
٨ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ﴾ [المائدة: ٤٥] لَهُ يَقُولُ: «مَنْ جُرِحَ فَتَصَدَّقَ بِالَّذِي جُرِحَ بِهِ عَلَى الْجَارِحِ، فَلَيْسَ عَلَى الْجَارِحِ سَبِيلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا جُرْحٌ عَلَيْهِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ الَّذِي ⦗٤٧٩⦘ جُرِحَ، فَكَانَ كَفَّارَةً لَهُ مِنْ ظُلْمِهِ الَّذِي ظَلَمَ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ: فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ الْمَجْرُوحُ، فَلَأَنْ تَكُونَ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَائِدَةً عَلَى مَنْ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ مَنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ إِلَّا بِالْمَعْنَى دُونَ التَّصْرِيحِ وَأَحْرَى، إِذِ الصَّدَقَةُ هِيَ الْمُكَفِّرَةُ ذَنْبَ صَاحِبِهَا دُونَ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الصَّدَقَاتِ غَيْرَ هَذِهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُ هَذِهِ سَبِيلَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْقِصَاصَ إِذْ كَانَ يُكَفِّرُ ذَنْبَ صَاحِبِهِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ الَّذِي أَتَاهُ فِي قَتْلِ مَنْ قَتَلَهُ ظُلْمًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ إِذَا أَخَذَ الْبَيْعَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ: «أَنْ لَا تَقْتُلُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَسْرِقُوا» ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّهُ، فَهُوَ كَفَّارَتُهُ» فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ عَفْوُ الْعَافِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَنْهُ، نَظِيرُهُ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ كَفَّارَةٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ عَنْ قَاذِفِهِ بِالزِّنَا وَتَرْكُهُ أَخْذَهُ بِالْوَاجِبِ لَهُ مِنَ الْحَدِّ، وَقَدْ قَذَفَهُ قَاذِفُهُ وَهُوَ عَفِيفٌ مُسْلِمٌ مِحْصَنٌ، كَفَّارَةً لِلْقَاذِفِ مِنْ ذَنْبِهِ الَّذِي رَكِبَهُ وَمَعْصِيَتِهِ الَّتِي أَتَاهَا، وَذَلِكَ مَا لَا نَعْلَمُ قَائِلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُهُ. فَإِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْمَقْذُوفِ الَّذِي وَصَفْنَا أَمْرَهُ أَخْذَ قَاذِفِهِ بِالْوَاجِبِ لَهُ مِنَ الْحَدِّ كَفَّارَةً لِلْقَاذِفِ مِنْ ذَنْبِهِ الَّذِي رَكِبَهُ، كَانَ كَذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْمَجْرُوحِ أَخْذَ الْجَارِحِ بِحَقِّهِ مِنَ الْقِصَاصِ كَفَّارَةً لِلْجَارِحِ ⦗٤٨٠⦘ مِنْ ذَنْبِهِ الَّذِي رَكِبَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ لَيْسَ لِلْمَجْرُوحِ عِنْدَكَ أَخْذُ جَارِحِهِ بِدِيَةِ جُرْحِهِ مَكَانَ الْقِصَاصِ؟ قِيلَ لَهُ: بَلَى. فَإِنْ قَالَ: أَفَرَأَيْتَ لَوِ اخْتَارَ الدِّيَةَ ثُمَّ عَفَا عَنْهَا، أَكَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ فِي الْآخِرَةِ تَبَعَةً؟ قِيلَ لَهُ: هَذَا كَلَامٌ عِنْدَنَا مُحَالٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عِنْدَنَا مُخْتَارَ الدِّيَةِ إِلَّا وَهُوَ لَهَا آخِذٌ. فَأَمَّا الْعَفْوُ فَإِنَّمَا هُوَ عَفْوٌ عَنِ الدَّمِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِذَلِكَ هِبَتُهَا لِمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْأَخْذِ، مَعَ أَنَّ عَفْوَهُ عَنِ الدِّيَةِ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ إِيَّاهَا لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْفُوُّ لَهُ عَنْهَا بَرِيئًا مِنْ عُقُوبَةِ ذَنْبِهِ عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَوْعَدَ قَاتِلَ الْمُؤْمِنِ بِمَا أَوْعَدَهُ بِهِ، إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبِهِ، وَالدِّيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ، أَحَبَّ أَمْ سَخِطَ، وَالتَّوْبَةُ مِنَ التَّائِبِ إِنَّمَا تَكُونُ تَوْبَةً إِذَا اخْتَارَهَا وَأَرَادَهَا وَآثَرَهَا عَلَى الْإِصْرَارِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَفَّارَةً كَمَا جَازَ الْقِصَاصُ كَفَّارَةً؛ فَإِنَّا إِنَّمَا جَعَلْنَا الْقِصَاصَ لَهُ كَفَّارَةً مَعَ نَدَمِهِ وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ لِأَخْذِ الْحَقِّ مِنْهَا تَنَصُّلًا مِنْ ذَنْبِهِ، بِخَبَرِ النَّبِيِّ ﷺ. فَأَمَّا الدِّيَةُ إِذَا اخْتَارَهَا الْمَجْرُوحُ ثُمَّ عَفَا عَنْهَا فَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِحَدِّ ذَنْبِهِ، فَيَكُونُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي حُكْمِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَوْلِهِ: «⦗٤٨١⦘ فَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ» ثُمَّ مِمَّا يُؤَكِّدُ صِحَّةَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، الْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ قَوْلِهِ: «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِدَمٍ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُونَ أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ الْجَارِحَ، أَرَادُوا الْمَعْنَى الَّذِي ذُكِرَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، الَّذِي:
٨ ‏/ ٤٧٨
حَدَّثَنِي بِهِ الْحَرْثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِذَا أَصَابَ رَجُلٌ رَجُلًا وَلَا يَعْلَمِ الْمُصَابُ مَنْ أَصَابَهُ فَاعْتَرَفَ لَهُ الْمُصِيبُ، قَالَ: وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ عِنْدَ هَذَا: أَصَابَ عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَيْنَ إِنْسَانٍ عِنْدَ الرُّكْنِ فِيمَا يَسْتَلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا أَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِكَ بَأْسٌ فَأَنَا بِهَا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ مِنَ الْجَارِحِ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ مِنْ عُرْوَةَ مِنْ خَطَأٍ فِعْلٌ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ ثُمَّ اعْتَرَفَ لِلَّذِي أَصَابَهُ بِمَا أَصَابَهُ فَعَفَا لَهُ الْمُصَابُ بِذَلِكَ عَنْ حَقِّهِ قَبْلَهُ، فَلَا تَبَعَةَ لَهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ الْمُصِيبِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ قَبْلَهُ مَالٌ لَا قِصَاصَ وَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، فَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ كَفَّارَةٌ لَهُ مِنْ حَقَّهُ الَّذِي كَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِهِ، فَلَا طَلِبَةَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ قِبَلَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَلَا عُقُوبَةَ تَلْزَمُهُ بِهَا بِمَا كَانَ مِنْهُ مَنْ أَصَابَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِصَابَتَهُ بِمَا أَصَابَهُ بِهِ فَيَكُونُ بِفِعْلِهِ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ وَضَعَ الْجُنَاحَ عَنْ عِبَادِهِ فِيمَا أَخْطَئُوا فِيهِ وَلَمْ ⦗٤٨٢⦘ يَتَعَمَّدُوهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥] وَقَدْ يُرَادُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالدَّمِ: الْعَفْوُ عَنْهُ “
٨ ‏/ ٤٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ قَوَدِ النَّفْسِ الْقَاتِلَةِ قِصَاصًا بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ ظُلْمًا. وَلَمْ يَفْقَأْ عَيْنَ الْفَاقِئِ بِعَيْنِ الْمَفْقُوءَةِ ظُلْمًا قِصَاصًا مِمَّنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، وَلَكِنْ أَقَادَ مِنْ بَعْضٍ وَلَمْ يُقِدْ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ قَتَلَ فِي بَعْضٍ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ، وَإِنَّ مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنَ الظَّالِمِينَ، يَعْنِي مِمَّنْ جَارَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَوَضَعَ فِعْلَهُ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مَوْضِعًا
٨ ‏/ ٤٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٤٦] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ﴾ [المائدة: ٤٦] أَتْبَعْنَا، يَقُولُ: أَتْبَعْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَى آثَارِ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَبَعَثْنَاهُ نَبِيًّا مُصَدِّقًا لِكِتَابِنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُوسَى مِنْ قَبْلِهِ أَنَّهُ حَقٌّ وَأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا لَمْ يَنْسَخْهُ الْإِنْجِيلُ مِنْهُ فَرْضٌ وَاجِبٌ ﴿وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ﴾ [المائدة: ٤٦] يَقُولُ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِ كِتَابَنَا الَّذِي اسْمُهُ الْإِنْجِيلُ ﴿فِيهِ هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة: ٤٦] يَقُولُ: “فِي الْإِنْجِيلِ هُدًى، وَهُوَ بَيَانُ مَا جَهِلَهُ النَّاسُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ فِي زَمَانِهِ ﴿وَنَورٌ﴾ [المائدة: ٤٤] يَقُولُ: وَضِيَاءٌ مِنْ عَمَى الْجَهَالَةِ ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا
٨ ‏/ ٤٨٢
بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٦] يَقُولُ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ بِتَصْدِيقِ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي كَانَ أَنْزَلَهَا عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ أُنْزِلَ إِلَى نَبِيِّهَا كِتَابٌ لِلْعَمَلِ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى نَبِيِّهِمْ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْلِيلِ مَا حُلِّلَ وَتَحْرِيمِ مَا حُرِّمَ ﴿وَهَدًى وَمَوْعِظَةً﴾ [آل عمران: ١٣٨] يَقُولُ: أَنْزَلْنَا الْإِنْجِيلَ إِلَى عِيسَى مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَبَيَانًا لِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ فِي زَمَانِ عِيسَى وَمَوْعِظَةً لَهُمْ، يَقُولُ: وَزَجْرًا لَهُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ إِلَى مَا يُحِبُّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَتَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَيْهِ. وَالْمُتَّقُونَ: هُمُ الَّذِينَ خَافُوا اللَّهَ وَحَذَرُوا عِقَابَهُ، فَاتَّقُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَحَذَرُوهُ بِتَرْكِ مَا نَهَاهُمْ عَنْ فِعْلِهِ، وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ قَبْلُ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ
٨ ‏/ ٤٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ﴾ [المائدة: ٤٧] فَقَرَأَ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَلْيَحْكُمْ﴾ [المائدة: ٤٧] بِتَسْكِينِ اللَّامِ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ أَحْكَامِهِ. وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَرَادَ: وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلِ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَأَمَرْنَا أَهْلَهُ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ. فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تُرِكَ اسْتِغْنَاءً بِمَا ذُكِرَ عَمَّا حُذِفَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ» بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ لِيَحْكُمَ، بِمَعْنَى: كَيْ يَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ. وَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ:
٨ ‏/ ٤٨٣
وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَكَيْ يَحْكُمَ أَهْلُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ. وَالَّذِي يَتَرَاءَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ قَارِئٌ فَمُصِيبٌ فِيهِ الصَّوَابَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ كِتَابًا عَلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ إِلَّا لَيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ أَهْلُهُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ، وَلَمْ يُنَزِّلْهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ، فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَهْلَهُ. فَكَذَلِكَ الْإِنْجِيلُ، إِذْ كَانَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ، فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ عَلَى عِيسَى، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ بِهِ أَهْلَهُ. فَسَوَاءٌ قُرِئَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِتَسْكِينِ اللَّامِ أَوْ قُرِئَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِكَسْرِهَا لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ: «وَأَنِ احْكُمْ» عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، فَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ بِهِ النَّقْلُ عَنْهُ، وَلَوْ صَحَّ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ بِخِلَافِهِ مَحْظُورَةً، إِذْ كَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا، وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءَ قَدْ قَرَءُوا بِهَا. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مَا بَيَّنَّا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ لِيَحْكُمْ: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْإِنْجِيلَ، فِيهِ هُدًى وَنُورٌ، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَهَدَى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ، وَكَيْ يَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلْنَا فِيهِ؛ فَبَدَّلُوا حُكْمَهُ وَخَالَفُوهُ، فَضَلُّوا بِخِلَافِهِمْ إِيَّاهُ، إِذْ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَخَالَفُوهُ. ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢] يَعْنِي: “الْخَارِجِينَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ، الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ فِي كِتَابِهِ.
٨ ‏/ ٤٨٤
فَأَمَّا إِذَا قُرِئَ بِتَسْكِينِ اللَّامِ، فَتَأْوِيلُهُ: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْإِنْجِيلَ، فِيهِ هُدًى وَنُورٌ، وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَأَمَرْنَا أَهْلَهُ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلْنَا فِيهِ، فَلَمْ يُطِيعُونَا فِي أَمْرِنَا إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُمْ خَالَفُوا أَمْرَنَا، فَالَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَنَا الَّذِي أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ: الْفَاسِقُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي غَيْرِهِ: هُمُ الْكَاذِبُونَ
٨ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قَالَ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَيْضًا بِذَلِكَ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ؛ قَالَ: الْكَاذِبُونَ بِهَذَا. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا قَلِيلًا فَاسِقٌ فَهُوَ كَاذِبٌ؛ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾ [الحجرات: ٦] قَالَ:»الْفَاسِقُ هَهُنَا: كَاذِبٌ ” وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفِسْقَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٨ ‏/ ٤٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبَقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: ٤٨] وَهَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ
٨ ‏/ ٤٨٥
: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [المائدة: ٤٨] يَا مُحَمَّدُ ﴿الْكِتَابَ﴾ [البقرة: ٢] وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿بِالْحَقِّ﴾ [البقرة: ٧١] بِالصِّدْقِ، وَلَا كَذِبَ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ: «أَنْزَلْنَاهُ بِتَصْدِيقِ مَا قَبْلَهُ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَى أَنْبِيَائِهِ ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ:»أَنْزَلْنَا الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مُصَدِّقًا لِلْكُتُبِ قَبْلَهُ، وشَهِيدًا عَلَيْهَا أَنَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَمِينًا عَلَيْهَا، حَافِظًا لَهَا. وَأَصْلُ الْهَيْمَنَةِ: الْحِفْظُ وَالارْتِقَابُ، يُقَالَ إِذَا رَقَبَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ وَحَفِظَهُ وَشَهِدَهُ: قَدْ هَيْمَنَ فُلَانٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ يُهَيْمِنُ هَيْمَنَةً، وَهُوَ عَلَيْهِ مُهَيْمِنٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: شَهِيدًا
٨ ‏/ ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ: «شَهِيدًا»
٨ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «شَهِيدًا عَلَيْهِ»
٨ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ: «الْكُتُبَ ⦗٤٨٧⦘ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُ ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] أَمِينًا وَشَاهِدًا عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُ»
٨ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] مُؤْتَمَنًا عَلَى الْقُرْآنِ وَشَاهِدًا وَمُصَدِّقًا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَآخَرُونَ: الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى الْكُتُبِ فِيمَا إِذْ أَخْبَرَنَا أَهْلُ الْكِتَابِ فِي كِتَابِهِمْ بِأَمْرٍ إِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ فَصَدِّقُوا، وَإِلَّا فَكَذِّبُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَمِينٌ عَلَيْهِ
٨ ‏/ ٤٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ»
٨ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ ⦗٤٨٨⦘ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَمِيمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٨ ‏/ ٤٨٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «وَالْمُهَيْمِنُ: الْأَمِينُ، قَالَ: الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ»
٨ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ٤٨] وَهُوَ الْقُرْآنُ، شَاهِدٌ عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، مُصَدِّقًا لَهُمَا ﴿مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] يَعْنِي: «أَمِينًا عَلَيْهِ، يَحْكُمُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ»
٨ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ»
٨ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فِي الْأَرْضِ قَالَ: «تَمْنَحُها أَخَاكَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا»
٨ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «مُؤْتَمَنًا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ»
٨ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «مُصَدِّقًا لِهَذِهِ الْكُتُبِ وَأَمِينًا عَلَيْهَا. وَسُئِلَ عَنْهَا عِكْرِمَةُ وَأَنَا أَسْمَعُ، فَقَالَ: مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الْمُهَيْمِنِ الْمُصَدِّقُ
٨ ‏/ ٤٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «مُصَدِّقًا عَلَيْهِ. كُلُّ شَيْءٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْ تَوْرَاةٍ أَوْ إِنْجِيلٍ أَوْ زَبُورٍ فَالْقُرْآنُ مُصَدِّقٌ عَلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مُصَدِّقٌ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا حَدَّثَ عَنْهَا أَنَّهُ حَقٌّ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ
٨ ‏/ ٤٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] مُحَمَّدٌ ﷺ، مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْقُرْآنِ “
٨ ‏/ ٤٩٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: “مُحَمَّدٌ ﷺ، مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْقُرْآنِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مُجَاهِدٌ: وَأَنْزَلْنَا الْكِتَابَ مُصَدِّقًا الْكُتُبَ قَبْلَهُ إِلَيْكَ، مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ. فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُصَدِّقًا حَالًا مِنَ الْكِتَابِ وَبَعْضًا مِنْهُ، وَيَكُونُ التَّصْدِيقُ مِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ، وَالْمُهَيْمِنُ حَالًا مِنَ الْكَافِ الَّتِي فِي إِلَيْكَ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] عَائِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ. ⦗٤٩١⦘ وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلْ هُوَ خَطَأٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُهَيْمِنَ عَطْفٌ عَلَى الْمُصَدِّقِ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ صِفَةِ مَا كَانَ الْمُصَدِّقُ صِفَةً لَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ لَقِيلَ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ مِنْ صِفَةِ الْكَافِ الَّتِي فِي إِلَيْكَ، وَلَيْسَ بَعْدَهَا شَيْءٌ يَكُونُ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ عَطْفًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عُطِفَ بِهِ عَلَى الْمُصَدِّقِ، لِأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ الَّذِي مِنْ صِفَتِهِ الْمُصَدِّقُ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْمُصَدِّقَ عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَتَأْوِيلُهُ هَذَا مِنْ صِفَةِ الْكَافِ الَّتِي فِي إِلَيْكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ٤٨] يُبْطِلُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُصَدِّقُ مِنْ صِفَةِ الْكَافِ الَّتِي فِي إِلَيْكَ، لِأَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] كِنَايَةُ اسْمٍ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ، وَهُوَ النَّبِيُّ ﷺ فِي قَوْلِهِ إِلَيْكَ، وَلَوْ كَانَ الْمُصَدِّقُ مِنْ صِفَةِ الْكَافِ لَكَانَ الْكَلَامُ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ كَذَلِكَ
٨ ‏/ ٤٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٤٨] وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْمُحْتَكِمِينَ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، بِكِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي خَصَّهُ
٨ ‏/ ٤٩١
بِشَرِيعَتِهِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: احْكُمْ يَا مُحَمَّدُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِي وَأَحْكَامِي، فِي كُلِّ مَا احْتَكَمُوا فِيهِ إِلَيْكَ مِنَ الْحُدُودِ وَالْجُرُوحِ وَالْقَوَدِ وَالنُّفُوسِ، فَارُجُمِ الزَّانِي الْمُحْصَنَ، وَاقْتُلِ النَّفْسَ الْقَاتِلَةَ بِالنَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ ظُلْمًا، وَافْقَأِ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَاجْدَعِ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، فَإِنِّي أَنْزَلْتُ إِلَيْكَ الْقُرْآنَ مُصَدِّقًا فِي ذَلِكَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ، وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، رَقِيبًا يَقْضِي عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ قَبْلَهُ. وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنْ أُوتِيتُمُ الْجَلْدَ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ دُونَ الرَّجْمِ، وَقَتْلَ الْوَضِيعِ بِالشَّرِيفِ إِذَا قَتَلَهُ، وَتَرْكَ قَتْلِ الشَّرِيفِ بِالْوَضِيعِ إِذَا قَتَلَهُ، فَخُذُوهُ، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا، عَنِ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْحَقِّ، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْكَ. يَقُولُ لَهُ: اعْمَلْ بِكِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ إِذَا احْتَكَمُوا إِلَيْكَ، فَاخْتَرِ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ، وَلَا تَتْرُكَنَّ الْعَمَلَ بِذَلِكَ اتِّبَاعًا مِنْكَ أَهْوَاءَهُمْ وَإِيثَارًا لَهَا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ فِي كِتَابِي. كَمَا:
٨ ‏/ ٤٩٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ: «بِحُدُودِ اللَّهِ ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٤٨]»
٨ ‏/ ٤٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّفُ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ بِاللَّهِ؛ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩] وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١]
٨ ‏/ ٤٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِكُلِّ قَوْمٍ مِنْكُمْ جَعَلْنَا شِرْعَةً. وَالشِّرْعَةُ: هِيَ الشَّرِيعَةُ بِعَيْنِهَا، تُجْمَعُ الشِّرْعَةُ شِرَاعًا، وَالشَّرِيعَةُ شَرَائِعَ، وَلَوْ جُمِعَتِ الشِّرْعَةُ شَرَائِعَ كَانَ صَوَابًا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الشَّرِيعَةِ وَاحِدٌ، فَيَرُدُّهَا عِنْدَ الْجَمْعِ إِلَى لَفْظِ نَظِيرِهَا. وَكُلُّ مَا شَرَعْتَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ شَرِيعَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِشَرِيعَةِ الْمَاءِ: شَرِيعَةٌ، لِأَنَّهُ يُشْرَعُ مِنْهَا إِلَى الْمَاءِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ شَرَائِعَ، لِشُرُوعِ أَهْلِهِ فِيهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقَوْمِ إِذَا تَسَاوَوْا فِي الشَّيْءِ: هُمْ شُرُعٌ سَوَاءٌ. وَأَمَّا الْمِنْهَاجُ، فَإِنَّ أَصْلَهُ: الطَّرِيقُ الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ، يُقَالَ مِنْهُ: هُوَ طَرِيقٌ نَهْجٌ وَمَنْهَجٌ بَيِّنٌ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] مَنْ يَكُ فِي شَكٍّ فَهَذَا فَلْجُ … مَاءٌ رُوَاءٌ وَطَرِيقٌ نَهْجُ
ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ بَيِّنًا وَاضِحًا يُعْمَلُ بِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٤٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ أَهْلَ الْمِلَلِ الْمُخْتَلِفَةِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِكُلِّ مِلَّةٍ شَرِيعَةً وَمِنْهَاجًا
٨ ‏/ ٤٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لِكُلٍّ ⦗٤٩٤⦘ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ سَبِيلًا وَسُنَّةً. وَالسُّنَنُ مُخْتَلِفَةٌ: لِلتَّوْرَاةِ شَرِيعَةٌ، وِلِلْإِنْجِيلِ شَرِيعَةٌ، وَلِلْقُرْآنِ شَرِيعَةٌ، يُحِلُّ اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ بَلَاءً، لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ، وَلَكِنَّ الدِّينَ الْوَاحِدَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ “
٨ ‏/ ٤٩٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «الدِّينُ وَاحِدٌ، وَالشَّرِيعَةُ مُخْتَلِفَةٌ»
٨ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الْإِيمَانُ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ آدَمَ ﷺ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لِكُلِّ قَوْمٍ مَا جَاءَهُمْ مِنْ شِرْعَةٍ أَوْ مِنْهَاجٍ، فَلَا يَكُونُ الْمُقِرُّ تَارِكًا وَلَكِنَّهُ مُطِيعٌ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَقَالُوا: إِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: قَدْ جَعَلْنَا الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ أَيُّهَا النَّاسُ لِكُلِّكُمْ: أَيْ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ لِي نَبِيُّ، شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا.
٨ ‏/ ٤٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: “سُنَّةً ﴿وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] السَّبِيلُ ⦗٤٩٥⦘ لِكُلِّكُمْ، مَنْ دَخَلَ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، يَقُولُ: الْقُرْآنُ هُوَ لَهُ شِرْعَةٌ وَمِنْهَاجٌ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: لِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْأُمَمُ جَعَلْنَا شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المائدة: ٤٨] وَلَوْ كَانَ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٤٨] أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [المائدة: ٤٨] وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً مَعْنًى مَفْهُومٌ، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْخِطَابُ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا كَتَبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَفَّى بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَى آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلَ، وَأَمَرَ مَنْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ. ثُمَّ ذَكَرَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَأَمَرَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ وَالْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِ فِيهِ دُونَ مَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ غَيْرِهِ وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ شَرِيعَةً غَيْرَ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَمَمِ قَبْلَهُ الَّذِينَ قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصَهُمْ، وَإِنْ كَانَ دِينُهُ وَدِينُهُمْ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَاحِدًا، فَهُمْ مُخْتَلِفُو الْأَحْوَالِ فِيمَا شَرَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلِأُمَّتِهِ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ مِنَ التَّأْوِيلَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ ‏/ ٤٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «سُنَّةً وسَبِيلًا»
٨ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «سُنَّةً وسَبِيلًا» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْرَائِيلَ وَأَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٨ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «سُنَّةً وسَبِيلًا»
٨ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «سُنَّةً وسَبِيلًا» حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ». ⦗٤٩٧⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٨ ‏/ ٤٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] يَعْنِي: «سَبِيلًا وَسُنَّةً»
٨ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «الشِّرْعَةُ: السُّنَّةُ»
٨ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «سُنَّةً وسَبِيلًا»
٨ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «الشِّرْعَةُ: السُّنَّةُ، وَمِنْهَاجًا، قَالَ: السَّبِيلُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ
٨ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ: «سَبِيلًا وَسُنَّةً» ⦗٤٩٨⦘ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَوْضِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ
٨ ‏/ ٤٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ: «سَبِيلًا وَسُنَّةً»
٨ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «السُّنَّةُ وَالسَّبِيلُ»
٨ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ: «سَبِيلًا وَسُنَّةً»
٨ ‏/ ٤٩٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «سَبِيلًا وَسُنَّةً»
٨ ‏/ ٤٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكُمْ لَجَعَلَ شَرَائِعَكُمْ وَاحِدَةً، وَلَمْ يَجْعَلْ لِكُلِّ أُمَّةٍ شَرِيعَةً وَمِنْهَاجًا غَيْرَ شَرَائِعِ الْأُمَمِ الْآخَرِ وَمِنْهَاجِهِمْ، فَكُنْتُمْ تَكُونُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً، لَا تَخْتَلِفُ شَرَائِعُكُمْ وَمِنْهَاجُكُمْ. ولَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَخَالَفَ بَيْنَ ⦗٤٩٩⦘ شَرَائِعُكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ فَيَعْرِفَ الْمُطِيعَ مِنْكُمْ مِنَ الْعَاصِي وَالْعَامِلَ بِمَا أَمَرَهُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ مِنَ الْمُخَالِفِ. وَالِابْتِلَاءُ: هُوَ الاخْتِيَارُ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَقَوْلُهُ ﴿فِيمَا آتَاكُمْ﴾ يَعْنِي: “فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكُتُبِ. كَمَا:
٨ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ﴾ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ مِنَ الْكُتُبِ ” فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ: لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ، وَمَنِ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْتَ أَنَّ الْمَعْنَىَ: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا لِكُلِّ نَبِيٍّ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ وَأُمَمِهِمُ الَّذِينَ قَبْلَ نَبِيِّنَا ﷺ، وَالْمُخَاطَبُ النَّبِيُّ وَحْدَهُ؟ قِيلَ: إِنَّ الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ لِنَبِيِّنَا ﷺ، فَإِنَّهُ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَأُمَمِهِمْ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ مِنْ شَأْنِهَا إِذَا خَاطَبَتْ إِنْسَانًا وَضَمَّتْ إِلَيْهِ غَائِبًا فَأَرَادَتِ الْخَبَرَ عَنْهُ أَنْ تُغَلِّبَ الْمُخَاطَبَ فَيَخْرُجُ الْخَبَرُ عَنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨]
٨ ‏/ ٤٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ
٨ ‏/ ٤٩٩
بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [المائدة: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَبَادِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ، إِلَى الصَّالِحَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْقُرَبِ إِلَى رَبِّكُمْ بِإِدْمَانِ الْعَمَلِ بِمَا فِي كِتَابِكُمُ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيِّكُمْ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَهُ امْتِحَانًا لَكُمْ وَابْتِلَاءً، لِيَتَبَيَّنَ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ مِنَ الْمُسِيءِ، فَيُجَازِي جَمِيعَكُمْ عَلَى عَمَلِهِ جَزَاءَهُ عِنْدَ مَصِيرِكُمْ إِلَيْهِ، فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَيُخْبِرُ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْكُمْ بِمَا كَانَ يُخَالِفُ فِيهِ الْفِرَقَ الْأُخْرَى، فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَيُبَيِّنُ الْمُحِقَّ بِمُجَازَاتِهِ إِيَّاهُ بِجَنَاتِهِ مِنَ الْمُسِيءِ بِعِقَابِهِ إِيَّاهُ بِالنَّارِ، فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ كُلُّ حِزْبٍ عِيَانًا، الْمُحِقُّ مِنْهُمْ مِنَ الْمُبْطِلِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ لَمْ يُنْبِئْنَا رَبُّنَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ مَرْجِعِنَا إِلَيْهِ مَا نَحْنُ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ؟ قِيلَ: إِنَّهُ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِالرُّسُلِ وَالْأَدِلَّةِ وَالْحُجَجِ، دُونَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عِيَانًا، فَمُصَدِّقٌ بِذَلِكَ وَمُكَذِّبٌ. وَأَمَّا عِنْدَ الْمَرْجِعِ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُنَبِّئُهُمْ بِذَلِكَ بِالْمُجَازَاةِ الَّتِي لَا يَشْكُونَ مَعَهَا فِي مَعْرِفَةِ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ، وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِدْخَالِ اللَّبْسَ مَعَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَكَذَلِكَ خَبَرُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ يُنْبِئُنَا عِنْدَ الْمَرْجِعُ إِلَيْهِ بِمَا كُنَّا فِيهِ نَخْتَلِفُ فِي الدُّنْيَا. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا، فَتَعْرِفُونَ الْمُحِقَّ حِينَئِذٍ مِنَ الْمُبْطِلِ مِنْكُمْ. كَمَا:
٨ ‏/ ٥٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٤٨] قَالَ: «أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …