مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا عِشْرُونَ وَمِائَةٌ
٨ / ٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا﴾ [المائدة: ١] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَسَلَّمُوا لَهُ الْأُلُوهِيَّةَ، وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا ﷺ فِي نُبُوَّتِهِ وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ مِنْ شَرَائِعِ دِينِهِ ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] يَعْنِي: أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَاهَدْتُمُوهَا رَبَّكُمْ وَالْعُقُودِ الَّتِي عَاقَدْتُمُوهَا إِيَّاهُ، وَأَوْجَبْتُمْ بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ حُقُوقًا وَأَلْزَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِهَا لِلَّهِ فُرُوضًا، فَأَتِمُّوهَا بِالْوَفَاءِ وَالْكَمَالِ وَالتَّمَامِ مِنْكُمْ لِلَّهِ بِمَا أَلْزَمَكُمْ بِهَا، وَلِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ لَهُ بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَنْكُثُوهَا فَتَنْقُضُوهَا بَعْدَ تَوْكِيدِهَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ، بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْعُقُودِ: الْعُهُودُ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عَاقَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى النُّصْرَةِ
٨ / ٥
وَالْمُؤَازَرَةِ وَالْمُظَاهَرَةِ عَلَى مِنْ حَاوَلَ ظُلْمَهُ أَوْ بَغَاهُ سُوءًا، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْحَلِفِ الَّذِي كَانُوا يَتَعَاقَدُونَهُ بَيْنَهُمْ.
٨ / ٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى الْعُقُودِ الْعُهُودُ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] يَعْنِي: بِالْعُهُودِ “
٨ / ٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْعُهُودُ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
٨ / ٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «هِيَ الْعُهُودُ»
٨ / ٦
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْعُهُودُ»
٨ / ٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قَالَ: «هِيَ الْعُهُودُ»
٨ / ٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] بِالْعُهُودِ “
٨ / ٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «بِالْعُهُودِ»
٨ / ٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «هِيَ الْعُهُودُ»
٨ / ٧
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «بِالْعُهُودِ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْعُقُودُ: جَمْعُ عَقْدٍ، وَأَصْلُ الْعَقْدِ: عَقْدُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ وَصْلُهُ بِهِ، كَمَا تَعْقِدُ الْحَبْلَ بِالْحَبَلِ: إِذَا وُصِلَ بِهِ شَدًّا، يُقَالَ مِنْهُ: عَقَدَ فُلَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ عَقْدًا فَهُوَ يَعْقِدُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:
[البحر البسيط] ⦗٨⦘ قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ … شَدُّوا الْعَنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا
وَذَلِكَ إِذَا وَاثَقَهُ عَلَى أَمْرٍ، وَعَاهَدَهُ عَلَيْهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ، مِنْ أَمَانٍ وَذِمَّةٍ، أَوْ نُصْرَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ شَرِكَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ ” ذِكْرُ مَنْ قَالَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ قَالَهُ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]
[البحر البسيط] ⦗٨⦘ قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ … شَدُّوا الْعَنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا
وَذَلِكَ إِذَا وَاثَقَهُ عَلَى أَمْرٍ، وَعَاهَدَهُ عَلَيْهِ عَهْدًا بِالْوَفَاءِ لَهُ بِمَا عَاقَدَهُ عَلَيْهِ، مِنْ أَمَانٍ وَذِمَّةٍ، أَوْ نُصْرَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ شَرِكَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ ” ذِكْرُ مَنْ قَالَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ قَالَهُ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]
٨ / ٧
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] أَيْ بِعَقْدِ الْجَاهِلِيَّةِ ” ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «أَوْفُوا بِعَقْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا تُحْدِثُوا عَقْدًا فِي الْإِسْلَامِ» . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ فُرَاتَ بْنَ حَيَّانَ الْعِجْلِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «لَعَلَّكَ تَسْأَلُ عَنْ حِلْفِ لَخْمٍ وَتَيْمِ اللَّهِ؟» فَقَالَ: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. ⦗٩⦘ قَالَ: «لَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً»
٨ / ٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «عُقُودُ الْجَاهِلِيَّةِ: الْحِلْفُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ الْحِلْفُ الَّتِي أَخَذَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ
٨ / ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] يَعْنِي: مَا أُحِلَّ، وَمَا حُرِّمَ، وَمَا فُرِضَ، وَمَا حُدَّ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ، فَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَنْكُثُوا؛ ثُمَّ شَدَّدَ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: ٢٥] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: ٢٥] “
٨ / ٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] مَا عَقَدَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مِمَّا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ ” ⦗١٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ وَيَعْقِدُهَا الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ
٨ / ٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: الْعُقُودُ خَمْسٌ: عُقْدَةُ الْإِيمَانِ، وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَعُقْدَةُ الْعَهْدِ، وَعُقْدَةُ الْبَيْعِ، وَعُقْدَةُ الْحَلِفِ ” حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ. عنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَوْ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ، نَحْوَهُ
٨ / ١٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «عَقْدُ الْعَهْدِ وَعَقْدُ الْيَمِينِ، وَعَقْدُ الْحَلِفِ، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ. قَالَ: هَذِهِ الْعُقُودُ خَمْسٌ»
٨ / ١٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عُتْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: ثنا أَبِي فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْعُقُودُ خَمْسٌ: عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ، وَعَقْدُ الْيَمِينِ، وَعُقْدَةُ الْعَهْدِ، وَعُقْدَةُ الْحِلْفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَهْلِ الْكِتَابِ بِالْوَفَاءِ بِمَا أَخَذَ ⦗١١⦘ بِهِ مِيثَاقَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي تَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
٨ / ١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْعُهُودُ الَّتِي أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا جَاءَهُمْ»
٨ / ١١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني يُونُسُ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ: قَرَأْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَانَ، فَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، فِيهِ: هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] فَكَتَبَ الْآيَاتِ مِنْهَا، حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: أَوْفُوا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِعُقُودِ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْكُمْ وَعَقَدَهَا، فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ، وَأَلْزَمَكُمْ فَرْضَهُ، وَبَيَّنَ لَكُمْ حُدُودَهُ «وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ الْبَيَانَ عَمَّا أَحَلَّ لِعِبَادِهِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضِهِ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] أَمْرٌ مِنْهُ عِبَادَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ ⦗١٢⦘ فَرَائِضِهِ وَعُقُودِهِ عُقَيْبَ ذَلِكَ، وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ عَنْ نَقْضِ مَا عَقَدَهُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١] أَمْرٌ مِنْهُ بِالْوَفَاءِ بِكُلِّ عَقْدٍ أَذِنَ فِيهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تَقُومَ حُجَّةٌ بِخُصُوصِ شَيْءٍ مِنْهُ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. فَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهُ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِبَعْضِ الْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا دُونَ بَعْضٍ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْفُوا﴾ [المائدة: ١] فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَوْفُوا، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَوْفَيْتُ لِفُلَانٍ بِعَهْدِهِ أُوفِي لَهُ بِهِ؛ وَالْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِمْ: وَفَّيْتُ لَهُ بِعَهْدِهِ أَفِي. وَالِإِيفَاءُ بِالْعَهْدِ: إِتْمَامُهُ عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوطِهِ الْجَائِزَةِ “
٨ / ١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ أَحَلَّهَا لَنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا “
٨ / ١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ⦗١٣⦘ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ: هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ “
٨ / ١٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْأَنْعَامُ كُلُّهَا»
٨ / ١٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا ابْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْأَنْعَامُ كُلُّهَا»
٨ / ١٣
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْأَنْعَامُ كُلُّهَا»
٨ / ١٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] هِيَ الْأَنْعَامُ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] أَجِنَّةُ الْأَنْعَامِ الَّتِي تُوجَدُ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهَا إِذَا نُحِرَتْ أَوْ ذُبِحَتْ مَيْتَةً
٨ / ١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ⦗١٤⦘ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «مَا فِي بُطُونِهَا. قَالَ: قُلْتُ: إِنْ خَرَجَ مَيِّتًا آكُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ، قَالَ: نَعَمْ، هُوَ بِمَنْزِلَةِ رِئَتِهَا وَكَبِدِهَا “
٨ / ١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْجَنِينُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوهُ “
٨ / ١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ، وَسُفْيَانَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ بَقَرَةً، نُحِرَتْ، فَوُجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَنَبِ الْجَنِينِ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي أُحِلَّتْ لَكُمْ “
٨ / ١٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هُوَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ “
٨ / ١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، وَمُؤَمَّلٌ، قَالَا: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذَبَحْنَا بَقَرَةً، فَإِذَا فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ، فَسَأَلْنا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: هَذِهِ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ” وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] الْأَنْعَامَ كُلَّهَا، أَجِنَّتَهَا وَسِخَالَهَا وَكِبَارَهَا، لِأَنَّ
٨ / ١٤
الْعَرَبَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ تَسْمِيَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ بَهِيمَةً وَبَهَائِمَ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، فَذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَظَاهِرِهِ حَتَّى تَأْتِيَ حُجَّةٌ بِخُصُوصِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا. وَأَمَّا النَّعَمُ فَإِنَّهَا عِنْدَ الْعَرَبِ: اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ خَاصَّةً، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [النحل: ٥] ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل: ٨] فَفَصَلَ جِنْسَ النَّعَمِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانِ. وَأَمَّا بَهَائِمُهَا فَإِنَّهَا أَوْلَادُهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَلْزَمُ الْكِبَارَ مِنْهَا اسْمُ بَهِيمَةٍ كَمَا يَلْزَمُ الصِّغَارَ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، نَظِيرُ قَوْلِهِ: وَلَدُ الْأَنْعَامِ؛ فَلَمَّا كَانَ لَا يَسْقُطُ مَعْنَى الْوِلَادَةِ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ اسْمُ الْبَهِيمَةِ بَعْدَ الْكِبَرِ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ: وَحْشِيُّهَا كَالظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَالْحُمُرِ “
٨ / ١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ أَوْلَادُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، إِلَّا مَا بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: ٣] الْآيَةُ “
٨ / ١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗١٦⦘ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] إِلَّا الْمَيْتَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا “
٨ / ١٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] أَيْ مِنَ الْمَيْتَةِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا وَقَدَّمَ فِيهَا “
٨ / ١٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «إِلَّا الْمَيْتَةَ، وَمَا لَمْ يَذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ»
٨ / ١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] الْمَيْتَةُ، وَالدَّمُ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ “
٨ / ١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] الْمَيْتَةُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ “
٨ / ١٦
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] هِيَ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِي اسْتَثْنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] الْخِنْزِيرُ
٨ / ١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْخِنْزِيرُ»
٨ / ١٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] يَعْنِي: الْخِنْزِيرَ «وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْرِيمِ اللَّهِ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] الْآيَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل اسْتَثْنَى مِمَّا أَبَاحَ لِعِبَادِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، وَالَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة: ٣] وَإِنْ كَانَ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلَيْسَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَيَسْتَثني فَاسْتِثْنَاءُ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِمَّا دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ أَشْبَهُ مِنَ اسْتِثْنَاءِ مَا حُرِّمَ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي جُمْلَةِ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ»
٨ / ١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ. فَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمْ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، فَ غَيْرَ مَنْصُوبٌ عَلَى قَوْلِ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى الْحَالِ مِمَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْفُوا﴾ [المائدة: ١]، مِنْ ذِكْرِ الَّذِينَ آمَنُوا. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ: أَوْفُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِعُقُودِ اللَّهِ الَّتِي عَقَدَهَا عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِهِ، لَا مُحِلِّينَ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ الْوَحْشِيَّةِ مِنَ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالْحُمُرِ، غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ: غَيْرَ مُسْتَحِلِّي اصْطِيَادِهَا، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ. فَ غَيْرَ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢] بِتَأْوِيلِ: أُحِلَّتْ لَكُمْ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، لَا مُسْتَحِلِّي اصْطِيَادِهَا فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ كُلُّهَا، إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا، فَإِنَّهُ صَيْدٌ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. فَكَأَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى مَعْنَى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ كُلُّهَا، إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، إِلَّا مَا يُبَيَّنُ لَكُمْ مِنْ وَحْشِيِّهَا، غَيْرَ مُسْتَحِلِّي اصْطِيَادِهَا فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ، فَتَكُونُ ﴿غَيْرَ﴾ [الفاتحة: ٧] مَنْصُوبَةً عَلَى قَوْلِهِمْ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١]
٨ / ١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ، فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١]: صَيْدًا، ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ١]: فَهُوَ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. يَعْنِي: بَقَرَ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءِ وَأَشْبَاهَهُ “
٨ / ١٩
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ١] قَالَ: «الْأَنْعَامُ كُلُّهَا حِلٌّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا، فَإِنَّهُ صَيْدٌ، فَلَا يَحِلُّ إِذَا كَانَ مُحْرِمًا» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى مَا تَظَاهَرَ بِهِ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] مِنْ أَنَّهَا الْأَنْعَامُ وَأَجِنَّتِهَا وَسِخَالِهَا، وَعَلَى دَلَالَةِ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، فَقَدْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِكُمْ، إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمُهُ مِنَ الْمَيْتَةِ مِنْهَا وَالدَّمِ وَمَا أُهِلَّ ⦗٢٠⦘ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ: إِلَّا الصَّيْدَ، لَقِيلَ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّيْدِ غَيْرَ مُحِلِّيهِ، وَفِي تَرْكِ اللَّهِ وَصْلَ قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] بِمَا ذَكَرْتُ، وَإْظِهَارُ ذِكْرِ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائدة: ١] أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ١] خَبَرٌ مُتَنَاهِيَةٌ قِصَّتُهُ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائدة: ١] مُنْفَصِلٌ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ [المائدة: ١] مَقْصُودًا بِهِ قَصْدُ الْوَحْشِ، لَمْ يَكُنْ أَيْضًا لِإِعَادَةِ ذِكْرِ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائدة: ١] وَجْهٌ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ قَبْلُ، وَلَقِيلَ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ، إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، غَيْرَ مُحِلِّيهِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. وَفِي إِظْهَارِهِ ذِكْرُ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ [المائدة: ١] أَبْيَنُ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ «فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا أَظْهَرِتْ ذِكْرَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ؟ قِيلَ: ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهَا ضَرُورَةُ شِعْرٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَصِيحِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَتَوْجِيهُ كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَفْصَحِ مِنْ لُغَاتِ مَنْ نَزَلَ كَلَامُهُ بِلُغَتِهِ أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ مِنْ صَرْفِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ» فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِعُقُودِ اللَّهِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْكُمْ، مِمَّا حَرَّمَ وَأَحَلَّ، لَا مُحِلِّينَ الصَّيْدَ فِي حَرَمِكُمْ، فَفِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمُذَكَّاةِ دُونَ مِيتَتِهَا مُتَّسَعٌ لَكُمْ وَمُسْتَغْنًى عَنِ الصَّيْدِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ “
٨ / ١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْضِي فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ مِنْ تَحْلِيلِ مَا أَرَادَ تَحْلِيلَهُ، وَتَحْرِيمِ مَا أَرَادَ تَحْرِيمَهُ، وَإِيجَابِ مَا شَاءَ إِيجَابَهُ عَلَيْهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَقَضَايَاهُ، فَأَوْفُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ تَحْلِيلِ مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُقُودِهِ فَلَا تَنْكُثُوهَا وَلَا تَنْقُضُوهَا. كَمَا:
٨ / ٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١] إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا أَرَادَ فِي خَلْقِهِ، وَبَيَّنَ لِعِبَادِهِ، وَفَرَضَ فَرَائِضَهُ، وَحَّدَ حُدُودَهُ، وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ “
٨ / ٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: ٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَا تُحِلُّوا حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَلَا تَتَعَدُّوا حُدُودَهُ. كأَنَّهُمْ وَجَّهُوا الشَّعَائِرَ إِلَى الْمَعَالِمِ، وَتَأَوَّلُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ: مَعَالِمَ حُدُودِ اللَّهِ، وَأَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، وَفَرَائِضِهِ “
٨ / ٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: ثنا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ ⦗٢٢⦘ عَطَاءٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، فَقَالَ: حُرُمَاتُ اللَّهِ: اجْتِنَابُ سَخَطِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعُ طَاعَتِهِ، فَذَلِكَ شَعَائِرُ اللَّهِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا تُحِلُّوا﴾ [المائدة: ٢] حَرَمَ اللَّهِ. فكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨] أَيْ مَعَالِمَ حَرَمِ اللَّهِ مِنَ الْبِلَادِ
٨ / ٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «أَمَّا شَعَائِرُ اللَّهِ: فَحَرَمُ اللَّهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُحِلُّوا مَنَاسِكَ الْحَجِّ فَتُضِيعُوهَا. وكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى: لَا تُحِلُّوا مَعَالِمَ حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي حَدَّهَا لَكُمْ فِي حَجِّكُمْ
٨ / ٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «مَنَاسِكَ الْحَجِّ»
٨ / ٢٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «⦗٢٣⦘ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَيُهْدُونَ الْهَدَايَا، وَيُعَظِّمُونَ حُرْمَةَ الْمَشَاعِرِ، وَيَتَّجِرُونَ فِي حَجِّهِمْ، فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢]»
٨ / ٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨] الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ، وَالْهَدْيُ وَالْبُدْنُ، كُلُّ هَذَا مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ «حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثني أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ
٨ / ٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «شَعَائِرُ اللَّهِ: مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ أَنْ تُصِيبَهُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ» وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ، وَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى: لَا تُحِلُّوا مَعَالِمَ حُدُودِ اللَّهِ الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ فِي إِحْرَامِكُمْ “
٨ / ٢٣
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] قَوْلُ عَطَاءٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَوْجِيهِهِ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى: لَا تُحِلُّوا حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَلَا تُضِيعُوا فَرَائِضَهُ، لِأَنَّ الشَّعَائِرَ جَمْعُ شَعِيرَةٍ، وَالشَّعِيرَةُ: فَعِيلَةٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَدْ شَعَرَ فُلَانٌ بِهَذَا الْأَمْرِ: إِذَا عَلِمَ بِهِ، فَالشَّعَائِرُ: الْمَعَالِمُ مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا تَسْتَحِلُّوا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَعَالِمَ اللَّهِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعَالِمُ اللَّهِ كُلُّهَا فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، مِنْ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ إِصَابَتَهُ فِيهَا عَلَى الْمُحْرِمِ، وَتَضْيِيعُ مَا نَهَى عَنْ تَضْيِيعِهِ فِيهَا، وَفِيمَا حَرَّمَ مِنَ اسْتِحْلَالِ حُرُمَاتِ حَرَمِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ مَعَالِمِهِ وَشَعَائِرِهِ الَّتِي جَعَلَهَا أَمَارَاتٍ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، يُعْلَمُ بِهَا حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ «وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ الْقَوْلَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] لِأَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ اسْتِحْلَالِ شَعَائِرِهِ وَمَعَالِمِ حُدُودِهِ، وَإِحْلَالِهَا نَهْيًا عَامًا مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجِزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُوَجِّهَ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، وَلَا حُجَّةَ بِذَلِكَ كَذَلِكَ»
٨ / ٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] وَلَا تَسْتَحِلُّوا الشَّهْرَ الْحَرَامَ بِقِتَالِكُمْ بِهِ أَعْدَاءَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ ⦗٢٥⦘ كَقَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢١٧] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ “
٨ / ٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي: لَا تَسْتَحِلُّوا قِتَالًا فِيهِ “
٨ / ٢٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُ يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدُّ عَنِ الْبَيْتِ، فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا عِنْدَ الْبَيْتِ «وَأَمَّا الشَّهْرُ الْحَرَامُ الَّذِي عَنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] فَرَجَبُ مُضَرَ، وَهُوَ شَهْرٌ كَانَتْ مُضَرُ تُحَرِّمُ فِيهِ الْقِتَالَ. وَقَدْ قِيلَ: هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ذُو الْقَعْدَةِ»
٨ / ٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ ” ⦗٢٦⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، وَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧]
٨ / ٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] أَمَّا الْهَدْي: فَهُوَ مَا أَهْدَاهُ الْمَرْءُ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، تَقَرُّبًا بِهِ إِلَى اللَّهِ وَطَلَبَ ثَوَابِهِ. يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: فَلَا تَسْتَحِلُّوا ذَلِكَ فَتُغْضِبُوا أَهْلَهُ عَلَيْهِ، وَلَا تَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا أَهْدَوْا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغُوا بِهِ الْمَحِلَّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مَحِلَّهُ مِنْ كَعْبَتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْهَدْيَ إِنَّمَا يَكُونُ هَدْيًا مَا لَمْ يُقَلَّدْ “
٨ / ٢٦
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الْهَدْيَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «الْهَدْي مَا لَمْ يُقَلَّدْ، وَقَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُهْدِيَهُ وَيُقَلِّدَهُ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلَا تُحِلُّوا أَيْضًا الْقَلَائِدَ «ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْقَلَائِدِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عز وجل عَنْ إِحْلَالِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالْقَلَائِدِ: قَلَائِدَ الْهَدْيِ؛ وَقَالُوا: إِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا الْهَدْيَ ⦗٢٧⦘ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] وَلَا تُحِلُّوا الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَاتِ مِنْهَا وَغَيْرَ الْمُقَلَّدَاتِ؛ فَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا الْهَدْيَ﴾ [المائدة: ٢] مَا لَمْ يُقَلَّدْ مِنَ الْهَدَايَا ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] الْمُقَلَّدُ مِنْهَا. قَالُوا: وَدَلَّ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ اسْتِحْلَالِ الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَةِ»
٨ / ٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] الْقَلَائِدُ: مُقَلَّدَاتُ الْهَدْيِ، وَإِذَا قَلَّدَ الرَّجُلُ هَدْيَهُ فَقَدْ أَحْرَمَ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ فَلْيَخْلَعْهُ ” وَقَالَ آخَرُونَ: يَعْنِي بِذَلِكَ: الْقَلَائِدَ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يِتَقَلَّدُونَهَا إِذَا أَرَادُوا الْحَجَّ مُقْبِلِينَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ لِحَاءِ السَّمُرِ، وَإِذَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى مَنَازِلِهِمْ مُنْصَرِفِينَ مِنْهَا، مِنَ الشَّعْرِ
٨ / ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ تَقَلَّدَ مِنَ السَّمُرِ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، فَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَةَ شَعْرٍ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ» ⦗٢٨⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَتَقَلَّدُ إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنَ الْحَرَمِ أَوْ خَرَجَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ فَيَأْمَنُ بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِسُوءٍ
٨ / ٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَطَاءٍ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: “كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ، يَأْمَنُونَ بِذَلِكَ إِذَا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ، فَنَزَلَتْ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٢٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «الْقَلَائِدُ: اللِّحَاءُ فِي رِقَابِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ أَمْنٌ لَهُمْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٢٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «إِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَقَلَّدُونَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ مَكَّةَ، فَيُقِيمُ الرَّجُلُ بِمَكَانِهِ، حَتَّى إِذَا انْقَضَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ قَلَّدَ نَفْسَهُ وَنَاقَتَهُ مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرِ، فَيَأْمَنُ حَتَّى يَأْتِيَ أَهْلَهُ»
٨ / ٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا ⦗٢٩⦘ الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «الْقَلَائِدُ: كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ لِحَاءَ شَجَرَةٍ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَيَتَقَلَّدَهَا، ثُمَّ يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ، فَيَأْمَنُ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ الْقَلَائِدُ» وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] أَنْ يَنْزِعُوا شَيْئًا مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ فَيَتَقَلَّدُوهُ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ
٨ / ٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَرِ مَكَّةَ مِنْ لِحَاءِ السَّمُرِ، فَيَتَقَلَّدُونَهَا، فَيَأْمَنُونَ بِهَا مِنَ النَّاسِ، فَنَهَى اللَّهُ أَنْ يُنْزَعَ شَجَرُهَا فَيُتَقَلَّدَ “
٨ / ٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ، فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ شَجَرِ مَكَّةَ مِنْ لِحَاءِ السَّمُرِ فَيَتَقَلَّدُونَ، فَيَأْمَنُونَ بِهَا فِي النَّاسِ، فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنْ يُنْزَعَ شَجَرُهَا فَيُتَقَلَّدَ» وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] إِذْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِهَا عَنْ أَوَّلِهِ، وَلَا أَنَّهُ عَنَى بِهَا النَّهْيَ
٨ / ٢٩
عَنِ التَّقَلُّدِ أَوِ اتِّخَاذِ الْقَلَائِدَ مِنْ شَيْءٍ؛ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَلَا تُحِلُّوا الْقَلَائِدَ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ أَوْلَى، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ نَهْي مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنِ اسْتِحْلَالِ حُرْمَةِ الْمُقَلَّدِ هَدْيًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ إِنْسَانًا، دُونَ حُرْمَةِ الْقِلَادَةِ؛ وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ إِنَّمَا دَلَّ بِتَحْرِيمِهِ حُرْمَةَ الْقِلَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حُرْمَةِ الْمُقَلَّدِ، فَاجْتَزَأَ بِذِكْرِهِ الْقَلَائِدَ مِنْ ذِكْرِ الْمُقَلَّدِ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ مَعْنَى مَا أُرِيدَ بِهِ «فَمَعْنَى الْآيَةِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ، وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَلَا الْهَدْيَ، وَلَا الْمُقَلَّدَ بِقِسْمَيْهِ بِقَلَائِدِ الْحَرَمِ» وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي شِعْرِهِ مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ تَأَوَّلَ الْقَلَائِدَ أَنَّهَا قَلَائِدُ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَقَلَّدُونَهُ، فَقَالَ وَهُوَ يَعِيبُ رَجُلَيْنِ قَتَلَا رَجُلَيْنِ كَانَا تَقَلَّدَا ذَلِكَ:
[البحر الطويل] أَلَمْ تَقْتُلَا الْحِرْجَيْنِ إِذْ أَعْوَرَاكُمَا … يُمِرَّانِ بِالْأَيْدِي اللِّحَاءَ الْمُضَفَّرَا
وَالْحِرْجَانِ: الْمَقْتُولَانِ كَذَلِكَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَعْوَرَاكَمَا: أَمْكَنَاكُمَا مِنْ عَوْرَتِهِمَا “
[البحر الطويل] أَلَمْ تَقْتُلَا الْحِرْجَيْنِ إِذْ أَعْوَرَاكُمَا … يُمِرَّانِ بِالْأَيْدِي اللِّحَاءَ الْمُضَفَّرَا
وَالْحِرْجَانِ: الْمَقْتُولَانِ كَذَلِكَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَعْوَرَاكَمَا: أَمْكَنَاكُمَا مِنْ عَوْرَتِهِمَا “
٨ / ٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] وَلَا تُحِلُّوا قَاصِدِينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ الْعَامِدِيَّةَ، تَقُولُ مِنْهُ: أَمَّمْتُ كَذَا: إِذَا قَصَدْتُهُ وَعَمَدْتُهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَمَمْتُهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] إِنِّي كَذَاكَ إِذَا مَا سَاءَنِي بَلَدٌ … يَمَّمْتُ صَدْرَ بَعِيرِي غَيْرَهُ بَلَدَا
وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ: بَيْتُ اللَّهِ الَّذِي بِمَكَّةَ؛ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى لِمَ قِيلَ لَهُ الْحَرَامُ. ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي: يَلْتَمِسُونَ أَرْبَاحًا فِي تِجَارَتِهِمْ مِنَ اللَّهِ ﴿وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] يَقُولُ: «وَأَنْ يَرْضَى اللَّهُ عَنْهُمْ بِنُسُكِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ يُقَالَ لَهُ الْحُطَمُ»
[البحر البسيط] إِنِّي كَذَاكَ إِذَا مَا سَاءَنِي بَلَدٌ … يَمَّمْتُ صَدْرَ بَعِيرِي غَيْرَهُ بَلَدَا
وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ: بَيْتُ اللَّهِ الَّذِي بِمَكَّةَ؛ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى لِمَ قِيلَ لَهُ الْحَرَامُ. ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي: يَلْتَمِسُونَ أَرْبَاحًا فِي تِجَارَتِهِمْ مِنَ اللَّهِ ﴿وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] يَقُولُ: «وَأَنْ يَرْضَى اللَّهُ عَنْهُمْ بِنُسُكِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ يُقَالَ لَهُ الْحُطَمُ»
٨ / ٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: أَقْبَلَ الْحُطَمُ بْنُ هِنْدٍ الْبَكْرِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، حَتَّى أَتَى النَّبِيُّ ﷺ وَحْدَهُ، وَخَلَّفَ خَيْلَهُ خَارِجَةً مِنَ الْمَدِينَةِ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: إِلَامَ تَدْعُو؟ فَأَخْبَرَهُ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «يَدْخُلُ الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ رَبِيعَةَ،
٨ / ٣١
يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ» فَلَمَّا أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: انْظُرُوا لَعَلِّي أُسْلِمُ، وَلِي مَنْ أُشَاوِرُهُ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِرٍ، وَخَرَجَ بِعَقِبِ غَادِرٍ» فَمَرَّ بِسَرْحٍ مِنْ سَرْحِ الْمَدِينَةِ، فَسَاقَهُ، فَانْطَلَقَ بِهِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:
[البحر الرجز]
[البحر الرجز]
قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَمْ … لَيْسَ بِرَاعِي إِبِلٍ وَلَا غَنَمْ
وَلَا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرِ الْوَضَمْ … بَاتُوا نِيَامًا وَابْنُ هِنْدَ لَمْ يَنَمْ
بَاتَ يُقَاسِيهَا غُلَامٌ كَالزَّلَمِ … خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ مَمْسُوحُ الْقَدَمْ
ثُمَّ أَقْبَلَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ حَاجًّا قَدْ قَلَّدَ وَأَهْدَى، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ
٨ / ٣٢
أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ صَاحِبُنَا. قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ قَلَّدَ» قَالُوا: إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كُنَّا نَصْنَعُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ “
٨ / ٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَدِمَ الْحَطْمُ أَخُو بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَكْرِيُّ الْمَدِينَةَ فِي عِيرٍ لَهُ يَحْمِلُ طَعَامًا، فَبَاعَهُ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَبَايَعَهُ، وَأَسْلَمَ. فَلَمَّا وَلَّى خَارِجًا نَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِمَنْ عِنْدَهُ: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ فَاجِرٍ وَوَلَّى بِقَفَا غَادِرٍ» فَلَمَّا قَدِمَ الْيَمَامَةَ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَخَرَجَ فِي عِيرٍ لَهُ تَحْمِلُ الطَّعَامَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، يُرِيدُ مَكَّةَ؛ فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، تَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لِيَقْتَطِعُوهُ فِي عِيرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، فَانْتَهَى الْقَوْمُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: “يَنْهَى عَنِ الْحُجَّاجِ أَنْ تُقْطَعَ سُبُلُهُمْ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الْحُطَمَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيَرْتَادَ وَيَنْظُرَ، فَقَالَ: إِنِّي دَاعِيَةُ قَوْمِي، فَاعْرِضْ عَلَيَّ مَا تَقُولُ. قَالَ لَهُ: «أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ أَنْ تَعْبُدَهُ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ» قَالَ الْحُطَمُ: فِي أَمْرِكَ هَذَا غِلْظَةٌ، أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي
٨ / ٣٣
فَأَذْكُرُ لَهُمْ مَا ذَكَرْتَ، فَإِنْ قَبِلُوهُ أَقْبَلْتُ مَعَهُمْ، وَإِنْ أَدْبَرُوا كُنْتُ مَعَهُمْ. قَالَ لَهُ: «ارْجِعْ» فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِ كَافِرٍ وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِي بِعَقِبَيْ غَادِرٍ، وَمَا الرَّجُلُ بِمُسْلِمٍ» فَمَرَّ عَلَى سَرْحٍ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَانْطَلَقَ بِهِ فَطَلَبَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَفَاتَهُمْ. وقَدِمَ الْيَمَامَةَ، وَحَضَرَ الْحَجَّ، فَجَهَّزَ خَارِجًا، وَكَانَ عَظِيمَ التِّجَارَةِ، فَاسْتَأْذَنُوا أَنْ يَتَلَقَّوْهُ وَيَأْخُذُوا مَا مَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، قَالَ: هَذَا يَوْمُ الْفَتْحِ جَاءَ نَاسٌ يَأُمُّونَ الْبَيْتَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُهِلُّونَ بِعُمْرَةَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا هَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ، فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ فَلَنْ نَدَعَهُمْ إِلَّا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِمْ. فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] يَقُولُ: «مَنْ تَوَجَّهَ حَاجًّا»
٨ / ٣٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، ⦗٣٥⦘ عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي: الْحَاجَّ “
٨ / ٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ، فَحَدَّثَهُمْ فَقَالَ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْبَيْتَ» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مِنْهَا مَنْسُوخًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُسِخَ جَمِيعُهَا “
٨ / ٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْمَائِدَةِ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] نَسَخَتْهَا: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] “
٨ / ٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرَ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ⦗٣٦⦘ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، قَالَ: مَنْسُوخٌ. قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُ يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدُّ عَنِ الْبَيْتِ، فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَلَا عِنْدَ الْبَيْتِ، فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] “
٨ / ٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «نَسَخَتْهَا بَرَاءَةُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلَهُ
٨ / ٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «هَذَا شَيْءٌ نُهِيَ عَنْهُ، فَتُرِكَ كَمَا هُوَ»
٨ / ٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «هَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ، نَسَخَ هَذَا أَمْرُهُ بِجِهَادِهِمْ كَافَّةً» وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِي نُسِخَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ قَتَادَةَ نُسِخَ مِنَ الْمَائِدَةِ: ﴿آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] نَسَخَتْهَا بَرَاءَةُ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وَقَالَ: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدَيْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٧] وَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] وَهُوَ الْعَامَ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَنَادَى فِيهِ بِالْأَذَانِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، قَالَ: فَنُسِخَ مِنْهَا ⦗٣٨⦘: ﴿آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] نَسَخَتْهَا بَرَاءَةُ، فَقَالَ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدَةَ “
٨ / ٣٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: نَزَلَ فِي شَأْنِ الْحُطَمِ: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ فَقَالَ: ﴿اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] “
٨ / ٣٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ﴾ [المائدة: ٢] جَمِيعًا، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يَحُجَّ الْبَيْتَ أَوْ يَعْرِضُوا لَهُ مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨] وَقَالَ: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٧] وَقَالَ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨] فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ “
٨ / ٣٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، قَالَ: مَنْسُوخٌ، كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ، تَقَلَّدَ مِنَ السَّمُرِ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، وَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَةَ شَعْرٍ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، وَكَانَ الْمُشْرِكُ يَوْمَئِذٍ لَا يُصَدُّ ⦗٣٩⦘ عَنِ الْبَيْتِ، وَأُمِرُوا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَلَا عِنْدَ الْبَيْتِ، فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] ” وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إِلَّا الْقَلَائِدَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَقَلَّدُونَهَا مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرِ
٨ / ٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] الْآيَةُ، قَالَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فِعْلُهُ وَإِقَامَتُهُ، فَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْإِسْلَامِ، إِلَّا لِحَاءَ الْقَلَائِدِ، فَتُرِكَ ذَلِكَ. ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إِخَافَتَهُمْ «حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَسَخَ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ قِتَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ كُلِّهَا، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لَوْ قَلَّدَ ⦗٤٠⦘ عُنُقَهُ أَوْ ذِرَاعَيْهِ لِحَاءَ جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ أَمَانًا مِنَ الْقَتْلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَقْدُ ذِمَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَمَانٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْقَلَائِدِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة: ٢] فَإِنَّهُ مُحْتَمَلُ ظَاهِرِهِ: وَلَا تُحِلُّوا حُرْمَةَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْإِسْلَامِ، لِعُمُومِ جَمِيعِ مَنْ أَمَّ الْبَيْتَ. وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ، فَكَانَ أَهْلُ الشِّرْكِ دَاخِلِينَ فِي جُمْلَتِهِمْ، فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] نَاسِخٌ لَهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ اجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِقَتْلِهِمْ وَتَرْكِ قَتْلِهِمْ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ. وَفِي إِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُهُمْ، أَمُّوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ أَوِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا، مَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمْ إِذَا أَمُّوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ مَنْسُوخٌ، وَمُحْتَمِلٌ أَيْضًا: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَهُوَ أَيْضًا لَا شَكَّ مَنْسُوخٌ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ ظَاهِرٌ، وَكَانَ مَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِيهِمْ ظَاهِرَ الْحُجَّةِ، فَالْوَاجِبُ وَإِنِ احْتَمَلَ ذَلِكَ مَعْنَى غَيْرِ الَّذِي قَالُوا، التَّسْلِيمُ لِمَا اسْتَفَاضَ بِصِحَّتِهِ نَقْلُهُمْ “
٨ / ٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢]⦗٤١⦘ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَبْتَغُونَ﴾ [المائدة: ٢] يَطْلُبُونَ وَيَلْتَمِسُونَ. وَالْفَضْلُ: الْأَرْبَاحُ فِي التِّجَارَةِ؛ وَالرِّضْوَانُ: رِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، فَلَا يُحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مَا أَحَلَّ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُمْ بِحَجِّهِمْ بَيْتَهُ ” وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «هُمُ الْمُشْرِكُونَ يَلْتَمِسُونَ فَضْلَ اللَّهِ وَرِضْوَانَهُ فِيمَا يُصْلِحُ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ»
٨ / ٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] وَالْفَضْلُ، وَالرِّضْوَانُ: اللَّذَانِ يَبْتَغُونَ أَنْ يُصْلِحَ مَعَايِشَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِيهَا “
٨ / ٤١
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَتَرَضَّوْنَ اللَّهَ بِحَجِّهِمْ “
٨ / ٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ، فَحَدَّثَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «التِّجَارَةُ فِي الْحَجِّ، وَالرِّضْوَانُ فِي الْحَجِّ»
٨ / ٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي أُمَيْمَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الرَّجُلِ يَحُجُّ، وَيَحْمِلُ مَعَهُ مَتَاعًا، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «يَبْتَغُونَ الْأَجْرَ وَالتِّجَارَةَ»
٨ / ٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] الصَّيْدَ الَّذِي نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُحِلُّوهُ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، يَقُولُ: فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي اصْطِيَادِهِ وَاصْطَادُوا إِنْ شِئْتُمْ حِينَئِذٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كُنْتُ ⦗٤٣⦘ حَرَّمْتُهُ عَلَيْكُمْ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ قَدْ زَالَ «وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمِيعُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ»
٨ / ٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: هِيَ رُخْصَةٌ. يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]
٨ / ٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: خَمْسٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ رُخْصَةٌ، وَلَيْسَتْ بِعَزْمَةٍ، فَذَكَرَ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «مَنْ شَاءَ فَعَلَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «إِذَا حَلَّ، فَإِنْ شَاءَ صَادَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصْطَدْ»
٨ / ٤٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْأَكْلَ مِنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَاجِبًا، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]
٨ / ٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [المائدة: ٢] وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ. كَمَا:
٨ / ٤٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] يَقُولُ: «لَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ»
٨ / ٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ ” وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاللُّغَةِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [المائدة: ٢]: لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ﴾ [النحل: ٦٢] هُوَ حَقٌّ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: مَعْنَاهُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ. وَقَالَ: يُقَالَ: جَرَمَنِي فُلَانٌ عَلَى أَنْ صَنَعْتُ كَذَا وَكَذَا: أَيْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ.
٨ / ٤٤
وَاحْتَجَّ جَمِيعُهُمْ بِبَيْتِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل] وَلَقَدْ طَعَنْتَ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً … جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعْدَهَا أَنْ يَغْضَبُوا
فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [هود: ٨٩] لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ مَعْنَى قَوْلِ الشَّاعِرِ: جَرَمَتْ فَزَارَةَ: أَحَقَّتِ الطَّعْنَةُ لِفَزَارَةَ الْغَضَبَ. وَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا مَعْنَاهُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ: مَعْنَاهُ فِي الْبَيْتِ: جَرَمَتْ فَزَارَةَ أَنْ يَغْضَبُوا: حَمَلَتْ فَزَارَةَ عَلَى أَنْ يَغْضَبُوا. وَقَالَ آخَرُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [هود: ٨٩] لَا يُكْسِبَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ. وَتَأْوِيلُ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلَ الشَّاعِرِ فِي الْبَيْتِ: جَرَمَتْ فَزَارَةَ: كَسَبَتْ فَزَارَةَ أَنْ يَغْضَبُوا. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: فُلَانٌ جَرِيمَةُ أَهْلِهِ، بِمَعْنَى: كَاسِبُهُمْ، وَخَرَجَ يُجْرِمُهُمْ: يُكْسِبُهُمْ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَاهَا عَنْهُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ رَجُلًا عَلَى بُغْضِ رَجُلٍ فَقَدْ أَكْسَبَهُ بُغْضَهُ، وَمَنْ أَكْسَبَهُ بُغْضَهُ فَقَدْ أَحَقَّهُ لَهُ “
[البحر الكامل] وَلَقَدْ طَعَنْتَ أَبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً … جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعْدَهَا أَنْ يَغْضَبُوا
فَتَأَوَّلَ ذَلِكَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [هود: ٨٩] لَا يَحِقَّنَّ لَكُمْ مَعْنَى قَوْلِ الشَّاعِرِ: جَرَمَتْ فَزَارَةَ: أَحَقَّتِ الطَّعْنَةُ لِفَزَارَةَ الْغَضَبَ. وَقَالَ الَّذِينَ قَالُوا مَعْنَاهُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ: مَعْنَاهُ فِي الْبَيْتِ: جَرَمَتْ فَزَارَةَ أَنْ يَغْضَبُوا: حَمَلَتْ فَزَارَةَ عَلَى أَنْ يَغْضَبُوا. وَقَالَ آخَرُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [هود: ٨٩] لَا يُكْسِبَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ. وَتَأْوِيلُ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلَ الشَّاعِرِ فِي الْبَيْتِ: جَرَمَتْ فَزَارَةَ: كَسَبَتْ فَزَارَةَ أَنْ يَغْضَبُوا. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: فُلَانٌ جَرِيمَةُ أَهْلِهِ، بِمَعْنَى: كَاسِبُهُمْ، وَخَرَجَ يُجْرِمُهُمْ: يُكْسِبُهُمْ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي حَكَيْنَاهَا عَمَّنْ حَكَيْنَاهَا عَنْهُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ رَجُلًا عَلَى بُغْضِ رَجُلٍ فَقَدْ أَكْسَبَهُ بُغْضَهُ، وَمَنْ أَكْسَبَهُ بُغْضَهُ فَقَدْ أَحَقَّهُ لَهُ “
٨ / ٤٥
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَحْسَنُ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ مَعْنَى الْحَرْفِ، مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ، وَذَلِكَ تَوْجِيهُهُمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى الْعُدْوَانِ ” وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [المائدة: ٢] بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ جَرَمْتُهُ أَجْرِمُهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ، مَا:
٨ / ٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، أَنَّهُ قَرَأَ: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ» مُرْتَفِعَةَ الْيَاءِ مِنْ أَجْرَمْتُهُ أُجْرِمُهُ وَهُوَ يُجْرِمُنِي ” وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ [المائدة: ٢] بِفَتْحِ الْيَاءِ، لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَةِ بِذَلِكَ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَشُذُوذِ مَا خَالَفَهَا، وَأَنَّهَا اللُّغَةُ الْمَعْرُوفَةُ السَّائِرَةُ فِي الْعَرَبِ، وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا مِنْ بَعْضِهَا: أَجْرَمَ يُجْرِمُ، عَلَى شُذُوذِهِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ أَوْلَى وَأَحَقُّ مِنْهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ لُغَةِ مَنْ قَالَ: جَرَمْتُ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط] يَا أَيُّهَا الْمُشْتَكِي عُكْلًا وَمَا جَرَمَتْ … إِلَى الْقَبَائِلِ مِنْ قَتْلٍ وَإِبْآسِ
[البحر البسيط] يَا أَيُّهَا الْمُشْتَكِي عُكْلًا وَمَا جَرَمَتْ … إِلَى الْقَبَائِلِ مِنْ قَتْلٍ وَإِبْآسِ
٨ / ٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: ﴿شَنَآنُ﴾ [المائدة: ٢] بِتَحْرِيكِ الشِّينِ وَالنُّونِ إِلَى الْفَتْحِ، بِمَعْنَى: بُغْضُ قَوْمٍ تَوْجِيهًا مِنْهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي يَأْتِي عَلَى فَعَلَانِ نَظِيرَ الطَّيَرَانِ، وَالنَّسَلَانِ، وَالْعَسَلَانِ، وَالرَّمَلَانِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ: «شَنْآنُ قَوْمٍ» بِتَسْكِينِ النُّونِ وَفَتْحِ الشِّينِ، بِمَعْنَى الِاسْمِ؛ تَوْجِيهًا مِنْهُمْ مَعْنَاهُ إِلَى: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ، فَيَخْرُجُ شَنْآنُ عَلَى تَقْدِيرِ فَعْلَانِ، لِأَنَّ فَعَلَ مِنْهُ عَلَى فَعِلَ، كَمَا يُقَالَ: سَكْرَانُ مِنْ سَكِرَ، وَعَطْشَانُ مِنْ عَطِشَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ ” وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿شَنَآنُ﴾ [المائدة: ٢] بِفَتْحِ النُّونِ مُحَرَّكَةً، لِشَائِعِ تَأْوِيلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: بُغْضُ قَوْمٍ،
٨ / ٤٧
وَتَوْجِيهُهُمْ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَرِ دُونَ مَعْنَى الِاسْمِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مُوَجَّهًا إِلَى مَعْنَى الْمَصْدَرِ، فَالْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فِيمَا جَاءَ مِنَ الْمَصَادِرِ عَلَى الْفَعَلَانِ بِفَتْحِ الْفَاءِ تَحْرِيكُ ثَانِيهِ دُونَ تَسْكِينِهِ، كَمَا وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِهِمُ: الدَّرَجَانُ، وَالرَّمَلَانُ مِنْ دَرَجِ وَرَمَلَ، فَكَذَلِكَ الشَّنَآنُ مِنْ شَنَئْتُهُ أَشْنُؤُهُ شَنَآنًا. وَمِنَ الْعَربِ مَنْ يَقُولُ: شَنَانٌ عَلَى تَقْدِيرِ فَعَالٍ، وَلَا أَعْلَمُ قَارِئًا قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَمَا الْعَيْشُ إِلَّا مَا يَلَذُّ وَيُشْتَهَى … وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَانِ وَفَنَّدَا
وَهَذَا فِي لُغَةِ مَنْ تَرَكَ الْهَمْزَ مِنَ الشَّنَآنِ، فَصَارَ عَلَى تَقْدِيرِ فَعَالٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ فَعَلَانٌ «ذِكْرُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] بُغْضُ قَوْمٍ»
[البحر الطويل] وَمَا الْعَيْشُ إِلَّا مَا يَلَذُّ وَيُشْتَهَى … وَإِنْ لَامَ فِيهِ ذُو الشَّنَانِ وَفَنَّدَا
وَهَذَا فِي لُغَةِ مَنْ تَرَكَ الْهَمْزَ مِنَ الشَّنَآنِ، فَصَارَ عَلَى تَقْدِيرِ فَعَالٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ فَعَلَانٌ «ذِكْرُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] بُغْضُ قَوْمٍ»
٨ / ٤٨
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ﴾ [المائدة: ٢] قَوْمٍ لَا يَحْمِلَنَّكُمُ بُغْضُ قَوْمٍ “
٨ / ٤٨
وَحَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى مَرَّةً أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَةُ قَوْمٍ أَنْ تَعْتَدُوا “
٨ / ٤٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] لَا يَجْرِمَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ “
٨ / ٤٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «بَغْضَاؤُهُمْ أَنْ تَعْتَدُوا»
٨ / ٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ [المائدة: ٢] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ أَنْ بِمَعْنَى: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ بِصَدَّهِمْ إِيَّاكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا. وَكَانَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ إِنْ صَدُّوكُمْ» بِكَسْرِ الْأَلِفِ مِنْ إِنْ بِمَعْنَى: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ إِنْ هُمْ أَحْدَثُوا لَكُمْ صَدًّا عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَنْ تَعْتَدُوا. فزَعَمُوا أَنَّهَا فِي
٨ / ٤٩
قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إِنْ يَصُدَّكُمْ» فَقِرَاءَةُ ذَلِكَ كَذَلِكَ اعْتِبَارًا بِقِرَاءَتِهِ ” وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، صَحِيحٌ مَعْنَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْمَائِدَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. فَمَنْ قَرَأَ: ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ [المائدة: ٢] بِفَتْحِ الْأَلِفِ مِنْ أَنْ فَمَعْنَاهُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ أَجْلِ أَنْ صَدُّوكُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ. وَمَنْ قَرَأَ: «إِنْ صَدُّوكُمْ» بِكَسْرِ الْأَلِفِ، فَمَعْنَاهُ: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ إِنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذَا أَرَدْتُمْ دُخُولَهُ، لِأَنَّ الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَدْ حَاوَلُوا صَدَّهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الصَّادِّينِ. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْتُ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ أَبْيَنُ مَعْنًى، لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ لَا تَدَافُعَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالصَّدُّ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الصَّادِّينَ مِنْ أَجْلِ صَدِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] فَإِنَّهُ يَعْنِي: أَنْ تُجَاوِزُوا الْحَدَّ الَّذِي حَدُّهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي
٨ / ٥٠
أَمْرِهِمْ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذَنْ: وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ لِأَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَعْتَدُوا حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ فَتُجَاوِزُوهُ إِلَى مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَلَكِنِ الْزَمُوا طَاعَةَ اللَّهِ فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وَكَرِهْتُمْ. وَذَكَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّهْيِ عَنِ الطَّلَبِ بِذُحُولِ الْجَاهِلِيَّةِ.
٨ / ٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ حُلَفَاءِ مُحَمَّدٍ، قَتَلَ حَلِيفًا لِأَبِي سُفْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ يَوْمَ الْفَتْحِ بِعَرَفَةَ، لِأَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ حُلَفَاءَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ بِذَحْلِ الْجَاهِلِيَّةِ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ ” وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا مَنْسُوخٌ
٨ / ٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ قَالَ: «بَغْضَاؤُهُمْ، حَتَّى تَأْتُوا مَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ. وَقَرَأَ ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] وَتَعَاوَنُوا، قَالَ: هَذَا كُلُّهُ قَدْ نُسِخَ، نَسَخَهُ الْجِهَادُ» ⦗٥٢⦘ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مُجَاهِدٍ: إِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ لِاحْتِمَالِهِ أَنْ تَعْتَدُوا الْحَقَّ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ. وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَنْسُوخٌ، إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا “
٨ / ٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] وَلْيُعِنْ بَعْضُكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْضًا عَلَى الْبِرِّ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْعَمَلِ بِهِ ﴿وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] هُوَ اتِّقَاءُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّقَائِهِ وَاجْتِنَابِهِ مِنْ مَعَاصِيهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢] يَعْنِي: وَلَا يُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى الْإِثْمِ، يَعْنِي: عَلَى تَرْكَ مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِفِعْلِهِ. ﴿وَالْعُدْوَانِ﴾ [البقرة: ٨٥] يَقُولُ: «وَلَا عَلَى أَنْ تَتَجَاوَزُوا مَا حَدِّ اللَّهِ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ، وَفَرَضَ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي غَيْرِكُمْ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا، وَلَكِنْ لِيُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْأَمْرِ بِالِانْتِهَاءِ إِلَى مَا حَدَّهُ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَفِي غَيْرِهِمْ، وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ أَنْ تَأْتُوا فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ وَفِي سَائِرِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَلَا يُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَبِمَا قُلْنَا فِي الْبِرِّ وَالتَّقْوَى قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ»
٨ / ٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]⦗٥٣⦘ الْبِرُّ: مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَالتَّقْوَى: مَا نُهِيتَ عَنْهُ “
٨ / ٥٢
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] قَالَ: «الْبِرُّ: مَا أُمِرْتَ بِهِ، وَالتَّقْوَى: مَا نُهِيتَ عَنْهُ»
٨ / ٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: ٢] وَهَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَهْدِيدٌ لِمَنِ اعْتَدَى حَدَّهُ وَتَجَاوَزَ أَمْرَهُ. يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَعْنِي: وَاحْذَرُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَلْقَوْهُ فِي مَعَادِكُمْ وَقَدِ اعْتَدَيْتُمْ حَدَّهُ فِيمَا حَدَّ لَكُمْ وَخَالَفْتُمْ أَمْرَهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ أَوْ نَهْيَهُ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، فَتَسْتَوْجِبُوا عِقَابَهُ وَتَسْتَحِقُّوا أَلِيمَ عَذَابِهِ ثُمَّ وَصَفَ عِقَابَهُ بِالشِّدَّةِ، فَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدٌ عِقَابُهُ لِمَنْ عَاقَبَهُ مِنْ خَلْقِهِ، لِأَنَّهَا نَارٌ لَا يُطْفَأُ حَرُّهَا، وَلَا يُخْمَدُ جَمْرُهَا، وَلَا يَسْكُنُ لَهَبُهَا. نعُوذُ بِاللَّهَ مِنْهَا وَمِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُنَا مِنْهَا “
٨ / ٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمَيْتَةَ، وَالْمَيْتَةُ: كُلُّ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَطَيْرِهِ، مِمَّا
٨ / ٥٣
أَبَاحَ اللَّهُ أَكْلُهَا، وَأَهْلِيهَا وَوَحْشِيهَا، فَارَقَتْهَا رُوحُهَا بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ «وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَيْتَةُ: هُوَ كُلُّ مَا فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَطَيْرِهِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ أَكْلَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا: كِتَابٌ لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي الْأَحْكَامِ» وَأَمَّا الدَّمُ: فَإِنَّهُ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ دُونَ مَا كَانَ مِنْهُ غَيْرَ مَسْفُوحٍ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ فَأَمَّا مَا كَانَ قَدْ صَارَ فِي مَعْنَى اللَّحْمِ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، وَمَا كَانَ فِي اللَّحْمِ غَيْرَ مُنْسَفِحٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ حَرَامٍ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى ذَلِكَ «وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [البقرة: ١٧٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَهْلِيَّهُ وَبَرِّيَّهُ. فَالْمَيْتَةُ وَالدَّمُ مَخْرَجُهُمَا فِي الظَّاهِرِ مَخْرَجَ عُمُومٍ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمَا الْخُصُوصُ وَأَمَّا لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ كَبَاطِنِهِ وَبَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ، حَرَامٌ جَمِيعُهُ لَمْ يُخَصَّصْ مِنْهُ شَيْءٌ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَمَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ. وَأَصْلُهُ مِنِ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ وَذَلِكَ إِذَا صَاحَ حِينَ يَسْقُطُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَمِنْهُ إِهْلَالُ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ إِذَا لَبَّى بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ أَحْمَرَ:
[البحر السريع] يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ
[البحر السريع] يُهِلُّ بِالْفَرْقَدِ رُكْبَانُهَا كَمَا يُهِلُّ الرَّاكِبُ الْمُعْتَمِرْ
٨ / ٥٤
وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] وَمَا ذُبِحَ لِلْآلِهَةِ وَلِلْأَوْثَانِ يُسَمَّى عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ “
٨ / ٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] اخْتَلَفَتْ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الِانْخِنَاقِ الَّذِي عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا:
٨ / ٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الَّتِي تُدْخِلُ رَأْسَهَا بَيْنَ شُعْبَتَيْنِ مِنْ شَجَرَةٍ، فَتَخْتَنِقُ فَتَمُوتُ»
٨ / ٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي: الْمُنْخَنِقَةِ، قَالَ: الَّتِي تَخْتَنِقُ فَتَمُوتُ “
٨ / ٥٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] الَّتِي تَمُوتُ فِي خِنَاقِهَا ” وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الَّتِي تُوثَقُ فَيَقْتُلُهَا بِالْخِنَاقِ وَثَاقُهَا
٨ / ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الشَّاةُ تُوثَقُ، فَيَقْتُلُهَا خِنَاقُهَا، فَهِيَ حَرَامٌ» ⦗٥٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ الْبَهِيمَةُ مِنَ النَّعَمِ، كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَخْنُقُونَهَا حَتَّى تَمُوتَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهَا
٨ / ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] الَّتِي تُخْنَقُ فَتَمُوتُ “
٨ / ٥٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَخْنُقُونَ الشَّاةَ، حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا «وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ الَّتِي تَخْتَنِقُ، إِمَّا فِي وَثَاقِهَا، وَإِمَّا بِإِدْخَالِ رَأْسِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ فَتَخْتَنِقَ حَتَّى تَمُوتَ» وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْمُنْخَنِقَةَ: هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِالِانْخِنَاقِ دُونَ خَنْقِ غَيْرِهَا لَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِذَلِكَ أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِهَا لَقِيلَ: وَالْمَخْنُوقَةُ، حَتَّى يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا قَالُوا “
٨ / ٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣]⦗٥٧⦘ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] وَالْمَيِّتَةُ وَقِيذًا، يُقَالَ مِنْهُ: وَقَذَهُ يَقِذُهُ وَقْذًا: إِذَا ضَرَبَهُ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
[البحر الكامل] شَغَّارَةً تَقِذُ الْفَصِيلَ بِرِجْلِهَا … فَطَّارَةً لِقَوَادِمِ الْأَبْكَارِ
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الكامل] شَغَّارَةً تَقِذُ الْفَصِيلَ بِرِجْلِهَا … فَطَّارَةً لِقَوَادِمِ الْأَبْكَارِ
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الْمَوْقُوذَةُ الَّتِي تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ حَتَّى يَقِذَهَا فَتَمُوتَ»
٨ / ٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا، حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا “
٨ / ٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا رَوْحٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «كَانُوا يَضْرِبُونَهَا حَتَّى يَقِذُوهَا، ثُمَّ يَأْكُلُوهَا»
٨ / ٥٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] الَّتِي تُوقَذُ فَتَمُوتُ “
٨ / ٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ ⦗٥٨⦘: ﴿الْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] الَّتِي تُضْرَبُ حَتَّى تَمُوتَ “
٨ / ٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فَتَمُوتُ»
٨ / ٥٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمَوْقُوذَةُ﴾ [المائدة: ٣] كَانَتِ الشَّاةُ أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْأَنْعَامِ تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ لِآلِهَتِهِمْ حَتَّى يَقْتُلُوهَا فَيَأْكُلُوهَا “
٨ / ٥٨
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، ثني إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: ثني نُعَيمُ بْنُ سَلَامَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيّ، قَالَ: لَيْسَتِ الْمَوْقُوذَةُ إِلَّا فِي مَالِكَ، وَلَيْسَ فِي الصَّيْدِ وَقِيذٌ “
٨ / ٥٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ تَرَدُّيًا مِنْ جَبَلٍ، أَوْ فِي بِئْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وتَرَدِّيهَا: رَمْيُهَا بِنَفْسِهَا مِنْ مَكَانٍ عَالٍ مُشْرِفٍ إِلَى سُفْلِهِ ” وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ ⦗٥٩⦘ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الَّتِي تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ»
٨ / ٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ [المائدة: ٣] كَانَتْ تَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ فَيَأْكُلُونَهَا “
٨ / ٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا رَوْحٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الَّتِي تَرَدَّتْ فِي الْبِئْرِ»
٨ / ٥٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «هِيَ الَّتِي تَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ أَوْ فِي الْبِئْرِ، فَتَمُوتُ»
٨ / ٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ [المائدة: ٣] الَّتِي تَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ فَتَمُوتُ “
٨ / ٥٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُتَرَدِّيَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الَّتِي تَخِرُّ فِي رَكِيٍّ أَوْ مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ فَتَمُوتُ»
٨ / ٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿النَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] الشَّاةُ
٨ / ٥٩
الَّتِي تَنْطَحُهَا أُخْرَى فَتَمُوتُ مِنَ النِّطَاحِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ، فَحَرَّمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِنْ لَمْ يُدْرِكُوا ذَكَاتَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَأَصْلُ النَّطِيحَةِ: الْمَنْطُوحَةُ، صُرِفَتْ مِنْ مَفْعُولَةٍ إِلَى فَعِيلَةٍ ” فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ أُثْبِتَتِ الْهَاءُ هَاءُ التَّأْنِيثِ فِيهَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تُثْبِتُ الْهَاءَ فِي نَظَائِرِهَا إِذَا صَرَفُوهَا صَرْفَ النَّطِيحَةِ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٌ، إِنَّمَا تَقُولُ: لِحْيَةٌ دَهِينٌ، وَعَيْنٌ كَحِيلٌ، وَكَفٌّ خَضِيبٌ، وَلَا يَقُولُونَ كَفٌّ خَضِيبَةٌ وَلَا عَيْنٌ كَحِيلَةٌ؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أُثْبِتَتْ فِيهَا الْهَاءُ، أَعْنِي فِي النَّطِيحَةِ، لِأَنَّهَا جُعِلَتْ كَالِاسْمِ مِثْلَ الطَّوِيلَةِ وَالطَّرِيقَةِ فَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ وَجَّهَ النَّطِيحَةَ إِلَى مَعْنَى النَّاطِحَةِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى مَذْهِبِهِ: وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمُ الْمَيِّتَةَ نِطَاحًا، كَأَنَّهُ عَنَى: وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمُ النَّاطِحَةَ الَّتِي تَمُوتُ مِنْ نِطَاحِهَا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِنَّمَا تَحْذِفُ الْعَرَبُ الْهَاءَ مِنَ الْفَعِيلَةِ الْمَصْرُوفَةِ عَنِ الْمَفْعُولِ إِذَا جَعَلَتْهَا صِفَةً لِاسْمٍ، قَدْ تَقَدَّمَهَا، فَتَقُولُ: رَأَيْنَا كَفًّا خَضِيبًا وَعَيْنًا كَحِيلًا. فَأَمَّا إِذَا حَذَفَتِ الْكَفَّ وَالْعَيْنَ وَالِاسْمَ الَّذِي يَكُونُ فَعِيلٌ نَعْتًا لَهَا وَاجْتَزَءُوا بِفَعِيلٍ مِنْهَا، أَثْبَتُوا فِيهِ هَاءَ التَّأْنِيثِ، لِيُعْلَمَ بِثُبُوتِهَا فِيهِ أَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمُؤَنَّثِ دُونَ الْمُذَكِّرِ، فَتَقُولُ: رَأَيْنَا كَحِيلَةً وَخَضِيبَةً وَأَكِيلَةَ السَّبُعِ، قَالُوا: وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتِ الْهَاءُ فِي النَّطِيحَةِ، لِأَنَّهَا صِفَةُ الْمُؤَنَّثِ، وَلَوْ أُسْقِطَتْ مِنْهَا لَمْ يُدْرَ أَهِيَ صِفَةُ مُؤَنَّثٍ أَوْ مُذَكَّرٍ.
٨ / ٦٠
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الشَّائِعِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، بِأَنَّ مَعْنَى النَّطِيحَةِ: الْمَنْطُوحَةُ “
٨ / ٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الشَّاةُ تَنْطِحُ الشَّاةَ»
٨ / ٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ: «وَالْمَنْطُوحَةُ»
٨ / ٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] الشَّاتَانِ تَنْتَطِحَانِ فَتَمُوتَانِ “
٨ / ٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] هِيَ الَّتِي تَنْطَحُهَا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ فَتَمُوتُ. يَقُولُ: هَذَا حَرَامٌ، لِأَنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ “
٨ / ٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] كَانَ الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ، فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا، فَيَأْكُلُونَهُ “
٨ / ٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا رَوْحٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣]⦗٦٢⦘ الْكَبْشَانِ يَنْتَطِحَانِ فَيَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَيَأْكُلُونَهُ “
٨ / ٦١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الشَّاةُ تَنْطَحُ الشَّاةَ فَتَمُوتُ»
٨ / ٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أَكَلَ السَّبُعُ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ مِنَ الصَّوَائِدِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «مَا أَخَذَ السَّبُعُ»
٨ / ٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «مَا أَخَذَ السَّبُعُ»
٨ / ٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَتَلَ السَّبُعُ شَيْئًا مِنْ هَذَا أَوْ أَكَلَ مِنْهُ، أَكَلُوا مَا بَقِيَ»
٨ / ٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَرَأَ: «وَأَكِيلُ السَّبُعُ»
٨ / ٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] إِلَّا مَا طَهَّرْتُمُوهُ بِالذَّبْحِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا اسْتَثْنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَثْنَى مِنْ جَمِيعِ مَا سَمَّى اللَّهُ تَحْرِيمَهُ، مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣]
٨ / ٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ مِنْ هَذَا كُلِّهُ، يَتَحَرَّكُ لَهُ ذَنَبٌ أَوْ تَطْرِفُ لَهُ عَيْنٌ، فَاذْبَحْ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلَالٌ»
٨ / ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ الْحَسَنُ: أَيُّ هَذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَذَكِّهِ وَكُلْ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ كَيْفَ أَعْرِفُ؟ قَالَ: إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بَذَنَبِهَا “
٨ / ٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «فَكُلُّ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ عز وجل هَهُنَا مَا خَلَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إِذَا أَدْرَكْتَ مِنْهُ عَيْنًا تَطْرِفُ أَوْ ذَنَبًا يَتَحَرَّكُ أَوْ قَائِمَةً تَرْكُضُ، فَذَكَّيْتَهُ، فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ»
٨ / ٦٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] مِنْ هَذَا كُلِّهُ، فَإِذَا وَجَدْتَهَا تَطْرِفُ عَيْنُهَا، أَوْ تُحَرِّكُ أُذُنَهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَهِيَ لَكَ حَلَالٌ “
٨ / ٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ وَعَبَّادٌ، قَالَا: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «إِذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاةَ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا فَكُلْهَا»
٨ / ٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «إِذَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنَ الصَّيْدِ أَوِ الْوَقِيذَةِ، أَوِ النَّطِيحَةِ أَوِ الْمُتَرَدِّيَةِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ، فَكُلْ»
٨ / ٦٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ ⦗٦٥⦘ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «إِذَا رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبَهَا، فَقَدْ أَجْزَأَ»
٨ / ٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «إِذَا ذُبِحَتْ فَمَصَعَتْ بِذَنَبَهَا أَوْ تَحَرَّكَتْ فَقَدْ حَلَّتْ لَكَ. اوْ قَالَ: فَحَسْبُهُ»
٨ / ٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا كَانَتِ الْمَوْقُوذَةُ تَطْرِفُ بِبَصَرِهَا، أَوْ تَرْكُضُ بِرِجْلِهَا، أَوْ تَمْصَعُ بِذَنَبِهَا، فَاذْبَحْ وَكُلْ» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا الْحَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِمِثْلِهِ
٨ / ٦٥
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا سُوَيْدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ، يَقُولُ: «إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا، أَوْ مَصَعَتْ بِذَنَبِهَا، أَوْ تَحَرَّكَتْ، فَقَدْ حَلَّتْ لَكَ»
٨ / ٦٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ هَذَا، فَحَرَّمَ اللَّهُ فِي ⦗٦٦⦘ الْإِسْلَامِ إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْهُ، فَمَا أُدْرِكَ فَتَحَرَّكَ مِنْهُ رِجْلٌ أَوْ ذَنَبٌ أَوْ طَرْفٌ فَذُكِّيَ، فَهُوَ حَلَالٌ»
٨ / ٦٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ [المائدة: ٣] وَقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ﴾ [المائدة: ٣] الْآيَةُ ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] هَذَا كُلُّهُ مُحَرَّمٌ، إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْ هَذَا ” فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: حُرِّمَتِ الْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ إِنْ مَاتَتْ مِنَ التَّرَدِّي وَالْوَقْذِ وَالنَّطْحِ وَفَرْسِ السَّبُعِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكُوا ذَكَاتَهَا، فَتُدْرِكُوهَا قَبْلَ مَوْتِهَا، فَتَكُونَ حِينَئِذٍ حَلَالًا أَكْلُهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ التَّحْرِيمِ، وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَا ذَكَاةَ لَهَا وَلَا لِلْخِنْزِيرِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ، وَسَائِرُ مَا سَمَّيْنَا مَعَ ذَلِكَ، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ، فَإِنَّهُ لَكُمْ حَلَالٌ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
٨ / ٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَسُئِلَ عَنِ الشَّاةِ الَّتِي ⦗٦٧⦘ يَخْرِقُ جَوْفَهَا السَّبُعُ حَتَّى تَخْرُجَ أَمْعَاؤُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: “لَا أَرَى أَنْ تُذَكَّى وَلَا يُؤْكَلَ أَيُّ شَيْءٍ يُذَكَّى مِنْهَا
٨ / ٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنْ أَشْهَبَ، قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ، عَنِ السَّبُعُ، يَعْدُو عَلَى الْكَبْشِ، فَيَدُقُّ ظَهْرَهُ، أَتَرَى أَنْ يُذَكَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَيُؤْكَلَ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ بَلَغَ السَّحْرَ، فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَصَابَ أَطْرَافَهُ، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. قِيلَ لَهُ: وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْرَهُ؟ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ، هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ. قِيلَ لَهُ: فَالذِّئْبُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ فَيَشُقُّ بَطْنَهَا وَلَا يَشُقُّ الْأَمْعَاءَ؟ قَالَ: إِذَا شَقَّ بَطْنَهَا فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ» وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، فَيَكُونَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ، وَسَائِرُ مَا ذَكَرْنَا، وَلَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي أَحْلَلْتُهَا لَكُمْ بِالتَّذْكِيَةِ حَلَالٌ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ الصِّفَةَ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْلَ حَالِ مَوْتِهِ، فَيُقَالَ: لِمَا قَرَّبَ الْمُشْرِكُونَ لِآلِهَتِهِمْ فَسَمَّوْهُ لَهُمْ: هُوَ ﴿مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] بِمَعْنَى: سُمِّيَ قُرْبَانًا لِغَيْرِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ الْمُنْخَنِقَةُ: إِذَا انْخَنَقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَمُتْ فَهِيَ مُنْخَنِقَةٌ،
٨ / ٦٧
وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: ٣] إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَإِنَّهُ يُوصَفْ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَحَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ إِلَّا بِالتَّذْكِيَةِ الْمُحَلِّلَةِ دُونَ الْمَوْتِ بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مَوْصُوفًا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ فَمَا إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهَا، وَقَدْ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ. وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، فَكُلُّ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتَهُ مِنْ طَائِرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ قَبْلَ خُرُوجِ نَفْسِهِ وَمُفَارَقَةِ رُوحِهِ جَسَدَهُ، فَحَلَالٌ أَكْلُهُ إِذَا كَانَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدَكَ، فَمَا وَجْهُ تَكْرِيرُهُ مَا كُرِّرَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِيَّةُ﴾ [المائدة: ٣] وَسَائِرُ مَا عَدَّدَ تَحْرِيمَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدِ افْتَتَحَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] شَامِلٌ كُلَّ مَيْتَةٍ كَانَ مَوْتُهُ حَتْفَ أَنْفِهِ، مِنْ عِلَّةٍ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةِ أَحَدٍ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَ مَوْتُهُ مِنْ ضَرْبِ ضَارِبٍ إِيَّاهُ، أَوِ انْخِنَاقٍ مِنْهُ أَوِ انْتِطَاحٍ أَوْ فَرْسِ سَبُعٍ؟ وَهَلَا كَانَ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِالتَّحْرِيمِ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْمَيْتَةُ بِالِانْخِنَاقِ وَالنِّطَاحِ وَالْوَقْذِ وَأَكْلِ السَّبُعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، دُونَ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ تَحْرِيمُهُ إِذَا تَرَدَّى أَوِ انْخَنَقَ، أَوْ فَرَسَهُ السَّبُعُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَيَاةِ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] مُغْنِيًا مِنْ تَكْرِيرِ مَا كُرِّرَ بِقَوْلِهِ ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
٨ / ٦٨
وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ [المائدة: ٣] وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ مَعَ ذَلِكَ وَتِعْدَادِهِ مَا عَدَّدَ؟ قِيلَ: وَجْهُ تِكْرَارِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ إِذَا مَاتَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْصُوفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا يَعُدُّونَ الْمَيْتَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ، إِلَّا مَا مَاتَ مِنْ عِلَّةٍ عَارِضَةٍ بِهِ، غَيْرِ الِانْخِنَاقِ وَالتَّرَدِّي وَالِانْتِطَاحِ، وَفَرْسِ السَّبُعِ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا مَاتَ مِنَ الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ، وَأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لَيْسَتْ مَوْتَهَا مِنْ عِلَّةِ مَرَضٍ أَوْ أَذًى كَانَ بِهَا قَبْلَ هَلَاكِهَا، وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ يَذْبَحْهَا مِنْ أَجْلِ ذَبِيحَتِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحَلَّهَا بِهِ كَالَّذِي:
٨ / ٦٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «هَذَا حَرَامٌ، لِأَنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ وَلَا يَعُدُّونَهُ مَيِّتًا، إِنَّمَا يَعُدُّونَ الْمَيِّتَ الَّذِي يَمُوتُ مِنَ الْوَجَعِ، فَحَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، إِلَّا مَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَدْرَكُوا ذَكَاتَهُ وَفِيهِ الرُّوحُ»
٨ / ٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَيْضًا الَّذِي ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ. ⦗٧٠⦘ فَمَا فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا ذُبِحَ﴾ [المائدة: ٣] رُفِعَ عَطْفًا عَلَى مَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ﴾ [المائدة: ٣] وَالنُّصُبُ: الْأَوْثَانُ مِنَ الْحِجَارَةِ جَمَاعَةُ أَنْصَابٍ كَانَتْ تُجْمَعُ فِي الْمَوْضِعِ مِنَ الْأَرْضِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقَرِّبُونَ لَهَا، وَلَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ. وَكَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ فِي صِفَتِهِ مَا:
٨ / ٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ: قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: النُّصُبُ: لَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ، الصَّنَمُ يُصَوَّرُ وَيُنْقَشُ، وَهَذِهِ حِجَارَةٌ تُنْصَبُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ثَلَاثُمِائَةٍ مِنْهَا لِخُزَاعَةَ. فَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا، نَضَحُوا الدَّمَ عَلَى مَا أَقْبَلَ مِنَ الْبَيْتِ، وَشَرَحُوا اللَّحْمَ وَجَعَلُوهُ عَلَى الْحِجَارَةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ الْبَيْتَ بِالدَّمِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نُعَظِّمَهُ. فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ [الحج: ٣٧] وَمِمَّا يُحَقِّقُ قَوْلَ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي أَنَّ الْأَنْصَابَ غَيْرُ الْأَصْنَامِ مَا:
٨ / ٧٠
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «حِجَارَةٌ كَانَ يَذْبَحُ عَلَيْهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ»
٨ / ٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «حِجَارَةٌ حَوْلَ ⦗٧١⦘ الْكَعْبَةِ، يَذْبَحُ عَلَيْهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُبَدِّلُونَهَا إِنْ شَاءُوا بِحِجَارَةٍ أَعْجَبَ إِلَيْهِمْ مِنْهَا» حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] وَالنُّصْبُ: حِجَارَةٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَهَا، وَيَذْبَحُونَ لَهَا، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ “
٨ / ٧١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي: أَنْصَابَ الْجَاهِلِيَّةِ “
٨ / ٧١
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] وَالنُّصْبُ: أَنْصَابٌ كَانُوا يَذْبَحُونَ وَيُهِلُّونَ عَلَيْهَا “
٨ / ٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «كَانَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ حِجَارَةٌ كَانَ يَذْبَحُ عَلَيْهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَيُبَدِّلُونَهَا إِذَا شَاءُوا بِحَجَرٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهَا»
٨ / ٧١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٧٢⦘ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يَقُولُ: الْأَنْصَابُ حِجَارَةٌ كَانُوا يُهِلُّونَ لَهَا، وَيَذْبَحُونَ عَلَيْهَا “
٨ / ٧١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَهُوَ وَاحِدٌ»
٨ / ٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] وَأَنْ تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا قُسِمَ لَكُمْ أَوْ لَمْ يُقْسَمْ، بِالْأَزْلَامِ. وَهُوَ اسْتَفْعَلْتُ مِنَ الْقَسْمِ: قَسْمِ الرِّزْقِ وَالْحَاجَاتِ. وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَجَالَ الْقِدَاحَ، وَهِيَ الْأَزْلَامُ، وَكَانَتْ قِدَاحًا مَكْتُوبًا عَلَى بَعْضِهَا: نَهَانِي رَبِّي، وَعَلَى بَعْضِهَا: أَمَرَنِي رَبِّي، فَإِنْ خَرَجَ الْقَدَحُ الَّذِي هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ: أَمَرَنِي رَبِّي، مَضَى لِمَا أَرَادَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَزْو أَوْ تَزْوِيجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: نَهَانِي رَبِّي، كَفَّ عَنِ الْمُضِيِّ لِذَلِكَ وَأَمْسَكَ فَقِيلَ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] لِأَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ كَانُوا كَأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ أَزْلَامَهُمْ أَنْ يَقْسِمْنَ لَهُمْ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ مُفْتَخِرًا بِتَرْكِ الِاسْتِقْسَامِ بِهَا:
[البحر الوافر] وَلَمْ أَقْسِمْ فَتَرْبُثَنِي الْقُسُومُ
وَأَمَّا الْأَزْلَامُ، فَإِنَّ وَاحِدَهَا زَلَمٌ، وَيُقَالَ زُلَمٌ، وَهِيَ الْقِدَاحُ الَّتِي وَصَفْنَا أَمْرَهَا
[البحر الوافر] وَلَمْ أَقْسِمْ فَتَرْبُثَنِي الْقُسُومُ
وَأَمَّا الْأَزْلَامُ، فَإِنَّ وَاحِدَهَا زَلَمٌ، وَيُقَالَ زُلَمٌ، وَهِيَ الْقِدَاحُ الَّتِي وَصَفْنَا أَمْرَهَا
٨ / ٧٢
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الْقِدَاحُ، كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا فِي سَفَرٍ، جَعَلُوا قِدَاحًا لِلْجُلُوسِ وَالْخُرُوجِ، فَإِنْ وَقَعَ الْخُرُوجُ خَرَجُوا، وَإِنْ وَقَعَ الْجُلُوسُ جَلَسُوا»
٨ / ٧٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَأَنْ ⦗٧٤⦘ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «حَصًى بِيضٌ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ: هُوَ الشَّطْرَنْجُ “
٨ / ٧٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ الْبَزَّارُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا أَوْ سَفَرًا، يَعْمِدُونَ إِلَى قِدَاحٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا مَكْتُوبٌ: اؤْمُرْنِي، وَعَلَى الْآخَرِ: انْهَنِي، وَيَتْرُكُونَ الْآخَرَ مُحَلِّلًا بَيْنَهُمَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. ثُمَّ يُجِيلُونَهَا، فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ اؤْمُرْنِي، مَضَوْا لِأَمْرِهِمْ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي عَلَيْهِ انْهَنِي كَفُّوا، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَعَادُوهَا»
٨ / ٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣]: حِجَارَةٌ كَانُوا يَكْتُبُونَ عَلَيْهَا يُسَمُّونَهَا الْقِدَاحَ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
٨ / ٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «كِعَابُ فَارِسٍ الَّتِي يَقْمُرُونَ بِهَا، وَسِهَامُ الْعَرَبِ»
٨ / ٧٤
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا زُهَيْرٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «سِهَامُ الْعَرَبِ وَكِعَابُ فَارِسٍ وَالرُّومِ كَانُوا يَتَقَامَرُونَ بِهَا»
٨ / ٧٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مُسَافِرًا، كَتَبَ فِي قِدَاحٍ: هَذَا يَأْمُرُنِي بِالْمُكْثِ، وَهَذَا يَأْمُرُنِي بِالْخُرُوجِ، وَجَعَلَ مَعَهَا مَنِيحًا، شَيْءٌ لَمْ يَكْتُبْ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ اسْتَقْسَمَ بِهَا حِينَ ⦗٧٥⦘ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ، فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْمُكْثِ مَكَثَ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي يَأْمُرُ بِالْخُرُوجِ خَرَجَ، وَإِنْ خَرَجَ الْآخَرُ أَجَالَهَا ثَانِيَةً حَتَّى يَخْرُجَ أَحَدُ الْقَدَحَيْنِ»
٨ / ٧٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ خُرُوجًا، أَخَذَ قَدَحًا فَقَالَ: هَذَا يَأْمُرُ بِالْخُرُوجِ، فَإِنْ خَرَجَ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي سَفَرِهِ خَيْرًا؛ وَيَأْخُذُ قَدَحًا آخَرَ فَيَقُولُ: هَذَا يَأْمُرُ بِالْمُكُوثِ، فَلَيْسَ يُصِيبُ فِي سَفَرِهِ خَيْرًا؛ وَالْمَنِيحُ بَيْنَهُمَا. فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدَّمَ فِيهِ “
٨ / ٧٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ»
٨ / ٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْأَزْلَامُ قِدَاحٌ لَهُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ كَتَبَ فِي تِلْكَ الْقِدَاحِ مَا أَرَادَ، فَيَضْرِبُ بِهَا، فَأَيُّ قَدَحٍ خَرَجَ وَإِنْ كَانَ أَبْغَضَ تِلْكَ ارْتَكَبَهُ وَعَمِلَ بِهِ “
٨ / ٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الْأَزْلَامُ: قِدَاحٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ ⦗٧٦⦘ الْكَهَنَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُسَافِرَ أَوْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يُحْدِثَ أَمْرًا، أَتَى الْكَاهِنَ، فَأَعْطَاهُ شَيْئًا، فَضَرَبَ لَهُ بِهَا، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يُعْجِبُهُ أَمَرَهُ فَفَعَلَ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ نَهَاهُ فَانْتَهَى، كَمَا ضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَلَى زَمْزَمَ وَعَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَالْإِبِلِ»
٨ / ٧٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: سَمِعْنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِالْقِدَاحِ فِي الظَّعْنِ وَالْإِقَامَةِ أَوِ الشَّيْءِ يُرِيدُونَهُ، فَيَخْرُجُ سَهْمُ الظَّعْنِ فَيَظْعَنُونَ، وَالْإِقَامَةِ فَيُقِيمُونَ “
٨ / ٧٦
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْأَزْلَامِ مَا: حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: كَانَتْ هُبَلُ أَعْظَمَ أَصْنَامِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، وَكَانَتْ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةَ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَلَ سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ، كُلُّ قَدَحٍ مِنْهَا فِيهِ كِتَابٌ: قَدَحٌ فِيهِ الْعَقْلُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَةِ فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمَلَهُ وَقَدَحٌ فِيهِ: نَعَمْ لِلْأَمْرِ إِذَا أَرَادُوا يَضْرِبُ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ قَدَحُ نَعَمْ عَمِلُوا بِهِ؛ وَقَدَحٌ فِيهِ لَا، فَإِذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ، فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ الْقَدَحُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ. وَقَدَحٌ فِيهِ: مِنْكُمْ. وَقَدَحٌ فِيهِ: مُلْصَقٌ. وَقَدَحٌ فِيهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ. وَقَدَحٌ فِيهِ: الْمِيَاهُ، إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ وَفِيهَا ذَلِكَ الْقَدَحُ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ. وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَجْتَبُوا غُلَامًا، أَوْ أَنْ يَنْكِحُوا مَنْكِحًا، أَوْ أَنْ يَدْفِنُوا مَيِّتًا، وَيَشُكُّوا فِي نَسَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ذَهَبُوا بِهِ إِلَى هُبَلَ، وَبِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبِجَزُورٍ، فَأَعْطُوهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُهَا، ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبَهُمُ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ قَالُوا: يَا إِلَهَنَا،
٨ / ٧٦
هَذَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخْرِجِ الْحَقَّ فِيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ: اضْرِبْ، فَيَضْرِبُ، فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْكُمْ كَانَ وَسِيطًا، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ: مِنْ غَيْرِكُمْ، كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ: مُلْصَقٌ، كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ مِنْهُمْ، لَا نَسَبُ لَهُ وَلَا حِلْفَ؛ وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ نَعَمْ عَمِلُوا بِهِ؛ وَإِنْ خَرَجَ: لَا، أَخَّرُوهُ عَامَهُمْ ذَلِكَ، حَتَّى يَأْتُوا بِهِ مَرَّةً أُخْرَى يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إِلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاحُ “
٨ / ٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي: الْقَدَحَ، كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ “
٨ / ٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩] هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا حَرَّمَ أَكْلَهُ. وَالِاسْتِقْسَامُ بِالْأَزْلَامِ. ﴿فِسْقٌ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي: خُرُوجٌ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، وَإِلَى مَعْصِيَتِهِ. كَمَا:
٨ / ٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى: قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي: مَنْ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهُوَ فِسْقٌ “
٨ / ٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ ⦗٧٨⦘ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] الْآنَ انْقَطَعَ طَمَعُ الْأَحْزَابِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ وَالْجُحُودِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ دِينِكُمْ، يَقُولُ: مِنْ دِينِكُمْ أَنْ تَتْرُكُوهُ، فَتَرْتَدُّوا عَنْهُ رَاجِعِينَ إِلَى الشِّرْكِ. كَمَا:
٨ / ٧٧
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي: أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ أَبَدًا “
٨ / ٧٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «أَظُنُّ يَئِسُوا أَنْ تَرْجِعُوا عَنْ دِينِكُمْ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَئِسُوا فِيهِ مِنْ دِينِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قِيلَ: ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ، عَامَ حَجِّ النَّبِيِّ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِ الْعَرَبِ فِي الْإِسْلَامِ
٨ / ٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ ⦗٧٩⦘ مُجَاهِدٌ: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]: هَذَا حِينَ فَعَلْتُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ لَمَّا نَظَرَ النَّبِيُّ ﷺ، فَلَمْ يَرَ إِلَّا مُوَحِّدًا وَلَمْ يَرَ مُشْرِكًا؛ حَمِدَ اللَّهَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] أَنْ يَعُودُوا كَمَا كَانُوا “
٨ / ٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ»
٨ / ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِذَلِكَ: فَلَا تَخْشَوْا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ يَئِسُوا مِنْ دِينِكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا عَنْهُ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا تَخَافُوهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ فَيَقْهَرُوكُمْ وَيَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ، ﴿وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: “وَلَكِنْ خَافُونِ إِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَمْرِي وَاجْتَرَأْتُمْ عَلَى مَعْصِيَتِي وَتَعَدَّيْتُمْ حُدُودِي، أَنْ أُحِلَّ بِكُمْ عِقَابِي وَأُنْزِلَ بِكُمْ عَذَابِي. كَمَا:
٨ / ٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٣] فَلَا تَخْشَوْهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ “
٨ / ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الْيَوْمَ
٨ / ٧٩
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ وَحُدُودِي، وَأَمْرِي إِيَّاكُمْ وَنَهْيِي، وَحَلَالِي وَحَرَامِي، وَتَنْزِيلِي مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْزَلْتُ مِنْهُ فِي كِتَابِي، وَتِبْيَانِي مَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مِنْهُ بِوَحْيِي عَلَى لِسَانِ رَسُولِي، وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي نَصَبْتُهَا لَكُمْ عَلَى جَمِيعِ مَا بِكُمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، فَأَتْمَمْتُ لَكُمْ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَلَا زِيَادَةَ فِيهِ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ. قَالُوا: وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، عَامَ حَجِّ النَّبِيِّ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ. وَقَالُوا: لَمْ يَنْزِلْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْفَرَائِضِ وَلَا تَحْلِيلُ شَيْءٍ وَلَا تَحْرِيمُهُ، وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَّا إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَةً
٨ / ٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وَهُوَ الْإِسْلَامُ، قَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ لَهُمُ الْإِيمَانَ فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَةٍ أَبَدًا، وَقَدْ أَتَمَّهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فَلَا يُنْقِصُهُ أَبَدًا، وَقَدْ رَضِيَهُ اللَّهُ فَلَا يَسْخَطُهُ أَبَدًا “
٨ / ٨٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] هَذَا نَزَلَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَمْ يَنْزِلِ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَمَاتَ، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ الْحَجَّةِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذْ تَجَلَّى لَهُ جِبْرِيلُ ﷺ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَلَمْ تُطِقِ الرَّاحِلَةُ مِنْ ثَقَلِ مَا ⦗٨١⦘ عَلَيْهَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَبَرَكَتْ، فَأَتَيْتُهُ فَسَجَّيْتُ عَلَيْهِ بِرِدَاءٍ كَانَ عَلَيَّ “
٨ / ٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: مَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِحْدَى وَثَمَانِينَ لَيْلَةً قَوْلُهُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] “
٨ / ٨١
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وَذَلِكَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، بَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا يُبْكِيكَ؟» قَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إِذْ كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ» حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ نَحْو ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] حَجَّكُمْ، فَأُفْرِدْتُمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ تَحُجُّونَهُ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ دُونَ الْمُشْرِكِينَ لَا يُخَالِطُكُمْ فِي حَجِّكُمْ مُشْرِكٌ
٨ / ٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ أَنْ حَجُّوا وَلَمْ يَحُجَّ مَعَهُمْ مُشْرِكٌ»
٨ / ٨١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «أَخْلَصَ اللَّهُ لَهُمْ دِينَهُمْ، وَنَفَى ⦗٨٢⦘ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْبَيْتِ»
٨ / ٨١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «تَمَامُ الْحَجِّ، وَنَفْيِ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْبَيْتِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَخْبَرَ نَبِيَّهُ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ، أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ يَوْمَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ دِينَهُمْ، بِإِفْرَادِهِمْ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَإِجْلَائِهِ عَنْهُ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَهُمْ، لَا يُخَالِطُونَهُمُ الْمُشْرِكُونَ. فَأَمَّا الْفَرَائِضُ وَالْأَحْكَامُ، فَإِنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، هَلْ كَانَتْ أُكْمِلَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَمْ لَا؟ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمَا قَبْلُ. وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] وَلَا يَدْفَعُ ذُو عِلْمٍ أَنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَنْ قُبِضَ، بَلْ كَانَ الْوَحْي قَبْلَ وَفَاتِهِ أَكْثَرَ مَا كَانَ تَتَابُعًا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ قَوْلُهُ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾ [النساء: ١٧٦] آخِرَهَا نُزُولًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] عَلَى خِلَافِ الْوَجْهِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ تَأَوَّلَهُ، أَعِنِّي: كَمَالَ الْعِبَادَاتِ
٨ / ٨٢
وَالْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا جعْلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: قَدْ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَرْضٌ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنْزِلْ؟ قِيلَ لِأَنَّ الَّذِي قَالَ لَمْ يَنْزِلْ، مُخْبِرٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ نُزُولَ فَرْضٍ، وَالنَّفْي لَا يَكُونُ شَهَادَةً، وَالشَّهَادَةُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَ، وَغَيْرُ جَائِزٍ دَفْعُ خَبَرِ الصَّادِقِ فِيمَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ صَادِقًا
٨ / ٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَأَتْمَمْتُ نِعْمَتِي أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِإِظْهَارِكُمْ عَلَى عَدُوِّي وَعَدُوِّكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَنَفْيِي إِيَّاهُمْ عَنْ بِلَادِكُمْ، وَقَطْعِي طَمَعَهُمْ مِنْ رُجُوعِكُمْ، وَعَوْدِكُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ، فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْبَيْتِ، وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣]»
٨ / ٨٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ⦗٨٤⦘ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣] الْآيَةُ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، حِينَ نَفَى اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَخْلَصَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ “
٨ / ٨٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِعَرَفَاتٍ، حَيْثُ هُدِمَ مَنَارُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَاضْمَحَلَّ الشِّرْكُ، وَلَمْ يَحُجَّ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ»
٨ / ٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ، وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ، وَتَهَدَّمَتْ مَنَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنَاسِكُهُمْ، وَاضْمَحَلَّ الشِّرْكُ، وَلَمْ يَطُفْ حَوْلَ الْبَيْتِ عُرْيَانٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣]» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، بِنَحْوِهِ
٨ / ٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَرَضِيتُ لَكُمُ الِاسْتِسْلَامَ لِأَمْرِي وَالِانْقِيَادَ لِطَاعَتِي، عَلَى مَا شَرَعْتُ لَكُمْ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ وَمَعَالِمِهِ ﴿دِينًا﴾ [آل عمران: ٨٥] يَعْنِي بِذَلِكَ: طَاعَةً مِنْكُمْ لِي.
٨ / ٨٤
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ مَا كَانَ اللَّهُ رَاضِيًا الْإِسْلَامَ لِعِبَادِهِ، إِلَّا يَوْمَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ؟ قِيلَ: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ رَاضِيًا لِخَلْقِهِ الْإِسْلَامَ دِينًا، وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَزَلْ يَصْرِفُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ وَأَصْحَابَهُ فِي دَرَجَاتِهِ وَمَرَاتِبِهِ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ وَمَرْتَبَةٍ بَعْدَ مَرْتَبَةٍ وَحَالًا بَعْدَ حَالٍ، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُمْ شَرَائِعَهُ وَمَعَالِمَهُ وَبَلَغَ بِهِمْ أَقْصَى دَرَجَاتِهِ وَمَرَاتِبِهِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا الْيَوْمَ، وَالْحَالِّ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا الْيَوْمَ مِنْهُ ﴿دِينًا﴾ [آل عمران: ٨٥] فَالْزَمُوهُ وَلَا تُفَارِقُوهُ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
٨ / ٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُمَثَّلُ لِأَهْلِ كُلِّ دِينٍ دِينُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَمَّا الْإِيمَانُ فَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَهُ، وَيَعِدُهُمْ فِي الْخَيْرِ حَتَّى يَجِيءَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولُ: رَبِّ أَنْتَ السَّلَامُ وَأَنَا الْإِسْلَامُ، فَيَقُولُ: إِيَّاكَ الْيَوْمَ أَقْبَلُ، وَبِكَ الْيَوْمَ أَجْزِي» وَأَحْسِبُ أَنَّ قَتَادَةَ وَجَّهَ مَعْنَى الْإِيمَانِ بِهَذَا الْخَبَرِ إِلَى مَعْنَى التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الْإِيمَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَوَجَّهَ مَعْنَى الْإِسْلَامِ إِلَى اسْتِسْلَامِ الْقَلْبِ وَخُضُوعِهِ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَانْقِيَادِ الْجَسَدِ لَهُ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْإِسْلَامِ: إِيَّاكَ الْيَوْمَ أَقْبَلَ، وَبِكَ الْيَوْمَ أَجْزِي.
٨ / ٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِعَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ:
٨ / ٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ لِعُمَرَ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ أُنْزِلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: «إِنِّي لِأَعْلَمُ حِينَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ نَزَلَتْ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أُنْزِلَتْ؛ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ قَالَ سُفْيَانُ: وَأَشُكُّ، كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]»
٨ / ٨٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ. قَالَا: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيُّ لِعُمَرَ: لَوْ عَلِمْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] لَوْ نَعْلَمُ ذَلِكَ الْيَوْمَ اتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. فَقَالَ عُمَرُ: “قَدْ عَلِمْتُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ وَالسَّاعَةَ، وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ نَزَلَتْ؛ نَزَلَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعَرَفَاتٍ. لَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَبِي كُرَيْبٍ، وَحَدِيثُ ابْنِ وَكِيعٍ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ ⦗٨٧⦘ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ عُمَرَ، نَحْوَهُ
٨ / ٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْنَا أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ “
٨ / ٨٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] فَقَالَ يَهُودِيُّ: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ: يَوْمَ عِيدٍ، وَيَوْمَ جُمُعَةٍ ” حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ
٨ / ٨٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا رَجَاءُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَادَةُ بْنُ نُسَيٍّ، قَالَ: ثنا أَمِيرُنَا إِسْحَاقُ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ خَرَشَةَ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: قَالَ ⦗٨٨⦘ كَعْبٌ: لَوْ أَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ لَنَظَرُوا الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ عَلَيْهِمْ فَاتَّخَذُوهُ عِيدًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَيُّ آيَةٍ يَا كَعْبُ؟ فَقَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ لَنَا عِيدٌ “
٨ / ٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنبَسَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الدِّيوَانِ، فَقَالَ لَنَا نَصْرَانِيٌّ: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ: لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْكُمْ آيَةٌ لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ السَّاعَةَ عِيدًا مَا بَقِيَ مِنَّا اثْنَانِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنَّا، فَلَقِيتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلَا رَدَدْتُمْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أُنْزِلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْجَبَلِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ “
٨ / ٨٨
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَهُوَ فِي الْمَوْقِفِ “
٨ / ٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَامِرٍ: إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَيْفَ لَمْ تَحْفَظِ الْعَرَبُ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي أَكْمَلَ اللَّهُ لَهَا دِينَهَا فِيهِ؟ فَقَالَ عَامِرٌ: أَوَ مَا حَفِظَتْهُ؟ قُلْتُ لَهُ: فَأَيُّ يَوْمٍ؟ قَالَ: يَوْمُ عَرَفَةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ “
٨ / ٨٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»
٨ / ٨٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ “
٨ / ٨٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَتَنَوَّخَتْ لِأنْ يُدَقَّ ذِرَاعُهَا “
٨ / ٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ جَمِيعًا وَأَنَا آخِذَةٌ، بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَضْبَاءَ؛ قَالَتْ: فَكَادَتْ مِنْ ثِقَلِهَا أَنْ يُدَقَّ عَضُدُ النَّاقَةِ»
٨ / ٨٩
حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ السَّكُونِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، ⦗٩٠⦘ عَلَى الْمِنْبَرِ يَنْتَزِعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] حَتَّى خَتَمَهَا، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، أَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَقَالُوا: أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ بِالْمَدِينَةِ
٨ / ٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وُلِدَ نَبِيُّكُمْ ﷺ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأُنْزِلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وَرُفِعَ الذِّكْرُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ»
٨ / ٩٠
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الْمَائِدَةُ مَدَنِيَّةٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَسِيرِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
٨ / ٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسِيرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُوَ رَاكِبٌ رَاحِلَتَهُ، فَبَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ مِنْ ثِقَلِهَا ” وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَعْلَمُهُ أَنَا دُونَ خَلْقِي، أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
٨ / ٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «لَيْسَ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمُهُ النَّاسُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ، الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، لِصِحَّةِ سَنَدِهِ وَوَهْيِ أَسَانِيدِ غَيْرِهِ
٨ / ٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ [البقرة: ١٧٣] فَمَنْ أَصَابَهُ ضَرٌّ فِي مَخْمَصَةٍ، يَعْنِي فِي مَجَاعَةٍ، وَهِيَ مَفْعَلَةٌ مِثْلُ الْمَجْبَنَةِ وَالْمَبْخَلَةِ وَالْمَنْجَبَةِ، مِنْ خَمَصِ الْبَطْنِ، وَهُوَ اضْطِمَارِهِ،
٨ / ٩١
وَأَظُنُّهُ هُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيٌّ بِهِ اضْطِمَارُهُ مِنَ الْجُوعِ وَشِدَّةِ السَّغَبِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ اضْطِمَارًا مِنْ غَيْرِ الْجُوعِ وَالسَّغَبِ، وَلَكِنْ مِنْ خِلْقَةٍ، كَمَا قَالَ نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ فِي صِفَةِ امْرَأَةٍ بِخَمَصِ الْبَطْنِ:
[البحر الكامل] وَالْبَطْنُ ذُو عُكَنٍ خَمِيصٍ لَيِّنٍ … وَالنَّحْرُ تَنْفُجُهُ بِثَدْيٍ مُقْعَدِ
فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صِفَتَهَا بِقَوْلِهِ خَمِيصٍ بِالْهُزَالِ وَالضَّرِّ مِنَ الْجُوعِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ وَصْفَهَا بِلَطَافَةِ طَيِّ مَا عَلَى الْأَوْرَاكِ وَالْأَفْخَاذِ مِنْ جَسَدِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْمَدُ مِنَ النِّسَاءِ. ولَكِنَّ الَّذِي فِي مَعْنَى الْوَصْفِ بِالِاضْطِمَارِ وَالْهُزَالِ مِنَ الضُّرِّ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[البحر الطويل] تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ … وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا
يَعْنِي بِذَلِكَ: يَبِتْنَ مُضْطَمِرَاتِ الْبُطُونِ مِنَ الْجُوعِ وَالسَّغَبِ وَالضَّرِّ، فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ: فِي مَخْمَصَةٍ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الْمَخْمَصَةُ: الْمَصْدَرُ مِنْ خَمَصَهُ الْجُوعُ. وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَرَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ وَلَيْسَتْ بِمَصْدَرٍ؛ وَلِذَلِكَ تَقَعُ الْمَفْعَلَةُ اسْمًا فِي الْمَصَادِرِ لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الكامل] وَالْبَطْنُ ذُو عُكَنٍ خَمِيصٍ لَيِّنٍ … وَالنَّحْرُ تَنْفُجُهُ بِثَدْيٍ مُقْعَدِ
فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ صِفَتَهَا بِقَوْلِهِ خَمِيصٍ بِالْهُزَالِ وَالضَّرِّ مِنَ الْجُوعِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ وَصْفَهَا بِلَطَافَةِ طَيِّ مَا عَلَى الْأَوْرَاكِ وَالْأَفْخَاذِ مِنْ جَسَدِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْمَدُ مِنَ النِّسَاءِ. ولَكِنَّ الَّذِي فِي مَعْنَى الْوَصْفِ بِالِاضْطِمَارِ وَالْهُزَالِ مِنَ الضُّرِّ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[البحر الطويل] تَبِيتُونَ فِي الْمَشْتَى مِلَاءً بُطُونُكُمْ … وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا
يَعْنِي بِذَلِكَ: يَبِتْنَ مُضْطَمِرَاتِ الْبُطُونِ مِنَ الْجُوعِ وَالسَّغَبِ وَالضَّرِّ، فَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ: فِي مَخْمَصَةٍ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الْمَخْمَصَةُ: الْمَصْدَرُ مِنْ خَمَصَهُ الْجُوعُ. وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَرَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ وَلَيْسَتْ بِمَصْدَرٍ؛ وَلِذَلِكَ تَقَعُ الْمَفْعَلَةُ اسْمًا فِي الْمَصَادِرِ لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي فِي مَجَاعَةٍ “
٨ / ٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] أَيْ فِي مَجَاعَةٍ ” حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٨ / ٩٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: “ذَكَرَ الْمَيْتَةَ وَمَا فِيهَا وَأَحَلَّهَا فِي الِاضْطِرَارِ. ﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «فِي مَجَاعَةٍ»
٨ / ٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] قَالَ: «الْمَخْمَصَةُ: الْجُوعُ»
٨ / ٩٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] إِلَى أَكْلِ مَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَسَائِرِ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ. ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: “لَا مُتَجَانِفًا لِإِثْمٍ،
٨ / ٩٣
فَلِذَلِكَ نَصَبَ غَيْرَ لِخُرُوجِهَا مِنَ الِاسْمِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَبِمَعْنَى لَا، فَنُصِبَ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ بِهِ مَنْصُوبًا الْمُتَجَانِفُ لَوْ جَاءَ الْكَلَامُ: لَا مُتَجَانِفًا. وَأَمَّا الْمُتَجَانِفُ لِلْإِثْمِ، فَإِنَّهُ الْمُتَمَايِلُ لَهُ، الْمُنْحَرِفُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُرَادٌ بِهِ الْمُتَعَمِّدُ لَهُ الْقَاصِدُ إِلَيْهِ، مِنْ جَنَفَ الْقَوْمُ عَلَيَّ إِذَا مَالُوا، وَكُلُّ أَعْوَجَ فَهُوَ أَجْنَفُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَنَفِ بِشَوَاهِدِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصِ جَنَفًا﴾ [البقرة: ١٨٢] بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا تَجَانُفُ آكِلِ الْمَيْتَةِ فِي أَكْلِهَا وَفِي غَيْرِهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِلْإِثْمِ فِي حَالِ أَكْلِهِ، فَهُوَ تَعَمُّدُهُ الْأَكْلَ لِغَيْرِ دَفْعِ الضَّرُورَةِ النَّازِلَةِ بِهِ، وَلَكِنْ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَخِلَافِ أَمْرِهِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَرْكِ أَكْلِ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٨ / ٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي: إِلَى مَا حَرَّمَ مِمَّا سَمَّى فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ»
٨ / ٩٤
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثنا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ، قَالَ: إِلَى حِرْمِ اللَّهِ مَا حَرَّمَ، رَخَّصَ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ أَنْ يَأْكُلَهُ مِنْ جَهْدٍ؛ فَمَنْ بَغَى أَوْ عَدَا أَوْ خَرَجَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ “
٨ / ٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] أَيْ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِمَعْصِيَةٍ “
٨ / ٩٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِإِثْمٍ، غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ “
٨ / ٩٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] يَقُولُ: «غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِإِثْمٍ: أَيْ يَبْتَغِي فِيهِ شَهْوَةً، أَوْ يَعْتَدِيَ فِي أَكْلِهِ»
٨ / ٩٥
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] لَا يَأْكُلُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ الْإِثْمِ، وَلَا جَرَاءَةً عَلَيْهِ “
٨ / ٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْتُ
٨ / ٩٥
فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] فَأَكَلَهُ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] فَتَرَكَ ذِكْرَ: فَأَكَلَهُ. وَذَكَرَ: لَهُ، لِدَلَالَةِ سَائِرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَإِنَّ اللَّهَ لِمَنْ أَكَلَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَكْلَهُ فِي مَخْمَصَةٍ، غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ، غَفُورٌ رَحِيمٌ، يَقُولُ: يَسْتُرُ لَهُ عَنْ أَكْلِهِ مَا أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ بِعَفْوِهِ عَنْ مُؤَاخَذَتِهِ إِيَّاهُ، وَصَفْحِهِ عَنْهُ، وَعَنْ عُقُوبَتِهِ عَلَيْهِ ﴿رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] يَقُولُ: “وَهُوَ بِهِ رَفِيقٌ، مِنْ رَحْمَتِهِ وَرِفْقِهِ بِهِ، أَبَاحَ لَهُ أَكْلَ مَا أَبَاحَ لَهُ أَكْلَهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فِي حَالِ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ، مِنْ كَلَبِ الْجُوعِ وَضَرِّ الْحَاجَةِ الْعَارِضَةِ بِبَدَنِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الْأَكْلُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ الْمُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ غُفْرَانَهُ إِذَا أَكَلَ مِنْهَا؟ قِيلَ: مَا:
٨ / ٩٦
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضٍ تُصِيبُنَا فِيهَا مَخْمَصَةٌ، فَمَا يَصْلُحُ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ قَالَ: «إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، أَوْ تَغْتَبِقُوا، أَوْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا، فَشَأْنُكُمْ بِهَا»
٨ / ٩٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْخَصِيبِ بْنِ زَيْدٍ التَّمِيمِيِّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ: أَنَّ رَجُلًا، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: إِلَى مَتَى يَحِلُّ لِيَ الْحَرَامُ؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِلَى أَنْ يَرْوَى أَهْلُكَ مِنَ اللَّبَنِ، أَوْ تَجِيءَ مِيرَتُهُمْ» حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا خصيبُ بْنُ زَيْدٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: “أَوْ تَحْيَا مِيرَتُهُمْ
٨ / ٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ جَدِّهِ، عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَفْتِيهِ فِي الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَالَّذِي أَحَلَّ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «يَحِلُّ لَكَ الطَّيِّبَاتُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْكَ الْخَبَائِثُ، إِلَّا أَنْ تَفْتَقِرَ إِلَى طَعَامٍ لَكَ فَتَأْكُلَ مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ عَنْهُ» فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَا فَقْرِي الَّذِي يَحِلُّ لِي، وَمَا غِنَايَ الَّذِي يُغْنِينِي عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا كُنْتَ تَرْجُو نَتَاجًا فَتَبَلَّغْ بِلُحُومِ مَاشِيَتِكَ إِلَى نَتَاجِكَ، أَوْ كُنْتَ تَرْجُو غِنًى تَطْلُبُهُ فَتَبَلَّغْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَأَطْعِمْ أَهْلَكَ مَا بَدَا لَكَ حَتَّى تَسْتَغْنِيَ عَنْهُ» فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مَا غِنَايَ الَّذِي أَدَعُهُ إِذَا وَجَدْتُهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا أَرْوَيْتَ أَهْلَكَ غَبُوقًا مِنَ اللَّيْلِ فَاجْتَنِبْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
٨ / ٩٧
عَلَيْكَ مِنْ طَعَامِ مَالِكَ، فَإِنَّهُ مَيْسُورٌ كُلُّهُ، لَيْسَ فِيهِ حَرَامٌ»
٨ / ٩٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: وَجَدْتُ عِنْدَ الْحَسَنِ كِتَابَ سَمُرَةَ، فَقَرَأَتْهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِيهِ: «وَيُجْزِي مِنَ الِاضْطِرَارِ غَبُوقٌ أَوْ صَبُوحٌ»
٨ / ٩٨
حَدَّثَنَا هَنَّادُ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَا: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: يَكْفِي مِنَ الِاضْطِرَارِ أَوْ مِنَ الضَّرُورَةِ غَبُوقٌ أَوْ صَبُوحٌ “
٨ / ٩٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا اضْطُرَّ الرَّجُلُ إِلَى الْمَيْتَةِ أَكَلَ مِنْهَا قُوَّتَهُ يَعْنِي: مَسْكَتَهُ»
٨ / ٩٨
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ مَخْمَصَةٍ، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنَ الْمَيْتَةِ؟ وَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: «إِذَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا»
٨ / ٩٨
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سُمِّيَ لَنَا، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّا نَكُونُ بِأَرْضِ مَخْمَصَةٍ، فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: «إِذَا لَمْ تَغْتَبِقُوا وَلَمْ تَصْطَبِحُوا وَلَمْ تَحْتَفِئُوا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يُرْوَى هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: تَحْتَفِئُوا بِالْهَمْزَةِ، وَتَحْتَفِيُوا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ وَتَحْتَفُّوا بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ، وَتَحْتَفُوا بِالْحَاءِ وَالتَّخْفِيفِ، وَيُحْتَمَلُ الْهَمْزُ
٨ / ٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [المائدة: ٤] يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ أَصْحَابُكَ مَا الَّذِي أُحِلَّ لَهُمْ أَكْلُهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَآكِلِ، فَقُلْ لَهُمْ: أُحِلَّ مِنْهَا الطَّيِّبَاتُ، وَهِيَ الْحَلَالُ الَّذِي أَذِنَ لَكُمْ رَبُّكُمْ فِي أَكْلِهِ مِنَ الذَّبَائِحِ، وَأُحِلَّ لَكُمْ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَهُنَّ الْكَوَاسِبِ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ، سُمِّيَتْ جَوَارِحَ لِجَرْحِهَا لِأَرْبَابِهَا وَكَسْبِهَا إِيَّاهُمْ أَقْوَاتَهُمْ مِنَ الصَّيْدِ، يُقَالَ مِنْهُ: جَرَحَ فُلَانٌ لِأَهْلِهِ خَيْرًا: إِذَا أَكْسَبَهُمْ خَيْرًا، وَفُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ: يَعْنِي بِذَلِكَ: كَاسِبَهُمْ، وَلَا جَارِحَةَ لِفُلَانَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَاسِبٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي
٨ / ٩٩
ثَعْلَبَةَ:
[البحر المتقارب] ذَاتَ خَدٍّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُ … يُذْكِرُ الْجَارِحَ مَا كَانَ اجْتَرَحْ
يَعْنِي: اكْتَسَبَ. وَتَرَكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ﴾ [المائدة: ٤] وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْرُهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ فِيمَا بَلَغَنَا كَانُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْكِلَابِ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمُ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا وَصَيْدُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ فَاسْتَثْنَى مِمَّا كَانَ حَرَّمَ اتِّخَاذَهُ مِنْهَا، وَأَمَرَ بِقُنْيَةِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَكِلَابِ الْمَاشِيَةِ وَكِلَابِ الْحَرْثِ، وَأَذِنَ لَهُمْ بِاتِّخَاذِ ذَلِكَ.
[البحر المتقارب] ذَاتَ خَدٍّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهُ … يُذْكِرُ الْجَارِحَ مَا كَانَ اجْتَرَحْ
يَعْنِي: اكْتَسَبَ. وَتَرَكَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ﴾ [المائدة: ٤] وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْرُهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ فِيمَا بَلَغَنَا كَانُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْكِلَابِ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمُ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا وَصَيْدُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ فَاسْتَثْنَى مِمَّا كَانَ حَرَّمَ اتِّخَاذَهُ مِنْهَا، وَأَمَرَ بِقُنْيَةِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَكِلَابِ الْمَاشِيَةِ وَكِلَابِ الْحَرْثِ، وَأَذِنَ لَهُمْ بِاتِّخَاذِ ذَلِكَ.
٨ / ١٠٠
ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ الْعُكْلِيُّ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا صَالِحٌ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَلْمَى أُمِّ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، ⦗١٠١⦘ فَقَالَ: «قَدْ أَذِنَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْتُلَ كُلَّ كَلْبٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَتَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى امْرَأَةٍ عِنْدَهَا كَلْبٌ يَنْبَحُ عَلَيْهَا، فَتَرَكْتُهُ رَحْمَةً لَهَا، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَمَرَنِي، فَرَجَعْتُ إِلَى الْكَلْبِ فَقَتَلْتُهُ، فَجَاءُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ [المائدة: ٤] “