سُورَةُ الْكَهْفِ 2

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مُقَاتِلٍ، ﴿فَابْعَثُوا أَحَدُكُمْ بَوِرِقِكُمْ هَذِهِ﴾ [الكهف: ١٩] اسْمُهُ يَمْلِيخُ
١٥ ‏/ ٢١٢
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ [الكهف: ١٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ فَلْيَنْظُرْ أَيَّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَكْثَرُ طَعَامًا
١٥ ‏/ ٢١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ ⦗٢١٣⦘ عِكْرِمَةَ، ﴿أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ [الكهف: ١٩] قَالَ: أَكْثَرُ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهُ أَكْثَرُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: أَيُّهَا أَحَلُّ طَعَامًا
١٥ ‏/ ٢١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ [الكهف: ١٩] قَالَ: أَحَلُّ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: أَيُّهَا خَيْرٌ طَعَامًا
١٥ ‏/ ٢١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَزْكَى طَعَامًا﴾ [الكهف: ١٩] قَالَ: خَيْرٌ طَعَامًا وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَحَلُّ وَأَطْهَرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى فِي اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ طَعَامًا لِلشِّرَاءِ مِنْهُ إِلَّا بِمَعْنَى إِذَا كَانَ
١٥ ‏/ ٢١٣
أَكْثَرَهُمْ طَعَامًا، كَانَ خَلِيقًا أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَهُ أَوْجَدَ، وَإِذَا شُرِطَ عَلَى الْمَأْمُورِ الشِّرَاءُ مِنْ صَاحِبِ الْأَفْضَلِ، فَقَدْ أُمِرَ بِشَرَاءِ الْجَيِّدِ، كَانَ مَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ قَلِيلًا الْجَيِّدُ أَوْ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا وَجَّهَ مَنْ وَجَّهَ تَأْوِيلَ أَزْكَى إِلَى الْأَكْثَرِ، لِأَنَّهُ وَجَدَ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَدْ زَكَا مَالُ فُلَانٍ: إِذَا كَثُرَ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] قَبَائِلُنَا سَبْعٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ … وَلَلسَّبْعُ أَزْكَى مِنْ ثَلَاثٍ وَأَطْيَبُ
بِمَعْنَى: أَكْثَرُ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَلَالَ الْجَيِّدَ وَإِنَّ قَلَّ أَكْثَرُ مِنَ الْحَرَامِ الْخَبِيثِ وَإِنْ كَثُرَ. وَقِيلَ: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا﴾ [الكهف: ١٩] فَأُضِيفَ إِلَى كِنَايَةِ الْمَدِينَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَهْلُهَا، لِأَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلَامِ: فَلْيَنْظُرْ أَيَّ أَهْلِهَا أَزْكَى طَعَامًا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِالْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا عَنَوْا بِقَوْلِهِمْ ﴿أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ [الكهف: ١٩] أَيُّهَا أَحَلُّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فَارَقُوا قَوْمَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ، فَلَمْ يَسْتَجِيزُوا أَكْلَ ذَبِيحَتِهِمْ
١٥ ‏/ ٢١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَليَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾ [الكهف: ١٩] يَقُولُ: فَلْيَأْتِكُمْ بِقُوتٍ مِنْهُ تَقْتَاتُونَهُ، وَطَعَامٌ تَأْكُلُونَهُ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، ﴿فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾ [الكهف: ١٩] قَالَ: بِطَعَامٍ
١٥ ‏/ ٢١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ [الكهف: ١٩] يَقُولُ: وَليَتَرَفَّقْ فِي شِرَائِهِ مَا يَشْتَرِي، وَفِي طَرِيقِهِ وَدُخُولِهِ الْمَدِينَةَ. ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١٩] يَقُولُ: وَلَا يُعْلِمَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ⦗٢١٥⦘ مِنَ النَّاسِ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾ [الكهف: ٢٠] يَعْنُونَ بِذَلِكَ: دقينوس وَأَصْحَابَهُ، قَالُوا: إِنَّ دقينوس وَأَصْحَابَهُ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ، فَيَعْلَمُوا مَكَانَكُمْ، يَرْجُمُوكُمْ شَتْمًا بِالْقَوْلِ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢١٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾ [الكهف: ٢٠] قَالَ: يَشْتُمُوكُمْ بِالْقَوْلِ، يُؤْذُوكُمْ
١٥ ‏/ ٢١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٠] يَقُولُ: أَوْ يَرُدُّوكُمْ فِي دِينِهِمْ، فَتَصِيرُوا كُفَّارًا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. ﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٢٠] يَقُولُ: وَلَنْ تُدْرِكُوا الْفَلَاحَ، وَهُوَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ وَالْخُلُودُ فِي الْجِنَانِ، إِذَنْ: أَيْ إِنْ أَنْتُمْ عُدْتُمْ فِي مِلَّتِهِمْ. أَبَدًا: أَيَّامَ حَيَاتِكُمْ
١٥ ‏/ ٢١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا بَعَثْنَاهُمْ بَعْدَ طُولِ رَقْدَتِهِمْ كَهَيْئَتِهِمْ سَاعَةَ رَقَدُوا، لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ، فَيَزْدَادُوا بِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ بَصِيرَةً، وَبِحُسْنِ دِفَاعِ اللَّهِ عَنْ أَوْلِيَائِهِ مَعْرِفَةً ﴿كَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] يَقُولُ: كَذَلِكَ أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمُ الْفَرِيقَ الْآخَرَ الَّذِينَ كَانُوا فِي شَكٍّ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَفِي مِرْيَةٍ مِنْ إِنْشَاءِ أَجْسَامِ ⦗٢١٦⦘ خَلْقِهِ، كَهَيْئَتِهِمْ يَوْمَ قَبَضَهُمْ بَعْدَ الْبِلَى، فَيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَيُوقِنُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] يَقُولُ: أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمَ مَنْ كَذَّبَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا
١٥ ‏/ ٢١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمَرَهُمْ﴾ [الكهف: ٢١] . يَعْنِي: الَّذِينَ أُعْثِرُوا عَلَى الْفِتْيَةِ. يَقُولُ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِيَامِ السَّاعَةِ، وَإِحْيَاءِ اللَّهِ الْمَوْتَى بَعْدَ مَمَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِ تيذوسيس، حِينَ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فِيمَا اللَّهُ فَاعِلٌ بِمَنْ أَفْنَاهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَبْلَاهُ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، أَمُنْشِئُهُمْ هُوَ أَمْ غَيْرُ مُنْشِئِهِمْ؟
١٥ ‏/ ٢١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا﴾ [الكهف: ٢١] يَقُولُ: فَقَالَ الَّذِينَ أَعْثَرْنَاهُمْ عَلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ: ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] يَقُولُ: رَبُّ الْفِتْيَةِ أَعْلَمُ بِالْفِتْيَةِ وَشَأْنِهِمْ. ⦗٢١٧⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ الْقَوْمُ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١] . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ، أَهُمُ الرَّهْطُ الْمُسْلِمُونَ، أَمْ هُمُ الْكُفَّارُ؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا لَمْ يَمْضِ مِنْهُ
١٥ ‏/ ٢١٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١] قَالَ: يَعْنِي عَدُوِّهِمْ
١٥ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: عَمَّى اللَّهُ عَلَى الَّذِينَ أَعْثَرَهُمْ عَلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ مَكَانَهُمْ، فَلَمْ يَهْتَدُوا، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: نَبْنِي عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا، فَإِنَّهُمْ أَبْنَاءُ آبَائِنَا، وَنَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: بَلْ نَحْنُ أَحَقُّ بِهِمْ، هُمْ مِنَّا، نَبْنِي عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا نُصَلِّي فِيهِ، وَنَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ
١٥ ‏/ ٢١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبِهِمْ وَيَقُولُونَ ⦗٢١٨⦘ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبِهِمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَيَقُولُ بَعْضُ الْخَائِضِينَ فِي أَمْرِ الْفِتْيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، هُمْ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُمْ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ: قَذْفًا بِالظَّنِّ غَيْرَ يَقِينِ عِلْمٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَأَجْعَلُ مِنِّي الْحَقَّ غَيْبًا مُرَجَّمَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] أَيْ قَذْفًا بِالْغَيْبِ
١٥ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: قَذْفًا بِالظَّنِّ
١٥ ‏/ ٢١٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ: وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُمْ ﴿سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِقَائِلِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي عَدَدِ الْفِتْيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ رَجْمًا ⦗٢١٩⦘ مِنْهُمْ بِالْغَيْبِ: ﴿رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ: مَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ ﴿إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [النساء: ٦٦] مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿مَا يُعَلِّمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ: قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْقَلِيلِ: أَهْلَ الْكِتَابِ
١٥ ‏/ ٢١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ
١٥ ‏/ ٢١٩
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنَا مِمَّنِ اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ، وَيَقُولُ: عِدَّتُهُمْ سَبْعَةٌ
١٥ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: أَنَا مِنَ الْقَلِيلِ، كَانُوا سَبْعَةً
١٥ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: أَنَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ الَّذِينَ اسْتَثنى اللَّهُ، كَانُوا سَبْعَةً وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ
١٥ ‏/ ٢١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عِدَّتِهِمْ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، وَأَنَا مِمَّنِ اسْتَثنى اللَّهُ
١٥ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنَا مِنَ الْقَلِيلِ، هُمْ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ
١٥ ‏/ ٢٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَلَا تُمَارِ يَا مُحَمَّدُ: يَقُولُ: لَا تُجَادِلْ أَهْلَ الْكِتَابِ فِيهِمْ، يَعْنِي فِي عِدَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ، وَحُذِفَتِ الْعِدَّةُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِمْ فِيهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِالْمُرَادِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: لَا تُمَارِ فِي عِدَّتِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمِرَاءِ الظَّاهِرِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ، وَرَخَّصَ فِيهِ لِنَبِيِّهِ ﷺ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُمَارِيهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ
١٥ ‏/ ٢٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مُرَاءٍ ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ: حَسْبُكَ مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ
١٥ ‏/ ٢٢١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ: إِلَّا بِمَا قَدْ أَظْهَرْنَا لَكَ مِنْ أَمْرِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مَرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] أَيْ حَسْبُكَ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٢١
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: حَسْبُكَ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٢١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ: حَسْبُكَ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَقَالَ آخَرُونَ: الْمِرَاءُ الظَّاهِرُ هُوَ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ
١٥ ‏/ ٢٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، لَيْسَ تَعْلَمُونَ عِدَّتَهُمْ إِنْ قَالُوا كَذَا وَكَذَا فَقُلْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ عِدَّتَهُمْ، وَقَرَأَ: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] حَتَّى بَلَغَ ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢]
١٥ ‏/ ٢٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا تَسْتَفْتِ فِي عِدَّةِ الْفِتْيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ مِنْهُمْ، يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدًا، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ عِدَّتَهُمْ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ فِيهِمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ، لَا يَقِينًا مِنَ الْقَوْلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ
١٥ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٢٣⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] مِنْ يَهُودَ
١٥ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] مِنْ يَهُودَ، قَالَ: وَلَا تَسْأَلْ يَهُودَ عَنْ أَمْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، إِلَّا مَا قَدْ أَخْبَرْتُكَ مِنْ أَمْرِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُمْ كَانُوا بَنِي الركنا، وَالركنا: مُلُوكُ الرُّومِ، رَزَقَهُمُ اللَّهُ الْإِسْلَامَ، فَتَفَرَّدُوا بِدِينِهِمْ، وَاعْتَزَلُوا قَوْمَهُمْ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْكَهْفِ، فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَصْمِخَتِهِمْ، فَلَبِثُوا دَهْرًا طَوِيلًا حَتَّى هَلَكَتْ أُمَّتُهُمْ وَجَاءَتْ أُمَّةٌ مَسْلَمَةٌ بَعْدَهُمْ، وَكَانَ مَلِكُهُمْ مُسْلِمًا
١٥ ‏/ ٢٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ [الكهف: ٢٤] وَهَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ عَهِدَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَجْزِمَ عَلَى مَا يَحْدُثُ
١٥ ‏/ ٢٢٣
مِنَ الْأُمُورِ أَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، إِلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ. وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وَعَدَ سَائِلِيهِ عَنِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ اللَّوَاتِي قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى، اللَّوَاتِي إِحْدَاهُنَّ الْمَسْأَلَةُ عَنْ أَمْرِ الْفِتْيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَنْ يُجِيبَهُمْ عَنْهُنَّ غَدَ يَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَاحْتُبِسَ الْوَحْي عَنْهُ فِيمَا قِيلَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ، حَتَّى حَزَّنَهُ إِبْطَاؤُهُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَوَّابَ عَنْهُنَّ، وَعَرَفَ نَبِيَّهُ سَبَبَ احْتِبَاسِ الْوَحْيِ عَنْهُ، وَعَلَّمَهُ مَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي عِدَاتِهِ وَخَبُرُهُ عَمَّا يَحْدُثُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ يَأْتِهِ مِنَ اللَّهِ بِهَا تَنْزِيلٌ، فَقَالَ: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ﴾ [الكهف: ٢٣] يَا مُحَمَّدُ ﴿لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ [الكهف: ٢٣] كَمَا قُلْتَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَأَلُوكَ عَنْ أَمْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَالْمَسَائِلِ الَّتِي سَأَلُوكَ عَنْهَا، سَأُخْبِرُكُمْ عَنْهَا غَدًا ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] . وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِلَّا أَنْ تَقُولَ مَعَهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَتَرْكُ ذِكْرَ تَقُولُ اكْتِفَاءً بِمَا ذُكِرَ مِنْهُ، إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ
١٥ ‏/ ٢٢٤
اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْقَوْلِ، لَا مِنَ الْفِعْلِ كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ: لَا تَقُولَنَّ قَوْلًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ، وَهَذَا وَجْهٌ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ بِالظَّاهِرِ مِنَ التَّنْزِيلِ مَعَ خِلَافِهِ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاسْتَثْنِ فِي يَمِينِكَ إِذَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ نَسِيتَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْيَمِينِ
١٥ ‏/ ٢٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْحَرْبِيُّ، قَالَ: ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ، قَالَ لَهُ: أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ إِلَى سَنَةٍ، وَكَانَ يَقُولُ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] فِي ذَلِكَ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ سَمِعْتُهُ مِنْ مُجَاهِدٍ، فَقَالَ: ثني بِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، يَرَى ذَهَبَ كِسَائِي هَذَا
١٥ ‏/ ٢٢٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] الِاسْتِثْنَاءُ، ثُمَّ ⦗٢٢٦⦘ ذُكِرَتْ فَاسْتَثْنِ
١٥ ‏/ ٢٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْحَسَنَ، قَالَ: إِذَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا عَصَيْتَ
١٥ ‏/ ٢٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٤] قَالَ: اذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا عَصَيْتَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مِثْلَهُ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا تَرَكْتَ ذِكْرَهُ، لِأَنَّ أَحَدَ مَعَانِي النِّسْيَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التَّرْكُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ.
١٥ ‏/ ٢٢٦
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ فِي يَمِينِهِ إِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتُ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ حَالِ حَلِفِهِ؟ قِيلَ: بَلِ الصَّوَابُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَلَوْ بَعْدَ حِنْثِهِ فِي يَمِينِهِ، فَيَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِيَخْرُجَ بِقِيلِهِ ذَلِكَ مِمَّا أَلْزَمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَرَجُ بِتَرْكِهِ مَا أَمَرَهُ بِقِيلِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِحَالٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا بِيَمِينِهِ. فَإِنْ قَالَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، وَمَنْ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُمْ فِي ذَلِكَ نَحْوُ مَعْنَانَا فِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَوْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَأَنَّهُ بِاسْتِثْنَائِهِ وَقِيلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ حِينٍ مِنْ حَالِ حَلِفِهِ، يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَرَجُ الَّذِي لَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَانَ لَهُ لَازِمًا، فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَهُ لَازِمَةٌ بِالْحِنْثِ بِكُلِّ حَالٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاؤُهُ كَانَ مَوْصُولًا بِالْحَلِفِ، وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ قَائِلًا قَالَ مِمَّنْ قَالَ لَهُ الثُّنْيَا بَعْدَ حِينٍ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ يَضَعُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ إِذَا حَنِثَ، فَفِي ذَلِكَ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ فِيهِ، كَانَ نَحْوَ مَعْنَانَا فِيهِ
١٥ ‏/ ٢٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ [الكهف: ٢٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِينِيَ فَيُسَدِّدَنِي لِأَسَدَ مِمَّا وَعَدْتُكُمْ وَأَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ، إِنْ هُوَ شَاءَ. ⦗٢٢٨⦘ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَقُولَهُ إِذَا نَسِيَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كَلَامِهِ، الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ فِي أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعَ قَوْلِهِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِذَا ذَكَرَ
١٥ ‏/ ٢٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدٍ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ [الكهف: ٢٤] قَالَ فَقَالَ: وَإِذَا نَسِيَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَتَوْبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ كَفَّارَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: ﴿عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾ [الكهف: ٢٤]
١٥ ‏/ ٢٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: ٢٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦] وَقَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦] وَجْهٌ مَفْهُومٌ، وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ مَبْلَغَ لُبْثِهِمْ فِيهِ وَقَدْرَهُ
١٥ ‏/ ٢٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: ٢٥] هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَرَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
١٥ ‏/ ٢٢٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٥] قَالَ: فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَقَالُوا وَلَبِثُوا» يَعْنِي أَنَّهُ قَالَ النَّاسُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦]
١٥ ‏/ ٢٢٩
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ [الكهف: ٢٥] قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قَالَتْهُ الْيَهُودُ، فَرَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ مَبْلَغِ مَا لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا قَالَ: عَدَدَ مَا ⦗٢٣٠⦘ لَبِثُوا
١٥ ‏/ ٢٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦]
١٥ ‏/ ٢٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: ٢٥] قَالَ: وَتِسْعُ سِنِينَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِنَحْوِهِ
١٥ ‏/ ٢٣٠
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثني الْأَجْلَحُ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾ [الكهف: ٢٥] فَقَالُوا: أَيَّامًا أَوْ أَشْهُرًا أَوْ سِنِينَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: ٢٥]
١٥ ‏/ ٢٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ قَالَ: بَيْنَ جَبَلَيْنِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ ⦗٢٣١⦘ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَلَبِثَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ رُقُودًا إِلَى أَنْ بَعَثَهُمُ اللَّهُ، لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ، وَإِلَى أَنْ أَعْثَرَ عَلَيْهِمْ مَنْ أَعْثَرَ، ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَتِسْعَ سِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ بِذَلِكَ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ. وَأَمَّا الَّذِي ذُكِرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ «وَقَالُوا: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ» وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَالُوا فِيمَا ذُكِرَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ لِلْفِتْيَةِ مِنْ لَدُنْ دَخَلُوا الْكَهْفَ إِلَى يَوْمِنَا ثَلَاثُ مِائَةٍ سِنِينَ وَتِسْعُ سِنِينَ، فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْرُ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ مِنْ لَدُنْ أَوَوْا إِلَيْهِ إِلَى أَنْ بَعَثَهُمُ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا بَعْدَ أَنْ قَبَضَ أَرْوَاحَهُمْ، مِنْ بَعْدِ أَنْ بَعَثَهُمْ مِنْ رَقْدَتِهِمْ إِلَى يَوْمِهِمْ هَذَا، لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ، وَغَيْرُ مَنْ أَعْلَمُهُ اللَّهُ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؟ قِيلَ: الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْ قَدْرِ لُبْثِهِمْ فِي كَهْفِهِمُ ابْتِدَاءً، فَقَالَ: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: ٢٥] وَلَمْ يَضَعْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنْهُ عَنْ قَوْلِ قَوْمٍ قَالُوهُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُضَافَ خَبَرُهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ جَازَ فِي ⦗٢٣٢⦘ كُلِّ أَخْبَارِهِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي أَخْبَارِهِ جَازَ فِي أَخْبَارِ غَيْرِهِ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ أَنَّهَا أَخْبَارُهُ، وَذَلِكَ قَلْبُ أَعْيَانِ الْحَقَائِقِ وَمَا لَا يُخَيَّلُ فَسَادُهُ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ [الكهف: ٢٦] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٥] خَبَرٌ مِنْهُ عَنْ قَوْمٍ قَالُوهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ غَيْرَهُ، فَأَمَّا وَهُوَ مُحْتَمِلٌ مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا إِلَى يَوْمِ أَنْزَلْنَا هَذِهِ السُّورَةَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي فَغَيْرُ وَاجِبٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٥] خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قَوْمٍ قَالُوهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ خَبَرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٥] خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قَوْمٍ قَالُوهُ، وَلَا قَامَتْ بِصِحَّةِ ذَلِكَ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، صَحَّ مَا قُلْنَا، وَفَسَدَ مَا خَالَفَهُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ [الكهف: ٢٥] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ [الكهف: ٢٥] بِتَنْوِينِ: ثَلَاثِ مِائَةٍ، بِمَعْنَى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ سِنِينَ ثَلَاثَ مِائَةٍ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (ثَلَاثَ مِائَةِ سِنِينَ) بِإِضَافَةِ ثَلَاثِ مِائَةٍ إِلَى السِّنِينَ، غَيْرُ مُنَوَّنٍ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾ [الكهف: ٢٥] بِالتَّنْوِينِ ﴿سِنِينَ﴾ [الكهف: ٢٥] وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا تُضِيفُ الْمِائَةَ إِلَى مَا يُفَسِّرُهَا إِذَا جَاءَ تَفْسِيرُهَا بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ ثَلَاثُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَعِنْدِي مِائَةُ ⦗٢٣٣⦘ دِينَارٍ، لِأَنَّ الْمِائَةَ وَالْأَلْفَ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَالْعَرَبُ لَا تُفَسِّرُ ذَلِكَ إِلَّا بِمَا كَانَ بِمَعْنَاهُ فِي كَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَالْوَاحِدُ يُؤَدِّي عَنِ الْجِنْسِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْقَلِيلِ مِنَ الْعَدَدِ، وَإِنْ كَانَتِ الْعَرَبُ رُبَّمَا وَضَعَتِ الْجَمْعُ الْقَلِيلُ مَوْضِعَ الْكَثِيرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْكَثِيرِ. وَأَمَّا إِذَا جَاءَ تَفْسِيرُهَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَإِنَّهَا تُنَوَّنُ، فَتَقُولُ: عِنْدِي أَلْفُ دَرَاهِمَ، وَعِنْدِي مِائَةُ دَنَانِيرَ، عَلَى مَا قَدْ وَصَفْتُ
١٥ ‏/ ٢٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِلَّهِ عِلْمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، يَقُولُ: فَسَلَّمُوا لَهُ عِلْمَ مَبْلَغِ مَا لَبِثَتِ الْفِتْيَةُ فِي الْكَهْفِ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ سِوَى الَّذِي يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
١٥ ‏/ ٢٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ [الكهف: ٢٦] يَقُولُ: أَبْصِرْ بِاللَّهِ وَأَسْمِعْ، وَذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَبْصَرَهُ وَأَسْمَعَهُ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: مَا أَبْصَرَ اللَّهَ لِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَأَسْمَعَهُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ [الكهف: ٢٦] فَلَا أَحَدٌ أَبْصَرُ مِنَ اللَّهِ وَلَا أَسْمَعُ، تبارك وتعالى
١٥ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَبْصِرْ ⦗٢٣٤⦘ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ [الكهف: ٢٦] قَالَ: يَرَى أَعْمَالَهُمْ، وَيَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا
١٥ ‏/ ٢٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ [الكهف: ٢٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: مَا لِخَلْقِهِ دُونَ رَبِّهِمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَلِيُّ، يَلِي أَمْرَهُمْ وَتَدْبِيرَهُمْ، وَصَرْفَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مُصَرَّفُونَ. ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٦] يَقُولُ: وَلَا يَجْعَلُ اللَّهُ فِي قَضَائِهِ، وَحُكْمِهِ فِي خَلْقِهِ أَحَدًا سِوَاهُ شَرِيكًا، بَلْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ فِيهِمْ، وَتَدْبِيرِهِمْ وَتَصْرِيفِهِمْ فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ
١٥ ‏/ ٢٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاتَّبَعْ يَا مُحَمَّدُ مَا أُنْزَلَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ هَذَا، وَلَا تَتْرُكَنَّ تِلَاوَتَهُ وَاتِّبَاعَ مَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَالْعَمَلِ بِحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، فَتَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَصِيرَ مَنْ خَالَفَهُ، وَتَرَكَ اتِّبَاعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى جَهَنَّمَ ﴿لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الأنعام: ١١٥] يَقُولُ: لَا مُغَيِّرَ لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْكَ أَهْلُ مَعَاصِيهِ، وَالْعَامِلِينَ بِخِلَافِ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ
١٥ ‏/ ٢٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] يَقُولُ: وَإِنْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لَمْ تَتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ فَتَتْبَعُهُ وَتَأْتَمُّ بِهِ، فَنَالَكَ وَعِيدُ اللَّهِ الَّذِي أَوْعَدَ فِيهِ الْمُخَالِفِينَ حُدُودَهُ، لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَوْئِلًا تَئِلُ إِلَيْهِ وَمَعْدِلًا تَعْدِلُ عَنْهُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ مُحِيطَةٌ بِكَ وَبِجَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْهَرَبِ مِنْ أَمْرٍ أَرَادَ ⦗٢٣٥⦘ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ فِي الْبَيَانِ عَنْهُ
١٥ ‏/ ٢٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قَالَ: مَلْجَأً
١٥ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قَالَ: مَلْجَأً حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قَالَ: مَوْئِلًا
١٥ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قَالَ: مَلْجَأً وَلَا مَوْئِلًا
١٥ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] قَالَ: لَا يَجِدُونَ مُلْتَحَدًا يَلْتَحِدُونَهُ وَلَا يَجِدُونَ مِنْ دُونِهِ مَلْجَأً وَلَا أَحَدًا يَمْنَعُهُمْ وَالْمُلْتَحَدُ: إِنَّمَا هُوَ الْمُفْتَعَلُ مِنَ اللَّحْدِ، يُقَالُ مِنْهُ: لَحَدْتُ إِلَى كَذَا: إِذَا مِلْتُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلَّحْدِ: لَحْدٌ، لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِالشِّقِّ الَّذِي فِي وَسَطِهِ، وَمِنْهُ الْإِلْحَادُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْمُعَانَدَةُ بِالْعُدُولِ عَنْهُ، وَالتَّرْكُ لَهُ
١٥ ‏/ ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَاصْبِرْ﴾ [يونس: ١٠٩] يَا مُحَمَّدُ ﴿نَفْسَكَ مَعَ﴾ [الكهف: ٢٨] أَصْحَابِكَ ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الأنعام: ٥٢] بِذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَغَيْرِهَا ﴿يُرِيدُونَ﴾ [النساء: ٦٠] بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ ﴿وَجْهَهُ﴾ [البقرة: ١١٢] لَا يُرِيدُونَ عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي قَوْلِهِ ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الأنعام: ٥٢] فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْقُرَّاءُ عَلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ: ﴿بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الأنعام: ٥٢] وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
١٥ ‏/ ٢٣٦
عَامِرٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِهِ: (بِالْغَدْوَةِ وَالْعَشِيِّ) وَذَلِكَ قِرَاءَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَكْرُوهَةٌ، لِأَنَّ غَدْوَةً مَعْرِفَةٌ وَلَا أَلِفَ وَلَا لَامَ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُعَرَّفُ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْرِفَةً، فَأَمَّا الْمَعَارِفُ فَلَا تُعَرَّفُ بِهِمَا. وَبَعْدُ فَإِنَّ غَدْوَةً لَا تُضَافُ إِلَى شَيْءٍ، وَامْتِنَاعُهَا مِنَ الْإِضَافَةِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى امْتِنَاعِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، لِأَنَّ مَا دَخَلَتْهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ مِنَ الْأَسْمَاءِ صَلَحَتْ فِيهِ الْإِضَافَةُ، وَإِنَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: أَتَيْتُكَ غَدَاةَ الْجُمُعَةِ، وَلَا تَقُولُ: أَتَيْتُكَ غَدْوَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ فِي الْأَمْصَارِ لَا نَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا لِإِجْمَاعِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَلِلْعِلَّةِ الَّتِي بَيَّنَّا مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ
١٥ ‏/ ٢٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَلَا تَصْرِفْ عَيْنَاكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَصْبِرَ نَفْسِكَ مَعَهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا تُجَاوِزُهُمْ إِلَيْهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَدَوْتُ ذَلِكَ، فَأَنَا أَعْدُوهُ: إِذَا جَاوَزْتُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: لَا تُجَاوِزُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨] يَقُولُ: لَا تَتَعَدَّهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ
١٥ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ [الكهف: ٢٨] . الْآيَةَ، قَالَ: قَالَ الْقَوْمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نُجَالِسَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا، فَجَانِبْهُمْ يَا مُحَمَّدُ، وَجَالِسْ أَشْرَافَ الْعَرَبِ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨] وَلَا تُحَقِّرْهُمْ، قَالَ: قَدْ أَمَرُونِي بِذَلِكَ، قَالَ: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨]
١٥ ‏/ ٢٣٨
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ، لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي بَعْضِ أَبْيَاتِهِ ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: ٢٨] فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ، فَوَجَدَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، مِنْهُمْ ثَائِرُ الرَّأْسِ، وَجَافِ الْجِلْدِ، وَذُو الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَلَمَّا رَآهُمْ جَلَسَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ ⦗٢٣٩⦘ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي فِي أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُ» وَرُفِعَتِ الْعَيْنَانِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ لَا تَعْدُ
١٥ ‏/ ٢٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: لَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ إِلَى أَشْرَافِ الْمُشْرِكِينَ، تَبْغِي بِمُجَالَسَتِهِمُ الشَّرَفَ وَالْفَخْرَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَاهُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْمٌ مِنْ عُظَمَاءِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مِنْ عُظَمَاءِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مِمَّنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُمْ بِالْإِسْلَامِ، فَرَأَوْهُ جَالِسًا مَعَ خَبَّابٍ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقِيمَهُمْ عَنْهُ إِذَا حَضَرُوا، قَالُوا: فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الأنعام: ٥٢] ثُمَّ كَانَ يَقُومُ إِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ، وَيَتْرُكُهُمْ قُعُودًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الكهف: ٢٨] . الْآيَةَ ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٢٨] يُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: مُجَالَسَةَ أُولَئِكَ الْعُظَمَاءِ الْأَشْرَافِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ
١٥ ‏/ ٢٣٩
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، وَكَانَ قَارِئَ الْأَزْدِ عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابٍ، فِي قِصَّةٍ ذَكَرَهَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ذَكَرَ فِيهَا هَذَا الْكَلَامَ مُدْرَجًا فِي الْخَبَرِ ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: تُجَالِسُ الْأَشْرَافَ
١٥ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ: لَقَدْ آذَانِي رِيحُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، فَاجْعَلْ لَنَا مَجْلِسًا مِنْكَ لَا يُجَامِعُونَنَا فِيهِ، وَاجْعَلْ لَهُمْ مَجْلِسًا لَا نجامعهمُ فِيهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ
١٥ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُ»
١٥ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: تُرِيدُ أَشْرَافَ الدُّنْيَا
١٥ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَشْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: جَاءَتِ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، ⦗٢٤١⦘ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَذَوُوهُمْ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ لَوْ جَلَسْتَ فِي صَدْرِ الْمَسْجِدِ، وَنَفَيْتَ عَنَّا هَؤُلَاءِ وَأَرْوَاحِ جِبَابِهِمْ يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَأَبَا ذَرٍّ وَفُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ عَلَيْهِمْ جِبَابُ الصُّوفِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهَا جَلَسْنَا إِلَيْكَ وَحَادَثْنَاكَ، وَأَخَذْنَا عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: ٢٧] حَتَّى بَلَغَ ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا﴾ [الكهف: ٢٩] يَتَهَدَّدُهُمْ بِالنَّارِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ يَلْتَمِسُهُمْ حَتَّى أَصَابَهُمْ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمَتْنِي حَتَّى أَمَرَنِي أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، مَعَكُمُ الْمَحْيَا وَمَعَكُمُ الْمَمَاتُ»
١٥ ‏/ ٢٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الكهف: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَلَا تُطِعْ يَا مُحَمَّدُ مَنْ شَغَلْنَا قَلْبَهُ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ سَأَلُوكَ طَرْدَ الرَّهْطِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ عَنْكَ، عَنْ ذِكْرَنَا، بِالْكُفْرِ وَغَلَبَةِ الشَّقَاءِ عَلَيْهِ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، وَتَرَكَ اتِّبَاعَ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَآثَرَ هَوَى نَفْسِهِ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ، وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ: عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَذَوُوهُمْ
١٥ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابٍ، ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: عُيَيْنَةُ، وَالْأَقْرَعُ
١٥ ‏/ ٢٤١
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَكَانَ أَمْرُهُ ضَيَاعًا
١٥ ‏/ ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ ابْنُ عَمْرِو فِي حَدِيثِهِ قَالَ: ضَائِعًا. وَقَالَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ: ضَيَاعًا
١٥ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ضَيَاعًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَكَانَ أَمْرُهُ نَدَمًا
١٥ ‏/ ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ دَاوُدَ، ﴿فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: نَدَامَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: هَلَاكًا
١٥ ‏/ ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ ⦗٢٤٣⦘ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابٍ، ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: هَلَاكًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: خِلَافًا لِلْحَقِّ
١٥ ‏/ ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: مُخَالِفًا لِلْحَقٍّ، ذَلِكَ الْفُرُطُ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: ضَيَاعًا وَهَلَاكًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَفْرَطَ فُلَانٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِفْرَاطًا: إِذَا أَسْرَفَ فِيهِ وَتَجَاوَزَ قَدْرَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] مَعْنَاهُ: وَكَانَ أَمْرُ هَذَا الَّذِي أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا فِي الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ وَاحْتِقَارِ أَهْلِ الْإِيمَانِ سَرَفًا قَدْ تَجَاوَزَ حَدَّهُ، فَضَيَّعَ بِذَلِكَ الْحَقَّ وَهَلَكَ. وَقَدْ:
١٥ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قِيلَ لَهُ: كَيْفَ قَرَأَ عَاصِمٌ؟ فَقَالَ ﴿كَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ يَفْخَرُ بِقَوْلِ أَنَا وَأَنَا
١٥ ‏/ ٢٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
١٥ ‏/ ٢٤٣
فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْفَلْنَا قُلُوبَهُمْ عَنْ ذِكْرِنَا، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ: الْحَقُّ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ، وَإِلَيْهِ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ، وَبِيَدِهِ الْهُدَى وَالضَّلَالُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ لِلرَّشَادِ، فَيُؤْمِنُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَنِ الْهُدَى فَيَكْفُرُ، لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَسْتُ بِطَارِدٍ لِهَوَاكُمْ مَنْ كَانَ لِلْحَقِّ مُتَّبِعًا، وَبِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ عَلَيَّ مُؤْمِنًا، فَإِنْ شِئْتُمْ فَآمِنُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا، فَإِنَّكُمْ إِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمْ رَبُّكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ نَارًا أَحَاطَ بِكُمْ سُرَادِقُهَا، وَإِنْ آمَنْتُمْ بِهِ وَعَمِلْتُمْ بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّ لَكُمْ مَا وَصَفَ اللَّهُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ. وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ فِي ذَلِكَ مَا:
١٥ ‏/ ٢٤٤
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانُ آمَنَ، وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْكُفْرَ كَفَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وَلَيْسَ هَذَا بِإِطْلَاقٍ مِنَ اللَّهِ الْكُفْرَ لِمَنْ شَاءَ، وَالْإِيمَانَ لِمَنْ أَرَادَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا﴾ [الكهف: ٢٩] وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا. كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٤٤
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] . قَالَ: ⦗٢٤٥⦘ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِمُعْجِزِي
١٥ ‏/ ٢٤٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] وَقَوْلُهُ ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] قَالَ: هَذَا كُلُّهُ وَعِيدٌ لَيْسَ مُصَانَعَةً وَلَا مُرَاشَاةً وَلَا تَفْوِيضًا
١٥ ‏/ ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا أَعْدَدْنَا، وَهُوَ مِنَ الْعِدَّةِ. لِلظَّالِمِينَ: الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: لِلْكَافِرِينَ
١٥ ‏/ ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ: أَحَاطَ سُرَادِقُ النَّارِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ بِرَبِّهِمْ، وَذَلِكَ فِيمَا قِيلَ: حَائِطٌ مِنْ نَارٍ يُطِيفُ بِهِمْ كَسُرَادِقِ الْفُسْطَاطِ، وَهِيَ الْحُجْرَةُ الَّتِي تُطِيفُ بِالْفُسْطَاطِ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز] يَا حَكَمُ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودْ … ⦗٢٤٦⦘ سُرَادِقُ الْفَضْلِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ
وَكَمَا قَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ:
[البحر الطويل] هُوَ الْمُولِجُ النُّعْمَانَ بَيْتًا سَمَاؤُهُ … صُدُورُ الْفُيُولِ بَعْدَ بَيْتٍ مُسَرْدَقِ
يَعْنِي: بَيْتًا لَهُ سُرَادِقُ
١٥ ‏/ ٢٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: هِيَ حَائِطٌ مِنْ نَارٍ
١٥ ‏/ ٢٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ قَالَ ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: دُخَانٌ يُحِيطُ بِالْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شَعُبٍ﴾ [المرسلات: ٣٠] وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] أَحَاطَ بِهِمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ ذَلِكَ السُّرَادِقُ هُوَ الْبَحْرُ
١٥ ‏/ ٢٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَا: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ⦗٢٤٧⦘ بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ حُيَيِّ بْنِ يَعْلَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْبَحْرُ هُوَ جَهَنَّمُ» قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ ذَلِكَ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، أَوْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدْخُلُهَا أَبَدًا أَوْ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَلَا تُصِيبُنِي مِنْهَا قَطْرَةٌ
١٥ ‏/ ٢٤٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «سُرَادِقُ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً»
١٥ ‏/ ٢٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ لِسُرَادِقِ النَّارِ أَرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثَفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً»
١٥ ‏/ ٢٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَاءٌ كَالْمُهْلِ»، قَالَ: «كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فَإِذَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِ سَقَطَ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ»
١٥ ‏/ ٢٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ يَسْتَغِثْ هَؤُلَاءِ الظَّالِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ مِنْ شِدَّةِ مَا بِهِمْ مِنَ الْعَطَشِ، فَيَطْلُبُونَ الْمَاءَ يُغَاثُوا بِمَاءِ الْمُهْلِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُهْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ أُذِيبَ وَانْمَاعَ
١٥ ‏/ ٢٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ سِقَايَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَأَمَرَ بِأُخُدُودٍ فَخُدَّ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ قَذَفَ فِيهِ مِنْ جَزْلِ حَطَبٍ، ثُمَّ قَذَفَ فِيهِ تِلْكَ السِّقَايَةَ، حَتَّى إِذَا أَزْبَدَتْ وَانْمَاعَتْ قَالَ لِغُلَامِهِ: ادْعُ مَنْ يَحْضُرُنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَدَعَا رَهْطًا، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ: أَتَرَوْنَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: مَا رَأَيْنَا فِي الدُّنْيَا شَبِيهًا لِلْمُهْلِ أَدْنَى مِنْ هَذَا الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، حِينَ أَزْبَدَ وَانْمَاعَ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْقَيْحُ وَالدَّمُ الْأَسْوَدُ
١٥ ‏/ ٢٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ⦗٢٤٩⦘ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: الْقَيْحُ وَالدَّمُ
١٥ ‏/ ٢٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: الْقَيْحُ وَالدَّمُ الْأَسْوَدُ، كَعَكَرِ الزَّيْتِ قَالَ الْحَارِثُ فِي حَدِيثِهِ: يَعْنِي دُرْدِيَّهُ
١٥ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كَالْمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: يَقُولُ: أَسْوَدُ كَهَيْئَةِ الزَّيْتِ
١٥ ‏/ ٢٤٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩] مَاءُ جَهَنَّمَ أَسْوَدُ، وَهِيَ سَوْدَاءُ، وَشَجَرُهَا أَسْوَدُ، وَأَهْلُهَا سُودٌ
١٥ ‏/ ٢٤٩

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: هُوَ مَاءٌ غَلِيظٌ مِثْلُ دُرْدِيِّ الزَّيْتِ

⦗٢٥٠⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ

١٥ ‏/ ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الْمُهْلُ: هُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهَا أَلْفَاظُ قَائِلِيهَا، فَمُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا أُذِيبَ مِنْ رَصَاصِ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، وَأَنَّ مَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ النَّارُ حَتَّى صَارَ كَدُرْدِيِّ الزَّيْتِ، فَقَدِ انْتَهَى أَيْضًا حَرُّهُ. وَقَدْ:
١٥ ‏/ ٢٥٠
حُدِّثْتُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُنْتَجَعَ بْنَ نَبْهَانَ، يَقُولُ: وَاللَّهِ لَفُلَانٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنَ الطَّلْيَاءِ وَالْمُهْلِ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: وَمَا هُمَا؟ فَقَالَ: الْجَرْبَاءُ، وَالْمَلَّةُ الَّتِي تَنْحَدِرُ عَنْ جَوَانِبِ الْخُبْزَةِ إِذَا مُلَّتْ فِي النَّارِ مِنَ النَّارِ، ⦗٢٥١⦘ كَأَنَّهَا سَهْلَةٌ حَمْرَاءُ مَدَقَّقَةٌ، فَهِيَ أَحْمَرُهُ، فَالْمُهْلُ إِذًا هُوَ كُلُّ مَائِعٍ قَدْ أُوِقَدْ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغَ غَايَةَ حَرِّهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَائِعًا، فَانْمَاعَ بِالْوَقُودِ عَلَيْهِ، وَبَلَغَ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
١٥ ‏/ ٢٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَشْوِي ذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي يُغَاثُونَ بِهِ وُجُوهَهُمْ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، هَكَذَا قَالَ ابْنُ خَلَفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ﴾ [إبراهيم: ١٧] قَالَ: «يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا قُرِّبَ مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَعَ أَمْعَاءَهُ»، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف: ٢٩] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ وَيَعْمَرُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَا: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ
١٥ ‏/ ٢٥١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ⦗٢٥٢⦘ جُبَيْرٍ، قَالَ هَارُونُ: إِذَا جَاعَ أَهْلُ النَّارِ. وَقَالَ جَعْفَرٌ: إِذَا جَاءَ أَهْلُ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَاخْتَلَسْتُ جُلُودَ وُجُوهِهِمْ، فَلَوْ أَنَّ مَارًّا مَارَّ بِهِمْ يَعْرِفُهُمْ، لَعَرَفَ جُلُودَ وُجُوهِهِمْ فِيهَا، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِمُ الْعَطَشَ، فَيَسْتَغِيثُونَ، فَيُغَاثُونَ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ، فَإِذَا أَدْنَوْهُ مِنْ أَفْوَاهِهِمُ انْشَوَى مِنْ حَرِّهِ لُحُومُ وُجُوهِهِمُ الَّتِي قَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا الْجُلُودُ
١٥ ‏/ ٢٥١
وَقَوْلُهُ: ﴿بِئْسَ الشَّرَابُ﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بِئْسَ الشَّرَابُ، هَذَا الْمَاءُ الَّذِي يُغَاثُ بِهِ هَؤُلَاءِ الظَّالِمُونَ فِي جَهَنَّمَ الَّذِي صِفَتُهُ مَا وُصِفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ
١٥ ‏/ ٢٥٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَاءَتْ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي أَعْتَدْنَاهَا لِهَؤُلَاءِ الظَّالِمِينَ مُرْتَفَقًا، وَالْمُرْتَفَقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمُتَّكَأُ، يُقَالُ مِنْهُ: ارْتَفَقْتُ إِذَا اتَّكَأْتُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرجز] قَالَتْ لَهُ وَارْتَفَقَتْ أَلَا فَتًى … يَسُوقُ بِالْقَوْمِ غَزَالَاتِ الضُّحَى
⦗٢٥٣⦘ أَرَادَ: وَاتَّكَأَتْ عَلَى مِرْفَقِهَا، وَقَدِ ارْتَفَقَ الرَّجُلُ: إِذَا بَاتَ عَلَى مِرْفَقِهِ لَا يَأْتِيهِ نَوْمٌ، وَهُوَ مُرْتَفِقٌ، كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ:
[البحر البسيط] نَامَ الْخَلِيُّ وَبَتَّ اللَّيْلُ مُرْتَفِقًا … كَأَنَّ عَيْنِيَ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ
وَأَمَّا مِنَ الرِّفْقِ فَإِنَّهُ يُقَالُ: قَدِ ارْتَفَقْتُ بِكَ مُرْتَفَقًا، وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: ﴿وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] يَعْنِي الْمُجْتَمَعَ
١٥ ‏/ ٢٥٢
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] أَيْ مُجْتَمَعًا
١٥ ‏/ ٢٥٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٢٩] قَالَ: مُجْتَمَعًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَلَسْتُ أَعْرِفُ الِارْتِفَاقَ بِمَعْنَى الِاجْتِمَاعِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا الِارْتِفَاقُ افْتِعَالٌ، إِمَّا مِنَ الْمِرْفَقِ، وَإِمَّا مِنَ الرِّفْقِ
١٥ ‏/ ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، إِنَّا لَا نُضِيعُ ثَوَابَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، فَأَطَاعَ اللَّهَ، وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، بَلْ نُجَازِيهِ بِطَاعَتِهِ وَعَمَلِهِ الْحَسَنَ جَنَّاتٍ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيْنَ خَبَرُ «إِنَّ» الْأُولَى؟ قِيلَ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهَا قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: ٣٠] فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا، فَتَرَكَ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الثَّانِي بِنِيَّةِ التَّكْرِيرِ، كَمَا قِيلَ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] بِمَعْنَى: عَنْ قِتَالٍ، فِيهِ عَلَى التَّكْرِيرِ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] إِنَّ الْخَلِيفَةَ إِنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ … سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الْخَوَاتِيمُ
وَيُرْوَى: تُرْخَى، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٦٢] جَزَاءً، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَهُ، فَتُضْمَرُ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ «إِنَّا» وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهَا: أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ
١٥ ‏/ ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهُمُ الْأَنْهَارُ
١٥ ‏/ ٢٥٤
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتُ عَدْنٍ، يَعْنِي بَسَاتِينَ إِقَامَةٍ فِي الْآخِرَةِ. ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتَهُمُ الْأَنْهَارُ﴾ [الأعراف: ٤٣] يَقُولُ: تَجْرِي مِنْ دُونِهِمْ وَمِنْ أَيْدِيهِمُ الْأَنْهَارُ. وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿مِنْ تَحْتِهِمْ﴾ [الأنعام: ٦] وَمَعْنَاهُ: مِنْ دُونِهِمْ وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ [الكهف: ٣١] يَقُولُ: يَلْبَسُونَ فِيهَا مِنَ الْحُلِيِّ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْأَسَاوِرُ: جَمْعُ إِسْوَارٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسِ﴾ [الكهف: ٣١] وَالسُّنْدُسُ: جَمْعٌ وَاحِدُهَا سُنْدُسَةٌ، وَهِيَ مَا رَقَّ مِنَ الدِّيبَاجِ. وَالْإِسْتَبْرَقُ: مَا غَلُظَ مِنْهُ وَثَخُنَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْإِسْتَبْرَقَ: هُوَ الْحَرِيرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُرَقَّشِ:
[البحر الطويل] تَرَاهُنَّ يَلْبَسْنَ الْمَشَاعِرَ مَرَّةً … وَإِسْتَبْرَقَ الدِّيبَاجِ طَوْرًا لِبَاسُهَا
يَعْنِي: وَغَلِيظُ الدِّيبَاجِ. وَقَوْلُهُ: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: ٣١] يَقُولُ: مُتَّكِئِينَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ عَلَى الْأَرَائِكِ، وَهِيَ السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ، وَاحِدَتُهَا: أَرِيكَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
١٥ ‏/ ٢٥٥
خُدُودًا جَفَتْ فِي السَّيْرِ حَتَّى كَأَنَّمَا … يُبَاشِرْنَ بِالْمَعْزَاءِ مَسَّ الْأَرَائِكِ
وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
[البحر الكامل] بَيْنَ الرِّوَاقِ وَجَانِبٍ مِنْ سِتْرِهَا … مِنْهَا وَبَيْنَ أَرِيكَةِ الْأَنْضَادِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ [الكهف: ٣١] قَالَ: هِيَ الْحِجَالُ. قَالَ مَعْمَرٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ
١٥ ‏/ ٢٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ﴾ [الكهف: ٣١] يَقُولُ: نِعْمَ الثَّوَابُ جَنَّاتُ عَدْنٍ، وَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ جَعَلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٣١] يَقُولُ: وَحَسُنَتْ هَذِهِ الْأَرَائِكُ فِي هَذِهِ الْجِنَانِ الَّتِي وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُتَّكَأً. وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٣١] فَأَنَّثَ الْفِعْلَ بِمَعْنَى: وَحَسُنَتْ هَذِهِ الْأَرَائِكُ مُرْتَفَقًا، وَلَوْ ذُكِّرَ لِتَذْكِيرِ الْمُرْتَفِقِ كَانَ صَوَابًا، لِأَنَّ نِعْمَ وَبِئْسَ إِنَّمَا ⦗٢٥٧⦘ تُدْخِلُهُمَا الْعَرَبُ فِي الْكَلَامِ لِتَدُلَّا عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ لَا لِلْفِعْلِ، فَلِذَلِكَ تُذَكِّرُهُمَا مَعَ الْمُؤَنَّثِ، وَتُوَحِّدُهُمَا مَعَ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ
١٥ ‏/ ٢٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابِ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاضْرِبْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، الَّذِينَ سَأَلُوكَ أَنْ تَطْرُدَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَثَلًا مِثْلُ ﴿رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ﴾ [الكهف: ٣٢] أَيْ جَعَلْنَا لَهُ بُسْتَانَيْنِ مِنْ كُرُومٍ ﴿وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ [الكهف: ٣٢] يَقُولُ: وَأَطَفْنَا هَذَيْنِ الْبُسْتَانَيْنِ بِنَخْلٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ [الكهف: ٣٢] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا وَسَطَ هَذَيْنِ الْبُسْتَانَيْنِ زَرْعًا. وَقَوْلُهُ: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا﴾ [الكهف: ٣٣] يَقُولُ: كِلَا الْبُسْتَانَيْنِ أَطْعَمَ ثَمَرُهُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْغُرُوسِ مِنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَصُنُوفِ الزَّرْعِ. وَقَالَ: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: آتَتْ، فَوَحَّدَ الْخَبَرَ، لِأَنَّ كِلْتَا لَا يُفْرَدُ وَاحِدَتُهَا، وَأَصْلُهُ كُلٌّ، وَقَدْ تَفْرِدُ الْعَرَبُ كِلْتَا أَحْيَانًا، وَيَذْهَبُونَ بِهَا وَهِيَ مُفْرَدَةٌ إِلَى التَّثْنِيَةِ، قَالَ بَعْضُ الرُّجَّازِ فِي ذَلِكَ:
[البحر الرجز]
١٥ ‏/ ٢٥٧
فِي كِلْتَ رِجْلَيْهَا سُلَامَى وَاحِدَهْ … كِلْتَاهُمَا مَقْرُونَةٌ بِزَائِدَهْ
يُرِيدُ بِكِلْتَ: كِلْتَا، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِكِلْتَا وَكِلَا وَكُلٍّ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى مَعْرِفَةٍ، وَجَاءَ الْفِعْلُ بَعْدَهُنَّ وَيُجْمَعُ وَيُوَحَّدُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ تُظْلَمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣] يَقُولُ: وَلَمْ تَنْقُصْ مِنَ الْأَكْلِ شَيْئًا، بَلْ أَتَتْ ذَلِكَ تَامًّا كَامِلًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ظَلَمَ فُلَانٌ فُلَانًا حَقَّهُ: إِذَا بَخَسَهُ وَنَقَصَهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] تَظَلَّمَنِي مَا لِي كَذَا وَلَوَى يَدِي … لَوَى يَدَهُ اللَّهُ الَّذِي هُوَ غَالِبُهْ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣] أَيْ لَمْ تَنْقُصْ، مِنْهُ شَيْئًا
١٥ ‏/ ٢٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهْرًا﴾ [الكهف: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَسَيَّلْنَا خِلَالَ هَذَيْنِ الْبُسْتَانَيْنِ نَهْرًا، يَعْنِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَشْجَارِهِمَا نَهْرًا. ⦗٢٥٩⦘ وَقِيلَ: ﴿وَفَجَّرْنَا﴾ [الكهف: ٣٣] فَثَقَّلَ الْجِيمَ مِنْهُ، لِأَنَّ التَّفْجِيرَ فِي النَّهْرِ كُلِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَمِيدُ مَاءً فَيَسِيلُ بَعْضُهُ بَعْضًا
١٥ ‏/ ٢٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ [الكهف: ٣٤] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ: (وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ) بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ. وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَقَالُوا: ذَلِكَ هُوَ الثَّمَرُ، لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُثْمِرَةٌ، يَعْنِي مُكْثِرَةٌ
١٥ ‏/ ٢٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ [الكهف: ٣٤] قَالَ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] قَالَ: هِيَ أَيْضًا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ
١٥ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿ثَمَرٌ﴾ [الكهف: ٣٤] قَالَ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] هِيَ هِيَ أَيْضًا وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ: الْمَالَ الْكَثِيرَ مِنْ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ
١٥ ‏/ ٢٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ» بِالضَّمِّ، وَقَالَ: يَعْنِي أَنْوَاعَ الْمَالِ
١٥ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ» يَقُولُ: مَالٌ
١٥ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ» يَقُولُ: مِنْ كُلِّ الْمَالِ
١٥ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] قَالَ: الثَّمَرُ مِنَ الْمَالِ كُلُّهُ يَعْنِي الثَّمَرَ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْمَالِ كُلُّهُ
١٥ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الثَّمَرُ» الْمَالُ كُلُّهُ، قَالَ: وَكُلُّ مَالٍ إِذَا اجْتَمَعَ فَهُوَ ثَمَرٌ إِذَا كَانَ مِنْ لَوْنِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَالِ كُلُّهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ الْأَصْلَ
١٥ ‏/ ٢٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «وَكَانَ لَهُ
١٥ ‏/ ٢٦٠
ثُمُرٌ» الثُّمُرُ الْأَصْلُ. قَالَ ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] قَالَ: بِأَصْلِهِ وَكَأَنَّ الَّذِينَ وَجَّهُوا مَعْنَاهَا إِلَى أَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَالِ، أَرَادُوا أَنَّهَا جَمْعُ ثِمَارٍ جَمْعُ ثُمُرٍ، كَمَا يُجْمَعُ الْكِتَابُ كُتَبًا، وَالْحِمَارُ حُمُرًا. وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُ مَنْ وَافَقَ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ «ثُمُرٌ» بِضَمِّ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَهُوَ يُرِيدُ الضَّمَّ فِيهَا غَيْرَ أَنَّهُ سَكَّنَهَا طَلَبَ التَّخْفِيفِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَا جَمْعَ ثَمَرَةٍ، كَمَا تُجْمَعُ الْخَشَبَةُ خَشَبًا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ [الكهف: ٣٤] بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، بِمَعْنَى جَمْعِ الثَّمَرَةِ، كَمَا تُجْمَعُ الْخَشَبَةُ خَشَبًا. وَالْقَصَبَةُ قَصَبًا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ «وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ» بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ جَمْعَ ثِمَارٍ، كَمَا الْكُتُبُ جَمْعُ كِتَابٍ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: ﴿وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ﴾ [الكهف: ٣٤] مِنْهُمَا ﴿ثَمَرٌ﴾ [الكهف: ٣٤] بِمَعْنَى مِنْ جَنَّتَيْهِ أَنْوَاعٌ مِنَ الثِّمَارِ. وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ لِمَنْ وَفَّقَ لِفَهْمِهِ، قَوْلُهُ: ﴿جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابِ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا﴾ [الكهف: ٣٢] ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْكُرُومِ وَالنَّخْلِ وَالزَّرْعِ ثَمَرٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ [الكهف: ٣٤] يَقُولُ عز وجل: فَقَالَ هَذَا الَّذِي جَعَلْنَا لَهُ جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ، لِصَاحِبِهِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَهُوَ يُخَاطِبُهُ: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ
١٥ ‏/ ٢٦١
مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف: ٣٤] يَقُولُ: وَأَعَزُّ عَشِيرَةً وَرَهْطًا، كَمَا قَالَ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: نَحْنُ سَادَاتُ الْعَرَبِ، وَأَرْبَابُ الْأَمْوَالِ، فَنَحِّ عَنَّا سَلْمَانَ وَخَبَّابًا وَصُهَيْبًا، احْتِقَارًا لَهُمْ، وَتَكَبُّرًا عَلَيْهِمْ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف: ٣٤] وَتِلْكَ وَاللَّهِ أُمْنِيَةُ الْفَاجِرِ: كَثْرَةُ الْمَالِ، وَعِزَّةُ النَّفَرِ
١٥ ‏/ ٢٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي جَعَلْنَا لَهُ جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابِ ﴿دَخَلَ جَنَّتَهُ﴾ [الكهف: ٣٥] وَهِيَ بُسْتَانَهُ ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [الكهف: ٣٥] وَظُلْمُهُ نَفْسَهُ: كُفْرُهُ بِالْبَعْثِ، وَشَكُّهُ فِي قِيَامِ السَّاعَةِ، وَنِسْيَانُهُ الْمَعَادَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَوْجَبَ لَهَا بِذَلِكَ سَخَطَ اللَّهِ وَأَلِيمَ عِقَابِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: ٣٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ لَمَّا عَايَنَ جَنَّتَهُ، وَرَآهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالْأَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ شَكًّا فِي الْمَعَادِ إِلَى اللَّهِ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ الْجَنَّةُ أَبَدًا، وَلَا تَفْنَى وَلَا تُخَرَّبُ. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ خَلْقَهُ الْحَشْرَ فِيهَا تَقُومُ فَتَحْدُثُ، ثُمَّ تَمَنَّى أُمْنِيَةً أُخْرَى عَلَى شَكٍّ مِنْهُ، فَقَالَ: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي﴾ [الكهف: ٣٦] فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُوقِنٍ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَيْهِ ﴿لَأَجِدَنَّ
١٥ ‏/ ٢٦٢
خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٦] يَقُولُ: لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِي هَذِهِ عِنْدَ اللَّهِ إِنْ رُدِدْتُ إِلَيْهِ مَرْجِعًا وَمَرَدًّا، يَقُولُ: لَمْ يُعْطِنِي هَذِهِ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَلِي عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَعَادِ إِنْ رُدِدْتُ إِلَيْهِ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [الكهف: ٣٦] قَالَ: شَكَّ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَئِنْ﴾ [الكهف: ٣٦] كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ ﴿رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا﴾ [الكهف: ٣٦] مَا أَعْطَانِي هَذِهِ إِلَّا وَلِي عِنْدَهُ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ
١٥ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [الكهف: ٣٦] كَفُورٌ لِنِعَمِ رَبِّهِ، مُكَذِّبٌ بِلِقَائِهِ، مُتَمَنٍّ عَلَى اللَّهِ
١٥ ‏/ ٢٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لِصَاحِبِ الْجَنَّتَيْنِ صَاحِبُهُ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ مَالًا وَوَلَدًا ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ [الكهف: ٣٤] يَقُولُ: وَهُوَ يُخَاطِبُهُ وَيُكَلِّمُهُ: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الكهف: ٣٧] يَعْنِي خَلَقَ أَبَاكَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [الكهف: ٣٧] يَقُولُ: ثُمَّ أَنْشَأَكَ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةَ ﴿ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ [الكهف: ٣٧] يَقُولُ: ثُمَّ عَدَّلَكَ بَشَرًا سَوِيًّا رَجُلًا، ذَكَرًا لَا أُنْثَى، يَقُولُ: أَكَفَرْتَ بِمَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا أَنْ يُعِيدَكَ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ مَا تَصِيرُ رُفَاتًا. ﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي﴾ [الكهف: ٣٨] يَقُولُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَكْفُرُ بِرَبِّي، وَلَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي، مَعْنَاهُ
١٥ ‏/ ٢٦٣
أَنَّهُ يَقُولُ: وَلَكِنْ أَنَا أَقُولُ: هُوَ اللَّهُ رَبِّي ﴿وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف: ٣٨] . وَفِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا (لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَحَذْفِ الْأَلِفِ فِي حَالِ الْوَصْلِ، كَمَا يُقَالُ: أَنَا قَائِمٌ فَتُحْذَفُ الْأَلِفُ مِنْ أَنَا، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ. وَأَمَّا فِي الْوَقْفِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ كُلَّهَا تُثْبِتُ فِيهَا الْأَلِفَ، لِأَنَّ النُّونَ إِنَّمَا شُدِّدَتْ لِانْدِغَامِ النُّونِ مِنْ لَكِنْ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي النُّونِ الَّتِي مِنْ أَنَا، إِذْ سَقَطَتِ الْهَمْزَةُ الَّتِي فِي أَنَا، فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهَا ظَهَرَتِ الْأَلِفُ الَّتِي فِي أَنَا، فَقِيلَ: لَكِنَّا، لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَنَا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ لَا بِإِسْقَاطِهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ: ﴿لَكِنَّا﴾ [الأنعام: ١٥٧] بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْطَقُ بِهِ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] أَنَا سَيْفُ الْعَشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي … حُمَيْدًا قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا
فَأَثْبَتَ الْأَلِفَ فِي أَنَا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَصِيحِ مِنَ الْكَلَامِ، وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَا عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَهُوَ حَذْفُ الْأَلِفِ مِنْ «لَكِنَّ» فِي الْوَصْلِ، وَإِثْبَاتُهَا فِي الْوَقْفِ
١٥ ‏/ ٢٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [الكهف: ٣٩] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَهَلَّا إِذْ دَخَلْتَ بُسْتَانَكَ، فَأَعْجَبَكَ مَا رَأَيْتَ مِنْهُ، قُلْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ اسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ جَوَّابُ
١٥ ‏/ ٢٦٤
الْجَزَاءِ، وَذَلِكَ كَانَ. وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا كَانَتْ «مَا» نَصْبًا بِوُقُوعِ فِعْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ شَاءَ، وَجَازَ طَرْحُ الْجَوَّابِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَعْرُوفٌ، كَمَا قِيلَ: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ، وَتَرَكَ الْجَوَّابَ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ «مَا» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٢٨] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِإِضْمَارِ هُوَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: قُلْتُ هُوَ مَا شَاءَ اللَّهُ ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: ٣٩] يَقُولُ: لَا قُوَّةَ عَلَى مَا نُحَاوِلُ مِنْ طَاعَتِهِ إِلَّا بِهِ
١٥ ‏/ ٢٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [الكهف: ٣٩] وَهُوَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَلَا عَشِيرَةَ، مِثْلُ صَاحِبِ الْجَنَّتَيْنِ وَعَشِيرَتِهِ، وَهُوَ مِثْلُ سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَخَبَّابٍ، يَقُولُ: قَالَ الْمُؤْمِنُ لِلْكَافِرِ: إِنْ تَرَنِ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَإِذَا جَعَلْتَ أَنَا عِمَادًا نَصَبْتَ أَقَلَّ، وَبِهِ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا، لِأَنَّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، وَإِذَا جَعَلْتَهُ اسْمًا رَفَعْتَ أَقَلُّ
١٥ ‏/ ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ [الكهف: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْمُؤْمِنِ الْمُوقِنِ لِلْمَعَادِ إِلَى اللَّهِ لِلْكَافِرِ الْمُرْتَابِ فِي قِيَامِ السَّاعَةِ: إِنْ تَرَنِ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا فِي الدُّنْيَا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يَرْزُقَنِي خَيْرًا مِنْ بُسْتَانِكَ هَذَا ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا﴾ [الكهف: ٤٠] يَعْنِي عَلَى جَنَّةِ الْكَافِرِ الَّتِي قَالَ لَهَا: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴿حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠] يَقُولُ: عَذَابًا مِنَ السَّمَاءِ تُرْمَى بِهِ رَمْيًا وَتُقْذَفُ. وَالْحُسْبَانُ: جَمْعُ حُسْبَانَةٍ، وَهِيَ الْمَرَامِي. ⦗٢٦٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠] عَذَابًا
١٥ ‏/ ٢٦٦
حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: عَذَابًا
١٥ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠] . قَالَ: عَذَابًا، قَالَ: الْحُسْبَانُ: قَضَاءٌ مِنَ اللَّهِ يَقْضِيهِ
١٥ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْحُسْبَانُ: الْعَذَابُ
١٥ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠] قَالَ: عَذَابًا
١٥ ‏/ ٢٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَتُصْبِحَ جَنَّتُكَ هَذِهِ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَرْضًا مَلْسَاءَ لَا شَيْءَ فِيهَا، قَدْ ذَهَبَ كُلُّ مَا فِيهَا مِنْ غَرْسٍ وَنَبْتٍ، وَعَادَتْ خَرَابًا بَلَاقِعَ زَلَقًا، لَا يَثْبُتُ فِي أَرْضِهَا قَدَمٌ لِامْلِسَاسِهَا، وَدُرُوسِ مَا كَانَ نَابِتًا فِيهَا
١٥ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا ⦗٢٦٧⦘ زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] أَيْ قَدْ حُصِدَ مَا فِيهَا فَلَمْ يُتْرَكْ فِيهَا شَيْءٌ
١٥ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] قَالَ: مِثْلُ الْجُرُزِ
١٥ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا﴾ [الكهف: ٤٠] قَالَ: صَعِيدًا زَلَقًا وَصَعِيدًا جُرُزًا وَاحِدٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ النَّبَاتِ
١٥ ‏/ ٢٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا﴾ [الكهف: ٤١] يَقُولُ: أَوْ يُصْبِحُ مَاؤُهَا غَائِرًا، فَوَضَعَ الْغَوْرَ وَهُوَ مَصْدَرٌ مَكَانَ الْغَائِرِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] تَظَلُّ جِيَادُهُ نَوْحًا عَلَيْهِ … مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُونَا
بِمَعْنَى نَائِحَةٍ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
[البحر الوافر] هَرِيقِي مِنْ دُمُوعِهِمَا سَجَامَا … ضُبَاعَ وَجَاوِبي نَوْحًا قِيَامَا
وَالْعَرَبُ تُوَحِّدُ الْغَوْرَ مَعَ الْجَمْعِ وَالِاثْنَيْنِ، وَتُذَكِّرُ مَعَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، تَقُولُ: مَاءٌ غَوْرٌ، وَمَاءَانِ غَوْرٌ وَمِيَاهٌ غَوْرٌ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿غَوْرًا﴾ [الكهف: ٤١] ذَاهِبًا قَدْ غَارَ فِي الْأَرْضِ، فَذَهَبَ فَلَا تَلْحَقُهُ الرِّشَاءُ، ⦗٢٦٨⦘ كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا﴾ [الكهف: ٤١] أَيْ ذَاهِبًا قَدْ غَارَ فِي الْأَرْضِ
١٥ ‏/ ٢٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾ [الكهف: ٤١] يَقُولُ: فَلَنْ تُطِيقَ أَنْ تُدْرِكَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ فِي جَنَّتِكَ بَعْدَ غَوْرِهِ، بِطَلَبِكَ إِيَّاهُ
١٥ ‏/ ٢٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَحَاطَ الْهَلَاكُ وَالْجَوَائِحُ بِثَمَرِهِ، وَهِيَ صُنُوفُ ثِمَارِ جَنَّتِهِ الَّتِي كَانَ يَقُولُ لَهَا: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تبَيِدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾ [الكهف: ٣٥] فَأَصْبَحَ هَذَا الْكَافِرُ صَاحِبُ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ، يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، تَلَهُّفًا وَأَسَفًا عَلَى ذَهَابِ نَفَقَتِهِ الَّتِي أَنْفَقَ فِي جَنَّتِهِ ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩] يَقُولُ: وَهِيَ خَالِيَةٌ عَلَى نَبَاتِهَا وَبُيُوتِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ [الكهف: ٤٢] أَيْ يُصَفِّقُ ﴿كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا﴾ [الكهف: ٤٢] مُتَلَهِّفًا عَلَى مَا فَاتَهُ وَهُوَ ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أَشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٢] ﴿وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي﴾ [الكهف: ٤٢]، يَقُولُ: يَتَمَنَّى هَذَا الْكَافِرُ بَعْدَ مَا أُصِيبَ بِجَنَّتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَانَ أَشْرَكَ بِرَبِّهِ أَحَدًا، يَعْنِي بِذَلِكَ: هَذَا الْكَافِرُ إِذَا هَلَكَ وَزَالَتْ عَنْهُ دُنْيَاهُ وَانْفَرَدَ بِعَمَلِهِ، وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَلَا أَشْرَكَ بِهِ شَيْئًا
١٥ ‏/ ٢٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤]⦗٢٦٩⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ فِئَةٌ، وَهُمُ الْجَمَاعَةُ، كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] كَمَا يَحُوزُ الْفِئَةَ الْكَمِيُّ
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي الْعِبَارَةِ عَنْهُ عِبَارَتَنَا، فَإِنَّ مَعْنَاهُمْ نَظِيرُ مَعْنَانَا فِيهِ
١٥ ‏/ ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الكهف: ٤٣] قَالَ: عَشِيرَتُهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الكهف: ٤٣] أَيْ جُنْدٌ يَنْصُرُونَهُ
١٥ ‏/ ٢٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الكهف: ٤٣] يَقُولُ: يَمْنَعُونَهُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ وَعَذَابِ اللَّهِ إِذَا عَاقَبَهُ وَعَذَّبَهُ. وَقَوْلُهُ ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ [الكهف: ٤٣] يَقُولُ: وَلَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِذَا عَذَّبَهُ، ⦗٢٧٠⦘ كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ [الكهف: ٤٣] أَيْ مُمْتَنِعًا
١٥ ‏/ ٢٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ﴾ [الكهف: ٤٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: ثُمَّ وَذَلِكَ حِينَ حَلَّ عَذَابُ اللَّهِ بِصَاحِبِ الْجَنَّتَيْنِ فِي الْقِيَامَةِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿الْوَلَايَةُ﴾ [الكهف: ٤٤] فَقَرَأَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ﴾ [الكهف: ٤٤] بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنَ الْوَلَايَةِ، يَعْنُونَ بِذَلِكَ هُنَالِكَ الْمُوَالَاةُ لِلَّهِ، كَقَوْلِ اللَّهِ: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧] وَكَقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [محمد: ١١] يَذْهَبُونَ بِهَا إِلَى الْوَلَايَةِ فِي الدِّينِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (هُنَالِكَ الْوِلَايَةُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ: مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَلِيتُ عَمَلَ كَذَا، أَوْ بَلْدَةَ كَذَا أَلِيهِ وِلَايَةً. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَقَّبَ ذَلِكَ خَبَرَهُ عَنْ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَأَنَّ مَنْ أَحَلِّ بِهِ نِقْمَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا نَاصِرَ لَهُ يَوْمَئِذٍ، فَاتِّبَاعُ ذَلِكَ الْخَبَرِ عَنِ انْفِرَادِهِ بِالْمَمْلَكَةِ وَالسُّلْطَانِ أَوْلَى مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الْمُوَالَاةِ الَّتِي لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ وَلَا مَعْنًى، لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يُسَمَّى سُلْطَانُ اللَّهِ وِلَايَةً، وَإِنَّمَا يُسَمَّى ذَلِكَ سُلْطَانُ الْبَشَرِ، لِأَنَّ الْوَلَايَةَ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يَلِي أَمْرَ خَلْقِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ دُونَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا أَنَّهُ يَكُونُ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿الْحَقِّ﴾ [البقرة: ٢٦] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ
١٥ ‏/ ٢٧٠
خَفْضًا، عَلَى تَوْجِيهِهِ إِلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ اللَّهِ، وَإِلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ أُلُوهِيَّتُهُ، لَا الْبَاطِلُ بِطُولَ أُلُوهِيَّتِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ آلِهَةً. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْكُوفِيِّينَ: (لِلَّهِ الْحَقُّ) بِرَفْعِ الْحَقِّ تَوْجِيهًا مِنْهُمَا إِلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ الْوَلَايَةِ، وَمَعْنَاهُ: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ الْحَقُّ، لَا الْبَاطِلُ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ خَفْضًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ اللَّهِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَا وَصَفْتُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ
١٥ ‏/ ٢٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا﴾ [الكهف: ٤٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: خَيْرٌ لِلْمُنِيبِينَ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ ثَوَابًا ﴿وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤] يَقُولُ: وَخَيْرُهُمْ عَاقِبَةً فِي الآجِلِ إِذَا صَارَ إِلَيْهِ الْمُطِيعُ لَهُ، الْعَامِلُ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَالْمُنْتَهِي عَمَّا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ. وَالْعَقِبُ هُوَ الْعَاقِبَةُ، يُقَالُ: عَاقِبَةُ أَمْرِ كَذَا وَعُقْبَاهُ وَعَقِبُهُ، وَذَلِكَ آخِرُهُ وَمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مُنْتَهَاهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿عُقْبًا﴾ [الكهف: ٤٤] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَسْكِينِ الْقَافِ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا. أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٥ ‏/ ٢٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: ٤٥] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَاضْرِبْ لِحَيَاةِ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَكْبِرِينَ الَّذِينَ قَالُوا لَكَ: اطْرُدْ عَنْكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِذَا نَحْنُ جِئْنَاكَ الدُّنْيَا مِنْهُمْ مَثَلًا، يَقُولُ: شَبَهًا ﴿كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: كَمَطَرٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴿فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ﴾ [يونس: ٢٤] يَقُولُ: فَاخْتَلَطَ بِالْمَاءِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا﴾ [الكهف: ٤٥] يَقُولُ: فَأَصْبَحَ نَبَاتُ الْأَرْضِ يَابِسًا مُتَفَتِّتًا ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ [الكهف: ٤٥] يَقُولُ تُطَيِّرُهُ الرِّيَاحُ وَتُفَرِّقُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: ذَرَتْهُ الرِّيحُ تَذْرُوهُ ذَرْوًا، وَذَرَتْهُ ذَرْيًا، وَأَذْرَتْهُ تُذْرِيهِ إِذْرَاءً، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَقُلْتُ لَهُ صَوِّبْ وَلَا تُجْهِدَنَّهُ … فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاةِ فَتَزْلَقِ
يُقَالُ: أَذْرَيْتُ الرَّجُلَ عَنِ الدَّابَّةِ وَالْبَعِيرِ: إِذَا أَلْقَيْتُهُ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف: ٤٥] يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى تَخْرِيبِ جَنَّةِ هَذَا الْقَائِلِ حِينَ دَخَلَ جَنَّتَهُ: ﴿مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ [الكهف: ٣٦] وَإِهْلَاكِ أَمْوَالِ ذِي الْأَمْوَالِ الْبَاخِلِينَ بِهَا عَنْ حُقُوقِهَا، وَإِزالةِ دُنْيَا الْكَافِرِينَ بِهِ عَنْهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشَاءُ قَادِرٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يُعْيِيهِ أَمْرٌ أَرَادَهُ، يَقُولُ: فَلَا يَفْخَرْ ذُو الْأَمْوَالِ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِ، وَلَا يَسْتَكْبِرْ عَلَى غَيْرِهِ
١٥ ‏/ ٢٧٢
بِهَا، وَلَا يَغْتَرَّنَّ أَهْلُ الدُّنْيَا بِدُنْيَاهُمْ، فَإِنَّمَا مَثَلُهَا مَثَلُ هَذَا النَّبَاتِ الَّذِي حَسُنَ اسْتِوَاؤُهُ بِالْمَطَرِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا رَيْثَ أَنِ انْقَطَعَ عَنْهُ الْمَاءُ، فَتَنَاهَى نِهَايَتَهُ، عَادَ يَابِسًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، فَاسِدًا، تَنْبُو عَنْهُ أَعْيُنُ النَّاظِرِينَ، وَلَكِنْ لِيَعْمَلْ لِلْبَاقِي الَّذِي لَا يَفْنَى، وَالدَّائِمِ الَّذِي لَا يَبِيدُ وَلَا يَتَغَيَّرُ
١٥ ‏/ ٢٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْمَالُ وَالْبَنُونَ أَيُّهَا النَّاسُ الَّتِي يَفْخَرُ بِهَا عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ، وَيَتَكَبَّرَانِ بِهَا عَلَى سَلْمَانَ وَخَبَّابٍ وَصُهَيْبٍ، مِمَّا يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَلَيْسَا مِنْ عِدَادِ الْآخِرَةِ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ [الكهف: ٤٦] يَقُولُ: وَمَا يَعْمَلُ سَلْمَانُ وَخَبَّابٌ وَصُهَيْبٌ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَدُعَائِهِمْ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الْبَاقِي لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ فَنَاءِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا مِنَ الْمَالِ وَالْبَنِينَ الَّتِي يَفْتَخِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهَا، الَّتِي تَفْنَى فَلَا تَبْقَى لِأَهْلِهَا ﴿وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦] يَقُولُ: وَمَا يُؤَمِّلُ مِنْ ذَلِكَ سَلْمَانُ وَصُهَيْبٌ وَخَبَّابٌ، خَيْرٌ مِمَّا يُؤَمِّلُ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ مِنْ أَمْوَالِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا. وَهَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ لَدُنْ قَوْلِهِ: ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٢٧] إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، ذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ
١٥ ‏/ ٢٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، وَكَانَ قَارِئَ الْأَزْدِ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابٍ، ⦗٢٧٤⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [الأنعام: ٥٢] ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي قِصَّةِ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ [الكهف: ٢٨] قَالَ: قَالَ: ثُمَّ قَالَ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنٍ، وَمَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، اخْتِلَافَهُمْ فِي الْمَعْنَى بِالدُّعَاءِ الَّذِي وُصِفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ الَّذِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ طَرْدِهِمْ، وَأَمْرِهِ بِالصَّبْرِ مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ ذِكْرُ اللَّهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْكَلَامُ الطَّيِّبُ
١٥ ‏/ ٢٧٣
ذُكِرَ مَنْ قَالَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَاسِبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ
١٥ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنِي زُرَيْقُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ⦗٢٧٥⦘ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ
١٥ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: هِيَ الصَّلَوَاتُ الْمَكْتُوبَاتُ
١٥ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ﴿الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦]: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ
١٥ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيِدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ ﴿الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ
١٥ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ
١٥ ‏/ ٢٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هُنَّ ذِكْرُ اللَّهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الْأَسَدِيُّ، قَالُوا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ الْقُرَشِيُّ مِنْ بَنِي تَيْمٍ مِنْ رَهْطِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، ⦗٢٧٦⦘ يَقُولُ: قِيلَ لِعُثْمَانَ: مَا ﴿الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦]؟ قَالَ: هُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
١٥ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: ثنا حَيْوَةُ، قَالَ: ثنا أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، يَقُولُ: قِيلَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا ﴿الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦]؟ قَالَ: هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ وَرِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَا: ثنا زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالُوا لِعُثْمَانَ: مَا الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ؟ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ
١٥ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا مَالِكٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: ﴿الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
١٥ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ سَرْجِسَ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنِ ﴿الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ﴾ [الكهف: ٤٦]، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِثْلَ ذَلِكَ
١٥ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ﴿الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦]: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٥ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ
١٥ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني أَبُو صَخْرٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ قَالَ: أَرْسَلَنِي سَالِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: الْقَنِي عِنْدَ زَاوِيَةِ الْقَبْرِ، فَإِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: فَالْتَقَيَا، فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، ثُمَّ قَالَ سَالِمٌ: مَا تَعُدُّ ﴿الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦]؟ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: مَتَى جَعَلْتَ فِيهَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؟ فَقَالَ: مَا زِلْتُ أَجْعَلُهَا، قَالَ: فَرَاجَعَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَلَمْ يَنْزِعْ. قَالَ: فَأَثْبَتَ، قَالَ سَالِمٌ: أَجَلْ، فَاثْبَتْ فَإِنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: «عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ فَأُرِيتُ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ فَرَحَّبَ بِي وَسَهَّلَ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ أُمَّتَكَ فَلْتُكْثِرْ مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ، فَقُلْتُ: وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»
١٥ ‏/ ٢٧٨
وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَرَّارُ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ “
١٥ ‏/ ٢٧٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ
١٥ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ»، قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْمِلَّةُ»، قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ، وَالْحَمْدُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»
١٥ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ: إِنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
١٥ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثني ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ، قَالَ: سَأَلَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنِ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، فَقُلْتُ: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ، قَالَ: لَمْ تُصِبْ، فَقُلْتُ: الزَّكَاةُ وَالْحَجُّ، فَقَالَ: لَمْ تُصِبْ، وَلَكِنَّهُنَّ الْكَلِمَاتُ الْخَمْسُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. ⦗٢٨٠⦘ ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هِيَ الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل
١٥ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ
١٥ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: هِيَ ذِكْرُ اللَّهِ، قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَالصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالْجِهَادُ وَالصِّلَةُ، وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْحَسَنَاتِ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، الَّتِي تَبْقَى لِأَهْلِهَا فِي الْجَنَّةِ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
١٥ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ
١٥ ‏/ ٢٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ: هِيَ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ [الكهف: ٤٦] قَالَ: الْكَلَامُ الطَّيِّبُ
١٥ ‏/ ٢٨٠
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُنَّ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْخَيْرِ، كَالَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الصَّالِحَاتِ الَّتِي تَبْقَى لِصَاحِبِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَعَلَيْهَا يُجَازَى وَيُثَابُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا﴾ [الكهف: ٤٦] بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ فِي كِتَابِ، وَلَا بِخَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّمَا وَرَدَ بِأَنَّ قَوْلَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، هُنَّ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ: هُنَّ جَمِيعُ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَلَا كُلُّ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ بَاقِيَاتٌ صَالِحَاتٌ، وَغَيْرُهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ أَيْضًا بَاقِيَاتٌ صَالِحَاتٌ
١٥ ‏/ ٢٨١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ﴾ [الكهف: ٤٧] عَنِ الْأَرْضِ، فَنَبُسُّهَا بَسًّا، وَنَجْعَلُهَا هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ [الكهف: ٤٧] ظَاهِرَةً، وَظُهُورِهَا لِرَأْي أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَسْتُرُهَا مِنْ جَبَلٍ وَلَا شَجَرٍ هُوَ بُرُوزُهَا. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ جِمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ [الكهف: ٤٧] قَالَ: لَا خَمَرَ فِيهَا وَلَا غَيَابَةَ وَلَا بِنَاءَ، وَلَا حَجَرَ فِيهَا حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٢٨٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾ [الكهف: ٤٧] لَيْسَ عَلَيْهَا بِنَاءٌ وَلَا شَجَرٌ وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً أَهْلُهَا الَّذِينَ كَانُوا فِي بَطْنِهَا، فَصَارُوا عَلَى ظَهْرِهَا. وَقَوْلُهُ ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ﴾ [الكهف: ٤٧] يَقُولُ: جَمَعْنَاهُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ ﴿فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٧] يَقُولُ: فَلَمْ نَتْرُكْ، وَلَمْ نُبْقِ مِنْهُمْ تَحْتَ الْأَرْضِ أَحَدًا، يُقَالُ مِنْهُ: مَا غَادَرْتُ مِنَ الْقَوْمِ أَحَدًا، وَمَا أَغْدَرْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَمِنْ أَغْدَرْتُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] ⦗٢٨٣⦘ هَلْ لَكِ وَالْعَارِضُ مِنْكِ عَائِضُ … فِي هَجْمَةٍ يَغْدِرُ مِنْهَا الْقَابِضُ
١٥ ‏/ ٢٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا﴾ [الكهف: ٤٨] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَعُرِضَ الْخَلْقُ عَلَى رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ صَفًّا. ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الكهف: ٤٨] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: يُقَالُ لَهُمْ إِذْ عُرِضُوا عَلَى اللَّهِ: لَقَدْ جِئْتُمُونَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحْيَاءً كَهَيْئَتِكُمْ حِينَ خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَحُذِفَ يُقَالُ مِنَ الْكَلَامِ لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِأَنَّهُ مُرَادٌ فِي الْكَلَامِ
١٥ ‏/ ٢٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٤٨] وَهَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ بِهِ الْجَمِيعُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْخُصُوصُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ الْقِيَامَةَ خَلْقٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، وَالْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْبَعْثِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُقَالُ يَوْمَئِذٍ لِمَنْ وَرَدَهَا مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ بِوَعْدِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَهْلِ الْيَقِينِ فِيهَا بِقِيَامِ السَّاعَةِ، بَلْ زَعَمْتُمْ أَنْ لَنْ نَجْعَلَ لَكُمُ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَالْحَشْرَ إِلَى الْقِيَامَةِ مَوْعِدًا، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُقَالُ لِمَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا مُكَذِّبًا بِالْبَعْثِ وَقِيَامِ السَّاعَةِ
١٥ ‏/ ٢٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَوَضَعَ اللَّهُ يَوْمَئِذٍ كِتَابَ أَعْمَالِ عِبَادِهِ فِي أَيْدِيهِمْ، فَأَخَذَ وَاحِدٌ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَ وَاحِدٌ بِشِمَالِهِ ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ﴾ [الكهف: ٤٩] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مُشْفِقِينَ، يَقُولُ: خَائِفِينَ وَجِلِينَ مِمَّا فِيهِ
١٥ ‏/ ٢٨٣
مَكْتُوبٌ مِنْ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا أَنْ يُؤَاخَذُوا بِهَا ﴿وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٤٩] يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا قَرَءُوا كِتَابَهُمْ، وَرَأَوْا مَا قَدْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ صغائرِ ذُنُوبِهِمْ وَكَبَائِرِهَا، نَادَوْا بِالْوَيْلِ حِينَ أَيْقَنُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، وَضَجُّوا مِمَّا قَدْ عَرَفُوا مِنْ أَفْعَالِهِمُ الْخَبِيثَةُ الَّتِي قَدْ أَحْصَاهَا كِتَابَهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُنْكِرُوا صِحَّتَهَا، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٤٩] اشْتَكَى الْقَوْمُ كَمَا تَسْمَعُونَ الْإِحْصَاءَ، وَلَمْ يَشْتَكِ أَحَدٌ ظُلْمًا «فَإِيَّاكُمْ وَالْمُحَقَّرَاتِ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهَا تَجْتَمِعُ عَلَى صَاحِبِهَا حَتَّى تُهْلِكَهُ» ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَضْرِبُ لَهَا مَثَلًا، يَقُولُ كَمَثَلِ قَوْمٍ انْطَلِقُوا يَسِيرُونَ حَتَّى نَزَلُوا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَانْطَلَقَ كُلُّ رَجُلٍ يَحْتَطِبُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، وَيَجِيءُ الْآخَرُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا كَثِيرًا وَأَجَّجُوا نَارًا، فَإِنَّ الذَّنْبَ الصَّغِيرَ يَجْتَمِعُ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُهْلِكَهُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِالصَّغِيرَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الضَّحِكَ
١٥ ‏/ ٢٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الزيَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً ⦗٢٨٥⦘ وَلَا كَبِيرَةً﴾ [الكهف: ٤٩] قَالَ: الضَّحِكُ
١٥ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمِّي حَمَّادَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٤٩] قَالَ: الصَّغِيرَةُ: الضَّحِكُ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ﴾ [الكهف: ٤٩] مَا شَأْنُ هَذَا الْكِتَابِ ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً﴾ [الكهف: ٤٩] يَقُولُ: لَا يَبْقَى صَغِيرَةً مِنْ ذُنُوبِنَا وَأَعْمَالِنَا وَلَا كَبِيرَةً مِنْهَا ﴿إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف: ٤٩] يَقُولُ: إِلَّا حَفِظَهَا. ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا﴾ [الكهف: ٤٩] فِي الدُّنْيَا مِنْ عَمَلٍ ﴿حَاضِرًا﴾ [الكهف: ٤٩] فِي كِتَابِهِمْ ذَلِكَ مَكْتُوبًا مُثْبَتًا، فَجُوزُوا بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، وَالْحَسَنَةِ مَا اللَّهُ جَازِيهِمْ بِهَا ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] يَقُولُ: وَلَا يُجَازِي رَبُّكَ أَحَدًا يَا مُحَمَّدُ بِغَيْرِ مَا هُوَ أَهْلُهُ، لَا يُجَازِي بِالْإِحْسَانِ إِلَّا أَهْلُ الْإِحْسَانِ، وَلَا بِالسَّيِّئَةِ إِلَّا أَهْلُ السَّيِّئَةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْعَدْلُ
١٥ ‏/ ٢٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُذَكِّرًا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حَسَدَ إِبْلِيسَ أَبَاهُمْ وَمُعَلِّمُهُمْ مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ كِبْرِهِ وَاسْتِكْبَارِهِ عَلَيْهِ حِينَ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَأَنَّهُ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ لَهُمْ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لِأَبِيهِمْ: ﴿وَ﴾ [الحجر: ٥٠] اذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ ﴿إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [البقرة: ٣٤] الَّذِي يُطِيعُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَيَتَّبِعُونَ أَمْرَهُ،
١٥ ‏/ ٢٨٥
وَيُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ اسْتِكْبَارًا عَلَى اللَّهِ، وَحَسَدًا لِآدَمَ ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، فَنُسِبَ إِلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ قِيلَ مِنَ الْجِنِّ، لِأَنَّهُ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَجَنُّوا عَنْ أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ
١٥ ‏/ ٢٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلَّادِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ اسْمُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ الْمَعْصِيَةَ عَزَازِيلَ، وَكَانَ مِنْ سُكَّانِ الْأَرْضِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلَائِكَةِ اجْتِهَادًا وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا، فَذَلِكَ هُوَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْكِبْرِ، وَكَانَ مِنْ حَيٍّ يُسَمَّى جِنًّا
١٥ ‏/ ٢٨٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلَائِكَةِ ⦗٢٨٧⦘ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ مِنْ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ اسْمُهُ الْحَارِثَ. قَالَ: وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَخُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ غَيْرِ هَذَا الْحَيِّ. قَالَ: وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرَفِهَا إِذَا الْتَهَبَتْ
١٥ ‏/ ٢٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني شَيْبَانُ، قَالَ: ثنا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ رَئِيسَ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا
١٥ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ يُدَبِّرَ أَمْرَ سَمَاءِ الدُّنْيَا
١٥ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ وَأَكْرَمَهُمْ قَبِيلَةً. وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ الْأَرْضِ، وَكَانَ فِيمَا قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ لَهُ بِذَلِكَ شَرَفًا وَعَظَمَةً عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ، فَوَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَمَا كَانَ عِنْدَ السُّجُودِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ اسْتَخْرَجَ اللَّهُ كِبْرَهُ عِنْدَ السُّجُودِ، فَلَعَنَهُ وَأَخَّرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
١٥ ‏/ ٢٨٧
قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَوْلُهُ: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] إِنَّمَا سُمِّيَ بِالْجِنَانِ أَنَّهُ كَانَ خَازِنًا عَلَيْهَا، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَكِّيُّ، ⦗٢٨٨⦘ وَمَدَنِيُّ، وَكُوفِيُّ، وَبَصْرِيُّ، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ سِبْطٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَبِيلَةٌ، وَكَانَ اسْمُ قَبِيلَتِهِ الْجِنَّ
١٥ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ صَالِحٍ، مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَشَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَبِيلَةٌ مِنَ الْجِنِّ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهَا، وَكَانَ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَعَصَى فَسَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَمَسَخَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا، لَعَنَهُ اللَّهُ مَمْسُوخًا قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ خَطِيئَةُ الرَّجُلِ فِي كِبْرٍ فَلَا تَرْجُهْ، وَإِذَا كَانَتْ خَطِيئَتُهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَارْجُهْ، وَكَانَتْ خَطِيئَةُ آدَمَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَخَطِيئَةُ إِبْلِيسَ فِي كِبْرٍ
١٥ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] قَبِيلٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالسُّجُودِ، وَكَانَ عَلَى خِزَانَةِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا
١٥ ‏/ ٢٨٨
قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: جَنَّ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ
١٥ ‏/ ٢٨٨
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: أَلْجَأَهُ اللَّهُ إِلَى نَسَبِهِ
١٥ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: كَانَ مِنْ قَبِيلٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ
١٥ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: مَا كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَطُّ، وَإِنَّهُ لَأَصْلُ الْجِنِّ، كَمَا أَنَّ آدَمَ عليه السلام أَصْلُ الْإِنْسِ
١٥ ‏/ ٢٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: كَانَ إِبْلِيسُ عَلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَعَلَى الْأَرْضِ وَخَازِنَ الْجِنَانِ
١٥ ‏/ ٢٨٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ وَأَكْرَمِهِمْ قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَسُلْطَانُ الْأَرْضِ، وَكَانَ مِمَّا سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ لَهُ بِذَلِكَ شَرَفًا عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ، فَوَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَاسْتَخْرَجَ اللَّهُ ذَلِكَ الْكِبْرَ مِنْهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ، فَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ، فَذَلِكَ قَوْلِهِ لِلْمَلَائِكَةِ: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ يَعْنِي: مَا أَسَرَّ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكِبْرِ
١٥ ‏/ ٢٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] لِأَنَّهُ كَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَكِّيُّ، وَمَدَنِيُّ، وَبَصْرِيُّ، وَكُوفِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ اسْمُ قَبِيلَةِ إِبْلِيسَ الْجِنَّ، وَهُمْ سِبْطٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عز وجل ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] فَنَسَبَهُ إِلَى قَبِيلَتِهِ
١٥ ‏/ ٢٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿كَانَ ⦗٢٩٠⦘ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: مِنَ الْجَنَّانِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْجِنَانِ
١٥ ‏/ ٢٨٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْيَحْمَدِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثني سَوَّارُ بْنُ الْجَعْدِ الْيَحْمِدِيُّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، فَأَسَرَهُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ
١٥ ‏/ ٢٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: كَانَ خَازِنَ الْجِنَانِ فَسُمِّيَ بِالْجِنَانِ
١٥ ‏/ ٢٩٠
حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ خَزَنَةِ الْجَنَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ ‏/ ٢٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠] يَقُولُ: فَخَرَجَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، وَعَدَلَ عَنْهُ وَمَالَ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
[البحر الرجز]
١٥ ‏/ ٢٩٠
يَهْوِينَ فِي نَجْدٍ وَغَوْرًا غَائِرَا … فَوَاسِقًا عَنْ قَصْدِهَا جَوَائِرَا
يَعْنِي بِالْفَوَاسِقِ: الْإِبِلَ الْمُنْعَدِلَةَ عَنْ قَصْدِ نَجْدٍ، وَكَذَلِكَ الْفِسْقُ فِي الدِّينِ إِنَّمَا هُوَ الِانْعِدَالُ عَنِ الْقَصْدِ، وَالْمَيْلُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ. وَيُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ مِنْ قِشْرِهَا: إِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ، وَفَسَقَتِ الْفَأْرَةُ: إِذَا خَرَجَتْ مِنْ جُحْرِهَا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّمَا قِيلَ: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠] لِأَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ: فَفَسَقَ عَنْ رَدِّهِ أَمْرَ اللَّهِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: أُتْخِمْتُ عَنِ الطَّعَامِ، بِمَعْنَى: أُتْخِمْتُ لَمَّا أَكَلْتُهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: عَدَلَ وَجَارَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَخَرَجَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ: مَعْنَى الْفِسْقِ: الِاتِّسَاعُ. وَزَعَمَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: فِسْقٌ فِي النَّفَقَةِ: بِمَعْنَى اتَّسَعَ فِيهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْفَاسِقُ فَاسِقًا، لِاتِّسَاعِهِ فِي مَحَارِمِ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: فِي السُّجُودِ لِآدَمَ
١٥ ‏/ ٢٩١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: عَصَى فِي السُّجُودِ لِآدَمَ
١٥ ‏/ ٢٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [الكهف: ٥٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَتُوَالُونَ يَا بَنِي آدَمَ مَنِ اسْتَكْبَرَ عَلَى أَبِيكُمْ وَحَسَدَهُ، وَكَفَرَ نِعْمَتِي عَلَيْهِ، وَغَرَّهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِ عَيْشِهِ فِيهَا إِلَى الْأَرْضِ وَضَيَّقَ الْعَيْشَ فِيهَا، وَتُطِيعُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَعَ عَدَوَاتِهِ لَكُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَتَتْرُكُونَ طَاعَةَ رَبِّكِمُ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ وَأَكْرَمَكُمْ، بِأَنْ أَسْجَدَ لِوَالِدِكُمْ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّاتِهِ، وَآتَاكُمْ مِنْ فَوَاضِلِ نِعَمِهِ مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ، وَذُرِّيَّةُ إِبْلِيسَ: الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يُغْرُونَ بَنِي آدَمَ. كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ [الكهف: ٥٠] قَالَ: ذُرِّيَّتُهُ: هُمُ الشَّيَاطِينُ، وَكَانَ يُعِدُّهُمْ «زلنبور» صَاحِبُ الْأَسْوَاقِ وَيَضَعُ رَايَتَهُ فِي كُلِّ سُوقٍ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَ«ثبر» صَاحِبُ الْمَصَائِبِ، وَ«الْأَعْوَرُ» صَاحِبُ الزِّنَا وَ«مَسُوطُ» صَاحِبُ الْأَخْبَارِ يَأْتِي بِهَا فَيُلْقِيهَا فِي أَفْوَاهِ النَّاسِ، وَلَا يَجِدُونَ لَهَا أَصْلًا، وَ«دَاسَمَ» الَّذِي إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ بَصَرَهُ مِنَ الْمَتَاعِ مَا لَمْ يَرْفَعْ، وَإِذَا أَكَلَ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ أَكَلَ مَعَهُ
١٥ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ، يَقُولُ: إِذَا دَخَلْتُ الْبَيْتَ وَلَمْ أُسَلِّمْ، رَأَيْتُ مَطْهَرَةً، فَقُلْتُ: ارْفَعُوا ارْفَعُوا، وَخَاصَمْتُهُمْ، ثُمَّ أَذْكُرُ فَأَقُولُ: دَاسِمُ دَاسِمُ
١٥ ‏/ ٢٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هُمْ أَرْبَعَةٌ ثَبْرُ، وَدَاسَمُ، وَزَلَنْبُورُ، وَالْأَعْوَرُ، وَمَسُوطُ: أَحَدُهَا
١٥ ‏/ ٢٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي﴾ [الكهف: ٥٠] . . الْآيَةَ، وَهُمْ يَتَوَالَدُونَ كَمَا تَتَوَالَدُ بَنُو آدَمَ، وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
١٥ ‏/ ٢٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [الكهف: ٥٠] وَهُوَ أَبُو الْجِنِّ كَمَا آدَمُ أَبُو الْإِنْسِ وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ لِإِبْلِيسَ: إِنِّي لَا أَذْرَأُ لِآدَمَ ذُرِّيَّةً إِلَّا ذَرَأْتُ لَكَ مِثْلَهَا، فَلَيْسَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ شَيْطَانٌ قَدْ قُرِنَ بِهِ
١٥ ‏/ ٢٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: بِئْسَ الْبَدَلُ لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ اتِّخَاذُ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ مَنْ تَرَكَهُمُ اتِّخَاذَ اللَّهِ وَلِيًّا بِاتِّبَاعِهِمْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَهُوَ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَبِيهِمْ آدَمَ مِنْ قَبْلِهِمْ، الْمُتَفَضِّلُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَوَاضِلِ مَا لَا يُحْصَى بَدَلًا. ⦗٢٩٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠] بِئْسَمَا اسْتَبْدَلُوا بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ إِذْ أَطَاعُوا إِبْلِيسَ
١٥ ‏/ ٢٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: مَا أَشْهَدْتُ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتَهُ ﴿خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: مَا أَحْضَرْتُهُمْ ذَلِكَ فَأَسْتَعِينُ بِهِمْ عَلَى خَلْقِهَا ﴿وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الكهف: ٥١] يَقُولُ: وَلَا أَشْهَدْتُ بَعْضَهُمْ أَيْضًا خَلْقَ بَعْضٍ مِنْهُمْ، فَأَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى خَلْقِهِ، بَلْ تَفَرَّدْتُ بِخَلْقِ جَمِيعِ ذَلِكَ بِغَيْرِ مُعِينٍ وَلَا ظَهِيرٍ، يَقُولُ: فَكَيْفَ اتَّخَذُوا عَدُوَّهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي، وَهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقٍ أَمْثَالِهِمْ، وَتَرَكُوا عِبَادَتِي وَأَنَا الْمُنْعِمُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَسْلَافِهِمْ، وَخَالِقِهِمْ وَخَالِقِ مَنْ يُوَالُونَهُ مِنْ دُونِي مُنْفَرِدًا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُعِينٍ وَلَا ظَهِيرٍ
١٥ ‏/ ٢٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ [الكهف: ٥١] يَقُولُ: وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ مَنْ لَا يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ، وَلَكِنَّهُ يَضِلُّ، فَمَنْ تَبِعَهُ يَجُورُ بِهِ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُعَضِّدُ فُلَانًا إِذَا كَانَ يُقَوِّيهِ وَيُعِينُهُ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٥ ‏/ ٢٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾ [الكهف: ٥١] أَيْ أَعْوَانًا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتَهُ يُضِلُّونَ بَنِي آدَمَ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُهْدُونَهُمْ لِلرُّشْدِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنَى بِالْمُضِلِّينَ الَّذِينَ هُمْ أَتْبَاعٌ عَلَى الضَّلَالَةِ، وَأَصْحَابٌ عَلَى غَيْرِ هُدًى
١٥ ‏/ ٢٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ [الكهف: ٥٣] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ﴾ [الأنعام: ٧٣] اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ ﴿نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ [الكهف: ٥٢] يَقُولُ لَهُمُ: ادْعُوا الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ شُرَكَائِي فِي الْعِبَادَةِ لِيَنْصُرُوكُمْ وَيَمْنَعُوكُمْ مِنِّي ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ [الكهف: ٥٢] يَقُولُ: فَاسْتَغَاثُوا بِهِمْ فَلَمْ يُغِيثُوهُمْ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَجَعَلْنَا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَمَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ دُونَ اللَّهِ شُرَكَاءَ فِي الدُّنْيَا يَوْمَئِذٍ عَدَاوَةً
١٥ ‏/ ٢٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: جَعَلَ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
١٥ ‏/ ٢٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: عَدَاوَةً. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَجَعَلْنَا فِعْلَهُمْ ذَلِكَ لَهُمْ مَهْلِكًا
١٥ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: مَهْلِكًا
١٥ ‏/ ٢٩٦
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: هَلَاكًا
١٥ ‏/ ٢٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: الْمَوْبِقُ: الْمَهْلِكُ، الَّذِي أَهْلَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِيهِ، أَوْبَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقَرَأَ ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩]
١٥ ‏/ ٢٩٦
حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، ﴿مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: ⦗٢٩٧⦘ هَلَاكًا
١٥ ‏/ ٢٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَرْفَجَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: مَهْلِكًا وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ اسْمُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ
١٥ ‏/ ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: وَادٍ عَمِيقٌ فُصِلَ بِهِ بَيْنَ أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَأَهْلِ الْهُدَى، وَأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ
١٥ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَمْرًا الْبِكَالِيَّ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: هُوَ وَادٍ عَمِيقٍ فُرِّقَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْهُدَى وَأَهْلِ الضَّلَالَةِ
١٥ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: وَادِيًا فِي النَّارِ
١٥ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى ح، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ ⦗٢٩٨⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٥ ‏/ ٢٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ دِرْهَمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢] قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ فِي تَأْوِيلِ الْمَوْبِقِ: أَنَّهُ الْمَهْلِكُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ فِي كَلَامِهَا: قَدْ أَوْبَقْتُ فُلَانًا: إِذَا أَهْلَكْتُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ [الشورى: ٣٤] بِمَعْنَى: يُهْلِكُهُنَّ. وَيُقَالُ لِلْمُهْلِكِ نَفْسَهُ: قَدْ وَبَقَ فُلَانٌ فَهُوَ يُوبِقُ وَبْقًا. وَلغةُ بَنِي عَامِرٍ: يَابِقُ بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَحُكِيَ عَنْ تَمِيمٍ أَنَّهَا تَقُولُ: يَبِيقُ، وَقَدْ حُكِيَ وَبَقَ يَبِقَ وُبُوقًا، حَكَاهَا الْكِسَائِيُّ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: الْمَوْبِقُ: الْوَعْدُ، وَيَسْتَشْهِدُ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَحَادَ شَرَوْرَى فَالسَّتَارَ فَلَمْ يَدَعْ … تِعَارًا لَهُ وَالْوَادِيَيْنِ بِمَوْبِقِ
وَيَتَأَوَّلُهُ بِمَوْعِدٍ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَهْلِكُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، هُوَ الْوَادِي الَّذِي ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي قَالَهَا الْحَسَنُ
١٥ ‏/ ٢٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ﴾ [الكهف: ٥٣] يَقُولُ: وَعَايَنَ الْمُشْرِكُونَ النَّارَ يَوْمَئِذٍ ﴿فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾ [الكهف: ٥٣] يَقُولُ: فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ دَاخِلُوهَا، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾ [الكهف: ٥٣] قَالَ: عَلِمُوا
١٥ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْكَافِرَ يَرَى جَهَنَّمَ فَيَظُنُّ أَنَّهَا مُوَاقِعَتُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً»
١٥ ‏/ ٢٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ [الكهف: ٥٣] يَقُولُ: وَلَمْ يَجِدُوا عَنِ النَّارِ الَّتِي رَأَوْا مَعْدِلًا يَعْدِلُونَ عَنْهَا إِلَيْهِ. يَقُولُ: لَمْ يَجِدُوا مِنْ مُوَاقَعَتِهَا بُدًّا، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَتَّمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. وَمِنَ الْمَصْرِفِ بِمَعْنَى الْمَعْدِلِ قَوْلُ أَبِي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ:
[البحر الكامل] أَزُهَيْرُ هَلْ عَنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَصْرِفِ … أَمْ لَا خُلُودَ لِبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ
١٥ ‏/ ٢٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ مَثَّلْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، وَوَعْظَنَاهُمْ فِيهِ مِنْ كُلِّ عِظَةٍ، وَاحْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ بِكُلِّ حُجَّةٍ لِيَتَذَكَّرُوا فَيُنِيبُوا، وَيَعْتَبِرُوا فَيَتَّعِظُوا، ⦗٣٠٠⦘ وَيَنْزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤] يَقُولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ مِرَاءً وَخُصُومَةً، لَا يُنِيبُ لَحِقٍّ، وَلَا يَنْزَجِرُ لِمَوْعِظَةٍ، كَمَا:
١٥ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤] قَالَ: الْجَدَلُ: الْخُصُومَةُ، خُصُومَةُ الْقَوْمِ لِأَنْبِيَائِهِمْ، وَرَدُّهُمْ عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوا بِهِ. وَقَرَأَ: ﴿مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٣] وَقَرَأَ: ﴿يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون: ٢٤] وَقَرَأَ: ﴿حَتَّى تُوَفَّى﴾ . . الْآيَةَ: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾ [الأنعام: ٧] . . الْآيَةَ، وَقَرَأَ: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ [الحجر: ١٤] قَالَ: هُمْ لَيْسَ أَنْتَ ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٥]
١٥ ‏/ ٣٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَمَا مَنَعَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّدُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى بَيَانُ اللَّهِ، وَعَلِمُوا صِحَّةَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَحَقِيقَتَهُ، وَالِاسْتِغْفَارَ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ شِرْكِهِمْ، إِلَّا مَجِيئُهُمْ سُنَّتَنَا فِي أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا قَبْلَهُمْ، أَوْ إِتْيَانُهُمُ الْعَذَابَ قُبُلًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَوْ يَأْتِيَهُمُ ⦗٣٠١⦘ الْعَذَابُ فَجْأَةً ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
١٥ ‏/ ٣٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥] قَالَ فَجْأَةً حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ عِيَانًا
١٥ ‏/ ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥] قَالَ: قُبُلًا مُعَايَنَةُ ذَلِكَ الْقُبُلُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَةٌ ذَاتُ عَدَدٍ ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا﴾ [الكهف: ٥٥] بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ أَلْوَانٌ وَضُرُوبٌ، وَوَجَّهُوا الْقُبَلَ إِلَى جَمْعِ قَبِيلٍ، كَمَا يُجْمَعُ الْقَتِيلُ الْقُتُلُ، وَالْجَدِيدُ الْجُدُدُ. وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ أُخْرَى: (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قِبَلًا) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، بِمَعْنَى أَوْ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ عِيَانًا مِنْ قَوْلِهِمْ: كَلَّمْتُهُ قِبَلًا. وَقَدْ بَيَّنْتُ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٥ ‏/ ٣٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا﴾ [الكهف: ٥٦] يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَمَا نُرْسِلُ إِلَّا لِيُبَشِّرُوا أَهْلَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِاللَّهِ بِجَزِيلِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلِيُنْذِرُوا أَهْلَ الْكُفْرِ بِهِ وَالتَّكْذِيبِ عَظِيمَ عِقَابِهِ، وَأَلِيمَ عَذَابِهِ، فَيَنْتَهُوا عَنِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ، وَيَنْزَجِرُوا عَنِ الْكُفْرِ بِهِ وَمَعَاصِيهِ ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ [الكهف: ٥٦] يَقُولُ: وَيُخَاصِمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بِالْبَاطِلِ، ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَخْبِرْنَا عَنْ حَدِيثِ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ لَمْ يُدْرَ مَا شَأْنُهُمْ، وَعَنِ الرَّجُلِ الَّذِي بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَعَنِ الرُّوحِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا كَانُوا يُخَاصِمُونَهُ بِهِ، يَبْتَغُونَ إِسْقَاطَهُ، تَعْنَيتًا لَهُ ﷺ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُمْ: إِنَّا لَسْنَا نَبْعَثُ إِلَيْكُمْ رُسُلَنَا لِلْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ، وَإِنَّمَا نَبْعَثُهُمْ مُبَشِّرِينَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِرِينَ أَهْلَ الْكُفْرِ بِالنَّارِ، وَأَنْتُمْ تُجَادِلُونَهُمْ بِالْبَاطِلِ طَلَبًا مِنْكُمْ بِذَلِكَ أَنْ تُبْطِلُوا الْحَقَّ الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ رَسُولِي. وَعَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ﴾ [الكهف: ٥٦] لِيُبْطِلُوا بِهِ الْحَقَّ وَيُزِيلُوُهُ وَيَذْهَبُوا بِهِ. يُقَالُ مِنْهُ: دَحَضَ الشَّيْءُ: إِذَا زَالَ وَذَهَبَ، وَيُقَالُ: هَذَا مَكَانٌ دَحْضٌ: أَيْ مُزِلٌّ مُزْلِقٌ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خُفٌّ وَلَا حَافِرٌ وَلَا قَدَمٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] رَدِيتُ وَنَجَّى الْيَشْكُرِيَّ حِذَارُهُ … وَحَادَ كَمَا حَادَ الْبَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ
وَيُرْوَى: وَنَحَّى، وَأَدْحَضْتُهُ أَنَا: إِذَا أَذْهَبْتُهُ وَأَبْطَلْتُهُ

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …