الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَرَبُّكُ السَّاتِرُ يَا مُحَمَّدُ عَلَى ذُنُوبِ عِبَادِهِ بِعَفْوِهِ عَنْهُمْ إِذَا تَابُوا مِنْهُمْ ﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الأنعام: ١٣٣] بِهِمْ ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا﴾ [الكهف: ٥٨] هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ آيَاتِهِ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا بِمَا كَسَبُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ [الكهف: ٥٨] وَلَكِنَّهُ لِرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ غَيْرُ فَاعِلٍ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى مِيقَاتِهِمْ وَآجَالِهِمْ ﴿بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ﴾ [الكهف: ٥٨] يَقُولُ: لَكِنْ لَهُمْ مَوْعِدٌ، وَذَلِكَ مِيقَاتُ مَحَلِّ عَذَابِهِمْ، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ ﴿لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَؤْئِلًا﴾ . يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَنْ يَجِدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونِ، وَإِنْ لَمْ يُعَجَّلْ لَهُمُ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُونِ الْمَوْعِدِ الَّذِي جَعَلْتُهُ مِيقَاتًا لِعَذَابِهِمْ، مِمَّا يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ، وَمَنْجًى يَنْجُونَ مَعَهُ، يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَعْقِلًا يِعْتَقِلُونَ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، يُقَالُ مِنْهُ: وَأَلْتُ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، أَئِلُ وُءُولًا، مِثْلُ وُعُولًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر السريع] لَا وَاءَلَتْ نَفْسُكَ خَلَّيْتَهَا … لِلْعَامِرِيِّينَ وَلَمْ تُكْلَمِ
[البحر السريع] لَا وَاءَلَتْ نَفْسُكَ خَلَّيْتَهَا … لِلْعَامِرِيِّينَ وَلَمْ تُكْلَمِ
١٥ / ٣٠٤
يَقُولُ: لَا نَجَتْ، وَقَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر البسيط] وَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ الْبَيْتِ غَفْلَتَهُ … وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمَّ مَا يَئِلُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر البسيط] وَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ الْبَيْتِ غَفْلَتَهُ … وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمَّ مَا يَئِلُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٣٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] قَالَ: مَحْرِزًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٣٠٥
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] يَقُولُ: مَلْجَأً
١٥ / ٣٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] أَيْ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ وَلِيًّا وَلَا مَلْجَأً
١٥ / ٣٠٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] قَالَ: لَيْسَ مِنْ دُونِهِ مَلْجَأً يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ
١٥ / ٣٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتِلْكَ الْقُرَى مِنْ عَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا لَمَّا ظَلَمُوا، فَكَفَرُوا بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩] يَعْنِي مِيقَاتًا وَأَجَلًا، حِينَ بَلَغُوهُ جَاءَهُمْ عَذَابُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِهِ، يَقُولُ: فَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِكَ أَبَدًا مَوْعِدًا، إِذَا جَاءَهُمْ ذَلِكَ الْمَوْعِدُ أَهْلَكْنَاهُمْ سُنَّتَنَا فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ ضُرَبَائِهِمْ، كَمَا:
١٥ / ٣٠٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩] قَالَ: أَجَلًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿لِمَهْلِكِهِمْ﴾ [الكهف: ٥٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: (لِمُهْلَكِهِمْ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ عَلَى تَوْجِيهِ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِنْ أَهْلَكُوا إِهْلَاكًا. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ: (لِمَهْلَكِهِمْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ إِلَى تَوْجِيهِهِ إِلَى الْمَصْدَرِ مِنْ هَلَكُوا هَلَاكًا وَمَهْلَكًا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: «لِمُهْلَكِهِمٍ» بِضَمِّ
١٥ / ٣٠٦
الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَاسْتَدْلَالًا بِقَوْلِهِ: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [الكهف: ٥٩] فَأَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مِنْ أَهْلَكْنَا، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ أَوْلَى. وَقِيلَ: أَهْلَكْنَاهُمْ، وَقَدْ قَالَ قَبْلُ: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى﴾ [الكهف: ٥٩] لِأَنَّ الْهَلَاكَ إِنَّمَا حَل بِأَهْلِ الْقُرَى، فَعَادَ إِلَى الْمَعْنَى، وَأَجْرَى الْكَلَامَ عَلَيْهِ دُونَ اللَّفْظِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قَالَ: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف: ٥٩] يَعْنِي أَهْلَهَا، كَمَا قَالَ: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] وَلَمْ يَجِيءْ بِلَفْظِ الْقُرَى، وَلَكِنْ أَجْرَى اللَّفْظَ عَلَى الْقَوْمِ، وَأَجْرَى اللَّفْظَ فِي الْقَرْيَةِ عَلَيْهَا إِلَى قَوْلِهِ ﴿الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢] وَقَالَ: ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [الكهف: ٥٩] وَلَمْ يَقُلْ: أَهْلَكْنَاهَا، حَمَلَهُ عَلَى الْقَوْمِ، كَمَا قَالَ: جَاءَتْ تَمِيمٌ، وَجَعَلَ الْفِعْلَ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِتَمِيمٍ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَقَالَ: جَاءَ تَمِيمٌ، وَهَذَا لَا يَحْسُنُ فِي نَحْوِ هَذَا، لِأَنَّهُ قَدْ أَرَادَ غَيْرَ تَمِيمٍ فِي نَحْوِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَجَعَلَهُ اسْمًا، وَلَمْ يَحْتَمِلْ إِذَا اعْتُلَّ أَنْ يَحْذِفَ مَا قَبْلَهُ كُلَّهُ مَعْنَى التَّاءِ مِنْ جَاءَتْ مَعَ بَنِي تَمِيمٍ، وَتَرْكَ الْفِعْلِ عَلَى مَا كَانَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ حَذَفَ شَيْئًا قَبْلَ تَمِيمٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَالَ: تِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ، لِأَنَّ الْقَرْيَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْأَهْلِ، فَجَازَ أَنْ تُرَدَّ عَلَى الْأَهْلِ مَرَّةً وَعَلَيْهَا مَرَّةً، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي تَمِيمٍ، لِأَنَّ الْقَبِيلَةَ تُعْرَفُ بِهِ وَلَيْسَ تَمِيمٌ هُوَ الْقَبِيلَةُ، وَإِنَّمَا عُرِفَتِ الْقَبِيلَةُ بِهِ، وَلَوْ كَانَتِ الْقَبِيلَةُ قَدْ سُمِّيَتْ بِالرَّجُلِ لَجَرَتْ عَلَيْهِ، كَمَا تَقُولُ: وَقَعَتْ فِي هُودٍ، تُرِيدُ فِي سُورَةِ هُودٍ وَلَيْسَ هُودٌ اسْمًا لِلسُّورَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَتِ السُّورَةُ بِهِ، فَلَوْ سُمِّيَتِ
١٥ / ٣٠٧
السُّورَةُ بِهُودٍ لَمْ يَجْرِ، فَقِيلَ: وَقَعَتْ فِي هُودٍ يَا هَذَا، فَلَمْ يَجْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ سُمِّيَ بَنِي تَمِيمٍ تَمِيمًا لَقِيلَ: هَذِهِ تَمِيمُ قَدْ أَقْبَلَتْ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا، وَجَعَلْنَا لِإِهْلَاكِهِمْ مَوْعِدًا
١٥ / ٣٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ لِفَتَاهُ يُوشَعَ: ﴿لَا أَبْرَحُ﴾ [الكهف: ٦٠] يَقُولُ: لَا أَزَالُ أَسِيرُ ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠] كَمَا:
١٥ / ٣٠٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا أَبْرَحُ﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: لَا أَنْتَهِي وَقِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠] اجْتِمَاعُ بَحْرِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَالْمَجْمَعُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَمَعَ يَجْمَعُ
١٥ / ٣٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعِ ⦗٣٠٩⦘ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠] وَالْبَحْرَانِ: بَحْرُ فَارِسَ وَبَحْرُ الرُّومِ، وَبَحْرُ الرُّومِ مِمَّا يَلِي الْمَغْرِبَ، وَبَحْرُ فَارِسَ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ
١٥ / ٣٠٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: بَحْرُ فَارِسَ، وَبَحْرُ الرُّومِ
١٥ / ٣٠٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: بَحْرُ الرُّومِ، وَبَحْرُ فَارِسَ، أَحَدُهُمَا قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَالْآخَرُ قِبَلَ الْمَغْرِبِ
١٥ / ٣٠٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠]
١٥ / ٣٠٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ، قَالَ: ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: طَنْجَةُ
١٥ / ٣٠٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] يَقُولُ: أَوْ أَسِيرَ زَمَانًا وَدَهْرًا، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَيُجْمَعُ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ: أَحْقَابٌ. وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ: كُنْتُ عِنْدَهُ حِقْبَةً مِنَ الدَّهْرِ: وَيَجْمَعُونَهَا حُقُبًا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ ﴿لَا أَبْرَحُ﴾ [الكهف: ٦٠] أَيْ لَا أَزُولُ، ⦗٣١٠⦘ وَيَسْتَشْهِدُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْفَرَزْدَقِ:
[البحر الطويل] فَمَا بَرِحُوا حَتَّى تَهَادَتْ نِسَاؤُهُمْ … بِبَطْحَاءِ ذِي قارٍ عِيَابَ اللَّطَائِمِ
يَقُولُ: مَا زَالُوا. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، أَنَّ الْحُقُبَ فِي لُغَةِ قَيْسٍ: سَنَةٌ. فَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ مَا أَنَا ذَاكِرُهُ، وَهُوَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً
[البحر الطويل] فَمَا بَرِحُوا حَتَّى تَهَادَتْ نِسَاؤُهُمْ … بِبَطْحَاءِ ذِي قارٍ عِيَابَ اللَّطَائِمِ
يَقُولُ: مَا زَالُوا. وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، أَنَّ الْحُقُبَ فِي لُغَةِ قَيْسٍ: سَنَةٌ. فَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ مَا أَنَا ذَاكِرُهُ، وَهُوَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً
١٥ / ٣٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَلْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: الْحُقُبُ: ثَمَانُونَ سَنَةً وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ سَبْعُونَ سَنَةً
١٥ / ٣١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: سَبْعِينَ خَرِيفًا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٣١١⦘ مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ، بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا
١٥ / ٣١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: دَهْرًا
١٥ / ٣١١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: الْحُقُبُ: زَمَانٌ
١٥ / ٣١١
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: الْحُقُبُ: الزَّمَانُ
١٥ / ٣١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا بَلَغَ مُوسَى وَفَتَاهُ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، كَمَا:
١٥ / ٣١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ [الكهف: ٦١] قَالَ: بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ ⦗٣١٢⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٣١١
وَقَوْلُهُ: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: نَسِيَا: تَرَكَا، كَمَا:
١٥ / ٣١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] قَالَ: أَضَلَّاهُ
١٥ / ٣١٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَضَلَّاهُ قَالَ بَعْضُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: إِنَّ الْحُوتَ كَانَ مَعَ يُوشَعَ، وَهُوَ الَّذِي نَسِيَهُ، فَأُضِيفَ النِّسْيَانُ إِلَيْهِمَا، كَمَا قَالَ: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ، وَإِنَّمَا جَازَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: ﴿نَسِيَا﴾ [الكهف: ٦١] لِأَنَّهُمَا كَانَا جَمِيعًا تَزَوَّدَاهُ لِسَفَرِهِمَا، فَكَانَ حَمْلُ أَحَدِهِمَا ذَلِكَ مُضَافًا إِلَى أَنَّهُ حَمَلَ مِنْهُمَا، كَمَا يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا، وَحَمَلُوا مَعَهُمْ كَذَا مِنَ الزَّادِ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ أَحَدُهُمَا وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيهِمْ وَأَمْرِهِمْ أُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى جَمِيعِهِمْ، فَكَذَلِكَ إِذَا نَسِيَهُ حَامِلُهُ فِي
١٥ / ٣١٢
مَوْضِعٍ قِيلَ: نَسِيَ الْقَوْمُ زَادَهُمْ، فَأُضِيفَ ذَلِكَ إِلَى الْجَمِيعِ بِنِسْيَانِ حَامِلِهِ ذَلِكَ، فَيَجْرِي الْكَلَامُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْفِعْلُ مِنْ وَاحِدٍ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ خَاطِبَ الْعَرَبَ بَلَغْتُهَا، وَمَا يَتَعَارَفُونَهُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْكَلَامِ
١٥ / ٣١٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا قَالَ فِيهِ، وَسَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ
١٥ / ٣١٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الْحُوتَ اتَّخَذَ طَرِيقَهُ الَّذِي سَلَكَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، كَمَا:
١٥ / ٣١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] قَالَ: الْحُوتُ اتَّخَذَ، وَيَعْنِي بِالسَّرَبِ: الْمَسْلَكُ وَالْمَذْهَبُ، يَسْرُبُ فِيهِ: يَذْهَبُ فِيهِ وَيَسْلُكُهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ اتِّخَاذِهِ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَارَ طَرِيقُهُ الَّذِي يَسْلُكُ فِيهِ كَالْحَجَرِ
١٥ / ٣١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] قَالَ: أَثَرُهُ كَأَنَّهُ حَجَرٌ
١٥ / ٣١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ⦗٣١٤⦘ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ ذَكَرَ حَدِيثَ ذَلِكَ: «مَا انْجَابَ مَاءٌ مُنْذُ كَانَ النَّاسُ غَيْرُهُ ثَبَتَ مَكَانَ الْحُوتِ الَّذِي فِيهِ فَانْجَابَ كَالْكُوَّةِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ مُوسَى، فَرَأَى مَسْلَكَهُ، فَقَالَ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي»
١٥ / ٣١٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] قَالَ: جَاءَ فَرَأَى أَثَرَ جَنَاحَيْهِ فِي الطِّينِ حِينَ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] وَحَلَّقَ بِيَدِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ صَارَ طَرِيقُهُ فِي الْبَحْرِ مَاءً جَامِدًا
١٥ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَرَبَ مِنَ الْجُرِّ حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ، ثُمَّ سَلَكَ، فَجَعَلَ لَا يَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقًا إِلَّا صَارَ مَاءً جَامِدًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ صَارَ طَرِيقُهُ فِي الْبَحْرِ حَجَرًا
١٥ / ٣١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُونَ صَخْرَةً وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِنَّمَا اتَّخَذَ سَبِيلَهُ سَرَبًا فِي الْبَرِّ إِلَى الْمَاءِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ لَا فِي الْبَحْرِ
١٥ / ٣١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف: ٦١] قَالَ: قَالَ: حُشِرَ الْحُوتُ فِي الْبَطْحَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ حِينَ أَحْيَاهُ اللَّهُ
١٥ / ٣١٥
قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو شُجَاعٍ أَنَّهُ رَآهُ قَالَ: أَتِيتُ بِهِ فَإِذَا هُوَ شُقَّةُ حُوتٍ وَعَيْنٌ وَاحِدَةٌ، وَشِقٌّ آخِرُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: وَاتَّخَذَ الْحُوتُ طَرِيقَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّرَبْ كَانَ بِانْجِيَابٍ عَنِ ⦗٣١٦⦘ الْأَرْضِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِجُمُودِ الْمَاءِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِتَحَوُّلِهِ حَجَرًا. وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِيهِ مَا رُوِيَ الْخَبَرُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أُبَيٍّ عَنْهُ
١٥ / ٣١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ [الكهف: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا جَاوَزَ مُوسَى وَفَتَاهُ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] مُوسَى ﴿لِفَتَاهُ﴾ [الكهف: ٦٠] يُوشَعَ ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ [الكهف: ٦٢] يَقُولُ: جِئْنَا بِغَدَائِنَا وَأَعْطِنَاهُ، وَقَالَ: آتِنَا غَدَاءَنَا، كَمَا يُقَالُ: أَتَى الْغَدَاءَ وَأَتَيْتُهُ، مِثْلُ ذَهَبَ وَأَذْهَبْتُهُ ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ [الكهف: ٦٢] يَقُولُ: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا عَنَاءً وَتَعَبًا، وَقَالَ ذَلِكَ مُوسَى، فِيمَا ذُكِرَ، بَعْدَ مَا جَاوَزَ الصَّخْرَةَ، حِينَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ الْجُوعُ لِيَتَذَكَّرَ الْحُوتَ، وَيَرْجِعَ إِلَى مَوْضِعِ مَطْلَبِهِ
١٥ / ٣١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتُ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى حِينَ قَالَ لَهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لِنَطْعَمَ: أَرَأَيْتَ إِذَا أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ هُنَالِكَ ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ﴾ [الكهف: ٦٣] يَقُولُ: وَمَا أَنْسَانِي الْحُوتَ إِلَّا الشَّيْطَانُ ﴿أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] فَأَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ رَدًّا عَلَى الْحُوتِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا أَنْسَانِي أَنْ أَذْكُرَ الْحُوتَ إِلَّا ⦗٣١٧⦘ الشَّيْطَانُ سَبَقَ الْحُوتَ إِلَى الْفِعْلِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ﴿أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَمَا أَنْسَانِيهُ أَنْ أَذْكُرَهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ»
١٥ / ٣١٦
حَدَّثَنِي بِذَلِكٌ بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَعْقِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الصَّخْرَةَ الَّتِي، أَوَى إِلَيْهَا مُوسَى هِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي دُونَ نَهْرِ الذِّئْبِ عَلَى الطَّرِيقِ ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] يُعْجَبُ مِنْهُ. كَمَا:
١٥ / ٣١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] قَالَ: مُوسَى يُعْجَبُ مِنْ أَثَرِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ ⦗٣١٨⦘ وَدَوَرَاتِهِ الَّتِي غَابَ فِيهَا، فَوَجَدَ عِنْدَهَا خَضِرًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٣١٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] فَكَانَ مُوسَى لَمَّا اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، يَعْجَبُ مِنْ سِرْبِ الْحُوتِ
١٥ / ٣١٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] قَالَ: عَجَبٌ وَاللَّهِ حُوتٌ كَانَ يُؤْكَلُ مِنْهُ أَدْهُرًا، أَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ مِنْ حُوتٍ كَانَ دَهْرًا مِنَ الدُّهُورِ يُؤْكَلُ مِنْهُ، ثُمَّ صَارَ حَيًّا حَتَّى حُشِرَ فِي الْبَحْرِ
١٥ / ٣١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُونَ صَخْرَةً، فَجَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ
١٥ / ٣١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] قَالَ: يَعْنِي كَانَ سَرَبُ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ لِمُوسَى عَجَبًا
١٥ / ٣١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَ ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] مُوسَى لِفَتَاهُ ﴿ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: نِسْيَانُكَ الْحُوتَ ﴿مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ [الكهف: ٦٤] يَقُولُ: الَّذِي كُنَّا نَلْتَمِسُ وَنَطْلُبُ، لِأَنَّ مُوسَى كَانَ قِيلَ لَهُ صَاحِبُكَ الَّذِي تُرِيدُهُ حَيْثُ تَنْسَى الْحُوتَ، كَمَا:
١٥ / ٣١٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ [سورة: الكهف، آية رقم: ٦٤] قَالَ مُوسَى: فَذَلِكَ حِينَ أُخْبِرْتُ أَنِّي وَاجِدٌ خَضِرًا حَيْثُ يَفُوتَنِي الْحُوتُ
١٥ / ٣١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَيْثُ يُفَارِقْنِي الْحُوتُ
١٥ / ٣١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤] يَقُولُ: فَرَجَعَا فِي الطَّرِيقِ الَّذِي كَانَا ⦗٣٢٠⦘ قَطَعَاهُ نَاكِصَيْنِ عَلَى أَدْبَارِهِمَا يَقُصَّانِ آثَارِهِمَا الَّتِي كَانَا سَلَكَاهُمَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٣١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤] قَالَ: اتَّبَعَ مُوسَى وَفَتَاهُ أَثَرَ الْحُوتِ، فَشَقَّا الْبَحْرَ رَاجِعَيْنِ
١٥ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤] قَالَ: اتِّبَاعُ مُوسَى وَفَتَاهُ أَثَرَ الْحُوتِ بِشِقِّ الْبَحْرِ، وَمُوسَى وَفَتَاهُ رَاجِعَانِ وَمُوسَى يَعْجَبُ مِنْ أَثَرِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، وَدَوَرَاتِهِ الَّتِي غَابَ فِيهَا
١٥ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: رَجَعَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤]
١٥ / ٣٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤] ” أَيْ يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى مَدْخَلِ الْحُوتِ
١٥ / ٣٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الكهف: ٦٥] يَقُولُ: وَهِبْنَا لَهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: ٦٥] يَقُولُ: وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ عِنْدِنَا أَيْضًا عِلْمًا. كَمَا:
١٥ / ٣٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [سورة: الكهف، آية رقم: ٦٥] أَيْ مِنْ عِنْدِنَا عِلْمًا، وَكَانَ سَبَبُ سَفَرِ مُوسَى ﷺ وَفَتَاهُ، وَلِقَائِهِ هَذَا الْعَالِمَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِيمَا ذَكَرَ: أَنَّ مُوسَى سُئِلَ: هَلْ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: لَا أَوْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِذَلِكَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرَادَ اللَّهُ تَعْرِيفَهُ أَنَّ مِنْ عِبَادِهِ فِي الْأَرْضِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْتِمَ عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكِلَ ذَلِكَ إِلَى عَالِمِهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُدِلَّهَ عَلَى عَالِمٍ يَزْدَادُ مِنْ عِلْمِهِ إِلَى عِلْمِ نَفْسِهِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٥ / ٣٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ هَارُونِ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ وَقَالَ: رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي يَذْكُرُنِي وَلَا يَنْسَانِي، قَالَ: فَأَيُّ عِبَادِكَ أَقْضَى؟ قَالَ: الَّذِي يَقْضِي بِالْحَقِّ وَلَا يَتَّبِعُ الْهَوَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَعْلَمُ؟ قَالَ: الَّذِي يَبْتَغِي عِلْمَ النَّاسِ إِلَى ⦗٣٢٢⦘ عِلْمِ نَفْسِهِ، عَسَى أَنْ يُصِيبَ كَلِمَةً تَهْدِيهِ إِلَى هُدًى، أَوْ تَرُدُّهُ عَنْ رَدِّي، قَالَ: رَبِّ فَهَلْ فِي الْأَرْضِ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: رَبِّ، فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: الْخَضِرُ، قَالَ: وَأَيْنَ أَطْلُبُهُ؟ قَالَ: عَلَى السَّاحِلِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ الَّتِي يَنْفَلِتُ عِنْدَهَا الْحُوتُ، قَالَ: فَخَرَجَ مُوسَى يَطْلُبُهُ، حَتَّى كَانَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ مُوسَى عِنْدَ الصَّخْرَةِ، فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّى أُرِيدُ أَنْ تَسْتَصْحِبَنِي، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ صُحْبَتِي، قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَإِنْ صَحِبْتَنِي ﴿فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رِكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٧١] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] قَالَ: فَكَانَ قَوْلُ مُوسَى فِي الْجِدَارِ لِنَفْسِهِ، وَلِطَلَبِ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَانَ قَوْلُهُ فِي السَّفِينَةِ وَفِي الْغُلَامِ لِلَّهِ ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٨] فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ، أَمَّا السَّفِينَةُ وَأَمَّا الْغُلَامُ وَأَمَّا الْجِدَارُ، قَالَ: فَسَارَ بِهِ فِي الْبَحْرِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَجْمَعِ الْبُحُورِ، وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَكَانٌ أَكْثَرُ مَاءً مِنْهُ، قَالَ: وَبَعَثَ رَبُّكَ الْخُطَّافَ فَجَعَلَ يَسْتَقِي مِنْهُ بِمِنْقَارِهِ، فَقِيلَ لِمُوسَى: كَمْ تَرَى هَذَا الْخُطَّافَ رَزَأَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ؟ قَالَ: مَا أَقَلَّ مَا رَزَأَ، قَالَ: يَا مُوسَى فَإِنَّ عِلْمِي وَعِلْمَكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ كَقَدْرِ مَا اسْتَقَى هَذَا الْخُطَّافُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ، وَكَانَ مُوسَى قَدْ حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْهُ، أَوْ تَكَلَّمَ بِهِ، فَمِنْ ثَمَّ أُمِرَ أَنْ يَأْتِيَ ⦗٣٢٣⦘ الْخَضِرَ
١٥ / ٣٢١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَطَبَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَبِأَمْرِهِ مِنِّي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا الرَّجُلَ
١٥ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ آيَةَ لُقْيَكَ إِيَّاهُ أَنْ تَنْسَى بَعْضَ مَتَاعِكَ، فَخَرَجَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَتَزَوَّدَا حُوتًا مَمْلُوحًا، حَتَّى إِذَا كَانَا حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، رَدَّ اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ رُوحَهُ، فَسَرَبَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ الْحُوتُ طَرِيقَهُ سَرَبًا فِي الْبَحْرِ، فَسَرَبَ فِيهِ ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ [الكهف: ٦٢] . حَتَّى بَلَغَ ﴿وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف: ٦٣] فَكَانَ مُوسَى اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، فَكَانَ يَعْجَبُ مِنْ سَرَبِ الْحُوتِ
١٥ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا اقْتَصَّ مُوسَى أَثَرَ الْحُوتِ انْتَهَى إِلَى رَجُلٍ رَاقِدٍ قَدْ سَجَّى عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَكَشَفَ الرَّجُلُ عَنْ وَجْهِهِ الثَّوْبَ وَرَدَّ عليه السلام وَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مُوسَى، قَالَ: صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَوَمَا كَانَ لَكَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ شُغْلٌ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أُمِرْتُ أَنْ آتِيَكَ ⦗٣٢٤⦘ وَأَصْحَبَكَ، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا، كَمَا قَصَّ اللَّهُ حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَلَمَّا رَكِبًا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا﴾ صَاحِبُ مُوسَى، ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١]، يَقُولُ: نُكْرًا، ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [الكهف: ٧٤]
١٥ / ٣٢٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسِ: إِنَّ نَوْفًا يَزْعُمُ أَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ بِصَاحِبِ مُوسَى، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ
١٥ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مُوسَى قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ خَطِيبًا فَقِيلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِينَ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: بَلَى عَبْدٌ لِي عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ بِهِ؟ فَقِيلَ: تَأْخُذُ حُوتًا، فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، ثُمَّ قَالَ لِفَتَاهُ: إِذَا فَقَدْتَ هَذَا الْحُوتَ فَأَخْبِرْنِي، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ حَتَّى أَتَيَا صَخْرَةً، فَرَقَدَ مُوسَى، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، فَخَرَجَ فَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ، فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَصَارَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَكَانَ لَهُمَا عَجَبًا. ثُمَّ انْطَلَقَا، فَلَمَّا كَانَ حِينَ الْغَدِ، قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ قَالَ: فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ ⦗٣٢٥⦘ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ: فَقَالَ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، قَالَ: يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا، قَالَ: فَأَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِنَا السَّلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا مُوسَى، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِهِ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ، قَالَ: فَإِنِّي أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِيَ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا، قَالَ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ، فَحُمِلَ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِهَا فَنَقَرَ، أَوْ فَنَقَدَ فِي الْمَاءِ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِقْدَارَ مَا نَقَرَ أَوْ نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ» أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ يَشُكُّ، وَهُوَ فِي كِتَابِهِ نَقَرَ قَالَ: «فَبَيْنَمَا هُوَ إِذْ لَمْ يَفْجَأْهُ مُوسَى إِلَّا وَهُوَ يَتِدُ وَتَدًا أَوْ يَنْزِعُ تَحْتًا مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: حُمِلْنَا بِغَيْرِ نَوْلٍ وَتَخْرِقُهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، قَالَ: وَكَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ، فَأَبْصَرَا غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: إِنْ ⦗٣٢٦⦘ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغَتْ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا. قَالَ: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَلَمْ يَجِدَا أَحَدًا يُطْعِمُهُمْ وَلَا يَسْقِيهِمْ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ، قَالَ: مَسَحَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُنْزِلُونَا، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْنَا قَصَصَهُمْ» .
١٥ / ٣٢٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَلَسْتُ فَأَسْنَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، إِنَّ نَوْفًا ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبٍ يَزْعُمُ عَنْ كَعْبٍ، أَنَّ مُوسَى النَّبِيَّ الَّذِي طَلَبَ الْعَالِمَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا. قَالَ سَعِيدٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَوْفٌ يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لَهُ نَعَمْ، أَنَا سَمِعْتُ نَوْفًا يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يَا سَعِيدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: كَذَبَ نَوْفٌ
١٥ / ٣٢٦
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبِي بْنُ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مُوسَى هُوَ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ إِنْ كَانَ فِي عِبَادِكَ أَحَدٌ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي فَادْلُلْنِي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ فِي عِبَادِي مَنْ هُوِ أَعْلَمُ مِنْكَ، ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَكَانَهُ، وَأَذِنَ لَهُ فِي لُقْيِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ فَتَاهُ وَمَعَهُ حُوتٌ مَلِيحٌ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: إِذَا حَيِيَ هَذَا الْحُوتُ فِي مَكَانٍ فَصَاحِبُكَ هُنَالِكَ وَقَدْ أَدْرَكْتَ حَاجَتَكَ، فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ، وَمَعَهُ ⦗٣٢٧⦘ ذَلِكَ الْحُوتُ يَحْمَلَانِهِ، فَسَارَ حَتَّى جَهَدَهُ السَّيْرُ، وَانْتَهَى إِلَى الصَّخْرَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، مَاءِ الْحَيَاةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ خَلُدَ، وَلَا يُقَارِبُهُ شَيْءٌ مَيِّتٌ إِلَّا حَيِيَ، فَلَمَّا نَزَلًا، وَمَسَّ الْحُوتُ الْمَاءَ حَيِيَ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَانْطَلَقَا، فَلَمَّا جَاوَزَا مُنْقَلَبَهُ قَالَ مُوسَى: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ الْفَتَى وَذَكَرَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا»
١٥ / ٣٢٦
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَظَهَرَ مُوسَى عَلَى الصَّخْرَةِ حِينَ انْتَهَيَا إِلَيْهَا، فَإِذَا رَجُلٌ مُتَلَفِّفٌ فِي كِسَاءٍ لَهُ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْعَالِمُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَمَا جَاءَ بِكَ؟ إِنْ كَانَ لَكَ فِي قَوْمِكَ لَشُغْلٌ؟ قَالَ لَهُ مُوسَى: جِئْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٦٧] وَكَانَ رَجُلًا يَعْلَمُ عِلْمَ الْغَيْبِ، قَدْ عُلِّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ مُوسَى: بَلَى، قَالَ: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٦٨] أَيْ إِنَّمَا تَعْرِفُ ظَاهَرَ مَا تَرَى مِنَ الْعَدْلِ، وَلَمْ تُحِطْ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ بِمَا أَعْلَمُ ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] وَإِنْ رَأَيْتَ مَا يُخَالِفُنِي ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ [الكهف: ٧٠] وَإِنْ أَنْكَرْتَهُ ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، يَتَعَرَّضَانِ النَّاسَ، يَلْتَمِسَانِ مَنْ يَحْمِلُهُمَا، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ جَدِيدَةٌ وَثِيقَةٌ لَمْ يَمُرَّ بِهِمَا مِنَ ⦗٣٢٨⦘ السُّفُنِ شَيْءٌ أَحْسَنَ وَلَا أَجْمَلَ وَلَا أَوْثَقَ مِنْهَا، فَسَأَلَا أَهْلَهَا أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَحَمَلُوهُمَا، فَلَمَّا اطمأَنَّا فِيهَا، وَلَجَتْ بِهِمَا مَعَ أَهْلِهَا، أَخْرَجَ مِنْقَارًا لَهُ وَمَطْرَقَةً، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا فَضَرَبَ فِيهَا بِالْمِنْقَارِ حَتَّى خَرَقَهَا، ثُمَّ أَخَذَ لَوْحًا فَطَبَّقَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهَا يُرَقِّعُهَا. قَالَ لَهُ مُوسَى وَرَأَى أَمْرًا فَظَعَ بِهِ: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧٢] أَيْ مَا تَرَكْتُ مِنْ عَهْدِكَ ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣] ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ فَإِذَا غِلْمَانٌ يَلْعَبُونَ خَلْفَهَا، فِيهِمْ غُلَامٌ لَيْسَ فِي الْغِلْمَانِ أَظْرَفُ مِنْهُ، وَلَا أَثَرَى وَلَا أَوْضَأَ مِنْهُ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، وَأَخَذَ حَجَرًا، قَالَ: فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَهُ حَتَّى دَمَغَهُ فَقَتَلَهُ، قَالَ: فَرَأَى مُوسَى أَمْرًا فَظِيعًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، صَبِيُّ صَغِيرٌ لَا ذَنْبَ لَهُ ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [الكهف: ٧٤] أَيْ صَغِيرَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ [الكهف: ٧٤] أَيْ قَدْ أَعْذَرْتَ فِي شَأْنِي ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ ⦗٣٢٩⦘ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] فَهَدَمَهُ، ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيهِ، فَضَجِرَ مُوسَى مِمَّا رَآهُ يَصْنَعُ مِنَ التَّكْلِيفِ لِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ صَبْرٌ، فَقَالَ: ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] أَيْ قَدِ اسْتَطْعَمْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا، وَضِفْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا، ثُمَّ قَعَدْتَ فِي غَيْرِ صَنِيعِهِ، وَلَوْ شِئْتَ لَأُعْطِيتَ عَلَيْهِ أَجْرًا فِي عَمَلِهِ ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا، وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٨] وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ» وَإِنَّمَا عِبْتُهَا لِأَرُدَّهُ عَنْهَا، فَسَلِمَتْ حِينَ رَأَى الْعَيْبَ الَّذِي صَنَعْتُ بِهَا. ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٠] أَيْ مَا فَعَلْتُهُ عَنْ نَفْسِي ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٨٢] فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا كَانَ الْكَنْزُ إِلَّا عِلْمًا
١٥ / ٣٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسِ: لَمْ نَسْمَعْ لِفَتَى مُوسَى بِذِكْرٍ مِنْ حَدِيثٍ، وَقَدْ كَانَ مَعَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ حَدِيثِ الْفَتَى قَالَ: ⦗٣٣٠⦘ شَرِبَ الْفَتَى مِنَ الْمَاءِ فَخَلَدَ، فَأَخَذَهُ الْعَالِمُ فَطَابَقَ بِهِ سَفِينَةً، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهَا لَتَمُوجُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ فَشَرِبَ
١٥ / ٣٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ مُوسَى وَقَوْمُهُ عَلَى مِصْرَ أَنْزَلَ قَوْمَهُ مِصْرَ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهِمُ الدَّارُ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ ﴿ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] فَخَطَبَ قَوْمَهُ، فَذَكَرَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ، وَذَكَّرَهُمْ إِذْ أَنْجَاهُمُ اللَّهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَذَكَّرَهُمْ هَلَاكَ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَخْلَفَهُمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَقَالَ: كَلَّمَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَانِي لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ مَحَبَّةً مِنْهُ، وَآتَاكُمُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ، فَنَبِيُّكُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ، فَلَمْ يَتْرُكْ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا ذَكَرَهَا، وَعَرَّفَهَا إِيَّاهُمْ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: هُمْ كَذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَدْ عَرَفْنَا الَّذِي تَقُولُ، فَهَلْ عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا فَبَعَثَ اللَّهُ جِبْرَئِيلَ إِلَى مُوسَى عليهما السلام، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَمَا يُدْرِيكَ أَيْنَ أَضَعُ عِلْمِي؟ بَلَى إِنَّ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ رَجُلًا أَعْلَمُ مِنْكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَضِرُ، فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِيَّاهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ائْتِ الْبَحْرَ، فَإِنَّكَ تَجِدُ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ حُوتًا، فَخُذْهُ فَادْفَعْهُ إِلَى فَتَاكَ، ثُمَّ الْزَمْ شَطَّ الْبَحْرِ، فَإِذَا نَسِيتَ الْحُوتَ وَهَلَكَ مِنْكَ، فَثَمَّ تَجِدُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ الَّذِي تَطْلُبُ، فَلَمَّا طَالَ سَفَرُ مُوسَى نَبِيَّ اللَّهِ وَنَصَبَ فِيهِ، سَأَلَ فَتَاهُ عَنِ الْحُوتِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ وَهُوَ غُلَامُهُ ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] قَالَ الْفَتَى: لَقَدْ رَأَيْتُ الْحُوتَ حِينَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مُوسَى ⦗٣٣١⦘ فَرَجَعَ حَتَّى أَتَى الصَّخْرَةَ، فَوَجَدَ الْحُوتَ يَضْرِبُ فِي الْبَحْرِ، وَيَتْبَعُهُ مُوسَى، وَجَعَلَ مُوسَى يُقَدِّمُ عَصَاهُ يُفَرِّجُ بِهَا عَنِ الْمَاءِ يَتْبَعُ الْحُوتَ، وَجَعَلَ الْحُوتُ لَا تَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حَتَّى يَكُونَ صَخْرَةً، فَجَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى بِهِ الْحُوتُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. فَلَقِيَ الْخَضِرَ بِهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، وَأَنَّى يَكُونُ هَذَا السَّلَامُ بِهَذِهِ الْأَرْضِ، وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: أَصَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا﴾ [الكهف: ٦٧] قَالَ: لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ مُوسَى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: لَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أَصْنَعُهُ حَتَّى أُبَيِّنَ لَكَ شَأْنَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] فَرَكِبَا فِي السَّفِينَةِ يُرِيدَانِ الْبَرَّ، فَقَامَ الْخَضِرُ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١]
١٥ / ٣٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] ذُكِرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ لَمَّا قَطَعَ الْبَحْرَ وَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، جَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَأَعْلِمَهُ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّكُمْ، وَأَقْطَعَكُمُ الْبَحْرَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ التَّوْرَاةَ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَهُنَا رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ⦗٣٣٢⦘ يَطْلُبَانِهِ، وَتَزَوَّدَا سَمَكَةً مَمْلُوحَةً فِي مِكْتَلٍ لَهُمَا، وَقِيلَ لَهُمَا: إِذَا نَسِيتُمَا مَا مَعَكُمَا لَقِيتُمَا رَجُلًا عَالِمًا يُقَالُ لَهُ الْخَضِرُ، فَلَمَّا أَتَيَا ذَلِكَ الْمَكَانَ، رَدَّ اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ رُوحَهُ، فَسَرَبَ لَهُ مِنَ الْجِسْرِ حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ، ثُمَّ سَلَكَ فَجَعَلَ لَا يَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقًا إِلَّا صَارَ مَاءً جَامِدًا. قَالَ: وَمَضَى مُوسَى وَفَتَاهُ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ [الكهف: ٦٣] . . ثُمَّ تَلَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: ٦٥] فَلَقِيَا رَجُلًا عَالِمًا يُقَالُ لَهُ الْخَضِرُ، فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرَ خَضِرًا لِأَنَّهُ قَعَدَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَاهْتَزَّتْ بِهِ خَضْرَاءَ»
١٥ / ٣٣١
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: ثنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أنا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقْيِهِ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَا مُوسَى فِي مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: تَعْلَمْ مَكَانَ أَحَدٍ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لَا، ⦗٣٣٣⦘ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ فَتًى مُوسَى لِمُوسَى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدَنَا خَضِرًا، وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
١٥ / ٣٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ مُوسَى لِلْعَالِمِ: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ﴾ [الكهف: ٦٦] مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَكَ اللَّهُ مَا هُوَ رَشَادٌ إِلَى الْحَقِّ، وَدَلِيلٌ عَلَى هُدًى؟ ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الْعَالِمُ: إِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ الصَّبْرَ مَعِي، وَذَلِكَ أَنِّي ⦗٣٣٤⦘ أَعْمَلُ بِبَاطِنِ عِلْمِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ، وَلَا عِلْمَ لَكَ إِلَّا بِظَاهِرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَلَا تَصْبِرْ عَلَى مَا تَرَى مِنَ الْأَفْعَالِ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْخَبَرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يَعْمَلُ عَلَى الْغَيْبِ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ
١٥ / ٣٣٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْلِ الْعَالِمِ لِمُوسَى: وَكَيْفَ تَصْبِرُ يَا مُوسَى عَلَى مَا تَرَى مِنِّي مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا عِلْمَ لَكَ بِوُجُوهِ صَوَابِهَا، وَتُقِيمُ مَعِي عَلَيْهَا، وَأَنْتَ إِنَّمَا تَحْكُمُ عَلَى صَوَابِ الْمُصِيبِ وَخَطَأِ الْمُخْطِئِ بِالظَّاهِرِ الَّذِي عِنْدَكَ، وَبِمَبْلَغِ عِلْمِكَ، وَأَفْعَالِي تَقَعُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهَرٍ لِرَأْيِ عَيْنِكَ عَلَى صَوَابِهَا، لِأَنَّهَا تُبْتَدَأُ لِأَسْبَابٍ تَحْدُثُ آجِلَةً غَيْرَ عَاجِلَةٍ، لَا عِلْمَ لَكَ بِالْحَادِثِ عَنْهَا، لِأَنَّهَا غَيْبٌ، وَلَا تُحِيطُ بِعِلْمِ الْغَيْبِ خَبَرًا يَقُولُ عِلْمًا، قَالَ: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا﴾ [الكهف: ٦٩] عَلَى مَا أَرَى مِنْكَ وَإِنْ كَانَ خِلَافًا لِمَا هُوَ عِنْدِي صَوَابٌ ﴿وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف: ٦٩] يَقُولُ: وَأَنْتَهِي إِلَى مَا تَأْمُرُنِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا هَوَايَ
١٥ / ٣٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى ⦗٣٣٥⦘ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] يَقُولُ تبارك وتعالى: قَالَ الْعَالِمُ لِمُوسَى: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي الْآنَ فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ أَعْمَلُهُ مِمَّا تَسْتَنْكِرُهُ، فَإِنِّي قَدْ أَعْلَمْتُكَ أَنِّي أَعْمَلُ الْعَمَلَ عَلَى الْغَيْبِ الَّذِي لَا تُحِيطُ بِهِ عِلْمًا ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] يَقُولُ: حَتَّى أُحْدِثَ أَنَا لَكَ مِمَّا تَرَى مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي أَفْعَلُهَا الَّتِي تَسْتَنْكِرُهَا أَذْكُرُهَا لَكَ وَأُبَيِّنُ لَكَ شَأْنَهَا، وَأَبْتَدِئُكَ الْخَبَرَ عَنْهَا، كَمَا:
١٥ / ٣٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠] يَعْنِي عَنْ شَيْءٍ أَصْنَعُهُ حَتَّى أُبَيِّنَ لَكَ شَأْنَهُ
١٥ / ٣٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَانْطَلَقَ مُوسَى وَالْعَالِمُ يَسِيرَانِ يَطْلُبَانِ سَفِينَةً يِرْكَبَانِهَا، حَتَّى إِذَا أَصَابَاهَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ، فَلَمَّا رَكِبَاهَا، خَرَقَ الْعَالِمُ السَّفِينَةَ، قَالَ لَهُ مُوسَى: أَخَرَقْتَهَا بَعْدَ مَا لَجَجْنَا فِي الْبَحْرِ ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] يَقُولُ: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا عَظِيمًا، وَفَعَلْتَ فِعْلًا مُنْكَرًا
١٥ / ٣٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ ⦗٣٣٦⦘ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] أَيْ عَجَبًا، إِنَّ قَوْمًا لَجَّجُوا سَفِينَتَهُمْ فَخَرَقْتَهَا كَأَحْوَجِ مَا نَكُونُ إِلَيْهَا، وَلَكِنْ عَلِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ الَّذِي آتَاهُ، وَقَدْ قَالَ لِنَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠]
١٥ / ٣٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] يَقُولُ: نُكْرًا
١٥ / ٣٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴾ [الكهف: ٧١] قَالَ: مُنْكَرًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَالْإِمْرُ: فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الدَّاهِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] ⦗٣٣٧⦘ قَدْ لَقِيَ الْأَقْرَانُ مِنِّي نُكْرَا … دَاهِيَةً دهيَاءَ إِدًّا إِمْرَا
وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: أَصْلُهُ: كُلُّ شَيْءٍ شَدِيدٌ كَثِيرٌ، وَيَقُولُ مِنْهُ: قِيلَ لِلْقَوْمِ: قَدْ أَمِرُوا: إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ. قَالَ: وَالْمَصْدَرُ مِنْهُ: الْأَمَرُ، وَالِاسْمُ: الْإِمْرُ. وَاخْتَلَفَتِ
الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ [الكهف: ٧١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ [الكهف: ٧١] بِالتَّاءِ فِي لِتُغْرِقَ، وَنَصَبَ الْأَهْلَ، بِمَعْنَى: لِتُغْرِقَ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَهْلَ هَذِهِ السَّفِينَةِ بِالْخَرْقِ الَّذِي خَرَقْتَ فِيهَا. وَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (لِيَغْرَقَ) بِالْيَاءِ (أَهْلُهَا) بِالرَّفْعِ، عَلَى أَنَّ الْأَهْلَ هُمُ الَّذِينَ يَغْرَقُونَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ إِنكارَ مُوسَى عَلَى الْعَالِمِ خَرْقَ السَّفِينَةِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِغَرَقِ أَهْلِهَا إِذَا أَحْدَثَ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَدَثَ فِيهَا فَلَا خِفَاءَ عَلَى أَحَدٍ مَعْنَى ذَلِكَ قُرِئَ بِالتَّاءِ وَنَصْبِ الْأَهْلِ، أَوْ بِالْيَاءِ وَرَفْعِ الْأَهْلِ
[البحر الرجز] ⦗٣٣٧⦘ قَدْ لَقِيَ الْأَقْرَانُ مِنِّي نُكْرَا … دَاهِيَةً دهيَاءَ إِدًّا إِمْرَا
وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: أَصْلُهُ: كُلُّ شَيْءٍ شَدِيدٌ كَثِيرٌ، وَيَقُولُ مِنْهُ: قِيلَ لِلْقَوْمِ: قَدْ أَمِرُوا: إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ. قَالَ: وَالْمَصْدَرُ مِنْهُ: الْأَمَرُ، وَالِاسْمُ: الْإِمْرُ. وَاخْتَلَفَتِ
الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ [الكهف: ٧١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾ [الكهف: ٧١] بِالتَّاءِ فِي لِتُغْرِقَ، وَنَصَبَ الْأَهْلَ، بِمَعْنَى: لِتُغْرِقَ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَهْلَ هَذِهِ السَّفِينَةِ بِالْخَرْقِ الَّذِي خَرَقْتَ فِيهَا. وَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (لِيَغْرَقَ) بِالْيَاءِ (أَهْلُهَا) بِالرَّفْعِ، عَلَى أَنَّ الْأَهْلَ هُمُ الَّذِينَ يَغْرَقُونَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمَا، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ إِنكارَ مُوسَى عَلَى الْعَالِمِ خَرْقَ السَّفِينَةِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِغَرَقِ أَهْلِهَا إِذَا أَحْدَثَ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَدَثَ فِيهَا فَلَا خِفَاءَ عَلَى أَحَدٍ مَعْنَى ذَلِكَ قُرِئَ بِالتَّاءِ وَنَصْبِ الْأَهْلِ، أَوْ بِالْيَاءِ وَرَفْعِ الْأَهْلِ
١٥ / ٣٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] الْعَالِمُ لِمُوسَى إِذْ قَالَ لَهُ مَا قَالَ ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطيِعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٢] عَلَى مَا تَرَى مِنْ أَفْعَالِي، لِأَنَّكَ تَرَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قَالَ لَهُ مُوسَى: ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧٣] فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ مُوسَى عليه السلام لِلْعَالِمِ مُعَارَضَةً لَا أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ عَهْدَهُ، وَمَا كَانَ تَقَدَّمَ فِيهِ حِينَ اسْتَصْحَبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٧٠]
١٥ / ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧٣] قَالَ: لَمْ يَنْسَ، وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِتَرْكِي عَهْدِكَ، وَوُجِّهَ أَنَّ مَعْنَى النِّسْيَانِ: التُّرْكُ
١٥ / ٣٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧٣] أَيْ بِمَا تَرَكْتُ مِنْ عَهْدِكَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مُوسَى سَأَلَ صَاحِبَهُ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ بِمَا نَسِيَ فِيهِ عَهْدَهُ مِنْ سُؤَالِهِ إِيَّاهُ عَلَى وَجْهِ مَا فَعَلَ وَسَبَبُهُ لَا بِمَا سَأَلَهُ عَنْهُ، وَهُوَ لِعَهْدِهِ ذَاكِرٌ لِلصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ مِنَ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ مَا:
١٥ / ٣٣٩
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ [الكهف: ٧٣] قَالَ: «كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا»
١٥ / ٣٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾ [الكهف: ٧٣] يَقُولُ: لَا تُغْشِنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، يَقُولُ: لَا تُضَيِّقْ عَلَيَّ أَمْرِي مَعَكَ، وَصُحْبَتِي إِيَّاكَ
١٥ / ٣٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ﴾ [الكهف: ٧٤] الْعَالِمُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى ⦗٣٤٠⦘: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً) وَقَالُوا مَعْنَى ذَلِكَ: الْمُطَهَّرَةَ الَّتِي لَا ذَنْبَ لَهَا، وَلَمْ تُذْنِبْ قَطُّ لِصِغَرِهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] بِمَعْنَى: التَّائِبَةِ الْمَغْفُورِ لَهَا ذُنُوبُهَا
١٥ / ٣٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] وَالزَّكِيَّةُ: التَّائِبَةُ
١٥ / ٣٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] قَالَ: الزَّكِيَّةُ: التَّائِبَةُ
١٥ / ٣٤٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، «أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً» قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: تَائِبَةً، هَكَذَا فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ وَشُهِرَ زَاكِيَةً
١٥ / ٣٤٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] قَالَ: تَائِبَةً
١٥ / ٣٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهَا الْمُسْلِمَةُ الَّتِي لَا ذَنْبَ لَهَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: وَجَدَ خَضِرُ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، فَأَخَذَ غُلَامًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ
١٥ / ٣٤١
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ شُعَيْبٍ الْجَبَئِيِّ، قَالَ: اسْمُ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ: جَيْسُورُ (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً)
١٥ / ٣٤١
قَالَ: مُسْلِمَةً. قَالَ: وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿زَكِيَّةً﴾ [الكهف: ٧٤] كَقَوْلِكَ: زَكِيًّا وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَعْنَى الزَّكِيَّةِ وَالزَّاكِيَةِ وَاحِدٌ، كَالْقَاسِيَةِ وَالْقَسِيَّةِ، وَيَقُولُ: هِيَ الَّتِي لَمْ ⦗٣٤٢⦘ تَجْنِ شَيْئًا، وَذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ فَرْقًا بَيْنَهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِأَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ [الكهف: ٧٤] يَقُولُ: بِغَيْرِ قِصَاصٍ بِنَفْسٍ قُتِلَتْ، فَلَزِمَهَا الْقَتْلُ قَوَدًا بِهَا
١٥ / ٣٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٧٤] يَقُولُ: لَقَدْ جِئْتَ بِشَيْءٍ مُنْكَرٍ، وَفَعَلْتَ فِعْلًا غَيْرَ مَعْرُوفٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ:
١٥ / ٣٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٧٤] وَالنُّكْرُ أَشَدُّ مِنَ الْإِمْرِ
١٥ / ٣٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ [الكهف: ٧٦]
١٥ / ٣٤٢
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الْعَالِمُ لِمُوسَى ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٥] عَلَى مَا تَرَى مِنْ أَفْعَالِي الَّتِي لَمْ تُحِطْ بِهَا خُبْرًا. قَالَ مُوسَى لَهُ: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا﴾ [الكهف: ٧٦] يَقُولُ: بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ ﴿فَلَا تُصَاحِبْنِي﴾ [الكهف: ٧٦] يَقُولُ: فَفَارِقْنِي، فَلَا تَكُنْ لِي مُصَاحِبًا ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ [الكهف: ٧٦] يَقُولُ: قَدْ بَلَغْتَ الْعُذْرَ فِي شَأْنِي. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: ﴿«مِنْ لَدُنِي عُذْرًا»﴾ [الكهف: ٧٦] بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ. وَقَرَأَهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِإِشْمَامِ اللَّامِ الضَّمَ وَتَسْكِينِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ شَدَّدُوا النُّونَ طَلَبُوا لِلنُّونِ الَّتِي فِي لَدُنِ السَّلَامَةَ مِنَ الْحَرَكَةِ، إِذْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ سَاكِنَةً، وَلَوْ لَمْ تُشَدَّدْ لَتَحَرَّكَتْ، فَشَدَّدُوهَا كَرَاهَةً مِنْهُمْ تَحْرِيكَهَا، كَمَا فَعَلُوا فِي «مِنْ، وَعَنْ» إِذْ أَضَافُوهُمَا إِلَى مَكْنِيِّ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَشَدَّدُوهُمَا، فَقَالُوا مِنِّي وَعَنِّي. وَأَمَّا الَّذِينَ خَفَّفُوهَا، فَإِنَّهُمْ وَجَدُوا مَكْنِيَّ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ فِي حَالِ الْخَفْضِ يَاءً وَحْدَهَا لَا نُونَ مَعَهَا، فَأَجْرَوْا ذَلِكَ مِنْ
١٥ / ٣٤٣
لَدُنْ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَى بِهِ كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ مَعَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالْقُرْآنِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ أَعْجَبَ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ فَتَحَ اللَّامَ وَضَمَّ الدَّالَ وَشَدَّدَ النُّونَ. لِعِلَّتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ نَافِعٍ الْبَصْرِيَّ:
١٥ / ٣٤٤
حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْجَارِيَةِ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ [الكهف: ٧٦] مُثَقَّلَةً
١٥ / ٣٤٤
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَهُ، وَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَلَا هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: «اسْتَحْيَا فِي اللَّهِ مُوسَى»
١٥ / ٣٤٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي ⦗٣٤٥⦘ عُذْرًا﴾ [الكهف: ٧٦] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَحْيَا فِي اللَّهِ مُوسَى عِنْدَهَا»
١٥ / ٣٤٤
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِي ﷺ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى، لَوْ لَبِثَ مَعَ صَاحِبِهِ لَأَبْصَرَ الْعَجَبَ وَلَكِنَّهُ قَالَ: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ [الكهف: ٧٦]» مُثَقَّلَةً
١٥ / ٣٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَانْطَلَقَ مُوسَى وَالْعَالِمُ ﴿حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا﴾ [الكهف: ٧٧] مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يُطْعِمُوهُمَا وَاسْتَضَافَاهُمْ ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] يَقُولُ: وَجَدَا فِي الْقَرْيَةِ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَسْقُطَ وَيَقَعَ، يُقَالُ مِنْهُ: انْقَضَّتِ الدَّارُ: إِذَا انْهَدَمَتْ وَسَقَطَتْ، وَمِنْهُ انْقِضَاضُ الْكَوْكَبِ، وَذَلِكَ سُقُوطُهُ وَزَوَالُهُ عَنْ مَكَانِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
[البحر البسيط] فَانْقَضَّ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ مُنْصَلِتًا
[البحر البسيط] فَانْقَضَّ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ مُنْصَلِتًا
١٥ / ٣٤٥
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: «يُرِيدُ أَنْ يَنْقَاضَّ» . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمْ: مَجَازُ يَنْقَاضُّ: أَيْ يَنْقَلِعُ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَتَصَدَّعُ، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: قَدِ انْقَاضَّتِ السِّنُّ: أَيْ تَصَدَّعَتْ، وَتَصَدَّعَتْ مِنْ أَصْلِهَا، يُقَالُ: فِرَاقٌ كَقَيْضِ السِّنِّ: أَيْ لَا يَجْتَمِعُ أَهْلُهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْهُمْ: الِانْقِيَاضُ: الشَّقُّ فِي طُولِ الْحَائِطِ فِي طَيِّ الْبِئْرِ وَفِي سِنِّ الرَّجُلِ، يُقَالُ: قَدِ انْقَاضَّتِ سِنَّةٌ: إِذَا انْشَقَّتْ طَوْلًا. ⦗٣٤٧⦘ وَقِيلَ: إِنَّ الْقَرْيَةَ الَّتِي اسْتَطْعَمَ أَهْلَهَا مُوسَى وَصَاحِبُهُ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا: الْآيِلَةُ
١٥ / ٣٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الذَّارِعُ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، صَاحِبُ الْكَرَابِيسِيِّ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ أَبُو صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: انْتَابُوا الَأَيْلَةَ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ يَأْتِيهَا فَيَرْجِعُ مِنْهَا خَائِبًا، وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي أَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، وَهِيَ أَبْعَدُ أَرْضِ اللَّهِ مِنَ السَّمَاءِ
١٥ / ٣٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ [الكهف: ٧٧] وَتَلَا إِلَى قَوْلِهِ ﴿لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] شَرُّ الْقُرَى الَّتِي لَا تُضِيفُ الضَّيْفَ، وَلَا تَعْرِفُ لِابْنِ السَّبِيلِ حَقَّهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: لَيْسَ لِلْحَائِطِ إِرَادَةٌ وَلَا لِلْمَوَاتِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ رَثَّةٍ فَهُوَ إِرَادَتُهُ. وَهَذَا كَقَوْلِ الْعَرَبِ فِي غَيْرِهِ:
[البحر الوافر] يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ … وَيَرْغَبُ عَنْ دَمَاءِ بَنِي عَقِيلِ
[البحر الوافر] يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاءٍ … وَيَرْغَبُ عَنْ دَمَاءِ بَنِي عَقِيلِ
١٥ / ٣٤٧
وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: إِنَّمَا كَلَّمَ الْقَوْمَ بِمَا يَعْقِلُونَ، قَالَ: وَذَلِكَ لَمَّا دَنَا مِنَ الِانْقِضَاضِ، جَازَ أَنْ يَقُولَ: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، قَالَ: وَمِثْلُهُ ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾ وَقَوْلُهُمْ: إِنِّي لَأَكَادُ أَطِيرُ مِنَ الْفَرَحِ، وَأَنْتَ لَمْ تَقْرَبْ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ تَهِمَّ بِهِ، وَلَكِنْ لِعَظِيمِ الْأَمْرِ عِنْدَكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ مِنْهُمْ: مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولُوا: الْجِدَارُ يُرِيدُ أَنْ يَسْقُطَ، قَالَ: وَمِثْلُهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الخفيف] إِنَّ دَهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلِ … لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالْإِحْسَانِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الرجز] يَشْكُو إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى … صَبْرًا جَمِيلًا فِكِلَانَا مُبْتَلَى
قَالَ: وَالْجَمَلُ لَمْ يَشُكَّ، إِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ لَقَالَ ذَلِكَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] وَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ الْقَنَا بِلَبَانِهِ … وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ
[البحر الخفيف] إِنَّ دَهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلِ … لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالْإِحْسَانِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الرجز] يَشْكُو إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى … صَبْرًا جَمِيلًا فِكِلَانَا مُبْتَلَى
قَالَ: وَالْجَمَلُ لَمْ يَشُكَّ، إِنَّمَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ لَقَالَ ذَلِكَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] وَازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ الْقَنَا بِلَبَانِهِ … وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمِ
١٥ / ٣٤٨
قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾ [الأعراف: ١٥٤] وَالْغَضَبُ لَا يَسْكُتُ، وَإِنَّمَا يَسْكُتُ صَاحِبُهُ. وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: سَكَنَ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾ [محمد: ٢١] إِنَّمَا يَعْزَمُ أَهْلُهُ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: هَذَا مِنْ أَفْصَحِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَالَ: إِنَّمَا إِرَادَةُ الْجِدَارِ: مَيْلُهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» وَإِنَّمَا هُوَ أَنْ تَكُونَ نَارَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا بِمَوْضِعٍ لَوْ قَامَ فِيهِ إِنْسَانٌ رَأَى الْأُخْرَى فِي الْقُرْبِ، قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل فِي الْأَصْنَامِ: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨] قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلَانٍ، تَعْنِي: قُرْبَ مَا بَيْنَهُمَا، وَاسْتُشْهِدَ بِقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ فِي وَصْفِهِ حَوْضًا أَوْ مَنْزِلًا دَارِسًا:
[البحر الرجز] قَدْ كَادَ أَوْ قَدْ هَمَّ بِالْبُيُودِ
قَالَ: فَجَعَلَهُ يَهِمُّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ لِلْبِلَى،
[البحر الرجز] قَدْ كَادَ أَوْ قَدْ هَمَّ بِالْبُيُودِ
قَالَ: فَجَعَلَهُ يَهِمُّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ لِلْبِلَى،
١٥ / ٣٤٩
وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ بِلُطْفِهِ، جَعَلَ الْكَلَامَ بَيْنَ خَلْقِهِ رَحْمَةً مِنْهُ بِهِمْ، لِيُبَيِّنَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَمَّا فِي ضَمَائِرِهِمْ. مِمَّا لَا تَحُسُّهُ أَبْصَارُهُمْ، وَقَدْ عَقَلَتِ الْعَرَبُ مَعْنَى الْقَائِلِ:
[البحر الكامل] فِي مَهْمَهٍ قَلِقَتْ بِهِ هَامَاتُهَا … قَلَقَ الْفُئُوسِ إِذَا أَرَدْنَ نُصُولَاوَفَهِمْتَ أَنَّ الْفُئُوسَ لَا تُوصَفُ بِمَا يُوصَفُ بِهِ بَنُو آدَمَ مِنْ ضَمَائِرِ الصُّدُورِ مَعَ وَصْفِهَا إِيَّاهُمَا بِأَنَّهَا تُرِيدُ. وَعَلِمْتَ مَا يُرِيدُ الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ:
[البحر البسيط] كَمِثْلِ هَيْلِ النَّقَا طَافَ الْمُشَاةُ بِهِ … يَنْهَالُ حِينًا وَيَنْهَاهُ الثَّرَى حِينَا
وَإِنَّمَا لَمْ يُرِدْ أَنَّ الثَّرَى نَطَقَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ تَلَبَّدَ بِالنَّدَى، فَمَنَعَهُ مِنَ الِانْهِيَالِ، فَكَانَ مَنْعُهُ إِيَّاهُ مِنْ ذَلِكَ كَالنَّهْيِ مِنْ ذَوِي الْمَنْطِقِ فَلَا يَنْهَالُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَعْنَاهُ: قَدْ قَارَبَ مِنْ أَنْ يَقَعَ أَوْ يَسْقُطَ، وَإِنَّمَا خَاطَبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْقُرْآنِ مَنْ أُنْزِلَ الْوَحْي بِلِسَانِهِ، وَقَدْ عَقَلُوا مَا عَنَى بِهِ وَإِنِ اسْتَعْجَمَ عَنْ فَهْمِهِ ذَوُو الْبَلَادَةِ وَالْعَمَى، وَضَلَّ فِيهِ ذَوُو الْجَهَالَةِ وَالْغَبَا.
١٥ / ٣٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَقَامَهُ﴾ [الكهف: ٧٧] ذَكَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هَدَمَهُ ثُمَّ قَعَدَ يَبْنِيهِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
١٥ / ٣٥٠
وَقَالَ، آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] قَالَ: رَفَعَ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ صَاحِبَ مُوسَى وَمُوسَى وَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ صَاحِبُ مُوسَى، بِمَعْنَى: عَدَلَ مَيْلَهُ حَتَّى عَادَ مُسْتَوِيًا. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ بِإِصْلَاحٍ بَعْدَ هَدْمٍ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِرَفْعٍ مِنْهُ لَهُ بِيَدِهِ، فَاسْتَوَى بِقُدْرَةِ اللَّهِ، وَزَالَ عَنْهُ مَيْلُهُ بِلُطْفِهِ، وَلَا دَلَالَةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا خَبَرٍ لِلْعُذْرِ قَاطِعٌ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيٍّ
١٥ / ٣٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] يَقُولُ: قَالَ مُوسَى لِصَاحِبِهِ: لَوْ شِئْتَ لَمْ تُقِمْ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ جِدَارَهُمْ حَتَّى يُعْطُوكَ عَلَى إِقَامَتِكَ أَجْرًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا عَنَى مُوسَى بِالْأَجْرِ الَّذِي قَالَ لَهُ ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] الْقِرَى: أَيْ حَتَّى يُقْرُونَا، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُونَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْعِوَضَ وَالْجَزَاءَ عَلَى إِقَامَتِهِ الْحَائِطَ الْمَائِلَ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
١٥ / ٣٥١
وَالْكُوفَةِ ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] عَلَى التَّوْجِيهِ مِنْهُمْ لَهُ إِلَى أَنَّهُ لَافْتَعَلْتَ مِنَ الْأَخْذِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ (لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ) بِتَخْفِيفِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ، وَأَصْلُهُ: لَافْتَعَلْتَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّاءَ كَأَنَّهَا مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ، وَلَأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَهُمْ فِي فَعَلَ وَيَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ: تَخِذَ فُلَانٌ كَذَا يَتَّخِذُهُ تَخَذًا، وَهِيَ لُغَةٌ فِيمَا ذُكِرَ لِهُذَيْلٍ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
[البحر الطويل] وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي لَدَى جَنْبِ غَرْزِهَا … نَسِيفًا كَأُفْحُوصِ الْقَطَاةِ الْمُطَرِّقِ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ قِرَاءَتَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ عَلَى لَافْتَعَلْتَ، لِأَنَّهَا أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا، وَأَكْثَرُهُمَا عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ
[البحر الطويل] وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي لَدَى جَنْبِ غَرْزِهَا … نَسِيفًا كَأُفْحُوصِ الْقَطَاةِ الْمُطَرِّقِ
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنِّي أَخْتَارُ قِرَاءَتَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ عَلَى لَافْتَعَلْتَ، لِأَنَّهَا أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا، وَأَكْثَرُهُمَا عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ
١٥ / ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٨]⦗٣٥٣⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ صَاحِبُ مُوسَى لِمُوسَى: هَذَا الَّذِي قُلْتُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: ٧٧] ﴿فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ [الكهف: ٧٨] يَقُولُ: فُرْقَةٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ: أَيْ مُفَرَّقِ بَيْنِي وَبَيْنَكَ. ﴿سَأُنَبِّئُكَ﴾ [الكهف: ٧٨] يَقُولُ: سَأُخْبِرُكَ ﴿بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٧٨] يَقُولُ: بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ عَاقِبَةُ أَفْعَالِي الَّتِي فَعَلْتُهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيَّ تَرْكَ الْمَسْأَلَةِ عَنْهَا، وَعَنِ النَّكِيرِ عَلَيَّ فِيهَا صَبْرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
١٥ / ٣٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩] يَقُولُ: أَمَّا فِعْلِي مَا فَعَلْتُ بِالسَّفِينَةِ، فَلِأَنَّهَا كَانَتْ لِقَوْمٍ مَسَاكِينَ ﴿يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩] بِالْخَرْقِ الَّذِي خَرَقْتُهَا، كَمَا:
١٥ / ٣٥٣
حَدَّثَنِي ابْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩] قَالَ: أَخْرِقُهَا حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٣٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩] وَكَانَ أَمَامَهُمْ وَقُدَّامَهُمْ مَلِكٌ. كَمَا:
١٥ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ [الكهف: ٧٩] قَالَ قَتَادَةُ: أَمَامَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ [الجاثية: ١٠] وَهِيَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
١٥ / ٣٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ فِي الْقِرَاءَةِ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَصْبًا
١٥ / ٣٥٤
وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: «وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَرَاءَ مِنْ حُرُوفِ الْأَضْدَادِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ يَكُونُ لِمَا هُوَ أَمَامَهُ وَلِمَا خَلْفَهُ، وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] أَيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي … وَقَوْمِي تَمِيمٌ وَالْفَلَاةُ وَرَائِيَا
⦗٣٥٥⦘ بِمَعْنَى أَمَامِي، وَقَدْ أَغْفَلَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ: هُوَ وَرَائِي، لِأَنَّكَ مِنْ وَرَائِهِ، فَأَنْتَ مُلَاقِيهِ كَمَا هُوَ مُلَاقِيكَ، فَصَارَ: إِذْ كَانَ مُلَاقِيكَ، كَأَنَّهُ مِنْ وَرَائِكَ وَأَنْتَ أَمَامَهُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يُجِيزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْكَ: هُوَ وَرَائِي، وَلَا إِذَا كَانَ وَرَاءَكَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ أَمَامِي، وَيَقُولُ: إِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنَ الْأَيَّامِ وَالْأَزْمِنَةِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَرَاءَكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ حَرٌّ شَدِيدٌ، لِأَنَّكَ أَنْتَ وَرَاءَهُ، فَجَازَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَأْتِي، فَكَأَنَّهُ إِذَا لَحِقَكَ صَارَ مِنْ وَرَائِكَ، وَكَأَنَّكَ إِذَا بَلَغْتَهُ صَارَ بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: فَلِذَلِكَ جَازَ الْوَجْهَانِ
[البحر الطويل] أَيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعِي وَطَاعَتِي … وَقَوْمِي تَمِيمٌ وَالْفَلَاةُ وَرَائِيَا
⦗٣٥٥⦘ بِمَعْنَى أَمَامِي، وَقَدْ أَغْفَلَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ. وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ: هُوَ وَرَائِي، لِأَنَّكَ مِنْ وَرَائِهِ، فَأَنْتَ مُلَاقِيهِ كَمَا هُوَ مُلَاقِيكَ، فَصَارَ: إِذْ كَانَ مُلَاقِيكَ، كَأَنَّهُ مِنْ وَرَائِكَ وَأَنْتَ أَمَامَهُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يُجِيزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْكَ: هُوَ وَرَائِي، وَلَا إِذَا كَانَ وَرَاءَكَ أَنْ يُقَالَ: هُوَ أَمَامِي، وَيَقُولُ: إِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنَ الْأَيَّامِ وَالْأَزْمِنَةِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَرَاءَكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ حَرٌّ شَدِيدٌ، لِأَنَّكَ أَنْتَ وَرَاءَهُ، فَجَازَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَأْتِي، فَكَأَنَّهُ إِذَا لَحِقَكَ صَارَ مِنْ وَرَائِكَ، وَكَأَنَّكَ إِذَا بَلَغْتَهُ صَارَ بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: فَلِذَلِكَ جَازَ الْوَجْهَانِ
١٥ / ٣٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩] فَيَقُولُ الْقَائِلُ: فَمَا أَغْنَى خَرْقَ هَذَا الْعَالِمِ السَّفِينَةَ الَّتِي رَكِبَهَا عَنْ أَهْلِهَا، إِذْ كَانَ مِنْ أَجْلِ خَرْقِهَا يَأْخُذُ السُّفُنَ كُلَّهَا، مَعِيبُهَا وَغَيْرُ مَعِيبِهَا، وَمَا كَانَ وَجْهُ اعْتِلَالِهِ فِي خَرْقِهَا بِأَنَّهُ خَرَقَهَا، لِأَنَّ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ، أَنَّهُ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَصْبًا، وَيَدَعُ مِنْهَا كُلَّ مَعِيبَةٍ، لَا أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ صِحَاحَهَا وَغَيْرَ صِحَاحِهَا. فَإِنْ قَالَ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؟ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩] فَأَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَابَهَا، لِأَنَّ الْمَعِيبَةَ مِنْهَا لَا يَعْرِضُ لَهَا، فَاكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقَالَ: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَصْبًا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ
١٥ / ٣٥٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هِيَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا»
١٥ / ٣٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي قِرَاءَةِ أَبِي: «وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا» . وَإِنَّمَا عِبْتُهَا لِأَرُدَّهُ عَنْهَا
١٥ / ٣٥٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: ٧٩] فَإِذَا خَلَّفُوهُ أَصْلَحُوهَا بِزِفْتٍ فَاسْتَمْتَعُوا بِهَا
١٥ / ٣٥٦
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ شُعَيْبٍ الْجَبَئِيِّ، أَنَّ اسْمَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا: هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ
١٥ / ٣٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا الْغُلَامُ، فَإِنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ ⦗٣٥٧⦘ يُرْهِقُهُمَا. يَقُولُ: يُغْشِيهِمَا طُغْيَانًا، وَهُوَ الِاسْتِكْبَارُ عَلَى اللَّهِ، وَكُفْرًا بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ. وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا
١٥ / ٣٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا» فِي حَرْفِ أُبَيٍّ، ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا﴾ [الكهف: ٨١] وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا
١٥ / ٣٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ [الكهف: ٨٠] وَكَانَ كَافِرًا فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَخَشِينَا﴾ [الكهف: ٨٠] وَهِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: «فَخَافَ رَبُّكَ أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا»
١٥ / ٣٥٧
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاسٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «الْغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا» وَالْخَشْيَةُ وَالْخَوْفُ تُوَجِّهُهُمَا الْعَرَبُ إِلَى مَعْنَى الظَّنِّ، وَتُوَجِّهُ هَذِهِ ⦗٣٥٨⦘ الْحُرُوفَ إِلَى مَعْنَى الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُدْرَكُ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحِسِّ وَالْعِيَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿خَشِينَا﴾ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: كَرِهْنَا، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْشَى. وَقَالَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ: «فَخَافَ رَبُّكَ»، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ خِفْتُ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يُعَوِّلَا، وَهُوَ لَا يَخَافُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ يَكْرَهُهُ لَهُمَا
١٥ / ٣٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ [الكهف: ٨١] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: ﴿«فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا»﴾ [الكهف: ٨١] وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَعْتَلُّ لِصِحَّةِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ وَجَدَ ذَلِكَ مُشَدَّدًا فِي عَامَّةِ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [البقرة: ٥٩] وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ [النحل: ١٠١] فَأَلْحَقَ قَوْلَهُ: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا﴾ [الكهف: ٨١] بِهِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا﴾ [الكهف: ٨١] بِتَخْفِيفِ الدَّالِّ. وَكَانَ بَعْضُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: أَبْدَلَ يُبْدِلُ بِالتَّخْفِيفِ وَبَدَّلَ يُبَدِّلُ بِالتَّشْدِيدِ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي: أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَبْدَلَ أَبَوَيِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ صَاحِبُ مُوسَى مِنْهُ بِجَارِيَةٍ
١٥ / ٣٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهَا جَارِيَةٌ
١٥ / ٣٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ. ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمٍ، يَقُولُ: أَبْدِلَا مَكَانَ الْغُلَامِ جَارِيَةً
١٥ / ٣٥٩
قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: أَبْدِلَا مَكَانَ الِغُلَامٍ جَارِيَةً وَقَالَ آخَرُونَ: أَبْدَلَهُمَا رَبُّهُمَا بِغُلَامٍ مُسْلِمٍ
١٥ / ٣٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا، رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] قَالَ: كَانَتْ أُمُّهُ حُبْلَى يَوْمَئِذٍ بِغُلَامٍ مُسْلِمِ
١٥ / ٣٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ ذَكَرَ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ، فَقَالَ: قَدْ فَرِحَ بِهِ أَبَوَاهُ حِينَ وُلِدَ وَحُزْنًا عَلَيْهِ حِينَ قُتِلَ، وَلَوْ بَقِيَ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُمَا. فَلْيَرْضَ امْرُؤٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّ قَضَاءَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ ⦗٣٦٠⦘ فِيمَا يَكْرَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ قَضَائِهِ فِيمَا يُحِبُّ
١٥ / ٣٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ [الكهف: ٨١] يَقُولُ: خَيْرًا مِنَ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ صَلَاحًا وَدِينًا، كَمَا:
١٥ / ٣٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً﴾ [الكهف: ٨١] قَالَ: الْإِسْلَامُ
١٥ / ٣٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقْرَبُ رَحْمَةً بِوَالِدَيْهِ وَأَبَرُّ بِهِمَا مِنَ الْمَقْتُولِ
١٥ / ٣٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] أَبَرُّ بِوَالِدَيْهِ
١٥ / ٣٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] أَيْ أَقْرَبَ خَيْرًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقْرَبُ أَنْ يَرْحَمَهُ أَبَوَاهُ مِنْهُمَا لِلْمَقْتُولِ
١٥ / ٣٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ
١٥ / ٣٦٠
، ﴿وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف: ٨١] أَرْحَمُ بِهِ مِنْهُمَا بِالَّذِي قَتَلَ الْخَضِرَ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ: وَأَقْرَبُ أَنْ يَرْحَمَاهُ، وَالرَّحِمُ: مَصْدَرُ رَحِمْتَ، يُقَالُ: رَحِمْتُهُ رَحْمَةً وَرُحْمًا. وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: مِنَ الرَّحِمِ وَالْقَرَابَةِ. وَقَدْ يُقَالُ: رُحْمٌ وَرُحُمٌ مِثْلُ عُسْرٍ وَعُسُرٍ، وَهُلْكٍ وَهُلُكٍ، وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز] وَلَمْ تُعَوَّجْ رُحْمُ مَنْ تَعَوَّجَا
وَلَا وَجْهَ لِلرَّحِمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ الَّذِي أَبْدَلَ اللَّهُ مِنْهُ وَالِدَيْهِ وَلَدًا لِأَبَوَيِ الْمَقْتُولِ، فَقَرَابَتُهُمَا مِنْ وَالِدَيْهِ، وَقُرْبُهُمَا مِنْهُ فِي الرَّحِمِ سَوَاءٌ. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقْرَبُ مِنَ الْمَقْتُولِ أَنْ يَرْحَمَ وَالِدَيْهِ فَيَبَرُّهُمَا كَمَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَدْ يَتَوَجَّهُ الْكَلَامُ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ. وَأَقْرَبُ أَنْ يَرْحَمَاهُ، غَيْرَ أَنَّهُ
[البحر الرجز] وَلَمْ تُعَوَّجْ رُحْمُ مَنْ تَعَوَّجَا
وَلَا وَجْهَ لِلرَّحِمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. لِأَنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ الَّذِي أَبْدَلَ اللَّهُ مِنْهُ وَالِدَيْهِ وَلَدًا لِأَبَوَيِ الْمَقْتُولِ، فَقَرَابَتُهُمَا مِنْ وَالِدَيْهِ، وَقُرْبُهُمَا مِنْهُ فِي الرَّحِمِ سَوَاءٌ. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقْرَبُ مِنَ الْمَقْتُولِ أَنْ يَرْحَمَ وَالِدَيْهِ فَيَبَرُّهُمَا كَمَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَدْ يَتَوَجَّهُ الْكَلَامُ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ. وَأَقْرَبُ أَنْ يَرْحَمَاهُ، غَيْرَ أَنَّهُ
١٥ / ٣٦١
لَا قَائِلَ مِنْ أَهْلِ تَأْوِيلٍ تَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ. فَإِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَائِلٌ، فَالصَّوَابُ فِيهِ مَا قُلْنَا لِمَا بَيَّنَّا
١٥ / ٣٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٨٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ مُوسَى: وَأَمَّا الْحَائِطُ الَّذِي أَقَمْتُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ الْكَنْزِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ صُحُفًا فِيهَا عِلْمٌ مَدْفُونَةً
١٥ / ٣٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: كَانَ تَحْتَهُ كَنْزُ عِلْمٍ
١٥ / ٣٦٢
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: كَانَ كَنْزَ عِلْمٍ
١٥ / ٣٦٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: عِلْمٌ
١٥ / ٣٦٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢]» قَالَ: عِلْمٌ
١٥ / ٣٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ الْحَسَنُ: قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: صُحُفٌ لِغُلَامَيْنِ فِيهَا عِلْمٌ
١٥ / ٣٦٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صُحُفُ عِلْمٍ
١٥ / ٣٦٣
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، قَالَ: ثنا هَنَّادَةُ ابْنَةُ مَالِكٍ الشَّيْبَانِيَّةُ، قَالَتْ: سَمِعْتُ صَاحِبِي حَمَّادَ بْنَ الْوَلِيدِ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ سَطْرَانِ وَنِصْفٌ، لَمْ يَتِمَّ الثَّالِثُ: «عَجِبْتُ لِلْمُوقِنِ بِالرِّزْقِ كَيْفَ يَتْعَبُ وَعَجِبْتُ لِلْمُوقِنِ بِالْحِسَابِ كَيْفَ يَغْفُلُ وَعَجِبْتُ لِلْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ» وَقَدْ قَالَ: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] قَالَتْ: وَذُكِرَ أَنَّهُمَا حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهُمَا صَلَاحٌ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَبِ الَّذِي حُفِظَا بِهِ سَبْعَةُ آبَاءٍ، كَانَ نَسَّاجًا
١٥ / ٣٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ نُدْبَةَ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ ⦗٣٦٤⦘ مُحَمَّدٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْعَنْبَرِيِّ، وَكَانَ مِنْ جُلَسَاءِ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: عَجِبْتُ لِمَنْ يُؤْمِنُ كَيْفَ يَحْزَنُ وَعَجِبْتُ لِمَنْ يُوقِنُ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ وَعَجِبتُ لِمَنْ يَعْرِفُ الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا، كَيْفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ»
١٥ / ٣٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كَانَ الْكَنْزُ إِلَّا عِلْمًا
١٥ / ٣٦٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: صُحُفٌ مِنْ عِلْمٍ
١٥ / ٣٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرَ، مَوْلَى غُفْرَةَ، قَالَ: إِنَّ الْكَنْزَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْكَهْفُ ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ مُصْمَتٍ، مَكْتُوبًا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: عَجَبٌ مِمَّنْ عَرَفَ الْمَوْتَ ثُمَّ ضَحِكَ، عَجَبٌ مِمَّنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ نَصَبَ، عَجَبٌ مِمَّنْ أَيْقَنَّ بِالْمَوْتِ ثُمَّ أَمِنَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ ⦗٣٦٥⦘ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ مَالًا مَكْنُوزًا
١٥ / ٣٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: كَنْزُ مَالٍ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ، قَالَ شُعْبَةُ: وَلَمْ نَسْمَعُهُ مِنْهُ
١٥ / ٣٦٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: مَالٌ لَهُمَا
١٥ / ٣٦٥
قَالَ قَتَادَةُ: أُحِلَّ الْكَنْزُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا، وَحُرِّمَ عَلَيْنَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِلُّ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَيُحَرِّمُ، وَهِيَ السُّنَنُ وَالْفَرَائِضُ، وَيُحِلُّ لِأُمَّةٍ، وَيُحَرِّمُ عَلَى أُخْرَى، لَكِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ مَضَى إِلَّا الْإِخْلَاصَ وَالتَّوْحِيدِ لَهُ ⦗٣٦٦⦘ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَةُ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الْكَنْزَ اسْمٌ لِمَا يُكْنَزُ مِنْ مَالٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَا كُنِزَ فَقَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كَنْزٍ، فَإِنَّ التَّأْوِيلَ مَصْرُوفٌ إِلَى الْأَغْلَبِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُخَاطَبِينَ بِالتَّنْزِيلِ، مَا لَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ يَجِبُ مِنْ أَجْلِهِ صَرْفُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لِعِلَلٍ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ
١٥ / ٣٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشَدَّهُمَا﴾ [الكهف: ٨٢] يَقُولُ: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يُدْرِكَا وَيَبْلُغَا قُوَّتَهُمَا وَشِدَّتَهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا حِينَئِذٍ كَنْزَهُمَا الْمَكْنُوزَ تَحْتَ الْجِدَارِ الَّذِي أَقَمْتَهُ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ بِهِمَا، يَقُولُ: فَعَلْتُ فِعْلَ هَذَا بِالْجِدَارِ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِلْيَتِيمَيْنِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ / ٣٦٦
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾ [الكهف: ٨٢] قَالَ: حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَمَا ذُكِرَ مِنْهُمَا صَلَاحٌ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ
١٥ / ٣٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢] يَقُولُ: وَمَا فَعَلْتُ يَا مُوسَى جَمِيعَ الَّذِي رَأَيْتَنِي فَعَلْتُهُ عَنْ رَأْيِي وَمِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، وَإِنَّمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّايَ بِهِ، ⦗٣٦٧⦘ كَمَا:
١٥ / ٣٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي،﴾ [الكهف: ٨٢] كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا، فَمَضَى لِأَمْرِ اللَّهِ
١٥ / ٣٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢] مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ مَا فَعَلْتُهُ عَنْ نَفْسِي
١٥ / ٣٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: ٨٢] يَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا فَعَلْتُ الْأَفْعَالَ الَّتِي اسْتَنْكَرْتَهَا مِنِّي، تَأْوِيلٌ. يَقُولُ: مَا تَئُولُ إِلَيْهِ وَتَرْجِعُ الْأَفْعَالُ الَّتِي لَمْ تَسْطِعْ عَلَى تَرْكِ مَسْأَلَتِكَ إِيَّايَ عَنْهَا، وَإِنْكَارِكَ لَهَا صَبْرًا. وَهَذِهِ الْقِصَصُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِهَا عَنْ مُوسَى وَصَاحِبِهِ، تَأْدِيبٌ مِنْهُ لَهُ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِتَرْكِ الِاسْتِعْجَالِ بِعُقُوبَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِ وَبِكِتَابِهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُ أَنَّ أَفْعَالُهُ بِهِمْ وَإِنْ جَرَتْ فِيمَا تَرَى الْأَعْيُنُ بِمَا قَدْ يَجْرِي مِثْلُهُ أَحْيَانًا لِأَوْلِيَائِهِ، فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ صَائِرٌ بِهِمْ إِلَى أَحْوَالِ أَعْدَائِهِ فِيهَا، كَمَا كَانَتْ أَفْعَالُ صَاحِبِ مُوسَى وَاقِعَةً بِخِلَافِ الصِّحَّةِ فِي الظَّاهِرِ عِنْدَ مُوسَى، إِذْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِعَوَاقِبِهَا، وَهِيَ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَآئِلَةٌ إِلَى الصَّوَابِ فِي الْعَاقِبَةِ، يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقِصَّةِ مُوسَى وَصَاحِبِهِ، يُعَلِّمُ نَبِيَّهُ أَنَّ تَرْكَهُ ﷻ تَعْجِيلَ الْعَذَابِ لِهَؤُلَاءِ
١٥ / ٣٦٧
الْمُشْرِكِينَ، بِغَيْرِ نَظَرٍ مِنْهُ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا يَحْسِبُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا اللَّهُ مُدْبِرٌ فِيهِمْ، نَظَرًا مِنْهُ لَهُمْ، لِأَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ صَائِرٌ إِلَى هَلَاكِهِمْ وَبَوَارِهِمْ بِالسَّيْفِ فِي الدُّنْيَا وَاسْتِحْقَاقِهِمْ مِنَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ الْخِزْيَ الدَّائِمَ
١٥ / ٣٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَيَسْأَلُكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ مَا كَانَ شَأْنُهُ؟ وَمَا كَانَتْ قِصَّتُهُ؟ فَقُلْ لَهُمْ: سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَرِهِ ذِكْرًا يَقُولُ: سَأَقُصُّ عَلَيْكُمْ مِنْهُ خَبَرًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَمْرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ كَانُوا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَأَمَّا الْخَبَرُ بِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ كَانُوا مُشْرِكِي قَوْمِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ بِأَنَّ الَّذِينَ سَأَلُوهُ كَانُوا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
١٥ / ٣٦٨
فَحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ شَيْخَيْنِ، مِنْ نَجِيبٍ، قَالَ: أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَتَحَدَّثُ، قَالَا: فَأَتَيَاهُ فَقَالَا: جِئْنَا لِتُحَدِّثَنَا، فَقَالَ: كُنْتُ يَوْمًا أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيَنِي قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالُوا: نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَ ⦗٣٦٩⦘ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَ لَنَا عَلَيْهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «مَا لِي وَمَا لَهُمْ، مَا لِي عِلْمٌ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ» ثُمَّ قَالَ: «اسْكُبْ لِي مَاءً» فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى، قَالَ: فَمَا فَرَغَ حَتَّى عَرَفْتُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْهُمْ عَلَيَّ، وَمَنْ رَأَيْتَ مِنْ أَصْحَابِي» فَدَخَلُوا فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُمْ فَأَخْبَرْتُكُمْ عَمَّا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ مَكْتُوبًا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ»، قَالُوا: بَلَى أَخْبِرْنَا، قَالَ: «جِئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَمَا تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ: كَانَ شَابًّا مِنَ الرُّومِ، فَجَاءَ فَبَنَى مَدِينَةَ مِصْرَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَهُ مَلَكٌ فَعَلَا بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهُ مَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتِي وَمَدَائِنَ، ثُمَّ عَلَا بِهِ، فَقَالَ: مَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتِي، ثُمَّ عَلَا بِهِ فَقَالَ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى الْأَرْضَ، قَالَ: فَهَذَا الْيَمُّ مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكَ تُعَلِّمُ الْجَاهِلَ، وَتُثَبِّتُ الْعَالِمَ، فَأَتَى بِهِ السَّدَّ، وَهُوَ جَبَلَانِ لَيِّنَانِ يَزْلِقُ عَنْهُمَا كُلُّ شَيْءٍ، ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى جَاوَزَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ثُمَّ مَضَى بِهِ إِلَى أُمَّةٍ أُخْرَى، وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ الْكِلَابِ يُقَاتِلُونَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ثُمَّ مَضَى بِهِ حَتَّى قَطَعَ بِهِ أُمَّةً أُخْرَى يُقَاتِلُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وُجُوهَهُمْ وُجُوهُ الْكِلَابِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَطَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ إِلَى أُمَّةٍ أُخْرَى قَدْ سَمَّاهُمْ» ⦗٣٧٠⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ قِيلَ لِذِي الْقَرْنَيْنِ: ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى قَرْنِهِ فَهَلَكَ، ثُمَّ أُحْيِيَ فَضَرَبَ عَلَى الْقَرْنِ الْآخَرِ فَهَلَكَ
١٥ / ٣٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَلِيًّا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: هُوَ عَبْدٌ أَحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ، وَنَاصَحَ اللَّهَ فَنَصَحَهُ، فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ فَمَاتَ
١٥ / ٣٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: كَانَ عَبْدًا نَاصَحَ اللَّهَ فَنَاصَحَهُ، فَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ فَمَاتَ، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، فَدَعَا قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ، فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ فَمَاتَ، فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ
١٥ / ٣٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا وَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنَبِيًّا كَانَ؟ قَالَ: كَانَ عَبْدًا صَالِحًا، أَحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ، وَنَاصَحَ اللَّهَ فَنَصَحَهُ، فَبَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ فِي رَأْسِهِ، فَسُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ. وَفِيكُمُ الْيَوْمَ مِثْلُهُ وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا:
١٥ / ٣٧٠
حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: ثنا ⦗٣٧١⦘ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثني عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَلِكًا، فَقِيلَ لَهُ: فَلِمَ سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ؟ قَالَ: اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَلِكُ الرُّومِ وَفَارِسَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ فِي رَأْسَهُ شِبْهُ الْقَرْنَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ لِأَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسِهِ كَانَتَا مِنْ نُحَاسٍ
١٥ / ٣٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسِهِ كَانَتَا مِنْ نُحَاسِ
١٥ / ٣٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] يَقُولُ: إِنَّا وَطَّأْنَا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] يَقُولُ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: يَعْنِي مَا يَتَسَبَّبُ إِلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٣٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] يَقُولُ عِلْمًا
١٥ / ٣٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] أَيْ عِلْمًا
١٥ / ٣٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] قَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
١٥ / ٣٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] قَالَ: عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ
١٥ / ٣٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] عِلْمًا
١٥ / ٣٧٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] يَقُولُ: عِلْمًا
١٥ / ٣٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (فَاتَّبَعَ) بِوَصْلِ الْأَلِفِ، وَتَشْدِيدِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: سَلَكَ وَسَارَ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: اتَّبَعْتُ أَثَرَ فُلَانٍ: إِذَا قَفَوْتُهُ، وَسِرْتُ وَرَاءَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿فَأَتْبَعَ﴾ [الكهف: ٨٥] بِهَمْزٍ، وَتَخْفِيفِ التَّاءِ، بِمَعْنَى لَحِقَ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: «فَاتَّبَعَ» بِوَصْلِ الْأَلِفِ، ⦗٣٧٣⦘ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ، لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ مَسِيرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي مُكِّنَ لَهُ فِيهَا، لَا عَنْ لِحَاقِهِ السَّبَبَ، وَبِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٣٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «فَاتَّبَعَ سَبَبًا» يَعْنِي بِالسَّبِبِ: الْمَنْزِلَ
١٥ / ٣٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤] قَالَ: مَنْزِلًا وَطَرِيقًا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٥ / ٣٧٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ «فَاتَّبَعَ سَبَبًا» قَالَ: طَرِيقًا فِي الْأَرْضِ
١٥ / ٣٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «فَاتَّبَعَ سَبَبًا»: ⦗٣٧٤⦘ اتَّبَعَ مَنَازِلَ الْأَرْضِ وَمَعَالِمَهَا
١٥ / ٣٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «فَاتَّبَعَ سَبَبًا» قَالَ: هَذِهِ الْآنَ سَبَبُ الطُّرُقِ كَمَا قَالَ فِرْعَوْنُ ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ﴾ قَالَ: طُرُقُ السَّمَاوَاتِ
١٥ / ٣٧٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «فَاتَّبَعْ سَبَبًا» قَالَ: مَنَازِلَ الْأَرْضِ
١٥ / ٣٧٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «فَاتَّبَعَ سَبَبًا» قَالَ: الْمَنَازِلَ
١٥ / ٣٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ [الكهف: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ﴾ [الكهف: ٨٦] ذُو الْقَرْنَيْنِ ﴿مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] فَاخْتَلَفِتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] بِمَعْنَى: أَنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنِ مَاءٍ ذَاتِ حَمْأَةٍ، وَقَرَأَتْهُ ⦗٣٧٥⦘ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ) يَعْنِي أَنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنِ مَاءٍ حَارَّةٍ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِمْ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَتِهِ
١٥ / ٣٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦]: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] قَالَ: فِي طِينٍ أَسْوَدَ
١٥ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] قَالَ: ذَاتُ حَمْأَةٍ
١٥ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْجُنَيْدِ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَرَأَ مُعَاوِيَةُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ: «عَيْنٍ حَامِيَةٍ» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهَا عَيْنٌ حَمِئَةٌ. قَالَ: فَجَعَلَا كَعْبًا بَيْنَهُمَا، قَالَ: فَأَرْسَلَا إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فَسَأَلَاهُ فَقَالَ كَعْبٌ: أَمَّا الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغِيبُ فِي ثَأْطٍ فَكَانَتْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالثَّأْطُ: الطِّينُ
١٥ / ٣٧٥
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] ثُمَّ فَسَّرَهَا: ذَاتُ حَمْأَةٍ
١٥ / ٣٧٦
قَالَ نَافِعٌ: وَسُئِلَ عَنْهَا كَعْبٌ، فَقَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنِّي، وَلَكِنِّي أَجِدُهَا فِي الْكِتَابِ تَغِيبُ فِي طِينَةٍ سَوْدَاءَ
١٥ / ٣٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] قَالَ: هِيَ الْحَمْأَةُ
١٥ / ٣٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] قَالَ: ثَأْطٌ
١٥ / ٣٧٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] قَالَ: ثَأْطَةٌ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَرَأْتُ ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] وَقَرَأَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ (فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ) فَأَرْسَلْنَا إِلَى كَعْبٍ، فَقَالَ: إِنَّهَا تَغْرُبُ فِي حَمْأَةِ طِينَةٍ سَوْدَاءَ
١٥ / ٣٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] وَالْحَمِئَةُ: الْحَمْأَةُ السَّوْدَاءُ
١٥ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] وَيَقُولُ: حَمْأَةٌ سَوْدَاءُ تَغْرُبُ فِيهَا الشَّمْسُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ تَغِيبُ فِي عَيْنٍ حَارَّةٍ
١٥ / ٣٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ» يَقُولُ: فِي عَيْنٍ حَارَّةٍ
١٥ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: «فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ» قَالَ: حَارَّةٌ
١٥ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ» قَالَ: حَارَّةٌ، وَكَذَلِكَ قَرَأَهَا الْحَسَنُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ ⦗٣٧٨⦘ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ صَحِيحٌ وَمَعْنًى مَفْهُومٌ، وَكِلَا وَجْهَيْهِ غَيْرُ مُفْسِدٍ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَارَّةٍ ذَاتِ حَمْأَةٍ وَطِينٍ، فَيَكُونُ الْقَارِئُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ بِصِفَتِهَا الَّتِي هِيَ لَهَا، وَهِيَ الْحَرَارَةُ، وَيَكُونُ الْقَارِئُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَاصَفَهَا بِصِفَتِهَا الَّتِي هِيَ بِهَا وَهِيَ أَنَّهَا ذَاتُ حَمْأَةٍ وَطِينٍ. وَقَدْ رُوِيَ بِكِلَا صِيغَتَيْهَا اللَّتَيْنِ قُلْتُ إِنَّهُمَا مِنْ صِفَتَيْهَا أَخْبَارٌ
١٥ / ٣٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، قَالَ: ثني مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ غَابَتْ، فَقَالَ: «فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيَةِ، فِي نَارِ اللَّهِ الْحَامِيَةِ، لَوْلَا مَا يَزَعُهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَأَحْرَقَتْ مَا عَلَى الْأَرْضِ»
١٥ / ٣٧٨
حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ مِصْدَعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَقْرَأَهُ: ﴿حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦]
١٥ / ٣٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا﴾ [الكهف: ٨٦] ذُكِرَ أَنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمُ يُقَالُ لَهُمْ: نَاسَكُ
١٥ / ٣٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ﴾ [الكهف: ٨٦] يَقُولُ: إِمَّا أَنْ تَقْتُلَهُمْ إِنْ هُمْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَيُذْعِنُوا لَكَ بِمَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ [الكهف: ٨٦] يَقُولُ: وَإِمَّا أَنْ تَأْسِرَهُمْ فَتُعَلِّمَهُمُ الْهُدَى وَتُبَصِّرَهُمُ الرَّشَادَ
١٥ / ٣٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٨٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ [الكهف: ٨٧] يَقُولُ: أَمَّا مَنْ كَفَرَ فَسَوْفَ نَقْتُلُهُ كَمَا
١٥ / ٣٧٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ [الكهف: ٨٧] قَالَ: هُوَ الْقَتْلُ
١٥ / ٣٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٨٧] يَقُولُ: ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ قَتْلِهِ، فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا عَظِيمًا، وَهُوَ النُّكْرُ، وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ
١٥ / ٣٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٨] يَقُولُ: وَأَمَّا مَنْ صَدَقَ اللَّهَ مِنْهُمْ وَوَحَّدَهُ، وَعَمِلَ بِطَاعَتِهِ، فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْحُسْنَى، وَهِيَ الْجَنَّةُ ﴿جَزَاءً﴾ [البقرة: ٨٥] يَعْنِي ثَوَابًا عَلَى إِيمَانِهِ، وَطَاعَتِهِ رَبَّهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ: «فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى» بِرَفْعِ الْجَزَاءِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى
١٥ / ٣٧٩
الْحُسْنَى. وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَهُ وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْعَلَ الْحُسْنَى مُرَادًا بِهَا إِيمَانُهُ وَأَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا أُرِيدَ بِهَا ذَلِكَ: وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاؤُهَا، يَعْنِي جَزَاءَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِالْحُسْنَى: الْجَنَّةَ، وَأُضِيفَ الْجَزَاءُ إِلَيْهَا، كَمَا قِيلَ ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ [يوسف: ١٠٩] وَالدَّارُ: هِيَ الْآخِرَةُ، وَكَمَا قَالَ: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: ٥] وَالدِّينُ هُوَ الْقَيِّمُ. وَقَرَأَ آخَرُونَ: «فَلَهُ جَزَاءَ الْحُسْنَى» بِمَعْنَى: فَلَهُ الْجَنَّةُ جَزَاءً فَيَكُونُ الْجَزَاءُ مَنْصُوبًا عَلَى الْمَصْدَرِ، بِمَعْنَى: يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ الْجَنَّةِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ [الكهف: ٨٨] بِنَصْبِ الْجَزَاءِ وَتَنْوِينِهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ، مِنْ أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةُ جَزَاءً، فَيَكُونُ الْجَزَاءُ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ
١٥ / ٣٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٨] يَقُولُ: وَسَنُعَلِّمُهُ نَحْنُ فِي الدُّنْيَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا تَعْلِيمُهُ مِمَّا يُقِرُّ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَيَلِينُ لَهُ مِنَ الْقَوْلِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا فِي ذَلِكَ
١٥ / ٣٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٨] قَالَ: مَعْرُوفًا ⦗٣٨١⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٣٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ سَارَ وَسَلَكَ ذُو الْقَرْنَيْنِ طُرُقًا وَمَنَازِلَ، كَمَا:
١٥ / ٣٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٩] يَعْنِي مَنْزِلًا
١٥ / ٣٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٩] مَنَازِلُ الْأَرْضِ وَمَعَالِمُهَا
١٥ / ٣٨١
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَوَجَدَ ذُو الْقَرْنَيْنِ الشَّمْسَ تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَرْضَهُمْ لَا جَبَلَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ، وَلَا تَحْتَمِلُ بِنَاءً، فَيَسْكُنُوا الْبُيُوتَ، وَإِنَّمَا يَغُورُونَ فِي الْمِيَاهِ، أَوْ يَسْرُبُونَ فِي الْأَسْرَابِ. كَمَا:
١٥ / ٣٨١
حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَأَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ⦗٣٨٢⦘ ثنا سَهْلُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ السَّرَّاجُ، عَنِ الْحَسَنِ، ﴿تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] قَالَ: كَانَتْ أَرْضًا لَا تَحْتَمِلُ الْبِنَاءَ، وَكَانُوا إِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ تَغَوَّرُوا فِي الْمَاءِ، فَإِذَا غَرَبَتْ خَرَجُوا يَتَرَاعَوْنَ، كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِمُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا حَدِيثُ سَمُرَةَ
١٥ / ٣٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَكَانٍ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ، وَإِنَّمَا يَكُونُونَ فِي أَسْرَابٍ لَهُمْ، حَتَّى إِذَا زَالَتْ عَنْهُمُ الشَّمْسُ خَرَجُوا إِلَى مَعَايِشِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ، قَالَ: كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا
١٥ / ٣٨٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] قَالَ: لَمْ يَبْنُوا فِيهَا بِنَاءً قَطُّ، وَلَمْ يُبْنَ عَلَيْهِمْ فِيهَا بِنَاءٌ قَطُّ، وَكَانُوا إِذَا طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ دَخَلُوا أَسْرَابًا لَهُمْ حَتَّى ⦗٣٨٣⦘ تَزُولَ الشَّمْسُ، أَوْ دَخَلُوا الْبَحْرَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَرْضَهُمْ لَيْسَ فِيهَا جَبَلٌ، وَجَاءَهُمْ جَيْشٌ مَرَّةً، فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُهَا: لَا تَطْلُعَنَّ عَلَيْكُمُ الشَّمْسُ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَقَالُوا: لَا نَبْرَحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، مَا هَذِهِ الْعِظَامُ؟ قَالُوا: هَذِهِ جِيَفُ جَيْشٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ هَاهُنَا فَمَاتُوا، قَالَ: فَذَهَبُوا هَارِبِينَ فِي الْأَرْضِ
١٥ / ٣٨٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَكَانٍ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِمْ بِنَاءٌ، فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي أَسْرَابٍ لَهُمْ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى تَزُولَ عَنْهُمْ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ إِلَى مَعَايِشِهِمْ وَقَالَ آخَرُونَ: هُمُ الزِّنْجُ
١٥ / ٣٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونَهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] قَالَ: يُقَالُ: هُمُ الزِّنْجُ
١٥ / ٣٨٣
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ﴾ [البقرة: ٧٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: ثُمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلَعَ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ: مِنْ صِلَةِ أَتْبَعَ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، كَمَا أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى بَلَغَ مَغْرِبَهَا
١٥ / ٣٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٩١] يَقُولُ: وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا عِنْدَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ عِلْمًا، لَا يَخْفَى عَلَيْنَا مِمَّا هُنَالِكَ مِنَ الْخَلْقِ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَسْبَابِهِمْ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ شَيْءٌ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْخَبَرِ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٣٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿خُبْرًا﴾ [الكهف: ٦٨] قَالَ: عِلْمًا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ / ٣٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٩١] قَالَ: عِلْمًا
١٥ / ٣٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ [الكهف: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ سَارَ طُرُقًا وَمَنَازِلَ، وَسَلَكَ سُبُلًا. ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ [الكهف: ٩٣] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ
١٥ / ٣٨٤
: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السُّدَّيْنِ) بِضَمِّ السِّينِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ بِضَمِّ السِّينِ. وَكَانَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ يَقْرَؤُهُ بِفَتْحِ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يَفْتَحُ السِّينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَيَضُمُّ السِّينَ فِي يس، وَيَقُولُ: السَّدُّ بِالْفَتْحِ: هُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّيْءِ، وَالسُّدُّ بِالضَّمِّ: مَا كَانَ مِنْ غِشَاوَةٍ فِي الْعَيْنِ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَإِنَّ قِرَاءَةَ عَامَّتِهِمْ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ بِفَتْحِ السِّينِ غَيْرَ قَوْلِهِ: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السُّدَّيْنِ) فَإِنَّهُمْ ضَمُّوا السِّينَ فِي ذَلِكَ خَاصَّةً. وَرُوِي عَنْ عِكْرِمَةَ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ / ٣٨٥
حَدَّثَنَا بِهِ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: مَا كَانَ مِنْ صَنْعَةِ بَنِي آدَمَ فَهُوَ السَّدُّ، يَعْنِي بِالْفَتْحِ، وَمَا كَانَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ فَهُوَ السَّدُّ وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، وَلُغَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الَّذِي ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَعِكْرِمَةَ بَيْنَ السَّدِّ
١٥ / ٣٨٥
وَالسُّدِّ، لَأَنَّا لَمْ نَجِدْ لِذَلِكَ شَاهِدًا يُبَيِّنُ عَنْ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْهُمَا. وَمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ الَّذِي رُوِيَ لَنَا عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ، لَمْ يُحْكَ لَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَفْصِيلٌ بَيْنَ فَتْحِ ذَلِكَ وَضَمِّهِ، وَلَوْ كَانَا مُخْتَلَفَيِ الْمَعْنَى لَنُقِلَ الْفَصْلُ مَعَ التَّأْوِيلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُفْتَرِقٍ، فَيُفَسَّرُ الْحَرْفُ بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ مِنْهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِي نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَيُّوبَ وَهَارُونَ وَفِي نَقْلِهِ نَظَرٌ، وَلَا نَعْرِفُ ذَلِكَ عَنْ أَيُّوبَ مِنْ رِوَايَةِ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ. وَالسَّدُّ وَالسُّدُّ جَمِيعًا: الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَهُمَا هَهُنَا فِيمَا ذُكِرَ جَبَلَانِ سُدَّ مَا بَيْنَهُمَا، فَرَدَمَ ذُو الْقَرْنَيْنِ حَاجِزًا بَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ، لِيَقْطَعَ مَادَّ غَوَائِلِهِمْ وَعَيْثِهِمْ عَنْهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٣٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السُّدَّيْنِ» قَالَ: الْجَبَلَيْنِ ⦗٣٨٧⦘ الرَّدْمُ الَّذِي بَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، أُمَّتَيْنِ مِنْ وَرَاءِ رَدْمِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: الْجَبَلَانِ: أَرْمِينِيَةُ وَأَذْرَبِيجَانُ
١٥ / ٣٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السُّدَّيْنِ» وَهُمَا جَبَلَانِ
١٥ / ٣٨٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «بَيْنَ السُّدَّيْنِ» يَعْنِي بَيْنَ جَبَلَيْنِ
١٥ / ٣٨٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «بَيْنَ السُّدَّيْنِ» قَالَ: هُمَا جَبَلَانِ
١٥ / ٣٨٧
وَقَوْلُهُ ﴿وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ [الكهف: ٩٣] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَجَدَ مِنْ دُونِ السَّدَّيْنِ قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلَ قَائِلٍ سِوَى كَلَامِهِمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿يَفْقَهُونَ﴾ [النساء: ٧٨] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ﴿يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ [الكهف: ٩٣] بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْيَاءِ، مِنْ فَقِهَ الرَّجُلِ يَفْقَهُ فِقْهًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ (يُفْقِهُونَ قَوْلًا) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ: مِنْ أَفْقَهْتُ فُلَانًا كَذَا أُفْقِهُهُ إِفْقَاهًا: إِذَا فَهَّمْتُهُ ذَلِكَ.
١٥ / ٣٨٧
وَالصَّوَابُ عِنْدِي مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، غَيْرُ دافعةٍ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْخَبَرَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا لِغَيْرِهِمْ عَنْهُمْ، فَيَكُونُ صَوَابًا الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا مَعَ كَوْنِهِمْ كَذَلِكَ كَانُوا لَا يَكَادُونَ أَنْ يُفْقِهُوا غَيْرَهُمْ لِعِلَلٍ: إِمَّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَإِمَّا بِمَنْطِقِهِمْ، فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ أَيْضًا صَوَابًا
١٥ / ٣٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: ٩٤] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ [الكهف: ٩٤] فَقَرَأَتِ الْقُرَّاءُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ: (إِنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ) بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى فَاعُولٍ مِنْ يَجَجْتُ وَمَجَجْتُ، وَجَعَلُوا الْأَلِفَيْنِ فِيهِمَا زَائِدَتَيْنِ، غَيْرَ عَاصِمَ بْنَ أَبِي النَّجُودِ وَالْأَعْرَجِ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ أَنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَجَعَلَا الْهَمْزَ فِيهِمَا مِنْ أَصْلِ الْكَلَامِ، وَكَأَنَّهُمَا جَعَلَا يَأْجُوجَ: يِفْعُولَ مِنْ أَجَجْتُ، وَمَأْجُوجُ: مَفْعُولٌ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَنَا (إِنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ) بِأَلِفٍ بِغَيْرِ هَمْزٍ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ.
[البحر الرجز] لَوْ أَنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مَعَا … وَعَادَ عَادُوا وَاسْتَجَاشُوا تُبَّعَا
وَهُمْ أُمَّتَانِ مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ
[البحر الرجز] لَوْ أَنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مَعَا … وَعَادَ عَادُوا وَاسْتَجَاشُوا تُبَّعَا
وَهُمْ أُمَّتَانِ مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ
١٥ / ٣٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: ٩٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الِإِفْسَادِ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانُوا يَأْكُلُونَ النَّاسَ
١٥ / ٣٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَيُّوبَ الْخُوزَانِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: ٩٤] قَالَ: كَانُوا يَأْكُلُونَ النَّاسَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ لَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُفْسِدُونَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَذِكْرُ صِفَةِ اتِّبَاعِ ذِي الْقَرْنَيْنِ الْأَسْبَابَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَذِكْرُ سَبَبِ بِنَائِهِ لِلرَّدْمِ:
١٥ / ٣٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني بَعْضُ مَنْ يَسُوقُ أَحَادِيثَ الْأَعَاجِمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، مِمَّنْ قَدْ أَسْلَمَ، مِمَّا تَوَارَثُوا مِنْ عِلْمِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنَ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ اسْمُهُ مَرْزُبَا بْنُ مَرْدَبَةَ ⦗٣٩٠⦘ الْيُونَانِيُّ، مِنْ وَلَدِ يُونَنَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ
١٥ / ٣٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الْكَلَاعِيِّ، وَكَانَ، خَالِدٌ رَجُلًا قَدْ أَدْرَكَ النَّاسَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ: «مَلِكٌ مَسَحَ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهَا بِالْأَسْبَابِ»
١٥ / ٣٩٠
قَالَ خَالِدٌ: وَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا يَقُولُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرًا، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ؟ فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ ذَلِكَ، فَالْحَقُّ مَا قَالَ، وَالْبَاطِلُ مَا خَالَفَهُ
١٥ / ٣٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْيَمَانِيِّ، وَكَانَ لَهُ عِلْمٌ بِالْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ذُو الْقَرْنَيْنِ رَجُلٌ مِنَ الرُّومِ، ابْنُ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِهِمْ، لَيْسَ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ اسْمُهُ الْإِسْكَنْدَرَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَنَّ صَفْحَتَيْ رَأْسِهِ كَانَتَا مِنْ نُحَاسٍ، فَلَمَّا بَلَغَ وَكَانَ عَبْدًا صَالِحًا، قَالَ اللَّهُ عز وجل لَهُ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنِّي بَاعِثُكَ إِلَى أُمَمِ الْأَرْضِ، وَهِيَ أُمَمٌ مُخْتَلِفَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ، وَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ الْأَرْضِ كُلُّهُ، وَمِنْهُمْ أُمَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ كُلُّهُ، وَأُمَمٌ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ مِنْهُمُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَأَمَّا الْأُمَّتَانِ اللَّتَانِ بَيْنَهُمَا طُولُ ⦗٣٩١⦘ الْأَرْضِ: فَأُمَّةٌ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، يُقَالُ لَهَا: نَاسِكٌ. وَأَمَّا الْأُخْرَى: فَعِنْدَ مَطْلِعِهَا يُقَالُ لَهَا: مَنْسَكٌ. وَأَمَّا اللَّتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ، فَأُمَّةٌ فِي قُطْرِ الْأَرْضِ الْأَيْمَنِ، يُقَالَ لَهَا: هَاوِيلُ. وَأَمَّا الْأُخْرَى الَّتِي فِي قُطْرِ الْأَرْضِ الْأَيْسَرِ، فَأُمَّةٌ يُقَالُ لَهَا: تَاوِيلُ، فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، قَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ: إِلَهِيَ إِنَّكَ قَدْ نَدَبْتَنِي لِأَمْرٍ عَظِيمٍ لَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ إِلَّا أَنْتَ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذِهِ الْأُمَمِ الَّتِي بَعَثْتَنِي إِلَيْهَا، بِأَيِّ قُوَّةٍ أُكَابِرُهُمْ؟ وَبِأَيِّ جَمْعٍ أُكَاثِرُهُمْ؟ وَبِأَيِّ حِيلَةٍ أُكَايِدُهُمْ؟ وَبِأَيِّ صَبْرٍ أُقَاسِيهِمْ؟ وَبِأَيِّ لِسَانٍ أُنَاطِقُهُمْ؟ وَكَيْفَ لِي بِأَنْ أَفْقَهَ لُغَاتِهِمْ؟ وَبِأَيِّ سَمْعٍ أَعِيَ قَوْلَهُمْ؟ وَبِأَيِّ بَصَرٍ أُنْفِذُهُمْ؟ وَبِأَيِّ حُجَّةٍ أُخَاصِمُهُمْ؟ وَبِأَيِّ قَلْبٍ أَعْقِلُ عَنْهُمْ؟ وَبِأَيِّ حِكْمَةٍ أُدَبِّرُ أَمْرَهُمْ؟ وَبِأَيِّ قِسْطٍ أَعْدِلُ بَيْنَهُمْ؟ وَبِأَيِّ حِلْمٍ أُصَابِرُهُمْ؟ وَبِأَيِّ مَعْرِفَةٍ أَفْصِلُ بَيْنَهُمْ؟ وَبِأَيِّ عِلْمٍ أُتْقِنُ أُمُورَهُمْ؟ وَبِأَيِّ يَدٍ أَسْطُو عَلَيْهِمْ؟ وَبِأَيِّ رِجْلٍ أَطَؤُهُمْ، وَبِأَيِّ طَاقَةٍ أَخْصِمُهُمْ، وَبِأَيِّ جُنْدٍ أُقَاتِلُهُمْ؟ وَبِأَيِّ رِفْقٍ أَسْتَأْلِفُهُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي يَا إِلَهِيَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُ يَقُومُ لَهُمْ، وَلَا يَقْوَى عَلَيْهِمْ وَلَا يُطِيقُهُمْ، وَأَنْتَ الرَّبُّ الرَّحِيمُ الَّذِي لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَلَا يُحَمِّلُهَا إِلَّا طَاقَتَهَا، وَلَا يُعَنِّتُهَا وَلَا يَفْدَحُهَا، بَلْ أَنْتَ تَرْأَفُهَا وَتَرْحَمُهَا. قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِنِّي سَأُطَوِّقُكَ مَا حَمَلْتُكَ، أَشْرَحُ لَكَ صَدْرَكَ، فَيَسَعُ كُلَّ شَيْءٍ وَأَشْرَحُ لَكَ فَهْمَكَ فَتَفْقَهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَبْسُطُ لَكَ لِسَانَكَ فَتَنْطِقُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَأَفْتَحُ لَكَ ⦗٣٩٢⦘ سَمْعَكَ فَتَعِي كُلَّ شَيْءٍ، وَأَمُدُّ لَكَ بَصَرَكَ، فَتَنْفُذُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأُدَبِّرُ لَكَ أَمْرَكَ فَتُتْقِنُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَحْصِي لَكَ فَلَا يَفُوتُكَ شَيْءٌ، وَأَحْفَظُ عَلَيْكَ فَلَا يَعْزُبُ عَنْكَ شَيْءٌ، وَأَشُدُّ لَكَ ظَهْرَكَ، فَلَا يَهِدُّكَ شَيْءٌ، وَأَشُدُّ لَكَ رُكْنَكَ فَلَا يَغْلِبُكَ شَيْءٌ، وَأَشَدُّ لَكَ قَلْبَكَ فَلَا يَرُوعُكَ شَيْءٌ، وَأُسَخِّرُ لَكَ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ، فَأَجْعَلُهُمَا جُنْدًا مِنْ جُنَودِكَ، يَهْدِيكَ النُّورُ أَمَامَكَ، وَتَحُوطُكَ الظُّلْمَةُ مِنْ وَرَائِكَ، وَأَشَدُّ لَكَ عَقْلَكَ فَلَا يَهُولُكَ شَيْءٌ، وَأَبْسُطُ لَكَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ، فَتَسْطُو فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأُشُدُّ لَكَ وَطْأَتَكَ، فَتَهُدُّ كُلَّ شَيْءٍ، وَأُلْبِسُكَ الْهَيْبَةَ فَلَا يَرُومُكَ شَيْءٌ. وَلَمَّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، انْطَلَقَ يَؤُمُّ الْأُمَّةَ الَّتِي عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ، وَجَدَ جَمْعًا وَعَدَدًا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، وَقُوَّةً وَبَأْسًا لَا يُطِيقُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَأَلْسِنَةً مُخْتَلِفَةً وَأَهْوَاءً مُتَشَتِّتَةً، وَقُلُوبًا مُتَفَرِّقَةً، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ كَاثَرَهُمْ بِالظُّلْمَةِ، فَضَرَبَ حَوْلَهُمْ ثَلَاثَةَ عَسَاكِرَ مِنْهَا، فَأَحَاطَتْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَحَاشَتْهُمْ حَتَّى جَمَعَتْهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِالنُّورِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ، فَعَمَدَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا عَنْهُ، فَأَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الظُّلْمَةَ. فَدَخَلَتْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَأُنُوفِهِمْ وَآذَانِهِمْ وَأَجْوَافِهِمْ، وَدَخَلَتْ فِي بُيُوتِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَغَشِيَتْهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَمِنْ تَحْتِهِمْ وَمِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُمْ، فَمَاجُوا فِيهَا وَتَحَيَّرُوا، فَلَمَّا أَشْفَقُوا أَنْ يَهْلِكُوا فِيهَا عَجُّوا إِلَيْهِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ، فَكَشَفَهَا عَنْهُمْ وَأَخَذَهُمْ عَنْوَةً، فَدَخَلُوا فِي دَعْوَتِهِ، فَجَنَّدَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ أُمَمًا عَظِيمَةً، فَجَعَلَهُمْ جُنْدًا وَاحِدًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ يَقُودُهُمْ، وَالظُّلْمَةُ تَسُوقُهُمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ⦗٣٩٣⦘ وَتَحْرُسُهُمْ مِنْ حَوْلِهِمْ، وَالنُّورُ أَمَامَهُمْ يَقُودُهُمْ وَيَدُلُّهُمْ، وَهُوَ يَسِيرُ فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ الْيُمْنَى، وَهُوَ يُرِيدُ الْأُمَّةَ الَّتِي فِي قُطْرِ الْأَرْضِ الْأَيْمَنِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا هَاوِيلُ، وَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ يَدَهُ وَقَلْبَهُ وَرَأْيَهُ وَعَقْلَهُ وَنَظَرَهُ وَائْتِمَارَهُ، فَلَا يُخْطِئُ إِذَا ائْتُمِرَ، وَإِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَتْقَنَهُ. فَانْطَلَقَ يَقُودُ تِلْكَ الْأُمَمَ وَهِيَ تَتْبَعُهُ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَى بَحْرٍ أَوْ مَخَاضَةٍ بَنَى سُفُنًا مِنْ أَلْوَاحٍ صِغَارٍ أَمْثَالِ النِّعَالِ، فَنَظَمَهَا فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنْ تِلْكَ الْأُمَمِ وَتِلْكَ الْجُنُودِ، فَإِذَا قَطَعَ الْأَنْهَارَ وَالْبِحَارَ فَتَّقَهَا، ثُمَّ دَفَعَ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ لَوْحًا فَلَا يُكْرِثُهُ حَمْلُهُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ دَأْبُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى هَاوِيلَ، فَعَمِلَ فِيهَا كَعَمَلِهِ فِي نَاسَكَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا مَضَى عَلَى وَجْهِهِ فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ الْيُمْنَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْسَكٍ عِنْدَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَعَمِلَ فِيهَا وَجَنَّدَ مِنْهَا جُنُودًا، كَفِعْلِهِ فِي الْأُمَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا، ثُمَّ كَرَّ مُقْبِلًا فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ الْيُسْرَى، وَهُوَ يُرِيدُ تَاوِيلَ وَهِيَ الْأُمَّةُ الَّتِي بِحِيَالِ هَاوِيلَ، وَهُمَا مُتَقَابِلَتَانِ بَيْنَهُمَا عَرْضُ الْأَرْضِ كُلُّهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَمِلَ فِيهَا، وَجَنَّدَ مِنْهَا كَفِعْلِهِ فِيمَا قَبْلَهَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا عَطَفَ مِنْهَا إِلَى الْأُمَمِ الَّتِي وَسَطَ الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَسَائِرِ النَّاسِ، وَيَأْجُوجُ ⦗٣٩٤⦘ وَمَأْجُوجُ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مَا يَلِي مُنْقَطَعَ التُّرْكِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، قَالَتْ لَهُ أُمَّةٌ مِنَ الْإِنْسِ صَالِحَةٌ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، إِنَّ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ خَلْقًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مُشَابِهِ لِلْإِنْسٍ، وَهُمْ أَشْبَاهُ الْبَهَائِمِ، يَأْكُلُونَ الْعُشْبَ، وَيَفْتَرِسُونَ الدَّوَابَّ وَالْوُحُوشَ كَمَا تَفْتَرِسُهَا السِّبَاعُ، وَيَأْكُلُونَ خَشَاشَ الْأَرْضِ كُلِّهَا مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، وَكُلَّ ذِي رُوحٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لِلَّهِ خَلْقٌ يَنْمُو نَمَاءَهُمْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَزْدَادُ كَزِيَادَتِهِمْ، وَلَا يَكْثُرُ كَكَثْرَتِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ مُدَّةٌ عَلَى مَا نَرَى مِنْ نَمَائِهِمْ وَزِيَادَتِهِمْ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ سَيَمْلَئُونَ الْأَرْضَ، وَيُجْلُونَ أَهْلَهَا عَنْهَا وَيَظْهَرُونَ عَلَيْهَا فَيُفْسِدُونَ فِيهَا، وَلَيْسَتْ تَمُرُّ بِنَا سَنَةٌ مُنْذُ جَاوَرْنَاهُمْ إِلَّا وَنَحْنُ نَتَوَقَّعُهُمْ، وَنَنْتَظِرُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْنَا أَوَائِلُهُمْ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥] أَعِدُّوا إِلَيَّ الصُّخُورَ وَالْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ حَتَّى أَرْتَادَ بِلَادَهُمْ، وَأَعْلَمَ عِلْمَهُمْ، وَأَقْيَسَ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهِمْ. ثُمَّ انْطَلَقَ يَؤُمُّهُمْ حَتَّى دَفَعَ إِلَيْهِمْ وَتَوَسَّطَ بِلَادَهُمْ، فَوَجَدَهُمْ عَلَى مِقْدَارٍ وَاحِدٍ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، مَبْلَغُ طُولِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مِثْلُ نِصْفِ الرَّجُلِ الْمَرْبُوعِ مِنَّا، لَهُمْ مَخَالِبُ فِي مَوْضِعِ الْأَظْفَارِ مِنْ أَيْدِينَا، وَأَضْرَاسٌ وَأَنْيَابٌ كَأَضْرَاسِ السِّبَاعِ وَأَنْيَابِهَا، وَأَحْنَاكٌ كَأَحْنَاكِ الْإِبِلِ ⦗٣٩٥⦘ قُوَّةً تُسْمَعُ لَهَا حَرَكَةٌ إِذَا أَكَلُوا كَحَرَكَةِ الْجِرَّةِ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ كَقَضْمِ الْفَحْلِ الْمُسِنِّ، أَوِ الْفَرَسِ الْقَوِيِّ، وَهُمْ هُلْبٌ، عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّعْرِ فِي أَجْسَادِهِمْ مَا يُوَارِيهِمْ، وَمَا يَتَّقُونَ بِهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ إِذَا أَصَابَهُمْ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أُذُنَانِ عَظِيمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا وَبَرَةٌ ظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا، وَالْأُخْرَى زُغْبَةٌ ظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا، تَسِعَانِهِ إِذَا لَبِسَهُمَا، يَلْتَحِفُ إِحْدَاهُمَا، وَيَفْتَرِشُ الْأُخْرَى، وَيَصِيفُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَيَشْتَى فِي الْأُخْرَى، وَلَيْسَ مِنْهُمْ ذَكَرٌ وَلَا أُنْثَى إِلَّا وَقَدْ عَرَفَ أَجَلَهُ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ، وَمُنْقَطَعَ عُمْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ مَيِّتٌ مِنْ ذُكُورِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ صُلْبِهِ أَلْفُ وَلَدٍ، وَلَا تَمُوتُ الْأُنْثَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ رَحِمِهَا أَلْفُ وَلَدٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، وَهُمْ يُرْزَقُونَ التِّنِّينَ أَيَّامَ الرَّبِيعِ، وَيَسْتَمْطِرُونَهُ إِذَا تَحَّيَنُوهُ كَمَا نَسْتَمْطِرُ الْغَيْثَ لِحِينِهِ، فَيَقْذِفُونَ مِنْهُ كُلَّ سَنَةٍ بِوَاحِدٍ، فَيَأْكُلُونَهُ عَامَهُمْ كُلَّهُ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَيُغْنِيهِمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ وَنَمَائِهِمْ، فَإِذَا أُمْطِرُوا وَأَخْصَبُوا وَعَاشُوا وَسَمِنُوا، وَرُئِيَ أَثَرُهُ عَلَيْهِمْ، فَدَرَّتْ عَلَيْهِمُ الْإِنَاثُ، وَشَبِقَتْ مِنْهُمُ الرِّجَالُ الذُّكُورُ، ⦗٣٩٦⦘ وَإِذَا أَخْطَأَهُمْ هَزُلُوا وَأَجْدَبُوا، وَجَفَرَتِ الذُّكُورُ، وَحَالَتِ الْإِنَاثُ، وَتَبَيَّنَ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يَتَدَاعَوْنَ تَدَاعِي الْحَمَامِ، وَيَعْوُونَ عُوَاءَ الْكِلَابِ، وَيَتَسَافَدُونَ حَيْثُ الْتَقَوْا تَسَافُدَ الْبَهَائِمِ. فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ انْصَرَفَ إِلَى مَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ، فَقَاسَ مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ فِي مُنْقَطَعِ أَرْضِ التُّرْكِ مَا يَلِي مُشْرِقَ الشَّمْسِ، فَوَجَدَ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا مِائَةُ فَرْسَخٍ، فَلَمَّا أَنْشَأَ فِي عَمَلِهِ، حَفَرَ لَهُ أَسَاسًا حَتَّى بَلَغَ الْمَاءَ، ثُمَّ جَعَلَ عَرَضَهُ خَمْسِينَ فَرْسَخًا، وَجَعَلَ حَشْوَهُ الصُّخُورَ، وَطِينَهُ النَّحَّاسَ، يُذَابُ ثُمَّ يُصُبُّ عَلَيْهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عِرْقٌ مِنْ جَبَلٍ تَحْتَ الْأَرْضِ، ثُمَّ عَلَاهُ وَشَرَفَهُ بِزُبُرِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ الْمُذَابِ، وَجَعَلَ خِلَالَهُ عِرْقًا مِنْ نُحَاسِ أَصْفَرَ، فَصَارَ كَأَنَّهُ بُرْدٌ مُحَبَّرٌ مِنْ صُفْرَةِ النُّحَاسِ وَحُمْرَتِهِ وَسَوَادِ الْحَدِيدِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ وَأَحْكَمَهُ، انْطَلَقَ عَامِدًا إِلَى جَمَاعَةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ، دَفَعَ إِلَى أُمَّةٍ صَالِحَةٍ يُهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، فَوَجَدَ أُمَّةً مُقْسِطَةً مُقْتَصِدَةً، يَقْسِمُونَ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَحْكُمُونَ بِالْعَدْلِ، وَيَتَآسَوْنَ وَيَتَرَاحَمُونَ، حَالُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَأَخْلَاقُهُمْ مُشْتَبِهَةٌ، وَطَرِيقَتُهُمْ مُسْتَقِيمَةٌ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَأَلِّفَةٌ، وَسِيرَتُهُمْ حَسَنَةٌ، وَقُبُورُهُمْ بِأَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَى بُيُوتِهِمْ أَبْوَابٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أُمَرَاءُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ قُضَاةٌ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ أَغْنِيَاءُ، وَلَا مُلُوكٌ، وَلَا أَشْرَافٌ، وَلَا يَتَفَاوَتُونَ، وَلَا يَتَفَاضَلُونَ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ، وَلَا يَتَنَازَعُونَ، وَلَا يَسْتَّبُونَ، وَلَا يَقْتَتِلُونَ، وَلَا يَقْحَطُونَ، وَلَا يَحْرِدُونَ، وَلَا تُصِيبُهُمُ الْآفَاتُ ⦗٣٩٧⦘ الَّتِي تُصِيبُ النَّاسَ، وَهُمْ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْمَارًا، وَلَيْسَ فِيهِمْ مِسْكِينٌ، وَلَا فَقِيرٌ، وَلَا فَظٌّ، وَلَا غَلِيظٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ أَمْرِهِمْ، عَجِبَ مِنْهُ وَقَالَ: أَخْبِرُونِي أَيُّهَا الْقَوْمُ خَبَرَكُمْ، فَإِنِّي قَدْ أَحْصَيْتُ الْأَرْضَ كُلَّهَا بَرَّهَا وَبَحْرَهَا، وَشَرْقَهَا وَغَرْبَهَا، وَنُورَهَا وَظُلْمَتَهَا، فَلَمْ أَجِدْ مِثْلَكُمْ، فَأَخْبِرُونِي خَبَرَكُمْ، قَالُوا: نَعَمْ، فَسَلْنَا عَمَّا تُرِيدُ، قَالَ: أَخْبِرُونِي، مَا بَالُ قُبُورِ مَوْتَاكُمْ عَلَى أَبْوَابِ بُيُوتِكُمْ؟ قَالُوا: عَمْدًا فَعَلْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا نَنْسَى الْمَوْتَ، وَلَا يَخْرُجُ ذِكْرُهُ مِنْ قُلُوبِنَا، قَالَ: فَمَا بَالُ بُيُوتِكُمْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَبْوَابٌ؟ قَالُوا: لَيْسَ فِينَا مُتَّهَمٌ، وَلَيْسَ مِنَّا إِلَّا أَمِينٌ مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: فَمَا لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ؟ قَالُوا: لَا نَتَظَالَمُ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ حَكَّامٌ؟ قَالُوا: لَا نَخْتَصِمُ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ أَغْنِيَاءُ؟ قَالُوا: لَا نَتَكَاثَرُ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ مُلُوكٌ؟ قَالُوا: لَا نَتَكَابَرُ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَتَنَازَعُونَ وَلَا تَخْتَلِفُونَ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أُلْفَةِ قُلُوبِنَا وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِنَا، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَسْتَبُّونَ وَلَا تَقْتَتِلُونَ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا غَلَبْنَا طَبَائِعَنَا بِالْعَزْمِ، وَسُسْنَا أَنْفُسَنَا بِالْأَحْلَامِ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ كَلِمَتُكُمْ وَاحِدَةٌ، وَطَرِيقَتُكُمْ مُسْتَقِيمَةٌ مُسْتَوِيَةٌ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَا نَتَكَاذَبُ، وَلَا نَتَخَادَعُ، وَلَا يَغْتَابُ بَعْضُنَا بَعْضًا، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي مِنْ أَيْنَ تَشَابَهَتْ قُلُوبُكُمْ، وَاعْتَدَلَتْ سِيرَتُكُمْ؟ قَالُوا: صَحَّتْ صُدُورُنَا، فَنُزِعَ بِذَلِكَ الْغِلُّ وَالْحَسَدُ مِنْ قُلُوبِنَا، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ مِسْكِينٌ وَلَا فَقِيرٌ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَقْتَسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَيْسَ فِيكُمْ فَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ الذُّلِّ وَالتَّوَاضُعِ، قَالَ: فَمَا جَعَلَكُمْ أَطْوَلَ النَّاسِ أَعْمَارًا؟ قَالُوا: مِنْ ⦗٣٩٨⦘ قِبَلِ أَنَّا نَتَعَاطَى الْحَقَّ وَنَحْكُمُ بِالْعَدْلِ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تُقْحَطُونَ؟ قَالُوا: لَا نَغْفُلُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تَحْرِدُونَ؟ قَالُوا: مِنْ قِبَلِ أَنَّا وَطَّأْنَا أَنْفُسَنَا لِلْبَلَاءِ مُنْذُ كُنَّا، وَأَحْبَبْنَاهُ وَحَرَصْنَا عَلَيْهِ، فَعَرِينَا مِنْهُ، قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ لَا تُصِيبُكُمُ الْآفَاتُ كَمَا تُصِيبُ النَّاسَ؟ قَالُوا: لَا نَتَوَكَّلُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ، وَلَا نَعْمَلُ بِالْأَنْوَاءِ وَالنُّجُومِ، قَالَ: حَدِّثُونِي أَهَكَذَا وَجَدْتُمْ آبَاءَكُمْ يَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا يَرْحَمُونَ مَسَاكِينَهُمْ، وَيُواسُونَ فُقَرَاءَهُمْ، وَيَعْفُونَ عَمَّنْ ظَلَمَهُمْ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِمْ، وَيَحْلُمُونَ عَمَّنْ جَهِلَ عَلَيْهِمْ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ سَبَّهُمْ، وَيَصِلُّونَ أَرْحَامَهُمْ، وَيُؤَدُّونَ أَمَانَاتِهُمْ، وَيَحْفَظُونَ وَقْتَهُمْ لِصَلَاتِهِمْ، وَيُوَفُّونَ بِعُهُودِهِمْ، وَيَصْدُقُونَ فِي مَوَاعِيدِهِمْ، وَلَا يَرْغَبُونَ عَنْ أَكْفَائِهِمْ، وَلَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ أَقَارِبِهِمْ، فَأَصْلَحَ اللَّهُ لَهُمْ بِذَلِكَ أَمْرَهُمْ، وَحَفِظَهُمْ مَا كَانُوا أَحْيَاءً، وَكَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَحْفَظَهُمْ فِي تَرِكَتِهِمْ
١٥ / ٣٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَحْفِرُونَ السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ ارْجِعُوا فَتَحْفِرُونَهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ وَهُوَ ⦗٣٩٩⦘ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ تَرَكُوهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الْوَقْتُ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُنْشِفُونَ الْمِيَاهَ، وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدِّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الْأَرْضِ، وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَتَقْتُلُهُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ مِنْ لُحُومِهِمْ»
١٥ / ٣٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الظَّفَرِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٦] فَيَغْشَوْنَ الْأَرْضَ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ إِلَى مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ، فَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَمُرُّ بِالنَّهْرِ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهِ، حَتَّى يَتْرُكُوهُ يَابِسًا، حَتَّى إِنَّ مَنْ بَعْدَهُمْ لَيَمُرُّ بِذَلِكَ النَّهْرِ، ⦗٤٠٠⦘ فَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ هَا هُنَا مَاءٌ مَرَّةً، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إِلَّا انْحَازَ إِلَى حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ، قَالَ قَائِلُهُمْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْأَرْضِ قَدْ فَرَغْنَا مِنْهُمْ، بَقِيَ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ يَهُزُّ أَحَدُهُمْ حَرْبَتَهُ، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ إِلَيْهِ مُخَضَّبَةً دَمًا لِلْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُودًا فِي أَعْنَاقِهِمْ كَالنَّغَفِ، فَتَخْرُجُ فِي أَعْنَاقِهِمْ فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى، لَا يُسْمَعُ لَهُمْ حِسٌّ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: أَلَا رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ، فَيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْعَدُوُّ، قَالَ: فَيَتَجَرَّدُ رَجُلٌ مِنْهُمْ لِذَلِكَ مُحْتَسِبًا لِنَفْسِهِ، قَدْ وَطَّنَهَا عَلَى أَنَّهُ مَقْتُولٌ، فَيَنْزِلُ فَيَجِدُهُمْ مَوْتَى، بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيُنَادِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَلَا أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاكُمْ عَدُوَّكُمْ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ، وَيُسَرِّحُونَ مَوَاشِيهِمْ، فَمَا يَكُونُ لَهَا رَعْي إِلَّا لُحُومَهُمْ، فَتَشْكَرُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا شَكَرَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ أَصَابَتْ قَطُّ»
١٥ / ٣٩٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: ٩٤] قَالَ: كَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُولَدَ لِصُلْبِهِ أَلْفُ رَجُلٍ»
١٥ / ٤٠٠
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَعْجَبُ مِنْ كَثْرَتِهِمْ وَيَقُولُ: لَا يَمُوتُ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَحَدٌ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفُ رَجُلٍ مِنْ صُلْبِهِ
١٥ / ٤٠٠
حَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، وَشُرَيْحُ بْنُ عُبَيْدٍ: أَنَّ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ، ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ طُولُهُمْ كَطُولِ الْأَرْزِ، وَصِنْفٌ طُولُهُ وَعَرْضُهُ سَوَاءٌ، وَصِنْفٌ يَفْتَرِشُ أَحَدُهُمْ أُذُنَهُ وَيَلْتَحِفُ بِالْأُخْرَى فَتُغَطِّي سَائِرَ جَسَدِهِ
١٥ / ٤٠١
فَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهِ فِي قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِذِي الْقَرْنَيْنِ ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: ٩٤] إِنَّمَا أَعْلَمُوهُ خَوْفَهُمْ مَا يَحْدُثُ مِنْهُمْ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، لَا أَنَّهُمْ شَكَوْا مِنْهُمْ فَسَادًا كَانَ مِنْهُمْ فِيهِمْ أَوْ فِي غَيْرِهِمْ، وَالْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ سَيَكُونُ مِنْهُمُ الْإِفْسَادُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا أَنَّهُمْ قَدْ كَانَ مِنْهُمْ قَبْلَ إِحْدَاثِ ذِي الْقَرْنَيْنِ السَّدَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي النَّاسِ غَيْرِهِمْ إِفْسَادٌ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِالَّذِي بَيَّنَّا، فَالصَّحِيحُ مِنْ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الكهف: ٩٤] إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
١٥ / ٤٠١
وَقَوْلُهُ ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ [الكهف: ٩٤] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ [الكهف: ٩٤] كَأَنَّهُمْ نَحَوْا بِهِ نَحْوَ الْمَصْدَرِ مِنْ خَرْجِ الرَّأْسِ، وَذَلِكَ جَعْلُهُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ
١٥ / ٤٠١
: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا) بِالْأَلِفِ، وَكَأَنَّهُمْ نَحَوْا بِهِ نَحْوَ الِاسْمِ، وَعَنَوْا بِهِ أُجْرَةً عَلَى بِنَائِكَ لَنَا سَدًّا بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا) بِالْأَلِفِ، لِأَنَّ الْقَوْمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ، إِنَّمَا عَرَضُوا عَلَى ذِي الْقَرْنَيْنِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى بِنَاءِ السَّدِّ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥] وَلَمْ يَعْرِضُوا عَلَيْهِ جِزْيَةَ رُءُوسِهِمْ. وَالْخَرَاجُ عِنْدَ الْعَرَبِ: هُوَ الْغَلَّةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٤٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا» قَالَ: أَجْرًا ﴿عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ [الكهف: ٩٤]
١٥ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا» قَالَ: أَجْرًا
١٥ / ٤٠٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ⦗٤٠٣⦘ قَوْلُهُ: «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا» قَالَ: أَجْرًا وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾ [الكهف: ٩٤] يَقُولُ: قَالُوا لَهُ: هَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا حَتَّى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ حَاجِزًا يَحْجِزَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْنَا. وَهُوَ السَّدُّ.
١٥ / ٤٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: الَّذِي مَكَّنَنِي فِي عَمَلِ مَا سَأَلْتُمُونِي مِنَ السَّدِّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ رَبِّي وَوَطَّأَهُ لِي، وَقَوَّانِي عَلَيْهِ، خَيْرٌ مِنْ جَعْلِكُمْ وَالْأُجْرَةِ الَّتِي تَعْرِضُونَهَا عَلَيَّ لِبِنَاءِ ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ وَأَطْيَبُ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي مِنْكُمْ بِقُوَّةٍ، أَعِينُونِي بِفَعَلَةٍ وَصُنَّاعٍ يُحْسِنُونَ الْبِنَاءَ وَالْعَمَلَ. كَمَا:
١٥ / ٤٠٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾ [الكهف: ٩٥] قَالَ: بِرِجَالٍ ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥] وَقَالَ ﴿مَا مَكَّنِّي﴾ [الكهف: ٩٥]، فَأَدْغَمَ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا هُوَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥] يَقُولُ: أَجْعَلُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ يَأْجُوجَ ⦗٤٠٤⦘ وَمَأْجُوجَ رَدْمًا. وَالرَّدْمُ: حَاجِزُ الْحَائِطِ وَالسَّدِّ، إِلَّا أَنَّهُ أَمْنَعُ مِنْهُ وَأَشَدُّ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ رَدَمَ فُلَانٌ مَوْضِعَ كَذَا يَرْدِمُهُ رَدْمًا وَرُدَامًا وَيُقَالُ أَيْضًا: رَدَّمَ ثَوْبَهُ يُرَدِّمُهُ، وَهُوَ ثَوْبٌ مُرَدَّمٌ: إِذَا كَانَ كَثِيرَ الرِّقَاعِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ … أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
[البحر الكامل] هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ … أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ / ٤٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥] قَالَ: هُوَ كَأَشَدِّ الْحِجَابِ
١٥ / ٤٠٤