ذِكْرُ بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَا ذَكَرْنَا: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَمُرُّ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ مِنَ الْمَطْهَرَةِ، فَيَقُولُ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ. اسْبِغُوا الْوُضُوءَ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠١
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَمُرُّ بِأُنَاسٍ يَتَوَضَّئُونَ مُسْرِعَيْنِ الطُّهُورَ، فَيَقُولُ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ. فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْعَقِبِ مِنَ النَّارِ» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شُعْبَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، بِنَحْوِهِ
٨ / ٢٠١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، ⦗٢٠٢⦘ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: ثني سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: ثني سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٨ / ٢٠٢
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَا: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ فِي حَدِيثِهِ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٢
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ سَالِمٍ الدَّوْسِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: ثني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثني أَبُو سَالِمٍ مَوْلَى الْمَهْدِيِّ، هَكَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فِي جَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: فَمَرَرْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى حُجْرَةِ ⦗٢٠٣⦘ عَائِشَةَ أُخْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَدَعَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِوَضُوءٍ فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تُنَادِيهِ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى دَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ لِأَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَا: ثنا يَحْيَى الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَتْ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: رَأَتْ عَائِشَةُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَتْ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو رَوَاحَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ وَعِنْدَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَتَوَضَّأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَامَ فَأَدْبَرَ، فَنَادَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ. فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ثني أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كَرِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٤
حَدَّثَنَا خَلَادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: ثنا النَّضْرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي كَرِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْعَقِبِ أَوِ الْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٤
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَحْمُودٍ الْحَجِيرِيُّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كَرِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كَرِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعَ أُذُنِيَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَارِبٍ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي كَرِبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعَ أُذُنِيَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ»
٨ / ٢٠٥
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ مِنْ عَقِبِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ لَمْ يُصِبْ أَعْقَابَهُمُ الْمَاءُ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْغَنَوِيُّ، يَزِيدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثني أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُعَيْقِيبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ، فَرَأَى أَعْقَابَهُمْ تَلُوحُ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءِ»
٨ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ لَمْ يُتِمُّوا الْوُضُوءَ، فَقَالَ: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ أَوِ الْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، ⦗٢٠٧⦘ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ، فَلَمْ يُتِمُّوا الْوُضُوءَ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ»
٨ / ٢٠٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ»
٨ / ٢٠٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَسَبَقَنَا نَاسٌ فَتَوَضَّئُوا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرَأَى أَقْدَامَهُمْ بِيضًا مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ»
٨ / ٢٠٧
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» قَالَ: فَمَا بَقِيَ فِي الْمَسْجِدِ شَرِيفٌ وَلَا وَضِيعٌ ⦗٢٠٨⦘ إِلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ يُقَلِّبُ عُرْقُوبَيْهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا “
٨ / ٢٠٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَو أَخِي أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَبْصَرَ أَقْوَامًا يَتَوَضَّئُونَ، وَفِي عَقِبِ أَحَدِهِمْ أَوْ كَعْبِ أَحَدِهِمْ مِثْلُ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ أَوْ مَوْضِعِ الظُّفُرِ، لَمْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ، فَقَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى فِي عَقِبِهِ شَيْئًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ أَعَادَ وُضُوءَهُ “
٨ / ٢٠٨
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِيمَا: حَدَّثَكُمْ بِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى»
٨ / ٢٠٨
وَمَا حَدَّثَكَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَجَّاحِ بْنِ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ عَلَيْهَا قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ»
٨ / ٢٠٨
وَمَا حَدَّثَكَ بِهِ الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى ⦗٢٠٩⦘ سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ بِبَعْضِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ مُجْزِئٌ؟ قِيلَ لَهُ: أَمَّا حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةُ فِيهِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ ذُكِرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ بَعْدَ حَدَثٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِصَلَاتِهِ، فَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، أَوْ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَسْحُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْسٌ كَانَ فِي وُضُوءٍ تَوَضَّأَهُ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ كَانَ مِنْهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ تَجْدِيدُ وُضُوئِهِ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ لِغَيْرِ حَدَثٍ، كَذَلِكَ يَفْعَلُ. يدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا:
٨ / ٢٠٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شَرِبَ فِي الرَّحَبَةِ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ، هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَنَعَ ” فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَوْسٍ. فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّ حَدِيثَ أَوْسٍ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا مِنَ الْمَعْنَى مَا قُلْتَ، فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ أَيْضًا مَا قَالَهُ مَنْ قَالَ: أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ الْمَسْحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ أَوِ الْقَدَمَيْنِ فِي وُضُوءٍ تَوَضَّأَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ حَدَثٍ؟ قِيلَ: أَحْسَنُ حَالَاتِ الْخَبَرِ، مَا احْتَمَلَ مَا قُلْتَ، إِنْ سَلِمَ لَهُ مَا ادَّعَى مِنِ احْتِمَالِهِ ⦗٢١٠⦘ مَا ذَكَرَ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْقَدَمِ أَوِ النَّعْلِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مُحْتَمِلِهِ عِنْدَنَا، إِذْ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ فَرَائِضُ اللَّهِ وسُنَنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُتَنَافِيَةً مُتَعَارِضَةً، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ﷺ الْأَمْرُ بِعُمُومِ غُسْلِ الْقَدَمَيْنِ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ الْقَاطِعِ عُذْرَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ وَبَلَغَهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْهُ صَحِيحًا، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عَنْهُ إِبَاحَةُ تَرْكِ غُسْلِ بَعْضِ مَا قَدْ أَوْجَبَ فَرْضًا غُسْلَهُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِيجَابُ فَرْضٍ وَإِبْطَالُهُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ عَنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ ﷺ مُنْتَفٍ. غَيْرَ أَنَّا إِذَا سَلَّمْنَا لِمَنِ ادَّعَى فِي حَدِيثِ أَوْسٍ مَا ادَّعَى مِنِ احْتِمَالِهِ مَسْحَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى قَدَمِهِ فِي حَالِ وُضُوءٍ مَنْ حَدَثٍ، فَفِيهِ نَبَأٌ بِالْفَلْجِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ. قلْنَا: فَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا مَا ادَّعَيْتَ، أَفَمُحْتَمِلٌ هُوَ مَا قُلْنَاهُ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَالِ وُضُوئِهِ لَا مَنْ حَدَثٍ. فَإِنْ قَالَ: لَا، ثَبَتَتْ مُكَابَرَتُهُ لِأَنَّهُ لَا بَيَانَ فِي خَبَرِ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَعَلَ ذَلِكَ فِي وُضُوءٍ مَنْ حَدَثٍ، وَإِنْ قَالَ: بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ مَا قُلْتَ وَمُحْتَمِلٌ مَا قُلْنَا؛ قِيلَ لَهُ: فَمَا الْبُرْهَانُ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَكَ الَّذِي ادَّعَيْتَ فِيهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ تَأْوِيلِنَا؟ فَلَنْ يَدَّعِي بُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا عُورِضَ بِمِثْلِهِ فِي خِلَافِ دَعْوَاهُ.
٨ / ٢٠٩
وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّ الثِّقَاتَ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ، حَدَّثُوا بِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ “
٨ / ٢١٠
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ ح، وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ ⦗٢١١⦘ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ، قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ ح، وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْمَشِ. وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْمَشِ، غَيْرُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَلَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ لَوَجَبَ التَّثَبُّتُ فِيهِ لِشُذُوذِهِ، فَكَيْفَ وَالثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ يُخَالِفُونَهُ فِي رِوَايَتِهِ مَا رَوَى مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَهُمَا مَلْبُوسَتَانِ فَوْقَ الْجَوْرَبَيْنِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ صَرْفُ الْخَبَرِ إِلَى أَحَدِ الْمَعَانِي الْمُحْتَمِلُهَا الْخَبَرُ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا
٨ / ٢١٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْكَعْبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا:
٨ / ٢١١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَيْنَ الْكَعْبَانِ؟ فَقَالَ: الْقَوْمُ هَهُنَا، فَقَالَ: «هَذَا رَأْسُ السَّاقِ، وَلَكِنَّ ⦗٢١٢⦘ الْكَعْبَيْنِ هُمَا عِنْدَ الْمَفْصِلِ»
٨ / ٢١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْكَعْبُ الَّذِي يَجِبُ الْوُضُوءُ إِلَيْهِ، هُوَ الْكَعْبُ الْمُلْتَصِقُ بِالسَّاقِ الْمُحَاذِي الْعَقِبِ، وَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ فِي ظَاهِرِ الْقَدَمِ ” وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا:
٨ / ٢١٢
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي الْوُضُوءِ هُمَا النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَعُ فِصَلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ فِي مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ تُسَمِّيهُمَا الْعَرَبُ الْمِنْجَمَيْنِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: هُمَا عَظْمَا السَّاقِ فِي طَرَفِهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِمَا فِي الْوُضُوءِ وَفِي الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ بِالْغُسْلِ إِلَيْهِ مِنَ الرِّجْلَيْنِ نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِي الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ بِالْغُسْلِ إِلَيْهِ مِنَ الْيَدَيْنِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ بِعِلَلِهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
٨ / ٢١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا﴾ [المائدة: ٦] وَإِنْ كُنْتُمْ أَصَابَتْكُمْ جَنَابَةٌ قَبْلَ أَنْ تَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ فَقُمْتُمْ إِلَيْهَا فَاطَّهَّرُوا، يَقُولُ: فَتَطَهَّرُوا بِالِاغْتِسَالِ مِنْهَا قَبْلَ دُخُولِكُمْ فِي صَلَاتِكُمُ الَّتِي قُمْتُمْ إِلَيْهَا. ⦗٢١٣⦘ ووَحَّدَ الْجُنُبَ وَهُوَ خَبَرٌ عَنِ الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ اسْمٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْفِعْلِ، كَمَا قِيلَ: رَجَلٌ عَدْلٌ وَقَوْمٌ عَدْلٌ، وَرَجُلٌ زُورٌ وَقَوْمٌ زُورٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَفْظُ الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ وَالِاثْنَيْنِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيهِ وَاحِدٌ، يُقَالَ مِنْهُ: أَجْنَبَ الرَّجُلُ وَجَنَّبَ وَاجْتَنَبَ وَالْفِعْلُ الْجَنَابَةُ وَالْإِجْنَابُ، وَقَدْ سَمِعَ فِي جَمْعِهِ أَجْنَابٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمُسْتَفِيضِ الْفَاشِي فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلِ الْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِهِمْ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ
٨ / ٢١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ جَرْحَى أَوْ مُجَدَّرِينَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [البقرة: ١٨٤] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَإِنْ كُنْتُمْ مُسَافِرِينَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ. ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [النساء: ٤٣] يَقُولُ: «أَوْ جَاءَ أَحَدُكُمْ مِنَ الْغَائِطِ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِيهِ وَهُوَ مُسَافِرٌ؛ وَإِنَّمَا عَنَى بِذِكْرِ مَجِيئِهِ مِنْهُ قَضَاءَ حَاجَتِهِ فِيهِ ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣] يَقُولُ:»أَوْ جَامَعْتُمُ النِّسَاءَ وَأَنْتُمْ مُسَافِرُونَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي اللَّمْسِ وَبَيَّنَّا أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
٨ / ٢١٣
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ تَكْرِيرِ قَوْلِهِ: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣] إِنْ كَانَ مَعْنَى اللَّمْسِ الْجِمَاعُ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦]؟ قِيلَ: وَجْهُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَىَ الَّذِي ذَكَرَهُ تَعَالَى مِنْ فَرْضِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي أَلْزَمَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣] وَذَلِكَ أَنَّهُ بَيَّنَ حُكْمَهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] إِذَا كَانَ لَهُ السَّبِيلُ إِلَى الْمَاءِ الَّذِي يُطَهِّرُهُ فَرَضَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ بِهِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَهُ إِذَا أَعْوَزَهُ الْمَاءُ فَلَمْ يَجِدْ إِلَيْهِ السَّبِيلَ وَهُوَ مُسَافِرٌ غَيْرُ مَرِيضٍ مُقِيمٌ، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِالصَّعِيدِ لَهُ حِينَئِذٍ الطُّهُورُ
٨ / ٢١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣] فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنْتُمْ مَرْضَى مُقِيمُونَ، أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَصِحَّاءَ، أَوْ قَدْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، أَوْ جَامَعَ أَهْلَهُ فِي سَفَرِهِ مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا، يَقُولُ: فَتَعَمَّدُوا وَاقْصُدُوا وَجْهَ الْأَرْضِ طَيِّبًا، يَعْنِي طَاهِرًا نَظِيفًا غَيْرَ قَذِرٍ وَلَا نَجِسٍ، جَائِزًا لَكُمْ حَلَالًا ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٦] يَقُولُ: “فَاضْرِبُوا بِأَيْدِيكُمُ الصَّعِيدَ الَّذِي تَيَمَّمْتُمُوهُ وَتَعَمَّدْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِمَّا عَلَقَ بِأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، يَعْنِي: مِنَ الصَّعِيدِ
٨ / ٢١٤
الَّذِي ضَرَبْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ مِنْ تُرَابِهِ وَغُبَارِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى كَيْفِيَّةَ الْمَسْحِ بِالْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي مِنْهُ وَاخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ وَالْقَوْلَ فِي مَعْنَى الصَّعِيدِ وَالتَّيَمُّمِ، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ كُلِّ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٨ / ٢١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦] مَا يُرِيدُ اللَّهُ بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى صَلَاتِكُمْ، وَالْغُسْلِ مِنْ جَنَابَتِكُمْ وَالتَّيَمُّمِ صَعِيدًا طَيِّبًا عِنْدَ عَدَمِكُمُ الْمَاءَ ﴿لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦] لِيُلْزِمَكُمْ فِي دِينِكُمْ مِنْ ضِيقٍ، وَلَا لِيُعْنِتَكُمْ فِيهِ. وَبِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْحَرَجِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٢١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَعَنْ أَبِي مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦] قَالَا: «مِنْ ضِيقٍ»
٨ / ٢١٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦] «مِنْ ضِيقٍ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٢١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وِلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] وَلَكِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يُطَهِّرَكُمْ بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْوُضُوءِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، فَتَنَظَّفُوا وَتَطَهَّرُوا بِذَلِكَ أَجْسَامَكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ. كَمَا:
٨ / ٢١٦
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْوُضُوءَ يُكَفِّرُ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ تَصِيرُ الصَّلَاةُ نَافِلَةً» . قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَا مَرَّةً، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا ثَلَاثَ، وَلَا أَرْبَعَ، وَلَا خَمْسَ ” حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، نَحْوَهُ
٨ / ٢١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَيَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالُوا: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ يَزْرَانِبَهُ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدَيْهِ ⦗٢١٧⦘ وَرِجْلَيْهِ»
٨ / ٢١٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ إِلَّا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ، وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ أَوْ ذِرَاعَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ، وَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رِجْلَيْهِ»
٨ / ٢١٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا حَاتِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا غَسَلَ الْمُؤْمِنُ كَفَّيْهِ انْتَثَرَتِ الْخَطَايَا مِنْ كَفَّيْهِ، وَإِذَا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فِيهِ وَمِنْخَرَيْهِ، وَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَظْفَارِ قَدَمَيْهِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى ذَلِكَ مِنْ وُضُوئِهِ كَانَ ذَلِكَ حَظَّهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَامَ فَصَلَّى ⦗٢١٨⦘ رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلًا فِيهِمَا بِوَجْهِهِ وَقَلْبِهِ عَلَى رَبِّهِ كَانَ مِنْ خَطَايَاهُ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»
٨ / ٢١٧
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ، أَوْ نَحْوِ هَذَا. وَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْ بِهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ»
٨ / ٢١٨
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ حُمْرَانَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ كَوُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا كَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَكَانَتْ خُطَاهُ إِلَى الْمَسَاجِدِ نَافِلَةً» وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٦] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَيُرِيدُ رَبُّكُمْ مَعَ تَطْهِيرِكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ بِالْمَاءِ إِنْ وَجَدْتُمُوهُ، وَتَيَمُّمِكُمْ إِذَا لَمْ تَجِدُوهُ، أَنْ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ بِإِبَاحَتِهِ لَكُمُ التَّيَمُّمَ، وَتَصْيِيرِهِ لَكُمُ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورًا، رُخْصَةً مِنْهُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَعَ سَائِرِ ⦗٢١٩⦘ نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦] يَقُولُ: “تَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ
٨ / ٢١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقُهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطْعَنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [المائدة: ٧] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٣] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالْعُقُودِ الَّتِي عَقَدْتُمُوهَا لِلَّهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكُمْ، بِأَنْ هَدَاكُمْ مِنَ الْعُقُودِ لِمَا فِيهِ الرِّضَا، وَوَفَّقَكُمْ لِمَا فِيهِ نَجَاتُكُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالرَّدَى فِي نِعَمٍ غَيْرِهَا جَمَّةٍ. كَمَا:
٨ / ٢١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٠٣] قَالَ: «النِّعَمُ: آلَاءُ اللَّهِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ﴾ [المائدة: ٧] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاذْكُرُوا أَيْضًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ، وَهُوَ عَهْدُهُ الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمِيثَاقَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَيَّ مَوَاثِيقِهِ عَنَى؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ مِيثَاقَ اللَّهِ الَّذِي وَاثَقَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا، وَالْعَمَلِ بِكُلِّ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ
٨ / ٢١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [المائدة: ٧] الْآيَةُ، يَعْنِي: حَيْثُ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ ﷺ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: آمَنَّا بِالنَّبِيِّ وَبِالْكِتَابِ، وَأَقْرَرْنَا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ. فذَكَّرَهُمُ اللَّهُ مِيثَاقَهُ الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ “
٨ / ٢٢٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [المائدة: ٧] فَإِنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَنَا، فَقُلْنَا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا عَلَى الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مِيثَاقَهُ الَّذِي أَخَذَ عَلَى عِبَادِهِ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ ﷺ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ فَقَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا.
٨ / ٢٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ﴾ [المائدة: ٧] قَالَ: “الَّذِي وَاثَقَ بِهِ بَنِي آدَمَ فِي ظَهْرِ آدَمَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ ⦗٢٢١⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: وَاذْكُرُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمُ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاكُمْ لِلْإِسْلَامِ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ، يَعْنِي: وَعَهْدَهُ الَّذِي عَاهَدَكُمْ بِهِ حِينَ بَايَعْتُمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ لَنَا، وَأَخَذْتَ عَلَيْنَا مِنَ الْمَوَاثِيقِ وَأَطَعْنَاكَ فِيمَا أَمَرْتَنَا بِهِ وَنَهَيْتَنَا عَنْهُ، وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا بِتَوْفِيقِكُمْ لِقَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ بِقَوْلِكُمْ لَهُ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، يَقُولُ: فَفُوا لِلَّهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ، وَنِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ بِإِقْرَارِكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِالسَّمْعِ لَهُ وَالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، يَفِ لَكُمْ بِمَا ضَمِنَ لَكُمُ الْوَفَاءَ بِهِ إِذَا أَنْتُمْ وَفَّيْتُمْ لَهُ بِمِيثَاقِهِ مِنْ إِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْكُمْ، وَبِإِدْخَالِكُمْ جَنَّتَهُ وَبِإِنْعَامِكُمْ بِالْخُلُودِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ، وَإِنْقَاذِكُمْ مِنْ عِقَابِهِ وَأَلِيمِ عَذَابِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ بِعَقِبِ تَذْكِرَةِ الْمُؤْمِنِينَ مِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَ بِهِ أَهْلَ التَّوْرَاةِ بَعْدَ مَا أَنْزَلَ كِتَابَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُوسَى ﷺ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ فِيهَا، فَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثَنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢] الْآيَاتِ بَعْدَهَا، مُنَبِّهًا بِذَلِكَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُحَمَّدٍ عَلَى مَوَاضِعَ حُظُوظِهِمْ مِنَ الْوَفَاءِ لِلَّهِ بِمَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ، وَمُعَرِّفَهُمْ سُوءَ عَاقِبَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَضْيِيعِهِمْ مَا ضَيَّعُوا مِنْ مِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَتَعْزِيرِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ، زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ نَكْثِ عُهُودِهِمْ، فَيُحِلُّ بِهِمْ مَا أَحَلَّ بِالنَّاكِثِينَ عُهُودَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَهُمْ، ⦗٢٢٢⦘ فَكَانَ إِذَا كَانَ الَّذِي ذَكَّرَهُمْ فَوَعَظَهُمْ بِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَرْكَبُوا مِنَ الْفِعْلِ مِثْلَهُ مِيثَاقَ قَوْمٍ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ بَعْدَ إِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ، وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا، أَنْ يَكُونَ الْحَالُ الَّتِي أَخَذَ فِيهَا الْمِيثَاقَ وَالْمَوْعُوظِينَ نَظِيرَ حَالِ الَّذِينَ وُعِظُوا بِهِمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ بَيِّنًا صِحَّةُ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَفَسَادُ خِلَافِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [المائدة: ٧] فَإِنَّهُ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَطَافُوا بِرَسُولِهِ ﷺ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَتَهْدِيدًا لَهُمْ أَنْ يَنْقُضُوا مِيثَاقَ اللَّهِ الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ فِي رُسُلِهِ وَعَهْدِهِمُ الَّذِي عَاهَدُوهُ فِيهِ، بِأَنْ يُضْمِرُوا لَهُ خِلَافَ مَا أَبَدَوْا لَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ. يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَخَافُوهُ أَنْ تُبَدِّلُوا عَهْدَهُ وَتَنْقُضُوا مِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ، أَوْ تُخَالِفُوا مَا ضَمِنْتُمْ لَهُ بِقَوْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، بِأَنْ تُضْمِرُوا لَهُ غَيْرَ الْوَفَاءِ بِذَلِكَ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمَائِرِ صُدُورِكُمْ، وَعَالِمٌ بِمَا تُخْفِيهِ نُفُوسُكُمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَيُحِلُّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَتِهِ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، كَالَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْيَهُودِ مِنَ الْمَسْخِ وَصُنُوفِ النِّقَمِ، وَتَصِيرُوا فِي مَعَادِكُمْ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ
٨ / ٢٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٨] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، لِيَكُنْ مِنْ أَخْلَاقِكُمْ وَصِفَاتِكُمُ الْقِيَامُ لِلَّهِ، شُهَدَاءَ بِالْعَدْلِ فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ، وَلَا تَجُورُوا فِي أَحْكَامِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ، فَتُجَاوِزُوا مَا حَدَّدْتُ لَكُمْ فِي أَعْدَائِكُمْ لِعَدَاوَتِهِمْ لَكُمْ، وَلَا تَقْصُرُوا فِيمَا حَدَّدْتُ لَكُمْ مِنْ أَحْكَامِي وَحُدُودِي فِي أَوْلِيَائِكُمْ لِوَلَايَتِهِمْ، وَلَكِنِ
٨ / ٢٢٢
انْتَهُوا فِي جَمِيعِهِمْ إِلَى حَدِّي، وَاعْمَلُوا فِيهِ بِأَمْرِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ [المائدة: ٨] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَةُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُوا فِي حُكْمِكُمْ فِيهِمْ وَسِيرَتِكُمْ بَيْنَهُمْ، فَتَجُورُوا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾ [النساء: ١٣٥] وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] وَاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ وَالْقِرَاءَةَ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّتِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ هَمَّتِ الْيَهُودُ بِقَتْلِهِ
٨ / ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨] نَزَلَتْ فِي يَهُودِ خَيْبَرَ، أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى يَهُودَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةٍ، فَهَمُّوا أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ⦗٢٢٤⦘ عَلَى أَلَا تَعْدِلُوا﴾ [المائدة: ٨] الْآيَةُ “
٨ / ٢٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٨] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿اعْدِلُوا﴾ [المائدة: ٨] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَلِيًّا لَكُمْ كَانَ أَوْ عَدُوًّا، فَاحْمِلُوهُمْ عَلَى مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَحْمِلُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِي، وَلَا تَجُورُوا بِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: هُوَ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ أَقْرَبُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى التَّقْوَى، يَعْنِي: إِلَى أَنْ تَكُونُوا عِنْدَ اللَّهِ بِاسْتِعْمَالِكُمْ إِيَّاهُ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى، وَهُمْ أَهْلُ الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُخَالِفُوهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يَأْتُوا شَيْئًا مِنْ مَعَاصِيهِ. وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْعَدْلَ بِمَا وَصَفَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى مِنَ الْجَوْرِ، لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَادِلًا كَانَ لِلَّهِ بِعَدْلِهِ مُطِيعًا، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا كَانَ لَا شَكَّ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى، وَمَنْ كَانَ جَائِرًا كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا، وَمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا كَانَ بَعِيدًا مِنْ تَقْوَاهُ. وَإِنَّمَا كَنَّى بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ أَقْرَبُ﴾ [المائدة: ٨] عَنِ الْفِعْلِ، وَالْعَرَبُ تُكْنِي عَنِ الْأَفْعَالِ إِذَا كَنَتْ عَنْهَا بِهُوَ وَبِذَلِكَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٧١] ﴿ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٢] وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ «هُوَ» لَكَانَ أَقْرَبُ نَصْبًا،
٨ / ٢٢٤
وَلَقِيلَ: اعْدِلُوا أَقْرَبَ لِلتَّقْوَى، كَمَا قِيلَ: ﴿انْتَهَوْا خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: ١٧١] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٨] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَاحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَجُورُوا فِي عِبَادِهِ، فَتُجَاوِزُوا فِيهِمْ حُكْمَهُ وَقَضَاءَهُ الَّذِينَ بَيَّنَ لَكُمْ، فَيُحِلُّ بِكُمْ عُقُوبَتَهُ، وَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ أَلِيمَ نَكَالِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٨] يَقُولُ: “إِنَّ اللَّهَ ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ بِمَا تَعْمَلُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ عَمَلٍ بِهِ أَوْ خِلَافٍ لَهُ، مُحْصٍ ذَلِكُمْ عَلَيْكُمْ كُلَّهُ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ جَزَاءَكُمُ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، فَاتَّقُوا أَنْ تُسِيئُوا
٨ / ٢٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [المائدة: ٩] وَعَدَ اللَّهُ أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، وَعَمِلُوا بِمَا وَاثَقَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَأَوْفُوا بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدَهُمْ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِمْ: لَنَسْمَعَنَّ وَلَنُطِيعَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فسَمِعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ، وَأَطَاعُوهُ فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَفَوْا بِالْعُقُودِ وَالْمِيثَاقِ الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ مَغْفِرَةٌ وَهِيَ سَتْرُ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، وَتَغْطِيَتُهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا، وَتَرْكُهُ عُقُوبَتَهُمْ عَلَيْهَا وَفَضِيحَتُهُمْ بِهَا ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩] يَقُولُ: “وَلَهُمْ مَعَ عَفْوِهِ لَهُمْ عَنْ ذُنُوبِهِمُ السَّالِفَةِ مِنْهُمْ جَزَاءٌ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي
٨ / ٢٢٥
عَمِلُوهَا وَوَفَائِهِمْ بِالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدُوا رَبَّهُمْ عَلَيْهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ، وَالْعَظِيمُ مِنْ خَيْرٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ مَبْلَغُهُ وَلَا يَعْرِفُ مُنْتَهَاهُ غَيْرُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِمَا وَعَدَهُمْ، فَأَيْنَ الْخَبَرُ عَنِ الْمَوْعُودِ؟ قِيلَ: بَلَى، إِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الْمَوْعُودِ، وَالْمَوْعُودُ هُوَ قَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩] فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩] خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَوْعُودُ لَقِيلَ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ لَهُمْ، وَفِي دُخُولِ ذَلِكَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ، وَانْقِضَاءِ الْخَبَرِ عَنِ الْوَعْدِ؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مَا ذَكَرْتَ فَإِنَّهُ مِمَّا اكْتَفَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا بَطَنَ مِنْ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ بَعْضٍ قَدْ تَرَكَ ذِكْرَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ، وَيَأْجُرَهُمْ أَجْرًا عَظِيمًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ يُصْحِبُوا الْوَعْدَ أَنْ يُعْمِلُوهُ فِيهَا، فَتُرِكَتْ أَنْ إِذْ كَانَ الْوَعْدُ قَوْلًا، وَمِنْ شَأْنِ الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ مِنْ جُمَلِ الْأَخْبَارِ مُبْتَدَأً وَذَكَرَ بَعْدَهُ جُمْلَةَ الْخَبَرِ اجْتِزَاءً بِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ وَصَرْفًا لِلْوَعْدِ الْمُوَافِقِ لِلْقَوْلِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لِلَفْظِهِ مُخَالِفًا إِلَى مَعْنَاهُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
٨ / ٢٢٦
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: ٩] الْوَعْدُ الَّذِي وُعِدُوا، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى تَأْوِيلِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِي آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٨ / ٢٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [المائدة: ١٠] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٣٩] وَالَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَنَقَضُوا مِيثَاقَهُ وَعُقُودَهُ الَّتِي عَاقَدُوهَا إِيَّاهُ ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [البقرة: ٣٩] يَقُولُ: «وَكَذَّبُوا بِأَدِلَّةِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُلُ وَغَيْرِهَا ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [المائدة: ١٠] يَقُولُ:»هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ أَهْلُ الْجَحِيمِ، يَعْنِي: أَهْلَ النَّارِ الَّذِينَ يُخَلَّدُونَ فِيهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا
٨ / ٢٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] أَقِرُّوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَرِسَالَةِ رَسُولِهِ ﷺ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٢٠] اذْكُرُوا النِّعْمَةَ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاشْكُرُوهُ عَلَيْهَا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ، وَالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدْتُمْ نَبِيَّكُمْ ﷺ عَلَيْهَا. ثُمَّ وَصَفَ نِعْمَتَهُ الَّتِي أَمَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا مَعَ سَائِرِ نِعَمِهِ، فَقَالَ: هِيَ كَفُّهُ عَنْكُمْ أَيْدِي الْقَوْمِ الَّذِينَ هَمُّوا بِالْبَطْشِ بِكُمْ، فَصَرَفَهُمْ عَنْكُمْ، وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا أَرَادُوهُ بِكُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي ذَكَّرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْحَابَ
٨ / ٢٢٧
نَبِيِّهِ ﷺ بِهَا وَأَمَرَهُمْ بِالشُّكْرِ لَهُ عَلَيْهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْتِنْقَاذُ اللَّهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ وَأَصْحَابَهُ مِمَّا كَانَتِ الْيَهُودُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ هَمُّوا بِهِ يَوْمَ أَتَوْهُمْ يِسْتَحْمِلُونَهُمْ دِيَةَ الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ
٨ / ٢٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ لِيَسْتَعِينَهُمْ عَلَى دِيَةِ الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ؛ فَلَمَّا جَاءَهُمْ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ، فَمُرُوا رَجُلًا يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحُنَا مِنْهُ. فَقَامَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْخَبَرُ، وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيهِمْ وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَوْمُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ الْآيَةُ “
٨ / ٢٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ [المائدة: ١١] قَالَ الْيَهُودُ: دَخَلَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ حَائِطًا لَهُمْ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارِهِ، فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَمِ دِيَةٍ غَرِمَهَا، ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ بِقَتْلِهِ، فَخَرَجَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ دَعَا أَصْحَابَهُ رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامَّوْا إِلَيْهِ “
٨ / ٢٢٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ يَهُودُ حِينَ دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ حَائِطًا لَهُمْ، وَأَصْحَابُهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ لَهُمْ، فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَمٍ فِي دِيَةٍ غَرِمَهَا، ثُمَّ قَامَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ بِقَتْلِهِ، فَخَرَجَ يَمْشِي مُعْتَرِضًا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ خِيفَتَهُمْ، ثُمَّ دَعَا أَصْحَابَهُ رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامَّوْا إِلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المائدة: ١١]
٨ / ٢٢٩
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثني أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي النَّضِيرَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلٍ أَصَابَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيُّ فَقَالَ: «أَعِينُونِي فِي عَقْلٍ أَصَابَنِي» فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتَسْأَلَنَا حَاجَةً، اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ الَّذِي تَسْأَلُنَا. فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ يَنْتَظِرُونَهُ، وَجَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَهُوَ رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا قَالَ، فَقَالَ حُيَيٌّ لِأَصْحَابِهِ: لَا تَرَوْنَهُ أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ، اطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَةً فَاقْتُلُوهُ وَلَا تَرَوْنَ شَرًّا أَبَدًا. فَجَاءُوا إِلَى رَحًى لَهُمْ عَظِيمَةٍ لِيَطْرَحُوهًا عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهَا أَيْدِيَهُمْ، حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيلُ ﷺ فَأَقَامَهُ مِنْ ثَمَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ ﷺ مَا أَرَادُوا بِهِ “
٨ / ٢٢٩
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ ⦗٢٣٠⦘ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ الْآيَةُ، قَالَ: يَهُودُ دَخَلَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ حَائِطًا، فَاسْتَعَانَهُمْ فِي مَغْرَمٍ غَرِمَهُ، فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ بِقَتْلِهِ، فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَخَرَجَ مُعْتَرِضًا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ خِيفَتَهُمْ، ثُمَّ دَعَا أَصْحَابَهُ رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى تَتَامَّوْا إِلَيْهِ “
٨ / ٢٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي النَّجَّارِ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، فَبَعَثَهُ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَخَرَجُوا، فَلَقَوْا عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ، وَهِيَ مِنْ مِيَاهِ بَنِي عَامِرٍ، فَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ الْمُنْذِرُ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَانُوا فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ لَهُمْ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَالطَّيْرُ تَحُومُ فِي السَّمَاءِ، يَسْقُطُ مِنْ بَيْنِ خَرَاطِيمِهَا عَلَقُ الدَّمِ، فَقَالَ أَحَدُ النَّفَرِ: قُتِلَ أَصْحَابُنَا وَالرَّحْمَنِ. ثُمَّ تَوَلَّى يَشْتَدُّ حَتَّى لَقِيَ رَجُلًا، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَلَمَّا خَالَطَتْهُ الضَّرْبَةُ، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، الْجَنَّةُ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ. فَكَانَ يُدْعَى: أَعْنَقَ لَيَمُوتَ. وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ، فَلَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَبَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَيْنَ قَوْمِهِمَا مُوَادَعَةٌ، فَانْتَسَبَا لَهُمَا إِلَى بَنِي عَامِرٍ، فَقَتَلَاهُمَا. وقَدِمَ قَوْمُهُمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَطْلُبُونَ الدِّيَةَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، حَتَّى دَخَلُوا عَلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَيَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ، فَاسْتَعَانَهُمْ فِي عَقْلِهِمَا. قَالَ: فَاجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ لَقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، وَاعْتَلُّوا بِصَنِيعِهِ الطَّعَامَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ﷺ بِالَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ يَهُودُ مِنَ الْغَدْرِ، فَخَرَجَ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا، فَقَالَ: «لَا تَبْرَحْ مَقَامَكَ، فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْكَ ⦗٢٣١⦘ مِنْ أَصْحَابِي فَسَأَلَكَ عَنِّي فَقُلْ وَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَدْرِكُوهُ» قَالَ: فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ عَلَى عَلِيٍّ، فَيَأْمُرُهُمْ بِالَّذِي أَمَرَهُ حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ آخِرُهُمْ، ثُمَّ تَبِعَهُمْ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣]
٨ / ٢٣٠
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابِهِ، حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَغْدُرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ النِّعْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ بِالشُّكْرِ لَهُ عَلَيْهَا، أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ هَمَّتْ بِقَتْلِ النَّبِيِّ ﷺ فِي طَعَامٍ دَعَوْهُ إِلَيْهِ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ ﷺ مَا هَمُّوا بِهِ، فَانْتَهَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ إِجَابَتِهِمْ إِلَيْهِ
٨ / ٢٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب: ٩] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ [المائدة: ١١] وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ صَنَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ طَعَامًا لِيَقْتُلُوهُ إِذَا أَتَى الطَّعَامُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِشَأْنِهِمْ، فَلَمْ يَأْتِ الطَّعَامُ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَبَوْهُ “
٨ / ٢٣١
وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ النِّعْمَةَ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاطِّلَاعِ نَبِيِّهِ ﷺ عَلَى مَا هَمَّ بِهِ عَدُوُّهُ وَعَدُوُّهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَطْنِ نَخْلٍ مِنِ اغْتِرَارِهِمْ إِيَّاهُمْ، وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ إِذَا هُمُ اشْتَغَلُوا عَنْهُمْ بِصَلَاتِهِمْ، فَسَجَدُوا فِيهَا، وَتَعْرِيفِهِ نَبِيَّهُ ﷺ الْحَذَارِ مِنْ عَدُوِّهِ فِي صَلَاتِهِ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ
٨ / ٢٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ الْآيَةُ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِبَطْنِ نَخْلٍ فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ، فَأَرَادَ بَنُو ثَعْلَبَةَ وَبَنُو مُحَارِبٍ أَنْ يَفْتِكُوا بِهِ، فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا انْتَدَبَ لِقَتْلِهِ، فَأَتَى نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ وَسَيْفُهُ مَوْضُوعٌ، فَقَالَ: آخُذُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «خُذْهُ» قَالَ: أَسْتَلُّهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَسَلَّهُ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ» فَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَغْلَظُوا لَهُ الْقَوْلَ، فَشَامَ السَّيْفُ، وَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ أَصْحَابَهُ بِالرَّحِيلِ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْخَوْفِ عِنْدَ ذَلِكَ»
٨ / ٢٣٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَزَلَ مَنْزِلًا، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ تَحْتَهَا، فَعَلَّقَ النَّبِيُّ ﷺ سِلَاحَهُ بِشَجَرَةٍ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى سَيْفِ ⦗٢٣٣⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَخَذَهُ فَسَلَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُ» فَشَامَ الْأَعْرَابِيُّ السَّيْفَ، فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِهِ لَمْ يُعَاقِبْهُ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا، وَذَكَرَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ أَرَادُوا أَنْ يَفْتِكُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَرْسَلُوا هَذَا الْأَعْرَابِيَّ. وتَأَوَّلَ: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ الْآيَةُ ” وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى اللَّهُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نِعْمَتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ فِي اسْتِنْقَاذِهِ نَبِيَّهُمْ مُحَمَّدًا ﷺ، مِمَّا كَانَتْ يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِ هَمَّتْ بِهِ مِنْ قَتْلِهِ وَقَتْلِ مَنْ مَعَهُ يَوْمَ سَارَ إِلَيْهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فِي الدِّيَةِ الَّتِي كَانَ تَحَمَّلَهَا عَنْ قَتِيلَيْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَقِبَ ذِكْرِ ذَلِكَ بِرَمْيِ الْيَهُودِ بِصَنَائِعِهَا وَقَبِيحِ أَفْعَالِهَا وَخِيَانَتِهَا رَبَّهَا وَأَنْبِيَاءَهَا. ثُمَّ أَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالصَّفْحِ عَنْ عَظِيمِ جَهْلِهِمْ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالصَّفْحِ عُقَيْبَ قَوْلِهِ: ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ [المائدة: ١١] وَمَنْ غَيْرُهُمْ كَانَ يَبْسُطُ الْأَيْدِي إِلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ الْأَيْدِي إِلَيْهِمْ غَيْرَهُمْ لَكَانَ حَرِيًّا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهُمْ لَا عَمَّنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمْ بِذَلِكَ ذِكْرٌ، وَلَكَانَ الْوَصْفُ بِالْخِيَانَةِ فِي وَصْفِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا فِي وَصْفِ مَنْ لَمْ يَجْرِ لِخِيَانَتِهِ ذِكْرٌ، فَفِي ذَلِكَ مَا يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ مَا قَضَيْنَا لَهُ بِالصِّحَّةِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ دُونَ مَا خَالَفَهُ
٨ / ٢٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المائدة: ١١] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاحْذَرُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ أَنْ تَنْقُضُوا الْمِيثَاقَ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ فَتَسْتَوْجِبُوا مِنْهُ الْعِقَابَ الَّذِي لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٢] يَقُولُ: “وَإِلَى اللَّهِ فَلْيُلْقِ أَزِمَّةَ أُمُورِهِمْ، وَيَسْتَسْلِمْ لِقَضَائِهِ، وَيَثِقْ بِنُصْرَتِهِ وَعَوْنِهِ، الْمَقْرُونِ بِوَحْدَانِيِّةِ اللَّهِ وَرِسَالَةِ رَسُولِهِ، الْعَامِلُونَ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ دِينِهِمْ وَتَمَامِ إِيمَانِهِمْ، وَأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَلَأَهُمْ وَرَعَاهُمْ وَحَفِظَهُمْ مِمَّنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ، كَمَا حَفِظَكُمْ وَدَافَعَ عَنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْيَهُودَ الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْكُمْ، كَلَاءَةً مِنْهُ لَكُمْ، إِذْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ لَا يُطِيقُ دَفْعَ سُوءٍ أَرَادَ بِكُمْ رَبُّكُمْ وَلَا اجْتِلَابَ نَفْعٍ لَكُمْ لَمْ يَقْضِهِ لَكُمْ
٨ / ٢٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيِ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ١٢] وَهَذِهِ الْآيَةُ أُنْزِلَتْ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، أَخْلَاقَ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْهِمْ مِنَ الْيَهُودِ. كَالَّذِي:
٨ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا الْحَرْثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [المائدة: ١٢] قَالَ: “الْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَنَّ الَّذِي هَمُّوا بِهِ مِنَ الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مِنْ صِفَاتِهِمْ وَصِفَاتِ أَوَائِلِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَأَخْلَاقِ أَسْلَافِهِمْ قَدِيمًا، وَاحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ ﷺ عَلَى الْيَهُودِ بِإِطْلَاعِهِ إِيَّاهُ عَلَى مَا كَانَ عَلِمَهُ عِنْدَهُمْ دُونَ الْعَرَبِ مِنْ خَفِيِّ أُمُورِهِمْ وَمَكْنُونِ عُلُومِهِمْ، وَتَوْبِيخًا لِلْيَهُودِ فِي تَمَادِيهِمْ فِي الْغَيِّ، وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ مَعَ
٨ / ٢٣٤
عِلْمِهِمْ بِخَطَإِ مَا هُمْ عَلَيْهِمْ مُقِيمُونَ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: لَا تَسْتَعْظِمُوا أَمْرَ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ بِمَا هَمُّوا بِهِ لَكُمْ، وَلَا أَمْرَ الْغَدْرِ الَّذِي حَاوَلُوهُ وَأَرَادُوهُ بِكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْلَاقِ أَوَائِلِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ، لَا يَعْدُونَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجِ أَوَّلِهِمْ وَطَرِيقِ سَلَفِهِمْ. ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ بَعْضِ غَدَرَاتِهِمْ وَخِيَانَاتِهِمْ وَجَرَاءَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمُ الَّذِي وَاثَقَهُمْ عَلَيْهِ بَارِئُهُمْ، مَعَ نِعَمِهِ الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا، وَكَرَامَاتِهِ الَّتِي طَوَّقَهُمْ شُكْرَهَا، فَقَالَ: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ مَنْ سَلَفَ مِمَّنْ هَمَّ بِبَسْطِ يَدِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ لَهُ بِعُهُودِهِ وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ كَمَا:
٨ / ٢٣٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [المائدة: ١٢] قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ مَوَاثِيقَهُمْ أَنْ يُخْلِصُوا لَهُ وَلَا يَعْبُدُوا غَيْرَهُ ﴿وَبَعَثَنَا مِنْهُمُ﴾ [المائدة: ١٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: وَبَعَثَنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ كَفِيلًا، كَفَلُوا عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ لِلَّهِ بِمَا وَاثَقُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُهُودِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَفِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ. وَالنَّقِيبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، كَالْعَرِيفِ عَلَى الْقَوْمِ، غَيْرَ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرِيفِ، يُقَالَ مِنْهُ: نَقَبَ فُلَانٌ عَلَى بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ يَنْقُبُ نَقَبًا، فَإِذَا أُرِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَقِيبًا فَصَارَ نَقِيبًا، قِيلَ: قَدْ نَقَبَ فَهُوَ يَنْقَبُ نَقَابَةً، وَمِنَ الْعَرِيفِ: عَرَفَ عَلَيْهِمْ يَعْرِفُ عِرَافَةً. ⦗٢٣٦⦘ فَأَمَّا الْمَنَاكِبُ فَإِنَّهُمْ كَالْأَعْوَانِ يَكُونُونَ مَعَ الْعُرَفَاءِ، وَاحِدُهُمْ مَنْكِبٌ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: هُوَ الْأَمِينُ الضَّامِنُ عَلَى الْقَوْمِ. فَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الشَّاهِدُ عَلَى قَوْمِهِ»
٨ / ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢] مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلٌ شَاهِدٌ عَلَى قَوْمِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: النَّقِيبُ: الْأَمِينُ
٨ / ٢٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: «النُّقَبَاءُ: الْأَمَنَاءُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، مِثْلَهُ وَإِنَّمَا كَانَ اللَّهُ أَمَرَ مُوسَى نَبِيَّهُ ﷺ بِبَعْثِهِ النُّقَبَاءَ الِاثْنَيْ عَشَرَ مِنْ قَوْمِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَرْضِ الْجَبَابِرَةِ بِالشَّامِ لِيَتَجَسَّسُوا لِمُوسَى أَخْبَارَهُمْ إِذْ أَرَادَ هَلَاكَهُمْ، وَأَنْ يُورِثَ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا مَسَاكِنَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَا أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فَبَعَثَ مُوسَى الَّذِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ ⦗٢٣٧⦘ بِبَعْثِهِمْ إِلَيْهَا مِنَ النُّقَبَاءِ. كَمَا:
٨ / ٢٣٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاءَ، وَهِيَ أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَابِرَةِ، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ يُقَالَ لَهُ عَاجٌ، فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَتِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ حُزْمَةُ حَطَبٍ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: انْظُرِي إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا. فطَرَحَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: أَلَا أَطْحَنُهُمْ بِرِجْلِي؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا رَأَوْا. فَفَعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا خَرَجَ الْقَوْمُ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمُ إِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَبَرَ الْقَوْمِ، ارْتَدُّوا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ عليه السلام لَكِنِ اكْتُمُوهُ وَأَخْبِرُوا نَبِيَّي اللَّهِ، فَيَكُونَانِ فِيمَا يَرَيَانِ رَأْيَهُمَا، فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْمِيثَاقَ بِذَلِكَ لِيَكْتُمُوهُ. ثُمَّ رَجَعُوا فَانْطَلَقَ عَشْرَةٌ مِنْهُمْ فَنَكَثُوا الْعَهْدَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُخْبِرُ أَخَاهُ وَأَبَاهُ بِمَا رَأَى مِنْ عَاجٍ، وَكَتَمَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ، فَأَتَوْا مُوسَى وَهَارُونَ، فَأَخْبَرُوهُمَا الْخَبَرَ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثَنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢]
٨ / ٢٣٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢] مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ، فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُلُ فِي كُمِّ ⦗٢٣٨⦘ أَحَدِهِمُ اثْنَانِ مِنْهُمْ يَلُفُّونَهُمْ لَفًّا، وَلَا يَحْمِلُ عُنْقُودَ عِنَبِهِمْ إِلَّا خَمْسَةُ أَنْفُسٍ بَيْنَهُمْ فِي خَشَبَةٍ، وَيَدْخُلُ فِي شَطْرِ الرُّمَّانَةِ إِذَا نُزِعَ حُبُّهَا خَمْسَةُ أَنْفُسٍ أَوْ أَرْبَعٌ. فَرَجَعَ النُّقَبَاءُ كُلٌّ مِنْهُمْ يَنْهَى سِبْطَهُ عَنْ قِتَالِهِمْ إِلَّا يُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَكَالِبَ بْنَ يُوقَنَا يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاطَ بِقِتَالِ الْجَبَابِرَةِ وَبِجِهَادِهِمْ، فَعَصَوْا هَذَيْنِ وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ، وَقَالَ أَيْضًا: يَلْقَوْنَهُمَا
٨ / ٢٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَسِيرَ، بِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَقَالَ: إِنِّي قَدْ كَتَبْتُهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا وَمَنْزِلًا، فَاخْرُجْ إِلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْعَدُوِّ، فَإِنِّي نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ، وَخُذْ مِنْ قَوْمِكَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ نَقِيبًا يَكُونُ عَلَى قَوْمِهِ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ، وَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مَعَكُمْ ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ﴾ [المائدة: ١٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٠٨] وَأَخَذَ مُوسَى مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا اخْتَارَهُمْ مِنْ أَسْبَاطٍ كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقِهِ، وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ خَيْرَهُمْ وَأَوْفَاهُمْ رَجُلًا. يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثَنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢] فَسَارَ بِهِمْ مُوسَى إِلَى الْأَرْضِ ⦗٢٣٩⦘ الْمُقَدَّسَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ، حَتَّى إِذَا نَزَلَ التِّيهَ بَيْنَ مِصْرَ وَالشَّامِ، وَهِيَ بِلَادٌ لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا ظِلٌّ، دَعَا مُوسَى رَبُّهُ حِينَ آذَاهُمُ الْحَرُّ، فَظَلَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْغَمَامِ، وَدَعَا لَهُمْ بِالرِّزْقِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى. وأَمَرَ اللَّهُ مُوسَى فَقَالَ: أَرْسِلْ رِجَالًا يَتَجَسَّسُونَ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ الَّتِي وُهِبَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، مَنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا. فَأَرْسَلَ مُوسَى الرُّءُوسَ كُلَّهُمُ الَّذِينَ فِيهِمْ، وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الرَّهْطِ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ، فِيمَا يَذْكُرُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ لِيَجُوسُوهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مِنْ سِبْطِ رُوبِيلَ: شَامُونُ بْنُ رَكُونَ، وَمِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ سَافَاطُ بْنُ حَرْبِيٍّ، وَمِنْ سِبْطِ يَهُوذَا كَالِبُ بْنُ يُوقَنَا، وَمِنْ سِبْطِ كَاذَ مِيخَائِيلُ بْنُ يُوسُفَ، وَمِنْ سِبْطِ يُوسُفَ وَهُوَ سِبْطُ إِفْرَائِيمَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَمِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ فلط بن ذنون، ⦗٢٤٠⦘ وَمِنْ سِبْطِ رَبَالُونَ كَرَابِيلُ بْنُ سُودِيٍّ، وَمِنْ سِبْطِ مَنْشَا بْنِ يُوسُفَ حَدِّيُّ بْنُ سُوشَا، وَمِنْ سِبْطِ دَانَ حَمَلَائِلُ بْنُ حَمَلٍ، وَمِنْ سِبْطِ أَشَارَ سَابُورُ بْنُ مَلْكَيْلَ، وَمِنْ سِبْطِ نَفْتَالِي محر بن وقسي، وَمِنْ سِبْطِ يساخر حولَايل بن منكد. فَهَذِهِ أَسْمَاءُ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ مُوسَى يَتَجَسَّسُونَ لَهُ الْأَرْضَ، وَيَوْمَئِذٍ سَمَّى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ: يُوشَعَ بْنَ نُونٍ، فَأَرْسَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمُ: ارْتَفِعُوا قَبْلَ الشَّمْسِ، فَارْقَوُا الْجَبَلَ، وَانْظُرُوا مَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا الشِّعْبُ الَّذِي يَسْكُنُونَهُ، أَقْوِيَاءُ هُمْ أَمْ ضُعَفَاءُ؟ أَقَلِيلٌ هُمْ أَمْ هُمْ كَثِيرٌ؟ وَانْظُرُوا أَرْضَهُمُ الَّتِي يَسْكُنُونَ أَشَمِسَةٌ هِيَ أَمْ ذَاتُ شَجَرٍ؟ وَاحْمِلُوا إِلَيْنَا مِنْ ثَمَرَةِ تِلْكَ الْأَرْضِ. وَكَانَ فِي أَوَّلِ ⦗٢٤١⦘ مَا سَمَّى لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ثَمَرَةُ الْعِنَبِ “
٨ / ٢٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَبَعَثَنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢] فَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَعَثَهُمْ مُوسَى لِيَنْظُرُوا لَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتِهِمْ وِقْرَ رَجُلٍ، فَقَالُوا: قَدِّرُوا قُوَّةَ قَوْمٍ وَبَأْسَهُمْ هَذِهِ فَاكِهَتُهُمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ فُتِنُوا، فَقَالُوا: لَا نَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤] “
٨ / ٢٤١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ الْمَرْوَزِيِّ، قَالَ: سَمِعَ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَبَعَثَنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢] أَمَرَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ مَعَ نَبِيِّهِمْ مُوسَى ﷺ؛ فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَ لَهُمْ مُوسَى: ادْخُلُوهَا. فَأَبَوْا وَجَبُنُوا، وَبَعَثُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا لِيَنْظُرُوا إِلَيْهِمْ. فَانْطَلَقُوا فَنَظَرُوا، فَجَاءُوا بِحَبَّةٍ مِنْ فَاكِهَتِهِمْ بِوِقْرِ الرَّجُلِ، فَقَالُوا: قَدِّرُوا قُوَّةَ قَوْمٍ وَبَأْسَهُمْ، هَذِهِ فَاكِهَتُهُمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾
٨ / ٢٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [المائدة: ١٢]
٨ / ٢٤١
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿وَقَالَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ١٢] لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ [المائدة: ١٢] يَقُولُ: «إِنِّي نَاصِرُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ وَعَدُوِّي الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِمْ إِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ وَوَفَيْتُمْ بِعَهْدِي وَمِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْتُهُ عَلَيْكُمْ. وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتَغْنَى، بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَمَّا حُذِفَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: إِنِّي مَعَكُمْ، فَتَرَكَ ذِكْرَ لَهُمْ، اسْتِغْنَاءً بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [المائدة: ١٢] إِذْ كَانَ مُتَقَدِّمُ الْخَبَرِ عَنْ قَوْمٍ مُسَمَّيْنَ بِأَعْيَانِهِمْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ سِيَاقَ مَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الْخَبَرِ عَنْهُمْ، إِذْ لَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ. ثُمَّ ابْتَدَأَ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقَسَمَ، فَقَالَ: قَسَمٌ ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمْ﴾ [المائدة: ١٢] مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ﴾ [المائدة: ١٢] أَيْ» أَعْطَيْتُمُوهَا مَنْ أَمَرْتُكُمْ بِإِعْطَائِهَا ﴿وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي﴾ [المائدة: ١٢] يَقُولُ: «وَصَدَّقْتُمْ بِمَا آتَاكُمْ بِهِ رُسُلِي مِنْ شَرَائِعِ دِينِي» وَكَانَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: هَذَا خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ
٨ / ٢٤٢
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّ مُوسَى، ﷺ قَالَ لِلنُّقَبَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ سِيرُوا إِلَيْهِمْ يَعْنِي إِلَى الْجَبَّارِينَ فَحَدِّثُونِي حَدِيثَهُمْ، وَمَا أَمْرُهُمْ، وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ” ⦗٢٤٣⦘ وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ الرَّبِيعُ فِي ذَلِكَ بِبَعِيدٍ مِنَ الصَّوَابِ، غَيْرَ أَنَّ مِنَ قَضَاءِ اللَّهِ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ أَنَّهُ نَاصِرٌ مَنْ أَطَاعَهُ، وَوَلِيُّ مَنِ اتَّبَعَ أَمْرَهُ وَتَجَنَّبَ مَعْصِيَتَهُ وَجَافَى ذُنُوبَهُ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ مِنْ طَاعَتِهِ: إِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَالْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ، وَسَائِرِ مَا نَدَبَ الْقَوْمَ إِلَيْهِ؛ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ بِذَلِكَ وَإِدْخَالَ الْجَنَّاتِ بِهِ لَمْ يُخَصَّصُ بِهِ النُّقَبَاءُ دُونَ سَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ غَيْرِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ نَدْبًا لِلْقَوْمِ جَمِيعًا وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى مَا حَضَّهُمْ عَلَيْهِ، أَحَقُّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا لِبَعْضٍ وَحَضًّا لِخَاصٍّ دُونَ عَامٍّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ [المائدة: ١٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: وَنَصَرْتُمُوهُمْ
٨ / ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ [المائدة: ١٢] قَالَ: «نَصَرْتُمُوهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٢٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَوْلُهُ: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ [المائدة: ١٢] قَالَ: «نَصَرْتُمُوهُمْ بِالسَّيْفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ
٨ / ٢٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ [المائدة: ١٢] قَالَ: «التَّعَزُّرُ وَالتَّوْقِيرُ: الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَذُكِرَ عَنْ يُونُسَ الْحِرْمَزِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ «حَدَّثْتُ بِذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنهُ» وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ نَصَرْتُمُوهُمْ وَأَعَنْتُمُوهُمْ وَوَقَّرْتُمُوهُمْ وَعَظَّمْتُمُوهُمْ وَأَيَّدْتُمُوهُمْ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
[البحر الوافر]
وَكَمْ مِنْ مَاجِدٍ لَهُمُ كَرِيمٍ … وَمِنْ لَيْثٍ يُعَزَّزُ فِي النَّدِيِّ
وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ: الْعَزْرُ الرَّدُّ عَزَّرْتُهُ رَدَدْتُهُ: إِذَا رَأَيْتُهُ يَظْلِمُ، فَقُلْتُ: اتَّقِ اللَّهَ أَوْ نَهَيْتُهُ، فَذَلِكَ الْعَزْرُ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: نَصَرْتُمُوهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
٨ / ٢٤٤
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩] فَالتَّوْقِيرُ: هُوَ التَّعْظِيمُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بَعْضُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ. وَإِذَا فَسَدَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ التَّعْظِيمُ، وَكَانَ النَّصْرُ قَدْ يَكُونُ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ؛ فَأَمَّا بِالْيَدِ فَالذَّبُّ بِهَا عَنْهُ بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا بِاللِّسَانِ فَحُسْنُ الثَّنَاءِ، وَالذَّبُّ عَنِ الْعِرْضِ، صَحَّ أَنَّهُ النَّصْرُ إِذْ كَانَ النَّصْرُ يَحْوِي مَعْنَى كُلِّ قَائِلٍ قَالَ فِيهِ قَوْلًا مِمَّا حَكَيْنَا عَنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [المائدة: ١٢] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَأَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِ وَعَدُوِّكُمْ، ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] يَقُولُ: “وَأَنْفَقْتُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيلِهِ، فَأَصَبْتُمُ الْحَقَّ فِي إِنْفَاقِكُمْ مَا أَنْفَقْتُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ تَتَعَدَّوْا فِيهِ حُدُودَ اللَّهِ وَمَا نَدَبَكُمْ إِلَيْهِ وَحَثَّكُمْ عَلَيْهِ إِلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قَالَ: ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [المائدة: ١٢] وَلَمْ يَقُلْ: إِقْرَاضًا حَسَنًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَصْدَرَ أَقْرَضْتَ: الْإِقْرَاضَ؟ قِيلَ: لَوْ قِيلَ ذَلِكَ كَانَ صَوَابًا، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ [البقرة: ٢٤٥] أَخْرَجَ مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: أَقْرَضَ مَعْنَى قَرَضَ، كَمَا فِي مَعْنَى أَعْطَى أَخَذَ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَقَرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: ١٧] إِذْ كَانَ فِي أَنْبَتَكُمْ مَعْنَى فَنَبَتُّمْ، وَكَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
[البحر الطويل]
٨ / ٢٤٥
وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَعْبَةً أَيَّ إِذْلَالٍ
إِذْ كَانَ فِي رُضْتُ مَعْنَى أَذْلَلْتُ، فَخَرَجَ الْإِذْلَالُ مَصْدَرًا مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظِهِ
٨ / ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [المائدة: ١٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ أَعْطُونِي مِيثَاقَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِطَاعَتِي، وَاتِّبَاعِ أَمْرِي، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَفَعَلْتُمْ سَائِرَ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَيْهِ جَنَّتِي ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [المائدة: ١٢] يَقُولُ: «لَأُغَطِّيَنَّ بِعَفْوِي عَنْكُمْ وَصَفْحِي عَنْ عُقُوبَتِكُمْ، عَلَى سَالِفِ إِجْرَامِكُمُ الَّتِي أَجْرَمْتُمُوهَا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عَلَى ذُنُوبِكُمُ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ مُوبِقَاتِ ذُنُوبِكُمْ. ﴿وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ﴾ [المائدة: ١٢] مَعَ تَغْطِيَتِي عَلَى ذَلِكَ مِنْكُمْ بِفَضْلِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] فَالْجَنَّاتُ: الْبَسَاتِينُ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ﴾ [آل عمران: ١٩٥] لَأُغَطِّيَنَّ، لِأَنَّ الْكُفْرَ مَعْنَاهُ الْجُحُودُ وَالتَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
[البحر الكامل]
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
يَعْنِي: غَطَّاهَا. التَّفْعِيلُ مِنَ الْكُفْرِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى اللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ﴾ [آل عمران: ١٩٥] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: اللَّامُ الْأُولَى عَلَى مَعْنَى الْقَسَمِ، يَعْنِي اللَّامَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ [المائدة: ١٢] قَالَ:»وَالثَّانِيَةُ مَعْنَى قَسَمٍ آخَرَ
٨ / ٢٤٦
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: بَلِ اللَّامُ الْأُولَى وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْيَمِينِ، فَاكْتَفَى بِهَا عَنِ الْيَمِينِ، يَعْنِي بِاللَّامِ الْأُولَى: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ. قَالَ: وَاللَّامُ الثَّانِيَةُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [المائدة: ١٢] جَوَابٌ لَهَا، يَعْنِي لِلَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ [المائدة: ١٢] وَاعْتَلَّ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾ [المائدة: ١٢] غَيْرُ تَامٍّ وَلَا مُسْتَغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [المائدة: ١٢] وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [المائدة: ١٢] قَسَمًا مُبْتَدَأً، بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْيَمِينِ إِذْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَغْنِيَةٍ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: «يَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِ هَذِهِ الْبَسَاتِينَ الَّتِي أَدْخَلَكَمُوهَا الْأَنْهَارُ»
٨ / ٢٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ١٢] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَمَنْ جَحَدَ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ شَيْئًا مِمَّا أَمَرْتُهُ بِهِ، فَتَرَكَهُ، أَوْ رَكِبَ مَا نَهَيْتُهُ عَنْهُ فَعَمِلَهُ بَعْدَ أَخْذِي الْمِيثَاقَ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ لِي بِطَاعَتِي وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِي ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ١٠٨] يَقُولُ: “فَقَدْ أَخْطَأَ قَصْدَ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ، وَزَلَّ عَنْ مَنْهَجِ السَّبِيلِ الْقَاصِدِ. وَالضَّلَالُ: الرُّكُوبُ عَلَى غَيْرِ هُدًى؛ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ: ﴿سَوَاءَ﴾ [البقرة: ٦] يَعْنِي بِهِ: وَسَطَ السَّبِيلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلَ ⦗٢٤٨⦘ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٨ / ٢٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ١٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ، لَا تَعْجَبَنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، وَنَكَثُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، غَدْرًا مِنْهُمْ بِكَ وَأَصْحَابِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَاتِهِمْ وَعَادَاتِ سَلَفِهِمْ؛ وَمِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَخَذْتُ مِيثَاقَ سَلَفِهِمْ عَلَى عَهْدِ مُوسَى ﷺ عَلَى طَاعَتِي، وَبَعَثْتُ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَدْ تُخَيَّرُوا مِنْ جَمِيعِهِمْ لِيَتَجَسَّسُوا أَخْبَارَ الْجَبَابِرَةِ، وَوَعَدْتُهُمُ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ أُوَرِّثَهُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، بَعْدَ مَا أَرَيْتُهُمْ مِنَ الْعِبَرِ وَالْآيَاتِ بِإِهْلَاكِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي الْبَحْرِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ لَهُمْ وَسَائِرِ الْعِبَرِ مَا أَرَيْتُهُمْ، فَنَقَضُوا مِيثَاقَهُمُ الَّذِي وَاثَقُونِي وَنَكَثُوا عَهْدِي، فَلَعَنْتُهُمْ بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ؛ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ خِيَارِهِمْ مَعَ أَيَادِيَّ عِنْدَهُمْ، فَلَا تَسْتَنْكِرُوا مِثْلَهُ مِنْ فِعْلِ أَرَاذِلِهِمْ. وَفَي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اكْتُفِي بِدَلَالَةِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ، فَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ، فَلَعَنْتُهُمْ، فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ، فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] مِنْ ذِكْرِ فَنَقَضُوا. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ. كَمَا قَالَ قَتَادَةُ
٨ / ٢٤٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] يَقُولُ: «فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ»
٨ / ٢٤٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] قَالَ: «هُوَ مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ فَنَقَضُوهُ» وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى اللَّعْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] عَائِدَتَانِ عَلَى ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلُ
٨ / ٢٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ [المائدة: ١٣] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: ﴿قَاسِيَةً﴾ [المائدة: ١٣] بِالْأَلِفِ، عَلَى تَقْدِيرِ فَاعِلِهِ، مِنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَسَا قَلْبُهُ، فَهُوَ يَقْسُو وَهُوَ قَاسٍ، وَذَلِكَ إِذَا غَلُظَ وَاشْتَدَّ وَصَارَ يَابِسًا صُلْبًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
وَقَدْ قَسَوْتُ وَقَسَتْ لِدَاتِي
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: فَلَعَنَّا الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدِي وَلَمْ يَفُوا بِمِيثَاقِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمُ الَّذِي وَاثَقُونِي، وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
٨ / ٢٤٩
غَلِيظَةً يَابِسَةً عَنِ الْإِيمَانِ بِي وَالتَّوْفِيقِ لِطَاعَتِي، مَنْزُوعَةً مِنْهَا الرَّأْفَةُ وَالرَّحْمَةُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: «وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً. ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَعْنَى الْقَسْوَةِ، لِأَنَّ فَعِيلَةً فِي الذَّمِّ أَبْلَغُ مِنْ فَاعِلَةٍ، فَاخْتَرْنَا قِرَاءَتَهَا قَسِيَّةً عَلَى قَاسِيَةٍ لِذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ مَعْنَى قَسِيَّةٍ غَيْرُ مَعْنَى الْقَسْوَةِ؛ وَإِنَّمَا الْقَسِّيَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْقُلُوبُ الَّتِي لَمْ يَخْلُصْ إِيمَانُهَا بِاللَّهِ، وَلَكِنْ يُخَالِطُ إِيمَانُهَا كُفْرٌ كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِّيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي يُخَالِطُ فِضَّتَهَا غِشٌّ مِنْ نُحَاسِ أَوْ رَصَاصٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ:
[البحر البسيط]
لَهَا صَوَاهِلُ فِي صُمِّ السِّلَامِ كَمَا … صَاحَ الْقَسِيَّاتُ فِي أَيْدِي الصَّيَارِيفِ
يَصِفُ بِذَلِكَ وَقْعَ مَسَاحِي الَّذِينَ حَفَرُوا قَبْرَ عُثْمَانَ عَلَى الصُّخُورِ، وَهِيَ السِّلَامُ. وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: «وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَسِيَّةً» عَلَى فَعِيلَةٍ، لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي ذَمِّ الْقَوْمِ مِنْ قَاسِيَةٍ»
٨ / ٢٥٠
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ فَعِيلَةً مِنَ الْقَسْوَةِ، كَمَا قِيلَ: نَفْسٌ زَكِيَّةٌ وَزَاكِيَةٌ، وَامْرَأَةٌ شَاهِدَةٌ وَشَهِيدَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ الْقَوْمَ بِنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِهِ، وَلَمْ يَصِفْهُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِيمَانِ، فَتَكُونُ قُلُوبُهُمْ مَوْصُوفَةً بِأَنَّ إِيمَانَهَا يُخَالِطُهُ كُفْرٌ كَالدَّرَاهِمِ الْقَسِّيَّةِ الَّتِي يُخَالِطُ فِضَّتَهَا غِشٌّ “
٨ / ٢٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا قُلُوبَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَقَضُوا عُهُودَنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَسِيَّةً، مَنْزُوعًا مِنْهَا الْخَيْرُ، مَرْفُوعًا مِنْهَا التَّوْفِيقُ، فَلَا يُؤْمِنُونَ، وَلَا يَهْتَدُونَ، فَهُمْ لِنَزْعِ اللَّهِ عز وجل التَّوْفِيقَ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَالْإِيمَانَ يُحَرِّفُونَ كَلَامَ رَبِّهِمُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِمْ مُوسَى ﷺ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ، فَيُبَدِّلُونَهُ وَيَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِمْ غَيْرَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى نَبِيِّهِمْ وَيَقُولُونَ لِجُهَّالِ النَّاسِ: هَذَا هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُوسَى ﷺ وَالتَّوْرَاةُ الَّتِي أَوْحَاهَا إِلَيْهِ. وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الْقُرُونِ الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ مُوسَى مِنَ الْيَهُودِ مِمَّنْ أَدْرَكَ بَعْضُهُمْ عَصْرَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَدْخَلَهُمْ فِي عِدَادِ الَّذِينَ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْهُمْ مِمَّنْ أَدْرَكَ مُوسَى مِنْهُمْ، إِذْ كَانُوا مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَعَلَى مِنْهَاجِهِمْ فِي الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ وَنَقْضِ الْمَوَاثِيقِ الَّتِي أَخَذَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ. كَمَا:
٨ / ٢٥١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] يَعْنِي: «حُدُودَ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ، وَيَقُولُونَ: إِنْ أَمَرَكُمْ مُحَمَّدٌ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ خَالَفَكُمْ فَاحْذَرُوا»
٨ / ٢٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: ١٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَنَسُوا حَظًّا﴾ [المائدة: ١٣] وَتَرَكُوا نَصِيبًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] أَيْ ” تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ فَتَرَكَهُمُ اللَّهُ؛ وَقَدْ مَضَى بَيَانُ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٢٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذَكَرُوا بِهِ﴾ [المائدة: ١٣] يَقُولُ: «تَرَكُوا نَصِيبًا»
٨ / ٢٥٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذَكَرُوا بِهِ﴾ [المائدة: ١٣] قَالَ: «تَرَكُوا عُرَى دِينِهِمْ وَوَظَائِفَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّتِي لَا تُقْبَلُ الْأَعْمَالَ إِلَّا بِهَا»
٨ / ٢٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] يَقُولُ تبارك وتعالى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَا تَزَالُ يَا مُحَمَّدُ تَطَّلِعُ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ أَنْبَأْتُكَ نَبَّأَهُمْ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقِي، وَنَكْثِهِمْ عَهْدِي، مَعَ أَيَادِيَّ عِنْدَهُمْ، وَنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ، عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. ⦗٢٥٣⦘ وَالْخَائِنَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْخِيَانَةُ، وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، كَمَا قِيلَ خَاطِئَةٌ: لِلْخَطِيئَةِ، وَقَائِلَةٌ: لِلْقَيْلُولَةِ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٦] اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٢٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] قَالَ: «عَلَى خِيَانَةٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ»
٨ / ٢٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] قَالَ: «هُمْ يَهُودُ مِثْلُ الَّذِي هَمُّوا بِهِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ دَخَلَ حَائِطِهِمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
٨ / ٢٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] مِنْ يَهُودَ، مِثْلُ ⦗٢٥٤⦘ الَّذِي هَمُّوا بِالنَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ ” وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنٍ مِنْهُمْ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَزِيدُ الْهَاءَ فِي آخِرِ الْمُذَكَّرِ كَقَوْلِهِمْ: هُوَ رَاوِيَةٌ لِلشِّعْرِ، وَرَجُلٌ عَلَّامَةٌ، وَأَنْشَدَ:
[البحر الكامل]
حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بِالْوَفَاءِ وَلَمْ تَكُنْ … لِلْغَدْرِ خَائِنَةً مُغِلَّ الْأَصْبَعِ
فَقَالَ: خَائِنَةً، وَهُوَ يُخَاطِبُ رَجُلًاوَالصَّوَابُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَوْمَ مِنْ يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ الَّذِينَ هَمُّوا بِقَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، إِذْ أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيَّيْنِ، فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى مَا قَدْ هَمُّوا بِهِ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ أَخْبَارَ أَوَائِلِهِمْ وَإِعْلَامِهِ مَنْهَجَ أَسْلَافِهِمْ وَأَنَّ آخِرَهُمْ عَلَى مِنْهَاجِ أَوَّلِهِمْ فِي الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ، لِئَلَّا يَكْبُرَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى خِيَانَةٍ وَغَدْرٍ وَنَقْضِ عَهْدٍ. وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يَطَّلِعُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ خَائِنٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ ابْتُدِئَ بِهِ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ، فَقِيلَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾، ثُمَّ قِيلَ: ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ١٣] فَإِذْ كَانَ الِابْتِدَاءُ عَنِ الْجَمَاعَةِ فَلْتُخْتَمْ بِالْجَمَاعَةِ أَوْلَى
٨ / ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ١٣]⦗٢٥٥⦘ وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْعَفْوِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ، يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَهُ: اعْفُ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ بِالْقَتْلِ، وَاصْفَحْ لَهُمْ عَنْ جُرْمِهِمْ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَكْرُوهِهِمْ، فَإِنِّي أُحِبُّ مِنْ أَحْسَنَ الْعَفْوَ وَالصَّفْحَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: “هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ، وَيَقُولُ: نَسَخَتْهَا آيَةُ بَرَاءَةَ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] الْآيَةُ
٨ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾ [المائدة: ١٣] قَالَ: «نَسَخَتْهَا: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٢٩]»
٨ / ٢٥٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ١٣] وَلَمْ يُؤْمَرْ يَوْمَئِذٍ بِقِتَالِهِمْ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَيَصْفَحَ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فِي بَرَاءَةَ فَقَالَ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩] وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ. فَأَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ ” حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ⦗٢٥٦⦘ عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَالَّذِي قَالَهُ قَتَادَةُ غَيْرُ مَدْفُوعٍ إِمْكَانُهُ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسِخَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ، هُوَ مَا كَانَ نَافِيًا كُلَّ مَعَانِي خِلَافِهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ. فَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ نَافٍ جَمِيعَهُ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِأَنَّهُ نَاسِخٌ إِلَّا بِخَبَرِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، أَوْ مِنْ رَسُولِهِ ﷺ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] دَلَالَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِنَفْيِ مَعَانِي الصَّفْحِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْيَهُودِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ جَائِزًا مَعَ إِقْرَارِهِمْ بِالصَّغَارِ وَأَدَائِهِمُ الْجِزْيَةَ بَعْدَ الْقِتَالِ، الْأَمْرُ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ فِي غَدْرَةٍ هَمُّوا بِهَا أَوْ نَكْثَةٍ عَزَمُوا عَلَيْهَا، مَا لَمْ يَنْصُبُوا حَرْبًا دُونَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَيَمْتَنِعُوا مِنَ الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ مِنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَنْ يَحْكُمَ لِقَوْلِهِ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩] الْآيَةُ، بِأَنَّهُ نَاسِخٌ قَوْلَهُ: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ١٣]
٨ / ٢٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: ١٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَأَخَذْنَا مِنَ النَّصَارَى الْمِيثَاقَ عَلَى طَاعَتِي وَأَدَاءِ فَرَائِضِي وَاتِّبَاعِ رُسُلِي وَالتَّصْدِيقِ بِهِمْ، فَسَلَكُوا فِي مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْتُهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَاجَ الْأُمَّةِ الضَّالَّةِ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَدَّلُوا كَذَلِكَ دِينَهُمْ وَنَقَضُوا نَقْضَهُمْ وَتَرَكُوا حَظَّهُمْ مِنْ مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْتُهُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي وَضَيَّعُوا أَمْرِي. كَمَا:
٨ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمِنَ ⦗٢٥٧⦘ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة: ١٤] نَسُوا كِتَابَ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَعَهْدَ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَمْرَ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ “
٨ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «قَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ مَا قَالَتِ الْيَهُودُ، وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ»
٨ / ٢٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: ١٤] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ﴾ [المائدة: ١٤] حَرَّشْنَا بَيْنَهُمْ وَأَلْقَيْنَا، كَمَا تُغْرِي الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَمَّا تَرَكَ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ أَخَذْتُ مِيثَاقَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِعَهْدِي حَظَّهُمْ، مِمَّا عَهِدْتُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي، أَغْرَيْتُ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ إِغْرَاءِ اللَّهِ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ إِغْرَاؤُهُ بَيْنَهُمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنَهُمْ
٨ / ٢٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ [المائدة: ١٤] قَالَ: «هَذِهِ الْأَهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ، وَالتَّبَاغُضُ فَهُوَ الْإِغْرَاءُ»
٨ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّخَعِيَّ يَقُولُ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ [المائدة: ١٤] قَالَ: «أَغْرَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بِخُصُومَاتٍ بِالْجِدَالِ فِي الدِّينِ»
٨ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالتَّيْمِيِّ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ [المائدة: ١٤] قَالَ: «مَا أَرَى الْإِغْرَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: الْخُصُومَاتُ فِي الدِّينِ تُحْبِطُ الْأَعْمَالَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَالْبَغْضَاءُ
٨ / ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: ١٤] الْآيَةُ. إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا تَرَكُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَضَيَّعُوا فَرَائِضَهُ، وَعَطَّلُوا حُدُودَهُ، أَلْقَى بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَالَ السُّوءِ، وَلَوْ أَخَذَ الْقَوْمُ كِتَابَ اللَّهِ وَأَمْرَهُ، مَا افْتَرَقُوا وَلَا تَبَاغَضُوا ” ⦗٢٥٩⦘ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالْحَقِّ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: أَغْرَى بَيْنَهُمْ بِالْأَهْوَاءِ الَّتِي حَدَثَتْ بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ؛ لِأَنَّ عَدَاوَةَ النَّصَارَى بَيْنَهُمْ، إِنَّمَا هِيَ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ، وَذَلِكَ أَهْوَاءٌ لَا وَحْي مِنَ اللَّهِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْهَاءِ وَالْمِيمِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ﴾ [المائدة: ١٤] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمْ: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِنِسْيَانِهِمْ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
٨ / ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، وَقَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَالَ فِي النَّصَارَى أَيْضًا: ﴿فَنَسُوا حَظًّا﴾ [المائدة: ١٤] مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ أَغْرَى اللَّهُ عز وجل بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ “
٨ / ٢٥٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: ١٤] قَالَ: «هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَمَا تُغْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنَ الْبَهَائِمِ»
٨ / ٢٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ [المائدة: ١٤] قَالَ: «الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٢٦٠⦘ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٢٥٩
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَغْرَى اللَّهُ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ: النَّصَارَى وَحْدَهَا. وَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأَغْرَيْنَا بَيْنَ النَّصَارَى عُقُوبَةً لَهَا بِنِسْيَانِهَا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرَتْ بِهِ. قَالُوا: وَعَلَيْهَا عَادَتِ الْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي بَيْنَهُمْ دُونَ الْيَهُودِ
٨ / ٢٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ تَقَدَّمَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ لَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، وَعَلِّمُوا الْحِكْمَةَ وَلَا تَأْخُذُوا عَلَيْهَا أَجْرًا. فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، فَأَخَذُوا الرِّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ وَجَاوَزُوا الْحُدُودَ، فَقَالَ فِي الْيَهُودِ حَيْثُ حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ: ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: ٦٤] وَقَالَ فِي النَّصَارَى: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة: ١٤] وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ عِنْدِي مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِالْإِغْرَاءِ بَيْنَهُمْ: النَّصَارَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَاصَّةً، وَأَنَّ الْهَاءَ وَالْمِيمَ عَائِدَتَانِ عَلَى النَّصَارَى دُونَ الْيَهُودِ،
٨ / ٢٦٠
لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِغْرَاءِ فِي خَبَرِ اللَّهِ عَنِ النَّصَارَى بَعْدَ تَقَضِّي خَبَرِهِ عَنِ الْيَهُودِ، وَبَعْدَ ابْتِدَائِهِ خَبَرَهُ عَنِ النَّصَارَى، فَأَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنِيًّا بِهِ إِلَّا النَّصَارَى خَاصَّةً أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ الْحِزْبَانِ جَمِيعًا لِمَا ذَكَرْنَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَ النَّصَارَى، فَتَكُونُ مَخْصُوصَةً بِمَعْنَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: ذَلِكَ عَدَاوَةُ النَّسْطُورِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَالْمَلَكِيَّةِ النَّسْطُورِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ، وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ: مَعْنِيٌّ بِذَلِكَ إِغْرَاءُ اللَّهِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِبَعِيدٍ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ عِنْدِي وَأَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا
٨ / ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: ١٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: اعْفُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، وَاصْفَحْ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ وَرَاءِ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ، وَسَيُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ عِنْدَ وُرُودِهِمُ اللَّهَ عَلَيْهِ فِي مَعَادِهِمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَصْنَعُونَ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُ، وَنَكْثِهِمْ عَهْدَهُ، وَتَبْدِيلِهِمْ كِتَابَهُ، وَتَحْرِيفِهِمْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَيُعَاقِبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَسَبَ اسْتِحْقَاقِهِمْ “
٨ / ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا فِي ⦗٢٦٢⦘ عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا، يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ، كَمَا:
٨ / ٢٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا﴾ [المائدة: ١٥] وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ «وَقَوْلُهُ: ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ١٥] يَقُولُ:»يُبَيِّنُ لَكُمْ مُحَمَّدٌ رَسُولُنَا كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَهُ النَّاسَ وَلَا تُبَيِّنُونَهُ لَهُمْ مِمَّا فِي كِتَابِكُمْ. وَكَانَ مِمَّا يُخُفُونَهُ مِنْ كِتَابِهِمْ فَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلنَّاسِ: رَجْمُ الزَّانِينَ الْمُحْصَنِينَ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَبْيِينِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِلنَّاسِ مِنْ إِخْفَائِهِمْ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِهِمْ
٨ / ٢٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ كَفَرَ بِالرَّجْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [المائدة: ١٥] فَكَانَ الرَّجْمُ مِمَّا أَخْفُوا ” حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٢٦٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ١٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢] قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَتَاهُ الْيَهُودُ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الرَّجْمِ، وَاجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ، قَالَ: «أَيُّكُمْ أَعْلَمُ؟» فَأَشَارُوا إِلَى ابْنِ صُورِيَا، فَقَالَ: «أَنْتَ أَعْلَمُهُمْ؟» قَالَ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ: «أَنْتَ أَعْلَمُهُمْ؟» قَالَ: إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ ذَلِكَ. قَالَ: فَنَاشَدَهُ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالَّذِي رَفَعَ الطُّورَ، وَنَاشَدَهُ بِالْمَوَاثِيقِ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ، حَتَّى أَخَذَهُ أَفْكَلٌ، فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَنَا نِسَاءٌ حِسَانٌ، فَكَثُرَ فِينَا الْقَتْلُ، فَاخْتَصَرْنَا أُخْصُورَةً، فَجَلَدْنَا مِائَةً، وَحَلَقْنَا الرُّءُوسَ، وَخَالَفْنَا بَيْنَ الرُّءُوسِ إِلَى الدَّوَابِّ، أَحْسِبُهُ قَالَ: الْإِبِلَ، قَالَ: فَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْمِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ١٥] الْآيَةَ، وَهَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦] قَوْلُهُ: ﴿وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [المائدة: ١٥] يَعْنِي بِقَوْلِهِ وَيَعْفُو: وَيَتْرُكُ أَخْذَكُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ كِتَابِكُمُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ، فَلَا تَعْمَلُونَ بِهِ حَتَّى يَأْمُرَهُ اللَّهُ بِأَخْذِكُمْ بِهِ
٨ / ٢٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: قَدْ جَاءَكُمْ
٨ / ٢٦٣
يَا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، يَعْنِي بِالنُّورِ مُحَمَّدًا ﷺ، الَّذِي أَنَارَ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ، وَأَظْهَرَ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَمَحَقَ بِهِ الشِّرْكَ فَهُوَ نُورٌ لِمَنِ اسْتَنَارَ بِهِ يُبَيِّنُ الْحَقَّ، وَمِنْ إِنَارَتِهِ الْحَقَّ تَبْيِينُهُ لِلْيَهُودِ كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى النُّورُ الَّذِي أَنَارَ لَكُمْ بِهِ مَعَالِمَ الْحَقِّ. ﴿وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: ١٥] يَعْنِي: “كِتَابًا فِيهِ بَيَانُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَيْنَهُمْ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ جَمِيعَ مَا بِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَيُوَضِّحُهُ لَهُمْ، حَتَّى يَعْرِفُوا حَقَّهُ مِنْ بَاطِلِهِ
٨ / ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٦] يَعْنِي عَزَّ ذِكْرُهُ: يَهْدِي بِهَذَا الْكِتَابِ الْمُبِينِ الَّذِي جَاءَ مِنَ اللَّهِ ﷻ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ﴾ [المائدة: ١٦] يُرْشِدُ بِهِ اللَّهُ وَيُسَدِّدُ بِهِ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ بِهِ عَائِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ ﴿مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ﴾ [المائدة: ١٦] يَقُولُ: “مَنِ اتَّبَعَ رِضَا اللَّهِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرِّضَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الرِّضَا مِنْهُ بِالشَّيْءِ: الْقَبُولُ لَهُ وَالْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ. قَالُوا: فَهُوَ قَابِلٌ الْإِيمَانَ وَمُزَكٍّ لَهُ، وَمُثْنٍ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِالْإِيمَانِ، وَوَاصِفٌ الْإِيمَانَ بِأَنَّهُ نُورٌ وَهُدًى وَفَصْلٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الرِّضَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْنًى مَفْهُومٌ، هُوَ خِلَافُ السَّخَطِ، وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى مَا يُعْقَلُ مِنْ مَعَانِي الرِّضَا، الَّذِي هُوَ خِلَافُ السَّخَطِ،
٨ / ٢٦٤
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَدْحِ، لِأَنَّ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ قَوْلٌ، وَإِنَّمَا يُثْنَى وَيُمْدَحُ مَا قَدْ رُضِيَ؛ قَالُوا: فَالرِّضَا مَعْنًى، وَالثَّنَاءُ وَالْمَدْحُ مَعْنًى لَيْسَ بِهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: ١٦] طُرُقَ السَّلَامِ، وَالسَّلَامُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ
٨ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: ١٦] سَبِيلَ اللَّهِ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ، وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَابْتَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا إِلَّا بِهِ، لَا الْيَهُودِيَّةَ، وَلَا النَّصْرَانِيَّةَ، وَلَا الْمَجُوسِيَّةَ “
٨ / ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ﴾ [المائدة: ١٦] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: يَهْدِي اللَّهُ بِهَذَا الْكِتَابِ الْمُبِينِ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ إِلَى سُبُلِ السَّلَامِ، وَشَرَائِعِ دِينِهِ ﴿وَيُخْرِجُهُمْ﴾ [المائدة: ١٦] يَقُولُ: “وَيُخْرِجُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي: وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، يَعْنِي: مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ إِلَى نُورِ الْإِسْلَامِ وَضِيَائِهِ بِإِذْنِهِ، يَعْنِي: بِإِذْنِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ. وَإِذْنُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَحْبِيبُهُ إِيَّاهُ الْإِيمَانَ بِرَفْعِ طَابَعِ الْكُفْرِ عَنْ قَلْبِهِ، وَخَاتَمَ الشِّرْكِ عَنْهُ، وَتَوْفِيقُهُ لِإِبْصَارِ سُبُلِ السَّلَامِ
٨ / ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة: ١٦] يَعْنِي عَزَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَيَهْدِيهِمْ﴾ [النساء: ١٧٥] وَيُرْشِدُهُمْ وَيُسَدِّدُهُمْ ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ١٤٢] يَقُولُ: “إِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الْقَوِيمُ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ
٨ / ٢٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخُلْقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ هَذَا ذَمٌّ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ لِلنَّصَارَى وَالنَّصْرَانِيَّةِ الَّذِينَ ضَلُّوا عَنْ سُبُلِ السَّلَامِ، وَاحْتِجَاجٌ مِنْهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي فِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ بِادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أُقْسِمُ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَكُفْرُهُمْ فِي ذَلِكَ تَغْطِيَتُهُمُ الْحَقَّ فِي تَرْكِهِمْ نَفْيَ الْوَلَدِ عَنِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَادَّعَائِهِمْ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ فِرْيَةً وَكَذِبًا عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَسِيحِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٨ / ٢٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ١٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّصَارَى الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَيَّ، وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، بِقِيلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴿مَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ يَقُولُ: “مَنِ الَّذِي يُطِيقُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ
٨ / ٢٦٦
شَيْئًا، فَيَرُدُّهُ إِذَا قَضَاهُ؛ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَلَكْتُ عَلَى فُلَانٍ أَمْرَهُ: إِذَا صَارَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنْفِذَ أَمْرًا إِلَّا بِهِ وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ١٧] يَقُولُ: “مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يَرُدَّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ شَاءَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ بِإِعْدَامِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَإِعْدَامِ أُمِّهِ مَرْيَمَ، وَإِعْدَامِ جَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ جَمِيعًا. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ النَّصَارَى لَوْ كَانَ الْمَسِيحُ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَقَدَرَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَ اللَّهِ إِذَا جَاءَهُ بِإِهْلَاكِهِ وَإِهْلَاكِ أُمِّهِ، وَقَدْ أَهْلَكَ أُمَّهُ فَلَمْ يَقْدِرِ عَلَى دَفْعِ أَمْرِهِ فِيهَا إِذْ نَزَلَ ذَلِكَ، فَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مُعْتَبَرٌ إِنِ اعْتَبَرْتُمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْكُمْ إِنْ عَقِلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَسِيحَ بَشَرٌ كَسَائِرِ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل هُوَ الَّذِي لَا يُغْلَبُ وَلَا يُقْهَرُ وَلَا يُرَدُّ لَهُ أَمْرٌ، بَلْ هُوَ الْحَيُّ الدَّائِمُ الْقَيُّومُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُنْشِئُ وَيُفْنِي، وَهُوَ حَيُّ لَا يَمُوتُ
٨ / ٢٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ يَعْنِي تبارك وتعالى بِذَلِكَ: وَاللَّهُ لَهُ تَصْرِيفُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، يَعْنِي: وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، يُهْلِكُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُبْقِي مَا يَشَاءُ مِنْهُ، وَيُوجِدُ مَا أَرَادَ، وَيُعْدِمُ مَا أَحَبَّ ، لَا يَمْنَعُهُ مِنْ شَيْءٍ أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ دَافِعٌ؛ يُنْفِذُ فِيهِمْ حُكْمَهُ، وَيُمْضِي فِيهِمْ قَضَاءَهُ، لَا الْمَسِيحُ الَّذِي إِنْ أَرَادَ إِهْلَاكَهُ رَبُّهُ وَإِهْلَاكَ أُمِّهِ، لَمْ يَمْلِكْ دَفْعَ مَا أَرَادَ بِهِ رَبُّهُ مِنْ ذَلِكَ
٨ / ٢٦٧
يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ: كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا يَعْبُدُ مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِ مَا أَرَادَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ السُّوءِ، وَغَيْرَ قَادِرٍ عَلَى صَرْفِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ؟ بَلِ الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي لَهُ مُلْكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِيَدِهِ تَصْرِيفُ كُلِّ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [المائدة: ١٧] وَقَدْ ذَكَرَ السَّمَوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَمَا بَيْنَهُنَّ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: وَمَا بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْأَشْيَاءِ، كَمَا قَالَ الرَّاعِي:
[البحر الكامل]
طَرَقَا فَتِلْكَ هَمَاهِمِي أَقْرِيهِمَا … قُلُصًا لَوَاقِحَ كَالْقِسِيِّ وَحُوَّلَا
فَقَالَ: طَرَقَا، مُخْبِرًا عَنْ شَيْئَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَتِلْكَ هَمَاهِمِي، فَرَجَعَ إِلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَقَوْلُهُ: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٧] يَقُولُ: “جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وُيُنْشِئُ مَا يَشَاءُ وَيُوجِدُهُ، وَيُخْرِجُهُ مِنْ حَالِ الْعَدَمِ إِلَى حَالِ الْوُجُودِ، وَلَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ لَهُ تَدْبِيرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَتَصْرِيفَهُ وِإِفْنَاءَهُ وَإِعْدَامَهُ، وَإِيجَادَ مَا يَشَاءُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مُنْشَأٍ، يَقُولُ: فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ سِوَايَ، فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَيُّهَا الْكَذِبَةُ أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ، وَهُوَ لَا يُطِيقُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ أُمِّهِ، وَلَا اجْتِلَابِ نَفْعٍ إِلَيْهَا، إِلَّا بِإِذْنِي
٨ / ٢٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: اللَّهُ الْمَعْبُودُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمَالِكُ كُلَّ شَيْءٍ، الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ، الْمُقْتَدِرُ عَلَى هَلَاكِ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، لَا الْعَاجِزُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ ضَرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنَ اللَّهِ وَلَا مَنْعِ أُمِّهِ مِنَ الْهَلَاكِ
٨ / ٢٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَسْمِيَةُ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ مِنَ الْيَهُودِ
٨ / ٢٦٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيٍّ، فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ، فَقَالُوا: مَا تَخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ، نَحْنُ وَاللَّهِ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، كَقَوْلِ النَّصَارَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِيهِمْ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
٨ / ٢٦٩
وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ ⦗٢٧٠⦘ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾
[المائدة: ١٨] أَمَّا أَبْنَاءُ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى إِسْرَائِيلَ أَنَّ وَلَدًا مِنْ وَلَدِكِ أُدْخِلُهُمُ النَّارَ فَيَكُونُونَ فِيهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا حَتَّى تُطَهِّرَهُمْ وَتَأْكُلَ خَطَايَاهُمْ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَنِ أَخْرِجُوا كُلَّ مَخْتُونٍ مِنْ وَلَدِ إِسْرَائِيلَ، فَأُخْرِجُهُمْ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾
[آل عمران: ٢٤] وَأَمَّا النَّصَارَى، فَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ قَالَ لِلْمَسِيحِ: ابْنُ اللَّهِ ” وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْخَبَرَ إِذَا افْتَخَرَتْ مُخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا افْتَخَرَتْ بِهِ مِنْ فِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَتَقُولُ: نَحْنُ الْأَجْوَادُ الْكِرَامُ، وَإِنَّمَا الْجَوَادُ فِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْمُتَكَلِّمُ الْفَاعِلُ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
[البحر الطويل]
نَدَسْنَا أَبَا مَنْدُوسَةَ الْقَيْنَ بِالْقَنَا … وَمَا رَدَمٌ مِنْ جَارِ بَيْبَةَ نَاقِعُ
فَقَالَ: نَدَسْنَا، وَإِنَّمَا النَّادِسُ: رَجُلٌ مِنْ قَوْمِ جَرِيرٍ غَيْرُهُ، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ مُخْرَجَ الْخَبَرِ عَنْ جَمَاعَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ. فكَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنِ النَّصَارَى أَنَّهَا قَالَتْ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] وَهُوَ جَمْعُ حَبِيبٍ ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ [المائدة: ١٨] يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ⦗٢٧١⦘ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْكَذِبَةِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى رَبِّهِمْ: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ رَبُّكُمْ، يَقُولُ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ يُعَذِّبُكُمْ رَبُّكُمْ بِذُنُوبِكُمْ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَإِنَّ الْحَبِيبَ لَا يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَدَدَ الْأَيَّامِ الَّتِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْلَ، ثُمَّ يُخْرِجُنَا جَمِيعًا مِنْهَا؛ فَقَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لَهُمْ: إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟ يُعَلِّمُهُمْ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُمْ أَهْلُ فِرْيَةٍ وَكَذِبٍ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ
٨ / ٢٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [المائدة: ١٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ لَهُمْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ، يَقُولُ: خَلْقٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، خَلَقَكُمُ اللَّهُ مِثْلَ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، إِنْ أَحْسَنْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِحْسَانِكُمْ كَمَا سَائِرُ بَنِي آدَمَ مَجْزِيُّونَ بِإِحْسَانِهِمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ جُوزِيتُمْ بِإِسَاءَتِكُمْ كَمَا غَيْرُكُمْ مَجْزِيُّ بِهَا، لَيْسَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا مَا لَغَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ ذُنُوبَهُ، فَيَصْفَحُ عَنْهُ بِفَضْلِهِ، وَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ بِرَحْمَتِهِ، فَلَا يُعَاقِبُهُ بِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. ﴿وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ: “وَيَعْدِلُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذُنُوبِهِ، وَيَفْضَحُهُ بِهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، فَلَا يَسْتُرُهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ
٨ / ٢٧١
وَجَلَّ وَعِيدٌ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الْمُتَّكِلِينَ عَلَى مَنَازِلِ سَلَفِهِمُ الْخُيَّارَ عِنْدَ اللَّهِ، الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَاجْتِنَابِهِمْ مَعْصِيَتَهُ، لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى رِضَاهُ، وَاصْطِبَارِهِمْ عَلَى مَا نَابَهُمْ فِيهِ. يَقُولُ لَهُمْ: لَا تَغْتَرُّوا بِمَكَانِ أُولَئِكَ مِنِّي، وَمَنَازِلِهِمْ عِنْدِي، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا مِنِّي بِالطَّاعَةِ لِي، وَإِيثَارِ رِضَايَ عَلَى مَحَابِّهِمْ، لَا بِالْإِمَانِيِّ، فَجُدُّوا فِي طَاعَتِي، وَانْتَهُوا إِلَى أَمْرِي، وَانْزَجِرُوا عَمَّا نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا أَغْفِرُ ذُنُوبَ مَنْ أَشَاءُ أَنْ أَغْفِرَ ذُنُوبَهُ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِي، وَأُعَذِّبُ مَنْ أَشَاءُ تَعْذِيبَهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِي، لَا لِمَنْ قَرُبَتْ زُلْفَةُ آبَائِهِ مِنِّي، وَهُوَ لِي عَدُوٌّ وَلِأَمْرِي وَنَهْيِي مُخَالِفٌ
٨ / ٢٧٢
وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: قَوْلُهُ: ﴿يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ١٢٩] يَقُولُ: «يَهْدِي مِنْكُمْ مَنْ يَشَاءُ فِي الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لَهُ، وَيُمِيتُ مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ عَلَى كُفْرِهِ فَيُعَذِّبُهُ»
٨ / ٢٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ يَقُولُ: لِلَّهِ تَدْبِيرُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَتَصْرِيفُهُ، وَبِيَدِهِ أَمْرُهُ، وَلَهُ مُلْكُهُ، يَصْرِفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ وَيُدَبِّرُهُ كَيْفَ أَحَبَّهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ مُلْكٌ، فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، أَنَّهُ إِنْ عَذَّبَكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَكُمْ مِنْهُ مَانِعٌ وَلَا لَكُمْ عَنْهُ دَافِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَ أَحَدٍ ⦗٢٧٣⦘ وَبَيْنَهُ فَيُحَابِيهِ لِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَا لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ وَمَرْجِعِهِ. فَاتَّقُوا أَيُّهَا الْمُفْتَرُونَ عِقَابَهُ إِيَّاكُمْ عَلَى ذُنُوبِكُمْ بَعْدَ مَرْجِعِكُمْ إِلَيْهِ، وَلَا تَغْتَرُّوا بِالْإِمَانِيِّ وَفَضَائِلِ الْآبَاءِ وَالْإِسْلَافِ
٨ / ٢٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسِلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٩] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٦٤] الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لَمَّا دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالُوا: مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَنْزَلَ بَعْدَ التَّوْرَاةِ كِتَابًا
٨ / ٢٧٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: ثني سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ لِلْيَهُودِ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، لَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ. فَقَالَ رَابِعُ بْنُ حَرْمَلَةَ وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا: أَمَا قُلْنَا هَذَا لَكُمْ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ. ⦗٢٧٤⦘ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٩] وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا﴾ [المائدة: ١٥] قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ ﷺ ﴿رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ١٩] يَقُولُ: “يُعَرِّفُكُمُ الْحَقَّ، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ أَعْلَامَ الْهُدَى، وَيُرْشِدُكُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ الْمُرْتَضَى. كَمَا:
٨ / ٢٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة: ١٩] وَهُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ، جَاءَ بِالْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فِيهِ بَيَانُ اللَّهِ وَنُورُهُ وَهُدَاهُ، وَعِصْمَةٌ لِمَنْ أَخَذَ بِهِ يَقُولُ: عَلَى انْقِطَاعِ مِنَ الرُّسُلِ. وَالْفَتْرَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الِانْقِطَاعُ، يَقُولُ: قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمُ الْحَقَّ وَالْهُدَى عَلَى انْقِطَاعٍ مِنَ الرُّسُلِ. . وَالْفَتْرَةُ: الْفَعْلَةُ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَتَرَ هَذَا الْأَمْرُ يَفْتُرُ فُتُورًا، وَذَلِكَ إِذَا هَدَأَ وَسَكَنَ، وَكَذَلِكَ الْفَتْرَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَاهَا: السُّكُونُ، يُرَادُ بِهِ سُكُونُ مَجِيءِ الرُّسُلِ، وَذَلِكَ انْقِطَاعُهَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَدْرِ مُدَّةِ تِلْكَ الْفَتْرَةِ، فَاخْتُلِفَ فِي الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ.
٨ / ٢٧٤
فرَوَى مَعْمَرٌ عَنْهُ، مَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة: ١٩] قَالَ: “كَانَ بَيْنَ ⦗٢٧٥⦘ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً.
٨ / ٢٧٤
ورَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنهُ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَتِ الْفَتْرَةُ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ، أَوْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ، اللَّهُ أَعْلَمُ “
٨ / ٢٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ، قَوْلُهُ: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة: ١٩] قَالَ: «كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً»
٨ / ٢٧٥
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة: ١٩] قَالَ: “كَانَتِ الْفَتْرَةُ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَبِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ﴾ [المائدة: ١٩] أَنْ لَا تَقُولُوا، وَكَيْ لَا تَقُولُوا، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَضِلُّوا، وَكَيْ لَا تَضِلُّوا. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، كَيْ لَا تَقُولُوا: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ. يعَلِّمُهُمْ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَدْ قَطَعَ عُذْرَهُمْ بِرَسُولِهِ ﷺ،
٨ / ٢٧٥
وَأَبْلَغَ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّةِ. وَيَعْنِي بِالْبَشِيرِ: الْمُبَشِّرَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَآمَنَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَعَمِلَ بِمَا آتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِعَظِيمِ ثَوَابِهِ فِي آخِرَتِهِ، وَبِالنَّذِيرِ الْمُنْذِرَ مَنْ عَصَاهُ وَكَذَّبَ رَسُولَهُ ﷺ وَعَمِلَ بِغَيْرِ مَا أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ بِمَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ فِي مَعَادِهِ وَشَدِيدِ عَذَابِهِ فِي قِيَامَتِهِ
٨ / ٢٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [المائدة: ١٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ: قَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْكُمْ، وَاحْتَجَجْنَا عَلَيْكُمْ برَسُولِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ إِلَيْكُمْ، وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ، لِيُبَيِّنَ لَكُمْ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، كَيْلَا تَقُولُوا لَمْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدِكَ رَسُولٌ يُبَيِّنُ لَنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، فَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ عِنْدِي رَسُولٌ، يُبَشِّرُ مَنْ آمَنَ بِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرْتُهُ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَيْتُهُ عَنْهُ، وَيُنْذِرُ مَنْ عَصَانِي وَخَالَفَ أَمْرِي، وَأَنَا الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَقْدِرُ عَلَى عِقَابِ مَنْ عَصَانِي وَثَوَابِ مَنْ أَطَاعَنِي، فَاتَّقُوا عِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّايَ وَتَكْذِيبِكُمْ رَسُولِي، وَاطْلُبُوا ثَوَابِي عَلَى طَاعَتِكُمْ إِيَّايَ، وَتَصْدِيقِكُمْ بَشِيرِي وَنَذِيرِي، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ
٨ / ٢٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] وَهَذَا أَيْضًا مِنَ اللَّهِ تَعْرِيفٌ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ قَدِيمٌ بِتَمَادِي هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ فِي الْغَيِّ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَشِدَّةِ خِلَافِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَبُطْءِ إِنَابَتِهِمْ إِلَى الرَّشَادِ، مَعَ كَثْرَةِ نِعِمِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَتَتَابُعِ أَيَادِيهِ وَآلَائِهِ عَلَيْهِ، مُسَلِّيًا بِذَلِكَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ عَمَّا يَحِلُّ بِهِ مِنْ عِلَاجِهِمْ وَيُنْزِلُ بِهِ مِنْ
٨ / ٢٧٦
مُقَاسَاتِهِمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ. يَقُولُ اللَّهُ لَهُ ﷺ: لَا تَأْسَ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الذَّهَابَ عَنِ اللَّهِ وَالْبُعْدَ مِنَ الْحَقِّ وَمَا فِيهِ لَهُمُ الْحَظُّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ عَادَاتِهِمْ وَعَادَاتِ أَسْلَافِهِمْ وَأَوَائِلِهِمْ، وَتَعَزَّ بِمَا لَاقَى مِنْهُمْ أَخُوكَ مُوسَى ﷺ، وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ مُوسَى لَهُمْ: ﴿يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٢٠] يَقُولُ: “اذْكُرُوا أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَآلَاءَهُ قِبَلَكُمْ. كَمَا:
٨ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَأَيَّامَهُ»
٨ / ٢٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يَقُولُ: «عَافِيَةَ اللَّهِ» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا قُلْنَا، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَصِّصْ مِنَ النِّعَمِ شَيْئًا، بَلْ عَمَّ ذَلِكَ بِذِكْرِ النِّعَمِ، فَذَلِكَ عَلَى الْعَافِيَةِ وَغَيْرِهَا، إِذْ كَانَتِ الْعَافِيَةُ أَحَدَ مَعَانِي النِّعَمِ
٨ / ٢٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [سورة: المائدة، آية رقم: ٢٠] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، أَنَّ مُوسَى ذَكَّرَ قَوْمَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَيَّامِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَبِآلَائِهِ قِبَلَهُمْ، فَحَرَّضَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى اتِّبَاعِ أَمْرِ اللَّهِ فِي قِتَالِ الْجَبَّارِينَ، فَقَالَ لَهُمُ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنْ فَضَّلَكُمْ بِأَنْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ يَأْتُونَكُمْ بِوَحْيِهِ وَيُخْبِرُونَكُمْ بِآيَاتِهِ الْغَيْبِ، وَلَمْ يُعْطِ ذَلِكَ غَيْرَكُمْ فِي زَمَانِكُمْ هَذَا فَقِيلَ إِنَّ
٨ / ٢٧٧
الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ جُعِلُوا فِيهِمْ هُمُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى، إِذْ صَارَ إِلَى الْجَبَلِ وَهُمُ السَّبْعُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَ: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [سورة: الأعراف، آية رقم: ١٥٥] ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [سورة: المائدة، آية رقم: ٢٠] سَخَّرَ لَكُمْ مِنْ غَيْرِكُمْ خَدَمًا يَخْدُمُونَكُمْ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مُوسَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَحَدٌ سِوَاهُمْ يَخْدُمُهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ
٨ / ٢٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ سُخِّرَ لَهُمُ الْخَدَمُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمَلَكُوا» وَقَالَ آخَرُونَ: كُلُّ مَنْ مَلَكَ بَيْتًا وَخَادِمًا وَامْرَأَةً، فَهُوَ مَلِكٌ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ
٨ / ٢٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهُ، رَجُلٌ، فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ. فَقَالَ: إِنَّ لِي خَادِمًا. قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ “
٨ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، يَقُولُ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ وَخَادِمٌ فَهُوَ مَلِكٌ»
٨ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] فَقَالَ: وَهَلِ الْمُلْكُ إِلَّا مَرْكَبٌ وَخَادِمٌ وَدَارٌ. فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ: إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْلِكُونَ الدُّورَ وَالْخَدَمَ، وَلَهُمْ نِسَاءٌ وَأَزْوَاجٌ “
٨ / ٢٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: أُرَاهُ عَنِ الْحَكَمِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ بَيْتٌ وَامْرَأَةٌ وَخَادِمٌ، عُدَّ مَلِكًا»
٨ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «الدَّارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخَادِمُ. قَالَ سُفْيَانُ: أَوِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ»
٨ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، ⦗٢٨٠⦘ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «الْبَيْتُ وَالْخَادِمُ»
٨ / ٢٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ وَالْبَيْتُ»
٨ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا»
٨ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَتْ لَهُ الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ وَالدَّارُ يُسَمَّى مَلِكًا»
٨ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «مَلَّكَهُمُ الْخَدَمَ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أَوَّلَ ⦗٢٨١⦘ مَنْ مَلَكَ الْخَدَمَ»
٨ / ٢٨٠
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «جَعَلَ لَكُمْ أَزْوَاجًا وَخَدَمًا وَبُيُوتًا» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ
٨ / ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا﴾ [المائدة: ٢٠] يَمْلِكُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ “
٨ / ٢٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] اخْتُلِفَ فِيمَنْ عُنُوا بِهَذَا الْخِطَابِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ
٨ / ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَا: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ ” ⦗٢٨٢⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ قَوْمُ مُوسَى ﷺ
٨ / ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُمْ قَوْمُ مُوسَى»
٨ / ٢٨٢
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «هُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ يَوْمَئِذٍ» ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي آتَاهُمُ اللَّهُ مَا لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرُ وَالْغَمَامُ
٨ / ٢٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرُ وَالْغَمَامُ»
٨ / ٢٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] يَعْنِي أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ، الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرَ وَالْغَمَامَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الدَّارُ وَالْخَادِمُ وَالزَّوْجَةُ
٨ / ٢٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] قَالَ: «الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ وَالزَّوْجَةُ»
٨ / ٢٨٣
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرُ وَالْغَمَامُ ” وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، خِطَابٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، حَيْثُ جَاءَ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٢٠] وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ. وَلَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] مَصْرُوفٌ عَنْ خِطَابِ الَّذِينَ ابْتُدِئَ بِخِطَابِهِمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَأَنْ يَكُونَ خِطَابًا لَهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَصْرُوفٌ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ كَانَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ قَدْ أُوتِيَتْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ نَبِيَّهَا ⦗٢٨٤⦘ عليه الصلاة والسلام مُحَمَّدًا، مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، وَهُمْ مِنَ الْعَالَمِينَ؛ فَقَدْ ظَنَّ غَيْرَ الصَّوَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] خِطَابٌ مِنْ مُوسَى ﷺ لِقَوْمِهِ يَوْمَئِذٍ، وَعَنَى بِذَلِكَ عَالِمِي زَمَانِهِ لَا عَالِمِي كُلِّ زَمَانٍ، وَلَمْ يَكُنْ أُوتِيَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ نِعِمِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ مَا أُوتِيَ قَوْمُهُ ﷺ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَخَرَجَ الْكَلَامُ مِنْهُ ﷺ عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى جَمِيعِ كُلِّ زَمَانٍ
٨ / ٢٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٢١] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ مُوسَى ﷺ لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُ، يَأْمُرُهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي عَنَاهَا بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: الطُّورَ وَمَا حَوْلَهُ
٨ / ٢٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ: الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٢٨٤
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: ٢١] قَالَ: «⦗٢٨٥⦘ الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الشَّامُ
٨ / ٢٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: ٢١] قَالَ: «هِيَ الشَّامُ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ أَرْضُ أَرِيحَاءَ
٨ / ٢٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] قَالَ: «أَرِيحَاءُ»
٨ / ٢٨٥
حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: «هِيَ أَرِيحَاءُ»
٨ / ٢٨٥
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «هِيَ أَرِيحَاءُ» ⦗٢٨٦⦘ وَقِيلَ: إِنَّ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ: دِمَشْقُ وَفِلَسْطِينُ وَبَعْضُ الْأَرْدُنِّ. وَعَنَى بِقَوْلِهِ ﴿الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: ٢١] الْمُطَهَّرَةَ الْمُبَارَكَةَ. كَمَا:
٨ / ٢٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ﴾ [المائدة: ٢١] قَالَ: «الْمُبَارَكَةُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِمِثْلِهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، أَنْ يُقَالَ: هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، كَمَا قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى ﷺ. لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهَا أَرْضٌ دُونَ أَرْضٍ، لَا تُدْرَكُ حَقِيقَةُ صِحَّتِهِ إِلَّا بِالْخَبَرِ، وَلَا خَبَرَ بِذَلِكَ يَجُوزُ قَطْعُ الشَّهَادَةِ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي بَيْنَ الْفُرَاتِ وَعَرِيشِ مِصْرَ لِإِجْمَاعِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَالسِّيَرِ وَالْعُلَمَاءِ بِالْأَخْبَارِ عَلَى ذَلِكَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] الَّتِي أَثْبَتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا لَكُمْ مَسَاكِنُ، وَمَنَازِلُ دُونَ الْجَبَابِرَةِ الَّتِي فِيهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قَالَ: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ٢٦] فَكَيْفَ يَكُونُ مُثْبَتًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا مَسَاكِنُ لَهُمْ، وَمُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ سُكْنَاهَا؟ قِيلَ: إِنَّهَا كُتِبَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ دَارًا وَمَسَاكِنَ، وَقَدْ سَكَنُوهَا وَنَزَلُوهَا،
٨ / ٢٨٦
وَصَارَتْ لَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ. وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] يَعْنِي بِهَا: كَتَبَهَا اللَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ مُوسَى بِدُخُولِهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَعْنِ ﷺ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ كَتَبَهَا لِلَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِهَا بِأَعْيَانِهِمْ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً لِبَعْضِهِمْ، وَلِخَاصٍّ مِنْهُمْ، فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْخَاصُّ، إِذْ كَانَ يُوشَعُ وَكَالِبُ قَدْ دَخَلَا، وَكَانَا مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْقَوْلِ، كَانَ أَيْضًا وَجْهًا صَحِيحًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ
٨ / ٢٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] الَّتِي وَهَبَ اللَّهُ لَكُمْ ” وَكَانَ السُّدِّيُّ يَقُولُ: مَعْنَى كَتَبَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى أَمَرَ
٨ / ٢٨٧
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] الَّتِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهَا “
٨ / ٢٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٢١] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قِيلِ مُوسَى عليه السلام لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ أَمَرَهُمْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ إِيَّاهُ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، أَنَّهُ قَالَ لَهُمُ: امْضُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ دُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ﴿وَلَا تَرْتَدُّوا﴾ [المائدة: ٢١] يَقُولُ: “
٨ / ٢٨٧
لَا تَرْجِعُوا الْقَهْقَرَى مُرْتَدِّينَ ﴿عَلَى أَدْبَارِكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] يَعْنِي: “إِلَى وَرَائِكُمْ، وَلَكِنِ امْضُوا قُدُمًا لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ وَالْهُجُومِ عَلَيْهِمْ فِي أَرْضِهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَتَبَهَا لَكُمْ مَسْكَنًا وَقَرَارًا. وَيَعْنِي بَقَوْلِهِ: ﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٩] أَنَّكُمْ تَنْصَرِفُوا خَائِبِينَ هَكَذَا، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخُسَارَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا كَانَ وَجْهُ قِيلِ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ لَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ؟ أَوْ يَسْتَوْجِبُ الْخَسَارَةَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ أَرْضًا جُعِلَتْ لَهُ؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ كَانَ أَمَرَهُ بِقِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا، فَاسْتَوْجَبَ الْقَوْمُ الْخَسَارَةَ بِتَرْكِهِمْ. إِذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَضْيِيعُ فَرْضِ الْجِهَادِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ. وَالثَّانِي: خِلَافُهُمْ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِهِمْ دُخُولَ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُمْ لِنَبِيِّهِمْ مُوسَى ﷺ إِذْ قَالَ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة: ٢٢]
٨ / ٢٨٨
كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] أُمِرُوا بِهَا ⦗٢٨٩⦘ كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ “
٨ / ٢٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة: ٢٢] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَابِ قَوْمِ مُوسَى عليه السلام، إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، أَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ إِجَابَةً إِلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاعْتَلُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إِنَّ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي تَأْمُرُنَا بِدُخُولِهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ لَا طَاقَةَ لَنَا بِحَرْبِهِمْ وَلَا قُوَّةَ لَنَا بِهِمْ. وَسَمُّوهُمْ جَبَّارِينَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِشِدَّةِ بَطْشِهِمْ وَعَظِيمِ خَلْقِهِمْ فِيمَا ذِكِرَ لَنَا قَدْ قَهَرُوا سَائِرَ الْأُمَمِ غَيْرَهُمْ. وَأَصْلُ الْجَبَّارِ: الْمُصْلِحُ أَمْرَ نَفْسِهِ وَأَمْرَ غَيْرِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنِ اجْتَرَّ نَفْعًا إِلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ طَلَبَ الْإِصْلَاحَ لَهَا، حَتَّى قِيلَ لِلْمُتَعَدِّي إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ بَغْيًا عَلَى النَّاسِ وَقَهْرًا لَهُمْ وَعُتُوًّا عَلَى رَبِّهِ: جَبَّارٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فَعَّالٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَرَ فُلَانٌ هَذَا الْكَسْرَ إِذَا أَصْلَحَهُ وَلَأَمَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرَ … وَعَوَّرَ الرَّحْمَنُ مَنْ وَلَّى الْعَوَرْ
يُرِيدُ: قَدْ أَصْلَحَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَصَلَحَ، وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْجَبَّارُ، لِأَنَّهُ الْمُصْلِحُ أَمْرَ عِبَادِهِ الْقَاهِرُ لَهُمْ بِقُدْرَتِهِ
٨ / ٢٨٩
وَمِمَّا ذَكَرْتُهُ مِنْ عِظَمِ خَلْقِهِمْ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ، مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا مِنْ أَمْرِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالسَّيْرِ إِلَى أَرِيحَاءَ، وَهِيَ أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ، بَعَثَ مُوسَى اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْجَبَّارِينَ، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ، يُقَالَ لَهُ: عِوَجٌ، فَأَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَتِهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ حِمْلَةُ حَطَبٍ، وَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: انْظُرِي لِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُونَا. فطَرَحَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: أَلَا أَطْحَنُهُمْ بِرِجْلِي؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَا، بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا رَأَوْا، فَفَعَلَ ذَلِكَ “
٨ / ٢٩٠
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُمِرَ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ، مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ، قَالَ: فَسَارَ مُوسَى بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ أَرِيحَاءُ. فبَعَثَ إِلَيْهِمُ اثْنَيْ عَشَرَ عَيْنًا، مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنًا، لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ. قَالَ: فَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ هَيْئَتِهِمْ وَجُثَثِهِمْ وَعِظَمِهِمْ، فَدَخَلُوا حَائِطًا لِبَعْضِهِمْ، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِيَجْتَنِيَ الثِّمَارَ مِنْ حَائِطِهِ، فَجَعَلَ يَجْتَنِي الثِّمَارَ وَيَنْظُرُ إِلَى آثَارِهِمْ وَتَتَبَّعَهُمْ، فَكُلَّمَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَخَذَهُ، فَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ مَعَ الْفَاكِهَةِ. وَذَهَبَ إِلَى مَلِكِهِمْ فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ الْمَلِكُ: قَدْ رَأَيْتُمْ شَأْنَنَا وَأَمْرَنَا، اذْهَبُوا
٨ / ٢٩٠
فَأَخْبِرُوا صَاحِبَكُمْ، قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرِهِمْ “
٨ / ٢٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [المائدة: ٢٢] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ أَجْسَامٌ وَخَلْقٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ “
٨ / ٢٩١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: إِنَّ مُوسَى عليه السلام قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنِّي سَأَبْعَثُ رِجَالًا يَأْتُونَنِي بِخَبَرِهِمْ، وَإِنَّهُ أَخَذَ مِنْ كُلِّ سِبْطٍ رَجُلًا، فَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، فَقَالَ: سِيرُوا إِلَيْهِمْ وَحَدِّثُونِي حَدِيثَهُمْ وَمَا أَمْرُهُمْ، وَلَا تَخَافُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ مَا أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ، وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِهِ، وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا. ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ سَارُوا حَتَّى هَجَمُوا عَلَيْهِمْ، فَرَأَوْا أَقْوَامًا لَهُمْ أَجْسَامٌ عَجَبٌ، عِظَمًا وَقُوَّةً، وَأَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ أَبْصَرَهُمْ أَحَدُ الْجَبَّارِينَ، وَهُمْ لَا يَأْلُونَ أَنْ يُخْفُوا أَنْفُسَهُمْ حِينَ رَأَوُا الْعَجَبَ، فَأَخَذَ ذَلِكَ الْجَبَّارُ مِنْهُمْ رِجَالًا، فَأَتَى رَئِيسُهُمْ، فَأَلْقَاهُمْ قُدَّامَهُ، فَعَجِبُوا وَضَحِكُوا مِنْهُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَزْوَكُمْ، وَأَنَّهُ لَوْلَا مَا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَقُتِلُوا. وَإِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى مُوسَى عليه السلام فَحَدَّثُوهُ الْعَجَبَ “
٨ / ٢٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ [المائدة: ١٢] مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى إِلَى الْجَبَّارِينَ، فَوَجَدُوهُمْ يَدْخُلُ فِي كُمِّ أَحَدِهِمُ اثْنَانِ مِنْهُمْ، يَلْقَوْنَهُمْ إِلْقَاءً، وَلَا يَحْمِلُ عُنْقُودَ عِنَبِهِمْ إِلَّا خَمْسَةُ أَنْفُسٍ بَيْنَهُمْ فِي خَشَبَةٍ، ⦗٢٩٢⦘ وَيَدْخُلُ فِي شَطْرِ الرُّمَّانَةِ إِذَا نُزِعَ حَبُّهَا خَمْسَةُ نَفْسٍ أَوْ أَرْبَعَةُ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
٨ / ٢٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، ٠ عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [المائدة: ٢٢] قَالَ: «سَفِلَةٌ لَا خَلَاقَ لَهُمْ»
٨ / ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ [المائدة: ٢٢] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ قَوْمِ مُوسَى لِمُوسَى جَوَابًا لِقَوْلِهِ لَهُمْ: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٢١] فَقَالُوا: ﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا﴾ [المائدة: ٢٢] يَعْنُونَ: مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الْجَبَّارُونَ الَّذِينَ فِيهَا، جُبْنًا مِنْهُمْ وَجَزَعًا مِنْ قِتَالِهِمْ. وَقَالُوا لَهُ: إِنْ يَخْرُجْ مِنْهَا هَؤُلَاءِ الْجَبَّارُونَ دَخَلْنَاهَا، وَإِلَّا فَإِنَّا لَا نُطِيقُ دُخُولَهَا وَهُمْ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَلَا يَدَ
٨ / ٢٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّ كَالِبَ بْنَ يُوفَنَا أَسْكَتَ الشَّعْبَ عَنْ مُوسَى، ﷺ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّا سَنَعْلُو الْأَرْضَ وَنَرِثُهَا، وَإِنَّ لَنَا بِهِمْ
٨ / ٢٩٢
قُوَّةً. وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، فَقَالُوا: لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَصِلَ إِلَى ذَلِكَ الشَّعْبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أَجْرَأُ مِنَّا. ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الْجَوَاسِيسَ أَخْبَرُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْخَبَرَ، وَقَالُوا: إِنَّا مَرَرْنَا فِي أَرْضٍ وَأَحْسَسْنَاهَا، فَإِذَا هِيَ تَأْكُلُ سَاكِنَهَا، وَرَأَيْنَا رِجَالَهَا جِسَامًا، وَرَأَيْنَا الْجَبَابِرَةَ بَنِي الْجَبَابِرَةِ، وَكُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ مِثْلَ الْجَرَادِ. فأَرْجَفَتِ الْجَمَاعَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْبُكَاءِ. فبَكَى الشَّعْبُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَوَسْوَسُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، فَقَالُوا لَهُمَا: يَا لَيْتَنَا مِتْنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَلَيْتَنَا نَمُوتُ فِي هَذِهِ الْبَرِيَّةِ وَلَمْ يُدْخِلْنَا اللَّهُ هَذِهِ الْأَرْضَ لَنَقَعَ فِي الْحَرْبِ، فَتَكُونَ نِسَاؤُنَا وَأَبْناؤُنَا وَأَثْقَالُنَا غَنِيمَةً، وَلَوْ كُنَّا قُعُودًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، كَانَ خَيْرًا لَنَا وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا نَجْعَلْ عَلَيْنَا رَأْسًا وَنَنْصَرِفْ إِلَى مِصْرَ “
٨ / ٢٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلِيهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنِ الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ مِنْ قَوْمِ مُوسَى: يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَكَالِبَ بْنِ يوفنا، أَنَّهُمَا وَفَيَا لِمُوسَى بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِمَا مِنْ تَرْكِ إِعْلَامِ قَوْمِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ عَلَى الْجَبَابِرَةِ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ، بِمَا رَأَيَا وَعَايَنَا مِنْ شِدَّةِ بَطْشِ الْجَبَابِرَةِ وَعِظَمِ خَلْقِهِمْ، وَوَصَفَهُمَا اللَّهُ بِأَنَّهُمَا مِمَّنْ يَخَافُ اللَّهَ وَيُرَاقِبُهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؛ كَمَا:
٨ / ٢٩٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ،. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ،. ح، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا ⦗٢٩٤⦘ وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] قَالَ: «كِلَابُ بْنُ يوفنا وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ»
٨ / ٢٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] قَالَ: «يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَكِلَابُ بْنُ يوفنا، وَهُمَا مِنَ النُّقَبَاءِ»
٨ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ النُّقَبَاءُ كُلُّهُمْ يَنْهَى سَبْطَهُ عَنْ قِتَالِهِمْ، إِلَّا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَكِلَابُ بْنُ يُوفَنَا يَأْمُرَانِ الْأَسْبَاطَ بِقِتَالِ الْجَبَّارِينَ وَمُجَاهَدَتِهِمْ، فَعَصَوْهُمَا، وَأَطَاعُوا الْآخَرِينَ، فَهُمَا الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا «حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ حُمَيْدٍ قَالَ فِي حَدِيثِهِ:»هُمَا مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا
٨ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، ⦗٢٩٥⦘ قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا، قَالَ: فَرَجَعُوا، يَعْنِي النُّقَبَاءَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: اكْتُمُوا شَأْنَهُمْ وَلَا تُخْبِرُوا بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرَةِ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمُوهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فَشِلُوا وَلَمْ يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ. قَالَ: فَذَهَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَخْبَرَ قَرِيبَهُ وَابْنَ عَمِّهِ، إِلَّا هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَكِلَابَ بْنَ يوفنا، فَإِنَّهُمَا كَتَمَا وَلَمْ يُخْبِرَا بِهِ أَحَدًا، وَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] “
٨ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] وَهُمَا اللَّذَانِ كَتَمَاهُمْ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ فَتَى مُوسَى، وَكَالُوبُ بْنُ يوفنة خَتَنُ مُوسَى “
٨ / ٢٩٥
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] كَالُوبُ وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ ⦗٢٩٦⦘ فَتَى مُوسَى “
٨ / ٢٩٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] وَالرِّجْلَانِ اللَّذَانِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: وَكَالُوبُ بْنُ يوفنة “
٨ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَيْنِ: يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَكَالِبٌ “
٨ / ٢٩٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: أَنَّ مُوسَى، قَالَ لِلنُّقَبَاءِ لَمَّا رَجَعُوا فَحَدَّثُوهُ الْعَجَبَ: لَا تُحَدِّثُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ، إِنَّ اللَّهَ سَيَفْتَحُهَا لَكُمْ وَيُظْهِرُكُمْ عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِ مَا رَأَيْتُمْ وَإِنَّ الْقَوْمَ أَفْشَوُا الْحَدِيثَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا: كَانَ أَحَدُهُمَا فِيمَا سَمِعْنَا يُوشَعَ بْنَ نُونٍ وَهُوَ فَتَى مُوسَى، وَالْآخَرَ كَالِبٌ، فَقَالَا: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ” وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ﴾ [المائدة: ٢٣] قَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَخَافُونَ، عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ آنِفًا، أَنَّهُمَا يُوشَعُ
٨ / ٢٩٦
بْنُ نُونٍ وَكَالُبُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى مِمَّنْ يَخَافُ اللَّهَ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمَا بِالتَّوْفِيقِ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: “قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّهَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا
٨ / ٢٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ،. ح، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: «يَخَافُونَ اللَّهَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا» وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُوشَعُ، وَكَالِبٌ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يُخَافُونَ» بِضَمِّ الْيَاءِ ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣]
٨ / ٢٩٧
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، وَلَا نَعْلَمُهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ: يُخَافُونَ ” وَكَأَنَّ سَعِيدًا ذَهَبَ فِي قِرَاءَتِهِ هَذِهِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا ⦗٢٩٨⦘ قَالَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ، كَانَا مِنْ رَهْطِ الْجَبَابِرَةِ، وَكَانَا أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى، فَهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الْجَبَابِرَةِ، الَّذِينَ يَخَافُهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي الدِّينِ مُخَالِفِينَ. وَقَدْ حُكِيَ نَحْوُ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
٨ / ٢٩٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة: ٢١] قَالَ: “هِيَ مَدِينَةُ الْجَبَّارِينَ، لَمَّا نَزَلَ بِهَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، بَعَثَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وَهُمُ النُّقَبَاءُ الَّذِينَ ذَكَرَ نِعَتَهُمْ لِيَأْتُوهُ بِخَبَرِهِمْ. فسَارُوا، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ، فَجَعَلَهُمْ فِي كِسَائِهِ، فَحَمَلَهُمْ حَتَّى أَتَى بِهِمُ الْمَدِينَةَ، وَنَادَى فِي قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ قَوْمُ مُوسَى، بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ لِنَأْتِيَهُ بِخَبَرِكُمْ، فَأَعْطَوْهُمْ حَبَّةً مِنْ عِنَبٍ بِوِقْرِ الرَّجُلِ، فَقَالُوا لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَوْمِهِ، فَقُولُوا لَهُمُ: اقْدُرُوا قَدْرَ فَاكِهَتِهِمْ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ، قَالُوا لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] وَكَانَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى وَهَارُونَ، فَقَالَا لِمُوسَى: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ ⦗٢٩٩⦘ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣] فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلِ لَمْ يَكْتُمْ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا أَحَدًا مَا أَمَرَهُمْ مُوسَى بِكِتْمَانِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِمَّا رَأَوْا وَعَايَنُوا مِنْ عِظَمِ أَجْسَامِ الْجَبَابِرَةِ وَشِدَّةِ بَطْشِهِمْ وَعَجِيبِ أُمُورِهِمْ، بَلْ أَفْشَوْا ذَلِكَ كُلَّهُ. وَإِنَّمَا الْقَائِلُ لِلْقَوْمِ وَلِمُوسَى: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، رَجُلَانِ مِنْ أَوْلَادِ الَّذِينَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَخَافُونَهُمْ وَيَرْهَبُونَ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، كَانَ أَسْلَمَا وَتَبِعَا نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ﴿مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهَا، وَأَنَّ مَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْهُمْ فَحُجَّةٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ الْوَاحِدُ فَجَائِزٌ فِيهِ الْخَطَأُ وَالسَّهْوُ. ثُمَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ فِي تَأْوِيلِهَا عَلَى أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُمَا يُوشَعُ وَكِلَابٌ، مَا أَغْنَى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ فِي ذَلِكَ وَفَسَادِ غَيْرِهِ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعِهَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِي طَاعَةِ نَبِيِّهِ مُوسَى ﷺ، وَانْتِهَائِهِمْ إِلَى أَمْرِهِ، وَالِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَهُمَا عَنْهُ ﷺ، مِنْ إِفْشَاءِ مَا عَايَنَا مِنْ عَجِيبِ أَمْرِ الْجَبَّارِينَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي حَذَّرَ عَنْهُ أَصْحَابَهُمَا الْآخَرِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمَا مِنَ النُّقَبَاءِ. ⦗٣٠٠⦘ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ
٨ / ٢٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ عَلِيٍّ، قَوْلُهُ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] قَالَ: «أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالْخَوْفِ» وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، كَانَ الضَّحَّاكُ يَقُولُ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ
٨ / ٣٠٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: ثني عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا﴾ [المائدة: ٢٣] بِالْهُدَى فَهَدَاهُمَا، فَكَانَا عَلَى دِينِ مُوسَى، وَكَانَا فِي مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ “
٨ / ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ [المائدة: ٢٣] وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَخَافَانِ اللَّهَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَبُنُوا وَخَافُوا مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْجَبَّارِينَ لَمَّا سَمِعُوا خَبَرُهُمْ، وَأَخْبَرَهُمُ النُّقَبَاءُ الَّذِينَ أَفْشَوْا مَا عَايَنُوا مِنْ أَمْرِهِمْ فِيهِمْ، وَقَالُوا: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا، فَقَالَا لَهُمُ: ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بَابَ مَدِينَتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكُمْ وَهُوَ نَاصِرُكُمْ، وَإِنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمُ الْبَابَ غَلَبْتُمُوهُمْ. ⦗٣٠١⦘ كَمَا: